فتح المغيث بشرح ألفية الحديث [فُرُوعٌ] [الفرع الأول قَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ] فُرُوعٌ.
صفحة 1 من اصل 1
فتح المغيث بشرح ألفية الحديث [فُرُوعٌ] [الفرع الأول قَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ] فُرُوعٌ.
[فُرُوعٌ]
[الفرع الأول قَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ]
فُرُوعٌ.
105 - قَوْلُ الصَّحَابِيِّ " مِنَ السُّنَّةِ " أَوْ ... نَحْوُ " أُمِرْنَا " حُكْمُهُ الرَّفْعُ وَلَوْ
106 - بَعْدَ النَّبِيِّ قَالَهُ بِأَعْصُرِ ... عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ
107 - وَقَوْلُهُ " كُنَّا نَرَى " إِنْ كَانَ مَعْ ... عَصْرِ النَّبِيِّ مِنْ قَبِيلِ مَا رَفَعْ
108 - وَقِيلَ لَا، أَوْ لَا فَلَا، كَذَاكَ لَهْ ... وَلِلْخَطِيبِ قُلْتُ لَكِنْ جَعَلَهْ
109 - مَرْفُوعًا الْحَاكِمُ وَالرَّازِيُّ ... ابْنُ الْخَطِيبِ وَهُوَ الْقَوِيُّ.
فُرُوعٌ سَبْعَةٌ حَسُنَ إِيرَادُهَا بَعْدَ الِانْتِهَاءِ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْمَرْفُوعِ وَالْمَوْقُوفِ: أَحَدُهَا - وَقُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ، مِمَّا يَصْدُرُ عَنِ الصَّحَابِيِّ لِقُرْبِهِ إِلَى الصَّرَاحَةِ - (قَوْلُ الصَّحَابِيِّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (مِنَ السُّنَّةِ) كَذَا ; كَقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وَمِنَ السُّنَّةِ وَضْعُ الْكَفِّ عَلَى الْكَفِّ فِي الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ» . (أَوْ نَحْوُ أُمِرْنَا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، كَأُمِرَ فُلَانٌ.
وَكُنَّا نُؤْمَرُ، وَأُمِرَ بِلَا إِضَافَةٍ، وَنُهِينَا ; كَقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ إِلَى الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ» وَ «أُمِرَ الْحُيَّضُ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ» ، وَ «نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا» وَأُبِيحَ أَوْ رُخِّصَ لَنَا، أَوْ حُرِّمَ أَوْ أُوجِبَ عَلَيْنَا، كُلُّ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ مَوْقُوفًا لَفْظًا (حُكْمُهُ الرَّفْعُ وَلَوْ بَعْدَ) وَفَاةِ (النَّبِيِّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَهُ) الصَّحَابِيُّ (بِأَعْصُرٍ) فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ بَعْدَهُ بِيَسِيرٍ، أَوْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّهُ فِي الزَّمَنِ النَّبَوِيِّ فِي " أُمِرْنَا " أَبْعَدُ عَنِ الِاحْتِمَالِ فِيمَا يَظْهَرُ.
وَيُسَاعِدُهُ تَصْرِيحُ بَعْضِ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ بِقُوَّةِ الِاحْتِمَالِ " فِي السُّنَّةِ " ; لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي الطَّرِيقَةِ، وَسَوَاءٌ قَالَهُ فِي مَحَلِّ الِاحْتِجَاجِ أَمْ لَا، تَأَمَّرَ عَلَيْهِ غَيْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ لَا، كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا.
وَإِنْ لَمْ أَرَ تَصْرِيحَهُمْ بِهِ فِي الصَّغِيرِ، فَهُوَ مُحْتَمِلٌ، وَيُمْكِنُ إِخْرَاجُهُ مِنْ تَقْيِيدِ الْحَاكِمِ الصَّحَابِيَّ بِالْمَعْرُوفِ الصُّحْبَةِ، وَكَذَا مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ، كَمَا سَيَأْتِي، وَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ هُوَ (عَلَى الصَّحِيحِ) عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي " بَابِ عَدَدِ كَفَنِ الْمَيِّتِ " بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ابْنَ عَبَّاسٍ
وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ: وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقُولَانِ السُّنَّةَ إِلَّا سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَدْ جَزَمَ بِنَفْيِ الْخِلَافِ عَنْ أَهْلِ النَّقْلِ فِيهِمَا، وَأَنَّهُ مُسْنَدٌ، يَعْنِي مَرْفُوعٌ.
وَكَذَا شَيْخُهُ الْحَاكِمُ ; حَيْثُ قَالَ فِي الْجَنَائِزِ مِنْ (مُسْتَدْرَكِهِ) أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ: مِنَ السُّنَّةِ كَذَا، حَدِيثٌ مُسْنَدٌ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ أُمِرْنَا بِكَذَا، أَوْ نُهِينَا عَنْ كَذَا، أَوْ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا، أَوْ كُنَّا نَتَحَدَّثُ - فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ خِلَافًا فِيهِ أَنَّهُ مُسْنَدٌ.
وَمِمَّنْ حَكَى الِاتِّفَاقَ أَيْضًا لَكِنْ فِي السُّنَّةِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْحَقُّ ثُبُوتُ الْخِلَافِ فِيهِمَا، نَعَمْ قَيَّدَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ مَحَلَّ الْخِلَافِ بِمَا إِذَا كَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ يَحْتَمِلُ التَّرَدُّدَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، أَمَّا إِذَا كَانَ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ ; كَحَدِيثِ: «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ» ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّفْعِ قَطْعًا.
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى خِلَافِ مَا حَكَيْنَاهُ فِيهِمَا مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ صَاحِبُ الدَّلَائِلِ، وَمِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ، وَفِي السُّنَّةِ فَقَطِ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدَ قَوْلَيْهِ مِنَ الْجَدِيدِ، كَمَا جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِحِكَايَتِهِمَا عَنْهُ، وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ، بَلْ
حَكَاهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانُ عَنِ الْمُحَقِّقِينَ.
وَمِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ، وَابْنُ حَزْمٍ مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ، وَبَالَغَ فِي إِنْكَارِ الرَّفْعِ ; مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَلَيْسَ حَسْبَكُمْ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ ; إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى يَحُجَ عَامًا قَابِلًا فَيُهْدِيَ ; أَوْ يَصُومَ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا» .
قَالَ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقَعْ مِنْهُ إِذْ صُدَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ، بَلْ حَلَّ حَيْثُ كَانَ بِالْحُدَيْبِيَةَ. وَكَذَا مِنْ أَدِلَّتِهِمْ لِمَنْعِ الرَّفْعِ اسْتِلْزَامُهُ ثُبُوتَ سُنَّةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَمْرٍ مُحْتَمِلٍ ; إِذْ يَحْتَمِلُ إِرَادَةَ سُنَّةِ غَيْرِهِ مِنَ الْخُلَفَاءِ، فَقَدْ سَمَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةً فِي قَوْلِهِ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» أَوْ سُنَّةَ الْبَلَدِ، وَهِيَ الطَّرِيقَةُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
وَنَحْوُهُ تَعْلِيلُ الْكَرْخِيِّ لِـ " أُمِرْنَا " بِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ كَوْنِهِ مُضَافًا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ إِلَى أَمْرِ الْقُرْآنِ، أَوِ الْأُمَّةِ، أَوْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ، أَوِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، وَسُوِّغَ إِضَافَتُهُ إِلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ - يَعْنِي لِكَوْنِهِ صَاحِبَ الْأَمْرِ حَقِيقَةً - بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِهِ مِنَ الشَّارِعِ.
قَالَ: وَهَذِهِ احْتِمَالَاتٌ تَمْنَعُ كَوْنَهُ مَرْفُوعًا، وَفِي " أُمِرْنَا " فَقَطْ - كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ - فَرِيقٌ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ.
وَخَصَّ ابْنُ الْأَثِيرِ - كَمَا فِي مُقَدِّمَةِ جَامِعِ الْأُصُولِ لَهُ - نَفْيَ الْخِلَافِ فِيهَا بِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَاصَّةً ; إِذْ لَمْ
يَتَأَمَّرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ غَيْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ غَيْرِهِ، فَقَدْ تَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَوَجَبَ عَلَيْهِمُ امْتِثَالُ أَمْرِهِ، فَطَرَقَهُ الِاحْتِمَالُ النَّاشِئُ عَنْهُ الِاخْتِلَافُ.
وَنَحْوُهُ قَوْلُ غَيْرِهِ فِي «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ» أَنَّهُ نَظَرَ، فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا تَأَمَّرَ عَلَيْهِ فِي الْأَذَانِ غَيْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَمَحَّضَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْآمِرَ.
وَيَتَأَيَّدُ بِالرِّوَايَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِذَلِكَ، وَكَذَا قَالَ آخَرُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الِاخْتِلَافُ فِيهِمَا، بِمَا إِذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الِاحْتِجَاجِ، أَمَّا فِي مَحَلِّ الِاحْتِجَاجِ فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مِثْلَهُ، فَلَا يُرِيدُ بِالسُّنَّةِ وَبِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ إِلَّا مَنْ لَهُ ذَلِكَ حَقِيقَةً، لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ فِيهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ) مِنَ الْعُلَمَاءِ ; إِذْ هُوَ الْمُتَبَادِرُ إِلَى الذِّهْنِ مِنَ الْإِطْلَاقِ ; لِأَنَّ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلٌ، وَسُنَّةَ غَيْرِهِ تَبَعٌ لِسُنَّتِهِ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لَا يَنْصَرِفُ بِظَاهِرِهِ إِلَّا لِمَنْ هُوَ إِلَيْهِ، وَهُوَ الشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمْرُ غَيْرِهِ تَبَعٌ، فَحَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى الْأَصْلِ أَوْلَى، خُصُوصًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَقْصُودَ الصَّحَابَةِ بَيَانُ الشَّرْعِ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي مُقَدِّمَةِ جَامِعِ الْأُصُولِ فِي " أُبِيحَ " وَمَا بَعْدَهَا يَقْوَى فِي جَانِبِهِ أَلَّا يَكُونَ مُضَافًا إِلَّا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ، قَالَ: وَلَا يُقَالُ: أَوْجَبَ الْإِمَامُ إِلَّا عَلَى تَأْوِيلٍ.
وَاسْتِدْلَالُ ابْنِ حَزْمٍ الْمَاضِي لِلْمَنْعِ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - مَمْنُوعٌ بِأَنَّهُ لَا انْحِصَارَ لِمُسْتَنَدِهِ فِي الْفِعْلِ، حَتَّى يُمْنَعَ إِرَادَةُ ابْنِ عُمَرَ بِالسُّنَّةِ الرَّفْعَ فِيمَنْ صُدَّ عَنِ الْحَجِّ مِمَّنْ هُوَ بِمَكَّةَ بِقِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ الَّتِي صُدَّ فِيهَا عَنْ دُخُولِهَا، بَلِ الدَّائِرَةُ أَوْسَعُ مِنَ الْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَيَتَأَيَّدُ بِإِضَافَتِهِ السُّنَّةَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَكَذَا مَا أَبْدَاهُ الْكَرْخِيُّ مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ فِي الْمَنْعِ أَيْضًا بَعِيدٌ - كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا - " فَإِنَّ أَمْرَ الْكِتَابِ ظَاهِرٌ لِلْكُلِّ، فَلَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْوَاحِدُ دُونَ غَيْرِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّنَزُّلِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ وَغَيْرَهُ إِنَّمَا تَلَقَّوْهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْرُ الْأُمَّةِ لَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ مِنَ الْأُمَّةِ، وَهُوَ لَا يَأْمُرُ نَفْسَهُ.
وَأَمْرُ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ إِنْ أَرَادَ مِنَ الصَّحَابَةِ مُطْلَقًا فَبَعِيدٌ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ مِنْهُمْ، وَإِنْ أَرَادَ مِنَ الْخُلَفَاءِ فَكَذَلِكَ ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ فِي مَقَامِ تَعْرِيفِ الشَّرْعِ بِهَذَا الْكَلَامِ وَالْفَتْوَى، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الشَّرْعُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهُمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ لَا يَحْتَجُّونَ بِأَمْرِ مُجْتَهِدٍ آخَرَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ لَيْسَ مِنْ مُجْتَهِدِي الصَّحَابَةِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْآمِرِ أَحَدَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْهُمْ.
وَحَمْلُهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِنْبَاطِ بَعِيدٌ أَيْضًا ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: " أُمِرْنَا بِكَذَا " يُفْهَمُ مِنْهُ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، لَا خُصُوصُ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الْقِيَاسِ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الصِّدِّيقِ فَهُوَ - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ - مَقْبُولٌ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي غَزْوَةِ " ذَاتِ السَّلَاسِلِ " عَلَى جَيْشٍ فِيهِ الشَّيْخَانِ، أَرْسَلَ بِهِمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَدَدٍ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِ أَبَا عُبَيْدَةَ الْجَرَّاحَ، فَلَمَّا قَدِمَ بِهِمْ عَلَى عَمْرٍو صَارَ الْأَمِيرَ، بَلْ كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَمِيرَ سَرِيَّةِ " الْخَبَطِ " عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فِيهِمْ عُمَرُ، وَأَظُنُّ أَبَا بَكْرٍ أَيْضًا.
وَكَذَا «تَأَمَّرَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَلَى جَيْشٍ هُمَا فِيهِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَخَلْقٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَتُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ خُرُوجِهِ، فَأَنْفَذَهُ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ أَنِ اسْتُخْلِفَ ; امْتِثَالًا لِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ سَأَلَ أُسَامَةَ أَنْ يَأْذَنَ لِعُمَرَ فِي الْإِقَامَةِ، فَأَذِنَ لَهُ، وَفِي شَرْحِهَا طُولٌ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ كُلًّا مِنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَعَمْرٍو وَأُسَامَةَ تَأَمَّرَ عَلَيْهِمَا، وَصَارَ ذَلِكَ أَحَدَ الْأَدِلَّةِ فِي وِلَايَةِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ أَوْ بِحَضْرَتِهِ، فَطُرُوقُ الِاحْتِمَالِ فِيهِ بَعِيدٌ جِدًّا.
وَمَا قِيلَ فِي بِلَالٍ لَيْسَ بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، فَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ أَذَّنَ لِأَبِي بَكْرٍ مُدَّةَ خِلَافَتِهِ، وَلَمْ يُؤَذِّنْ لِعُمَرَ، [نَعَمْ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ; أَنَّ بِلَالًا لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الشَّامِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: تَكُونُ عِنْدِي، قَالَ: إِنْ كُنْتَ أَعْتَقْتَنِي لِنَفْسِكَ فَاحْبِسْنِي، وَإِنْ كُنْتَ أَعْتَقْتَنِي لِلَّهِ فَذَرْنِي، فَذَهَبَ إِلَى الشَّامِ، فَكَانَ بِهَا حَتَّى مَاتَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ أَصَحُّ مِمَّا قَبْلَهُ، وَهُوَ] مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ: لَمْ يُؤَذِّنْ لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِوَى مَرَّةٍ لِعُمَرَ حِينَ دَخَلَ الشَّامَ، فَبَكَى النَّاسُ بُكَاءً شَدِيدًا.
وَمِنْ أَدِلَّةِ الْأَكْثَرِينَ سِوَى مَا تَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ; «أَنَّ الْحَجَّاجَ عَامَ نَزَلَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَيْفَ نَصْنَعُ فِي الْمَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ سَالِمٌ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ، فَهَجِّرْ بِالصَّلَاةِ يَوْمَ عَرَفَةَ.
فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَدَقَ، إِنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظَّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السُّنَّةِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ لِسَالِمٍ: أَفَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: وَهَلْ يَتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ إِلَّا سُنَّتَهُ» . انْتَهَى.
وَكُلُّ مَا سَلَفَ فِيمَا إِذَا لَمْ يُضِفِ السُّنَّةَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَوْ أَضَافَهَا - كَقَوْلِ عُمَرَ لِلصُّبَيِّ بْنِ مَعْبَدٍ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ - فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ السَّابِقِ
الرَّفْعُ، بَلْ أَوْلَى، وَابْنُ حَزْمٍ يُخَالِفُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ، بَلْ نَقَلَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَجَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ فِي مَحَاسِنِهِ بِأَنَّهَا عَلَى مَرَاتِبَ فِي احْتِمَالِ الْوَقْفِ قُرْبًا وَبُعْدًا، فَأَرْفَعُهَا مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " اللَّهُ أَكْبَرُ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وَدُونَهَا قَوْلُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: " لَا تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا، عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ كَذَا "، وَدُونَهَا قَوْلُ عُمَرَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: " أَصَبْتَ السُّنَّةَ " ; إِذِ الْأَوَّلُ أَبْعَدُ احْتِمَالًا، وَالثَّانِي أَقْرَبُ احْتِمَالًا، وَالثَّالِثُ لَا إِضَافَةَ فِيهِ. انْتَهَى.
وَقَالَ غَيْرُهُ فِي قَوْلِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّوَابُ فِيهِ: لَا تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا دِينَنَا. مَوْقُوفٌ ; فَدَلَّ قَوْلُهُ هَذَا عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ مَرْفُوعٌ، أَمَّا إِذَا صَرَّحَ بِالْآمِرِ ; كَقَوْلِهِ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا، أَوْ سَمِعْتُهُ يَأْمُرُ بِكَذَا، فَهُوَ مَرْفُوعٌ بِلَا خِلَافٍ ; لِانْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ السَّابِقِ.
لَكِنْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ، وَتِلْمِيذُهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعِدَّةِ " عَنْ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ -: أَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً حَتَّى يُنْقَلَ لَفْظُهُ ; لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي صِيَغِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ صِيغَةً ظَنَّهَا أَمْرًا أَوْ نَهْيًا، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
وَقَالَ الشَّارِحُ: إِنَّهُ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ، ثُمَّ وَجَّهَهُ بِمَا لَهُ وَجْهٌ فِي الْجُمْلَةِ،
وَوَجَّهَهُ غَيْرُهُ بِجَوَازِ أَنَّ نَحْوَ هَذَا مِنَ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى، وَهُمْ مِمَّنْ لَا يُجَوِّزُهَا.
وَأَمَّا شَيْخُنَا فَرَدَّهُ أَصْلَا فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ ; حَيْثُ قَالَ: وَأُجِيبُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الصَّحَابِيِّ مَعَ عَدَالَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِأَوْضَاعِ اللُّغَةِ - أَنَّهُ لَا يُطْلِقُ ذَلِكَ إِلَّا فِيمَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ، مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، نَفْيًا لِلتَّلْبِيسِ عَنْهُ، لِنَقْلِ مَا يُوجِبُ عَلَى سَامِعِهِ اعْتِقَادَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِيمَا لَيْسَ أَمْرًا وَلَا نَهْيًا.
تَتِمَّةٌ: قَوْلُ الصَّحَابِيِّ: إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أَشْبَهَ كَـ " لَأُقَرِّبَنَّ لَكُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " - كُلُّهُ مَرْفُوعٌ. وَهَلْ يَلْتَحِقُ التَّابِعِيُّ بِالصَّحَابِيِّ فِي " مِنَ السُّنَّةِ " أَوْ " أُمِرْنَا "؟ سَيَأْتِي فِي خَامِسِ الْفُرُوعِ.
وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أُمِرْتُ " هُوَ كَقَوْلِهِ: " أَمَرَنِي اللَّهُ " ; لِأَنَّهُ لَا آمِرَ لَهُ إِلَّا اللَّهُ، كَمَا سَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي " يَرْفَعُهُ "، وَ " يَرْوِيهِ "، وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ.
فَمِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: «أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى» ، يَقُولُونَ: يَثْرِبُ " وَمِنْ غَيْرِهِ: «أُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْمَانَنَا عَلَى شَمَائِلِنَا فِي الصَّلَاةِ» .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنِ اشْتُهِرَ بِطَاعَةِ كَبِيرٍ إِذَا قَالَ ذَلِكَ، فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْآمِرَ لَهُ هُوَ ذَلِكَ الْكَبِيرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[الفرع الأول قَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ]
فُرُوعٌ.
105 - قَوْلُ الصَّحَابِيِّ " مِنَ السُّنَّةِ " أَوْ ... نَحْوُ " أُمِرْنَا " حُكْمُهُ الرَّفْعُ وَلَوْ
106 - بَعْدَ النَّبِيِّ قَالَهُ بِأَعْصُرِ ... عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ
107 - وَقَوْلُهُ " كُنَّا نَرَى " إِنْ كَانَ مَعْ ... عَصْرِ النَّبِيِّ مِنْ قَبِيلِ مَا رَفَعْ
108 - وَقِيلَ لَا، أَوْ لَا فَلَا، كَذَاكَ لَهْ ... وَلِلْخَطِيبِ قُلْتُ لَكِنْ جَعَلَهْ
109 - مَرْفُوعًا الْحَاكِمُ وَالرَّازِيُّ ... ابْنُ الْخَطِيبِ وَهُوَ الْقَوِيُّ.
فُرُوعٌ سَبْعَةٌ حَسُنَ إِيرَادُهَا بَعْدَ الِانْتِهَاءِ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْمَرْفُوعِ وَالْمَوْقُوفِ: أَحَدُهَا - وَقُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ، مِمَّا يَصْدُرُ عَنِ الصَّحَابِيِّ لِقُرْبِهِ إِلَى الصَّرَاحَةِ - (قَوْلُ الصَّحَابِيِّ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (مِنَ السُّنَّةِ) كَذَا ; كَقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وَمِنَ السُّنَّةِ وَضْعُ الْكَفِّ عَلَى الْكَفِّ فِي الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ» . (أَوْ نَحْوُ أُمِرْنَا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، كَأُمِرَ فُلَانٌ.
وَكُنَّا نُؤْمَرُ، وَأُمِرَ بِلَا إِضَافَةٍ، وَنُهِينَا ; كَقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: «أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ إِلَى الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ» وَ «أُمِرَ الْحُيَّضُ أَنْ يَعْتَزِلْنَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ» ، وَ «نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ، وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا» وَأُبِيحَ أَوْ رُخِّصَ لَنَا، أَوْ حُرِّمَ أَوْ أُوجِبَ عَلَيْنَا، كُلُّ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ مَوْقُوفًا لَفْظًا (حُكْمُهُ الرَّفْعُ وَلَوْ بَعْدَ) وَفَاةِ (النَّبِيِّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (قَالَهُ) الصَّحَابِيُّ (بِأَعْصُرٍ) فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ بَعْدَهُ بِيَسِيرٍ، أَوْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنَّهُ فِي الزَّمَنِ النَّبَوِيِّ فِي " أُمِرْنَا " أَبْعَدُ عَنِ الِاحْتِمَالِ فِيمَا يَظْهَرُ.
وَيُسَاعِدُهُ تَصْرِيحُ بَعْضِ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ بِقُوَّةِ الِاحْتِمَالِ " فِي السُّنَّةِ " ; لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا فِي الطَّرِيقَةِ، وَسَوَاءٌ قَالَهُ فِي مَحَلِّ الِاحْتِجَاجِ أَمْ لَا، تَأَمَّرَ عَلَيْهِ غَيْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ لَا، كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا.
وَإِنْ لَمْ أَرَ تَصْرِيحَهُمْ بِهِ فِي الصَّغِيرِ، فَهُوَ مُحْتَمِلٌ، وَيُمْكِنُ إِخْرَاجُهُ مِنْ تَقْيِيدِ الْحَاكِمِ الصَّحَابِيَّ بِالْمَعْرُوفِ الصُّحْبَةِ، وَكَذَا مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ، كَمَا سَيَأْتِي، وَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ هُوَ (عَلَى الصَّحِيحِ) عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي " بَابِ عَدَدِ كَفَنِ الْمَيِّتِ " بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ابْنَ عَبَّاسٍ
وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ: وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَقُولَانِ السُّنَّةَ إِلَّا سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَدْ جَزَمَ بِنَفْيِ الْخِلَافِ عَنْ أَهْلِ النَّقْلِ فِيهِمَا، وَأَنَّهُ مُسْنَدٌ، يَعْنِي مَرْفُوعٌ.
وَكَذَا شَيْخُهُ الْحَاكِمُ ; حَيْثُ قَالَ فِي الْجَنَائِزِ مِنْ (مُسْتَدْرَكِهِ) أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ: مِنَ السُّنَّةِ كَذَا، حَدِيثٌ مُسْنَدٌ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ أُمِرْنَا بِكَذَا، أَوْ نُهِينَا عَنْ كَذَا، أَوْ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا، أَوْ كُنَّا نَتَحَدَّثُ - فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ خِلَافًا فِيهِ أَنَّهُ مُسْنَدٌ.
وَمِمَّنْ حَكَى الِاتِّفَاقَ أَيْضًا لَكِنْ فِي السُّنَّةِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْحَقُّ ثُبُوتُ الْخِلَافِ فِيهِمَا، نَعَمْ قَيَّدَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ مَحَلَّ الْخِلَافِ بِمَا إِذَا كَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ يَحْتَمِلُ التَّرَدُّدَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ، أَمَّا إِذَا كَانَ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ ; كَحَدِيثِ: «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ» ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّفْعِ قَطْعًا.
وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى خِلَافِ مَا حَكَيْنَاهُ فِيهِمَا مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ صَاحِبُ الدَّلَائِلِ، وَمِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ، وَفِي السُّنَّةِ فَقَطِ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدَ قَوْلَيْهِ مِنَ الْجَدِيدِ، كَمَا جَزَمَ الرَّافِعِيُّ بِحِكَايَتِهِمَا عَنْهُ، وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ، بَلْ
حَكَاهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْبُرْهَانُ عَنِ الْمُحَقِّقِينَ.
وَمِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ، وَابْنُ حَزْمٍ مِنَ الظَّاهِرِيَّةِ، وَبَالَغَ فِي إِنْكَارِ الرَّفْعِ ; مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَلَيْسَ حَسْبَكُمْ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ ; إِنْ حُبِسَ أَحَدُكُمْ عَنِ الْحَجِّ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى يَحُجَ عَامًا قَابِلًا فَيُهْدِيَ ; أَوْ يَصُومَ إِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا» .
قَالَ: لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقَعْ مِنْهُ إِذْ صُدَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ، بَلْ حَلَّ حَيْثُ كَانَ بِالْحُدَيْبِيَةَ. وَكَذَا مِنْ أَدِلَّتِهِمْ لِمَنْعِ الرَّفْعِ اسْتِلْزَامُهُ ثُبُوتَ سُنَّةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَمْرٍ مُحْتَمِلٍ ; إِذْ يَحْتَمِلُ إِرَادَةَ سُنَّةِ غَيْرِهِ مِنَ الْخُلَفَاءِ، فَقَدْ سَمَّاهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُنَّةً فِي قَوْلِهِ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» أَوْ سُنَّةَ الْبَلَدِ، وَهِيَ الطَّرِيقَةُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
وَنَحْوُهُ تَعْلِيلُ الْكَرْخِيِّ لِـ " أُمِرْنَا " بِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ كَوْنِهِ مُضَافًا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ إِلَى أَمْرِ الْقُرْآنِ، أَوِ الْأُمَّةِ، أَوْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ، أَوِ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، وَسُوِّغَ إِضَافَتُهُ إِلَى صَاحِبِ الشَّرْعِ - يَعْنِي لِكَوْنِهِ صَاحِبَ الْأَمْرِ حَقِيقَةً - بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِهِ مِنَ الشَّارِعِ.
قَالَ: وَهَذِهِ احْتِمَالَاتٌ تَمْنَعُ كَوْنَهُ مَرْفُوعًا، وَفِي " أُمِرْنَا " فَقَطْ - كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ - فَرِيقٌ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ.
وَخَصَّ ابْنُ الْأَثِيرِ - كَمَا فِي مُقَدِّمَةِ جَامِعِ الْأُصُولِ لَهُ - نَفْيَ الْخِلَافِ فِيهَا بِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَاصَّةً ; إِذْ لَمْ
يَتَأَمَّرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ غَيْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ غَيْرِهِ، فَقَدْ تَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَوَجَبَ عَلَيْهِمُ امْتِثَالُ أَمْرِهِ، فَطَرَقَهُ الِاحْتِمَالُ النَّاشِئُ عَنْهُ الِاخْتِلَافُ.
وَنَحْوُهُ قَوْلُ غَيْرِهِ فِي «أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ» أَنَّهُ نَظَرَ، فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا تَأَمَّرَ عَلَيْهِ فِي الْأَذَانِ غَيْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَمَحَّضَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْآمِرَ.
وَيَتَأَيَّدُ بِالرِّوَايَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِذَلِكَ، وَكَذَا قَالَ آخَرُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ الِاخْتِلَافُ فِيهِمَا، بِمَا إِذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الِاحْتِجَاجِ، أَمَّا فِي مَحَلِّ الِاحْتِجَاجِ فَإِنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يُقَلِّدُ مِثْلَهُ، فَلَا يُرِيدُ بِالسُّنَّةِ وَبِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ إِلَّا مَنْ لَهُ ذَلِكَ حَقِيقَةً، لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ فِيهِمَا كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ) مِنَ الْعُلَمَاءِ ; إِذْ هُوَ الْمُتَبَادِرُ إِلَى الذِّهْنِ مِنَ الْإِطْلَاقِ ; لِأَنَّ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلٌ، وَسُنَّةَ غَيْرِهِ تَبَعٌ لِسُنَّتِهِ، وَكَذَلِكَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لَا يَنْصَرِفُ بِظَاهِرِهِ إِلَّا لِمَنْ هُوَ إِلَيْهِ، وَهُوَ الشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَمْرُ غَيْرِهِ تَبَعٌ، فَحَمْلُ كَلَامِهِمْ عَلَى الْأَصْلِ أَوْلَى، خُصُوصًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَقْصُودَ الصَّحَابَةِ بَيَانُ الشَّرْعِ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي مُقَدِّمَةِ جَامِعِ الْأُصُولِ فِي " أُبِيحَ " وَمَا بَعْدَهَا يَقْوَى فِي جَانِبِهِ أَلَّا يَكُونَ مُضَافًا إِلَّا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ، قَالَ: وَلَا يُقَالُ: أَوْجَبَ الْإِمَامُ إِلَّا عَلَى تَأْوِيلٍ.
وَاسْتِدْلَالُ ابْنِ حَزْمٍ الْمَاضِي لِلْمَنْعِ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - مَمْنُوعٌ بِأَنَّهُ لَا انْحِصَارَ لِمُسْتَنَدِهِ فِي الْفِعْلِ، حَتَّى يُمْنَعَ إِرَادَةُ ابْنِ عُمَرَ بِالسُّنَّةِ الرَّفْعَ فِيمَنْ صُدَّ عَنِ الْحَجِّ مِمَّنْ هُوَ بِمَكَّةَ بِقِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ الَّتِي صُدَّ فِيهَا عَنْ دُخُولِهَا، بَلِ الدَّائِرَةُ أَوْسَعُ مِنَ الْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَيَتَأَيَّدُ بِإِضَافَتِهِ السُّنَّةَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَكَذَا مَا أَبْدَاهُ الْكَرْخِيُّ مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ فِي الْمَنْعِ أَيْضًا بَعِيدٌ - كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا - " فَإِنَّ أَمْرَ الْكِتَابِ ظَاهِرٌ لِلْكُلِّ، فَلَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْوَاحِدُ دُونَ غَيْرِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّنَزُّلِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ وَغَيْرَهُ إِنَّمَا تَلَقَّوْهُ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْرُ الْأُمَّةِ لَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ مِنَ الْأُمَّةِ، وَهُوَ لَا يَأْمُرُ نَفْسَهُ.
وَأَمْرُ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ إِنْ أَرَادَ مِنَ الصَّحَابَةِ مُطْلَقًا فَبَعِيدٌ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ مِنْهُمْ، وَإِنْ أَرَادَ مِنَ الْخُلَفَاءِ فَكَذَلِكَ ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ فِي مَقَامِ تَعْرِيفِ الشَّرْعِ بِهَذَا الْكَلَامِ وَالْفَتْوَى، فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَنْ صَدَرَ مِنْهُ الشَّرْعُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهُمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ لَا يَحْتَجُّونَ بِأَمْرِ مُجْتَهِدٍ آخَرَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ لَيْسَ مِنْ مُجْتَهِدِي الصَّحَابَةِ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُرِيدُ بِالْآمِرِ أَحَدَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْهُمْ.
وَحَمْلُهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِنْبَاطِ بَعِيدٌ أَيْضًا ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: " أُمِرْنَا بِكَذَا " يُفْهَمُ مِنْهُ حَقِيقَةُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، لَا خُصُوصُ الْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ الْقِيَاسِ، وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي الصِّدِّيقِ فَهُوَ - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ - مَقْبُولٌ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي غَزْوَةِ " ذَاتِ السَّلَاسِلِ " عَلَى جَيْشٍ فِيهِ الشَّيْخَانِ، أَرْسَلَ بِهِمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَدَدٍ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِ أَبَا عُبَيْدَةَ الْجَرَّاحَ، فَلَمَّا قَدِمَ بِهِمْ عَلَى عَمْرٍو صَارَ الْأَمِيرَ، بَلْ كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَمِيرَ سَرِيَّةِ " الْخَبَطِ " عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فِيهِمْ عُمَرُ، وَأَظُنُّ أَبَا بَكْرٍ أَيْضًا.
وَكَذَا «تَأَمَّرَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَلَى جَيْشٍ هُمَا فِيهِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَخَلْقٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَتُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ خُرُوجِهِ، فَأَنْفَذَهُ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ أَنِ اسْتُخْلِفَ ; امْتِثَالًا لِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ سَأَلَ أُسَامَةَ أَنْ يَأْذَنَ لِعُمَرَ فِي الْإِقَامَةِ، فَأَذِنَ لَهُ، وَفِي شَرْحِهَا طُولٌ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ كُلًّا مِنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَعَمْرٍو وَأُسَامَةَ تَأَمَّرَ عَلَيْهِمَا، وَصَارَ ذَلِكَ أَحَدَ الْأَدِلَّةِ فِي وِلَايَةِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ أَوْ بِحَضْرَتِهِ، فَطُرُوقُ الِاحْتِمَالِ فِيهِ بَعِيدٌ جِدًّا.
وَمَا قِيلَ فِي بِلَالٍ لَيْسَ بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ، فَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ أَذَّنَ لِأَبِي بَكْرٍ مُدَّةَ خِلَافَتِهِ، وَلَمْ يُؤَذِّنْ لِعُمَرَ، [نَعَمْ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ; أَنَّ بِلَالًا لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الشَّامِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: تَكُونُ عِنْدِي، قَالَ: إِنْ كُنْتَ أَعْتَقْتَنِي لِنَفْسِكَ فَاحْبِسْنِي، وَإِنْ كُنْتَ أَعْتَقْتَنِي لِلَّهِ فَذَرْنِي، فَذَهَبَ إِلَى الشَّامِ، فَكَانَ بِهَا حَتَّى مَاتَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ أَصَحُّ مِمَّا قَبْلَهُ، وَهُوَ] مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ: لَمْ يُؤَذِّنْ لِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِوَى مَرَّةٍ لِعُمَرَ حِينَ دَخَلَ الشَّامَ، فَبَكَى النَّاسُ بُكَاءً شَدِيدًا.
وَمِنْ أَدِلَّةِ الْأَكْثَرِينَ سِوَى مَا تَقَدَّمَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ; «أَنَّ الْحَجَّاجَ عَامَ نَزَلَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَيْفَ نَصْنَعُ فِي الْمَوْقِفِ يَوْمَ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ سَالِمٌ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ، فَهَجِّرْ بِالصَّلَاةِ يَوْمَ عَرَفَةَ.
فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَدَقَ، إِنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الظَّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي السُّنَّةِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ لِسَالِمٍ: أَفَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: وَهَلْ يَتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ إِلَّا سُنَّتَهُ» . انْتَهَى.
وَكُلُّ مَا سَلَفَ فِيمَا إِذَا لَمْ يُضِفِ السُّنَّةَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَلَوْ أَضَافَهَا - كَقَوْلِ عُمَرَ لِلصُّبَيِّ بْنِ مَعْبَدٍ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ - فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ السَّابِقِ
الرَّفْعُ، بَلْ أَوْلَى، وَابْنُ حَزْمٍ يُخَالِفُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ، بَلْ نَقَلَ أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ الْقَطَّانِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَجَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ فِي مَحَاسِنِهِ بِأَنَّهَا عَلَى مَرَاتِبَ فِي احْتِمَالِ الْوَقْفِ قُرْبًا وَبُعْدًا، فَأَرْفَعُهَا مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " اللَّهُ أَكْبَرُ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وَدُونَهَا قَوْلُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: " لَا تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا، عِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ كَذَا "، وَدُونَهَا قَوْلُ عُمَرَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: " أَصَبْتَ السُّنَّةَ " ; إِذِ الْأَوَّلُ أَبْعَدُ احْتِمَالًا، وَالثَّانِي أَقْرَبُ احْتِمَالًا، وَالثَّالِثُ لَا إِضَافَةَ فِيهِ. انْتَهَى.
وَقَالَ غَيْرُهُ فِي قَوْلِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّوَابُ فِيهِ: لَا تُلَبِّسُوا عَلَيْنَا دِينَنَا. مَوْقُوفٌ ; فَدَلَّ قَوْلُهُ هَذَا عَلَى أَنَّ الْأَوَّلَ مَرْفُوعٌ، أَمَّا إِذَا صَرَّحَ بِالْآمِرِ ; كَقَوْلِهِ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا، أَوْ سَمِعْتُهُ يَأْمُرُ بِكَذَا، فَهُوَ مَرْفُوعٌ بِلَا خِلَافٍ ; لِانْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ السَّابِقِ.
لَكِنْ حَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ، وَتِلْمِيذُهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعِدَّةِ " عَنْ دَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَبَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ -: أَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً حَتَّى يُنْقَلَ لَفْظُهُ ; لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي صِيَغِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ صِيغَةً ظَنَّهَا أَمْرًا أَوْ نَهْيًا، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.
وَقَالَ الشَّارِحُ: إِنَّهُ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ، ثُمَّ وَجَّهَهُ بِمَا لَهُ وَجْهٌ فِي الْجُمْلَةِ،
وَوَجَّهَهُ غَيْرُهُ بِجَوَازِ أَنَّ نَحْوَ هَذَا مِنَ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى، وَهُمْ مِمَّنْ لَا يُجَوِّزُهَا.
وَأَمَّا شَيْخُنَا فَرَدَّهُ أَصْلَا فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ ; حَيْثُ قَالَ: وَأُجِيبُ بِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الصَّحَابِيِّ مَعَ عَدَالَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِأَوْضَاعِ اللُّغَةِ - أَنَّهُ لَا يُطْلِقُ ذَلِكَ إِلَّا فِيمَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ، مِنْ غَيْرِ شَكٍّ، نَفْيًا لِلتَّلْبِيسِ عَنْهُ، لِنَقْلِ مَا يُوجِبُ عَلَى سَامِعِهِ اعْتِقَادَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِيمَا لَيْسَ أَمْرًا وَلَا نَهْيًا.
تَتِمَّةٌ: قَوْلُ الصَّحَابِيِّ: إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أَشْبَهَ كَـ " لَأُقَرِّبَنَّ لَكُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " - كُلُّهُ مَرْفُوعٌ. وَهَلْ يَلْتَحِقُ التَّابِعِيُّ بِالصَّحَابِيِّ فِي " مِنَ السُّنَّةِ " أَوْ " أُمِرْنَا "؟ سَيَأْتِي فِي خَامِسِ الْفُرُوعِ.
وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " أُمِرْتُ " هُوَ كَقَوْلِهِ: " أَمَرَنِي اللَّهُ " ; لِأَنَّهُ لَا آمِرَ لَهُ إِلَّا اللَّهُ، كَمَا سَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِي " يَرْفَعُهُ "، وَ " يَرْوِيهِ "، وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ.
فَمِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: «أُمِرْتُ بِقَرْيَةٍ تَأْكُلُ الْقُرَى» ، يَقُولُونَ: يَثْرِبُ " وَمِنْ غَيْرِهِ: «أُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْمَانَنَا عَلَى شَمَائِلِنَا فِي الصَّلَاةِ» .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنِ اشْتُهِرَ بِطَاعَةِ كَبِيرٍ إِذَا قَالَ ذَلِكَ، فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْآمِرَ لَهُ هُوَ ذَلِكَ الْكَبِيرُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
[الْفَرْعُ الثَّانِي قَوْلُ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَرَى]
[الْفَرْعُ الثَّانِي قَوْلُ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَرَى]
[الْفَرْعُ الثَّانِي] (وَ) الْفَرْعُ الثَّانِي (قَوْلُهُ) أَيِ: الصَّحَابِيِّ (كُنَّا نَرَى) كَذَا، أَوْ نَفْعَلُ كَذَا، أَوْ نَقُولُ كَذَا، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ (إِنْ كَانَ) ذَلِكَ (مَعَ) ذِكْرِ (عَصْرِ النَّبِيِّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; كَقَوْلِ جَابِرٍ: «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ، أَوْ: «كُنَّا نَأْكُلُ لُحُومَ الْخَيْلِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ، وَقَوْلِ غَيْرِهِ: " كُنَّا لَا نَرَى بَأْسًا بِكَذَا، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِينَا "، أَوْ: " كَانَ يُقَالُ كَذَا وَكَذَا عَلَى عَهْدِهِ "، أَوْ: " كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا
فِي حَيَاتِهِ " إِلَى غَيْرِهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُفِيدَةِ لِلتَّكْرَارِ وَالِاسْتِمْرَارِ.
فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا لَفْظًا (مِنْ قَبِيلِ مَا رَفَعَ) الصَّحَابِيُّ بِصَرِيحِ الْإِضَافَةِ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَقَطَعَ بِهِ الْخَطِيبُ، وَمِنْ قَبْلِهِ الْحَاكِمُ ; كَمَا سَيَأْتِي.
وَصَحَّحَهُ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَأَتْبَاعُهُ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ غَرَضَ الرَّاوِي بَيَانُ الشَّرْعِ، وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَمِ إِنْكَارِهِ.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ ; لِأَنَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَقَرَّرَهُمْ، وَتَقْرِيرُهُ كَقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ.
قَالَ الْخَطِيبُ: وَلَوْ عَلِمَ الصَّحَابِيُّ إِنْكَارًا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، لَبَيَّنَهُ.
قَالَ شَيْخُنَا: (وَيَدُلُّ لَهُ احْتِجَاجُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَلَى جَوَازِ الْعَزْلِ بِفِعْلِهِمْ لَهُ فِي زَمَنِ نُزُولِ الْوَحْيِ، فَقَالَ: «كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ، لَوْ كَانَ شَيْءٌ يَنْهَى عَنْهُ، نَهَى عَنْهُ الْقُرْآنُ» ، وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ وَاضِحٌ ; لِأَنَّ الزَّمَانَ زَمَانُ تَشْرِيعٍ.
وَكَذَا يَدُلُّ لَهُ مَجِيءُ بَعْضِ مَا أَتَى بِبَعْضِ هَذِهِ الصِّيَغِ بِصَرِيحِ الرَّفْعِ (وَقِيلَ: لَا) يَكُونُ مَرْفُوعًا، حَكَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنِ الْبَرْقَانِيِّ بَلَاغًا أَنَّهُ سَأَلَ الْإِسْمَاعِيلِيَّ عَنْهُ،
فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا، كَمَا خَالَفَ فِي نَحْوِ ((أُمِرْنَا)) ، يَعْنِي بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ مُطْلَقًا قُيِّدَ أَمْ لَا، بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، فَهُوَ مُفَصَّلٌ، فَإِنْ قُيِّدَ بِالْعَصْرِ النَّبَوِيِّ - كَمَا تَقَدَّمَ - فَمَرْفُوعٌ (أَوْ لَا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُقَيَّدْ (فَلَا) يَكُونُ مَرْفُوعًا (كَذَاكَ لَهُ) أَيْ لِابْنِ الصَّلَاحِ ; حَيْثُ جَزَمَ بِهِ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ غَيْرَهُ.
(وَ) كَذَا (لِلْخَطِيبِ) أَيْضًا فِي الْكِفَايَةِ، كَمَا زَادَهُ النَّاظِمُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ فُهِمَ عَنْ مُشْتَرِطِي الْقَيْدِ فِي الرَّفْعِ - وَهُمُ الْجُمْهُورُ كَمَا تَقَدَّمَ - الْقَوْلُ بِهِ.
وَلِذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَأَصْحَابِ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ: إِنْ لَمْ يُضِفْهُ، فَهُوَ مَوْقُوفٌ (قُلْتُ: لَكِنْ) قَدْ (جَعَلَهُ) أَيْ: هَذَا اللَّفْظَ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِالْعَصْرِ النَّبَوِيِّ (مَرْفُوعًا الْحَاكِمُ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ.
وَعِبَارَتُهُ فِي عُلُومِهِ: وَمِنْهُ - أَيْ: وَمِمَّا لَمْ يُصَرَّحْ فِيهِ بِذِكْرِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُ الصَّحَابِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالصُّحْبَةِ: أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ كَذَا، وَنُهِينَا عَنْ كَذَا، وَكُنَّا نُؤْمَرُ بِكَذَا، وَكُنَّا نُنْهَى عَنْ كَذَا، وَكُنَّا نَفْعَلُ كَذَا، وَكُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِينَا كَذَا، وَكُنَّا لَا نَرَى بَأْسًا بِكَذَا، وَكَانَ يُقَالُ كَذَا وَكَذَا، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ: مِنَ السُّنَّةِ كَذَا، وَأَشْبَاهُ مَا ذَكَرْنَا ; إِذَا قَالَهُ الصَّحَابِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالصُّحْبَةِ، فَهُوَ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ ; أَيْ: مَرْفُوعٌ.
وَكَذَا جَعَلَهُ مَرْفُوعًا الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ (الرَّازِيُّ) - نِسْبَةً بِإِلْحَاقِ الزَّايِ لِلرَّيِّ، مَدِينَةٍ مَشْهُورَةٍ كَبِيرَةٍ مِنْ بِلَادِ الدَّيْلَمِ بَيْنَ قُومِسَ وَالْجِبَالِ - صَاحِبُ التَّفْسِيرِ وَالْمَحْصُولِ
، وَمَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ، وَشَرْحِ الْوَجِيزِ لِلْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهَا، وَأَحَدُ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو الْفَضَائِلِ مُحَمَّدُ (ابْنُ الْخَطِيبِ) بِالرَّيِّ، تِلْمِيذُ مُحْيِي السُّنَّةِ الْبَغَوِيِّ، الْإِمَامُ ضِيَاءُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْقُرَشِيُّ الْبَكْرِيُّ التَّيْمِيُّ الشَّافِعِيُّ، تُوُفِّيَ بِهَرَاةَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّمِائَةٍ (606 هـ) عَنْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي ((الْمَحْصُولِ)) .
وَلَمْ يُفَرِّقَا بَيْنَ الْمُضَافِ وَغَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَعَنِ الْفَخْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي ((الْعُدَّةِ)) : إِنَّهُ الظَّاهِرُ.
قَالَ النَّاظِمُ تَبَعًا لِلنَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، (وَهُوَ الْقَوِيُّ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، زَادَ النَّوَوِيُّ: إِنَّهُ ظَاهِرُ اسْتِعْمَالِ كَثِيرٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، وَأَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَاعْتَمَدَهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَأَكْثَرَ مِنْهُ الْبُخَارِيُّ.
قُلْتُ: وَمِمَّا خَرَّجَهُ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ: ((كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وَإِذَا هَبَطْنَا سَبَّحْنَا)) .
وَيَتَأَيَّدُ الْقَوْلُ بِالرَّفْعِ بِإِيرَادِ النَّسَائِيِّ لَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِذَا صَعِدْنَا. . . وَذَكَرَهُ، فَتَحَصَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الرَّفْعُ مُطْلَقًا، الْوَقْفُ مُطْلَقًا، التَّفْصِيلُ.
وَفِيهَا رَابِعٌ أَيْضًا ; وَهُوَ تَفْصِيلٌ آخَرُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا يَخْفَى غَالِبًا فَمَرْفُوعٌ، أَوْ يَخْفَى ; كَقَوْلِ بَعْضِ الْأَنْصَارِ: ((كُنَّا نُجَامِعُ فَنَكْسَلُ وَلَا نَغْتَسِلُ))
فَمَوْقُوفٌ، وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، وَكَذَا قَالَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ آخَرِينَ.
وَخَامِسٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ أَوْرَدَهُ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ فَمَرْفُوعٌ، وَإِلَّا فَمَوْقُوفٌ ; حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ.
وَسَادِسٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ قَائِلُهُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَمَوْقُوفٌ، وَإِلَّا فَمَرْفُوعٌ.
وَسَابِعٌ: وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ كُنَّا نَرَى، وَكُنَّا نَفْعَلُ، بِأَنَّ الْأَوَّلَ مُشْتَقٌّ مِنَ الرَّأْيِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ تَنْصِيصًا أَوِ اسْتِنْبَاطًا.
وَتَعْلِيلُ السَّيْفِ الْآمِدِيِّ وَأَتْبَاعِهِ كَوْنَ " كُنَّا نَفْعَلُ " وَنَحْوَهُ حُجَّةً بِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي قَوْلِ كُلِّ الْأُمَّةِ، وَلَا يَحْسُنُ مَعَهُ إِدْرَاجُهُمْ مَعَ الْقَائِلِينَ بِالْأَوَّلِ، كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ ; لِاخْتِلَافِ الْمَدْرَكَيْنِ.
وَكُلُّ مَا أَوْرَدْنَاهُ مِنَ الْخِلَافِ ; حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الْقِصَّةِ اطِّلَاعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَمَّا إِذَا كَانَ - كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ: «أَفْضَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ» ، وَيَسْمَعُ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُنْكِرُهُ - فَحُكْمُهُ الرَّفْعُ إِجْمَاعًا.
ثُمَّ إِنَّ النَّفْيَ كَالْإِثْبَاتِ - فِيمَا تَقَدَّمَ - كَمَا عُلِمَ مِنَ التَّمْثِيلِ، وَلِذَلِكَ مَثَّلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لِلْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: كَانَتِ الْيَدُ لَا تُقْطَعُ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ.
- لَكِنْ حَدِيثُ " كَانَ بَابُ الْمُصْطَفَى ... يُقْرَعُ بِالْأَظْفَارِ " مِمَّا وُقِفَا
111 - حُكْمًا لَدَى الْحَاكِمِ وَالْخَطِيبِ ... وَالرَّفْعُ عِنْدَ الشَّيْخِ ذُو تَصْوِيبِ
112 - وَعَدُّ مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابِي ... رَفْعًا فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَسْبَابِ
113 - وَقَوْلُهُمْ " يَرْفَعْهُ " أَوْ " يَبْلُغُ بِهْ " ... " رِوَايَةً " " يَنْمِيهِ " رَفْعٌ فَانْتَبِهْ
114 - وَإِنْ يَقُلْ " عَنْ تَابِعٍ " فَمُرْسَلُ ... قُلْتُ مِنَ السُّنَّةِ عَنْهُ نَقَلُوا
115 - تَصْحِيحَ وَقْفِهِ وَذُو احْتِمَالِ ... نَحْوُ " أُمِرْنَا مِنْهُ " لِلْغَزَالِي
116 - وَمَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ بِحَيْثُ لَا ... يُقَالُ رَأْيًا، حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى
117 - مَا قَالَ فِي الْمَحْصُولِ نَحْوُ " مَنْ أَتَى" ... فَالْحَاكِمُ الرَّفْعَ لِهَذَا أَثْبَتَا
118 - وَمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَهْ ... مُحَمَّدٌ وَعَنْهُ أَهْلُ الْبَصْرَهْ
119 - وَكَرَّرَ " قَالَ " بَعْدَ فَالْخَطِيبُ ... رَوَى بِهِ الرَّفْعَ وَذَا عَجِيبُ.
" لَكِنْ حَدِيثُ كَانَ بَابُ الْمُصْطَفَى " - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يُقْرَعُ) مِنَ الصَّحَابَةِ (بِالْأَظْفَارِ) تَأَدُّبًا وَإِجْلَالًا، كَمَا عُرِفَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِي حَقِّهِ.
وَإِنْ قَالَ السُّهَيْلِيُّ: إِنَّهُ لِأَنَّ بَابَهُ الْكَرِيمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِلَقٌ يُطْرَقُ بِهَا. (مِمَّا وُقِفَا حُكْمًا) أَيْ: حُكْمُهُ الْوَقْفُ (لَدَى) أَيْ: عِنْدَ (الْحَاكِمِ) ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْنَدَهُ، كَمَا سَيَأْتِي: هَذَا حَدِيثٌ يَتَوَهَّمُهُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ مُسْنَدًا ; لِذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ، وَلَيْسَ بِمُسْنَدٍ ; فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى صَحَابِيٍّ، حَكَى عَنْ أَقْرَانِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ فِعْلًا، وَلَيْسَ يُسْنِدُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ (وَ) كَذَا عِنْدَ (الْخَطِيبِ) أَيْضًا فِي جَامِعِهِ نَحْوُهُ.
وَإِنْ أَنْكَرَ الْبُلْقِينِيُّ تَبَعًا لِبَعْضِ مَشَائِخِهِ وُجُودَهُ فِيهِ، فَعِبَارَتُهُ فِي الْمَوْقُوفِ الْخَفِيِّ
الَّذِي ذَكَرَ مِنْ أَمْثِلَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ - نَصُّهَا: قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ لِذِكْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى صَحَابِيٍّ، حَكَى فِيهِ عَنْ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلًا، وَذَلِكَ مُتَعَقَّبٌ عَلَيْهِمَا (وَالرَّفْعُ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ (عِنْدَ الشَّيْخِ) ابْنِ الصَّلَاحِ (ذُو تَصْوِيبِ) .
قَالَ: وَالْحَاكِمُ مُعْتَرِفٌ بِكَوْنِ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْمَرْفُوعِ ; يَعْنِي لِأَنَّهُ جَنَحَ إِلَى الرَّفْعِ فِي غَيْرِ الْمُضَافِ، فَهُوَ هُنَا أَوْلَى ; لِكَوْنِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَحْرَى بِاطِّلَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ.
قَالَ: وَقَدْ كُنَّا عَدَدْنَا هَذَا فِيمَا أَخَذْنَا عَلَيْهِ، ثُمَّ تَأَوَّلْنَاهُ لَهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ: أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْنَدٍ لَفْظًا، بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ لَفْظًا ; كَسَائِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. انْتَهَى.
وَهُوَ جَيِّدٌ، وَحَاصِلُهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ لَهُ جِهَتَيْنِ: جِهَةَ الْفِعْلِ وَهُوَ صَادِرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا، وَجِهَةَ التَّقْرِيرِ وَهُوَ مُضَافٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَيْثُ إِنَّ فَائِدَةَ قَرْعِ بَابِهِ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ قُرِعَ، وَمِنْ لَازِمِ عِلْمِهِ بِكَوْنِهِ قُرِعَ مَعَ عَدَمِ إِنْكَارِ ذَلِكَ عَلَى فَاعِلِهِ - التَّقْرِيرُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ، فَيَكُونُ مَرْفُوعًا، لَكِنْ يَخْدِشُ فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ قِسْمِ التَّقْرِيرِ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى مَوْقُوفًا ; لِأَنَّ فَاعِلَهُ غَيْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطْعًا، وَإِلَّا فَمَا اخْتِصَاصُ حَدِيثِ الْقَرْعِ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ.
قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْتَزِمُهُ فِي غَيْرِ التَّقْرِيرِ الصَّرِيحِ كَهَذَا الْحَدِيثِ، وَغَيْرُهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِمَنْعِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَابْنِ مُبَارَكٍ مِنْ رَفْعِ حَدِيثِ " حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ " كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ هَذِهِ الْفُرُوعِ، عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْحَاكِمَ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ احْتِمَالُ كَوْنِ الْقَرْعِ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الِاسْتِئْذَانَ فِي حَيَاتِهِ كَانَ بِبِلَالٍ أَوْ بِرَبَاحٍ أَوْ بِغَيْرِهِمَا، وَرُبَّمَا كَانَ بِإِعْلَامِ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ.
بَلْ فِي حَدِيثِ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ
ثَابِتٍ: «احْتَجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ حُجْرَةً» ، وَفِيهِ: «أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ لَيْلَةً» ، وَقَالَ: «فَتَنَحْنَحُوا وَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا بَابَهُ» ، وَلَمْ يَجِئْ فِي خَبَرٍ صَرِيحٍ الِاسْتِئْذَانُ عَلَيْهِ بِالْقَرْعِ.
وَإِنَّ فَائِدَةَ ذِكْرِ الْقَرْعِ مَعَ كَوْنِهِ بَعْدَهُ مَا تَضَمَّنَهُ مِنِ اسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى مَزِيدِ الْأَدَبِ بَعْدَهُ ; إِذْ حُرْمَتُهُ مَيِّتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَهُوَ مَوْقُوفٌ مُطْلَقًا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْحَدِيثُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِهِ، وَكَذَا فِي الْأَمَالِي كَمَا عَزَاهُ إِلَيْهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي مَدْخَلِهِ حَيْثُ أَخْرَجَهُ عَنْ رَاوٍ، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى عُلُومِ الْحَدِيثِ، لَهُ عَنْ رَاوٍ آخَرَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو الزِّيبَقِيِّ، بِالزَّايِ الْمَكْسُورَةِ الْمُشَدَّدَةِ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى الْمِنْقَرِيِّ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ، عَنْ كَيْسَانَ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْآخَرِينَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانٍ، زَادَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ أَخُو هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ.
ثُمَّ اتَّفَقُوا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ، ثُمَّ اتَّفَقُوا عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَعُونَ بَابَهُ بِالْأَظَافِيرِ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ، أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي جَامِعِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي غَسَّانَ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيِّ، وَضِرَارِ بْنِ صُرَدَ شَيْخِ حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فِيهِ، كِلَاهُمَا عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ زِيَادٍ الثَّقَفِيِّ، ثُمَّ افْتَرَقَا.
فَفِي رِوَايَةِ أَبِي غَسَّانَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبِهَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْمُنْتَصِرِ.
وَفِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ: ثَنَا عُمَرُ بْنُ سُوَيْدٍ، يَعْنِي الْعِجْلِيَّ، كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ بَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْرَعُ بِالْأَظَافِيرِ. لَفْظُ حُمَيْدٍ، وَلَفْظُ الْآخَرِ: كَانَتْ أَبْوَابُ النَّبِيِّ. وَالْبَاقِي سَوَاءٌ،
وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالتَّأْرِيخِ عَنْ أَبِي غَسَّانَ، وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ ضِرَارٍ بِهِ.
[الْفَرْعُ الثَّانِي] (وَ) الْفَرْعُ الثَّانِي (قَوْلُهُ) أَيِ: الصَّحَابِيِّ (كُنَّا نَرَى) كَذَا، أَوْ نَفْعَلُ كَذَا، أَوْ نَقُولُ كَذَا، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ (إِنْ كَانَ) ذَلِكَ (مَعَ) ذِكْرِ (عَصْرِ النَّبِيِّ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; كَقَوْلِ جَابِرٍ: «كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ، أَوْ: «كُنَّا نَأْكُلُ لُحُومَ الْخَيْلِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ، وَقَوْلِ غَيْرِهِ: " كُنَّا لَا نَرَى بَأْسًا بِكَذَا، وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِينَا "، أَوْ: " كَانَ يُقَالُ كَذَا وَكَذَا عَلَى عَهْدِهِ "، أَوْ: " كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا
فِي حَيَاتِهِ " إِلَى غَيْرِهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُفِيدَةِ لِلتَّكْرَارِ وَالِاسْتِمْرَارِ.
فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا لَفْظًا (مِنْ قَبِيلِ مَا رَفَعَ) الصَّحَابِيُّ بِصَرِيحِ الْإِضَافَةِ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَقَطَعَ بِهِ الْخَطِيبُ، وَمِنْ قَبْلِهِ الْحَاكِمُ ; كَمَا سَيَأْتِي.
وَصَحَّحَهُ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ وَأَتْبَاعُهُ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ غَرَضَ الرَّاوِي بَيَانُ الشَّرْعِ، وَذَلِكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَمِ إِنْكَارِهِ.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ ; لِأَنَّ ظَاهِرَ ذَلِكَ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اطَّلَعَ عَلَيْهِ وَقَرَّرَهُمْ، وَتَقْرِيرُهُ كَقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ.
قَالَ الْخَطِيبُ: وَلَوْ عَلِمَ الصَّحَابِيُّ إِنْكَارًا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ، لَبَيَّنَهُ.
قَالَ شَيْخُنَا: (وَيَدُلُّ لَهُ احْتِجَاجُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَلَى جَوَازِ الْعَزْلِ بِفِعْلِهِمْ لَهُ فِي زَمَنِ نُزُولِ الْوَحْيِ، فَقَالَ: «كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ، لَوْ كَانَ شَيْءٌ يَنْهَى عَنْهُ، نَهَى عَنْهُ الْقُرْآنُ» ، وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ وَاضِحٌ ; لِأَنَّ الزَّمَانَ زَمَانُ تَشْرِيعٍ.
وَكَذَا يَدُلُّ لَهُ مَجِيءُ بَعْضِ مَا أَتَى بِبَعْضِ هَذِهِ الصِّيَغِ بِصَرِيحِ الرَّفْعِ (وَقِيلَ: لَا) يَكُونُ مَرْفُوعًا، حَكَاهُ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنِ الْبَرْقَانِيِّ بَلَاغًا أَنَّهُ سَأَلَ الْإِسْمَاعِيلِيَّ عَنْهُ،
فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا، كَمَا خَالَفَ فِي نَحْوِ ((أُمِرْنَا)) ، يَعْنِي بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ مُطْلَقًا قُيِّدَ أَمْ لَا، بِخِلَافِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، فَهُوَ مُفَصَّلٌ، فَإِنْ قُيِّدَ بِالْعَصْرِ النَّبَوِيِّ - كَمَا تَقَدَّمَ - فَمَرْفُوعٌ (أَوْ لَا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُقَيَّدْ (فَلَا) يَكُونُ مَرْفُوعًا (كَذَاكَ لَهُ) أَيْ لِابْنِ الصَّلَاحِ ; حَيْثُ جَزَمَ بِهِ، وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ غَيْرَهُ.
(وَ) كَذَا (لِلْخَطِيبِ) أَيْضًا فِي الْكِفَايَةِ، كَمَا زَادَهُ النَّاظِمُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ فُهِمَ عَنْ مُشْتَرِطِي الْقَيْدِ فِي الرَّفْعِ - وَهُمُ الْجُمْهُورُ كَمَا تَقَدَّمَ - الْقَوْلُ بِهِ.
وَلِذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَقَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَأَصْحَابِ الْفِقْهِ وَالْأُصُولِ: إِنْ لَمْ يُضِفْهُ، فَهُوَ مَوْقُوفٌ (قُلْتُ: لَكِنْ) قَدْ (جَعَلَهُ) أَيْ: هَذَا اللَّفْظَ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِالْعَصْرِ النَّبَوِيِّ (مَرْفُوعًا الْحَاكِمُ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ.
وَعِبَارَتُهُ فِي عُلُومِهِ: وَمِنْهُ - أَيْ: وَمِمَّا لَمْ يُصَرَّحْ فِيهِ بِذِكْرِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُ الصَّحَابِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالصُّحْبَةِ: أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ كَذَا، وَنُهِينَا عَنْ كَذَا، وَكُنَّا نُؤْمَرُ بِكَذَا، وَكُنَّا نُنْهَى عَنْ كَذَا، وَكُنَّا نَفْعَلُ كَذَا، وَكُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِينَا كَذَا، وَكُنَّا لَا نَرَى بَأْسًا بِكَذَا، وَكَانَ يُقَالُ كَذَا وَكَذَا، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ: مِنَ السُّنَّةِ كَذَا، وَأَشْبَاهُ مَا ذَكَرْنَا ; إِذَا قَالَهُ الصَّحَابِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالصُّحْبَةِ، فَهُوَ حَدِيثٌ مُسْنَدٌ ; أَيْ: مَرْفُوعٌ.
وَكَذَا جَعَلَهُ مَرْفُوعًا الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ (الرَّازِيُّ) - نِسْبَةً بِإِلْحَاقِ الزَّايِ لِلرَّيِّ، مَدِينَةٍ مَشْهُورَةٍ كَبِيرَةٍ مِنْ بِلَادِ الدَّيْلَمِ بَيْنَ قُومِسَ وَالْجِبَالِ - صَاحِبُ التَّفْسِيرِ وَالْمَحْصُولِ
، وَمَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ، وَشَرْحِ الْوَجِيزِ لِلْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهَا، وَأَحَدُ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو الْفَضَائِلِ مُحَمَّدُ (ابْنُ الْخَطِيبِ) بِالرَّيِّ، تِلْمِيذُ مُحْيِي السُّنَّةِ الْبَغَوِيِّ، الْإِمَامُ ضِيَاءُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْقُرَشِيُّ الْبَكْرِيُّ التَّيْمِيُّ الشَّافِعِيُّ، تُوُفِّيَ بِهَرَاةَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّمِائَةٍ (606 هـ) عَنْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي ((الْمَحْصُولِ)) .
وَلَمْ يُفَرِّقَا بَيْنَ الْمُضَافِ وَغَيْرِهِ، وَحِينَئِذٍ فَعَنِ الْفَخْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي ((الْعُدَّةِ)) : إِنَّهُ الظَّاهِرُ.
قَالَ النَّاظِمُ تَبَعًا لِلنَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، (وَهُوَ الْقَوِيُّ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، زَادَ النَّوَوِيُّ: إِنَّهُ ظَاهِرُ اسْتِعْمَالِ كَثِيرٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ، وَأَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَاعْتَمَدَهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَأَكْثَرَ مِنْهُ الْبُخَارِيُّ.
قُلْتُ: وَمِمَّا خَرَّجَهُ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ: ((كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وَإِذَا هَبَطْنَا سَبَّحْنَا)) .
وَيَتَأَيَّدُ الْقَوْلُ بِالرَّفْعِ بِإِيرَادِ النَّسَائِيِّ لَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِذَا صَعِدْنَا. . . وَذَكَرَهُ، فَتَحَصَّلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الرَّفْعُ مُطْلَقًا، الْوَقْفُ مُطْلَقًا، التَّفْصِيلُ.
وَفِيهَا رَابِعٌ أَيْضًا ; وَهُوَ تَفْصِيلٌ آخَرُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِمَّا لَا يَخْفَى غَالِبًا فَمَرْفُوعٌ، أَوْ يَخْفَى ; كَقَوْلِ بَعْضِ الْأَنْصَارِ: ((كُنَّا نُجَامِعُ فَنَكْسَلُ وَلَا نَغْتَسِلُ))
فَمَوْقُوفٌ، وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ، وَكَذَا قَالَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ آخَرِينَ.
وَخَامِسٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ أَوْرَدَهُ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ فَمَرْفُوعٌ، وَإِلَّا فَمَوْقُوفٌ ; حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ.
وَسَادِسٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ قَائِلُهُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَمَوْقُوفٌ، وَإِلَّا فَمَرْفُوعٌ.
وَسَابِعٌ: وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ كُنَّا نَرَى، وَكُنَّا نَفْعَلُ، بِأَنَّ الْأَوَّلَ مُشْتَقٌّ مِنَ الرَّأْيِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهُ تَنْصِيصًا أَوِ اسْتِنْبَاطًا.
وَتَعْلِيلُ السَّيْفِ الْآمِدِيِّ وَأَتْبَاعِهِ كَوْنَ " كُنَّا نَفْعَلُ " وَنَحْوَهُ حُجَّةً بِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي قَوْلِ كُلِّ الْأُمَّةِ، وَلَا يَحْسُنُ مَعَهُ إِدْرَاجُهُمْ مَعَ الْقَائِلِينَ بِالْأَوَّلِ، كَمَا فَعَلَ الشَّارِحُ ; لِاخْتِلَافِ الْمَدْرَكَيْنِ.
وَكُلُّ مَا أَوْرَدْنَاهُ مِنَ الْخِلَافِ ; حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الْقِصَّةِ اطِّلَاعُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَمَّا إِذَا كَانَ - كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ: «أَفْضَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ» ، وَيَسْمَعُ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يُنْكِرُهُ - فَحُكْمُهُ الرَّفْعُ إِجْمَاعًا.
ثُمَّ إِنَّ النَّفْيَ كَالْإِثْبَاتِ - فِيمَا تَقَدَّمَ - كَمَا عُلِمَ مِنَ التَّمْثِيلِ، وَلِذَلِكَ مَثَّلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لِلْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: كَانَتِ الْيَدُ لَا تُقْطَعُ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ.
- لَكِنْ حَدِيثُ " كَانَ بَابُ الْمُصْطَفَى ... يُقْرَعُ بِالْأَظْفَارِ " مِمَّا وُقِفَا
111 - حُكْمًا لَدَى الْحَاكِمِ وَالْخَطِيبِ ... وَالرَّفْعُ عِنْدَ الشَّيْخِ ذُو تَصْوِيبِ
112 - وَعَدُّ مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابِي ... رَفْعًا فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَسْبَابِ
113 - وَقَوْلُهُمْ " يَرْفَعْهُ " أَوْ " يَبْلُغُ بِهْ " ... " رِوَايَةً " " يَنْمِيهِ " رَفْعٌ فَانْتَبِهْ
114 - وَإِنْ يَقُلْ " عَنْ تَابِعٍ " فَمُرْسَلُ ... قُلْتُ مِنَ السُّنَّةِ عَنْهُ نَقَلُوا
115 - تَصْحِيحَ وَقْفِهِ وَذُو احْتِمَالِ ... نَحْوُ " أُمِرْنَا مِنْهُ " لِلْغَزَالِي
116 - وَمَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ بِحَيْثُ لَا ... يُقَالُ رَأْيًا، حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى
117 - مَا قَالَ فِي الْمَحْصُولِ نَحْوُ " مَنْ أَتَى" ... فَالْحَاكِمُ الرَّفْعَ لِهَذَا أَثْبَتَا
118 - وَمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَهْ ... مُحَمَّدٌ وَعَنْهُ أَهْلُ الْبَصْرَهْ
119 - وَكَرَّرَ " قَالَ " بَعْدَ فَالْخَطِيبُ ... رَوَى بِهِ الرَّفْعَ وَذَا عَجِيبُ.
" لَكِنْ حَدِيثُ كَانَ بَابُ الْمُصْطَفَى " - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (يُقْرَعُ) مِنَ الصَّحَابَةِ (بِالْأَظْفَارِ) تَأَدُّبًا وَإِجْلَالًا، كَمَا عُرِفَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِي حَقِّهِ.
وَإِنْ قَالَ السُّهَيْلِيُّ: إِنَّهُ لِأَنَّ بَابَهُ الْكَرِيمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِلَقٌ يُطْرَقُ بِهَا. (مِمَّا وُقِفَا حُكْمًا) أَيْ: حُكْمُهُ الْوَقْفُ (لَدَى) أَيْ: عِنْدَ (الْحَاكِمِ) ، فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ أَسْنَدَهُ، كَمَا سَيَأْتِي: هَذَا حَدِيثٌ يَتَوَهَّمُهُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ مُسْنَدًا ; لِذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ، وَلَيْسَ بِمُسْنَدٍ ; فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى صَحَابِيٍّ، حَكَى عَنْ أَقْرَانِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ فِعْلًا، وَلَيْسَ يُسْنِدُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ (وَ) كَذَا عِنْدَ (الْخَطِيبِ) أَيْضًا فِي جَامِعِهِ نَحْوُهُ.
وَإِنْ أَنْكَرَ الْبُلْقِينِيُّ تَبَعًا لِبَعْضِ مَشَائِخِهِ وُجُودَهُ فِيهِ، فَعِبَارَتُهُ فِي الْمَوْقُوفِ الْخَفِيِّ
الَّذِي ذَكَرَ مِنْ أَمْثِلَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ - نَصُّهَا: قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَرْفُوعٌ لِذِكْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى صَحَابِيٍّ، حَكَى فِيهِ عَنْ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلًا، وَذَلِكَ مُتَعَقَّبٌ عَلَيْهِمَا (وَالرَّفْعُ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ (عِنْدَ الشَّيْخِ) ابْنِ الصَّلَاحِ (ذُو تَصْوِيبِ) .
قَالَ: وَالْحَاكِمُ مُعْتَرِفٌ بِكَوْنِ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْمَرْفُوعِ ; يَعْنِي لِأَنَّهُ جَنَحَ إِلَى الرَّفْعِ فِي غَيْرِ الْمُضَافِ، فَهُوَ هُنَا أَوْلَى ; لِكَوْنِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَحْرَى بِاطِّلَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِ.
قَالَ: وَقَدْ كُنَّا عَدَدْنَا هَذَا فِيمَا أَخَذْنَا عَلَيْهِ، ثُمَّ تَأَوَّلْنَاهُ لَهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ: أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْنَدٍ لَفْظًا، بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ لَفْظًا ; كَسَائِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. انْتَهَى.
وَهُوَ جَيِّدٌ، وَحَاصِلُهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّ لَهُ جِهَتَيْنِ: جِهَةَ الْفِعْلِ وَهُوَ صَادِرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا، وَجِهَةَ التَّقْرِيرِ وَهُوَ مُضَافٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَيْثُ إِنَّ فَائِدَةَ قَرْعِ بَابِهِ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ قُرِعَ، وَمِنْ لَازِمِ عِلْمِهِ بِكَوْنِهِ قُرِعَ مَعَ عَدَمِ إِنْكَارِ ذَلِكَ عَلَى فَاعِلِهِ - التَّقْرِيرُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ، فَيَكُونُ مَرْفُوعًا، لَكِنْ يَخْدِشُ فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ قِسْمِ التَّقْرِيرِ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى مَوْقُوفًا ; لِأَنَّ فَاعِلَهُ غَيْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطْعًا، وَإِلَّا فَمَا اخْتِصَاصُ حَدِيثِ الْقَرْعِ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ.
قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْتَزِمُهُ فِي غَيْرِ التَّقْرِيرِ الصَّرِيحِ كَهَذَا الْحَدِيثِ، وَغَيْرُهُ لَا يَلْزَمُهُ، وَيُسْتَأْنَسُ لَهُ بِمَنْعِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَابْنِ مُبَارَكٍ مِنْ رَفْعِ حَدِيثِ " حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ " كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ هَذِهِ الْفُرُوعِ، عَلَى أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْحَاكِمَ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ احْتِمَالُ كَوْنِ الْقَرْعِ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الِاسْتِئْذَانَ فِي حَيَاتِهِ كَانَ بِبِلَالٍ أَوْ بِرَبَاحٍ أَوْ بِغَيْرِهِمَا، وَرُبَّمَا كَانَ بِإِعْلَامِ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ.
بَلْ فِي حَدِيثِ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ
ثَابِتٍ: «احْتَجَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ حُجْرَةً» ، وَفِيهِ: «أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ لَيْلَةً» ، وَقَالَ: «فَتَنَحْنَحُوا وَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا بَابَهُ» ، وَلَمْ يَجِئْ فِي خَبَرٍ صَرِيحٍ الِاسْتِئْذَانُ عَلَيْهِ بِالْقَرْعِ.
وَإِنَّ فَائِدَةَ ذِكْرِ الْقَرْعِ مَعَ كَوْنِهِ بَعْدَهُ مَا تَضَمَّنَهُ مِنِ اسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى مَزِيدِ الْأَدَبِ بَعْدَهُ ; إِذْ حُرْمَتُهُ مَيِّتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَهُوَ مَوْقُوفٌ مُطْلَقًا. فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالْحَدِيثُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِهِ، وَكَذَا فِي الْأَمَالِي كَمَا عَزَاهُ إِلَيْهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي مَدْخَلِهِ حَيْثُ أَخْرَجَهُ عَنْ رَاوٍ، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى عُلُومِ الْحَدِيثِ، لَهُ عَنْ رَاوٍ آخَرَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو الزِّيبَقِيِّ، بِالزَّايِ الْمَكْسُورَةِ الْمُشَدَّدَةِ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى الْمِنْقَرِيِّ، عَنِ الْأَصْمَعِيِّ، عَنْ كَيْسَانَ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، وَفِي رِوَايَةِ الْآخَرِينَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانٍ، زَادَ الْبَيْهَقِيُّ: هُوَ أَخُو هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ.
ثُمَّ اتَّفَقُوا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ، ثُمَّ اتَّفَقُوا عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَعُونَ بَابَهُ بِالْأَظَافِيرِ.
وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ، أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي جَامِعِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي غَسَّانَ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيِّ، وَضِرَارِ بْنِ صُرَدَ شَيْخِ حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِيعِ فِيهِ، كِلَاهُمَا عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ زِيَادٍ الثَّقَفِيِّ، ثُمَّ افْتَرَقَا.
فَفِي رِوَايَةِ أَبِي غَسَّانَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصْبِهَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْمُنْتَصِرِ.
وَفِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ: ثَنَا عُمَرُ بْنُ سُوَيْدٍ، يَعْنِي الْعِجْلِيَّ، كِلَاهُمَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ بَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقْرَعُ بِالْأَظَافِيرِ. لَفْظُ حُمَيْدٍ، وَلَفْظُ الْآخَرِ: كَانَتْ أَبْوَابُ النَّبِيِّ. وَالْبَاقِي سَوَاءٌ،
وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالتَّأْرِيخِ عَنْ أَبِي غَسَّانَ، وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ ضِرَارٍ بِهِ.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
[الْفَرْعُ الثَّالِثُ تفسير الصحابي]
[الْفَرْعُ الثَّالِثُ تفسير الصحابي]
[الْفَرْعُ الثَّالِثُ] (وَ) أَمَّا (عَدُّ مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابِي) الَّذِي شَاهَدَ الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ (رَفْعًا) أَيْ: مَرْفُوعًا كَمَا فَعَلَ الْحَاكِمُ، وَعَزَاهُ لِلشَّيْخَيْنِ، وَهُوَ الْفَرْعُ الثَّالِثُ (فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَسْبَابِ) لِلنُّزُولِ، وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ ; لِتَصْرِيحِ الْخَطِيبِ فِيهَا بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الْآتِي: قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْنَدٌ ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ الَّذِي شَاهَدَ الْوَحْيَ إِذَا أَخْبَرَ عَنْ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي كَذَا كَانَ مُسْنَدًا، وَتَبِعَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَقَيَّدَ بِهِ إِطْلَاقَ الْحَاكِمِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ مِنَ التَّفْسِيرِ مَا يَنْشَأُ عَنْ مَعْرِفَةِ طُرُقِ الْبَلَاغَةِ وَاللُّغَةِ كَتَفْسِيرِ مُفْرَدٍ بِمُفْرَدٍ، أَوْ يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لِلرَّأْيِ فِيهِ مَجَالٌ، فَلَا يُحْكَمُ لِمَا يَكُونُ مِنْ نَحْوِ هَذَا الْقَبِيلِ بِالرَّفْعِ ; لِعَدَمِ تَحَتُّمِ إِضَافَتِهِ إِلَى الشَّارِعِ.
أَمَّا اللُّغَةُ وَالْبَلَاغَةُ: فَلِكَوْنِهِمْ فِي الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ بِالْمَحَلِّ الرَّفِيعِ.
وَأَمَّا الْأَحْكَامُ: فَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَفَادًا مِنَ الْقَوَاعِدِ، بَلْ هُوَ مَعْدُودٌ فِي الْمَوْقُوفَاتِ.
وَمِنْهُ - وَهُوَ الْمَرْفُوعُ - مَا لَا تَعَلُّقَ لِلِسَانِ الْعَرَبِ بِهِ وَهُوَ لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ ; كَتَفْسِيرِ أَمْرٍ مُغَيَّبٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا أَوِ الْآخِرَةِ أَوِ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ، أَوْ تَعَيُّنِ ثَوَابٍ أَوْ عِقَابٍ،
وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ سَبَبِ نُزُولٍ ; كَقَوْلِ جَابِرٍ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا، جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) الْآيَةَ.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ يَكْفِي فِي تَسْوِيغِ الْأَخْبَارِ بِالسَّبَبِ الْبِنَاءُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ ; كَمَا لَوْ سَمِعَ مِنَ الْكُفَّارِ كَلَامًا، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُنَاقِضُهُ ; إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ نَزَلَ رَدًّا عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى أَنْ يَقُولَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذَا أُنْزِلَ لِسَبَبِ كَذَا، فَقَدْ وَقَعَ الْإِخْبَارُ عَنْهُمْ بِالْكَثِيرِ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قِصَّةِ الَّذِي خَاصَمَهُ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ: إِنِّي لَأَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النِّسَاءِ: 65] وَهُوَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الرِّوَايَاتِ: جَزَمَ الزُّبَيْرُ بِذَلِكَ، فَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ، وَأَنَّهُ كَانَ لَا يَجْزِمُ بِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَطَرَقَهُ الِاحْتِمَالُ.
وَأَمَّا التَّقْيِيدُ فِي قَائِلٍ مَا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ بِكَوْنِهِ مِمَّنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالنَّظَرِ فِي الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ - فَسَيَأْتِي فِي سَادِسِ الْفُرُوعِ.
[الْفَرْعُ الثَّالِثُ] (وَ) أَمَّا (عَدُّ مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابِي) الَّذِي شَاهَدَ الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ (رَفْعًا) أَيْ: مَرْفُوعًا كَمَا فَعَلَ الْحَاكِمُ، وَعَزَاهُ لِلشَّيْخَيْنِ، وَهُوَ الْفَرْعُ الثَّالِثُ (فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَسْبَابِ) لِلنُّزُولِ، وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ ; لِتَصْرِيحِ الْخَطِيبِ فِيهَا بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الْآتِي: قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْنَدٌ ; لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ الَّذِي شَاهَدَ الْوَحْيَ إِذَا أَخْبَرَ عَنْ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي كَذَا كَانَ مُسْنَدًا، وَتَبِعَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَقَيَّدَ بِهِ إِطْلَاقَ الْحَاكِمِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ مِنَ التَّفْسِيرِ مَا يَنْشَأُ عَنْ مَعْرِفَةِ طُرُقِ الْبَلَاغَةِ وَاللُّغَةِ كَتَفْسِيرِ مُفْرَدٍ بِمُفْرَدٍ، أَوْ يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لِلرَّأْيِ فِيهِ مَجَالٌ، فَلَا يُحْكَمُ لِمَا يَكُونُ مِنْ نَحْوِ هَذَا الْقَبِيلِ بِالرَّفْعِ ; لِعَدَمِ تَحَتُّمِ إِضَافَتِهِ إِلَى الشَّارِعِ.
أَمَّا اللُّغَةُ وَالْبَلَاغَةُ: فَلِكَوْنِهِمْ فِي الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ بِالْمَحَلِّ الرَّفِيعِ.
وَأَمَّا الْأَحْكَامُ: فَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَفَادًا مِنَ الْقَوَاعِدِ، بَلْ هُوَ مَعْدُودٌ فِي الْمَوْقُوفَاتِ.
وَمِنْهُ - وَهُوَ الْمَرْفُوعُ - مَا لَا تَعَلُّقَ لِلِسَانِ الْعَرَبِ بِهِ وَهُوَ لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ ; كَتَفْسِيرِ أَمْرٍ مُغَيَّبٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا أَوِ الْآخِرَةِ أَوِ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ، أَوْ تَعَيُّنِ ثَوَابٍ أَوْ عِقَابٍ،
وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ سَبَبِ نُزُولٍ ; كَقَوْلِ جَابِرٍ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ: مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا، جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) الْآيَةَ.
عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إِنَّهُ يَكْفِي فِي تَسْوِيغِ الْأَخْبَارِ بِالسَّبَبِ الْبِنَاءُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ ; كَمَا لَوْ سَمِعَ مِنَ الْكُفَّارِ كَلَامًا، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُنَاقِضُهُ ; إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ نَزَلَ رَدًّا عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى أَنْ يَقُولَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذَا أُنْزِلَ لِسَبَبِ كَذَا، فَقَدْ وَقَعَ الْإِخْبَارُ عَنْهُمْ بِالْكَثِيرِ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قِصَّةِ الَّذِي خَاصَمَهُ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ: إِنِّي لَأَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النِّسَاءِ: 65] وَهُوَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الرِّوَايَاتِ: جَزَمَ الزُّبَيْرُ بِذَلِكَ، فَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ، وَأَنَّهُ كَانَ لَا يَجْزِمُ بِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَطَرَقَهُ الِاحْتِمَالُ.
وَأَمَّا التَّقْيِيدُ فِي قَائِلٍ مَا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ بِكَوْنِهِ مِمَّنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالنَّظَرِ فِي الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ - فَسَيَأْتِي فِي سَادِسِ الْفُرُوعِ.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
[الْفَرْعُ الرَّابِعُ قول التَّابِعِيُّ فَمَنْ دُونَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الصَّحَابِيِّ يَرْفَعُهُ أو يَبْلُغُ بِهْ أو يَنْمِيهِ]
[الْفَرْعُ الرَّابِعُ قول التَّابِعِيُّ فَمَنْ دُونَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الصَّحَابِيِّ يَرْفَعُهُ أو يَبْلُغُ بِهْ أو يَنْمِيهِ]
[الْفَرْعُ الرَّابِعُ] (وَ) الْفَرْعُ الرَّابِعُ، وَأُخِّرَ لِصُدُورِ أَلْفَاظِهِ مِمَّنْ دُونَ الصَّحَابِيِّ (قَوْلُهُمْ) أَيِ: التَّابِعِيُّ فَمَنْ دُونَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الصَّحَابِيِّ (يَرْفَعُهُ) أَوْ رَفَعَهُ أَوْ مَرْفُوعًا ; كَحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثٍ: شَرْبَةِ عَسَلٍ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكَيَّةِ نَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ» رَفَعَ الْحَدِيثَ.
وَكَذَا قَوْلُهُمْ: (يَبْلُغُ بِهْ) أَوْ (رِوِايَةً) أَوْ (يَرْوِيهِ) ; كَحَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغْ بِهِ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ» وَبِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةَ «تُقَاتِلُونَ قَوْمًا صِغَارَ الْأَعْيُنِ» ، وَكَحَدِيثِ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةَ «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ» أَوْ (يَنْمِيهِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ، وَكَسْرِ الْمِيمِ ; كَحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ. قَالَ أَبُو حَازِمٍ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ يَنْمِي ذَلِكَ.
وَكَذَا قَوْلُهُمْ: يُسْنِدُهُ، أَوْ يَأْثِرُهُ، مِمَّا الْحَامِلُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْعُدُولِ عَنِ التَّصْرِيحِ بِالْإِضَافَةِ، إِمَّا الشَّكُّ فِي الصِّيغَةِ الَّتِي سُمِعَ بِهَا أَهِيَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ "، أَوْ " نَبِيُّ اللَّهِ " أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ; كَسَمِعْتُ أَوْ حَدَّثَنِي، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَرَى الْإِبْدَالَ، كَمَا أَفَادَ حَاصِلَهُ الْمُنْذِرِيُّ، أَوْ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ وَإِيثَارًا لِلِاخْتِصَارِ، أَوْ لِلشَّكِّ فِي ثُبُوتِهِ، كَمَا قَالَهُمَا شَيْخُنَا، أَوْ وَرَعًا ; حَيْثُ عَلِمَ أَنَّ الْمَرْوِيَّ بِالْمَعْنَى (رَفْعٌ) أَيْ: مَرْفُوعٌ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ، وَاقْتَضَاهُ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ ; وَكُلُّ هَذَا وَأَمْثَالُهُ كِنَايَةٌ عَنْ رَفْعِ الصَّحَابِيِّ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَحُكْمُ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ صَرِيحًا. انْتَهَى.
وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَجِيءُ بَعْضِ الْمُكَنَّى بِهِ بِالتَّصْرِيحِ ; فَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لِحَدِيثِ: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ» يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وَفِي بَعْضِهَا: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وَفِي بَعْضِهَا لِحَدِيثِ سَهْلٍ: " يَنْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وَفِي بَعْضِهَا: " قَالَ مَالِكٌ: يَنْمِي أَيْ: يَرْفَعُ الْحَدِيثَ ".
وَالِاصْطِلَاحُ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ مُوَافِقٌ لِلُّغَةِ، قَالَ أَهْلُهَا: نَمَيْتُ الْحَدِيثَ إِلَى غَيْرِي نَمْيًا، إِذَا أَسْنَدْتُهُ وَرَفَعْتُهُ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ: «وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ» دَلِيلٌ لِذَلِكَ، (فَانْتَبِهْ) لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا الِاصْطِلَاحُ عَنِ الْكِنَايَةِ بِهَا عَنِ الرَّفْعِ.
تَتِمَّةٌ: وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ: " عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْفَعُهُ "، وَهُوَ فِي حُكْمِ قَوْلِهِ: " عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: حَدِيثٌ حَسَنٌ [عِنْدَ الْبَزَّارِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ يَرْفَعُهُ] : «إِنَّ الْمُؤْمِنَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ كُلِّ خَيْرٍ، يَحْمَدُنِي وَأَنَا أَنْزِعُ نَفْسَهُ مِنْ بَيْنِ جَنْبَيْهِ» ، وَهَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْإِلَهِيَّةِ، وَقَدْ جَمَعَ مِنْهَا ابْنُ الْمُفَضَّلِ الْحَافِظُ طَائِفَةً، وَأَفْرَدَهَا غَيْرُهُ.
[الْفَرْعُ الرَّابِعُ] (وَ) الْفَرْعُ الرَّابِعُ، وَأُخِّرَ لِصُدُورِ أَلْفَاظِهِ مِمَّنْ دُونَ الصَّحَابِيِّ (قَوْلُهُمْ) أَيِ: التَّابِعِيُّ فَمَنْ دُونَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الصَّحَابِيِّ (يَرْفَعُهُ) أَوْ رَفَعَهُ أَوْ مَرْفُوعًا ; كَحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثٍ: شَرْبَةِ عَسَلٍ، وَشَرْطَةِ مِحْجَمٍ، وَكَيَّةِ نَارٍ، وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ» رَفَعَ الْحَدِيثَ.
وَكَذَا قَوْلُهُمْ: (يَبْلُغُ بِهْ) أَوْ (رِوِايَةً) أَوْ (يَرْوِيهِ) ; كَحَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَبْلُغْ بِهِ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ» وَبِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةَ «تُقَاتِلُونَ قَوْمًا صِغَارَ الْأَعْيُنِ» ، وَكَحَدِيثِ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رِوَايَةَ «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ» أَوْ (يَنْمِيهِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ، وَكَسْرِ الْمِيمِ ; كَحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ. قَالَ أَبُو حَازِمٍ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ يَنْمِي ذَلِكَ.
وَكَذَا قَوْلُهُمْ: يُسْنِدُهُ، أَوْ يَأْثِرُهُ، مِمَّا الْحَامِلُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْعُدُولِ عَنِ التَّصْرِيحِ بِالْإِضَافَةِ، إِمَّا الشَّكُّ فِي الصِّيغَةِ الَّتِي سُمِعَ بِهَا أَهِيَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ "، أَوْ " نَبِيُّ اللَّهِ " أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ ; كَسَمِعْتُ أَوْ حَدَّثَنِي، وَهُوَ مِمَّنْ لَا يَرَى الْإِبْدَالَ، كَمَا أَفَادَ حَاصِلَهُ الْمُنْذِرِيُّ، أَوْ طَلَبًا لِلتَّخْفِيفِ وَإِيثَارًا لِلِاخْتِصَارِ، أَوْ لِلشَّكِّ فِي ثُبُوتِهِ، كَمَا قَالَهُمَا شَيْخُنَا، أَوْ وَرَعًا ; حَيْثُ عَلِمَ أَنَّ الْمَرْوِيَّ بِالْمَعْنَى (رَفْعٌ) أَيْ: مَرْفُوعٌ بِلَا خِلَافٍ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ، وَاقْتَضَاهُ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ ; وَكُلُّ هَذَا وَأَمْثَالُهُ كِنَايَةٌ عَنْ رَفْعِ الصَّحَابِيِّ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَحُكْمُ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ صَرِيحًا. انْتَهَى.
وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَجِيءُ بَعْضِ الْمُكَنَّى بِهِ بِالتَّصْرِيحِ ; فَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لِحَدِيثِ: «الْفِطْرَةُ خَمْسٌ» يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وَفِي بَعْضِهَا: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وَفِي بَعْضِهَا لِحَدِيثِ سَهْلٍ: " يَنْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "، وَفِي بَعْضِهَا: " قَالَ مَالِكٌ: يَنْمِي أَيْ: يَرْفَعُ الْحَدِيثَ ".
وَالِاصْطِلَاحُ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ مُوَافِقٌ لِلُّغَةِ، قَالَ أَهْلُهَا: نَمَيْتُ الْحَدِيثَ إِلَى غَيْرِي نَمْيًا، إِذَا أَسْنَدْتُهُ وَرَفَعْتُهُ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ: «وَأَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ» دَلِيلٌ لِذَلِكَ، (فَانْتَبِهْ) لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا الِاصْطِلَاحُ عَنِ الْكِنَايَةِ بِهَا عَنِ الرَّفْعِ.
تَتِمَّةٌ: وَقَعَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ قَوْلُ الصَّحَابِيِّ: " عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَرْفَعُهُ "، وَهُوَ فِي حُكْمِ قَوْلِهِ: " عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: حَدِيثٌ حَسَنٌ [عِنْدَ الْبَزَّارِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ يَرْفَعُهُ] : «إِنَّ الْمُؤْمِنَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ كُلِّ خَيْرٍ، يَحْمَدُنِي وَأَنَا أَنْزِعُ نَفْسَهُ مِنْ بَيْنِ جَنْبَيْهِ» ، وَهَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الْإِلَهِيَّةِ، وَقَدْ جَمَعَ مِنْهَا ابْنُ الْمُفَضَّلِ الْحَافِظُ طَائِفَةً، وَأَفْرَدَهَا غَيْرُهُ.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
[الْفَرْعُ الْخَامِسُ وَاحِدٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ عَنْ تَابِعٍ مِنَ التَّابِعِينَ]
[الْفَرْعُ الْخَامِسُ وَاحِدٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ عَنْ تَابِعٍ مِنَ التَّابِعِينَ]
[الْفَرْعُ الْخَامِسُ] (وَإِنْ يَقُلْ) وَاحِدٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ مِنْ رَاوٍ (عَنْ تَابِعٍ) مِنَ التَّابِعِينَ، وَهُوَ الْفَرْعُ الْخَامِسُ، وَقُدِّمَ عَلَى مَا بَعْدَهُ ; لِاشْتِرَاكِهِ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ فِي أَكْثَرِ صِيَغِهِ، وَتَوَالَى كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ (فَمُرْسَلُ) مَرْفُوعٌ بِلَا خِلَافٍ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: جَزْمًا.
(قُلْتُ) : وَ (مِنَ السُّنَّةِ) كَذَا (عَنْهُ) أَيْ: عَنِ التَّابِعِيِّ ; كَقَوْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ التَّابِعِيِّ: «السُّنَّةُ تَكْبِيرُ الْإِمَامِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى، حِينَ يَجْلِسُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ» (نَقَلُوا تَصْحِيحَ وَقْفِهِ) عَلَى الصَّحَابِيِّ مِنَ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَاهُمَا النَّوَوِيُّ فِي شُرُوحِهِ لِمُسْلِمٍ، وَالْمُهَذَّبِ، وَالْوَسِيطِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، أَهْوَ مَوْقُوفٌ مُتَّصِلٌ أَوْ مَرْفُوعٌ مُرْسَلٌ؟ وَهُوَ مِمَّنْ صَحَّحَ أَيْضًا أَوَّلَهُمَا.
وَحِينَئِذٍ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا مِنْ صِيَغِ هَذَا الْفَرْعِ ; حَيْثُ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِيهِمَا بِأَنْ " يَرْفَعَ الْحَدِيثَ " تَصْرِيحٌ بِالرَّفْعِ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا ذُكِرَ مَعَهَا بِخِلَافٍ " مِنَ السُّنَّةِ "، فَيَطْرُقُهَا احْتِمَالُ إِرَادَةِ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ.
فَكَثِيرًا مَا يُعَبِّرُونَ بِهَا فِيمَا يُضَافُ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ يُرِيدُونَ سُنَّةَ الْبَلَدِ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ وَإِنْ قِيلَ بِهِ فِي الصَّحَابِيِّ فَهُوَ فِي التَّابِعِيِّ أَقْوَى ; وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، كَمَا افْتَرَقَ فِيمَا تَقَرَّرَ مِنَ التَّابِعِيِّ نَفْسِهِ.
نَعَمْ أَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالصَّحَابَةِ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فِي " مِنَ السُّنَّةِ "، فَرَوَى فِي الْأُمِّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: سُئِلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ
الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهُ، قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: فَقُلْتُ: سُنَّةٌ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: سُنَّةٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالَّذِي يُشْبِهُ قَوْلَ سَعِيدٍ: سُنَّةٌ، أَنْ يَكُونَ أَرَادَ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: إِذَا قَالَ سَعِيدٌ: " مَضَتِ السُّنَّةُ "، فَحَسْبُكَ بِهِ. وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنَ التَّابِعِينَ كَالْمُرْسَلِ، عَلَى مَا سَيَأْتِي.
أَمَّا إِذَا جَاءَ عَنِ التَّابِعِيِّ: " كُنَّا نَفْعَلُ "، فَلَيْسَ بِمَرْفُوعٍ قَطْعًا وَلَا بِمَوْقُوفٍ إِنْ لَمْ يُضِفْهُ لِزَمَنِ الصَّحَابَةِ، بَلْ مَقْطُوعٌ، فَإِنْ أَضَافَهُ احْتَمَلَ الْوَقْفَ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ اطِّلَاعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَتَقْرِيرُهُمْ لَهُ، وَيَحْتَمِلُ عَدَمَهُ ; لِأَنَّ تَقْرِيرَ الصَّحَابِيِّ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ، بِخِلَافِ تَقْرِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(وَذُو احْتِمَالِ) لِلْإِرْسَالِ وَالْوَقْفِ (نَحْوُ أُمِرْنَا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، بِكَذَا، إِذَا أَتَى (مِنْهُ) أَيْ: مِنَ التَّابِعِيِّ (لِلْغَزَالِيِّ) فِي الْمُسْتَصْفَى ; فَإِنَّهُ قَالَ: إِذَا قَالَ التَّابِعِيُّ: " أُمِرْنَا بِكَذَا " يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَمْرَ الشَّارِعِ، أَوْ أَمْرَ كُلِّ الْأُمَّةِ، فَيَكُونُ حُجَّةً، أَوْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَلَا، وَمِنْ ذَلِكَ يَنْشَأُ احْتِمَالَا الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ.
وَلَكِنَّ قَوْلَهُ: " فَيَكُونُ حُجَّةً " كَأَنَّهُ يُرِيدُ فِي الْجُمْلَةِ، إِنْ شَمِلَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ مُرْسَلٌ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِتَرْجِيحِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ إِرَادَةِ الرَّفْعِ أَوِ الْإِجْمَاعِ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: " فَلَا " لَكِنْ لَا يَلِيقُ بِالْعَالِمِ أَنْ يُطْلِقَ ذَلِكَ، إِلَّا وَهُوَ يُرِيدُ مَنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ.
وَجَزَمَ أَبُو نَصْرِ بْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ " فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَحَكَى فِي سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ هَلْ يَكُونُ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْ ذَلِكَ حُجَّةً وَجْهَيْنِ.
وَأَمَّا إِذَا قَالَ التَّابِعِيُّ: " كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَا " فَلَا يَدُلُّ - كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ - عَلَى فِعْلِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ، بَلْ عَلَى الْبَعْضِ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يُصَرِّحَ
بِنَقْلِهِ عَنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ، فَيَكُونُ نَقْلًا لِلْإِجْمَاعِ، وَفِي ثُبُوتِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ خِلَافٌ، وَالَّذِي قَالَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ - وَهُوَ اخْتِيَارُ الرَّازِيِّ - إِلَى ثُبُوتِهِ، وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَالَ: وَلَيْسَ آكَدَ مِنْ سُنَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ تَثْبُتُ بِهِ، قَالَ: وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ أَمْ لَا، أَمَّا إِذَا قَالَ: لَا أَعْرِفُ بَيْنَهُمْ فِيهِ خِلَافًا، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا ; فَأَثْبَتَ الْإِجْمَاعَ بِهِ قَوْمٌ، وَنَفَاهُ آخَرُونَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَلَا مِمَّنْ أَحَاطَ عِلْمًا بِالْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ - لَمْ يَثْبُتِ الْإِجْمَاعُ بِقَوْلِهِ.
[الْفَرْعُ الْخَامِسُ] (وَإِنْ يَقُلْ) وَاحِدٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ مِنْ رَاوٍ (عَنْ تَابِعٍ) مِنَ التَّابِعِينَ، وَهُوَ الْفَرْعُ الْخَامِسُ، وَقُدِّمَ عَلَى مَا بَعْدَهُ ; لِاشْتِرَاكِهِ مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ فِي أَكْثَرِ صِيَغِهِ، وَتَوَالَى كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ (فَمُرْسَلُ) مَرْفُوعٌ بِلَا خِلَافٍ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: جَزْمًا.
(قُلْتُ) : وَ (مِنَ السُّنَّةِ) كَذَا (عَنْهُ) أَيْ: عَنِ التَّابِعِيِّ ; كَقَوْلِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ التَّابِعِيِّ: «السُّنَّةُ تَكْبِيرُ الْإِمَامِ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى، حِينَ يَجْلِسُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ» (نَقَلُوا تَصْحِيحَ وَقْفِهِ) عَلَى الصَّحَابِيِّ مِنَ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ حَكَاهُمَا النَّوَوِيُّ فِي شُرُوحِهِ لِمُسْلِمٍ، وَالْمُهَذَّبِ، وَالْوَسِيطِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، أَهْوَ مَوْقُوفٌ مُتَّصِلٌ أَوْ مَرْفُوعٌ مُرْسَلٌ؟ وَهُوَ مِمَّنْ صَحَّحَ أَيْضًا أَوَّلَهُمَا.
وَحِينَئِذٍ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا مِنْ صِيَغِ هَذَا الْفَرْعِ ; حَيْثُ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِيهِمَا بِأَنْ " يَرْفَعَ الْحَدِيثَ " تَصْرِيحٌ بِالرَّفْعِ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا ذُكِرَ مَعَهَا بِخِلَافٍ " مِنَ السُّنَّةِ "، فَيَطْرُقُهَا احْتِمَالُ إِرَادَةِ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ.
فَكَثِيرًا مَا يُعَبِّرُونَ بِهَا فِيمَا يُضَافُ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ يُرِيدُونَ سُنَّةَ الْبَلَدِ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ وَإِنْ قِيلَ بِهِ فِي الصَّحَابِيِّ فَهُوَ فِي التَّابِعِيِّ أَقْوَى ; وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، كَمَا افْتَرَقَ فِيمَا تَقَرَّرَ مِنَ التَّابِعِيِّ نَفْسِهِ.
نَعَمْ أَلْحَقَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالصَّحَابَةِ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فِي " مِنَ السُّنَّةِ "، فَرَوَى فِي الْأُمِّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ: سُئِلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ
الرَّجُلِ لَا يَجِدُ مَا يُنْفِقُ عَلَى امْرَأَتِهُ، قَالَ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا. قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: فَقُلْتُ: سُنَّةٌ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ: سُنَّةٌ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالَّذِي يُشْبِهُ قَوْلَ سَعِيدٍ: سُنَّةٌ، أَنْ يَكُونَ أَرَادَ سُنَّةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَكَذَا قَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: إِذَا قَالَ سَعِيدٌ: " مَضَتِ السُّنَّةُ "، فَحَسْبُكَ بِهِ. وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنَ التَّابِعِينَ كَالْمُرْسَلِ، عَلَى مَا سَيَأْتِي.
أَمَّا إِذَا جَاءَ عَنِ التَّابِعِيِّ: " كُنَّا نَفْعَلُ "، فَلَيْسَ بِمَرْفُوعٍ قَطْعًا وَلَا بِمَوْقُوفٍ إِنْ لَمْ يُضِفْهُ لِزَمَنِ الصَّحَابَةِ، بَلْ مَقْطُوعٌ، فَإِنْ أَضَافَهُ احْتَمَلَ الْوَقْفَ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ اطِّلَاعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَتَقْرِيرُهُمْ لَهُ، وَيَحْتَمِلُ عَدَمَهُ ; لِأَنَّ تَقْرِيرَ الصَّحَابِيِّ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ، بِخِلَافِ تَقْرِيرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(وَذُو احْتِمَالِ) لِلْإِرْسَالِ وَالْوَقْفِ (نَحْوُ أُمِرْنَا) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، بِكَذَا، إِذَا أَتَى (مِنْهُ) أَيْ: مِنَ التَّابِعِيِّ (لِلْغَزَالِيِّ) فِي الْمُسْتَصْفَى ; فَإِنَّهُ قَالَ: إِذَا قَالَ التَّابِعِيُّ: " أُمِرْنَا بِكَذَا " يَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَمْرَ الشَّارِعِ، أَوْ أَمْرَ كُلِّ الْأُمَّةِ، فَيَكُونُ حُجَّةً، أَوْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَلَا، وَمِنْ ذَلِكَ يَنْشَأُ احْتِمَالَا الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ.
وَلَكِنَّ قَوْلَهُ: " فَيَكُونُ حُجَّةً " كَأَنَّهُ يُرِيدُ فِي الْجُمْلَةِ، إِنْ شَمِلَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ مُرْسَلٌ، ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِتَرْجِيحِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ تَرْجِيحُ إِرَادَةِ الرَّفْعِ أَوِ الْإِجْمَاعِ ; وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: " فَلَا " لَكِنْ لَا يَلِيقُ بِالْعَالِمِ أَنْ يُطْلِقَ ذَلِكَ، إِلَّا وَهُوَ يُرِيدُ مَنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ.
وَجَزَمَ أَبُو نَصْرِ بْنُ الصَّبَّاغِ فِي " الْعُدَّةِ " فِي أُصُولِ الْفِقْهِ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَحَكَى فِي سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ هَلْ يَكُونُ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْ ذَلِكَ حُجَّةً وَجْهَيْنِ.
وَأَمَّا إِذَا قَالَ التَّابِعِيُّ: " كَانُوا يَفْعَلُونَ كَذَا " فَلَا يَدُلُّ - كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ - عَلَى فِعْلِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ، بَلْ عَلَى الْبَعْضِ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يُصَرِّحَ
بِنَقْلِهِ عَنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ، فَيَكُونُ نَقْلًا لِلْإِجْمَاعِ، وَفِي ثُبُوتِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ خِلَافٌ، وَالَّذِي قَالَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ - وَهُوَ اخْتِيَارُ الرَّازِيِّ - إِلَى ثُبُوتِهِ، وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَقَالَ: وَلَيْسَ آكَدَ مِنْ سُنَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ تَثْبُتُ بِهِ، قَالَ: وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ أَمْ لَا، أَمَّا إِذَا قَالَ: لَا أَعْرِفُ بَيْنَهُمْ فِيهِ خِلَافًا، فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا ; فَأَثْبَتَ الْإِجْمَاعَ بِهِ قَوْمٌ، وَنَفَاهُ آخَرُونَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَلَا مِمَّنْ أَحَاطَ عِلْمًا بِالْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ - لَمْ يَثْبُتِ الْإِجْمَاعُ بِقَوْلِهِ.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
[الْفَرْعُ السَّادِسُ مَا أَتَى عَنْ الصحابي مَوْقُوفًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ]
[الْفَرْعُ السَّادِسُ مَا أَتَى عَنْ الصحابي مَوْقُوفًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ]
[الْفَرْعُ السَّادِسُ] (وَ) الْفَرْعُ السَّادِسُ، وَأُخِّرَ هُوَ وَالَّذِي بَعْدَهُ ; لِأَنَّهُمَا مِنَ الزِّيَادَاتِ (مَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ) مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ.
(بِحَيْثُ لَا يُقَالُ رَأْيًا) أَيْ: مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ (حُكْمُهُ الرَّفْعُ) تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالصَّحَابِيِّ (عَلَى مَا قَالَ) الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ فِي الْمَحْصُولِ، نَحْوُ: «مَنْ أَتَى سَاحِرًا أَوْ عَرَّافًا، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . الْمَرْوِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ (فَالْحَاكِمُ الرَّفْعَ لِهَذَا) أَيْضًا (أَثْبَتَا) حَيْثُ تَرْجَمَ عَلَيْهِ فِي " عُلُومِهِ " مَعْرِفَةَ الْمَسَانِيدِ الَّتِي لَا يُذْكَرُ سَنَدُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَأَدْخَلَ مَعَهُ فِي التَّرْجَمَةِ: " كُنَّا نَفْعَلُ "، وَ " كَانَ يُقَالُ " وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا مَضَى. بَلْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِجْمَاعَهُمْ عَلَى أَنَّ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ - وَقَدْ رَأَى رَجُلًا خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ -:
أَمَّا هَذَا، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مُسْنَدٌ.
وَأَدْخَلَ فِي كِتَابِهِ (التَّقَصِّي) الْمَوْضُوعَ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ مِنَ الْمَرْفُوعِ، عِدَّةَ أَحَادِيثَ ذَكَرَهَا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَوْقُوفَةً، مِنْهَا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ.
وَصَرَّحَ فِي التَّمْهِيدِ بِأَنَّهُ لَا يُقَالُ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: قَدْ يَحْكِي الصَّحَابِيُّ قَوْلًا يُوقِفُهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَيُخْرِجُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي الْمُسْنَدِ ; لِامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ الصَّحَابِيُّ قَالَهُ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ ; كَحَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ» ، فَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْنَدِ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي " الْقَبَسِ ": إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ قَوْلًا لَا يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ، فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَالْمُسْنَدِ. انْتَهَى.
وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنَ احْتِجَاجِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَدِيدِ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: «فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ» . حَيْثُ أَعْطَاهُ حُكْمَ الْمَرْفُوعِ ; لِكَوْنِهِ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ، وَإِلَّا فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ: «وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَقَوْلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: «مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
لَكِنْ قَدْ جَوَّزَ شَيْخُنَا فِي ذَلِكَ وَمَا يُشْبِهُهُ احْتِمَالَ إِحَالَةِ الْإِثْمِ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنَ الْقَوَاعِدِ، بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ; أَمَّا السَّاحِرُ: فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [الْبَقَرَةِ: 102] .
وَأَمَّا الْعَرَّافُ، وَهُوَ الْمُنَجِّمُ: فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النَّمْلِ: 65] .
قَالَ شَيْخُنَا: (لَكِنَّ الْأَوَّلَ - يَعْنِي الْحُكْمَ لَهَا بِالرَّفْعِ - أَظْهَرُ) . انْتَهَى.
عَلَى أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ - وَإِنْ جَاءَ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْهُ بِصُورَةِ الْمَوْقُوفِ - فَقَدْ جَاءَ مِنْ بَعْضِهَا بِالتَّصْرِيحِ بِالرَّفْعِ، وَمِنَ الْأَدِلَّةِ لِلْأَظْهَرِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَدَّثَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ بِحَدِيثِ: " فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ "، فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ: (أَأَنْتَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُهُ؟) فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَفَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟ ! أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي: " الْجِنِّ " مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ صَحِيحِهِ.
قَالَ شَيْخُنَا: فِيهِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَنَّ الصَّحَابِيَّ الَّذِي يَكُونُ كَذَلِكَ إِذَا أَخْبَرَ بِمَا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ فِيهِ، يَكُونُ لِلْحَدِيثِ حُكْمُ الرَّفْعِ. انْتَهَى.
وَهَذَا يَقْتَضِي تَقْيِيدَ الْحُكْمِ بِالرَّفْعِ ; لِصُدُورِهِ عَمَّنْ لَمْ يَأْخُذْ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ،
وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ; فَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ تَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ الْمَاضِيَةِ مَا نَصُّهُ: إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَ الصَّحَابِيُّ الْمُفَسِّرُ مِمَّنْ عُرِفَ بِالنَّظَرِ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ ; كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَغَيْرِهِ مِنْ مُسْلِمَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَكَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ; فَإِنَّهُ كَانَ حَصَلَ لَهُ فِي وَقْعَةِ الْيَرْمُوكِ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ ; فَكَانَ يُخْبِرُ بِمَا فِيهَا مِنَ الْأُمُورِ الْمُغَيَّبَةِ، حَتَّى كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ رُبَّمَا قَالَ لَهُ: حَدِّثْنَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا تُحَدِّثْنَا عَنِ الصَّحِيفَةِ.
فَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ حُكْمُ مَا يُخْبِرُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ النَّقْلِيَّةِ الرَّفْعَ ; لِقُوَّةِ الِاحْتِمَالِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَجْوِيزِهِ السَّابِقِ ; لِكَوْنِ الْأَظْهَرِ - كَمَا قَالَ - خِلَافَهُ.
وَسَبَقَهُ شَيْخُهُ الشَّارِحُ لِهَذَا التَّقْيِيدِ ; فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ أَنَّ كَثِيرًا مَا يُشَنِّعُ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى عَلَى الْقَائِلِينَ بِالرَّفْعِ، يَعْنِي فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، قَالَ مَا مُلَخَّصُهُ: وَلِإِنْكَارِهِ وَجْهٌ، فَإِنَّهُ - وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ - يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الصَّحَابِيُّ سَمِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ; كَكَعْبِ الْأَحْبَارِ حِينَ سَمِعَ مِنْهُ الْعَبَادِلَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ» .
قُلْتُ: وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ يَبْعُدُ أَنَّ الصَّحَابِيَّ الْمُتَّصِفَ بِالْأَخْذِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يُسَوِّغُ حِكَايَةَ شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهَا مُسْتَنِدًا لِذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ مَعَ [الْعَنْكَبُوتِ: 51] الَّتِي جَنَحَ الْبُخَارِيُّ إِلَى تَبْيِينِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» بِهَا وَ] عِلْمُهُ بِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ ; بِحَيْثُ سَمَّى ابْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ صَحِيفَتَهُ النَّبَوِيَّةَ الصَّادِقَةَ، احْتِرَازًا عَنِ
الصَّحِيفَةِ الْيَرْمُوكِيَّةِ.
وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ - حِينَ سَأَلَ أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيَّ: كَيْفَ تَجِدُ قَوْمَكَ لَكَ؟ قَالَ: مُكْرِمِينَ - مَا نَصُّهُ: مَا صَدَّقَتْنِي التَّوْرَاةُ ; لِأَنَّ فِيهَا: إِذَا مَا كَانَ رَجُلٌ حَكِيمٌ فِي قَوْمٍ إِلَّا بَغَوْا عَلَيْهِ وَحَسَدُوهُ.
وَكَوْنُهُ فِي مَقَامِ تَبْيِينِ الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي " أُمِرْنَا وَنُهِينَا وَكُنَّا نَفْعَلُ " وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَحَاشَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ، خُصُوصًا وَقَدْ مَنَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَعْبًا مِنَ الْحَدِيثِ بِذَلِكَ، قَائِلًا لَهُ: لَتَتْرُكَنَّهُ، أَوْ لَأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ الْقِرَدَةِ.
وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَنْعُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَهُ وَلَوْ وَافَقَ كِتَابَنَا، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى ذَلِكَ، وَكَذَا نَهَى عَنْ مِثْلِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، بَلِ امْتَنَعَتْ عَائِشَةُ مِنْ قَبُولِ هَدِيِّةِ رَجُلٍ، مُعَلِّلَةً الْمَنْعَ بِكَوْنِهِ يَنْعَتُ الْكُتُبَ الْأُوَلَ.
[قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: قُلْتُ لِلْأَعْمَشِ: مَا لَهُمْ يَنْفُونَ تَفْسِيرَ مُجَاهِدٍ؟ قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ يَسْأَلُ أَهْلَ الْكِتَابِ] وَلَا يُنَافِيهِ: «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ» ; فَهُوَ خَاصٌّ بِمَا وَقَعَ فِيهِمْ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْأَخْبَارِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْهُمْ ; لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْعِبْرَةِ وَالْعِظَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ
تِلْوَهُ فِي رِوَايَةٍ: «فَإِنَّهُ كَانَتْ فِيهِمُ الْأَعَاجِيبُ» .
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا: هَذَا دَالٌّ عَلَى سَمَاعِهِ لِلْفُرْجَةِ لَا لِلْحُجَّةِ، كَمَا بَسَطْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَاضِحًا فِي كِتَابِي " الْأَصْلُ الْأَصِيلُ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِ النَّقْلِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ".
إِذْ عُلِمَ هَذَا، فَقَدْ أَلْحَقَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِالصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ مَا يَجِيءُ عَنِ التَّابِعِينَ أَيْضًا، مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ ; فَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ، وَادَّعَى أَنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ، قَالَ: وَلِهَذَا أَدْخَلَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: «صَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ خَلْفَ الْمُصَلِّي» . انْتَهَى.
وَقَدْ يَكُونُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ اخْتَصَّ بِذَلِكَ عَنِ التَّابِعِينَ، كَمَا اخْتَصَّ دُونَهُمْ بِالْحُكْمِ فِي قَوْلِهِ: " مِنَ السُّنَّةِ وَأُمِرْنَا "، وَالِاحْتِجَاجِ بِمَرَاسِيلِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أَمَاكِنِهِ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ هُنَا التَّعْمِيمُ، وَبِهَذَا الْحُكْمِ أُجِيبَ مَنِ اعْتَرَضَ فِي إِدْخَالِ الْمَقْطُوعِ وَالْمَوْقُوفِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ، كَمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي الْمَقْطُوعِ.
[الْفَرْعُ السَّادِسُ] (وَ) الْفَرْعُ السَّادِسُ، وَأُخِّرَ هُوَ وَالَّذِي بَعْدَهُ ; لِأَنَّهُمَا مِنَ الزِّيَادَاتِ (مَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ) مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ.
(بِحَيْثُ لَا يُقَالُ رَأْيًا) أَيْ: مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ (حُكْمُهُ الرَّفْعُ) تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالصَّحَابِيِّ (عَلَى مَا قَالَ) الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ فِي الْمَحْصُولِ، نَحْوُ: «مَنْ أَتَى سَاحِرًا أَوْ عَرَّافًا، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . الْمَرْوِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ (فَالْحَاكِمُ الرَّفْعَ لِهَذَا) أَيْضًا (أَثْبَتَا) حَيْثُ تَرْجَمَ عَلَيْهِ فِي " عُلُومِهِ " مَعْرِفَةَ الْمَسَانِيدِ الَّتِي لَا يُذْكَرُ سَنَدُهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَأَدْخَلَ مَعَهُ فِي التَّرْجَمَةِ: " كُنَّا نَفْعَلُ "، وَ " كَانَ يُقَالُ " وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا مَضَى. بَلْ حَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِجْمَاعَهُمْ عَلَى أَنَّ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ - وَقَدْ رَأَى رَجُلًا خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ -:
أَمَّا هَذَا، فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مُسْنَدٌ.
وَأَدْخَلَ فِي كِتَابِهِ (التَّقَصِّي) الْمَوْضُوعَ لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ مِنَ الْمَرْفُوعِ، عِدَّةَ أَحَادِيثَ ذَكَرَهَا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَوْقُوفَةً، مِنْهَا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ.
وَصَرَّحَ فِي التَّمْهِيدِ بِأَنَّهُ لَا يُقَالُ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ. وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ: قَدْ يَحْكِي الصَّحَابِيُّ قَوْلًا يُوقِفُهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَيُخْرِجُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي الْمُسْنَدِ ; لِامْتِنَاعِ أَنْ يَكُونَ الصَّحَابِيُّ قَالَهُ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ ; كَحَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ» ، فَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْنَدِ.
وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي " الْقَبَسِ ": إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ قَوْلًا لَا يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ، فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَالْمُسْنَدِ. انْتَهَى.
وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنَ احْتِجَاجِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَدِيدِ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: «فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ» . حَيْثُ أَعْطَاهُ حُكْمَ الْمَرْفُوعِ ; لِكَوْنِهِ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ، وَإِلَّا فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ: «وَمَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ، فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وَقَوْلُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: «مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» .
لَكِنْ قَدْ جَوَّزَ شَيْخُنَا فِي ذَلِكَ وَمَا يُشْبِهُهُ احْتِمَالَ إِحَالَةِ الْإِثْمِ عَلَى مَا ظَهَرَ مِنَ الْقَوَاعِدِ، بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ; أَمَّا السَّاحِرُ: فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [الْبَقَرَةِ: 102] .
وَأَمَّا الْعَرَّافُ، وَهُوَ الْمُنَجِّمُ: فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النَّمْلِ: 65] .
قَالَ شَيْخُنَا: (لَكِنَّ الْأَوَّلَ - يَعْنِي الْحُكْمَ لَهَا بِالرَّفْعِ - أَظْهَرُ) . انْتَهَى.
عَلَى أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ - وَإِنْ جَاءَ مِنْ أَوْجُهٍ عَنْهُ بِصُورَةِ الْمَوْقُوفِ - فَقَدْ جَاءَ مِنْ بَعْضِهَا بِالتَّصْرِيحِ بِالرَّفْعِ، وَمِنَ الْأَدِلَّةِ لِلْأَظْهَرِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَدَّثَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ بِحَدِيثِ: " فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَا يُدْرَى مَا فَعَلَتْ "، فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ: (أَأَنْتَ سَمِعْتَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُهُ؟) فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِرَارًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَفَأَقْرَأُ التَّوْرَاةَ؟ ! أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي: " الْجِنِّ " مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ صَحِيحِهِ.
قَالَ شَيْخُنَا: فِيهِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَنَّ الصَّحَابِيَّ الَّذِي يَكُونُ كَذَلِكَ إِذَا أَخْبَرَ بِمَا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ فِيهِ، يَكُونُ لِلْحَدِيثِ حُكْمُ الرَّفْعِ. انْتَهَى.
وَهَذَا يَقْتَضِي تَقْيِيدَ الْحُكْمِ بِالرَّفْعِ ; لِصُدُورِهِ عَمَّنْ لَمْ يَأْخُذْ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ،
وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ ; فَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ تَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ الْمَاضِيَةِ مَا نَصُّهُ: إِلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَ الصَّحَابِيُّ الْمُفَسِّرُ مِمَّنْ عُرِفَ بِالنَّظَرِ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ ; كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَغَيْرِهِ مِنْ مُسْلِمَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَكَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ; فَإِنَّهُ كَانَ حَصَلَ لَهُ فِي وَقْعَةِ الْيَرْمُوكِ كُتُبٌ كَثِيرَةٌ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ ; فَكَانَ يُخْبِرُ بِمَا فِيهَا مِنَ الْأُمُورِ الْمُغَيَّبَةِ، حَتَّى كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ رُبَّمَا قَالَ لَهُ: حَدِّثْنَا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا تُحَدِّثْنَا عَنِ الصَّحِيفَةِ.
فَمِثْلُ هَذَا لَا يَكُونُ حُكْمُ مَا يُخْبِرُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ النَّقْلِيَّةِ الرَّفْعَ ; لِقُوَّةِ الِاحْتِمَالِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَجْوِيزِهِ السَّابِقِ ; لِكَوْنِ الْأَظْهَرِ - كَمَا قَالَ - خِلَافَهُ.
وَسَبَقَهُ شَيْخُهُ الشَّارِحُ لِهَذَا التَّقْيِيدِ ; فَإِنَّهُ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ أَنَّ كَثِيرًا مَا يُشَنِّعُ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى عَلَى الْقَائِلِينَ بِالرَّفْعِ، يَعْنِي فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، قَالَ مَا مُلَخَّصُهُ: وَلِإِنْكَارِهِ وَجْهٌ، فَإِنَّهُ - وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ - يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الصَّحَابِيُّ سَمِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ; كَكَعْبِ الْأَحْبَارِ حِينَ سَمِعَ مِنْهُ الْعَبَادِلَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ، مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ» .
قُلْتُ: وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ يَبْعُدُ أَنَّ الصَّحَابِيَّ الْمُتَّصِفَ بِالْأَخْذِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يُسَوِّغُ حِكَايَةَ شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهَا مُسْتَنِدًا لِذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ مَعَ [الْعَنْكَبُوتِ: 51] الَّتِي جَنَحَ الْبُخَارِيُّ إِلَى تَبْيِينِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» بِهَا وَ] عِلْمُهُ بِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ ; بِحَيْثُ سَمَّى ابْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ صَحِيفَتَهُ النَّبَوِيَّةَ الصَّادِقَةَ، احْتِرَازًا عَنِ
الصَّحِيفَةِ الْيَرْمُوكِيَّةِ.
وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ - حِينَ سَأَلَ أَبَا مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيَّ: كَيْفَ تَجِدُ قَوْمَكَ لَكَ؟ قَالَ: مُكْرِمِينَ - مَا نَصُّهُ: مَا صَدَّقَتْنِي التَّوْرَاةُ ; لِأَنَّ فِيهَا: إِذَا مَا كَانَ رَجُلٌ حَكِيمٌ فِي قَوْمٍ إِلَّا بَغَوْا عَلَيْهِ وَحَسَدُوهُ.
وَكَوْنُهُ فِي مَقَامِ تَبْيِينِ الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ كَمَا قِيلَ بِهِ فِي " أُمِرْنَا وَنُهِينَا وَكُنَّا نَفْعَلُ " وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَحَاشَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ، خُصُوصًا وَقَدْ مَنَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَعْبًا مِنَ الْحَدِيثِ بِذَلِكَ، قَائِلًا لَهُ: لَتَتْرُكَنَّهُ، أَوْ لَأُلْحِقَنَّكَ بِأَرْضِ الْقِرَدَةِ.
وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَنْعُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَهُ وَلَوْ وَافَقَ كِتَابَنَا، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى ذَلِكَ، وَكَذَا نَهَى عَنْ مِثْلِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ، بَلِ امْتَنَعَتْ عَائِشَةُ مِنْ قَبُولِ هَدِيِّةِ رَجُلٍ، مُعَلِّلَةً الْمَنْعَ بِكَوْنِهِ يَنْعَتُ الْكُتُبَ الْأُوَلَ.
[قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: قُلْتُ لِلْأَعْمَشِ: مَا لَهُمْ يَنْفُونَ تَفْسِيرَ مُجَاهِدٍ؟ قَالَ: كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ يَسْأَلُ أَهْلَ الْكِتَابِ] وَلَا يُنَافِيهِ: «حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ» ; فَهُوَ خَاصٌّ بِمَا وَقَعَ فِيهِمْ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْأَخْبَارِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْهُمْ ; لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْعِبْرَةِ وَالْعِظَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ
تِلْوَهُ فِي رِوَايَةٍ: «فَإِنَّهُ كَانَتْ فِيهِمُ الْأَعَاجِيبُ» .
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا: هَذَا دَالٌّ عَلَى سَمَاعِهِ لِلْفُرْجَةِ لَا لِلْحُجَّةِ، كَمَا بَسَطْتُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَاضِحًا فِي كِتَابِي " الْأَصْلُ الْأَصِيلُ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِ النَّقْلِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ".
إِذْ عُلِمَ هَذَا، فَقَدْ أَلْحَقَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِالصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ مَا يَجِيءُ عَنِ التَّابِعِينَ أَيْضًا، مِمَّا لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ ; فَنَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ، وَادَّعَى أَنَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ، قَالَ: وَلِهَذَا أَدْخَلَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: «صَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ خَلْفَ الْمُصَلِّي» . انْتَهَى.
وَقَدْ يَكُونُ ابْنُ الْمُسَيَّبِ اخْتَصَّ بِذَلِكَ عَنِ التَّابِعِينَ، كَمَا اخْتَصَّ دُونَهُمْ بِالْحُكْمِ فِي قَوْلِهِ: " مِنَ السُّنَّةِ وَأُمِرْنَا "، وَالِاحْتِجَاجِ بِمَرَاسِيلِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أَمَاكِنِهِ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ هُنَا التَّعْمِيمُ، وَبِهَذَا الْحُكْمِ أُجِيبَ مَنِ اعْتَرَضَ فِي إِدْخَالِ الْمَقْطُوعِ وَالْمَوْقُوفِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ، كَمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي الْمَقْطُوعِ.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
[الْفَرْعُ السَّابِعُ تكرير القول بعد ذكر الصحابي قال قال]
[الْفَرْعُ السَّابِعُ تكرير القول بعد ذكر الصحابي قال قال]
[وَالْفَرْعُ السَّابِعُ] (وَ) الْفَرْعُ السَّابِعُ (مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ) بِكَسْرِ تَاءِ التَّأْنِيثِ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (مُحَمَّدٌ) أَيِ: ابْنُ سِيرِينَ (وَ) رَوَاهُ (عَنْهُ) أَيْ: عَنِ ابْنِ سِيرِينَ (أَهْلُ الْبَصْرَةِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، (وَكَرَّرَ) أَيِ: ابْنُ سِيرِينَ أَوِ الرَّاوِي مِنَ الْبَصْرِيِّينَ عَنْهُ (قَالَ بَعْدَ) أَيْ: بَعْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ ; بِأَنْ قَالَ بَعْدَهُ: " قَالَ: قَالَ " بِحَذْفِ فَاعِلِ " قَالَ " الثَّانِي.
مِثَالُهُ مَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ مِنْ طَرِيقِ دَعْلَجٍ، ثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ هُوَ الْحَمَّالُ، بِحَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: «الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ، مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ» .
وَقَدْ رَوَاهُ كَذَلِكَ النَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنِ أَيُّوبَ، وَمِنْ
حَدِيثِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ سِيرِينَ (فَالْخَطِيبُ رَوَى) عَنْ مُوسَى الْمَذْكُورِ (بِهِ) أَيْ: فِي الْآتِي كَذَلِكَ (الرَّفْعَ) ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِذَا قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَالْبَصْرِيُّونَ: قَالَ: قَالَ، فَهُوَ مَرْفُوعٌ.
وَقَالَ الْخَطِيبُ عَقِبَهُ: قُلْتُ لِلْبَرْقَانِيِّ: أَحْسَبُ أَنَّ مُوسَى عَنَى بِهَذَا الْقَوْلِ أَحَادِيثَ ابْنِ سِيرِينَ خَاصَّةً، فَقَالَ: كَذَا يَجِبُ.
قَالَ الْخَطِيبُ: وَيُحَقِّقُهُ وَسَاقَ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: كُلُّ شَيْءٍ حَدَّثْتُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ مَرْفُوعٌ، وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ (صَحِيحِهِ) ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا حَمَّادٌ بِهِ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: أَسْلَمُ، وَغِفَارُ، وَشَيْءٌ مِنْ مُزَيْنَةَ. . . الْحَدِيثَ.
وَرَوَى غَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» .
(وَذَا) أَيِ: الْحُكْمُ بِالرَّفْعِ فِيمَا يَأْتِي عَنِ ابْنِ سِيرِينَ بِتَكْرِيرِ " قَالَ " خَاصَّةً - (عَجِيبٌ) ; لِتَصْرِيحِهِ بِالتَّعْمِيمِ فِي كُلِّ مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بَلْ لَوْلَا ثُبُوتُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْهُ، لَمْ يَسُغِ الْجَزْمُ بِالرَّفْعِ فِي ذَلِكَ ; إِذْ مُجَرَّدُ التَّكْرِيرِ مِنَ ابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِ عَلَى الِاحْتِمَالِ، وَإِنْ كَانَ جَانِبُ الرَّفْعِ أَقْوَى.
فَقَدْ وَجَدْنَا الْكَثِيرَ مِمَّا جَاءَ عَنْ غَيْرِ ابْنِ سِيرِينَ كَذَلِكَ جَاءَ بِصَرِيحِ الرَّفْعِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ; كَحَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ وَهُوَ يَجِدُ الْخَبَثَ» .
وَحَدِيثِ «زَيْدِ بْنِ الْحُبْابِ» عَنْ «أَبِي الْمُنِيبِ» عَنِ «ابْنِ بُرَيْدَةَ» عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ: الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا.
وَحَدِيثِ «أَبِي نَعَامَةَ السَّعْدِيِّ» ، عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ» ، عَنْ «أَبِي ذَرٍّ» قَالَ: قَالَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ - أَوْ قَالَ: كَيْفَ أَنْتَ - إِذَا بَقِيتَ فِي قَوْمٍ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ. . .» الْحَدِيثَ - فَآخِرُهَا جَاءَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَّاءِ عَنِ ابْنِ الصَّامِتِ بِصَرِيحِ الرَّفْعِ، وَالْأَوَّلَانِ ذَكَرَ الْخَطِيبُ مَعَ قَوْلِهِ: شُبِّهَ فِيهِمَا الرَّفْعَ، أَنَّهُمَا جَاءَا مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ مَرْفُوعَيْنِ.
خَاتِمَةٌ: لَوْ أُرِيدَ عَزْوُ لَفْظٍ مِمَّا جَاءَ بِشَيْءٍ مِنْ كِنَايَاتِ الرَّفْعِ وَمَا أَشْبَهَهَا عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ بِصَرِيحِ الْإِضَافَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَمْنُوعًا، فَقَدْ نَهَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الْفِرْيَابِيَّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ عِيسَى بْنَ يُونُسَ الرَّمْلِيَّ عَنْ رَفْعِ حَدِيثِ: «حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ» .
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ حِكَايَتِهِ فِي تَخْرِيجِهِ الْكَبِيرِ لِـ (الْإِحْيَاءِ) مَا حَاصِلُهُ: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ عَزْوُ هَذَا الْقَوْلِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا الْحُكْمُ بِالرَّفْعِ. انْتَهَى. [وَكَأَنَّهُ لِلتَّنْزِيهِ إِنْ لَمْ يَمْنَعَا الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى] .
[وَالْفَرْعُ السَّابِعُ] (وَ) الْفَرْعُ السَّابِعُ (مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ) بِكَسْرِ تَاءِ التَّأْنِيثِ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (مُحَمَّدٌ) أَيِ: ابْنُ سِيرِينَ (وَ) رَوَاهُ (عَنْهُ) أَيْ: عَنِ ابْنِ سِيرِينَ (أَهْلُ الْبَصْرَةِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، (وَكَرَّرَ) أَيِ: ابْنُ سِيرِينَ أَوِ الرَّاوِي مِنَ الْبَصْرِيِّينَ عَنْهُ (قَالَ بَعْدَ) أَيْ: بَعْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ ; بِأَنْ قَالَ بَعْدَهُ: " قَالَ: قَالَ " بِحَذْفِ فَاعِلِ " قَالَ " الثَّانِي.
مِثَالُهُ مَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ مِنْ طَرِيقِ دَعْلَجٍ، ثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ هُوَ الْحَمَّالُ، بِحَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: «الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ، مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ» .
وَقَدْ رَوَاهُ كَذَلِكَ النَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنِ أَيُّوبَ، وَمِنْ
حَدِيثِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ سِيرِينَ (فَالْخَطِيبُ رَوَى) عَنْ مُوسَى الْمَذْكُورِ (بِهِ) أَيْ: فِي الْآتِي كَذَلِكَ (الرَّفْعَ) ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِذَا قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَالْبَصْرِيُّونَ: قَالَ: قَالَ، فَهُوَ مَرْفُوعٌ.
وَقَالَ الْخَطِيبُ عَقِبَهُ: قُلْتُ لِلْبَرْقَانِيِّ: أَحْسَبُ أَنَّ مُوسَى عَنَى بِهَذَا الْقَوْلِ أَحَادِيثَ ابْنِ سِيرِينَ خَاصَّةً، فَقَالَ: كَذَا يَجِبُ.
قَالَ الْخَطِيبُ: وَيُحَقِّقُهُ وَسَاقَ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: كُلُّ شَيْءٍ حَدَّثْتُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ مَرْفُوعٌ، وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ (صَحِيحِهِ) ، ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، ثَنَا حَمَّادٌ بِهِ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: أَسْلَمُ، وَغِفَارُ، وَشَيْءٌ مِنْ مُزَيْنَةَ. . . الْحَدِيثَ.
وَرَوَى غَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ، فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ» .
(وَذَا) أَيِ: الْحُكْمُ بِالرَّفْعِ فِيمَا يَأْتِي عَنِ ابْنِ سِيرِينَ بِتَكْرِيرِ " قَالَ " خَاصَّةً - (عَجِيبٌ) ; لِتَصْرِيحِهِ بِالتَّعْمِيمِ فِي كُلِّ مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بَلْ لَوْلَا ثُبُوتُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْهُ، لَمْ يَسُغِ الْجَزْمُ بِالرَّفْعِ فِي ذَلِكَ ; إِذْ مُجَرَّدُ التَّكْرِيرِ مِنَ ابْنِ سِيرِينَ وَغَيْرِهِ عَلَى الِاحْتِمَالِ، وَإِنْ كَانَ جَانِبُ الرَّفْعِ أَقْوَى.
فَقَدْ وَجَدْنَا الْكَثِيرَ مِمَّا جَاءَ عَنْ غَيْرِ ابْنِ سِيرِينَ كَذَلِكَ جَاءَ بِصَرِيحِ الرَّفْعِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ; كَحَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ: «لَا يُصَلِّي أَحَدُكُمْ وَهُوَ يَجِدُ الْخَبَثَ» .
وَحَدِيثِ «زَيْدِ بْنِ الْحُبْابِ» عَنْ «أَبِي الْمُنِيبِ» عَنِ «ابْنِ بُرَيْدَةَ» عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ: الْوِتْرُ حَقٌّ، فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا.
وَحَدِيثِ «أَبِي نَعَامَةَ السَّعْدِيِّ» ، عَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ» ، عَنْ «أَبِي ذَرٍّ» قَالَ: قَالَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ - أَوْ قَالَ: كَيْفَ أَنْتَ - إِذَا بَقِيتَ فِي قَوْمٍ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ. . .» الْحَدِيثَ - فَآخِرُهَا جَاءَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَّاءِ عَنِ ابْنِ الصَّامِتِ بِصَرِيحِ الرَّفْعِ، وَالْأَوَّلَانِ ذَكَرَ الْخَطِيبُ مَعَ قَوْلِهِ: شُبِّهَ فِيهِمَا الرَّفْعَ، أَنَّهُمَا جَاءَا مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ مَرْفُوعَيْنِ.
خَاتِمَةٌ: لَوْ أُرِيدَ عَزْوُ لَفْظٍ مِمَّا جَاءَ بِشَيْءٍ مِنْ كِنَايَاتِ الرَّفْعِ وَمَا أَشْبَهَهَا عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ بِصَرِيحِ الْإِضَافَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَمْنُوعًا، فَقَدْ نَهَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ الْفِرْيَابِيَّ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ عِيسَى بْنَ يُونُسَ الرَّمْلِيَّ عَنْ رَفْعِ حَدِيثِ: «حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ» .
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ حِكَايَتِهِ فِي تَخْرِيجِهِ الْكَبِيرِ لِـ (الْإِحْيَاءِ) مَا حَاصِلُهُ: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ عَزْوُ هَذَا الْقَوْلِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا الْحُكْمُ بِالرَّفْعِ. انْتَهَى. [وَكَأَنَّهُ لِلتَّنْزِيهِ إِنْ لَمْ يَمْنَعَا الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى] .
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
مواضيع مماثلة
» فتح المغيث بشرح ألفية الحديث [الكتب التي من مظنة الحديث الحسن]
» فتح المغيث بشرح ألفية الحديث
» فتح المغيث بشرح ألفية الحديث [الحديث الضَّعِيفُ]
» فتح المغيث بشرح ألفية الحديث [الحديث الْحَسَنُ]
» فتح المغيث بشرح ألفية الحديث [الْمُرْسَلُ]
» فتح المغيث بشرح ألفية الحديث
» فتح المغيث بشرح ألفية الحديث [الحديث الضَّعِيفُ]
» فتح المغيث بشرح ألفية الحديث [الحديث الْحَسَنُ]
» فتح المغيث بشرح ألفية الحديث [الْمُرْسَلُ]
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى