كتاب رياض الصالحين بواسطة شريف ابراهيم
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
كتاب رياض الصالحين بواسطة شريف ابراهيم
الباب الأول
.باب الاخلاص و احضار النيه في جميع الاعمال و الأقوال و الأحوال البارزه و الخفيه
قال الله تعالى (و ما أُمِروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حُنفاء و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة و ذلك دينُ القيمه)(البينه:5)
و قال تعالى (لن ينالَ الله لحومُها و لا دماؤُها و لكن ينالُه التقوى منكم)(الحج:37)
و قال تعالى (قل ان تُخفوا ما في صدورِكم أو تُبدوه يَعْلَمْهُ الله)(آل عمران:29)
1_عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبدالله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي :رضي الله عنه ,قال :سمعت رسول الله يقول ( إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امريء ما نوى ,فمن كانت هجرته الى الله و رسوله فهجرته الى الله و رسوله , و من كانت هجرته لدنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه ) متفق على صحته.
2_و عن أم المؤمنين أم عبدالله عائشه رضي الله عنها قالت :قال رسول الله (يغزو جيش الكعبة فاذا كانوا بيداء من الأرض يُخسَف بأولهم و آخرهم )قالت:قلت يارسول الله ,كيف يُخسَف بأولهم آخرهم و فيهم أسواقُهم و من ليس منهم !؟ قال ( يُخسَف بأولهم و آخرهم ,ثم يُبعثون على نياتِهم ) متفق عليه.
3_و عن عائشه رضي الله عنها قالت:قال النبي (لا هجرة بعد الفتح ,ولكن جهاد و نيه,واذا استُنْفِرْتُم فانْفِروا) متفق عليه .
و معناه : لاهجرة من مكة لأنها صارت دار الاسلام .
4_و عن أبي عبدالله جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي في غزاة (1) فقال ان بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيراً,و لا قطعتم وادياً الا كانوا معكم حبسهم المرض) و في روايه (الا شاركوكم في الأجر) رواه مسلم .
(1):هي غزوة تبوك
5_و رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : رجعنا من غزوة تبوك مع النبي فقال ان أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شِعباَ و لا وادياَ الاو هم معنا ,حبسهم العُذر).
1. 6_عن أبي يزيد معن بن يزيد بن الأخنس رضي الله عنهم و هو و أبوه و جده صحابيون ,قال :كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فاتيته بها . فقال : و الله ما إياك أردت ,فخاصمته الى رسول الله فقال : (لك ما نويت يا يزيد , و لك ما أخذت يا معن ) رواه البخاري .
7_ و عن أبي اسحاق سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة ابن كلاب بن مره بن كعب بن لؤي القرشي الزهري رضي الله عنه ,أحد العشره المشهود لهم بالجنه ,رضي الله عنهم .قال: ( جاءني رسول الله يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت : يا رسول الله إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى , و انا ذو مال و لا يرثني الا ابنة لي .أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال : لا ,قلت : فالشطر يا رسول الله ؟ فقال : لا , قلت : فالثلث يا رسول الله ؟, قال : الثلث و الثلث كثير _او كبير_ انك ان تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس , و انك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيِ (أي فم) امرأتك قال : فقلت : يا رسول الله أُخَلف بعد أصحابي ؟ قال : انك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله الا ازددت به درجة و رفعة و لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام و يُضر بك آخرون . اللهم أمض لأصحابي هجرتهم , و لا ترُدهم على أعقابهم ,لكن البائس سعد بن خولة (يرثى له رسول الله ) أن مات بمكه ) متفق عليه .
8_ و عن أبي هريرة عبدالرحمن بن صخر رضي الله عنه قال : قال رسول الله (إن الله لا ينظر الى أجسامكم , و لا ينظر الى صوركم , و لكن ينظر الى قلوبكم و أعمالكم ) رواه مسلم .
9_ و عن أبي موسى عبدالله بن قيس الأشعري رضي الله عنه قال : سُئل رسول الله عن الرجل يقاتل شجاعة , و يقاتل حمية , و يقاتل رياء ,أيُ ذلك في سبيل الله ؟ فقال رسول الله (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) متفق عليه .
10_ و عن أبي بكره نُفيع بن الحارث الثقفي رضي الله عنه أن النبي قال اذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل و المقتول في النار ) قلت: يارسول الله , هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : ( إنه كان حريصاً على قتل صاحبه ) متفق عليه .
2. 11_ و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته و صلاته في سوقه و بيته بضعاً و عشرين درجة , و ذلك أن أحدهم اذا توضأ فأحسن الوضوء , ثم أتى المسجد لا يريد الا الصلاة , لا ينهَزُهُ إلا الصلاة , لم يخط خطوة الا رُفع له بها درجة , و حُطَ عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد , فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي التي تحبسه , و الملائكة يُصَلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه , يقولون ..اللهم ارحمه ,اللهم اغفر له ,اللهم تب عليه .ما لم يُؤذ فيه , مالم يُحدث فيه ) متفق عليه .
وقوله : (ينهزه)بفتح الياء و الهاء و بالزاي ...أي : يُخرِجُه و يُنْهِضُه.
12_ و عن أبي العباس عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب رضي الله عنهما عن رسول الله ,فيما يروي عن ربه ,تبارك و تعالى قالإن الله كتب الحسنات و السيئات ثم بيَن ذلك :فمن همََ بحسنة فلم يعملها كتبها الله تبارك و تعالى له عنده حسنة كاملة و إن هم بها فعملها كتبها الله عشر حسنات الى سبعمائة ضعف الى أضعاف كثيره . و ان هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة , و إن هم بها فعملها كتبها الله سيئة و احده ) متفق عليه.
3. 13_ و عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن عمر بن الخطاب ,رضي الله عنهما .سمعت رسول الله يقول انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت الى غار فدخلوه , فانحدرت صخرة من الجبل فسدت علهم الغار , فقالوا : إنه لا ينجيكم من الصخرة إلا ان تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم , قال رجل منهم : اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران , و كنت لا أغبق (1) قبلهما أهلاً و لا مالا ً فنأى بي طلب الشجر يوما فلم أرح (2) عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين ,فكرهت أن أوقظهما و أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا ,فلبثت_و القدح على يدي_انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر و الصبية يتضاغون عند قدمي _فاستيقظا فشربا غبوقهما .اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة ,فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه . قال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إليَ.
و في روايه كنت أحبها اشد ما يحب الرجال النساء ), فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فاعطيتها عشرين و مائة دينار على أن تخلي بيني و بين نفسها ففعَلَت ,حتى اذا قدرت عليها (و في روايه فلما قعدت بين رجليها ) قالت:اتق الله و لا تفض الخاتم إلا بحقه ,فانصرفت عنها و هي أحب الناس إلي و تركت الذهب الذي أعطيتها ,اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ,فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها , وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أُجَراء و أعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له و ذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال :ياعبدالله أد الي أجري .فقلت : كل ما ترى من أجرك ..من الإبل و البقر و الغنم و الرقيق .فقال :ياعبدالله لا تستهزيء بي ! فقلت : لا أستهزيء بك .فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا ...اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ,فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون ) متفق عليه.
(1) الغبوق:هو شرب العشى , و معناه لا أقدم في الشرب قبلهما أهلا و لا مالا من رقيق و خادم .
(2)يصيحون من الجوع.
الباب الثاني
1. 2_باب التوبه
قال العلماء :التوبه واجبه من كل ذنب ,فان كانت المعصيه بين العبد و بين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي ,فلها ثلاث شروط أحدها :أن يقلع عن المعصيه.
و الثاني :أن يندم على فعلها .
و الثالث: أن يعزم على ألا يعود إليها أبدا .فإن فُقد أحد الثلاثه لم تصح توبته .
و إن كانت المعصيه تتعلق بآدمي فشروطها أربعه .هذه الثلاثه و أن يبرأ من صاحبها فإن كانت مالا أو نحوه رده اليه,و إن كانت حد قذف و نحوه مكنه منه أو طلب عفوه و إن كانت غيبه استحله منها (2) و يجب أن يتوب من جميع الذنوب,فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب .و بقي عليه الباقي و قد تظاهرت دلائل الكتاب ,والسنه .و اجماع الأمه على وجوب التوبه :قال الله تعالىو توبوا الى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)(النور:31)وقال تعالىيا أيها الذين آمنوا توبوا الى اللهتوبة نصوحاً)(التحيم:وقال تعالىاستغفروا ربكم ثم توبوا اليه)(هود:3)
(2):التوبه :هي اقلاع من المعصيه و دخول في الزمرة الطيبة الموحدة ,و طرح ماهو خبيث و الذهاب الى ما هو طيب و العهد مع الله بنية خالصه على نبذ كل معصية و يفعل البراءة فيها و هي فعل كل خير .
14_و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله يقول و الله إني لأستغفر الله و أتوب اليه في اليوم أكثر من سبعين مره)(3)رواه البخاري.
15_و عن الأغر بن يسار المزني رضي الله عنه قال :قال رسول الله يا أيها الناس توبوا الى الله و استغفروه فإني اتوب في اليوم مائة مره )رواه مسلم.
16_و عن أبي حمزه أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله ,رضي الله عنه قال:قال رسول الله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره و قد أضله في أرض فلاة)متفق عليه.
و في روايه لمسلم لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة ,فانفلتت منه و عليها طعامه و شرابه فأيس منها ,فأتى شجرة فاضطجع في ظلها ,و قد أيس من راحلته ,فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده,فأخذ بخطامه ثم قال من شدة الفرح :اللهم أنت عبدي و انا ربك.أخطأ من شدة الفرح).
17_و عن أبي موسى عبدالله بن قيس الأشعري .رضي الله عنه .عن النبي قالان الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار و يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها )(1).رواه مسلم.
(1):و معنى هذا ان باب التوبه لا يغلق أبدا مالم يغرغر العبد قال الله تعالى (و إني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدى).
18_ و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله (من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه)رواه مسلم.
19_و عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي (إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)(1)رواه الترمذي.وقال حديث حسن.
(1):يغرغر :أي تبلغ روحه حلقومه.
2. 20_ و عن زر بن حبيش قال:أتيت صفوان بن عسال رضي الله عنه أسأله عن المسح على الخفين فقال :ما جاء بك يا زر؟ فقلت ابتغاء العلم .فقال :إن الملائكة تضع أجنححتها لطالب العلم رضاء بما يطلب .فقلت :إنه حك (2)في صدري المسح على الخفين بعد الغائط و البول ,و كنت امرءاً من أصحاب النبي فجئت أسألك :هل سمعته يذكر في ذلك شيئا ؟ قال :نعم كان يأمرنا اذا كنا سفرا _او مسافرين_ أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام و لياليهن إلا من جنابة لكن من غائط و بول و نوم .فقلت :هل سمعته يذكر في الهوى شيئا؟ قال :نعم كنا مع رسول الله في سفر فبينا نحن عنده إذ ناداه أعرابي بصوت له جهوري :يامحمد .فأجابه رسول الله نحوا من صوته هاؤم)
فقلت :ويحك اغضض من صوتك فانك عند النبي و قد نُهيت عن هذا ! فقال :و الله لا اغضض :قال الأعرابي :المرء يحب القوم و لما يلحق بهم؟ قال النبي المرء مع من أحب يوم القيامه)فمازال يحدثنا حتى ذكر بابا من المغرب مسيرة عرضه أو يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين عاما .قال سفيان أحد الرواة .قبل الشام خلقه الله تعالى يوم خلق السماوات و الارض مفتوحا للتوبة لا يُغلق حتى تطلع الشمس منه )رواه الترمذي و غيره و قال حديث حسن صحيح.
21_ و عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه أن نبي الله قالكان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة و تسعين نفسا ,فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُل على راهب ,فأتاه فقال :إنه قتل تسعة و تسعين نفسا .فهل له من توبة ؟ فقال:لا فقتله فكمل به مائه ثم سال عن أعلم أهل الارض .فدُل على رجل عالم فقال:إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال :نعم و من يحول بينه و بين التوبه؟ انطلق الى أرض كذا و كذا ,فإن بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم و لا ترجع الى ارضك فإنها أرض سوء.فانطلق حتى اذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمه و ملائكة العذاب .فقالت ملائكة الرحمه :انه جاء تائبا مُقبلا بقلبه الى الله تعالى و قالت ملائكة العذاب :انه لم يعمل خيرا قط,فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم _أي حكما_فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له .فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمه)متفق عليه.
(2):حك في صدري :أثر في صدري.
3. - وعن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان قائد كعب رضي الله عنه من بنيه حين عمي قال: سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه يحدث بحديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. قال كعب: لم اتخلف عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك، غير أني قد تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحد تخلف عنه، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدرٍ، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها.
وكان من خبري حين تخلف عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة، فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفراً بعيداً ومفازاً، واستقبل عدداً كثيراً، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجههم الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ "يريد بذلك الديوان" قال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى به مالم ينزل فيه وحي من الله، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال فأنا إليها أصعر فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهز معه، فأرجع ولم أقض شيئاً، وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت، فلم يزل يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غادياً والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئاً، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئاً، فلم يزل يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغرو، فهممت أن أرتحل فأدركهم، فياليتني فعلت، ثم لم يقدر ذلك لي، فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزنني أني أرى لي أسوة، إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله تعالى من أسوة، إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله تعالى من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: ما فعل كعب بن مالك؟ فقال له معاذ بن جبل رضي الله عنه بئس ما قلت! والله يارسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا هو على ذلك رأى رجلا مبيضا يزول به السراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة، فإذا أبو خيثمة الأنصاري وهو الذي تصدق بصاع التمر حين لمزه المنافقون، قال كعب: فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلاً من تبوك حضرني بثي، فطفقت أتذكر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غداً وأستعين على ذلك بكل ذي رأى من أهلي، فلما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادماً زاح عني الباطل حتى عرفت أني لم أنج منه بشيء أبداً، فأجمعت صدقه، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل فعل ذلك جاءه المخلفون يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعا وثمانين رجلاً فقبل منهم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى حتى جئت. فلما سلمت تبسم تبسم المغضب ثم قال: تعال، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك! قال قلت: يارسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، لقد أعطيت جدلاً، ولكنني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضي به ليوشكن الله يسخطك علي، وإن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عقبى الله عز وجل، والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك" وسار رجال من بني سلمة فاتبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا، لقد عجزت في أن لا يكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك. قال: فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟ قالوا: نعم لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك، قال قلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي؟ قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً فيهما أسوة. قال: فمضيت حين ذكروهما لي. ونهى رسول صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، قال: فاجتنبنا الناس- أو قال: تغيروا لنا- حتى تنكرت لي في نفس الأرض، فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه، وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام أم ؟ ثم أصلي قريباً منه وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي، فسلمت عليه فوالله ما ردّ علي السلام، فقلت له: يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أُحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟ فسكت، فعدت فناشدته فسكت، فعدت فناشدته فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار، فبينما أنا أمشى في سوق المدينة إذا نبطى من نبط أهل الشام ممن قدم بالطعام ببيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاءنى فدفع إلي كتاب من ملك غسان، وكنت كاتباً. فقرأته فإذا فيه: أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك، فقلت حين قرأتها، وهذه أيضاً من البلاء فتيممت بها التنور فسجرتها، حتى إذا مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحى إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينى، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها، أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها فلا تقربنها، وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك. فقلت لامرأتي: ألحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر، فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له : يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال : لا، ولكن لا يقربنك. فقالت: إنه والله ما به من حركة إلى شيء، ووالله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه؟ فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب! فلبثت بذلك عشر ليالٍ، فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا. ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا، فبينما أنا جالس على الحال التى ذكر الله تعالى منا، قد ضافت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر فخررت ساجداً، وعرفت أنه قد جاء فرج. فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله عز وجل علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا، فذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض رجل إلي فرساً وسعى ساع من أسلم قبلي وأوفى على الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذى سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقانى الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة ويقولون لي: لتهنك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس، فقام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره، فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهو يبرق وجهه من السرور : أبشر بخير يوم مرّ عليك مذ ولدتك أمك، فقلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال : لا ، بل من عند الله عز وجل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، فقلت: إني أمسك سهمي الذى بخيبر. وقلت: يا رسول الله إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدثَ إلا صدقاً ما بقيت ، فو الله ما علمت أحداً من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني الله تعالى ، والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقي، قال: فأنزل الله تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة) حتى بلغ: {إنه بهم رؤوف رحيم . وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} حتى بلغ : {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} ((التوبة 117، 119)) قال كعب : والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوا، إن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد، فقال الله تعالى : {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} ((التوبة: 95،96)) .
قال كعب : كنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له ، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله تعالى فيه بذلك، قال الله تعالى : {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} وليس الذي ذكر مما خلفنا تخلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه. متفق عليه.
وفى رواية "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة تبوك يوم الخميس، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس"
وفى رواية: "وكان لا يقدم من سفر إلا نهاراً في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه"
.
1. 23_ وعن أبي نجيد- ضم النون وفتح الجيم - عمران بن الحصين الخزاعى رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى حبلى من الزنى، فقالت: يا رسول الله أصبت حداً فأقمه علي، فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها فقال: أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني، ففعل فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم، فشدت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم صلى الله عليه وآله وسلم عليها. فقال له عمر: تصلى عليها يا رسول الله وقد زنت، قال: لقد تابت توبة لو قمست بين سبعين من أهل المدينة لوستعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل ؟! " رواه مسلم.
2. 24- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" ((متفق عليه)) .
3. 24- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" ((متفق عليه)) .
الباب الثالث
1. الباب التالت (الصبر)
قال الله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا} ((آل عمران : 200) وقال تعالى {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} (( البقرة : 155)) وقال تعالى : {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} ((الزمر:10)) وقال تعالى: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} ((الشورى : 43)) وقال تعالى: {استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين} ((محمد : 31)) والآيات في الأمر بالصبر وبيان فضله كثيرة معروفة.
26-وعن ابي مالك الحارث بن عاصم الاشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (الطهور شطر الايمان، والحمد لله تملاء الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن_او تملأ_ما بين السموات والارض والصلاة نور،والصدقه برهان،والصبر ضياء،والقآن حجة لك او عليك.كل الناس يغدو،فبائع نفسه فمعتقها،او موبقها)) رواه مسلم
27-وعن ابي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري-رضي الله عنهما- ان ناسا من الانصار سألوا رسول الله فاعطاهم،ثم سألوه فأ‘طاهم، حتى نفد ما عنده ،فقال لهم حين انفق كل شيء بيده (ما يكن عندي من خير فلن ادخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله.وما أ‘طى احد عطاء خيرا واوسع من الصبر)) متفق عليه.
28- وعن ابي يحي صهيب بن سنان-رضي الله عنه- قال : قال رسول الله (عجبا لأمرالمؤمن إن امره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن:ان أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)) رواه مسلم.
29- وعن انس-رضي الله عنه- قال:لما ثقل النبي جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمه- رضي الله عنها-:واكرب أبتاه فقال ( ليس على ابيك كرب بعد اليوم)) فلما مات قالت:يا ابتاه اجاب رباه دعاه ،يا ابتاه جنه الفردوس مأواه،يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، فلما دفن قالتفاطمه -رضي الله عنها- (أطابت انفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب؟)) رواه البخاري
30- وعن أبي زيد أسامة بن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه وابن حبه، رضي الله عنهما، قال: أرسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم : إن ابني قد احتضر فاشهدنا، فأرسل يقرئ السلام ويقول: "إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب" فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها. فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال رضي الله عنهم، فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي فأقعده في حجره ونفسه تقعقع، ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله ماهذا؟ فقال: "هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده" وفى رواية : "في قلوب من شاء من عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" ((متفق عليه)) .
ومعنى ((تقعقع)): تحرك وتضطرب
31-وعن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحرٌ، فلما كبر قال للملك : إني قد كبرت فابعث إلى غلاماً أعلمه السحر؛ فبعث إليه غلاماً يعلمه، وكان في طريقه إذا سلك راهبٌ، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، وكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقال: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر.
فبينما هو على ذلك إذ اتى على دابه عظيمه قد حبست فقال: اليوم اعلم الساحر افضل ام الراهب افضل ؟ فأخذ حجرا فقال: اللهم إن كان امر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابه حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب : اي بني أنت أفضل مني، قد بلغ من امرك كا ارى ، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي، وكان الغلام يبريء الاكمه والابرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء.
فسمع جليش للملك كان فد عمى، فأتاه بهدايا كثيره فقال: ما هاهنا لك اجمع إن أنت شفيتني، فقال :إني لا اشفي أحدا ، إنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت بالله تعالى دعوت الله فشفاك،فآمن بالله تعالى فشفاه الله تعالى، فاتى اللك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي. قال: ولك رب غيري! قال: ربي وربك الله، فاخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما تبريء الاكمه و الابرص وتفعل وتفعل ، فقال: إني لا أشفي احدا، إنما يشفي الله تعالى،فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى ، فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه ، فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك، فابى، فدفعه إلى نفر من اصحابه فقال : إذهبوابه الى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل، فاذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال : اللهم اكفينهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك ، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال كفانيهم الله تعالى، فدفعه إلى نفر من اصحابه فقال : إذهبوا فاحملوه في قرقور وتوسطوا به البحر ، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك : ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى. فقال الملك إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال : ما هو؟ قال : تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع ، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: بسم الله رب الغلام ثم ارمني، فإنك إن فعلت ذلك قتلتني . فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهما من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: بسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه فمات. فقال الناس آمنا برب الغلام، فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك. قد آمن الناس. فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدت وأضرم فيها النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل له : اقتحم ، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبى لها، فتقاعست ان تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أماه اصبري فإنك على الحق" ((رواه مسلم)).
32_ و عن أنس رضي الله عنه قال : مر النبي بإمرأة تبكي عند قبر فقال اتقي الله و اصبري)فقالت: إليك عني ,فانك لم تُصَب بمصيبتي !و لم تعرفه فقيل لها :انه النبي .فلم تجد عنده بوابين ,فقالت :لم أعرفك ,فقال (انما الصبر عند الصدمة الأولى)متفق عليه.
و في روايه لمسلم تبكي على صبي لها).
33_ و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قاليقول الله تعالى : ما لعبدي المؤمن جزاء اذا قبضت صَفِيَه (1) من أهل الدنيا ثم احتسب .إلا الجنة)رواه البخاري.
(1):صفيه :أي حبيبه.
34_و عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله عن الطاعون فأخبرها (أنه كان عذابا يبعثه الله تعالى على من يشاء .فجعله الله تعالى رحمة للمؤمنين فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابرا مُحتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد)رواه البخاري .
35_و عن أنس رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله يقولإن الله عز و جل قال: اذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنه) يريد عينيه.رواه البخاري.
36_ و عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما ألا أريك امرأة من أهل الجنه.فقلت :بلى,قال هذه المرأه السوداء أتت النبي فقالت:إني أصرع ,و إني أتكشف (1),فادع الله تعالى لي قالان شئتِ صبرتِ و لك الجنه ,و إن شئتِ دعوت الله تعالى أن يعافيك)فقالت: أصبر ,فقالت:إني اتكشف ,فادع الله أن لا أتكشف ,فدعا لها .متفق عليه .
(1):أي يظهر بعض منها حينما تصاب بالصرع
37_و عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى رسول الله يحكي نبيا من الأنبياء ,صلوات الله و سلامه عليهم ,ضربه قومه فأدموه و هو يمسح الدم عن وجهه ,يقولاللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).متفق عليه.
38_و عن أبي سعيد و أبي هريره رضي الله عنهما عن النبي قالمايصيب المسلم من نصب و لا وصب و لا هم و لا حزن و لا أذى و لا غم ,حتى الشوكه يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ).متفق عليه .
39_و عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على النبي و هو يوعك فقلت يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا قالأجل اني اوعك كما يوعك رجلان منكم)قلت :ذلك أن لك أجرين؟ قالأجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته و حطت عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها)متفق عليه.
و (الوعك):مغث الحمى ,و قيل الحمى .
40_و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (من يردِ الله به خيرا يُصِب منه)رواه البخاري.
و ضبَطوا (يُصِِب): بفتح الصاد و كسرها
41_ و عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (لا يتمنين أحدكم الموت لِضُرٍ أصابه ,فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحييني ما كانت الحياة خيرا لي و توفني إذا كانت الوفاة خيرا لي )متفق عليه.
.باب الاخلاص و احضار النيه في جميع الاعمال و الأقوال و الأحوال البارزه و الخفيه
قال الله تعالى (و ما أُمِروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حُنفاء و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة و ذلك دينُ القيمه)(البينه:5)
و قال تعالى (لن ينالَ الله لحومُها و لا دماؤُها و لكن ينالُه التقوى منكم)(الحج:37)
و قال تعالى (قل ان تُخفوا ما في صدورِكم أو تُبدوه يَعْلَمْهُ الله)(آل عمران:29)
1_عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبدالله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي :رضي الله عنه ,قال :سمعت رسول الله يقول ( إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امريء ما نوى ,فمن كانت هجرته الى الله و رسوله فهجرته الى الله و رسوله , و من كانت هجرته لدنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر اليه ) متفق على صحته.
2_و عن أم المؤمنين أم عبدالله عائشه رضي الله عنها قالت :قال رسول الله (يغزو جيش الكعبة فاذا كانوا بيداء من الأرض يُخسَف بأولهم و آخرهم )قالت:قلت يارسول الله ,كيف يُخسَف بأولهم آخرهم و فيهم أسواقُهم و من ليس منهم !؟ قال ( يُخسَف بأولهم و آخرهم ,ثم يُبعثون على نياتِهم ) متفق عليه.
3_و عن عائشه رضي الله عنها قالت:قال النبي (لا هجرة بعد الفتح ,ولكن جهاد و نيه,واذا استُنْفِرْتُم فانْفِروا) متفق عليه .
و معناه : لاهجرة من مكة لأنها صارت دار الاسلام .
4_و عن أبي عبدالله جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي في غزاة (1) فقال ان بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيراً,و لا قطعتم وادياً الا كانوا معكم حبسهم المرض) و في روايه (الا شاركوكم في الأجر) رواه مسلم .
(1):هي غزوة تبوك
5_و رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : رجعنا من غزوة تبوك مع النبي فقال ان أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شِعباَ و لا وادياَ الاو هم معنا ,حبسهم العُذر).
1. 6_عن أبي يزيد معن بن يزيد بن الأخنس رضي الله عنهم و هو و أبوه و جده صحابيون ,قال :كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فاتيته بها . فقال : و الله ما إياك أردت ,فخاصمته الى رسول الله فقال : (لك ما نويت يا يزيد , و لك ما أخذت يا معن ) رواه البخاري .
7_ و عن أبي اسحاق سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة ابن كلاب بن مره بن كعب بن لؤي القرشي الزهري رضي الله عنه ,أحد العشره المشهود لهم بالجنه ,رضي الله عنهم .قال: ( جاءني رسول الله يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت : يا رسول الله إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى , و انا ذو مال و لا يرثني الا ابنة لي .أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال : لا ,قلت : فالشطر يا رسول الله ؟ فقال : لا , قلت : فالثلث يا رسول الله ؟, قال : الثلث و الثلث كثير _او كبير_ انك ان تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس , و انك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيِ (أي فم) امرأتك قال : فقلت : يا رسول الله أُخَلف بعد أصحابي ؟ قال : انك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله الا ازددت به درجة و رفعة و لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام و يُضر بك آخرون . اللهم أمض لأصحابي هجرتهم , و لا ترُدهم على أعقابهم ,لكن البائس سعد بن خولة (يرثى له رسول الله ) أن مات بمكه ) متفق عليه .
8_ و عن أبي هريرة عبدالرحمن بن صخر رضي الله عنه قال : قال رسول الله (إن الله لا ينظر الى أجسامكم , و لا ينظر الى صوركم , و لكن ينظر الى قلوبكم و أعمالكم ) رواه مسلم .
9_ و عن أبي موسى عبدالله بن قيس الأشعري رضي الله عنه قال : سُئل رسول الله عن الرجل يقاتل شجاعة , و يقاتل حمية , و يقاتل رياء ,أيُ ذلك في سبيل الله ؟ فقال رسول الله (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) متفق عليه .
10_ و عن أبي بكره نُفيع بن الحارث الثقفي رضي الله عنه أن النبي قال اذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل و المقتول في النار ) قلت: يارسول الله , هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : ( إنه كان حريصاً على قتل صاحبه ) متفق عليه .
2. 11_ و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته و صلاته في سوقه و بيته بضعاً و عشرين درجة , و ذلك أن أحدهم اذا توضأ فأحسن الوضوء , ثم أتى المسجد لا يريد الا الصلاة , لا ينهَزُهُ إلا الصلاة , لم يخط خطوة الا رُفع له بها درجة , و حُطَ عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد , فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي التي تحبسه , و الملائكة يُصَلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه , يقولون ..اللهم ارحمه ,اللهم اغفر له ,اللهم تب عليه .ما لم يُؤذ فيه , مالم يُحدث فيه ) متفق عليه .
وقوله : (ينهزه)بفتح الياء و الهاء و بالزاي ...أي : يُخرِجُه و يُنْهِضُه.
12_ و عن أبي العباس عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب رضي الله عنهما عن رسول الله ,فيما يروي عن ربه ,تبارك و تعالى قالإن الله كتب الحسنات و السيئات ثم بيَن ذلك :فمن همََ بحسنة فلم يعملها كتبها الله تبارك و تعالى له عنده حسنة كاملة و إن هم بها فعملها كتبها الله عشر حسنات الى سبعمائة ضعف الى أضعاف كثيره . و ان هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة , و إن هم بها فعملها كتبها الله سيئة و احده ) متفق عليه.
3. 13_ و عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن عمر بن الخطاب ,رضي الله عنهما .سمعت رسول الله يقول انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت الى غار فدخلوه , فانحدرت صخرة من الجبل فسدت علهم الغار , فقالوا : إنه لا ينجيكم من الصخرة إلا ان تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم , قال رجل منهم : اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران , و كنت لا أغبق (1) قبلهما أهلاً و لا مالا ً فنأى بي طلب الشجر يوما فلم أرح (2) عليهما حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين ,فكرهت أن أوقظهما و أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا ,فلبثت_و القدح على يدي_انتظر استيقاظهما حتى برق الفجر و الصبية يتضاغون عند قدمي _فاستيقظا فشربا غبوقهما .اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة ,فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج منه . قال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إليَ.
و في روايه كنت أحبها اشد ما يحب الرجال النساء ), فأردتها على نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين فجاءتني فاعطيتها عشرين و مائة دينار على أن تخلي بيني و بين نفسها ففعَلَت ,حتى اذا قدرت عليها (و في روايه فلما قعدت بين رجليها ) قالت:اتق الله و لا تفض الخاتم إلا بحقه ,فانصرفت عنها و هي أحب الناس إلي و تركت الذهب الذي أعطيتها ,اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ,فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها , وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أُجَراء و أعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له و ذهب فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال :ياعبدالله أد الي أجري .فقلت : كل ما ترى من أجرك ..من الإبل و البقر و الغنم و الرقيق .فقال :ياعبدالله لا تستهزيء بي ! فقلت : لا أستهزيء بك .فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا ...اللهم ان كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ,فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون ) متفق عليه.
(1) الغبوق:هو شرب العشى , و معناه لا أقدم في الشرب قبلهما أهلا و لا مالا من رقيق و خادم .
(2)يصيحون من الجوع.
الباب الثاني
1. 2_باب التوبه
قال العلماء :التوبه واجبه من كل ذنب ,فان كانت المعصيه بين العبد و بين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي ,فلها ثلاث شروط أحدها :أن يقلع عن المعصيه.
و الثاني :أن يندم على فعلها .
و الثالث: أن يعزم على ألا يعود إليها أبدا .فإن فُقد أحد الثلاثه لم تصح توبته .
و إن كانت المعصيه تتعلق بآدمي فشروطها أربعه .هذه الثلاثه و أن يبرأ من صاحبها فإن كانت مالا أو نحوه رده اليه,و إن كانت حد قذف و نحوه مكنه منه أو طلب عفوه و إن كانت غيبه استحله منها (2) و يجب أن يتوب من جميع الذنوب,فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب .و بقي عليه الباقي و قد تظاهرت دلائل الكتاب ,والسنه .و اجماع الأمه على وجوب التوبه :قال الله تعالىو توبوا الى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)(النور:31)وقال تعالىيا أيها الذين آمنوا توبوا الى اللهتوبة نصوحاً)(التحيم:وقال تعالىاستغفروا ربكم ثم توبوا اليه)(هود:3)
(2):التوبه :هي اقلاع من المعصيه و دخول في الزمرة الطيبة الموحدة ,و طرح ماهو خبيث و الذهاب الى ما هو طيب و العهد مع الله بنية خالصه على نبذ كل معصية و يفعل البراءة فيها و هي فعل كل خير .
14_و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله يقول و الله إني لأستغفر الله و أتوب اليه في اليوم أكثر من سبعين مره)(3)رواه البخاري.
15_و عن الأغر بن يسار المزني رضي الله عنه قال :قال رسول الله يا أيها الناس توبوا الى الله و استغفروه فإني اتوب في اليوم مائة مره )رواه مسلم.
16_و عن أبي حمزه أنس بن مالك الأنصاري خادم رسول الله ,رضي الله عنه قال:قال رسول الله لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره و قد أضله في أرض فلاة)متفق عليه.
و في روايه لمسلم لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة ,فانفلتت منه و عليها طعامه و شرابه فأيس منها ,فأتى شجرة فاضطجع في ظلها ,و قد أيس من راحلته ,فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده,فأخذ بخطامه ثم قال من شدة الفرح :اللهم أنت عبدي و انا ربك.أخطأ من شدة الفرح).
17_و عن أبي موسى عبدالله بن قيس الأشعري .رضي الله عنه .عن النبي قالان الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار و يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها )(1).رواه مسلم.
(1):و معنى هذا ان باب التوبه لا يغلق أبدا مالم يغرغر العبد قال الله تعالى (و إني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدى).
18_ و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله (من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه)رواه مسلم.
19_و عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي (إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)(1)رواه الترمذي.وقال حديث حسن.
(1):يغرغر :أي تبلغ روحه حلقومه.
2. 20_ و عن زر بن حبيش قال:أتيت صفوان بن عسال رضي الله عنه أسأله عن المسح على الخفين فقال :ما جاء بك يا زر؟ فقلت ابتغاء العلم .فقال :إن الملائكة تضع أجنححتها لطالب العلم رضاء بما يطلب .فقلت :إنه حك (2)في صدري المسح على الخفين بعد الغائط و البول ,و كنت امرءاً من أصحاب النبي فجئت أسألك :هل سمعته يذكر في ذلك شيئا ؟ قال :نعم كان يأمرنا اذا كنا سفرا _او مسافرين_ أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام و لياليهن إلا من جنابة لكن من غائط و بول و نوم .فقلت :هل سمعته يذكر في الهوى شيئا؟ قال :نعم كنا مع رسول الله في سفر فبينا نحن عنده إذ ناداه أعرابي بصوت له جهوري :يامحمد .فأجابه رسول الله نحوا من صوته هاؤم)
فقلت :ويحك اغضض من صوتك فانك عند النبي و قد نُهيت عن هذا ! فقال :و الله لا اغضض :قال الأعرابي :المرء يحب القوم و لما يلحق بهم؟ قال النبي المرء مع من أحب يوم القيامه)فمازال يحدثنا حتى ذكر بابا من المغرب مسيرة عرضه أو يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين عاما .قال سفيان أحد الرواة .قبل الشام خلقه الله تعالى يوم خلق السماوات و الارض مفتوحا للتوبة لا يُغلق حتى تطلع الشمس منه )رواه الترمذي و غيره و قال حديث حسن صحيح.
21_ و عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه أن نبي الله قالكان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة و تسعين نفسا ,فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُل على راهب ,فأتاه فقال :إنه قتل تسعة و تسعين نفسا .فهل له من توبة ؟ فقال:لا فقتله فكمل به مائه ثم سال عن أعلم أهل الارض .فدُل على رجل عالم فقال:إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال :نعم و من يحول بينه و بين التوبه؟ انطلق الى أرض كذا و كذا ,فإن بها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم و لا ترجع الى ارضك فإنها أرض سوء.فانطلق حتى اذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمه و ملائكة العذاب .فقالت ملائكة الرحمه :انه جاء تائبا مُقبلا بقلبه الى الله تعالى و قالت ملائكة العذاب :انه لم يعمل خيرا قط,فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم _أي حكما_فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له .فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمه)متفق عليه.
(2):حك في صدري :أثر في صدري.
3. - وعن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان قائد كعب رضي الله عنه من بنيه حين عمي قال: سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه يحدث بحديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. قال كعب: لم اتخلف عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك، غير أني قد تخلفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحد تخلف عنه، إنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام، وما أحب أن لي بها مشهد بدرٍ، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها.
وكان من خبري حين تخلف عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة، فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد، واستقبل سفراً بعيداً ومفازاً، واستقبل عدداً كثيراً، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجههم الذي يريد، والمسلمون مع رسول الله كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ "يريد بذلك الديوان" قال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى به مالم ينزل فيه وحي من الله، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال فأنا إليها أصعر فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهز معه، فأرجع ولم أقض شيئاً، وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت، فلم يزل يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غادياً والمسلمون معه، ولم أقض من جهازي شيئاً، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئاً، فلم يزل يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغرو، فهممت أن أرتحل فأدركهم، فياليتني فعلت، ثم لم يقدر ذلك لي، فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم يحزنني أني أرى لي أسوة، إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله تعالى من أسوة، إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله تعالى من الضعفاء، ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: ما فعل كعب بن مالك؟ فقال له معاذ بن جبل رضي الله عنه بئس ما قلت! والله يارسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا هو على ذلك رأى رجلا مبيضا يزول به السراب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا خيثمة، فإذا أبو خيثمة الأنصاري وهو الذي تصدق بصاع التمر حين لمزه المنافقون، قال كعب: فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلاً من تبوك حضرني بثي، فطفقت أتذكر الكذب وأقول: بم أخرج من سخطه غداً وأستعين على ذلك بكل ذي رأى من أهلي، فلما قيل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادماً زاح عني الباطل حتى عرفت أني لم أنج منه بشيء أبداً، فأجمعت صدقه، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل فعل ذلك جاءه المخلفون يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعا وثمانين رجلاً فقبل منهم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى حتى جئت. فلما سلمت تبسم تبسم المغضب ثم قال: تعال، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك! قال قلت: يارسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، لقد أعطيت جدلاً، ولكنني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضي به ليوشكن الله يسخطك علي، وإن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عقبى الله عز وجل، والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك" وسار رجال من بني سلمة فاتبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا، لقد عجزت في أن لا يكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك. قال: فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي من أحد؟ قالوا: نعم لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك، قال قلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي؟ قال: فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً فيهما أسوة. قال: فمضيت حين ذكروهما لي. ونهى رسول صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، قال: فاجتنبنا الناس- أو قال: تغيروا لنا- حتى تنكرت لي في نفس الأرض، فما هي بالأرض التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه، وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام أم ؟ ثم أصلي قريباً منه وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي، فسلمت عليه فوالله ما ردّ علي السلام، فقلت له: يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أُحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟ فسكت، فعدت فناشدته فسكت، فعدت فناشدته فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار، فبينما أنا أمشى في سوق المدينة إذا نبطى من نبط أهل الشام ممن قدم بالطعام ببيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاءنى فدفع إلي كتاب من ملك غسان، وكنت كاتباً. فقرأته فإذا فيه: أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك، فقلت حين قرأتها، وهذه أيضاً من البلاء فتيممت بها التنور فسجرتها، حتى إذا مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحى إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينى، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها، أم ماذا أفعل؟ قال: لا، بل اعتزلها فلا تقربنها، وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك. فقلت لامرأتي: ألحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر، فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت له : يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه؟ قال : لا، ولكن لا يقربنك. فقالت: إنه والله ما به من حركة إلى شيء، ووالله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه؟ فقلت: لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يدريني ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب! فلبثت بذلك عشر ليالٍ، فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا. ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا، فبينما أنا جالس على الحال التى ذكر الله تعالى منا، قد ضافت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر فخررت ساجداً، وعرفت أنه قد جاء فرج. فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله عز وجل علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا، فذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض رجل إلي فرساً وسعى ساع من أسلم قبلي وأوفى على الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذى سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشراه، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت أتأمم رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقانى الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة ويقولون لي: لتهنك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس، فقام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول حتى صافحني وهنأني، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره، فكان كعب لا ينساها لطلحة. قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهو يبرق وجهه من السرور : أبشر بخير يوم مرّ عليك مذ ولدتك أمك، فقلت: أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال : لا ، بل من عند الله عز وجل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه، فلما جلست بين يديه قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك، فقلت: إني أمسك سهمي الذى بخيبر. وقلت: يا رسول الله إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي أن لا أحدثَ إلا صدقاً ما بقيت ، فو الله ما علمت أحداً من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مما أبلاني الله تعالى ، والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقي، قال: فأنزل الله تعالى: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة) حتى بلغ: {إنه بهم رؤوف رحيم . وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت} حتى بلغ : {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} ((التوبة 117، 119)) قال كعب : والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوا، إن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد، فقال الله تعالى : {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} ((التوبة: 95،96)) .
قال كعب : كنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له ، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله تعالى فيه بذلك، قال الله تعالى : {وعلى الثلاثة الذين خلفوا} وليس الذي ذكر مما خلفنا تخلفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه. متفق عليه.
وفى رواية "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة تبوك يوم الخميس، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس"
وفى رواية: "وكان لا يقدم من سفر إلا نهاراً في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه"
.
1. 23_ وعن أبي نجيد- ضم النون وفتح الجيم - عمران بن الحصين الخزاعى رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى حبلى من الزنى، فقالت: يا رسول الله أصبت حداً فأقمه علي، فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها فقال: أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني، ففعل فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم، فشدت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت، ثم صلى الله عليه وآله وسلم عليها. فقال له عمر: تصلى عليها يا رسول الله وقد زنت، قال: لقد تابت توبة لو قمست بين سبعين من أهل المدينة لوستعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل ؟! " رواه مسلم.
2. 24- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" ((متفق عليه)) .
3. 24- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو أن لابن آدم وادياً من ذهب أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب" ((متفق عليه)) .
الباب الثالث
1. الباب التالت (الصبر)
قال الله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا} ((آل عمران : 200) وقال تعالى {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} (( البقرة : 155)) وقال تعالى : {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} ((الزمر:10)) وقال تعالى: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} ((الشورى : 43)) وقال تعالى: {استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين} ((محمد : 31)) والآيات في الأمر بالصبر وبيان فضله كثيرة معروفة.
26-وعن ابي مالك الحارث بن عاصم الاشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (الطهور شطر الايمان، والحمد لله تملاء الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن_او تملأ_ما بين السموات والارض والصلاة نور،والصدقه برهان،والصبر ضياء،والقآن حجة لك او عليك.كل الناس يغدو،فبائع نفسه فمعتقها،او موبقها)) رواه مسلم
27-وعن ابي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري-رضي الله عنهما- ان ناسا من الانصار سألوا رسول الله فاعطاهم،ثم سألوه فأ‘طاهم، حتى نفد ما عنده ،فقال لهم حين انفق كل شيء بيده (ما يكن عندي من خير فلن ادخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله.وما أ‘طى احد عطاء خيرا واوسع من الصبر)) متفق عليه.
28- وعن ابي يحي صهيب بن سنان-رضي الله عنه- قال : قال رسول الله (عجبا لأمرالمؤمن إن امره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن:ان أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)) رواه مسلم.
29- وعن انس-رضي الله عنه- قال:لما ثقل النبي جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمه- رضي الله عنها-:واكرب أبتاه فقال ( ليس على ابيك كرب بعد اليوم)) فلما مات قالت:يا ابتاه اجاب رباه دعاه ،يا ابتاه جنه الفردوس مأواه،يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، فلما دفن قالتفاطمه -رضي الله عنها- (أطابت انفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب؟)) رواه البخاري
30- وعن أبي زيد أسامة بن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه وابن حبه، رضي الله عنهما، قال: أرسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم : إن ابني قد احتضر فاشهدنا، فأرسل يقرئ السلام ويقول: "إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب" فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها. فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال رضي الله عنهم، فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي فأقعده في حجره ونفسه تقعقع، ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله ماهذا؟ فقال: "هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده" وفى رواية : "في قلوب من شاء من عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" ((متفق عليه)) .
ومعنى ((تقعقع)): تحرك وتضطرب
31-وعن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحرٌ، فلما كبر قال للملك : إني قد كبرت فابعث إلى غلاماً أعلمه السحر؛ فبعث إليه غلاماً يعلمه، وكان في طريقه إذا سلك راهبٌ، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، وكان إذا أتى الساحر مر بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب فقال: إذا خشيت الساحر فقال: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر.
فبينما هو على ذلك إذ اتى على دابه عظيمه قد حبست فقال: اليوم اعلم الساحر افضل ام الراهب افضل ؟ فأخذ حجرا فقال: اللهم إن كان امر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابه حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره فقال له الراهب : اي بني أنت أفضل مني، قد بلغ من امرك كا ارى ، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي، وكان الغلام يبريء الاكمه والابرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء.
فسمع جليش للملك كان فد عمى، فأتاه بهدايا كثيره فقال: ما هاهنا لك اجمع إن أنت شفيتني، فقال :إني لا اشفي أحدا ، إنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت بالله تعالى دعوت الله فشفاك،فآمن بالله تعالى فشفاه الله تعالى، فاتى اللك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي. قال: ولك رب غيري! قال: ربي وربك الله، فاخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بني قد بلغ من سحرك ما تبريء الاكمه و الابرص وتفعل وتفعل ، فقال: إني لا أشفي احدا، إنما يشفي الله تعالى،فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى ، فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه ، فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك، فابى، فدفعه إلى نفر من اصحابه فقال : إذهبوابه الى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل، فاذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه فذهبوا به فصعدوا به الجبل فقال : اللهم اكفينهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك ، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال كفانيهم الله تعالى، فدفعه إلى نفر من اصحابه فقال : إذهبوا فاحملوه في قرقور وتوسطوا به البحر ، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه، فذهبوا به فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك : ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى. فقال الملك إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال : ما هو؟ قال : تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع ، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: بسم الله رب الغلام ثم ارمني، فإنك إن فعلت ذلك قتلتني . فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهما من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: بسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه فمات. فقال الناس آمنا برب الغلام، فأتى الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك. قد آمن الناس. فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدت وأضرم فيها النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل له : اقتحم ، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبى لها، فتقاعست ان تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أماه اصبري فإنك على الحق" ((رواه مسلم)).
32_ و عن أنس رضي الله عنه قال : مر النبي بإمرأة تبكي عند قبر فقال اتقي الله و اصبري)فقالت: إليك عني ,فانك لم تُصَب بمصيبتي !و لم تعرفه فقيل لها :انه النبي .فلم تجد عنده بوابين ,فقالت :لم أعرفك ,فقال (انما الصبر عند الصدمة الأولى)متفق عليه.
و في روايه لمسلم تبكي على صبي لها).
33_ و عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قاليقول الله تعالى : ما لعبدي المؤمن جزاء اذا قبضت صَفِيَه (1) من أهل الدنيا ثم احتسب .إلا الجنة)رواه البخاري.
(1):صفيه :أي حبيبه.
34_و عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله عن الطاعون فأخبرها (أنه كان عذابا يبعثه الله تعالى على من يشاء .فجعله الله تعالى رحمة للمؤمنين فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابرا مُحتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد)رواه البخاري .
35_و عن أنس رضي الله عنه قال:سمعت رسول الله يقولإن الله عز و جل قال: اذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنه) يريد عينيه.رواه البخاري.
36_ و عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما ألا أريك امرأة من أهل الجنه.فقلت :بلى,قال هذه المرأه السوداء أتت النبي فقالت:إني أصرع ,و إني أتكشف (1),فادع الله تعالى لي قالان شئتِ صبرتِ و لك الجنه ,و إن شئتِ دعوت الله تعالى أن يعافيك)فقالت: أصبر ,فقالت:إني اتكشف ,فادع الله أن لا أتكشف ,فدعا لها .متفق عليه .
(1):أي يظهر بعض منها حينما تصاب بالصرع
37_و عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى رسول الله يحكي نبيا من الأنبياء ,صلوات الله و سلامه عليهم ,ضربه قومه فأدموه و هو يمسح الدم عن وجهه ,يقولاللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).متفق عليه.
38_و عن أبي سعيد و أبي هريره رضي الله عنهما عن النبي قالمايصيب المسلم من نصب و لا وصب و لا هم و لا حزن و لا أذى و لا غم ,حتى الشوكه يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ).متفق عليه .
39_و عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على النبي و هو يوعك فقلت يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا قالأجل اني اوعك كما يوعك رجلان منكم)قلت :ذلك أن لك أجرين؟ قالأجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته و حطت عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها)متفق عليه.
و (الوعك):مغث الحمى ,و قيل الحمى .
40_و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله (من يردِ الله به خيرا يُصِب منه)رواه البخاري.
و ضبَطوا (يُصِِب): بفتح الصاد و كسرها
41_ و عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (لا يتمنين أحدكم الموت لِضُرٍ أصابه ,فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحييني ما كانت الحياة خيرا لي و توفني إذا كانت الوفاة خيرا لي )متفق عليه.
- المرفقات
عبدالحق شريف الرباطابي- المدير العام
-
عدد المساهمات : 556
السٌّمعَة : 3
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
العمر : 36
الموقع : السودان
رياض الصالحين لاينشره الا الصالحين
نشكر لك ونطلب المزيد
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
مواضيع مماثلة
» خطب عن التقوى مولانا شريف ابراهيم الحسين
» خطبة اول شعبان لشيخ : شريف ابراهيم
» خطبة وسط شعبان لشيخ : شريف ابراهيم
» عقد قران احمد الحاج وعفراء شريف ابراهيم
» محبة الله بجهدمولانا شريف ابراهيم الحسين
» خطبة اول شعبان لشيخ : شريف ابراهيم
» خطبة وسط شعبان لشيخ : شريف ابراهيم
» عقد قران احمد الحاج وعفراء شريف ابراهيم
» محبة الله بجهدمولانا شريف ابراهيم الحسين
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى