الْبَاب الثَّانِي مَا يسْتَحبّ من أَحْوَال الْمَيِّت عِنْد الْمَوْت وَفِي تلقين الشَّهَادَتَيْنِ للْمُسلمِ وَغَيره وَمَا يسْتَحبّ للْمُسلمِ من الرَّجَاء وَحسن الظَّن بِاللَّه عِنْد الْمَوْت
صفحة 1 من اصل 1
الْبَاب الثَّانِي مَا يسْتَحبّ من أَحْوَال الْمَيِّت عِنْد الْمَوْت وَفِي تلقين الشَّهَادَتَيْنِ للْمُسلمِ وَغَيره وَمَا يسْتَحبّ للْمُسلمِ من الرَّجَاء وَحسن الظَّن بِاللَّه عِنْد الْمَوْت
الْبَاب الثَّانِي مَا يسْتَحبّ من أَحْوَال الْمَيِّت عِنْد الْمَوْت وَفِي تلقين الشَّهَادَتَيْنِ للْمُسلمِ وَغَيره وَمَا يسْتَحبّ للْمُسلمِ من الرَّجَاء وَحسن الظَّن بِاللَّه عِنْد الْمَوْت
اعْلَم رَحِمك الله أَن المحبوب من حَال الْمَيِّت عِنْد الْمَوْت أَن يعلوه الهدوء والسكون وَمن لِسَانه الْكَلِمَة بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمن قلبه حسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى
وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بُرَيْدَة بن حصيب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْمُؤمن يَمُوت بعرق الجبين ويروى فِي خبر أَنه قَالَ ارقبوا الْمَيِّت عِنْد ثَلَاث إِذا رشح جَبينه وَإِذا ذرفت عَيناهُ ويبست شفتاه فَذَلِك من رَحمَه الله نزلت بِهِ وَإِذا غط غطيط المخنوق واحمر لَونه واربدت شفتاه فَهُوَ من عَذَاب الله نزل بِهِ
وَأما انطلاق لِسَانه بِالشَّهَادَتَيْنِ فَهُوَ عَلامَة الْخَيْر وَدَلِيل السَّعَادَة وأمارة الِاتِّصَال بالحضرة الإلهية
وَذكر أَبُو دَاوُد من حَدِيث معَاذ بن جبل قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة
وَذكر أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ وَهُوَ
يعلم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة
وَذكر أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقنوا مَوْتَاكُم لَا إِلَه إِلَّا الله
وَذكر مُسلم من حَدِيث عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ وَهُوَ يعلم أَن لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة
وَمن غير كتاب مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حضر ملك الْمَوْت رجلا فَنظر فِي عمله فَلم يجد لَهُ شَيْئا ففك لحييْهِ فَوجدَ طرف لِسَانه لاصقا بحنكه يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله فغفر الله لَهُ بِكَلِمَة الْإِخْلَاص
وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ احضروا مَوْتَاكُم ولقنوهم لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِنَّهُم يرَوْنَ مَا لَا ترَوْنَ
وَذكر مُسلم من حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَن أَبِيه قَالَ لما حضرت أَبَا طَالب الْوَفَاة جَاءَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوجدَ عِنْده أَبَا جهل بن هِشَام وَعبد الله بن أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَم قل لَا إِلَه إِلَّا الله كلمة أشهد لَك بهَا عِنْد الله فَقَالَ أَبُو جهل وَعبد الله بن أبي أُميَّة يَا أَبَا طَالب أترغب عَن مِلَّة عبد الْمطلب فَلم يزل رَسُول الله يعرضهَا عَلَيْهِ ويعيدان لَهُ تِلْكَ الْمقَالة حَتَّى قَالَ أَبُو طَالب آخر مَا كَلمهمْ بِهِ هُوَ على مِلَّة عبد الْمطلب وأبى أَن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما وَالله لأَسْتَغْفِرَن لَك مَا لم أَنه عَنْك
فَأنْزل الله عز وَجل مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين وَلَو كَانُوا أولي قربى من بعد مَا تبين لَهُم أَنهم أَصْحَاب الْجَحِيم
وَأنزل الله فِي أبي طَالب فَقَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت وَلَكِن الله يهدي من يَشَاء
ويروى عَن أنس بن مَالك أَن غُلَاما من الْيَهُود كَانَ يخْدم النَّبِي فَمَرض فَأَتَاهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعودهُ فَقعدَ عِنْد رَأسه فَعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَقَالَ لَهُ أسلم فَنظر الْغُلَام إِلَى أَبِيه وَهُوَ عِنْده فَقَالَ لَهُ أَبوهُ أطع أَبَا الْقَاسِم فَأسلم فَقَامَ النَّبِي وَهُوَ يَقُول الْحَمد لله الَّذِي أنقذه بِي من النَّار
ذكر هَذَا الحَدِيث البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهمَا
وَيَنْبَغِي أَن لَا يلح على الْمَيِّت بتلقين الشَّهَادَتَيْنِ قَالَ ابْن الْمُبَارك لقنوا الْمَيِّت لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِن قَالَهَا فَدَعوهُ وَلِأَنَّهُ يخَاف عَلَيْهِ إِذا ألح عَلَيْهِ بهَا أَن يبرم ويضجر ويثقلها الشَّيْطَان عَلَيْهِ فَيكون ذَلِك سَببا لسوء الخاتمة
ذكر أَبُو بكر الدينَوَرِي فِي كتاب المجالسة عَن الْحسن بن عِيسَى قَالَ لما حضرت ابْن الْمُبَارك الْوَفَاة قَالَ لنصر مَوْلَاهُ أجعَل رَأْسِي على التُّرَاب قَالَ فَبكى نصر فَقَالَ مَا يبكيك قَالَ ذكرت مَا كنت فِيهِ من النَّعيم وَأَنت هَذَا تَمُوت فَقِيرا غَرِيبا فَقَالَ اسْكُتْ فَإِنِّي سَأَلت الله أَن يحييني حَيَاة السُّعَدَاء ويميتني ميتَة الْفُقَرَاء ثمَّ قَالَ لقني الشَّهَادَة وَلَا تعد عَليّ إِلَّا أَن أَتكَلّم بِكَلَام ثَان
وَالْمَقْصُود أَن يَمُوت الرجل وَلَا يكون فِي قلبه إِلَّا الله وَحده لِأَن الْمدَار على الْقلب وَعمل الْقلب هُوَ الَّذِي ينظر فِيهِ وَتَكون النجَاة بِسَبَبِهِ وَأما حَرَكَة اللِّسَان دون أَن تكون تَرْجَمَة عَمَّا فِي الْقلب فَلَا فَائِدَة فِيهَا وَلَا خير عِنْدهَا
وَأما حسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى عِنْد الْمَوْت فَوَاجِب قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يموتن أحدكُم إِلَّا وَهُوَ يحسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى ذكره مُسلم
وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود وَالَّذِي لَا إِلَه غَيره لَا يحسن أحدكُم الظَّن بِاللَّه إِلَّا أعطَاهُ الله ظَنّه وَذَلِكَ أَن الْخَيْر بِيَدِهِ
وَقَالَ عبد الله بن عَبَّاس إِذا رَأَيْتُمْ الرجل قد نزل بِهِ الْمَوْت فبشروه حَتَّى يلقى ربه وَهُوَ حسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى وَإِذا كَانَ حَيا فخوفوه بربه واذْكُرُوا لَهُ شدَّة عِقَابه
يَا رب إِن عظمت ذُنُوبِي كَثْرَة ... فَلَقَد علمت بِأَن عفوك أعظم
أَدْعُوك رب كَمَا أمرت تضرعا ... فَإِذا رددت يَدي فَمن ذَا يرحم
إِن كَانَ لَا يرجوك إِلَّا محسن ... فَمن الَّذِي يَرْجُو الْمُسِيء المجرم
مَالِي إِلَيْك وَسِيلَة إِلَّا الرجا ... وَجَمِيل ظَنِّي ثمَّ أَنِّي مُسلم
وَقَالَ ثَابت الْبنانِيّ كَانَ شَاب بِهِ حِدة وَكَانَت أمه تعظه وَتقول لَهُ يَا بني إِن لَك يَوْمًا فاذكر يَوْمك وَإِن لَك مصرعا فاذكر مصرعك فَلَمَّا نزل بِهِ أَمر الله تَعَالَى اكبت عَلَيْهِ أمه فَجعلت تَقول أَي بني قد كنت أحذرك مصرعك هَذَا فَقَالَ لَهَا يَا أمة إِن لي رَبًّا كثير الْمَعْرُوف وَإِنِّي لأرجو أَن لَا يُعَذِّبنِي بكرمه وَرَحمته قَالَ ثَابت فرحمه الله عز وَجل بحس ظَنّه بربه أخبر بذلك فِي النّوم أَو أخبر بِهِ عَنهُ
وَقَالَ جَابر بن عبد الله كَانَ شَاب بِهِ زهو فَنزل بِهِ الْمَوْت فَقَالَت أمه يَا بني توصي بِشَيْء قَالَ نعم خَاتمِي ادفنيني بِهِ فَإِن فِيهِ ذكر الله تَعَالَى فَلَعَلَّهُ يرحمني فَلَمَّا دفن رئي فِي الْمَنَام فَقَالَ اخبروا أُمِّي أَن الله قد غفر لي
وَقَالَ ذُو النُّون الْمصْرِيّ رَحمَه الله كَانَ فِي جواري شَاب مُسْرِف على نَفسه كثير الْخَطَايَا فَمَرض فَدخلت عَلَيْهِ أعوده فَإِذا هُوَ قد مَاتَ وَأوصى أَن يكْتب على قَبره شَيْء فرأيته فِي مَنَامِي فَقلت لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ غفر لي فَقلت بِمَاذَا قَالَ فَكرت فِي جُرْمِي وَفِي عَفوه فَرَأَيْت عَفوه أَكثر من جُرْمِي قَالَ ذُو النُّون فَلَمَّا أَصبَحت جِئْت إِلَى قَبره فَإِذا عَلَيْهِ مَكْتُوب
حسن ظَنِّي بك يَا ... رب جرأني عَلَيْك
فَارْحَمْ اللَّهُمَّ عبدا ... صَار رهنا فِي يَديك
ويروى عَن بعض الصَّالِحين قَالَ قَالَ مَالك بن دِينَار رَأَيْت مُسلم بن يسَار فِي
النّوم بعد مَوته بِسنة فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ السَّلَام فَقلت لَهُ لم لَا ترد عَليّ السَّلَام قَالَ وَكَيف أرد عَلَيْك وَأَنا ميت فَقلت لَهُ وماذا لقِيت بعد الْمَوْت قَالَ ودمعت عينا مَا لَك عِنْد هَذَا القَوْل لقِيت أهوالا وزلازل وعظائم وشدائد قَالَ مَالك فَقلت لَهُ فَمَا كَانَ بعد ذَلِك قَالَ وَمَا ترَاهُ يكون من الْكَرِيم إِلَّا الْكَرم قبل منا الْحَسَنَات وَغفر لنا السَّيِّئَات وَضمن عَنَّا التَّبعَات كَمَا كَانَ حسن ظَنِّي بِهِ
قَالَ ثمَّ شهق مَا لَك شهقته خر مغشيا عَلَيْهِ فَلبث فِي غَشيته أَيَّامًا مَرِيضا ثمَّ مَاتَ من مَرضه ذَلِك وَكَانَ يُقَال إِن قلبه انصدع
وَلَوْلَا حسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى لهلك الْخلق
وَقَالَ عبد الْوَاحِد بن زيد وَمَا كَانَ سَبَب موت مَالك بن دِينَار إِلَّا هَذِه الرُّؤْيَا سَأَلته عَنْهَا فَقَصَّهَا عَليّ فَجعل يشهق ويضطرب حَتَّى ظَنَنْت أَن كبده تقطعت فِي جَوْفه ثمَّ هدأ فحملناه إِلَى منزله فَلم يزل مَرِيضا مِنْهَا يُعَاد حَتَّى مَاتَ
وَقَالَ أَبُو عمر الضَّرِير حَدثنِي سُهَيْل أَخُو حَازِم قَالَ رَأَيْت مَالك بن دِينَار فِي النّوم بعد مَوته بِسنة فَقلت لَهُ يَا أَبَا يحيى مَاذَا فعل الله بك وماذا قدمت بِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ قدمت عَلَيْهِ بذنوب كَثِيرَة فمحاها حسن ظَنِّي بِهِ تبَارك وَتَعَالَى
وَقَالَ عمار بن سيف رَأَيْت الْحسن بن صَالح فِي مَنَامِي بعد مَوته فَقلت لَهُ لقد كنت متمنيا للقائك فَمَاذَا عنْدك أخبرنَا فَقَالَ لم أر شَيْئا مثل حسن الظَّن بِهِ تبَارك وَتَعَالَى
وأنشدوا
أحسن الظَّن بِرَبّ لم يزل ... دَائِم الْإِحْسَان برا لم يمل
من غَدَتْ نعماؤه فِي ذَا الورى ... جملا ترفق فِي إِثْر جمل
وسع الْعَالم فضلا وجدا ... مُرْسل العزلاء سجا مُتَّصِل
وَإِذا لم تحسن الظَّن بِهِ ... فِيمَن تحسن إِن خطب نزل
وَإِذا لم ترجه من يرتجى ... وَإِذا لم تسألنه من ذَا تسل
فلتطلب نفسا عَلَيْهِ وَله ال ... مثل الْأَعْلَى والأسنى الْأَجَل
وَقَالُوا أَيْضا
احسن الظَّن مَا اسْتَطَعْت بِرَبِّك ... فالأماني جمعن فِي حسن ظَنك
وَإِذا مَا أصبت يَوْمًا بضر ... فإليه اللجا فِي كشف ضرك
وَإِذا مَا انتحاك أَمر عسير ... فَهُوَ المرتجى لتيسير أَمرك
وذنوب خبأتهن قَدِيما ... وحديثا كسرت عظم ظهرك
تب إِلَيْهِ والجأ مِنْهَا إِلَيْهِ ... فَهُوَ أدنى إِلَيْك من ذَات نَفسك
ودموع الحزين لَا تمسكنها ... ولتدعها مساربا تَحت نحرك
وَاقد حن فِي الضلوع نَار متاب ... فعساها تميت نيران روعك
وَإِذا مَا تعاظمتك ذنُوب ... فاعتقاد الْقُلُوب أعظم ذَنْبك
وَمرض أَعْرَابِي فَقيل لَهُ إِنَّك تَمُوت فَقَالَ فَإِذا مت أَيْن يذهب بِي قيل إِلَى الله تَعَالَى قَالَ مَا أكره أَن يذهب بِي إِلَى من لَا يرى الْخَيْر إِلَّا عِنْده
اعْلَم رَحِمك الله أَن المحبوب من حَال الْمَيِّت عِنْد الْمَوْت أَن يعلوه الهدوء والسكون وَمن لِسَانه الْكَلِمَة بِالشَّهَادَتَيْنِ وَمن قلبه حسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى
وَذكر التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بُرَيْدَة بن حصيب عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْمُؤمن يَمُوت بعرق الجبين ويروى فِي خبر أَنه قَالَ ارقبوا الْمَيِّت عِنْد ثَلَاث إِذا رشح جَبينه وَإِذا ذرفت عَيناهُ ويبست شفتاه فَذَلِك من رَحمَه الله نزلت بِهِ وَإِذا غط غطيط المخنوق واحمر لَونه واربدت شفتاه فَهُوَ من عَذَاب الله نزل بِهِ
وَأما انطلاق لِسَانه بِالشَّهَادَتَيْنِ فَهُوَ عَلامَة الْخَيْر وَدَلِيل السَّعَادَة وأمارة الِاتِّصَال بالحضرة الإلهية
وَذكر أَبُو دَاوُد من حَدِيث معَاذ بن جبل قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ آخر كَلَامه لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة
وَذكر أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ وَهُوَ
يعلم أَنه لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة
وَذكر أَيْضا من حَدِيث أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقنوا مَوْتَاكُم لَا إِلَه إِلَّا الله
وَذكر مُسلم من حَدِيث عُثْمَان بن عَفَّان قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَاتَ وَهُوَ يعلم أَن لَا إِلَه إِلَّا الله دخل الْجنَّة
وَمن غير كتاب مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ حضر ملك الْمَوْت رجلا فَنظر فِي عمله فَلم يجد لَهُ شَيْئا ففك لحييْهِ فَوجدَ طرف لِسَانه لاصقا بحنكه يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله فغفر الله لَهُ بِكَلِمَة الْإِخْلَاص
وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ احضروا مَوْتَاكُم ولقنوهم لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِنَّهُم يرَوْنَ مَا لَا ترَوْنَ
وَذكر مُسلم من حَدِيث سعيد بن الْمسيب عَن أَبِيه قَالَ لما حضرت أَبَا طَالب الْوَفَاة جَاءَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوجدَ عِنْده أَبَا جهل بن هِشَام وَعبد الله بن أبي أُميَّة بن الْمُغيرَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَا عَم قل لَا إِلَه إِلَّا الله كلمة أشهد لَك بهَا عِنْد الله فَقَالَ أَبُو جهل وَعبد الله بن أبي أُميَّة يَا أَبَا طَالب أترغب عَن مِلَّة عبد الْمطلب فَلم يزل رَسُول الله يعرضهَا عَلَيْهِ ويعيدان لَهُ تِلْكَ الْمقَالة حَتَّى قَالَ أَبُو طَالب آخر مَا كَلمهمْ بِهِ هُوَ على مِلَّة عبد الْمطلب وأبى أَن يَقُول لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما وَالله لأَسْتَغْفِرَن لَك مَا لم أَنه عَنْك
فَأنْزل الله عز وَجل مَا كَانَ للنَّبِي وَالَّذين آمنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا للْمُشْرِكين وَلَو كَانُوا أولي قربى من بعد مَا تبين لَهُم أَنهم أَصْحَاب الْجَحِيم
وَأنزل الله فِي أبي طَالب فَقَالَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّك لَا تهدي من أَحْبَبْت وَلَكِن الله يهدي من يَشَاء
ويروى عَن أنس بن مَالك أَن غُلَاما من الْيَهُود كَانَ يخْدم النَّبِي فَمَرض فَأَتَاهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعودهُ فَقعدَ عِنْد رَأسه فَعرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام فَقَالَ لَهُ أسلم فَنظر الْغُلَام إِلَى أَبِيه وَهُوَ عِنْده فَقَالَ لَهُ أَبوهُ أطع أَبَا الْقَاسِم فَأسلم فَقَامَ النَّبِي وَهُوَ يَقُول الْحَمد لله الَّذِي أنقذه بِي من النَّار
ذكر هَذَا الحَدِيث البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهمَا
وَيَنْبَغِي أَن لَا يلح على الْمَيِّت بتلقين الشَّهَادَتَيْنِ قَالَ ابْن الْمُبَارك لقنوا الْمَيِّت لَا إِلَه إِلَّا الله فَإِن قَالَهَا فَدَعوهُ وَلِأَنَّهُ يخَاف عَلَيْهِ إِذا ألح عَلَيْهِ بهَا أَن يبرم ويضجر ويثقلها الشَّيْطَان عَلَيْهِ فَيكون ذَلِك سَببا لسوء الخاتمة
ذكر أَبُو بكر الدينَوَرِي فِي كتاب المجالسة عَن الْحسن بن عِيسَى قَالَ لما حضرت ابْن الْمُبَارك الْوَفَاة قَالَ لنصر مَوْلَاهُ أجعَل رَأْسِي على التُّرَاب قَالَ فَبكى نصر فَقَالَ مَا يبكيك قَالَ ذكرت مَا كنت فِيهِ من النَّعيم وَأَنت هَذَا تَمُوت فَقِيرا غَرِيبا فَقَالَ اسْكُتْ فَإِنِّي سَأَلت الله أَن يحييني حَيَاة السُّعَدَاء ويميتني ميتَة الْفُقَرَاء ثمَّ قَالَ لقني الشَّهَادَة وَلَا تعد عَليّ إِلَّا أَن أَتكَلّم بِكَلَام ثَان
وَالْمَقْصُود أَن يَمُوت الرجل وَلَا يكون فِي قلبه إِلَّا الله وَحده لِأَن الْمدَار على الْقلب وَعمل الْقلب هُوَ الَّذِي ينظر فِيهِ وَتَكون النجَاة بِسَبَبِهِ وَأما حَرَكَة اللِّسَان دون أَن تكون تَرْجَمَة عَمَّا فِي الْقلب فَلَا فَائِدَة فِيهَا وَلَا خير عِنْدهَا
وَأما حسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى عِنْد الْمَوْت فَوَاجِب قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يموتن أحدكُم إِلَّا وَهُوَ يحسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى ذكره مُسلم
وَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود وَالَّذِي لَا إِلَه غَيره لَا يحسن أحدكُم الظَّن بِاللَّه إِلَّا أعطَاهُ الله ظَنّه وَذَلِكَ أَن الْخَيْر بِيَدِهِ
وَقَالَ عبد الله بن عَبَّاس إِذا رَأَيْتُمْ الرجل قد نزل بِهِ الْمَوْت فبشروه حَتَّى يلقى ربه وَهُوَ حسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى وَإِذا كَانَ حَيا فخوفوه بربه واذْكُرُوا لَهُ شدَّة عِقَابه
يَا رب إِن عظمت ذُنُوبِي كَثْرَة ... فَلَقَد علمت بِأَن عفوك أعظم
أَدْعُوك رب كَمَا أمرت تضرعا ... فَإِذا رددت يَدي فَمن ذَا يرحم
إِن كَانَ لَا يرجوك إِلَّا محسن ... فَمن الَّذِي يَرْجُو الْمُسِيء المجرم
مَالِي إِلَيْك وَسِيلَة إِلَّا الرجا ... وَجَمِيل ظَنِّي ثمَّ أَنِّي مُسلم
وَقَالَ ثَابت الْبنانِيّ كَانَ شَاب بِهِ حِدة وَكَانَت أمه تعظه وَتقول لَهُ يَا بني إِن لَك يَوْمًا فاذكر يَوْمك وَإِن لَك مصرعا فاذكر مصرعك فَلَمَّا نزل بِهِ أَمر الله تَعَالَى اكبت عَلَيْهِ أمه فَجعلت تَقول أَي بني قد كنت أحذرك مصرعك هَذَا فَقَالَ لَهَا يَا أمة إِن لي رَبًّا كثير الْمَعْرُوف وَإِنِّي لأرجو أَن لَا يُعَذِّبنِي بكرمه وَرَحمته قَالَ ثَابت فرحمه الله عز وَجل بحس ظَنّه بربه أخبر بذلك فِي النّوم أَو أخبر بِهِ عَنهُ
وَقَالَ جَابر بن عبد الله كَانَ شَاب بِهِ زهو فَنزل بِهِ الْمَوْت فَقَالَت أمه يَا بني توصي بِشَيْء قَالَ نعم خَاتمِي ادفنيني بِهِ فَإِن فِيهِ ذكر الله تَعَالَى فَلَعَلَّهُ يرحمني فَلَمَّا دفن رئي فِي الْمَنَام فَقَالَ اخبروا أُمِّي أَن الله قد غفر لي
وَقَالَ ذُو النُّون الْمصْرِيّ رَحمَه الله كَانَ فِي جواري شَاب مُسْرِف على نَفسه كثير الْخَطَايَا فَمَرض فَدخلت عَلَيْهِ أعوده فَإِذا هُوَ قد مَاتَ وَأوصى أَن يكْتب على قَبره شَيْء فرأيته فِي مَنَامِي فَقلت لَهُ مَا فعل الله بك قَالَ غفر لي فَقلت بِمَاذَا قَالَ فَكرت فِي جُرْمِي وَفِي عَفوه فَرَأَيْت عَفوه أَكثر من جُرْمِي قَالَ ذُو النُّون فَلَمَّا أَصبَحت جِئْت إِلَى قَبره فَإِذا عَلَيْهِ مَكْتُوب
حسن ظَنِّي بك يَا ... رب جرأني عَلَيْك
فَارْحَمْ اللَّهُمَّ عبدا ... صَار رهنا فِي يَديك
ويروى عَن بعض الصَّالِحين قَالَ قَالَ مَالك بن دِينَار رَأَيْت مُسلم بن يسَار فِي
النّوم بعد مَوته بِسنة فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ السَّلَام فَقلت لَهُ لم لَا ترد عَليّ السَّلَام قَالَ وَكَيف أرد عَلَيْك وَأَنا ميت فَقلت لَهُ وماذا لقِيت بعد الْمَوْت قَالَ ودمعت عينا مَا لَك عِنْد هَذَا القَوْل لقِيت أهوالا وزلازل وعظائم وشدائد قَالَ مَالك فَقلت لَهُ فَمَا كَانَ بعد ذَلِك قَالَ وَمَا ترَاهُ يكون من الْكَرِيم إِلَّا الْكَرم قبل منا الْحَسَنَات وَغفر لنا السَّيِّئَات وَضمن عَنَّا التَّبعَات كَمَا كَانَ حسن ظَنِّي بِهِ
قَالَ ثمَّ شهق مَا لَك شهقته خر مغشيا عَلَيْهِ فَلبث فِي غَشيته أَيَّامًا مَرِيضا ثمَّ مَاتَ من مَرضه ذَلِك وَكَانَ يُقَال إِن قلبه انصدع
وَلَوْلَا حسن الظَّن بِاللَّه تَعَالَى لهلك الْخلق
وَقَالَ عبد الْوَاحِد بن زيد وَمَا كَانَ سَبَب موت مَالك بن دِينَار إِلَّا هَذِه الرُّؤْيَا سَأَلته عَنْهَا فَقَصَّهَا عَليّ فَجعل يشهق ويضطرب حَتَّى ظَنَنْت أَن كبده تقطعت فِي جَوْفه ثمَّ هدأ فحملناه إِلَى منزله فَلم يزل مَرِيضا مِنْهَا يُعَاد حَتَّى مَاتَ
وَقَالَ أَبُو عمر الضَّرِير حَدثنِي سُهَيْل أَخُو حَازِم قَالَ رَأَيْت مَالك بن دِينَار فِي النّوم بعد مَوته بِسنة فَقلت لَهُ يَا أَبَا يحيى مَاذَا فعل الله بك وماذا قدمت بِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ قدمت عَلَيْهِ بذنوب كَثِيرَة فمحاها حسن ظَنِّي بِهِ تبَارك وَتَعَالَى
وَقَالَ عمار بن سيف رَأَيْت الْحسن بن صَالح فِي مَنَامِي بعد مَوته فَقلت لَهُ لقد كنت متمنيا للقائك فَمَاذَا عنْدك أخبرنَا فَقَالَ لم أر شَيْئا مثل حسن الظَّن بِهِ تبَارك وَتَعَالَى
وأنشدوا
أحسن الظَّن بِرَبّ لم يزل ... دَائِم الْإِحْسَان برا لم يمل
من غَدَتْ نعماؤه فِي ذَا الورى ... جملا ترفق فِي إِثْر جمل
وسع الْعَالم فضلا وجدا ... مُرْسل العزلاء سجا مُتَّصِل
وَإِذا لم تحسن الظَّن بِهِ ... فِيمَن تحسن إِن خطب نزل
وَإِذا لم ترجه من يرتجى ... وَإِذا لم تسألنه من ذَا تسل
فلتطلب نفسا عَلَيْهِ وَله ال ... مثل الْأَعْلَى والأسنى الْأَجَل
وَقَالُوا أَيْضا
احسن الظَّن مَا اسْتَطَعْت بِرَبِّك ... فالأماني جمعن فِي حسن ظَنك
وَإِذا مَا أصبت يَوْمًا بضر ... فإليه اللجا فِي كشف ضرك
وَإِذا مَا انتحاك أَمر عسير ... فَهُوَ المرتجى لتيسير أَمرك
وذنوب خبأتهن قَدِيما ... وحديثا كسرت عظم ظهرك
تب إِلَيْهِ والجأ مِنْهَا إِلَيْهِ ... فَهُوَ أدنى إِلَيْك من ذَات نَفسك
ودموع الحزين لَا تمسكنها ... ولتدعها مساربا تَحت نحرك
وَاقد حن فِي الضلوع نَار متاب ... فعساها تميت نيران روعك
وَإِذا مَا تعاظمتك ذنُوب ... فاعتقاد الْقُلُوب أعظم ذَنْبك
وَمرض أَعْرَابِي فَقيل لَهُ إِنَّك تَمُوت فَقَالَ فَإِذا مت أَيْن يذهب بِي قيل إِلَى الله تَعَالَى قَالَ مَا أكره أَن يذهب بِي إِلَى من لَا يرى الْخَيْر إِلَّا عِنْده
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
مواضيع مماثلة
» الْبَاب الأول من أَخْبَار الْأَمْوَات عِنْد الْمَوْت
» فقه حنفى : تحفة الْفُقَهَاء
» ـ[السيرة النبوية]ـ سيرة ابن هشام السقا
» لا أحد أنصح للولد من والده
» الْبَاب الأول فِي الْخلاف الْعَارِض من جِهَة اشْتِرَاك
» فقه حنفى : تحفة الْفُقَهَاء
» ـ[السيرة النبوية]ـ سيرة ابن هشام السقا
» لا أحد أنصح للولد من والده
» الْبَاب الأول فِي الْخلاف الْعَارِض من جِهَة اشْتِرَاك
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى