ـ ومن أبواب الزواج :فإن قيل فما هى الشروط فى النكاح
صفحة 1 من اصل 1
ـ ومن أبواب الزواج :فإن قيل فما هى الشروط فى النكاح
ـ ومن أبواب الزواج :
ـ فإن قيل
فما هى الشروط فى النكاح ؟ " أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْـ الجواب : "جاء فى الصحيحين
عنه مِنَ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ" (1) ،
وفيهما عنه :"لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ
صَحْفَتَهَا وَلْتَنْكِحْ فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا" (2).
فتضمن هذا
الحكم وجوب الوفاء بالشروط التى شرطت فى العقد إذا لم تتضمن تغييراً لحكم الله
ورسوله .
وقد اتفق على وجوب الوفاء بتعجيل المهر أو تأجيله والضمين والرهن به
ونحو ذلك وعلى عدم الوفاء باشتراط ترك الوطء والإنفاق والخلو عن المهر ونحو ذلك .
واختلف فى شرط الإقامة فى بلد الزوجة وشرط دار الزوجة ، وأنه لا يتسرى عليها
ولا يتزوج عليها فأوجب أحمد وغيره الوفاء به ومتى لم يف به فلها الفسخ عند أحمد.
واختلف فى اشتراط البكارة والنسب والجمال والسلامة من العيوب التى لا يفسخ بها
النكاح وهل يؤثر عدمها فى فسخه على ثلاثة أقوال ثالثها الفسخ عند عدم النسب خاصة ،
بطلان اشتراط المرأة طلاق أختها وأنه لا يجب الوفاء به .وتضمن حكمه
ـ فإن قيل
فما الفرق بين هذا وبين اشتراطها أن لا يتزوج عليها حتى صححتم هذا وأبطلتم شرط طلاق
الضرة ؟
ـ الجواب : قيل : الفرق بينهما أن فى اشتراط طلاق الزوجة من الإضرار بها
وكسر قلبها وخراب بيتها وشماتة أعدائها ما ليس فى اشتراط عدم نكاحها ونكاح غيرها ،
وقد فرق النص بينهما فقياس أحدهما على الآخر فاسد" (1) .
ـ فإن قيل فما حكم
الإسلام فيمن تزوج بامرأة فوجدها حبلى ؟
ـ قال الإمام أحمد وجمهور الفقهاء وأهل
المدينة ببطلان هذا النكاح ، ويجب المهر المسمى أو مثله أو أقل منه على اختلاف
بينهم ، ويجب عليها الحد وهو أحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى .
ـ
إذن فما هى المحرمات من النساء ؟
ـ الجواب : "حرَّم الأمهات وهن كل من بينك
وبينه إيلاد من جهة الأمومة أو الأبوة كأمهاته وأمهات آبائه وأجداده من جهة الرجال
والنساء وإن علون .
وحرَّم البنات وهن كل من انتسب إليه بإيلاد كبنات صلبه وبنات
بناته وأبنائهن وإن سفلن .
وحرَّم الأخوات من كل جهة .
وحرَّم العمات وهن
أخوات آبائه وإن علون من كل جهة .
وأما عمة العم فإن كان العم لأب فهى عمة أبيه
وإن كان لأم فعمته أجنبية منه فلا تدخل فى العمات ، وأما عمة الأم فهى داخلة فى
عماته كما دخلت عمة أبيه فى عماته .
وحرَّم الخالات وهن أخوات أمهاته وأمهات
آبائه وإن علون ، وأما خالة العمة فإن كانت العمة لأب فخالتها أجنبية وإن كانت لأم
فخالتها حرام لأنها خالة ، وأما عمة الخالة فإن كانت الخالة لأم فعمتها أجنبية وإن
كانت لأب فعمتها حرام لأنها عمة الأم .
وحرَّم بنات الأخ وبنات الأخت فيعم الأخ
والأخت من كل جهة وبناتهما وإن نزلت درجتهن .
وحرَّم الأم من الرضاعة فيدخل فيه
أمهاتها من قبل الآباء والأمهات وإن علون وإذا صارت المرضعة أمه صار صاحب اللبن وهو
الزوج أو السيد إن كانت جارية أباه وآباؤه أجداده فنبه بالمرضعة صاحبة اللبن التى
هى مودع فيها للأب على كونه أبا بطريق الأولى لأن اللبن له وبوطئه ثاب ولهذا حكم
بتحريم لبن الفحل (1) فثبت بالنص وإيمائه انتشار حرمة الرضاع إلى أمرسول الله
المرتضع وأبيه من الرضاعة وأنه قد صار ابناً لهما وصار أبوين له فلزم من ذلك أن
يكون إخوتهما وأخواتهما خالات له وعمات وأبناؤهما وبناتهما إخوة له وأخوات فنبه
بقوله : (وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ) (النساء : 22) على انتشار حرمة الرضاع
إلى إخوتهما وأخواتهما كما انتشرت منهما إلى أولادهما فكما صاروا إخوة وأخوات
للمرتضع فأخوالهما وخالاتهما أخوال وخالات له وأعمام وعمات له ، الأول بطريق النص ،
والآخر بتنبيهه، كما أن الإنتشار إلى الأم بطريق النص وإلى الأب بطريق تنبيهه .
وهذه طريقة عجيبة مطردة فى القرآن لا يقع عليها إلا كل غائص على معانيه ووجوه
دلالاته ، ومن هنا قضى رسول أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ولكنالله الدلالة
دلالتان خفية وجلية فجمعهما للأمة ليتم البيان ويزول الإلتباس ويقع على الدلالة
الجلية الظاهرة من قصر فهمه عن الخفية .
وحرَّم أمهات النساء فدخل فى ذلك أم
المرأة وإن علت من نسب أو رضاع دخل بالمرأة أو لم يدخل بها لصدق الإسم على هؤلاء
كلهن .
وحرَّم الربائب اللاتى فى حجور الأزواج وهن بنات نسائهم المدخول بهن
فتناول بذلك بناتهن وبنات بناتهن وبنات أبنائهن فإنهن داخلات فى اسم الربائب وقيد
التحريم بقيدين أحدهما كونهن فى حجور الأزواج .
والثانى : الدخول بأمهاتهن فإذا
لم يوجد الدخول لم يثبت التحريم وسواء حصلت الفرقة بموت أو طلاق هذا مقتضى النص .
وذهب زيد بن ثابت ومن وافقه وأحمد فى رواية عنه إلى أن موت الأم فى تحريم
الربيبة كالدخول بها لأنه يكمل الصداق ويوجب العدة والتوارث فصار كالدخول والجمهور
أبوا ذلك وقالوا الميتة غير مدخول بها فلا تحرم ابنتها والله تعالى قيد التحريم
بالدخول وصرح بنفيه عند عدم الدخول .
وأما كونها فى حجره فلما كان الغالب ذلك
ذكره لا تقييداً للتحريم به بل هو بمنزلة قوله : (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ
خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) (الإسراء : 31) ولما كان من شأن بنت المرأة أن تكون عند أمها
فهى فى حجر الزوج وقوعاً وجوازاً فكأنه قال اللاتى من شأنهن أن يكن فى حجوركم
.
ففى ذكر هذا فائدة شريفة وهى جواز جعلها فى حجره وأنه لا يجب عليه أبعادها عنه
وتجنب مؤاكلتها والسفر والخلوة بها فأفاد هذا الوصف عدم الامتناع من ذلك .
ولما
خفى هذا على بعض أهل الظاهر شرط فى تحريم الربيبة أن تكون فى حجر الزوج وقيد
تحريمها بالدخول بأمها وأطلق تحريم أم المرأة ولم يقيده بالدخول فقال جمهور العلماء
من الصحابة ومن بعدهم إن الأم تحرم بمجرد العقد على البنت دخل بها أو لم يدخل ولا
تحرم البنت إلا بالدخول بالأم وقالوا أبهموا ما أبهم الله وذهبت طائفة إلى أن قوله
: (اللاَّتِي دَخَلْتُم) (النساء : 23) وصف لنسائكم الأولى والثانية وأنه لا تحرم
الأم إلا بالدخول بالبنت وهذا يرده نظم الكلام وحيلولة المعطوف بين الصفة والموصوف
وامتناع جعل الصفة للمضاف إليه دون المضاف إلا عند البيان ، فإذا قلتَ : مررتُ
بغلام زيد العاقل ، فهو صفة للغلام لا لزيد إلا عند زوال اللبس، كقولك مررت بغلام
هند الكاتبة ، ويرده أيضاً جعله صفة واحدة لموصوفين مختلفى الحكم والتعلق والعامل
وهذا لا يعرف فى اللغة التى نزل بها القرآن .
وأيضاً فإن الموصوف الذى يلى الصفة
أولى بها لجواره والجار أحق بصفته ما لم تدع ضرورة إلى نقلها عنه أو تخطيها إياه
إلى الأبعد .
ـ فإن قيل فمن أين أدخلتم ربيبته التى هى بنت جاريته التى دخل بها
وليست من نسائه ؟
قلنا السرية قد تدخل فى جملة نسائه كما دخلت فى قوله :
(نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (البقرة : 223)
ودخلت فى قوله : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ)
(البقرة : 187) ودخلت فى قوله : (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ
النِّسَاء) (النساء 22) .
ـ فإن قيل : فيلزمكم على هذا إدخالها فى قوله :
(وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ) (النساء : 23) فتحرم عليه أم جاريته .
قلنا : نعم
وكذلك نقول إذا وطئ أمته حرمت عليه أمها وابنتها .
ـ فإن قيل : فأنتم قد قررتم
أنه لا يشترط الدخول بالبنت فى تحريم أمها فكيف تشترطونه ها هنا ؟
قلنا : لتصير
من نسائه فإن الزوجة صارت من نسائه بمجرد العقد وأما المملوكة فلا تصير من نسائه
حتى يطأها فإذا وطئها صارت من نسائه فحرمت عليه أمها وابنتها .
ـ فإن قيل :
فكيف أدخلتم السرية فى نسائه فى آية التحريم ولم تدخلوها فى نسائه فى آية الظهار
والإيلاء ؟
قيل : السياق والواقع يأبى ذلك فإن الظهار كان عندهم طلاقاً وإنما
محله الأزواج لا الإماء فنقله الله سبحانه من الطلاق إلى التحريم الذى تزيله
الكفارة ونقل حكمه وأبقى محله وأما الإيلاء فصريح فى أن محله الزوجات لقوله تعالى :
(لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ
فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ، وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ
اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة : 226 ـ 227) .
ـ وحرَّم سبحانه حلائل الأبناء
وهن موطوآت الأبناء بنكاح أو ملك يمين فإنها حليلة بمعنى محللة ويدخل فى ذلك ابن
صلبه وابن ابنه وابن ابنته ويخرج بذلك ابن التبنى وهذا التقييد قصد به إخراجه
.
وأما حليلة ابنه من الرضاع فإن الأئمة الأربعة ومن قال بقولهم يدخلونها فى
قوله : (وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ) (النساء : 23) ولا يخرجونها بقوله : (الَّذِينَ
مِنْ أَصْلاَبِكُمْ) (النساء : 23) ويحتجون : "حرموا من الرضاع ما تحرمون من النسب"
قالوا : وهذه الحليلة تحرمبقول النبى إذا كانت لابن النسب فتحرم إذا كانت لابن
الرضاع ، قالوا : والتقييد لإخراج ابن التبنى لا غير وحرموا من الرضاع بالصهر نظير
ما يحرم بالنسب ونازعهم فى ذلك آخرون وقالوا لا تحرم حليلة ابنه من الرضاعة لأنه
ليس من صلبه والتقييد كما يخرج حليلة ابن التبنى يخرج حليلة ابن الرضاع سواء ولا
فرق بينهما .
:قالوا : وأما قوله "يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ
النَّسَبِ" (1) فهو من أكبر أدلتنا وعمدتنا فى المسألة فإن تحريم حلائل الآباء
والأبناء إنما هو بالصهر لا بالنسب قد قصر تحريم الرضاع على نظيره من النسب لا على
شقيقه من الصهر فيجبوالنبى الإقتصار بالتحريم على مورد النص .
قالوا :
والتحريم بالرضاع فرع على تحريم النسب لا على تحريم المصاهرة فتحريم المصاهرة أصل
قائم بذاته والله سبحانه لم ينص فى كتابه على تحريم الرضاع إلا من جهة النسب ولم
ينبه على التحريم به من جهة الصهر أمر أن يحرم به ما يحرم من النسب وفىألبتة لا
بنص ولا إيماء ولا إشارة والنبى ذلك إرشاد وإشارة إلى أنه لا يحرم به ما يحرم
بالصهر ولولا أنه أراد الإقتصار على ذلك لقال حرموا من الرضاع ما يحرم من النسب
والصهر .
قالوا : وأيضاً فالرضاع مشبه بالنسب ولهذا أخذ منه بعض أحكامه وهو
الحرمة والمحرمية فقط دون التوارث والإنفاق وسائر أحكام النسب فهو نسب ضعيف فأخذ
بحسب ضعفه بعض أحكام النسب ولم يقو على سائر أحكام النسب وهو ألصق به من المصاهرة
فكيف يقوى على أخذ أحكام المصاهرة مع قصوره عن أحكام مشبهه وشقيقه
وأما
المصاهرة والرضاع فإنه لا نسب بينهما ولا شبهة نسب ولا بعضية ولا اتصال قالوا : ولو
كان تحريم الصهرية ثابتاً لبينة الله ورسوله بياناً شافياً يقيم الحجة ويقطع العذر
فمن الله البيان وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم والإنقياد فهذا منتهى النظر فى
هذه المسألة فمن ظفر فيها بحجة فليرشد إليها وليدل عليها فإنا لها منقادون وبها
معتصمون والله الموفق للصواب .
فصــل
وحرَّم سبحانه وتعالى نكاح من نكحهن
الآباء وهذا يتناول منكوحاتهم بملك اليمين أو عقد نكاح ويتناول آباء الآباء وآباء
الأمهات وإن علون والاستثناء بقوله : "إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ" من مضمون جملة النهى
وهو التحريم المستلزم للتأثيم والعقوبة فاستثنى منه ما سلف قبل إقامة الحجة بالرسول
والكتاب .
فصــل
وحرَّم سبحانه الجمع بين الأختين وهذا يتناول الجمع بينهما
فى عقد النكاح وملك اليمين كسائر محرمات الآية وهذا قول جمهور الصحابة ومن بعدهم
وهو الصواب وتوقفت طائفة فى تحريمه بملك اليمين لمعارضة هذا العموم بعموم قوله
سبحانه : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ
أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (المؤمنون : 5 ـ 6)
ولهذا أحلتهما آية وحرمتهما آية .قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان
وقال الإمام
أحمد فى رواية عنه : لا أقول هو حرام ولكن ننهى عنه ، فمن أصحابه من جعل القول
بإباحته رواية عنه والصحيح أنه لم يبحه ولكن تأدب مع الصحابة أن يطلق لفظ الحرام
على أمر توقف فيه عثمان بل قال ننهى عنه .
والذين جزموا بتحريمه رجحوا آية
التحريم من وجوه :
ـ أحدها : أن سائر ما ذكر فيها من المحرمات عام فى النكاح
وملك اليمين فما بال هذا وحده حتى يخرج منها ، فإن كانت آية الإباحة مقتضية لحل
الجمع بالملك فلتكن مقتضية لحل أم موطوءته بالملك ولموطوءة أبيه وابنه بالملك إذ لا
فرق بينهما ألبتة ولا يعلم بهذا قائل .
ـ الثانى : أن آية الإباحة بملك اليمين
مخصوصة قطعاً بصور عديدة لا يختلف فيها اثنان كأمه وابنته وأخته وعمته وخالته من
الرضاعة بل كأخته وعمته وخالته من النسب عند من لا يرى عتقهن بالملك كمالك والشافعى
ولم يكن عموم قوله : (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) (النساء : 3) معارضاً لعموم
تحريمهن بالعقد والملك فهذا حكم الأختين سواء .
ـ الثالث : أن حل الملك ليس فيه
أكثر من بيان جهة الحل وسببه ولا تعرض فيه لشروط الحل ولا لموانعه وآية التحريم
فيها بيان موانع الحل من النسب والرضاع والصهر وغيره فلا تعارض بينهما ألبتة وإلا
كان كل موضع ذكر فيه شرط الحل وموانعه معارضاً لمقتضى الحل وهذا باطل قطعاً بل هو
بيان لما سكت عنه دليل الحل من الشروط والموانع .
ـ الرابع : أنه لو جاز الجمع
بين الأختين المملوكتين فى الوطء جاز الجمع بين الأم وابنتها المملوكتين فإن نص
التحريم شامل للصورتين شمولاً واحداً وإن إباحة المملوكات إن عمت الأختين عمت الأم
وابنتها .
قال : "من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فلا يجمع ماءهـ الخامس : أن
النبى فى رحم أختين" (1) ولا ريب أن جمع الماء كما يكون بعقد النكاح يكون بملك
اليمين والإيمان يمنع منه .
فصــل
بتحريم الجمع بين المرأة وعمتهاوقضى رسول
الله والمرأة وخالتها وهذا التحريم مأخوذ من تحريم الجمع بين الأختين لكن بطريق خفى
وما مثل ما حرمه الله ولكن هو مستنبط من دلالة الكتاب .حرمه رسول الله
وكان من
القرآن ومنالصحابة ـ رضى الله عنهم ـ أحرص شئ على استنباط أحاديث رسول الله ألزم
نفسه ذلك وقرع بابه ووجه قلبه إليه واعتنى به بفطرة سليمة وقلب ذكى رأى السنة كلها
تفصيلاً للقرآن وتبييناً لدلالته وبياناً لمراد الله منه وهذا أعلى مراتب العلم فمن
ظفر به فليحمد الله ومن فاته فلا يلومن إلا نفسه وهمته وعجزه .
واستفيد من تحريم
الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها أن كل امرأتين بينهما
قرابة لو كان أحدهما ذكراً حرم على الآخر فإنه يحرم الجمع بينهما ولا يستثنى من هذا
صورة واحدة فإن لم يكن بينهما قرابة لم يحرم الجمع بينهما وهل يكره على قولين وهذا
كالجمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها .
واستفيد من عموم تحريمه سبحانه
المحرمات المذكورة أن كل امرأة حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين إلا إماء أهل
الكتاب فإن نكاحهن حرام عند الأكثرين ووطؤهن بملك اليمين جائز وسوى أبو حنيفة
بينهما فأباح نكاحهن كما يباح وطؤهن بالملك .
والجمهور احتجوا عليه بأن الله
سبحانه وتعالى إنما أباح نكاح الإماء بوصف الإيمان فقال تعالى : (وَمَن لَّمْ
يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ
بِإِيمَانِكُمْ) (النساء : 25) ، وقال تعالى : (وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ
حَتَّى يُؤْمِنَّ) (البقرة : 221) خص ذلك بحرائر أهل الكتاب بقى الإماء على قضية
وغيره من الصحابة إدخال الكتابيات فى هذه الآية فقال : لاالتحريم وقد فهم عمر أعلم
شركاً أعظم من أن تقول إن المسيح إلهها .
وأيضاً فالأصل فى الأبضاع الحرمة
وإنما أبيح نكاح الإماء المؤمنات فمن عداهن على أصل التحريم وليس تحريمهن مستفادا
من المفهوم .
واستفيد من سياق الآية ومدلولها أن كل امرأة حرمت حرمت ابنتها إلا
العمة والخالة وحليلة الإبن وحليلة الأب وأم الزوجة وأن كل الأقارب حرام إلا
الأربعة المذكورات فى سورة الأحزاب وهن بنات الأعمام والعمات وبنات الأخوال
والخالات .
فصــل
ومما حرمه النص نكاح المزوجات وهن المحصنات واستثنى من ذلك
ملك اليمين فأشكل هذا الاستثناء على كثير من الناس فإن الأمة المزوجة يحرم وطؤها
على مالكها فأين محل الاستثناء .
فقالت طائفة هو منقطع أى لكن ما ملكت أيمانكم
ورد هذا لفظاً ومعنى أما اللفظ فإن الانقطاع إنما يقع حيث يقع التفريغ وبابه غير
الإيجاب من النفى والنهى والاستفهام فليس الموضع موضع انقطاع ، وأما المعنى فإن
المنقطع لا بد فيه من رابط بينه وبين المستثنى منه بحيث يخرج ما توهم دخوله فيه
بوجه ما ، فإنك إذا قلت ما بالدار من أحد دل على انتفاء من بها بدوابهم وأمتعتهم
فإذا قلت إلا حماراً أو إلا الأثافى ونحو ذلك أزلت توهم دخول المستثنى فى حكم
المستثنى منه وأبين من هذا قوله تعالى : (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا
سَلَامًا) (مريم : 62) .
فاستثناء السلام أزال توهم نفى السماع العام فإن عدم
سماع اللغو يجوز أن يكون لعدم سماع كلام ما وأن يكون مع سماع غيره وليس فى تحريم
نكاح المزوجة ما يوهم تحريم وطء الإماء بملك اليمين حتى يخرجه .
وقالت طائفة :
بل الاستثناء على بابه ومتى ملك الرجل الأمة المزوجة كان ملكه طلاقاً لها وحل له
وطؤها وهى مسألة بيع الأمة هل يكون طلاقاً لها أم لا ؟ فيه مذهبان للصحابة فابن
يراه طلاقاً ويحتج له بالآية وغيره يأبى ذلك ويقول كما يجامع الملك السابقعباس
للنكاح اللاحق اتفاقاً ولا يتنافيان كذلك الملك اللاحق لا ينافى النكاح السابق
بريرة لما بيعت ، ولو انفسخ نكاحها لم يخيرها ، قالوا :قالوا وقد خير رسول الله
فإنه هو راوى الحديث والأخذ برواية الصحابى لا برأيهوهذا حجة على ابن عباس
.
وقالت طائفة ثالثة : إن كان المشترة امرأة لم ينفسخ النكاح لأنها لم تملك
الإستمتاع ببضع الزوجة وإن كان رجلاً انفسخ لأنه يملك الاستمتاع به وملك اليمين
أقوى من ملك النكاح وهذا الملك يبطل النكاح دون العكس قالوا وعلى هذا فلا إشكال فى
حديث بريرة .
وأجاب الأولون عن هذا بأن المرأة وإن لم تملك الاستمتاع ببضع
أمتها فهى تملك المعاوضة عليه وتزويجها وأخذ مهرها وذلك كملك الرجل وإن لم تستمتع
بالبضع .
وقالت فرقة أخرى الآية خاصة بالمسبيات فإن المسبية إذا سبيت حل وطؤها
لسابيها بعد الإستبراء وإن كانت مزوجة وهذا قول الشافعى وأحد الوجهين لأصحاب أحمد :
"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِوهو الصحيح ، كما روى مسلم فى صحيحه عن أبى سعيد الخدرى
حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاسَ فَلَقُوا عَدُوًّا فَقَاتَلُوهُمْ
فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا فَكَأَنَّ نَاسًا مِنْ
تَحَرَّجُوا مِنْ غِشْيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ (
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) أَيْ
فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ ".
فتضمن هذا الحكم إباحة
وطء المسبية وإن كان لها زوج من الكفار وهذا يدل على إنفساخ نكاحه وزوال عصمة بضع
امرأته وهذا هو الصواب لأنه قد استولى على محل حقه وعلى رقبة زوجته وصار سابيها أحق
بها منه فكيف يحرم بضعها عليه فهذا القول لا يعارضه نص ولا قياس .
والذين قالوا
من أصحاب أحمد وغيرهم : إن وطأها إنما يباح إذا سبيت وحدها قالوا لأن الزوج يكون
بقاؤه مجهولاً والمجهول كالمعدوم فيجوز وطؤها بعد الإستبراء فإذا كان الزوج معها لم
يجز وطؤها مع بقائه فأورد عليهم ما لو سبيت وحدها وتيقناً بقاء زوجها فى دار الحرب
فإنهم يجوزون وطأها فأجابوا بما لا يجدى شيئاً وقالوا : الأصل إلحاق الفرد بالأعم
الأغلب فيقال لهم الأعم الأغلب بقاء أزواج المسبيات إذا سبين منفردات وموتهم كلهم
نادر جداً ثم يقال إذا صارت رقبة زوجها وأملاكه ملكاً للسابى وزالت العصمة عن سائر
أملاكه وعن رقبته فما الموجب لثبوت العصمة فى فرج امرأته خاصة وقد صارت هى وهو
وأملاكهما للسابى .
ودل هذا القضاء النبوى على جواز وطء الإماء الوثنيات بملك
فى وطئهن إسلامهن ولماليمين فإن سبايا أوطاس لم يكن كتابيات ولم يشترط رسول الله
يجعل المانع منه إلا الإستبراء فقط وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع مع أنهم
حديثو عهد بالإسلام حتى خفى عليهم حكم هذه المسألة وحصول الإسلام من جميع السبايا
وكانوا عدة آلاف بحيث لم يتخلف منهم عن الإسلام جارية واحدة مما يعلم أنه فى غاية
البعد فإنهن لم يكرهن على الإسلام ولم يكن لهن من البصيرة والرغبة والمحبة فى
الإسلام ما يقتضى مبادرتهن إليه جميعا فمقتضى السنة وعمل الصحابة فى عهد رسول الله
وبعده جواز وطء المملوكات على أى دين كن وهذا مذهب طاووس وغيره وقواه صاحب المغنى
فيه ورجح أدلته وبالله التوفيق" (1)
ـ فإن قيل
فما هى الشروط فى النكاح ؟ " أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْـ الجواب : "جاء فى الصحيحين
عنه مِنَ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ" (1) ،
وفيهما عنه :"لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ
صَحْفَتَهَا وَلْتَنْكِحْ فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا" (2).
فتضمن هذا
الحكم وجوب الوفاء بالشروط التى شرطت فى العقد إذا لم تتضمن تغييراً لحكم الله
ورسوله .
وقد اتفق على وجوب الوفاء بتعجيل المهر أو تأجيله والضمين والرهن به
ونحو ذلك وعلى عدم الوفاء باشتراط ترك الوطء والإنفاق والخلو عن المهر ونحو ذلك .
واختلف فى شرط الإقامة فى بلد الزوجة وشرط دار الزوجة ، وأنه لا يتسرى عليها
ولا يتزوج عليها فأوجب أحمد وغيره الوفاء به ومتى لم يف به فلها الفسخ عند أحمد.
واختلف فى اشتراط البكارة والنسب والجمال والسلامة من العيوب التى لا يفسخ بها
النكاح وهل يؤثر عدمها فى فسخه على ثلاثة أقوال ثالثها الفسخ عند عدم النسب خاصة ،
بطلان اشتراط المرأة طلاق أختها وأنه لا يجب الوفاء به .وتضمن حكمه
ـ فإن قيل
فما الفرق بين هذا وبين اشتراطها أن لا يتزوج عليها حتى صححتم هذا وأبطلتم شرط طلاق
الضرة ؟
ـ الجواب : قيل : الفرق بينهما أن فى اشتراط طلاق الزوجة من الإضرار بها
وكسر قلبها وخراب بيتها وشماتة أعدائها ما ليس فى اشتراط عدم نكاحها ونكاح غيرها ،
وقد فرق النص بينهما فقياس أحدهما على الآخر فاسد" (1) .
ـ فإن قيل فما حكم
الإسلام فيمن تزوج بامرأة فوجدها حبلى ؟
ـ قال الإمام أحمد وجمهور الفقهاء وأهل
المدينة ببطلان هذا النكاح ، ويجب المهر المسمى أو مثله أو أقل منه على اختلاف
بينهم ، ويجب عليها الحد وهو أحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى .
ـ
إذن فما هى المحرمات من النساء ؟
ـ الجواب : "حرَّم الأمهات وهن كل من بينك
وبينه إيلاد من جهة الأمومة أو الأبوة كأمهاته وأمهات آبائه وأجداده من جهة الرجال
والنساء وإن علون .
وحرَّم البنات وهن كل من انتسب إليه بإيلاد كبنات صلبه وبنات
بناته وأبنائهن وإن سفلن .
وحرَّم الأخوات من كل جهة .
وحرَّم العمات وهن
أخوات آبائه وإن علون من كل جهة .
وأما عمة العم فإن كان العم لأب فهى عمة أبيه
وإن كان لأم فعمته أجنبية منه فلا تدخل فى العمات ، وأما عمة الأم فهى داخلة فى
عماته كما دخلت عمة أبيه فى عماته .
وحرَّم الخالات وهن أخوات أمهاته وأمهات
آبائه وإن علون ، وأما خالة العمة فإن كانت العمة لأب فخالتها أجنبية وإن كانت لأم
فخالتها حرام لأنها خالة ، وأما عمة الخالة فإن كانت الخالة لأم فعمتها أجنبية وإن
كانت لأب فعمتها حرام لأنها عمة الأم .
وحرَّم بنات الأخ وبنات الأخت فيعم الأخ
والأخت من كل جهة وبناتهما وإن نزلت درجتهن .
وحرَّم الأم من الرضاعة فيدخل فيه
أمهاتها من قبل الآباء والأمهات وإن علون وإذا صارت المرضعة أمه صار صاحب اللبن وهو
الزوج أو السيد إن كانت جارية أباه وآباؤه أجداده فنبه بالمرضعة صاحبة اللبن التى
هى مودع فيها للأب على كونه أبا بطريق الأولى لأن اللبن له وبوطئه ثاب ولهذا حكم
بتحريم لبن الفحل (1) فثبت بالنص وإيمائه انتشار حرمة الرضاع إلى أمرسول الله
المرتضع وأبيه من الرضاعة وأنه قد صار ابناً لهما وصار أبوين له فلزم من ذلك أن
يكون إخوتهما وأخواتهما خالات له وعمات وأبناؤهما وبناتهما إخوة له وأخوات فنبه
بقوله : (وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ) (النساء : 22) على انتشار حرمة الرضاع
إلى إخوتهما وأخواتهما كما انتشرت منهما إلى أولادهما فكما صاروا إخوة وأخوات
للمرتضع فأخوالهما وخالاتهما أخوال وخالات له وأعمام وعمات له ، الأول بطريق النص ،
والآخر بتنبيهه، كما أن الإنتشار إلى الأم بطريق النص وإلى الأب بطريق تنبيهه .
وهذه طريقة عجيبة مطردة فى القرآن لا يقع عليها إلا كل غائص على معانيه ووجوه
دلالاته ، ومن هنا قضى رسول أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ولكنالله الدلالة
دلالتان خفية وجلية فجمعهما للأمة ليتم البيان ويزول الإلتباس ويقع على الدلالة
الجلية الظاهرة من قصر فهمه عن الخفية .
وحرَّم أمهات النساء فدخل فى ذلك أم
المرأة وإن علت من نسب أو رضاع دخل بالمرأة أو لم يدخل بها لصدق الإسم على هؤلاء
كلهن .
وحرَّم الربائب اللاتى فى حجور الأزواج وهن بنات نسائهم المدخول بهن
فتناول بذلك بناتهن وبنات بناتهن وبنات أبنائهن فإنهن داخلات فى اسم الربائب وقيد
التحريم بقيدين أحدهما كونهن فى حجور الأزواج .
والثانى : الدخول بأمهاتهن فإذا
لم يوجد الدخول لم يثبت التحريم وسواء حصلت الفرقة بموت أو طلاق هذا مقتضى النص .
وذهب زيد بن ثابت ومن وافقه وأحمد فى رواية عنه إلى أن موت الأم فى تحريم
الربيبة كالدخول بها لأنه يكمل الصداق ويوجب العدة والتوارث فصار كالدخول والجمهور
أبوا ذلك وقالوا الميتة غير مدخول بها فلا تحرم ابنتها والله تعالى قيد التحريم
بالدخول وصرح بنفيه عند عدم الدخول .
وأما كونها فى حجره فلما كان الغالب ذلك
ذكره لا تقييداً للتحريم به بل هو بمنزلة قوله : (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ
خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) (الإسراء : 31) ولما كان من شأن بنت المرأة أن تكون عند أمها
فهى فى حجر الزوج وقوعاً وجوازاً فكأنه قال اللاتى من شأنهن أن يكن فى حجوركم
.
ففى ذكر هذا فائدة شريفة وهى جواز جعلها فى حجره وأنه لا يجب عليه أبعادها عنه
وتجنب مؤاكلتها والسفر والخلوة بها فأفاد هذا الوصف عدم الامتناع من ذلك .
ولما
خفى هذا على بعض أهل الظاهر شرط فى تحريم الربيبة أن تكون فى حجر الزوج وقيد
تحريمها بالدخول بأمها وأطلق تحريم أم المرأة ولم يقيده بالدخول فقال جمهور العلماء
من الصحابة ومن بعدهم إن الأم تحرم بمجرد العقد على البنت دخل بها أو لم يدخل ولا
تحرم البنت إلا بالدخول بالأم وقالوا أبهموا ما أبهم الله وذهبت طائفة إلى أن قوله
: (اللاَّتِي دَخَلْتُم) (النساء : 23) وصف لنسائكم الأولى والثانية وأنه لا تحرم
الأم إلا بالدخول بالبنت وهذا يرده نظم الكلام وحيلولة المعطوف بين الصفة والموصوف
وامتناع جعل الصفة للمضاف إليه دون المضاف إلا عند البيان ، فإذا قلتَ : مررتُ
بغلام زيد العاقل ، فهو صفة للغلام لا لزيد إلا عند زوال اللبس، كقولك مررت بغلام
هند الكاتبة ، ويرده أيضاً جعله صفة واحدة لموصوفين مختلفى الحكم والتعلق والعامل
وهذا لا يعرف فى اللغة التى نزل بها القرآن .
وأيضاً فإن الموصوف الذى يلى الصفة
أولى بها لجواره والجار أحق بصفته ما لم تدع ضرورة إلى نقلها عنه أو تخطيها إياه
إلى الأبعد .
ـ فإن قيل فمن أين أدخلتم ربيبته التى هى بنت جاريته التى دخل بها
وليست من نسائه ؟
قلنا السرية قد تدخل فى جملة نسائه كما دخلت فى قوله :
(نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) (البقرة : 223)
ودخلت فى قوله : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ)
(البقرة : 187) ودخلت فى قوله : (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ
النِّسَاء) (النساء 22) .
ـ فإن قيل : فيلزمكم على هذا إدخالها فى قوله :
(وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ) (النساء : 23) فتحرم عليه أم جاريته .
قلنا : نعم
وكذلك نقول إذا وطئ أمته حرمت عليه أمها وابنتها .
ـ فإن قيل : فأنتم قد قررتم
أنه لا يشترط الدخول بالبنت فى تحريم أمها فكيف تشترطونه ها هنا ؟
قلنا : لتصير
من نسائه فإن الزوجة صارت من نسائه بمجرد العقد وأما المملوكة فلا تصير من نسائه
حتى يطأها فإذا وطئها صارت من نسائه فحرمت عليه أمها وابنتها .
ـ فإن قيل :
فكيف أدخلتم السرية فى نسائه فى آية التحريم ولم تدخلوها فى نسائه فى آية الظهار
والإيلاء ؟
قيل : السياق والواقع يأبى ذلك فإن الظهار كان عندهم طلاقاً وإنما
محله الأزواج لا الإماء فنقله الله سبحانه من الطلاق إلى التحريم الذى تزيله
الكفارة ونقل حكمه وأبقى محله وأما الإيلاء فصريح فى أن محله الزوجات لقوله تعالى :
(لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ
فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ، وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ
اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة : 226 ـ 227) .
ـ وحرَّم سبحانه حلائل الأبناء
وهن موطوآت الأبناء بنكاح أو ملك يمين فإنها حليلة بمعنى محللة ويدخل فى ذلك ابن
صلبه وابن ابنه وابن ابنته ويخرج بذلك ابن التبنى وهذا التقييد قصد به إخراجه
.
وأما حليلة ابنه من الرضاع فإن الأئمة الأربعة ومن قال بقولهم يدخلونها فى
قوله : (وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ) (النساء : 23) ولا يخرجونها بقوله : (الَّذِينَ
مِنْ أَصْلاَبِكُمْ) (النساء : 23) ويحتجون : "حرموا من الرضاع ما تحرمون من النسب"
قالوا : وهذه الحليلة تحرمبقول النبى إذا كانت لابن النسب فتحرم إذا كانت لابن
الرضاع ، قالوا : والتقييد لإخراج ابن التبنى لا غير وحرموا من الرضاع بالصهر نظير
ما يحرم بالنسب ونازعهم فى ذلك آخرون وقالوا لا تحرم حليلة ابنه من الرضاعة لأنه
ليس من صلبه والتقييد كما يخرج حليلة ابن التبنى يخرج حليلة ابن الرضاع سواء ولا
فرق بينهما .
:قالوا : وأما قوله "يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ
النَّسَبِ" (1) فهو من أكبر أدلتنا وعمدتنا فى المسألة فإن تحريم حلائل الآباء
والأبناء إنما هو بالصهر لا بالنسب قد قصر تحريم الرضاع على نظيره من النسب لا على
شقيقه من الصهر فيجبوالنبى الإقتصار بالتحريم على مورد النص .
قالوا :
والتحريم بالرضاع فرع على تحريم النسب لا على تحريم المصاهرة فتحريم المصاهرة أصل
قائم بذاته والله سبحانه لم ينص فى كتابه على تحريم الرضاع إلا من جهة النسب ولم
ينبه على التحريم به من جهة الصهر أمر أن يحرم به ما يحرم من النسب وفىألبتة لا
بنص ولا إيماء ولا إشارة والنبى ذلك إرشاد وإشارة إلى أنه لا يحرم به ما يحرم
بالصهر ولولا أنه أراد الإقتصار على ذلك لقال حرموا من الرضاع ما يحرم من النسب
والصهر .
قالوا : وأيضاً فالرضاع مشبه بالنسب ولهذا أخذ منه بعض أحكامه وهو
الحرمة والمحرمية فقط دون التوارث والإنفاق وسائر أحكام النسب فهو نسب ضعيف فأخذ
بحسب ضعفه بعض أحكام النسب ولم يقو على سائر أحكام النسب وهو ألصق به من المصاهرة
فكيف يقوى على أخذ أحكام المصاهرة مع قصوره عن أحكام مشبهه وشقيقه
وأما
المصاهرة والرضاع فإنه لا نسب بينهما ولا شبهة نسب ولا بعضية ولا اتصال قالوا : ولو
كان تحريم الصهرية ثابتاً لبينة الله ورسوله بياناً شافياً يقيم الحجة ويقطع العذر
فمن الله البيان وعلى رسوله البلاغ وعلينا التسليم والإنقياد فهذا منتهى النظر فى
هذه المسألة فمن ظفر فيها بحجة فليرشد إليها وليدل عليها فإنا لها منقادون وبها
معتصمون والله الموفق للصواب .
فصــل
وحرَّم سبحانه وتعالى نكاح من نكحهن
الآباء وهذا يتناول منكوحاتهم بملك اليمين أو عقد نكاح ويتناول آباء الآباء وآباء
الأمهات وإن علون والاستثناء بقوله : "إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ" من مضمون جملة النهى
وهو التحريم المستلزم للتأثيم والعقوبة فاستثنى منه ما سلف قبل إقامة الحجة بالرسول
والكتاب .
فصــل
وحرَّم سبحانه الجمع بين الأختين وهذا يتناول الجمع بينهما
فى عقد النكاح وملك اليمين كسائر محرمات الآية وهذا قول جمهور الصحابة ومن بعدهم
وهو الصواب وتوقفت طائفة فى تحريمه بملك اليمين لمعارضة هذا العموم بعموم قوله
سبحانه : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ
أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (المؤمنون : 5 ـ 6)
ولهذا أحلتهما آية وحرمتهما آية .قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان
وقال الإمام
أحمد فى رواية عنه : لا أقول هو حرام ولكن ننهى عنه ، فمن أصحابه من جعل القول
بإباحته رواية عنه والصحيح أنه لم يبحه ولكن تأدب مع الصحابة أن يطلق لفظ الحرام
على أمر توقف فيه عثمان بل قال ننهى عنه .
والذين جزموا بتحريمه رجحوا آية
التحريم من وجوه :
ـ أحدها : أن سائر ما ذكر فيها من المحرمات عام فى النكاح
وملك اليمين فما بال هذا وحده حتى يخرج منها ، فإن كانت آية الإباحة مقتضية لحل
الجمع بالملك فلتكن مقتضية لحل أم موطوءته بالملك ولموطوءة أبيه وابنه بالملك إذ لا
فرق بينهما ألبتة ولا يعلم بهذا قائل .
ـ الثانى : أن آية الإباحة بملك اليمين
مخصوصة قطعاً بصور عديدة لا يختلف فيها اثنان كأمه وابنته وأخته وعمته وخالته من
الرضاعة بل كأخته وعمته وخالته من النسب عند من لا يرى عتقهن بالملك كمالك والشافعى
ولم يكن عموم قوله : (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) (النساء : 3) معارضاً لعموم
تحريمهن بالعقد والملك فهذا حكم الأختين سواء .
ـ الثالث : أن حل الملك ليس فيه
أكثر من بيان جهة الحل وسببه ولا تعرض فيه لشروط الحل ولا لموانعه وآية التحريم
فيها بيان موانع الحل من النسب والرضاع والصهر وغيره فلا تعارض بينهما ألبتة وإلا
كان كل موضع ذكر فيه شرط الحل وموانعه معارضاً لمقتضى الحل وهذا باطل قطعاً بل هو
بيان لما سكت عنه دليل الحل من الشروط والموانع .
ـ الرابع : أنه لو جاز الجمع
بين الأختين المملوكتين فى الوطء جاز الجمع بين الأم وابنتها المملوكتين فإن نص
التحريم شامل للصورتين شمولاً واحداً وإن إباحة المملوكات إن عمت الأختين عمت الأم
وابنتها .
قال : "من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فلا يجمع ماءهـ الخامس : أن
النبى فى رحم أختين" (1) ولا ريب أن جمع الماء كما يكون بعقد النكاح يكون بملك
اليمين والإيمان يمنع منه .
فصــل
بتحريم الجمع بين المرأة وعمتهاوقضى رسول
الله والمرأة وخالتها وهذا التحريم مأخوذ من تحريم الجمع بين الأختين لكن بطريق خفى
وما مثل ما حرمه الله ولكن هو مستنبط من دلالة الكتاب .حرمه رسول الله
وكان من
القرآن ومنالصحابة ـ رضى الله عنهم ـ أحرص شئ على استنباط أحاديث رسول الله ألزم
نفسه ذلك وقرع بابه ووجه قلبه إليه واعتنى به بفطرة سليمة وقلب ذكى رأى السنة كلها
تفصيلاً للقرآن وتبييناً لدلالته وبياناً لمراد الله منه وهذا أعلى مراتب العلم فمن
ظفر به فليحمد الله ومن فاته فلا يلومن إلا نفسه وهمته وعجزه .
واستفيد من تحريم
الجمع بين الأختين وبين المرأة وعمتها وبينها وبين خالتها أن كل امرأتين بينهما
قرابة لو كان أحدهما ذكراً حرم على الآخر فإنه يحرم الجمع بينهما ولا يستثنى من هذا
صورة واحدة فإن لم يكن بينهما قرابة لم يحرم الجمع بينهما وهل يكره على قولين وهذا
كالجمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها .
واستفيد من عموم تحريمه سبحانه
المحرمات المذكورة أن كل امرأة حرم نكاحها حرم وطؤها بملك اليمين إلا إماء أهل
الكتاب فإن نكاحهن حرام عند الأكثرين ووطؤهن بملك اليمين جائز وسوى أبو حنيفة
بينهما فأباح نكاحهن كما يباح وطؤهن بالملك .
والجمهور احتجوا عليه بأن الله
سبحانه وتعالى إنما أباح نكاح الإماء بوصف الإيمان فقال تعالى : (وَمَن لَّمْ
يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ
بِإِيمَانِكُمْ) (النساء : 25) ، وقال تعالى : (وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ
حَتَّى يُؤْمِنَّ) (البقرة : 221) خص ذلك بحرائر أهل الكتاب بقى الإماء على قضية
وغيره من الصحابة إدخال الكتابيات فى هذه الآية فقال : لاالتحريم وقد فهم عمر أعلم
شركاً أعظم من أن تقول إن المسيح إلهها .
وأيضاً فالأصل فى الأبضاع الحرمة
وإنما أبيح نكاح الإماء المؤمنات فمن عداهن على أصل التحريم وليس تحريمهن مستفادا
من المفهوم .
واستفيد من سياق الآية ومدلولها أن كل امرأة حرمت حرمت ابنتها إلا
العمة والخالة وحليلة الإبن وحليلة الأب وأم الزوجة وأن كل الأقارب حرام إلا
الأربعة المذكورات فى سورة الأحزاب وهن بنات الأعمام والعمات وبنات الأخوال
والخالات .
فصــل
ومما حرمه النص نكاح المزوجات وهن المحصنات واستثنى من ذلك
ملك اليمين فأشكل هذا الاستثناء على كثير من الناس فإن الأمة المزوجة يحرم وطؤها
على مالكها فأين محل الاستثناء .
فقالت طائفة هو منقطع أى لكن ما ملكت أيمانكم
ورد هذا لفظاً ومعنى أما اللفظ فإن الانقطاع إنما يقع حيث يقع التفريغ وبابه غير
الإيجاب من النفى والنهى والاستفهام فليس الموضع موضع انقطاع ، وأما المعنى فإن
المنقطع لا بد فيه من رابط بينه وبين المستثنى منه بحيث يخرج ما توهم دخوله فيه
بوجه ما ، فإنك إذا قلت ما بالدار من أحد دل على انتفاء من بها بدوابهم وأمتعتهم
فإذا قلت إلا حماراً أو إلا الأثافى ونحو ذلك أزلت توهم دخول المستثنى فى حكم
المستثنى منه وأبين من هذا قوله تعالى : (لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا
سَلَامًا) (مريم : 62) .
فاستثناء السلام أزال توهم نفى السماع العام فإن عدم
سماع اللغو يجوز أن يكون لعدم سماع كلام ما وأن يكون مع سماع غيره وليس فى تحريم
نكاح المزوجة ما يوهم تحريم وطء الإماء بملك اليمين حتى يخرجه .
وقالت طائفة :
بل الاستثناء على بابه ومتى ملك الرجل الأمة المزوجة كان ملكه طلاقاً لها وحل له
وطؤها وهى مسألة بيع الأمة هل يكون طلاقاً لها أم لا ؟ فيه مذهبان للصحابة فابن
يراه طلاقاً ويحتج له بالآية وغيره يأبى ذلك ويقول كما يجامع الملك السابقعباس
للنكاح اللاحق اتفاقاً ولا يتنافيان كذلك الملك اللاحق لا ينافى النكاح السابق
بريرة لما بيعت ، ولو انفسخ نكاحها لم يخيرها ، قالوا :قالوا وقد خير رسول الله
فإنه هو راوى الحديث والأخذ برواية الصحابى لا برأيهوهذا حجة على ابن عباس
.
وقالت طائفة ثالثة : إن كان المشترة امرأة لم ينفسخ النكاح لأنها لم تملك
الإستمتاع ببضع الزوجة وإن كان رجلاً انفسخ لأنه يملك الاستمتاع به وملك اليمين
أقوى من ملك النكاح وهذا الملك يبطل النكاح دون العكس قالوا وعلى هذا فلا إشكال فى
حديث بريرة .
وأجاب الأولون عن هذا بأن المرأة وإن لم تملك الاستمتاع ببضع
أمتها فهى تملك المعاوضة عليه وتزويجها وأخذ مهرها وذلك كملك الرجل وإن لم تستمتع
بالبضع .
وقالت فرقة أخرى الآية خاصة بالمسبيات فإن المسبية إذا سبيت حل وطؤها
لسابيها بعد الإستبراء وإن كانت مزوجة وهذا قول الشافعى وأحد الوجهين لأصحاب أحمد :
"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِوهو الصحيح ، كما روى مسلم فى صحيحه عن أبى سعيد الخدرى
حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاسَ فَلَقُوا عَدُوًّا فَقَاتَلُوهُمْ
فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا فَكَأَنَّ نَاسًا مِنْ
تَحَرَّجُوا مِنْ غِشْيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ (
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) أَيْ
فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ ".
فتضمن هذا الحكم إباحة
وطء المسبية وإن كان لها زوج من الكفار وهذا يدل على إنفساخ نكاحه وزوال عصمة بضع
امرأته وهذا هو الصواب لأنه قد استولى على محل حقه وعلى رقبة زوجته وصار سابيها أحق
بها منه فكيف يحرم بضعها عليه فهذا القول لا يعارضه نص ولا قياس .
والذين قالوا
من أصحاب أحمد وغيرهم : إن وطأها إنما يباح إذا سبيت وحدها قالوا لأن الزوج يكون
بقاؤه مجهولاً والمجهول كالمعدوم فيجوز وطؤها بعد الإستبراء فإذا كان الزوج معها لم
يجز وطؤها مع بقائه فأورد عليهم ما لو سبيت وحدها وتيقناً بقاء زوجها فى دار الحرب
فإنهم يجوزون وطأها فأجابوا بما لا يجدى شيئاً وقالوا : الأصل إلحاق الفرد بالأعم
الأغلب فيقال لهم الأعم الأغلب بقاء أزواج المسبيات إذا سبين منفردات وموتهم كلهم
نادر جداً ثم يقال إذا صارت رقبة زوجها وأملاكه ملكاً للسابى وزالت العصمة عن سائر
أملاكه وعن رقبته فما الموجب لثبوت العصمة فى فرج امرأته خاصة وقد صارت هى وهو
وأملاكهما للسابى .
ودل هذا القضاء النبوى على جواز وطء الإماء الوثنيات بملك
فى وطئهن إسلامهن ولماليمين فإن سبايا أوطاس لم يكن كتابيات ولم يشترط رسول الله
يجعل المانع منه إلا الإستبراء فقط وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع مع أنهم
حديثو عهد بالإسلام حتى خفى عليهم حكم هذه المسألة وحصول الإسلام من جميع السبايا
وكانوا عدة آلاف بحيث لم يتخلف منهم عن الإسلام جارية واحدة مما يعلم أنه فى غاية
البعد فإنهن لم يكرهن على الإسلام ولم يكن لهن من البصيرة والرغبة والمحبة فى
الإسلام ما يقتضى مبادرتهن إليه جميعا فمقتضى السنة وعمل الصحابة فى عهد رسول الله
وبعده جواز وطء المملوكات على أى دين كن وهذا مذهب طاووس وغيره وقواه صاحب المغنى
فيه ورجح أدلته وبالله التوفيق" (1)
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
مواضيع مماثلة
» الكفاءة فى النكاح
» الزواج من سنن المرسلين :
» الزواج فى الجاهلية
» الترغيب فى الزواج :
» ومن أحكام الزواج العرفى
» الزواج من سنن المرسلين :
» الزواج فى الجاهلية
» الترغيب فى الزواج :
» ومن أحكام الزواج العرفى
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى