فَتَّاوَى الإِمامِ النَّوَوَيِ
صفحة 1 من اصل 1
فَتَّاوَى الإِمامِ النَّوَوَيِ
فَتَّاوَى الإِمامِ النَّوَوَيِ
المُسمَّاةِ: "بالمَسَائِل المنْثورَةِ"
ترتيبُ: تلميذه الشيخ عَلَاء الدِّين بن العَطّار
تحقِيق وتعلِيق: محمَّد الحجَّار
قوبِلَت عَلى نسخَةٍ خطيّةٍ قديمَةٍ
دَارُ البشائرِ الإسلاميَّة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
"مّنْ يُردِ اللَّهُ بهِ خَيْرًا يُفَقِّهْه في الدّيِن".
حَديْث شريف
حُقوُق الطّبْع محَفُوظة
الطبعَة السَادسَة
1417 هـ - 1996 م
قامَت بطباعَته وَإخرَاجه دَارُ البشائرِ الإسلاميَّة للطبَاعَة وَالنشرَ والتوزيع بَيروت - لبنان - ص. ب: 5955 - 14 وَيُطلب مِنهَا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقَدمة
نَحْمَدُكَ يَا مَعْبُودُ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ يَا ذَا الْفَضْل وَالْجُودِ، وَنُصَلِِّي وَنُسَلِّمُ عَلى نَبِيّكَ أفْضَلِ مَوْجُوْدٍ، وَنتَرَضَّى عَلَى صَحْبِهِ الكِرَامِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعيهِمْ بإحْسَانٍ. وبعد؛ فَإنَّ مِنْ أهَمِّ الْقُربَاتِ الَّتي تَصِلُ الْعَبْد بِرَبّهِ عَزَّ وَجَلَّ، نَشْرَ الكُتُبِ الشَّرْعِيّةِ الَّتي تُبيِّنُ الْحَلالَ من الْحَرامِ، وَلاَ سِيَّمَا في زَمَانٍ رَاجَ فِيهِ الْجَهْل، وَكَسَدَ فيهِ الْعِلْمُ. وَلَمَّا كانَ (كِتَابُ الْفَتَاوى) مِنَ الْكُتُبِ الْعِلْمِيَّةِ النَّافِعَةِ، حَمَلَنِي ذَلِكَ عَلَى خِدْمَتهِ، فَشَرعْت بهِ مسْتَعِينًا باللهِ مَعَ عَجْزِي الْحِسَّي، وَقِلَّةِ بضَاعَتِي الْعِلْمِيّة، متَبرِّكًا بِكِتَابِ هَذَا الِإمَام، وراجيًا أنْ يُدْخِلَني في عِدَادِ خَدَمَةِ الْعِلْمِ والعلماءِ. وَلَقَدْ عَثَرنَا - وَالْحمدُ لله- عَلى نُسْخَةٍ مَخْطوطَةٍ في الْمَكتَبةِ الأحْمَدِيَّةِ في حَلَب الْمَحْمِيَّةِ، وَأشَرْنَا في الْحَاشِيَةِ إِلى الْكَلِمَاتِ الْمُخالِفَةِ مِنْ زِيَادةٍ أوْ نَقْصٍ، أوْ تَخَالُفٍ في اللفْظِ بِإشَارَةِ (أ) رَمْزًا للأحْمَديّةِ، وَأضَفْتُ عَلى الطَّبعة الخامسة بَعْضَ الْفَوائِدِ وَالْمَسَائِلِ، ثُمَّ أضَفْتُ فِهْرِسًا جَدِيدًا للكتابِ تَسْهيلًا لِلْمراجعةِ، فَرَحِمَ الله الْمؤلِّفَ، وَغَفَرَ لِلْمُصَححِ، وَتَقبَّلَ عَمَلَ الْمُساهِم في نَشْرِهِ، والمشجعِ على طَبْعِهِ.
1410 هـ المدينة المنورة نَزيل المدَينة المُنورة الفقِير إليه تعالى محمَّد الحجَّار
ترجمة المؤلف
رحمه الله تعالى
حمدًا لله جل وعلا، وصلاة وسلامًا على سيدنا محمد مَنْ بأخلاق الله تَحَلَّى. وبعد؛ فلقد رأيت من اللازم عليَّ، أن أذكر بعضَ مآثر الإِمام المؤلف، وموجزَ حياته، متبركًا بأستاذنا وإمامنا وقدوتنا، عَلَمِ الأعلام، وقدوة العبَّاد، ومفخرة الزهاد، الذي ترك أثرًا حسنًا لا يُنسى، وعلمًا غزيرًا لا يَدْرُسْ، وورعًا صحيحًا أتعب مَنْ بعده مِنَ الخلف، وذكَر الناسَ عمليًّا بحياة السلف. عزفت نفسه -رحمه الله تعالى- عن الدنيا، فصام نهارَها وقام ليلها، وزهد في مناصبها، فما نال منها ولا نالت منه، عاش عيشةَ المتواضعين النبلاء، ومات ميتة العارفين السعداء.
فَاللهَ أسأل أن ينفعني به على قدر حبي له، واعتقادي به؛ وأن يَسْعِدَني وإخواني وأحبابي بعباده الصالحين، وبالعلماء العاملين.
فأقول: نقلًا عن النسخة القديمة مع بعض التصرف:
هو الإمام أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي الدمشقي محرر المذهب ومهذبه، ومحققه ومرتبه، إِمام أهل عصره عِلْمًا وعبادة، وسيدُ أوانه ورعًا وسيادة، العَلم المفرد، عابدُ العلماءِ، وعالم العُبّاد، وزاهد المحققين، ومحقق الزهاد، لم تسمع بعد التابعين بمثله أذنٌ، ولم تر ما يدانيه عينٌ، راقبَ الله في سره وجهره، ولم يبرح طرفةَ عين
عن امتثال أمره، ولم يضيع من عمره ساعةً في غير طاعة مولاه، إلى أن صار قطبَ عصره، وحوى من الفضل ما حواه، وبلغ ما نواه، فشرفَت به نواه، ولم يلْفِ له من ناواه (1).
كان مولده رحمه الله في المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وقدم دمشق سنة تسع وأربعين وستمائة، فسكن في الرواحية، واشتغل بالعلم، فحفظ التنبيه في أربعة أشهر ونصف، وقرأ ربع المهذب حِفْظًا في باقي السنة على شيخه الكمال بن أحمد، ثم حج مع أبيه، وأقام بالمدينة شهرًا ونصفًا، وسمع من الرضي بنِ البرهان، وشيخ الشيوخ عبدِالعزيز بنِ محمد الأنصاري، وزينِ الدين بن عبد الدائم، وعماد الدين عبد الكريم الخرستاني وكثيرين.
وتخرَّج عليه جماعةٌ من العلماء منهم: الخطيب صدرُ سليمان الجعفري، وشهاب الدين أحمد بن جعوان، وشهاب الدين الإِربدي، وعلاء الدين بن العطار. وحدَّث عنه: ابن أبي الفتح، والمِزّي، وشمس الدين بن العطار. ومن تصانيفه: شرحُ صحيح مسلم، ورياض الصالحين، والأذكار، والأربعون النووية، والِإرشاد في علوم الحديث، والتقريب، والمبهَمات، وتحرير الألفاظ للتنبيه، والعمدة في تصحيح التنبيه، والِإيضاح في المناسك، وله ثلاثة مناسك سواه، والتبيان في
__________
(1) نواه الأولى: من النية، نواه الثانية: بلدتُه نوى. ناواه الثالثة: عاداه، أي: لم يجد من يعاديه. اهـ.
وقال تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى:
لقيتِ خيرًا يا نوى ... وَوُقِيتِ مِنْ ألَمِ النَّوَى
فلقدْ نَشا بكِ عالمٌ ... للهِ أخْلصَ ما نوى
وعلى سِواه فضلُه ... فَضلَ الحبوبِ على النوى
ففيه ضربٌ من ضروب البلاغة وهو الجناس التام.
آداب حملة القرآن، وبستان العارفين، والفتاوى وهي المسماة بـ "المسائل المنثورة" وضعها غير مرتبة، ورتبها تلميذه ابن العطار، وزاد عليها أشياء سمعها منه، وغير ذلك من المؤلفات الكثيرة.
وكان له جملةُ مواقفَ مع الملوك: يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، وجاهد في سبيل الله حقَّ جهاده، ولم يخشَ في الله لومةَ لائم.
ولقد بسطت الحديث عنه في كتابه "بستان العارفين".
وفاته:
تُوفي رضي الله عنه بعد زيارته بيتَ المقدس في الرابع والعشرين من شهر رجب: سنةَ ستٍ وسبعين وستمائة، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيحَ جناته، ورفع درجاته، وجعله في أعلى عليين مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين آمين.
كتبه نَزيل المدَينة المُنوَّرة تم 1416 هـ الفقِير إليه تعالى محمَّد الحجَّار
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقَدّمة
الشيخ عَلَاء الدِّين بن العَطّار
الحمد لله ربِّ العالمين، خالقِ السموات والأرَضين ومنْ فيهن، ومدبرهن أجمعين. أحمده على جميع نعمه، وأسأله المزيدَ من فضله وكرمه.
وأشهد أن لا إِله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً أدَّخرها للقائه. وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله أرسله رحمة للمؤمنين، ونقمة على الكافرين وجميعِ أعدائه، وعلى آله، وأصحابه، وأزواجه، وذريته صلاةً دائمة إِلى يوم جزائه.
أما بعد: فقد استخرت الله تعالى في ترتيب "الفتاوى" التي لشيخي وقدوتي إلى الله تعالى، أبي زكريا يحيى بنِ شرف النووي العالمِ الرباني -تغمده الله تعالى برحمته، وجمع بيني وبينه في دار كرامته- على أبواب الفقه ليسهل على مطالعها كشفُ مسائلها، ويظهرَ له تحقيقُها ودقائقُ دلائلها. والحق فيها من المسائل ما كتبته عن الشيخ رحمه الله في مجلسه، مما سئل عنه ولم يذكره فيها، وما كان فيها من المسائل مما لا تعلق له بالفقه أورده (1) في أبواب في آخرها. وأنا سائل أخًا -انتفعَ بشيء منها- أن يدعوَ لمؤلفها ومرتبها.
__________
(1) نسخة "أ": أفرده.
واللهَ أسألُ أن يجعل ذلك خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع بها من طالعها، وقرأها، وكتبها. وحسبي الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقد قال مؤلفها -رحمه الله تعالى- في خُطبتها (1): ولا ألتزم فيها ترتيبًا لكونها على حسب الوقائع فإن كملت أرجو (2) ترتيبها، وألتزم فيها الإيضاحَ وتقريبها إلى أفهام المبتدئين و (3) من لا اختلاط له بالفقهاء لتكون أعمَّ نفعًا، وأحرص على إِتقانها وتهذيبها والِإشارة إِلى بعض أدلة (4) ما قد يخفى منها، وإِضافة بعض ما يُستغرب منها إِلى قائله أو ناقله (5)، وأقتصر على الأصح في معظم ذلك، ولا أذكر الخلاف في المسائل المختَلف فيها إِلا نادرًا لحاجة، وبالله التوفيق.
__________
(1) خطب على المنبر خُطبةً بضم الخاء. وخطب المرأة خِطبة بكسر الخاء. اهـ. مختار.
(2) نسخة "أ": رُجي.
(3) نسخة "أ": بل بدل الواو.
(4) نسخة "أ": الأدلة مما.
(5) هذا من أمانة العلم وإخلاص العالم أن يَعزوَ القولَ لقائله، قال المؤلف: في كتابه "بستان العارفين" ومن النصيحة أن تُضاف الفائدةُ التي تستغرب إلى قائلها، فمن فعل ذلك بورك له في علمه وحاله، ومن أوهم ذلك فيما يأخذه من كلام غيره أنه له فهو جدير أن لا ينتفع بعلمه ولا يبارك له في حاله. اهـ.
قال رحمه الله:
مسألة: يستحب ابتداءُ كل أمرٍ له حال (1) يُهتم به بالحمد لله رب العالمين، وأن يُثنّى بالصلاة والتسليم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للحديث المشهور: عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "كُل أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِالحمد للهِ فَهُوَ أجْذَمُ" (2) حديث حسن.
مجامع الحمد، وأحسنُ الثناء
قال الشافعي رحمه الله: أُحِبُّ أن يقدم المرء بين يدي خُطبته وكلِّ أمر طَلَبَهُ حمدَ الله تعالى، والثناءَ عليه سبْحانه وتعالى والصلاةَ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال المتأخرون من أصحابنا الخراسانيين:
لو حلف إنسان ليحمَدنَّ (3) الله تعالى بمجامع (4) الحمد أو بأجَلِّ التحاميد، فطريقه في بِرِّ يمينه أن يقول: "الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا يُوافي نِعَمَهُ وُيكافىءُ مَزِيده".
ومعنى يوافي نعمه يلاقيها فتحصل (5) معه، وقوله يكافىء بهمزة
__________
(1) نسخة "أ": بال.
(2) ذي بال: أي حال وشأن. وأجذم: أي أقطع. والمعنى ناقص البركة وقليلها. اهـ.
(3) نسخة "أ": ليحمد.
(4) نسخة "أ": بمحامد.
(5) نسخة "أ": فيحصل.
في آخره (1) أي يساوي مزيد نعمه، ويقوم بشكر ما زاده من النعم والِّإحسان.
قالوا: ولو حلف ليثنين على الله تعالى أحسنَ الثناء فطريق البرِّ أن يقول: لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثْنَيْتَ على نَفْسِكَ. وزاد بعضهم (2) فلك الحمدُ حَتى ترضى.
وصوّر أبو سعيد المتولي المسألةَ فيمن حلف ليُثْنِينَّ على الله تعالى بأجَلِّ (3) الثناء وَأعْظَمهِ، وزاد في أول الذكر "سبحانك" والله أعلم (4).
* * *
__________
(1) نسخة "أ": آخرها.
(2) نسخة "أ": للشيخ إبراهيم المروزي.
(3) نسخة "أ": أجل.
(4) الحمد: لغة: الثناء بالكلام على جميل اختياري على جهة التعظيم، سواء كان في مقابلة نعمة أم لا، وسواء كان جميلًا شرعًا كالعلم أو في زعم الحامد كنهب الأموال.
واصطلاحًا: فعل يُنبىء عن تعقيم المنعم من حيث كونُه منعمًا على الحامد أو غيره. اهـ. بشرى الكريم 1/ 3.
المُسمَّاةِ: "بالمَسَائِل المنْثورَةِ"
ترتيبُ: تلميذه الشيخ عَلَاء الدِّين بن العَطّار
تحقِيق وتعلِيق: محمَّد الحجَّار
قوبِلَت عَلى نسخَةٍ خطيّةٍ قديمَةٍ
دَارُ البشائرِ الإسلاميَّة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
"مّنْ يُردِ اللَّهُ بهِ خَيْرًا يُفَقِّهْه في الدّيِن".
حَديْث شريف
حُقوُق الطّبْع محَفُوظة
الطبعَة السَادسَة
1417 هـ - 1996 م
قامَت بطباعَته وَإخرَاجه دَارُ البشائرِ الإسلاميَّة للطبَاعَة وَالنشرَ والتوزيع بَيروت - لبنان - ص. ب: 5955 - 14 وَيُطلب مِنهَا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
المقَدمة
نَحْمَدُكَ يَا مَعْبُودُ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ يَا ذَا الْفَضْل وَالْجُودِ، وَنُصَلِِّي وَنُسَلِّمُ عَلى نَبِيّكَ أفْضَلِ مَوْجُوْدٍ، وَنتَرَضَّى عَلَى صَحْبِهِ الكِرَامِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعيهِمْ بإحْسَانٍ. وبعد؛ فَإنَّ مِنْ أهَمِّ الْقُربَاتِ الَّتي تَصِلُ الْعَبْد بِرَبّهِ عَزَّ وَجَلَّ، نَشْرَ الكُتُبِ الشَّرْعِيّةِ الَّتي تُبيِّنُ الْحَلالَ من الْحَرامِ، وَلاَ سِيَّمَا في زَمَانٍ رَاجَ فِيهِ الْجَهْل، وَكَسَدَ فيهِ الْعِلْمُ. وَلَمَّا كانَ (كِتَابُ الْفَتَاوى) مِنَ الْكُتُبِ الْعِلْمِيَّةِ النَّافِعَةِ، حَمَلَنِي ذَلِكَ عَلَى خِدْمَتهِ، فَشَرعْت بهِ مسْتَعِينًا باللهِ مَعَ عَجْزِي الْحِسَّي، وَقِلَّةِ بضَاعَتِي الْعِلْمِيّة، متَبرِّكًا بِكِتَابِ هَذَا الِإمَام، وراجيًا أنْ يُدْخِلَني في عِدَادِ خَدَمَةِ الْعِلْمِ والعلماءِ. وَلَقَدْ عَثَرنَا - وَالْحمدُ لله- عَلى نُسْخَةٍ مَخْطوطَةٍ في الْمَكتَبةِ الأحْمَدِيَّةِ في حَلَب الْمَحْمِيَّةِ، وَأشَرْنَا في الْحَاشِيَةِ إِلى الْكَلِمَاتِ الْمُخالِفَةِ مِنْ زِيَادةٍ أوْ نَقْصٍ، أوْ تَخَالُفٍ في اللفْظِ بِإشَارَةِ (أ) رَمْزًا للأحْمَديّةِ، وَأضَفْتُ عَلى الطَّبعة الخامسة بَعْضَ الْفَوائِدِ وَالْمَسَائِلِ، ثُمَّ أضَفْتُ فِهْرِسًا جَدِيدًا للكتابِ تَسْهيلًا لِلْمراجعةِ، فَرَحِمَ الله الْمؤلِّفَ، وَغَفَرَ لِلْمُصَححِ، وَتَقبَّلَ عَمَلَ الْمُساهِم في نَشْرِهِ، والمشجعِ على طَبْعِهِ.
1410 هـ المدينة المنورة نَزيل المدَينة المُنورة الفقِير إليه تعالى محمَّد الحجَّار
ترجمة المؤلف
رحمه الله تعالى
حمدًا لله جل وعلا، وصلاة وسلامًا على سيدنا محمد مَنْ بأخلاق الله تَحَلَّى. وبعد؛ فلقد رأيت من اللازم عليَّ، أن أذكر بعضَ مآثر الإِمام المؤلف، وموجزَ حياته، متبركًا بأستاذنا وإمامنا وقدوتنا، عَلَمِ الأعلام، وقدوة العبَّاد، ومفخرة الزهاد، الذي ترك أثرًا حسنًا لا يُنسى، وعلمًا غزيرًا لا يَدْرُسْ، وورعًا صحيحًا أتعب مَنْ بعده مِنَ الخلف، وذكَر الناسَ عمليًّا بحياة السلف. عزفت نفسه -رحمه الله تعالى- عن الدنيا، فصام نهارَها وقام ليلها، وزهد في مناصبها، فما نال منها ولا نالت منه، عاش عيشةَ المتواضعين النبلاء، ومات ميتة العارفين السعداء.
فَاللهَ أسأل أن ينفعني به على قدر حبي له، واعتقادي به؛ وأن يَسْعِدَني وإخواني وأحبابي بعباده الصالحين، وبالعلماء العاملين.
فأقول: نقلًا عن النسخة القديمة مع بعض التصرف:
هو الإمام أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي الدمشقي محرر المذهب ومهذبه، ومحققه ومرتبه، إِمام أهل عصره عِلْمًا وعبادة، وسيدُ أوانه ورعًا وسيادة، العَلم المفرد، عابدُ العلماءِ، وعالم العُبّاد، وزاهد المحققين، ومحقق الزهاد، لم تسمع بعد التابعين بمثله أذنٌ، ولم تر ما يدانيه عينٌ، راقبَ الله في سره وجهره، ولم يبرح طرفةَ عين
عن امتثال أمره، ولم يضيع من عمره ساعةً في غير طاعة مولاه، إلى أن صار قطبَ عصره، وحوى من الفضل ما حواه، وبلغ ما نواه، فشرفَت به نواه، ولم يلْفِ له من ناواه (1).
كان مولده رحمه الله في المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وقدم دمشق سنة تسع وأربعين وستمائة، فسكن في الرواحية، واشتغل بالعلم، فحفظ التنبيه في أربعة أشهر ونصف، وقرأ ربع المهذب حِفْظًا في باقي السنة على شيخه الكمال بن أحمد، ثم حج مع أبيه، وأقام بالمدينة شهرًا ونصفًا، وسمع من الرضي بنِ البرهان، وشيخ الشيوخ عبدِالعزيز بنِ محمد الأنصاري، وزينِ الدين بن عبد الدائم، وعماد الدين عبد الكريم الخرستاني وكثيرين.
وتخرَّج عليه جماعةٌ من العلماء منهم: الخطيب صدرُ سليمان الجعفري، وشهاب الدين أحمد بن جعوان، وشهاب الدين الإِربدي، وعلاء الدين بن العطار. وحدَّث عنه: ابن أبي الفتح، والمِزّي، وشمس الدين بن العطار. ومن تصانيفه: شرحُ صحيح مسلم، ورياض الصالحين، والأذكار، والأربعون النووية، والِإرشاد في علوم الحديث، والتقريب، والمبهَمات، وتحرير الألفاظ للتنبيه، والعمدة في تصحيح التنبيه، والِإيضاح في المناسك، وله ثلاثة مناسك سواه، والتبيان في
__________
(1) نواه الأولى: من النية، نواه الثانية: بلدتُه نوى. ناواه الثالثة: عاداه، أي: لم يجد من يعاديه. اهـ.
وقال تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى:
لقيتِ خيرًا يا نوى ... وَوُقِيتِ مِنْ ألَمِ النَّوَى
فلقدْ نَشا بكِ عالمٌ ... للهِ أخْلصَ ما نوى
وعلى سِواه فضلُه ... فَضلَ الحبوبِ على النوى
ففيه ضربٌ من ضروب البلاغة وهو الجناس التام.
آداب حملة القرآن، وبستان العارفين، والفتاوى وهي المسماة بـ "المسائل المنثورة" وضعها غير مرتبة، ورتبها تلميذه ابن العطار، وزاد عليها أشياء سمعها منه، وغير ذلك من المؤلفات الكثيرة.
وكان له جملةُ مواقفَ مع الملوك: يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، وجاهد في سبيل الله حقَّ جهاده، ولم يخشَ في الله لومةَ لائم.
ولقد بسطت الحديث عنه في كتابه "بستان العارفين".
وفاته:
تُوفي رضي الله عنه بعد زيارته بيتَ المقدس في الرابع والعشرين من شهر رجب: سنةَ ستٍ وسبعين وستمائة، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيحَ جناته، ورفع درجاته، وجعله في أعلى عليين مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين آمين.
كتبه نَزيل المدَينة المُنوَّرة تم 1416 هـ الفقِير إليه تعالى محمَّد الحجَّار
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقَدّمة
الشيخ عَلَاء الدِّين بن العَطّار
الحمد لله ربِّ العالمين، خالقِ السموات والأرَضين ومنْ فيهن، ومدبرهن أجمعين. أحمده على جميع نعمه، وأسأله المزيدَ من فضله وكرمه.
وأشهد أن لا إِله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً أدَّخرها للقائه. وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله أرسله رحمة للمؤمنين، ونقمة على الكافرين وجميعِ أعدائه، وعلى آله، وأصحابه، وأزواجه، وذريته صلاةً دائمة إِلى يوم جزائه.
أما بعد: فقد استخرت الله تعالى في ترتيب "الفتاوى" التي لشيخي وقدوتي إلى الله تعالى، أبي زكريا يحيى بنِ شرف النووي العالمِ الرباني -تغمده الله تعالى برحمته، وجمع بيني وبينه في دار كرامته- على أبواب الفقه ليسهل على مطالعها كشفُ مسائلها، ويظهرَ له تحقيقُها ودقائقُ دلائلها. والحق فيها من المسائل ما كتبته عن الشيخ رحمه الله في مجلسه، مما سئل عنه ولم يذكره فيها، وما كان فيها من المسائل مما لا تعلق له بالفقه أورده (1) في أبواب في آخرها. وأنا سائل أخًا -انتفعَ بشيء منها- أن يدعوَ لمؤلفها ومرتبها.
__________
(1) نسخة "أ": أفرده.
واللهَ أسألُ أن يجعل ذلك خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع بها من طالعها، وقرأها، وكتبها. وحسبي الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقد قال مؤلفها -رحمه الله تعالى- في خُطبتها (1): ولا ألتزم فيها ترتيبًا لكونها على حسب الوقائع فإن كملت أرجو (2) ترتيبها، وألتزم فيها الإيضاحَ وتقريبها إلى أفهام المبتدئين و (3) من لا اختلاط له بالفقهاء لتكون أعمَّ نفعًا، وأحرص على إِتقانها وتهذيبها والِإشارة إِلى بعض أدلة (4) ما قد يخفى منها، وإِضافة بعض ما يُستغرب منها إِلى قائله أو ناقله (5)، وأقتصر على الأصح في معظم ذلك، ولا أذكر الخلاف في المسائل المختَلف فيها إِلا نادرًا لحاجة، وبالله التوفيق.
__________
(1) خطب على المنبر خُطبةً بضم الخاء. وخطب المرأة خِطبة بكسر الخاء. اهـ. مختار.
(2) نسخة "أ": رُجي.
(3) نسخة "أ": بل بدل الواو.
(4) نسخة "أ": الأدلة مما.
(5) هذا من أمانة العلم وإخلاص العالم أن يَعزوَ القولَ لقائله، قال المؤلف: في كتابه "بستان العارفين" ومن النصيحة أن تُضاف الفائدةُ التي تستغرب إلى قائلها، فمن فعل ذلك بورك له في علمه وحاله، ومن أوهم ذلك فيما يأخذه من كلام غيره أنه له فهو جدير أن لا ينتفع بعلمه ولا يبارك له في حاله. اهـ.
قال رحمه الله:
مسألة: يستحب ابتداءُ كل أمرٍ له حال (1) يُهتم به بالحمد لله رب العالمين، وأن يُثنّى بالصلاة والتسليم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للحديث المشهور: عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "كُل أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِالحمد للهِ فَهُوَ أجْذَمُ" (2) حديث حسن.
مجامع الحمد، وأحسنُ الثناء
قال الشافعي رحمه الله: أُحِبُّ أن يقدم المرء بين يدي خُطبته وكلِّ أمر طَلَبَهُ حمدَ الله تعالى، والثناءَ عليه سبْحانه وتعالى والصلاةَ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال المتأخرون من أصحابنا الخراسانيين:
لو حلف إنسان ليحمَدنَّ (3) الله تعالى بمجامع (4) الحمد أو بأجَلِّ التحاميد، فطريقه في بِرِّ يمينه أن يقول: "الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا يُوافي نِعَمَهُ وُيكافىءُ مَزِيده".
ومعنى يوافي نعمه يلاقيها فتحصل (5) معه، وقوله يكافىء بهمزة
__________
(1) نسخة "أ": بال.
(2) ذي بال: أي حال وشأن. وأجذم: أي أقطع. والمعنى ناقص البركة وقليلها. اهـ.
(3) نسخة "أ": ليحمد.
(4) نسخة "أ": بمحامد.
(5) نسخة "أ": فيحصل.
في آخره (1) أي يساوي مزيد نعمه، ويقوم بشكر ما زاده من النعم والِّإحسان.
قالوا: ولو حلف ليثنين على الله تعالى أحسنَ الثناء فطريق البرِّ أن يقول: لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثْنَيْتَ على نَفْسِكَ. وزاد بعضهم (2) فلك الحمدُ حَتى ترضى.
وصوّر أبو سعيد المتولي المسألةَ فيمن حلف ليُثْنِينَّ على الله تعالى بأجَلِّ (3) الثناء وَأعْظَمهِ، وزاد في أول الذكر "سبحانك" والله أعلم (4).
* * *
__________
(1) نسخة "أ": آخرها.
(2) نسخة "أ": للشيخ إبراهيم المروزي.
(3) نسخة "أ": أجل.
(4) الحمد: لغة: الثناء بالكلام على جميل اختياري على جهة التعظيم، سواء كان في مقابلة نعمة أم لا، وسواء كان جميلًا شرعًا كالعلم أو في زعم الحامد كنهب الأموال.
واصطلاحًا: فعل يُنبىء عن تعقيم المنعم من حيث كونُه منعمًا على الحامد أو غيره. اهـ. بشرى الكريم 1/ 3.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
كِتابُ الطهَارة (1)
كِتابُ الطهَارة (1)
وفيه ست وثلاثون مسألة وستة أبواب
1 - مسألة: الصواب في حد الماء المطلق (2) أنه المفهوم من قولك ماء.
واختلف أصحابنا في الماء المستعمل هل هو مطلق؟ والأصح أنه ليس بمطلق، وقيل مطلقٌ مُنِع من استعماله تعبدًا (3).
__________
(1) الطهارة لغة: النظافة. وشرعًا: ما توقف على حصوله إباحة ولو من بعض الوجوه كالتيمم. وللطهارة أربع مراتب:
1 - المرتبة الأولى: تطهير الظاهر عن الأحداث والأخباث.
2 - المرتبة الثانية: تطهير الجوارح عن الجرائم والآثام.
3 - المرتبة الثالثة: تطهير القلب عن الأخلاق المذمومة والصفات الممقوتة.
4 - المرتبة الرابعة: تطهير السر عما سوى الله تعالى. ولا وصول إلى مرتبة من هذه المراتب إلا بعد إحكام ما قبلها. اهـ. من الإحياء.
(2) هو طاهر في نفسه مطهر لغيره غير مكروه استعماله وهو الذي يسمى ماءً بلا قيد لازم، والمستعمل هو طاهر في نفسه غير مطهر لغيره فلا يجوز استعماله في رفع حدث ولا في إزالة نجس ويجوز استعماله في غير ذلك من العادات كطبخ وعجن وشرب وتنظيف. اهـ.
(3) إلا أن أهل البصائر من أهل الله قد كشف لهم عن سر ذلك ورأوا آثار النجاسة المعنوية ظاهرةً في الماء المستعمل، كان الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى من أهل هذا الميدان ولذا حكم بنجاسة الماء المستعمل. كان رضي الله عنه إذا رأى الماء الذي يتوضأ منه الناس يعرف أعيانَ تلك الخطايا التي خرت في الماء ويميز غسالة =
- مسألة: لو أغلي الماء فتولد من بخاره رشحٌ فهو طهور في أصح الوجهين لأنه من نفس الماء (1).
3 - مسألة: الماء الذي ينعقد ملحًا فيه ثلاثة أوجه لأصحابنا:
أصحّها: أنه طهور.
والثاني: لا.
والثالث: إن انعقد بجوهر (2) أرضه فطهور، وان انعقد بجوهره (3) فلا (4).
__________
= الكبائر عن الصغائر، والصغائر عن المكروهات، والمكروهات عن خلاف الأولى، كالأمور المجسدة حسًا على حد سواء.
وقد دخل مرةً مطهرة جامع الكوفة فرأى شابًا يتوضأ، فنظر في الماء المتقاطر منه فقال: يا ولدي: تب عن عقوق الوالدين! فقال: تبت إلى الله عن ذلك.
وقال سيدي علي الخواص رضي الله عنه:
اعلم أن الطهارة ما شرعت إلا لتزيد أعضاء العبد نظافة وحُسنًا ظاهرًا وباطنًا، والماء الذي خرت فيه الخطايا لا يزيد الأعضاء إلا تقذيرًا وقبحًا، تبعًا لقبح تلك الخطايا التي خرت في الماء، فلو كشف للعبد لرأى الماء الذي يتطهر منه الناس في المطاهر في غاية القذارة والنتن فكانت لا تطيب باستعماله نفسُه. اللهم نور بصائرنا، وأزل غشاوات الحجاب عن قلوبنا، حتى نرى حقائق الأشياء. اهـ.
(1) دخان النجاسة نجس يعفى عن قليله، وبخارها كذلك إذا تصاعد بواسطة نار؛ لأنه جزء من النجاسة تفصله النار بقوتها وإلا فطاهر وعلى هذا يحمل إطلاق من أطلق نجاسته أو طهارته. اهـ. البجيرمي على المنهج 1/ 102.
(2) نسخة "أ": لجوهر.
(3) نسخة "أ": لجوهره.
(4) وقد بسط صاحب الإعانة هذا الموضوع بسطًا مفصلًا عند قوله: وشروط الوضوء كشروط الغسل ثم قال: أحدها ماء مطلق غير مستعمل في رفعِ حدث، وإزالةِ نجس، قليلًا، وغيرُ متغير تغيرًا كثيرًا بحيث يمنع إطلاقَ اسمِ الماء عليه بخليط طاهر وقد غنى الماء عنه: كزعفران، وثمر شجر نبت قُرْبَ الماء، وورق طرح ثم تفتت، لا تراب وملح ماء وإن طرحا فيه، أي لا إن كان التغير بتراب، فإنه لا يضر، لموافقته للماء في الطهورية ولأن تغيره به مجرد كدورة. =
المياه المنهي عن الطهارة بها وشربها
4 - مسألة: من المياه المنهي عن الطهارة بها وشربها: مياه بئار الحِجْر -منازل ثمود- إلا بئر الناقة. ثبت في الصحيحين من رواية ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1).
__________
= وقوله: وملح ماء: أي ولا إن كانْ التغير بملح ناشىء من الماء، فإنه لا يضر أيضًا لكونه منعقدًا من الماء فسومح فيه. بخلاف الجبلي، فإنه يضر لكونه غير منعقد من الماء فهو مستغنى عنه. اهـ. من إعانة الطالبين 1/ 30.
وقال البجيرمي على المنهج 1/ 20: لا تراب وملح ماء وإن طرحا فيه، تسهيلًا على العباد، وبالملح المائي لكونه منعقدًا من الماء، لا يمنع إطلاق اسم الماء عليه.
وفي الأسنوي على الحلبي: وأما الملح المائي، إذا كان منعقدًا من ماء مستعمل ولم يبلغ به الماء قلتين. اهـ. باختصار.
(1) لما أهلك الله قومَ عاد بذنوبهم؛ أورث الله "ثمود" أرضهم وديارهم. وثمود: قبيلة عربية، كانوا يسكنون الحجر -هو ما بين تبوك والحجاز- وقد مر عليه الصلاة والسلام بهذه البلدة وهو ذاهب إلى تبوك. سميت ثمود؛ لأنه اسم أبيهم الأكبر وهو: ثمود بنُ عاد بنِ إرم بنِ سام بنِ نوح.
كانوا في سعَة من العيش، ونعْمة وترف، ذلَّل الله لهم الصعاب، وبسط لهم الرزق، ولكنهم لم يشكروا الله تعالى على نعمته، ولم يحمدوه على فضله، بل زادوا عتوًا في الأرض وفسادًا، أشركوا بالله، وعبدوا الأصنام. فأرسل الله لهم سيدنا صالحًا، وعَظَهم وذكرهم، فلم ير إلا إدبارًا، عقروا الناقة التي أوجدها الله تعالى دلالةً على صدق نبيهم. وأرادوا إلحاق سيدنا صالح بالناقة، ومكروا مكرًا ومكر الله مكرًا، وهم لا يشعرون، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين. والنهي لأمر معنوي لا حسي؛ لأن تلك الديار مشئومة بشؤم أهلها، وارتكابِ الآثام. اهـ.
وكذا مياه ثمود، وكلُّ ماء مغضوب على أهله كماء ديار قوم لوط، وماءِ البئر التي وضع فيها السحر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن الله تعالى مسخ ماءها حتى صار كنقاعة الحِناء، وماء ديار بابل هي مدينة السحر بالعراق كما في التقريب؛ إلا بئر الناقة فلا كراهة لاستعمال مائها.
والمياه ليست بقيد؛ بل التراب والأحجار كذلك. اهـ. ابن حجر. =
الطهارة بماء زمزم
5 - مسألة: لا تكره الطهارة بماء زمزم عندنا، وبه قال العلماء كافةً إِلا أحمد في رواية. دليلُنا (1) أنه لم يثبت فيه نهي، وثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اُنه قال: "الماء طهور لا ينجسه شيء".
وأما ما يقال عن العباس من النهي عن الاغتسال بماء زمزم فليس بصحيح عنه (2).
الطهارة بالماء المتغير والماء المشمَّس
6 - مسألة: لا تكره الطهارة بالماء المتغير بطول المُكْث عندنا. وبه قال العلماء كافة إلا محمد بن سيرين فكرهه، ولا دليل لقوله.
ودليلنا: الأصل الطهارة، والحديث السابق في المسألة قبلها (3).
__________
= قال في شرح العباب: ويتردد النظر في شجرها، والأولى الكراهة، فيكره أكل ثمره، واستعمالُ السواك منه. اهـ. البجيرمي على الخطيب 1/ 64.
(1) نسخة "أ": دليل ذلك.
(2) قال سيدي إبراهيم الباجوري في حاشيته على ابن قاسم 1/ 28: وأما بئر زمزم فالمعتمد أنه لا يكره استعمال مائها، ولو في إزالة النجاسة لكنه خلاف الأولى، وجَزْم بعضهم بحرمته ضعيفٌ؛ بل شاذ. اهـ.
(3) قال صاحب الإعانة 1/ 31:
وكالتغير بطول المكث، فهو لا يضر لعدم الاستغناء عنه. وعبارته صريحة في أنه من المخالط؛ لكن الذي لا غنى عنه مع أنه لا من المخالط ولا من المجاور. ولو أخرجه بمخالط لكان له وجه؛ وذلك لأن غير المخالط صادق بالمجاور، وبالذي ليس بمجاور ولا مخالط. اهـ.
وقال البجيرمي على الخطيب:
ولا يضر تغير بمكث، أي بسببه، وهو بتثليث الميم، مصدر مكث بضم الكاف وفتحها. وفي المصدر لغة رابعة وهي فتح الكاف والميم. =
7 - مسألة: المشهور من (1) مذهبنا كراهة الطهارة بالماء المشمس (والمختار) أنه لا يكره لأن الحديث المروي فيه عن عائشة رضي الله عنها، والأثر عن (2) ابن عمر رضي لله تعالى عنهما ضعيفان جدًا؛ وخوف البرص لا يعرفه إلا الأطباء. وقال الشافعي: لا أُكَرِّه المشمس إلا أن يكون (3) من جهة الطب (4).
8 - مسألة: الصحيح أن الماء المتغير بالدهن والعود ونحوهما طهور.
وأن المستعمل في نفل الطهارة كالغسلة الثانية والثالثة وتجديد الوضوء (5) والأغسال المسنونة طهور.
__________
= قيل: قد قرىء بها في قوله تعالى: {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء: 106].
وإن فحش التغير. الغاية للرد على من قال بضرره. اهـ. ببعض تصرف.
(1) نسخة "أ": في.
(2) نسخة "أ": عن عمر رضي الله عنه.
(3) نسخة "أ": يكره.
(4) فالماء المشمس: هو طاهر في نفسه. مطهر لغيره مكروه استعماله. ولكن الكراهة لا تتحقق إلا بشروط قد ذكرها الفقهاء في هذا الباب:
1 - أن يكون ببلد حار وقطر حار كالحجاز واليمن الجنوبية وغيرهما.
2 - وأن تنقله الشمس من حالة إلى أخرى، بحيث تنفصل من إنائه زهومة تعلوه.
3 - وأن يكون في إناء منطَبع -أي: قابل للانطباع- كنحاس، وحديد، ورصاص، غير النقدين، لصفاء جوهرهما.
4 - وأن يكون استعماله حالَ حرارته. فلو برد وعاد إلى حالته الأولى انتفت الكراهة.
5 - وأن يكون التشميس في زمن حارٍ، وكذا يكره شديد السخونة والبرودة. اهـ.
(5) والمراد بتجديد الوضوء إعادته. "والوضوء على الوضوء نور على نور" هذا لفظ حديث ذكر في الإحياء. قال الحافظ العراقي في تخريجه: لم أقف عليه. وسبقه لذلك الحافظ المنذري. وقال الحافظ ابن حجر: حديث ضعيف. ورواه رزين في مسنده. اهـ. جراحي. =
وأن الذي استعمله الصبي، والكتابية التي انقطع حيضها أو نفاسها واغتسلت لاستباحة المسلم ليس بطهور (1).
9 - مسألة: الماء الذي استعمله الحنفي وغيره ممن لا يعتقد وجوب نية الوضوء والغسل في وضوئه أو غسله، فيه ثلاثة أوجه لأصحابنا:
1 - أصحها: أنه ليس بطهور (2).
2 - والثاني: طهور؛ لأنه قد لا ينوي وإن نوى لا يعتقد وجوبها.
3 - والثالث: إِن نوى فليس بطهور، وإلا فطهور.
10 - مسألة: الصحيح المشهور أن الماء الذي توضأ به الصبي المميز مستعمل لا تجوز الطهارة به؛ لأنه قد رفع حدثًا وأُدِّيَتْ به عبادةٌ.
__________
= نعم روى أحمد بإسناد حسن مرفوعًا:
"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء" يعني ولو كانوا غير محدثين.
وأما حديث: "من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات" رواه الترمذي وضعف إسناده. ونقل عن البخاري أنه حديث منكر.
(1) ليس بطهور لغيره ولكنه طاهر بنفسه.
(2) لأنه أُديَ به ما لا بد منه، أثم الشخص بتركه أم لا، عبادة كان أم لا. فشمل وضوءَ الصبي -ولو غير مميز- بأن وضأه وليه للطواف، فهو مستعمل؛ لأنه أدي به ما لا بد منه، وإن كان لا إثم عليه بتركه.
وشمل أيضًا ماء غسل الكافرة لتحل لحليلها المسلم؛ لأنه أدي به ما لا بد منه، وإن لم يكن غُسلها عبادةً. فشمل -أيضًا- ماءَ وضوء الحنفي بلا نية؛ لأنه استعمل في رفع حدث عنده. وإن لم يُرفع عندنا لعدم النية. "اعلم" أنهم اختلفوا في علة منع استعمال الماء المستعمل:
فقيل: -وهو الأصح- إنه غير مطلق.
وقيل: مطلق ولكن منع من استعماله تعبدًا وهو الصحيح. اهـ. من إعانة الطالبين 1/ 27. ارجع إلى ص 13 رقم 3.
وفيه: وجه حكاه البغوي وغيره أنه ليس بمستعمل لأنه لم يُؤَد به فرضٌ (1).
الخلاف في الماء المتنجس
11 - مسألة: إذا وقع في الماء نجاسة أو لاقاها، ما حكمه - على مذهب الشافعي- بجميع وجوه الخلافِ والتفصيل فيه؟.
الجواب: إِن الماء ضربان: متغير بالنجاسة، وغيرُه.
1 - الضرب الأول: المتغير بها وهو قسمان:
"أحدهما": متغير بنجاسة مَيْتَةٍ لا نَفْسَ لها سائلة، فهذا نجس على أصح الوجهين.
"والثاني": متغير بنجاسةٍ أخرى فهذا نجس بلا خلاف.
2 - الضرب الثاني: غير المتغير وله حالان:
1 - أحدهما: أن يكون قلتين فلا ينجس إِلا أن تقع (2) فيه نجاسة
__________
(1) وطاهر غير مُطهر: هو الماء المستعمل في رفع الحدث، أو إزالة النجس، إذا لم يتغير، ولا زاد وزنه فهو طاهر.
لقوله عليه الصلاة والسلام: "خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه إلا ما غيَّر طعمه، أو ريحه".
وفي ابن ماجه: "أو لونه" وهو ضعيف. والثابت: طعمه أو ريحه فقط.
وهل هو طهور يرفع الحدث، ويزيل النجس أيضًا؟؟ -فيه خلاف- المذهب أنه غير طهور؛ لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم مع شدة اعتنائهم بالدين، ما كانوا يجمعونه ليتوضؤا به ثانيًا، ولو كان ذلك سائغًا لفعلوه.
واختلف الأصحاب في علة منع استعماله ثانيًا، والصحيح: أنه تأدى به فرض، وقيل: تأدى به عبادة. اهـ. باختصار من كفاية الأخيار 1/ 6.
(2) نسخة "أ": يقع.
مائعة (1) موافقة له في الصفات وكانت بحيث لو قدرت مخالفة له في أغلظها لتغير طعمه أو لونه أو ريحه فإنه ينجس قطعًا.
2 - والثاني: أن يكون دونَ القلتين فالنجاسة فيه نوعان:
1 - أحدهما: ما لا يدرسها (2) الطَرْف فلا تنجسه (3) على الأصح من سبعة طرق مشهورة.
2 - والنوع الثاني: ما يدركها الطرف وهو صنفان:
1 - أحدهما: غسالة نجاسة لم تتغير، وأصح الأقوال: أنه إِن انفصل وقد طهر المحل فهو طاهر، وإلا فنجس هذا إِذا لم يزد وزنها، فإن زاد، فنجسة على المشهور، وقيل فيها الأقوال الثلاثة.
2 - والثاني (4): غير الغسالة وهو شيئان:
1 - أحدهما: راكد فنجس (5) على المذهب، وفي وجه لا ينجس بلا تغير كمذهب مالك.
2 - والثاني: جارٍ وأصح القولين أنه كالراكد فلا يزال نجسًا حتى يجتمع في موضعٍ قلتان (6) وقيل إِذا تباعد عن النجاسة الواقعة قدر قلتين فطاهر والله أعلم.
12 - مسألة: ما مقدار القلتين برطل دمشق وكم قدرهما بالمساحة؟.
الجواب: هما نحو مائة وثمانية أرطال بالدمشقي، وبالمساحة (7) ذراع وربع طولًا وعرضًا وعمقًا (.
__________
(1) نسخة "أ": بعد مائعة "لا تعد".
(2) نسخة "أ": يدركه.
(3) نسخة "أ": ينجسه.
(4) نسخة "أ": والصنف.
(5) نسخة "أ": فينجس.
(6) نسخة "أ": قلتين.
(7) نسخة "أ": والمساحة.
( إذ كلٌ من الطول، والعرض، والعمق: خمسة أرباع ذراع ... =
- مسألة: إذا سقى الزرع، والبقل، والثمر، ماءً نجسًا أو زبلت أرضه هل (1) يحل أكله؟.
الجواب: يحل أكله، والله أعلم.
* * *
__________
= فاضرب خمسة الطول في خمسة العرض يكون الحاصل /25/ اضربها في خمسة العمق يكون الحاصل /125/ وكل ربع يسعُ أربعةً. فتضرب في /125/ تبلغ 500. اهـ. بشرى الكريم 1/ 18.
الذي قدره مشايخنا اليوم بأن القلتين تبلغ عشر تنكات من الماء تقريبًا لا تحديدًا فهذا الماء يعتبر كثيرًا لا ينجس بمجرد ملاقاته للنجاسة؛ إلا بتغير أحد أوصافه لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء" رواه ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما وفي رواية: "إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ". اهـ.
(1) نسخة "أ": بدون "هل".
وفيه ست وثلاثون مسألة وستة أبواب
1 - مسألة: الصواب في حد الماء المطلق (2) أنه المفهوم من قولك ماء.
واختلف أصحابنا في الماء المستعمل هل هو مطلق؟ والأصح أنه ليس بمطلق، وقيل مطلقٌ مُنِع من استعماله تعبدًا (3).
__________
(1) الطهارة لغة: النظافة. وشرعًا: ما توقف على حصوله إباحة ولو من بعض الوجوه كالتيمم. وللطهارة أربع مراتب:
1 - المرتبة الأولى: تطهير الظاهر عن الأحداث والأخباث.
2 - المرتبة الثانية: تطهير الجوارح عن الجرائم والآثام.
3 - المرتبة الثالثة: تطهير القلب عن الأخلاق المذمومة والصفات الممقوتة.
4 - المرتبة الرابعة: تطهير السر عما سوى الله تعالى. ولا وصول إلى مرتبة من هذه المراتب إلا بعد إحكام ما قبلها. اهـ. من الإحياء.
(2) هو طاهر في نفسه مطهر لغيره غير مكروه استعماله وهو الذي يسمى ماءً بلا قيد لازم، والمستعمل هو طاهر في نفسه غير مطهر لغيره فلا يجوز استعماله في رفع حدث ولا في إزالة نجس ويجوز استعماله في غير ذلك من العادات كطبخ وعجن وشرب وتنظيف. اهـ.
(3) إلا أن أهل البصائر من أهل الله قد كشف لهم عن سر ذلك ورأوا آثار النجاسة المعنوية ظاهرةً في الماء المستعمل، كان الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى من أهل هذا الميدان ولذا حكم بنجاسة الماء المستعمل. كان رضي الله عنه إذا رأى الماء الذي يتوضأ منه الناس يعرف أعيانَ تلك الخطايا التي خرت في الماء ويميز غسالة =
- مسألة: لو أغلي الماء فتولد من بخاره رشحٌ فهو طهور في أصح الوجهين لأنه من نفس الماء (1).
3 - مسألة: الماء الذي ينعقد ملحًا فيه ثلاثة أوجه لأصحابنا:
أصحّها: أنه طهور.
والثاني: لا.
والثالث: إن انعقد بجوهر (2) أرضه فطهور، وان انعقد بجوهره (3) فلا (4).
__________
= الكبائر عن الصغائر، والصغائر عن المكروهات، والمكروهات عن خلاف الأولى، كالأمور المجسدة حسًا على حد سواء.
وقد دخل مرةً مطهرة جامع الكوفة فرأى شابًا يتوضأ، فنظر في الماء المتقاطر منه فقال: يا ولدي: تب عن عقوق الوالدين! فقال: تبت إلى الله عن ذلك.
وقال سيدي علي الخواص رضي الله عنه:
اعلم أن الطهارة ما شرعت إلا لتزيد أعضاء العبد نظافة وحُسنًا ظاهرًا وباطنًا، والماء الذي خرت فيه الخطايا لا يزيد الأعضاء إلا تقذيرًا وقبحًا، تبعًا لقبح تلك الخطايا التي خرت في الماء، فلو كشف للعبد لرأى الماء الذي يتطهر منه الناس في المطاهر في غاية القذارة والنتن فكانت لا تطيب باستعماله نفسُه. اللهم نور بصائرنا، وأزل غشاوات الحجاب عن قلوبنا، حتى نرى حقائق الأشياء. اهـ.
(1) دخان النجاسة نجس يعفى عن قليله، وبخارها كذلك إذا تصاعد بواسطة نار؛ لأنه جزء من النجاسة تفصله النار بقوتها وإلا فطاهر وعلى هذا يحمل إطلاق من أطلق نجاسته أو طهارته. اهـ. البجيرمي على المنهج 1/ 102.
(2) نسخة "أ": لجوهر.
(3) نسخة "أ": لجوهره.
(4) وقد بسط صاحب الإعانة هذا الموضوع بسطًا مفصلًا عند قوله: وشروط الوضوء كشروط الغسل ثم قال: أحدها ماء مطلق غير مستعمل في رفعِ حدث، وإزالةِ نجس، قليلًا، وغيرُ متغير تغيرًا كثيرًا بحيث يمنع إطلاقَ اسمِ الماء عليه بخليط طاهر وقد غنى الماء عنه: كزعفران، وثمر شجر نبت قُرْبَ الماء، وورق طرح ثم تفتت، لا تراب وملح ماء وإن طرحا فيه، أي لا إن كان التغير بتراب، فإنه لا يضر، لموافقته للماء في الطهورية ولأن تغيره به مجرد كدورة. =
المياه المنهي عن الطهارة بها وشربها
4 - مسألة: من المياه المنهي عن الطهارة بها وشربها: مياه بئار الحِجْر -منازل ثمود- إلا بئر الناقة. ثبت في الصحيحين من رواية ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1).
__________
= وقوله: وملح ماء: أي ولا إن كانْ التغير بملح ناشىء من الماء، فإنه لا يضر أيضًا لكونه منعقدًا من الماء فسومح فيه. بخلاف الجبلي، فإنه يضر لكونه غير منعقد من الماء فهو مستغنى عنه. اهـ. من إعانة الطالبين 1/ 30.
وقال البجيرمي على المنهج 1/ 20: لا تراب وملح ماء وإن طرحا فيه، تسهيلًا على العباد، وبالملح المائي لكونه منعقدًا من الماء، لا يمنع إطلاق اسم الماء عليه.
وفي الأسنوي على الحلبي: وأما الملح المائي، إذا كان منعقدًا من ماء مستعمل ولم يبلغ به الماء قلتين. اهـ. باختصار.
(1) لما أهلك الله قومَ عاد بذنوبهم؛ أورث الله "ثمود" أرضهم وديارهم. وثمود: قبيلة عربية، كانوا يسكنون الحجر -هو ما بين تبوك والحجاز- وقد مر عليه الصلاة والسلام بهذه البلدة وهو ذاهب إلى تبوك. سميت ثمود؛ لأنه اسم أبيهم الأكبر وهو: ثمود بنُ عاد بنِ إرم بنِ سام بنِ نوح.
كانوا في سعَة من العيش، ونعْمة وترف، ذلَّل الله لهم الصعاب، وبسط لهم الرزق، ولكنهم لم يشكروا الله تعالى على نعمته، ولم يحمدوه على فضله، بل زادوا عتوًا في الأرض وفسادًا، أشركوا بالله، وعبدوا الأصنام. فأرسل الله لهم سيدنا صالحًا، وعَظَهم وذكرهم، فلم ير إلا إدبارًا، عقروا الناقة التي أوجدها الله تعالى دلالةً على صدق نبيهم. وأرادوا إلحاق سيدنا صالح بالناقة، ومكروا مكرًا ومكر الله مكرًا، وهم لا يشعرون، فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين. والنهي لأمر معنوي لا حسي؛ لأن تلك الديار مشئومة بشؤم أهلها، وارتكابِ الآثام. اهـ.
وكذا مياه ثمود، وكلُّ ماء مغضوب على أهله كماء ديار قوم لوط، وماءِ البئر التي وضع فيها السحر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن الله تعالى مسخ ماءها حتى صار كنقاعة الحِناء، وماء ديار بابل هي مدينة السحر بالعراق كما في التقريب؛ إلا بئر الناقة فلا كراهة لاستعمال مائها.
والمياه ليست بقيد؛ بل التراب والأحجار كذلك. اهـ. ابن حجر. =
الطهارة بماء زمزم
5 - مسألة: لا تكره الطهارة بماء زمزم عندنا، وبه قال العلماء كافةً إِلا أحمد في رواية. دليلُنا (1) أنه لم يثبت فيه نهي، وثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اُنه قال: "الماء طهور لا ينجسه شيء".
وأما ما يقال عن العباس من النهي عن الاغتسال بماء زمزم فليس بصحيح عنه (2).
الطهارة بالماء المتغير والماء المشمَّس
6 - مسألة: لا تكره الطهارة بالماء المتغير بطول المُكْث عندنا. وبه قال العلماء كافة إلا محمد بن سيرين فكرهه، ولا دليل لقوله.
ودليلنا: الأصل الطهارة، والحديث السابق في المسألة قبلها (3).
__________
= قال في شرح العباب: ويتردد النظر في شجرها، والأولى الكراهة، فيكره أكل ثمره، واستعمالُ السواك منه. اهـ. البجيرمي على الخطيب 1/ 64.
(1) نسخة "أ": دليل ذلك.
(2) قال سيدي إبراهيم الباجوري في حاشيته على ابن قاسم 1/ 28: وأما بئر زمزم فالمعتمد أنه لا يكره استعمال مائها، ولو في إزالة النجاسة لكنه خلاف الأولى، وجَزْم بعضهم بحرمته ضعيفٌ؛ بل شاذ. اهـ.
(3) قال صاحب الإعانة 1/ 31:
وكالتغير بطول المكث، فهو لا يضر لعدم الاستغناء عنه. وعبارته صريحة في أنه من المخالط؛ لكن الذي لا غنى عنه مع أنه لا من المخالط ولا من المجاور. ولو أخرجه بمخالط لكان له وجه؛ وذلك لأن غير المخالط صادق بالمجاور، وبالذي ليس بمجاور ولا مخالط. اهـ.
وقال البجيرمي على الخطيب:
ولا يضر تغير بمكث، أي بسببه، وهو بتثليث الميم، مصدر مكث بضم الكاف وفتحها. وفي المصدر لغة رابعة وهي فتح الكاف والميم. =
7 - مسألة: المشهور من (1) مذهبنا كراهة الطهارة بالماء المشمس (والمختار) أنه لا يكره لأن الحديث المروي فيه عن عائشة رضي الله عنها، والأثر عن (2) ابن عمر رضي لله تعالى عنهما ضعيفان جدًا؛ وخوف البرص لا يعرفه إلا الأطباء. وقال الشافعي: لا أُكَرِّه المشمس إلا أن يكون (3) من جهة الطب (4).
8 - مسألة: الصحيح أن الماء المتغير بالدهن والعود ونحوهما طهور.
وأن المستعمل في نفل الطهارة كالغسلة الثانية والثالثة وتجديد الوضوء (5) والأغسال المسنونة طهور.
__________
= قيل: قد قرىء بها في قوله تعالى: {لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} [الإسراء: 106].
وإن فحش التغير. الغاية للرد على من قال بضرره. اهـ. ببعض تصرف.
(1) نسخة "أ": في.
(2) نسخة "أ": عن عمر رضي الله عنه.
(3) نسخة "أ": يكره.
(4) فالماء المشمس: هو طاهر في نفسه. مطهر لغيره مكروه استعماله. ولكن الكراهة لا تتحقق إلا بشروط قد ذكرها الفقهاء في هذا الباب:
1 - أن يكون ببلد حار وقطر حار كالحجاز واليمن الجنوبية وغيرهما.
2 - وأن تنقله الشمس من حالة إلى أخرى، بحيث تنفصل من إنائه زهومة تعلوه.
3 - وأن يكون في إناء منطَبع -أي: قابل للانطباع- كنحاس، وحديد، ورصاص، غير النقدين، لصفاء جوهرهما.
4 - وأن يكون استعماله حالَ حرارته. فلو برد وعاد إلى حالته الأولى انتفت الكراهة.
5 - وأن يكون التشميس في زمن حارٍ، وكذا يكره شديد السخونة والبرودة. اهـ.
(5) والمراد بتجديد الوضوء إعادته. "والوضوء على الوضوء نور على نور" هذا لفظ حديث ذكر في الإحياء. قال الحافظ العراقي في تخريجه: لم أقف عليه. وسبقه لذلك الحافظ المنذري. وقال الحافظ ابن حجر: حديث ضعيف. ورواه رزين في مسنده. اهـ. جراحي. =
وأن الذي استعمله الصبي، والكتابية التي انقطع حيضها أو نفاسها واغتسلت لاستباحة المسلم ليس بطهور (1).
9 - مسألة: الماء الذي استعمله الحنفي وغيره ممن لا يعتقد وجوب نية الوضوء والغسل في وضوئه أو غسله، فيه ثلاثة أوجه لأصحابنا:
1 - أصحها: أنه ليس بطهور (2).
2 - والثاني: طهور؛ لأنه قد لا ينوي وإن نوى لا يعتقد وجوبها.
3 - والثالث: إِن نوى فليس بطهور، وإلا فطهور.
10 - مسألة: الصحيح المشهور أن الماء الذي توضأ به الصبي المميز مستعمل لا تجوز الطهارة به؛ لأنه قد رفع حدثًا وأُدِّيَتْ به عبادةٌ.
__________
= نعم روى أحمد بإسناد حسن مرفوعًا:
"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء" يعني ولو كانوا غير محدثين.
وأما حديث: "من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات" رواه الترمذي وضعف إسناده. ونقل عن البخاري أنه حديث منكر.
(1) ليس بطهور لغيره ولكنه طاهر بنفسه.
(2) لأنه أُديَ به ما لا بد منه، أثم الشخص بتركه أم لا، عبادة كان أم لا. فشمل وضوءَ الصبي -ولو غير مميز- بأن وضأه وليه للطواف، فهو مستعمل؛ لأنه أدي به ما لا بد منه، وإن كان لا إثم عليه بتركه.
وشمل أيضًا ماء غسل الكافرة لتحل لحليلها المسلم؛ لأنه أدي به ما لا بد منه، وإن لم يكن غُسلها عبادةً. فشمل -أيضًا- ماءَ وضوء الحنفي بلا نية؛ لأنه استعمل في رفع حدث عنده. وإن لم يُرفع عندنا لعدم النية. "اعلم" أنهم اختلفوا في علة منع استعمال الماء المستعمل:
فقيل: -وهو الأصح- إنه غير مطلق.
وقيل: مطلق ولكن منع من استعماله تعبدًا وهو الصحيح. اهـ. من إعانة الطالبين 1/ 27. ارجع إلى ص 13 رقم 3.
وفيه: وجه حكاه البغوي وغيره أنه ليس بمستعمل لأنه لم يُؤَد به فرضٌ (1).
الخلاف في الماء المتنجس
11 - مسألة: إذا وقع في الماء نجاسة أو لاقاها، ما حكمه - على مذهب الشافعي- بجميع وجوه الخلافِ والتفصيل فيه؟.
الجواب: إِن الماء ضربان: متغير بالنجاسة، وغيرُه.
1 - الضرب الأول: المتغير بها وهو قسمان:
"أحدهما": متغير بنجاسة مَيْتَةٍ لا نَفْسَ لها سائلة، فهذا نجس على أصح الوجهين.
"والثاني": متغير بنجاسةٍ أخرى فهذا نجس بلا خلاف.
2 - الضرب الثاني: غير المتغير وله حالان:
1 - أحدهما: أن يكون قلتين فلا ينجس إِلا أن تقع (2) فيه نجاسة
__________
(1) وطاهر غير مُطهر: هو الماء المستعمل في رفع الحدث، أو إزالة النجس، إذا لم يتغير، ولا زاد وزنه فهو طاهر.
لقوله عليه الصلاة والسلام: "خلق الله الماء طهورًا لا ينجسه إلا ما غيَّر طعمه، أو ريحه".
وفي ابن ماجه: "أو لونه" وهو ضعيف. والثابت: طعمه أو ريحه فقط.
وهل هو طهور يرفع الحدث، ويزيل النجس أيضًا؟؟ -فيه خلاف- المذهب أنه غير طهور؛ لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم مع شدة اعتنائهم بالدين، ما كانوا يجمعونه ليتوضؤا به ثانيًا، ولو كان ذلك سائغًا لفعلوه.
واختلف الأصحاب في علة منع استعماله ثانيًا، والصحيح: أنه تأدى به فرض، وقيل: تأدى به عبادة. اهـ. باختصار من كفاية الأخيار 1/ 6.
(2) نسخة "أ": يقع.
مائعة (1) موافقة له في الصفات وكانت بحيث لو قدرت مخالفة له في أغلظها لتغير طعمه أو لونه أو ريحه فإنه ينجس قطعًا.
2 - والثاني: أن يكون دونَ القلتين فالنجاسة فيه نوعان:
1 - أحدهما: ما لا يدرسها (2) الطَرْف فلا تنجسه (3) على الأصح من سبعة طرق مشهورة.
2 - والنوع الثاني: ما يدركها الطرف وهو صنفان:
1 - أحدهما: غسالة نجاسة لم تتغير، وأصح الأقوال: أنه إِن انفصل وقد طهر المحل فهو طاهر، وإلا فنجس هذا إِذا لم يزد وزنها، فإن زاد، فنجسة على المشهور، وقيل فيها الأقوال الثلاثة.
2 - والثاني (4): غير الغسالة وهو شيئان:
1 - أحدهما: راكد فنجس (5) على المذهب، وفي وجه لا ينجس بلا تغير كمذهب مالك.
2 - والثاني: جارٍ وأصح القولين أنه كالراكد فلا يزال نجسًا حتى يجتمع في موضعٍ قلتان (6) وقيل إِذا تباعد عن النجاسة الواقعة قدر قلتين فطاهر والله أعلم.
12 - مسألة: ما مقدار القلتين برطل دمشق وكم قدرهما بالمساحة؟.
الجواب: هما نحو مائة وثمانية أرطال بالدمشقي، وبالمساحة (7) ذراع وربع طولًا وعرضًا وعمقًا (.
__________
(1) نسخة "أ": بعد مائعة "لا تعد".
(2) نسخة "أ": يدركه.
(3) نسخة "أ": ينجسه.
(4) نسخة "أ": والصنف.
(5) نسخة "أ": فينجس.
(6) نسخة "أ": قلتين.
(7) نسخة "أ": والمساحة.
( إذ كلٌ من الطول، والعرض، والعمق: خمسة أرباع ذراع ... =
- مسألة: إذا سقى الزرع، والبقل، والثمر، ماءً نجسًا أو زبلت أرضه هل (1) يحل أكله؟.
الجواب: يحل أكله، والله أعلم.
* * *
__________
= فاضرب خمسة الطول في خمسة العرض يكون الحاصل /25/ اضربها في خمسة العمق يكون الحاصل /125/ وكل ربع يسعُ أربعةً. فتضرب في /125/ تبلغ 500. اهـ. بشرى الكريم 1/ 18.
الذي قدره مشايخنا اليوم بأن القلتين تبلغ عشر تنكات من الماء تقريبًا لا تحديدًا فهذا الماء يعتبر كثيرًا لا ينجس بمجرد ملاقاته للنجاسة؛ إلا بتغير أحد أوصافه لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء" رواه ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما وفي رواية: "إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ". اهـ.
(1) نسخة "أ": بدون "هل".
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
باب في السواك (1) وخضب اللحية
باب في السواك (1) وخضب اللحية
14 - مسألة: السواك بالأصبع فيه ثلاثة أوجه:
أصحها: لا يجزىء.
والثاني: يجزىء (2).
والثالث: أنه يجزيه إِن فقد غيرها (3) ولا يجزىء مع إِمكان غيرها.
__________
(1) السواك: لغة: الدلك. وشرعًا: استعمال عودٍ أو نحوه: كأشنان في الأسنان وما حولها.
والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلى أُمَّتِي لأمَرْتهُمْ بالسوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ".
وفي رواية: "لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء". رواه النسائي، وصححه ابن خزيمة.
وتعتريه أحكام أربعة:
1 - الوجوب: فيما إذا توقف عليه زوال نجاسة، أو ريحٍ كريه في نحو جمعة.
2 - والحرمة: فيما إذا استعمل سواك غيره بغير إذنه ولم يعلم رضاه.
3 - والكراهة: للصائم بعد الزوال.
4 - والندب: في كل حال.
ويحصل بكل خشن وأفضلُه الأراك. لا بأصبعه ولو خشنةً، خلافًا لما اختاره النووي في المجموع من أن أصبعه الخشنة تجزىء. وإنما يتأكد السواك ولو لمن لا أسنان له لكل وضوء، ولكل صلاة فرضِها ونفلِها، وإن سلَّم من كل ركعتين، لقوله عليه الصلاة والسلام: "ركعتانِ بسواكٍ أفْضلُ مِنْ سَبْعينَ رَكعةً بغير سِواكٍ" رواه ابن النجار والديلمي ورجاله موثقون.
(2) نسخة "أ": يجزيه.
(3) نسخة "أ": غيره.
- مسألة: ما حكم خضاب اللحية البيضاء؟.
الجواب: خضابها بحمرة أو صفرة سنة، وخضابها بالسواد حرام على الصحيح. وقيل: مكروه. وهذا في حق الرجل والمرأة (1) إِلا (2) الرجل المجاهد. قال الماوردي: لا يحرم في حقه. وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- حين رأى لحية أبي قحافة والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بيضاء قال: "غَيِّرُوا هذا واجْتَنِبُوا السوَادَ"!! (3).
__________
(1) قال الشهاب الرملي في شرح الزبد وتبعه ابنه في شرحها:
يجوز لها بإذنٍ من حليلها؛ لأن فيها تزيينًا لها وقد أُذن لها فيه. اهـ. بشرى الكريم 2/ 131.
(2) نسخة "أ": لا.
(3) أبو قحافة: والد أبي بكر رضي الله تعالى عنهما ولم يسلم إلا يوم فتح مكة. وعاش إلى خلافة عمر رضي الله تعالى عنه فجيء به يوم الفتح، ولحيته كالثغامة -بالفتح نبت أبيض الزهر والثمر- فقال عليه الصلاة والسلام: "غيروا هذا الشيب بشيء واجتنبوا اللون الأسود"!!
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - "يخضب بالصفرة" زاد في رواية: "فأنا أحب أن أصنع بها".
وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن وهب قال: دخلنا على أم سلمة رضي الله تعالى عنها فأخرجت إلينا من شعر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا هو مخضوب بالحناء والكتَم.
والكتم: بفتح التاء: نبت يخلط بالحناء ويخضب به الشعر فيبقى لونه. كما في القاموس. والكتم الصِرف كما قال القسطلاني: يوجب سوادًا مائلًا إلى الحمرة.
والذي عليه بعض الناس من الخضب بالسواد المحض حالَ السلِم غيرُ سائغٍ شرعًا.
وقد نجم عنه غِش وتغرير بالمرأة المخطوبة وأهلها، إذ خَضْبُ الخاطب به يوهمهم أنه شاب قوي. وهو أشيب ضعيف.
وحكي أن أشيب قد خضب بالسواد وخطب امرأة شابة. فأعجبها عن بعدٍ سمْتُه ومنظره. فأجابته. فلما تم الزواج، وإذا بأصول الشعر ظهر بياضه بعد فترة فخاطبته قائلة:
قالتْ أراكَ خَضَبْتَ الشيْبَ قلتُ لها ... سترتُه عنكِ يا سَمْعي ويا بصري =
الحديث على الختان
16 - مسألة: لو مات إِنسان غيرَ مختون ففيه ثلاثة أوجه:
الصحيح: أنه لا يختن لا الصغير ولا الكبير.
والثاني: يختنان.
والثالث: يختن الكبير دون الصغير.
ولو ولد مختونًا فلا ختانَ عليه. ذكره الشيخ (1) أبو محمد في كتابه التبصرة (2).
__________
= فقهقتْ وقالتْ إنَّ ذا عجبٌ ... تكاثر الغِشُ حتى صار في الشَّعْرِ
هذا كله إذا لم يكن لغرض شرعي كالجهاد، لأن السواد مظهر الشباب والقوة: وهو أرهبُ للأعداء، وأخوف لهم. ولا يقال: إن الخضاب فيه تغيير الخلقة؛ لأنه مأمور به، بخلاف نتف الشيب فإنه مكروه لحديث أصحاب السنن: "لا تنتفوا الشيب". "ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نورًا يوم القيامة".
وحكمة الشيب
احتشام النفس: وخوفها من الله تعالى، فإنه علامة على كِبر السن، وانقضاء العمر وقرب الأجل، ونذير من نذر الموت.
صبغ شعر المرأة بغير السواد جائز للزينة. وأما السواد فقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى التفصيل في حكمه. اهـ.
(1) نسخة "أ": بدون "أبو".
(2) قال في إعانة الطالبين 4/ 173: ووجب ختان المرأة والرجل، حيث لم يولدا مختونين؛ فإن ولدا كذلك فلا يجب الختان. ودليل الوجوب قوله سبحانه: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} ومنها الختان؛ أي: ومن ملة إبراهيم الختان. اختتن عليه الصلاة والسلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم.
وقيل: واجب على الرجال، وسنة على النساء.
ويجب الختان ببلوغ وعقل إذ لا تكليف قبلهما، فيجب بعدهما فورًا.
فالواجب في ختان الرجل قطع ما يغطي حشفته حتى تنكشف كلُّها.
والمرأة قطع جزء يقع عليه الاسم من اللحمة الموجدة بأعلى الفرج فوق ثقبة البول، تشبه عرف الديك وتسمى البَظْرَ. =
باب في المضمضة والاستنشاق
17 - مسألة: هل الأفضل في المضمضة والاستنشاق أن يكونا بست غرفات كما هو المعتاد، أم بغير ذلك؟ وكيف صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟.
الجواب: الأفضل أن يكونا بثلاث غرفات يتمضمض من كل غرفة ويستنشق، وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهِما (1). وأما فعلهما بست غرفات فلم يصح فيه شيء.
18 - مسألة: هل يكره غمس يده المشكوك في نجاستها في المائع كالطبيخ والدبس والعسل (2) والزيت واللبن والدهن وغيرها قبل غسلها؟.
الجواب: نعم يكره كل (3) ذلك سواء قام من النوم أم لا، وكذا يكره أن يأكل بها فاكهة فيها رطوبة.
__________
= ويندب تعجله سابعَ يوم الولادة للاتباع؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ختن الحسن والحسين -رضي الله عنهما- يوم سَابعهما، فإن أخر عنه ففي الأربعين؛ وإلا ففي السنة السابعة، لأنها وقت أمره بالصلاة.
ومن مات بغير ختان لم يختن في الأصح. ويسن إظهار ختان الذكر، واخفاء ختان الأنثى. اهـ. ببعض تصرف.
فائدة: لقد روي أنه عليه الصلاة والسلام ولد مختونًا. اهـ.
(1) قال في الأم: يجمع لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وصف وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فتمضمض مع الاستنشاق بماء واحد". رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح. المجموع 1/ 401 - 402.
ومنها حديث عبد الله بن زيد أنه وصف وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فتمضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثًا". رواه البخاري ومسلم. المجموع 1/ 409 - 410.
(2) نسخة "أ": بدون لفظ "والعسل".
(3) نسخة "أ": بدون لفظ "كل".
- مسألة: وَجَدَ المسافرُ وغيرُهُ خابيةَ ماءٍ مسبلةً (1) على الطريق يجوز له الشربُ منها ويحرمُ عليه الوضوء به؛ لأنها سُبِّلَتْ للشرب الذي لا بَدَلَ له، ولم تسبل للوضوء لأن له بدلًا وهو التيمم، صرح بهذه المسألة المتولي وغيرُه من أصحابنا، والله أعلم.
20 - مسألة: توضأ من (2) حدثٍ، وصلى الصبحَ والظهر (3) ثم نسي أنه توضأ، وصلى، فأعادهما (4)، ثم علم أنه ترك سجدة من إِحدى الصلاتين، وَمَسْحَ الرأسِ في إِحدى الطهارتين، فطهارته صحيحة الآن وعليه إِعادة الصلاة؛ لاحتمال أنه ترك المسح من الأولى والسجدة من الثانية.
حكم التطهر بالثلج والبَرد
21 - مسألة: إذا أمر المتطهر على أعضائه ثلجًا أو بَردًا وسال كفاه على الصحيح عند أصحابنا؛ لأنه حصل الغَسْلُ.
وقال الإصطخري من أصحابنا: لا يصح غسله، وإن لم يسل لم يُجْزه إلا الممسوح: وهو الرأس والجبيرة والخف.
باب في الحديث على مس الفرج
22 - مسألة: من مس ذكره بباطن كفه ناسيًا هل تبطل صلاته وطهارته؟.
أجاب رضي الله عنه: نعم؛ تبطل صلاته وطهارته، والله أعلم (5). "كتبته عنه".
__________
(1) نسخة "أ": بدون لفظ مسبلة.
(2) نسخة "أ": عن.
(3) نسخة "أ": بدون لفظ الظهر.
(4) نسخة "أ": فأعادها.
(5) لقوله عليه الصلاة والسلام: "مَنْ مَسَّ فَرجَهُ فَلْيَتَوضِّأ" رواه ابن ماجه عن أم حبيبة =
مس المصحف من المحدث
23 - مسألة: هل يجوز تمكينُ الصبي المميز من كتابة القرآن في اللوح، وحمله، وحمل المصحف، وهو محدث، أو جنب.
وكيف تتصور الجنابة في حقه؟ وهل للبالغ كتابة القرآن وهو محدث أوجنب، وكذلك المرأة؟.
الجواب: يجوز تمكين الصبي المميز من ذلك، وتتصور جنابته بالوطء سواء أولج (1) أو أولج فيه غيرُه.
وأما البالغ من الرجال أو النساء، فلا يجوز له كتابةُ القرآن إِلا أن يكتبه بحيث لا يمسّ المكتوبَ فيه. ولا يحمله بأن يضعه بين يديه ويرفع يده في حال الكتابة (2).
__________
= وأبي أيوب رضي الله عنهما. وفي رواية: "من مسَّ ذكره فليتوضأ" ولخبر ابن حبان في صحيحه: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ". اهـ. قال في بشرى الكريم 1/ 31:
من نواقض الوضوء: مس قُبُل الآدمي، وحَلْقةِ دبره، بباطن الكف: من حي أو ميت، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، من نفسه أو غيره، من مَحْرمه أو غيره.
ولا يُنقض فرج البهيمة من جميع الحيوانات، إذ لا تُشتهى، ولذا حل نظره إليها، وانتفى الحدُّ به.
ولا اللمس برءوس الأصابع، وحروفها لأنها خارجة عن سمت الكف. اهـ.
باختصار.
(1) نسخة "أ": ولج.
(2) ويحرم بالحدث حمل المصحف، ومس ورقه، وحواشيه، وجلده، وخريطته، وصندوقه، أي المعدات له، وهو فيه. ومنه بيت الربعة فيحرم مسه وفيه شيء من الأجزاء. وما كتب لدراسة قرآن.
ويحرم محو ما كتب من القرآن بالريق لأنه مستقذر، ويحرم وضعه على الأرض، ويحرم وضع نحو نقد عليه، ومسه بمستقذر ولو ريقًا في نحو قلب ورقه.
ويكره أخذ الفأل منه. ويحل حمله في أمتعة تبعًا لها لا بقصد المصحف. =
- مسألة: هل يكره استقبال بيت المقدس بالبول والغائط في الصحراء من غير حائل؟.
الجواب: نعم، يكره والحالة هذه وفيه حديث (1).
14 - مسألة: السواك بالأصبع فيه ثلاثة أوجه:
أصحها: لا يجزىء.
والثاني: يجزىء (2).
والثالث: أنه يجزيه إِن فقد غيرها (3) ولا يجزىء مع إِمكان غيرها.
__________
(1) السواك: لغة: الدلك. وشرعًا: استعمال عودٍ أو نحوه: كأشنان في الأسنان وما حولها.
والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلى أُمَّتِي لأمَرْتهُمْ بالسوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ".
وفي رواية: "لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء". رواه النسائي، وصححه ابن خزيمة.
وتعتريه أحكام أربعة:
1 - الوجوب: فيما إذا توقف عليه زوال نجاسة، أو ريحٍ كريه في نحو جمعة.
2 - والحرمة: فيما إذا استعمل سواك غيره بغير إذنه ولم يعلم رضاه.
3 - والكراهة: للصائم بعد الزوال.
4 - والندب: في كل حال.
ويحصل بكل خشن وأفضلُه الأراك. لا بأصبعه ولو خشنةً، خلافًا لما اختاره النووي في المجموع من أن أصبعه الخشنة تجزىء. وإنما يتأكد السواك ولو لمن لا أسنان له لكل وضوء، ولكل صلاة فرضِها ونفلِها، وإن سلَّم من كل ركعتين، لقوله عليه الصلاة والسلام: "ركعتانِ بسواكٍ أفْضلُ مِنْ سَبْعينَ رَكعةً بغير سِواكٍ" رواه ابن النجار والديلمي ورجاله موثقون.
(2) نسخة "أ": يجزيه.
(3) نسخة "أ": غيره.
- مسألة: ما حكم خضاب اللحية البيضاء؟.
الجواب: خضابها بحمرة أو صفرة سنة، وخضابها بالسواد حرام على الصحيح. وقيل: مكروه. وهذا في حق الرجل والمرأة (1) إِلا (2) الرجل المجاهد. قال الماوردي: لا يحرم في حقه. وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- حين رأى لحية أبي قحافة والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بيضاء قال: "غَيِّرُوا هذا واجْتَنِبُوا السوَادَ"!! (3).
__________
(1) قال الشهاب الرملي في شرح الزبد وتبعه ابنه في شرحها:
يجوز لها بإذنٍ من حليلها؛ لأن فيها تزيينًا لها وقد أُذن لها فيه. اهـ. بشرى الكريم 2/ 131.
(2) نسخة "أ": لا.
(3) أبو قحافة: والد أبي بكر رضي الله تعالى عنهما ولم يسلم إلا يوم فتح مكة. وعاش إلى خلافة عمر رضي الله تعالى عنه فجيء به يوم الفتح، ولحيته كالثغامة -بالفتح نبت أبيض الزهر والثمر- فقال عليه الصلاة والسلام: "غيروا هذا الشيب بشيء واجتنبوا اللون الأسود"!!
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - "يخضب بالصفرة" زاد في رواية: "فأنا أحب أن أصنع بها".
وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن وهب قال: دخلنا على أم سلمة رضي الله تعالى عنها فأخرجت إلينا من شعر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا هو مخضوب بالحناء والكتَم.
والكتم: بفتح التاء: نبت يخلط بالحناء ويخضب به الشعر فيبقى لونه. كما في القاموس. والكتم الصِرف كما قال القسطلاني: يوجب سوادًا مائلًا إلى الحمرة.
والذي عليه بعض الناس من الخضب بالسواد المحض حالَ السلِم غيرُ سائغٍ شرعًا.
وقد نجم عنه غِش وتغرير بالمرأة المخطوبة وأهلها، إذ خَضْبُ الخاطب به يوهمهم أنه شاب قوي. وهو أشيب ضعيف.
وحكي أن أشيب قد خضب بالسواد وخطب امرأة شابة. فأعجبها عن بعدٍ سمْتُه ومنظره. فأجابته. فلما تم الزواج، وإذا بأصول الشعر ظهر بياضه بعد فترة فخاطبته قائلة:
قالتْ أراكَ خَضَبْتَ الشيْبَ قلتُ لها ... سترتُه عنكِ يا سَمْعي ويا بصري =
الحديث على الختان
16 - مسألة: لو مات إِنسان غيرَ مختون ففيه ثلاثة أوجه:
الصحيح: أنه لا يختن لا الصغير ولا الكبير.
والثاني: يختنان.
والثالث: يختن الكبير دون الصغير.
ولو ولد مختونًا فلا ختانَ عليه. ذكره الشيخ (1) أبو محمد في كتابه التبصرة (2).
__________
= فقهقتْ وقالتْ إنَّ ذا عجبٌ ... تكاثر الغِشُ حتى صار في الشَّعْرِ
هذا كله إذا لم يكن لغرض شرعي كالجهاد، لأن السواد مظهر الشباب والقوة: وهو أرهبُ للأعداء، وأخوف لهم. ولا يقال: إن الخضاب فيه تغيير الخلقة؛ لأنه مأمور به، بخلاف نتف الشيب فإنه مكروه لحديث أصحاب السنن: "لا تنتفوا الشيب". "ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نورًا يوم القيامة".
وحكمة الشيب
احتشام النفس: وخوفها من الله تعالى، فإنه علامة على كِبر السن، وانقضاء العمر وقرب الأجل، ونذير من نذر الموت.
صبغ شعر المرأة بغير السواد جائز للزينة. وأما السواد فقد ذكر المصنف رحمه الله تعالى التفصيل في حكمه. اهـ.
(1) نسخة "أ": بدون "أبو".
(2) قال في إعانة الطالبين 4/ 173: ووجب ختان المرأة والرجل، حيث لم يولدا مختونين؛ فإن ولدا كذلك فلا يجب الختان. ودليل الوجوب قوله سبحانه: {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} ومنها الختان؛ أي: ومن ملة إبراهيم الختان. اختتن عليه الصلاة والسلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم.
وقيل: واجب على الرجال، وسنة على النساء.
ويجب الختان ببلوغ وعقل إذ لا تكليف قبلهما، فيجب بعدهما فورًا.
فالواجب في ختان الرجل قطع ما يغطي حشفته حتى تنكشف كلُّها.
والمرأة قطع جزء يقع عليه الاسم من اللحمة الموجدة بأعلى الفرج فوق ثقبة البول، تشبه عرف الديك وتسمى البَظْرَ. =
باب في المضمضة والاستنشاق
17 - مسألة: هل الأفضل في المضمضة والاستنشاق أن يكونا بست غرفات كما هو المعتاد، أم بغير ذلك؟ وكيف صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟.
الجواب: الأفضل أن يكونا بثلاث غرفات يتمضمض من كل غرفة ويستنشق، وبهذا جاءت الأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهِما (1). وأما فعلهما بست غرفات فلم يصح فيه شيء.
18 - مسألة: هل يكره غمس يده المشكوك في نجاستها في المائع كالطبيخ والدبس والعسل (2) والزيت واللبن والدهن وغيرها قبل غسلها؟.
الجواب: نعم يكره كل (3) ذلك سواء قام من النوم أم لا، وكذا يكره أن يأكل بها فاكهة فيها رطوبة.
__________
= ويندب تعجله سابعَ يوم الولادة للاتباع؛ لأنه عليه الصلاة والسلام ختن الحسن والحسين -رضي الله عنهما- يوم سَابعهما، فإن أخر عنه ففي الأربعين؛ وإلا ففي السنة السابعة، لأنها وقت أمره بالصلاة.
ومن مات بغير ختان لم يختن في الأصح. ويسن إظهار ختان الذكر، واخفاء ختان الأنثى. اهـ. ببعض تصرف.
فائدة: لقد روي أنه عليه الصلاة والسلام ولد مختونًا. اهـ.
(1) قال في الأم: يجمع لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وصف وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فتمضمض مع الاستنشاق بماء واحد". رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح. المجموع 1/ 401 - 402.
ومنها حديث عبد الله بن زيد أنه وصف وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فتمضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثًا". رواه البخاري ومسلم. المجموع 1/ 409 - 410.
(2) نسخة "أ": بدون لفظ "والعسل".
(3) نسخة "أ": بدون لفظ "كل".
- مسألة: وَجَدَ المسافرُ وغيرُهُ خابيةَ ماءٍ مسبلةً (1) على الطريق يجوز له الشربُ منها ويحرمُ عليه الوضوء به؛ لأنها سُبِّلَتْ للشرب الذي لا بَدَلَ له، ولم تسبل للوضوء لأن له بدلًا وهو التيمم، صرح بهذه المسألة المتولي وغيرُه من أصحابنا، والله أعلم.
20 - مسألة: توضأ من (2) حدثٍ، وصلى الصبحَ والظهر (3) ثم نسي أنه توضأ، وصلى، فأعادهما (4)، ثم علم أنه ترك سجدة من إِحدى الصلاتين، وَمَسْحَ الرأسِ في إِحدى الطهارتين، فطهارته صحيحة الآن وعليه إِعادة الصلاة؛ لاحتمال أنه ترك المسح من الأولى والسجدة من الثانية.
حكم التطهر بالثلج والبَرد
21 - مسألة: إذا أمر المتطهر على أعضائه ثلجًا أو بَردًا وسال كفاه على الصحيح عند أصحابنا؛ لأنه حصل الغَسْلُ.
وقال الإصطخري من أصحابنا: لا يصح غسله، وإن لم يسل لم يُجْزه إلا الممسوح: وهو الرأس والجبيرة والخف.
باب في الحديث على مس الفرج
22 - مسألة: من مس ذكره بباطن كفه ناسيًا هل تبطل صلاته وطهارته؟.
أجاب رضي الله عنه: نعم؛ تبطل صلاته وطهارته، والله أعلم (5). "كتبته عنه".
__________
(1) نسخة "أ": بدون لفظ مسبلة.
(2) نسخة "أ": عن.
(3) نسخة "أ": بدون لفظ الظهر.
(4) نسخة "أ": فأعادها.
(5) لقوله عليه الصلاة والسلام: "مَنْ مَسَّ فَرجَهُ فَلْيَتَوضِّأ" رواه ابن ماجه عن أم حبيبة =
مس المصحف من المحدث
23 - مسألة: هل يجوز تمكينُ الصبي المميز من كتابة القرآن في اللوح، وحمله، وحمل المصحف، وهو محدث، أو جنب.
وكيف تتصور الجنابة في حقه؟ وهل للبالغ كتابة القرآن وهو محدث أوجنب، وكذلك المرأة؟.
الجواب: يجوز تمكين الصبي المميز من ذلك، وتتصور جنابته بالوطء سواء أولج (1) أو أولج فيه غيرُه.
وأما البالغ من الرجال أو النساء، فلا يجوز له كتابةُ القرآن إِلا أن يكتبه بحيث لا يمسّ المكتوبَ فيه. ولا يحمله بأن يضعه بين يديه ويرفع يده في حال الكتابة (2).
__________
= وأبي أيوب رضي الله عنهما. وفي رواية: "من مسَّ ذكره فليتوضأ" ولخبر ابن حبان في صحيحه: "إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما ستر ولا حجاب فليتوضأ". اهـ. قال في بشرى الكريم 1/ 31:
من نواقض الوضوء: مس قُبُل الآدمي، وحَلْقةِ دبره، بباطن الكف: من حي أو ميت، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، من نفسه أو غيره، من مَحْرمه أو غيره.
ولا يُنقض فرج البهيمة من جميع الحيوانات، إذ لا تُشتهى، ولذا حل نظره إليها، وانتفى الحدُّ به.
ولا اللمس برءوس الأصابع، وحروفها لأنها خارجة عن سمت الكف. اهـ.
باختصار.
(1) نسخة "أ": ولج.
(2) ويحرم بالحدث حمل المصحف، ومس ورقه، وحواشيه، وجلده، وخريطته، وصندوقه، أي المعدات له، وهو فيه. ومنه بيت الربعة فيحرم مسه وفيه شيء من الأجزاء. وما كتب لدراسة قرآن.
ويحرم محو ما كتب من القرآن بالريق لأنه مستقذر، ويحرم وضعه على الأرض، ويحرم وضع نحو نقد عليه، ومسه بمستقذر ولو ريقًا في نحو قلب ورقه.
ويكره أخذ الفأل منه. ويحل حمله في أمتعة تبعًا لها لا بقصد المصحف. =
- مسألة: هل يكره استقبال بيت المقدس بالبول والغائط في الصحراء من غير حائل؟.
الجواب: نعم، يكره والحالة هذه وفيه حديث (1).
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
باب في حكم الصلاة في أرض الغير
باب في حكم الصلاة في أرض الغير
25 - مسألة: هل يجوز للمسافر وغيره الصلاة في الأرض المملوكة في الصحراء، إِذا لم يكن فيها زرعٌ يتضرر به، وهل له التيمم بترابها؟.
__________
= ويجوز قلب ورقه بعود.
ولا يمنع الصبي المميز من حمله، ومسه للدراسة لمشقة دوام طهره.
وأما حمله لغير الدراسة حرام. ويحرم تمكين غير المميز من حمله.
هذا كله إذا كان لغير ضرورة، أما لها كان خاف عليه تنجيسًا، أو ضياعًا، وعجز عن الطهارة، واستيداعه مسلمًا فيجوز عند ذلك ضرورة. اهـ. من بشرى الكريم 1/ 31
باختصار.
(1) الحديث المتفق عليه في هذا الباب:
قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها بغائط ولا بول، ولكن شرقوا أو غربوا".
أقول: هذا خطاب لأهل المدينة ومن كان على سَمْتهم وجهتهم كالشام واليمن، بخلاف أهل المشرق والمغرب.
واعلم!! أن استقبال الكعبةِ واستدبارها، في فضاء غير مُعَدٍ لذلك بلا سترة حرام.
وبها .. أي بالسترة خِلاف الأولى ..
أما في مُعَدٍ، ولو بلا سترة: فلا حرمة، ولا كراهة، ولا خلاف الأولى؛ بل خلاف الأفضل حيث أمكن الميل عن القبلة بلا مشقة.
وخرج بالكعبة ما كان قبلة قبلُ ثم نسخ كصخرة بيت المقدس، فاستقباله واستدباره مكروه وتنتفي الكراهة فيه بما تنتفي به الحرمة. اهـ. من الشرقاوي على التحرير 1/ 125.
وأما حديث بيت المقدس فلم أقف عليه والله أعلم.
الجواب: تجوز (1) الصلاة فيها والتيمم منها إن علم بقرينة حال، أو اطراد (2) عرفٍ أن مالكها لا يكره ذلك؛ فإن علم كراهتَه لذلك أو شكَّ فيها لم يجز.
صلاة فاقد الطهورين
26 - مسألة: إذا لم يجد ماءً ولا ترابًا، ففيه أربعة أقوال:
الصحيح أنه تلزمه الصلاة على حسب حاله، وتجب إِعادتها، ولا تجوز الِإعادة إِلا بالوضوء، أو التيمم في موضع يسقط به الفرض (3). فإن كان في الحضر، وعُدِم الماء لم تجز الِإعادة بالتيمم إِذ لا فائدة فيها؛ وإِنما أمرناه بالصلاة أولًا لحرمة الوقت، وليس ذلك موجودًا بعد خروج. الوقت؛ فلا يجوز أن يصلي محدِثًا بلا تيمم من غير ضرورة ولا حرمة وقت صلاةٍ لا تنفعه (4).
__________
(1) نسخة "أ": يجوز.
(2) نسخة "أ": أو ظنٍ.
(3) بأن كان المحل الذي يصلي فيه، يغلب فيه فقد الماء أو يستوي الأمران. اهـ.
(4) ومن لم يجد ماء ولا ترابًا صلى الفرضَ وحْده لحرمة الوقت: كالعاجز عن نحو السترة.
وهي صلاة صحيحة في أحكامها؛ لكنها تبطل بتوهم التراب، ولو بمحل لا يسقط القضاء كما نقل ابن قاسم عن الرملي.
وخرج بالفرض: النفل: من سجدة التلاوة، ومس المصحف، وقراءة القرآن، سوى الفاتحة في الصلاة، وتمكين الحليل، والنذر، والقضاء، لعدم الضرورة في جميع ذلك.
وصلاةُ الجنازة كالنفل عند الرملي.
ويصلي قبل الدفن ويعيد عند ابن حجر إذا وجد الماء، أو التراب.
قال صاحب العُباب (فرع) إذا وجد فاقد الطهورين في الوقت بعد فعل الصلاة، (الترابَ) بمحل لا تسقط فيه الصلاة بالتيمم وجب فعلها. اهـ
واختار النووي القول بأن كل صلاة وجبت في الوقت مع خَلل، لا تجب إعادتها لأن القضاء بأمر جديد ولم يثبت. اهـ. بشرى الكريم 1/ 50.
- مسألة: إِذا تيمم برمل خالص له غبار يَعْلَق بالوجه واليدين، هل يصح تيممه؟ ولو سُحِق الرمل وتيمم به هل يصح أم لا؟.
أجاب رضي الله عنه: نعم، يصح تيممه في الصورتين.
وكلام صاحب "التنبيه" مؤول، والله أعلم "كتبته عنه".
باب في نفقة المتحيرة (1)
28 - مسألة: المستحاضة المتحيرة (2) تجب لها النفقة
__________
(1) أقول:
من المصائب الفادحة، اللاتي أصيبت بها نساؤنا اليوم، جهلُهن في معظم أبواب الفقه الإسلامي.
ترى الواحدة منهن تتقن ما يتعلق بأمور شهواتها وأزيائها إتقانًا جيدًا وتحفظ من الأغنيات وأسماء المغنين الشيء الكثير.
وإن كانت من المتعلمات، تصل إلى القمة بعلمها وثقافتها، وإذا ما دعاها داعي الدين، تراها في ليلٍ دامس، وجهالة جهلاء، لا تفقه شيئًا من ذلك.
وقد أوجب الله على النساء، تعلم ما يحتجن إليه، ولا سيما "باب الحيض" لأن كثيرًا من الأحكام متعلقة ومربوطة في هذا الباب.
فإن كان لها زوج فيجب عليه أن يتعلم ويعلمها، وإن لم تكن ذاتَ بعل فلتخرج ولتسأل.
وقد أثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على نساء الأنصار حيث قال: "رَحِمَ اللهُ نساءَ الأنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحياءُ عن السُّؤالِ عَنْ أمْرِ دِينهنَّ"!!.
وليس لها الخروج لغير تعلم واجب من نحو مجلس فكر أو حضور جماعة، ولا سيما إن كانت متكشفةً بثوبها الشفاف، ولباسها الضيق الذي يُظهر معالم جسمها.
وإن أرادت أن تجاوز سور بلدها لا بد لها من مَحرم يرافقها خوفًا من الفتنة فما قولك بسفرها إلى بلاد بعيدة؟
شكت إحدى الفتيات والدَها بتعدي رفاقها عليها فاستهجن هذه الشكوى وقال لها بعنف: ماذا تريدين من هذا؟
تريدين أن تضحي بمستقبلك في سبيل عرضك؟؟ فهذا وأمثاله مما وقع فيه المسلمون اليوم وهو قليل من كثير. اهـ. محمد.
(2) سميت متحيرة لأن أمرها حيَّر الفقهاء.
والكسوة وسائر مؤن النكاح على زوجها، ولا خيار له في فسخ نكاحها كما لو كانت مريضةً.
29 - مسألة: إِذا قالت المتحيرة: كنت أحيض خمسة أيام من كل شهر، منها يومان من إِحدى خَمَسَاتِ الشهر، وثلاثةٌ من خمسةٍ تليها لا أدري أيُّ الخمسات هي، ولا أدري هل اليومان سابقان للثلاثة أم عكسه؟ فليس لها حيض بيقين ولها أربعة أيام طهر بيقين -وهي اليومان الأولان والآخران (1) من الشهر- وباقي الأيام يحتمل الحيض والطهر، وحكمهما معروف، وعليها عشرة أغسال، وهي عقب الثاني والثالث من كل خمسة سوى الخمسةِ الأولى، والله أعلم.
30 - مسألة: المشهور من (2) المذهب أن المستحاضة المتحيرة إِذا لزمها صوم يومين تصومهما بصوم (3) ستة أيام من ثمانيةَ عشر يومًا: ثلاثةٌ في أولها، وثلاثة في آخرها، وإِن لزمها ثلاثةٌ، صامت ثمانية، وإِن لزمها أربعة، صامت عشرة وهكذا أربعة عشر (4) فيلزمها ثلاثون هذه طريقة الأصحاب، وحاصلها أنها تضعّف الواجبَ، وتزيد يومين. والصواب طريقة الدارمي أنها يكفيها التضعيف وزيادة يوم واحدة فإذا كان عليها يومان صامت خمسةً. وهي اليوم الأول والثالث والسابعَ عشر، والتاسعَ عشر، وتفطر الرابع، والسادس عشر، ويومًا من الأحد عشر الباقية بينهما أيها شاءت وتبرأ ذمتها على كل تقدير، وقد صنف الدارمي في المسألة مجلدًا ضخمًا وقد انتخبت مقاصده في شرح المهذب، وبالله التوفيق (5).
__________
(1) نسخة "أ": والأخيران.
(2) نسخة "أ": في.
(3) نسخة "أ": بدون "بصوم".
(4) نسخة "أ": يومًا.
(5) والاستحاضة:
دم علة يخرج من عرقٍ، فمُه في أدنى الرحم، وتنحصر بأنها الدم الخارج في غير أوقات الحيض والنفاس. =
- مسألة: تُقبل شهادةُ النساء على الحيض، كما تقبل على الولادة، والرضاع، والعيوب تحتَ الثياب.
والمسألة مشهورة في كتب أصحابنا.
وممن صرح بها في مَظنتها وموضعها من كتاب الشهادات البغوي وغيرُه، وذكرها صاحب الشامل في كتاب الخلع، ولا خلاف فيها. وإنما ذكرت هنا (1) لأنها حدثت في زماننا، واضطرب جماعة فيها لعدم وقوفهم على النقل فيها. وتخيَّل (2) بعضُهم أنهم يعسُر اطلاعهن عليه، وهذا عجيب، وكيف يخفى على النسوة الخبيرات ما هنَّ ممارساتٍ له في أنفسهن وفي غيرهن معظم أعمارهن! والله أعلم.
باب النجاسة الواقعة في الخمر قبل التخلل
32 - مسألة: إِذا وقعت في الخمر نجاسة أخرى كعظم ميتة ونحوه (3)، فأخرجت منها ثم انقلبت الخمر خلًا لم تطهر بلا خلاف،
__________
= فهي الدم الخارج قبل تسع سنينَ، أو بعدها، ونقص عن قدر يوم وليلة، والزائدُ على خمسةَ عشر يومًا بلياليها، والآتي قبل تمام أقل الطهر، أو مع الطلق، ولم يتصل بحيض قبله.
وقيل: هي المتصلة بدم الحيض فقط.
وغيره: دمُ فساد.
والاستحاضة: حدث دائم فلا تمنع شيئًا مما يمتنع بالحيض: من نحو صلاة، ووطء، ولو مع جريان الدم.
والمستحاضة: تغسل فرجها، ثم تحشوه -أي قطنًا- إلا إذا أحرقها الدم، أو كانت صائمة، وتجب الطهارة، وتجديد العَصْب لكل فرض. اهـ. بشرى الكريم باختصار 1/ 52.
(1) نسخة "أ": هذا.
(2) نسخة "أ": وعلل.
(3) أو طاهرة استمرت إليه، أو لم تستمر، لكن تحلل منها شيء فتطهر، وإن فتح رأسها، أو نقلت من محلّها، أو تخللت لا بفعل فاعل بأن غلت، واشتدت وقذفت بالزبد. اهـ.
ذكره صاحبُ التتمة في باب الاستطابة. أما اذا لم يقع في الخمر نجاسةٌ أخرى، ولا خللها بشيء؛ لكنها غلت وارتفعت إلى أعلى الدَنِّ، ثم سكنت ونزلت إِلى وسطه، ثم انقلبت بنفسها خلًا طهرت وطهر أجزاء الدن التي ارتفعت (1) إِليها تبعًا، صرح به أصحابنا، والله أعلم (2).
في الزيت المتنجس وغيره
33 - مسألة: خابية زيت فيها (3) جبن وقعت فيه فأرة هل يمكن طهارة الزيت والجبن؟.
الجواب: لا يطهر الزيت بالغسل (4) بالماء (5)؛ ولكن يجوز الاستصباح به.
وأما الجبن فيطهر بالغسل بالماء مع تراب ونحوه بحيث يَطْفو عنه الزيت فيطهر الجبن.
__________
(1) نسخة "أ": ارتفع.
(2) والحاصل: أن العين إن كانت نجسةً ضرت مطلقًا. تحلل منها شيء أو لا، نزعت قبل التخلل أو لا!!
وإن كانت طاهرة، فإن وقعت بعد التخلل لم تضر مطلقًا، وإن وقعت قبله، فإن دامت إلى التخلل ضر مطلقًا، وإن نزعت قبله فإن لم يتحلل منها شيء لم يضر، وإلا ضر. اهـ. الشرقاوي على التحرير 1/ 43.
(3) نسخة "أ": فيه.
(4) نسخة "أ": بدون "بالماء".
(5) وقيل: يطهر الدهن بغسله بأن يصب الماء ويكاثرَه ثم يحركه بخشبة ونحوها بحيث يظن وصولَه لجميعه، ثم يُتْركُ ليعلو، ثم يُثْقبُ أسفلُه، فإذا خرج الماء سده. ومحل الخلاف كما قاله في "الكفاية" إذا تنجس بما لا دهنية فيه كالبول، وإلا لم يطهر بلا خلاف. اهـ. حاشية البجيرمي على المنهج 1/ 109.
- مسألة: إِذا صبغ الثوب بصبغ نجس، أو خضب رأسه أو شعره بخضاب نجس، هل يطهر بالغسل مع بقاء اللون؟.
الجواب: نعم يطهر.
35 - مسألة: إِذا سقى سكينًا ماء نجسًا، هل تطهر بغسل ظاهرها، أم يُشترط سقيُها بماء طاهر مرةً أخرى؟ وما حكم ما يقطع بها قبل ذلك، وهل فيه خلاف؟.
الجواب: الأصح أنه يكفي غسل ظاهرها، فلو قطع بها شيئًا رطبًا قبلَ غسلها صار نجسًا.
36 - مسألة: الصحيح: أن الزيت، والسمن، والشيرج، وسائر الأدهان، إِذا تنجست لا تطهر بالغسل، وهو المنصوص للشافعي وصححه الأكثرون، ودليله الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال في الفأرة التي تموت في السمن: "إِنْ كانَ مائعًا فَأرِيقُوهُ، وَإِن كانَ جَامِدًا فَألقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا" فأمر -رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- بإراقة المائع، مع نهيه -صلى الله عليه وآله وسلم- عن إضاعة المال، فلو كان الغسل يُطَهِّره لما أمر بإتلافه (1)، ومعلوم أن النبي -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- لا يُقر على حكم باطل والله أعلم.
* * *
__________
(1) نسخة "أ": بإراقته.
25 - مسألة: هل يجوز للمسافر وغيره الصلاة في الأرض المملوكة في الصحراء، إِذا لم يكن فيها زرعٌ يتضرر به، وهل له التيمم بترابها؟.
__________
= ويجوز قلب ورقه بعود.
ولا يمنع الصبي المميز من حمله، ومسه للدراسة لمشقة دوام طهره.
وأما حمله لغير الدراسة حرام. ويحرم تمكين غير المميز من حمله.
هذا كله إذا كان لغير ضرورة، أما لها كان خاف عليه تنجيسًا، أو ضياعًا، وعجز عن الطهارة، واستيداعه مسلمًا فيجوز عند ذلك ضرورة. اهـ. من بشرى الكريم 1/ 31
باختصار.
(1) الحديث المتفق عليه في هذا الباب:
قوله عليه الصلاة والسلام: "لا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها بغائط ولا بول، ولكن شرقوا أو غربوا".
أقول: هذا خطاب لأهل المدينة ومن كان على سَمْتهم وجهتهم كالشام واليمن، بخلاف أهل المشرق والمغرب.
واعلم!! أن استقبال الكعبةِ واستدبارها، في فضاء غير مُعَدٍ لذلك بلا سترة حرام.
وبها .. أي بالسترة خِلاف الأولى ..
أما في مُعَدٍ، ولو بلا سترة: فلا حرمة، ولا كراهة، ولا خلاف الأولى؛ بل خلاف الأفضل حيث أمكن الميل عن القبلة بلا مشقة.
وخرج بالكعبة ما كان قبلة قبلُ ثم نسخ كصخرة بيت المقدس، فاستقباله واستدباره مكروه وتنتفي الكراهة فيه بما تنتفي به الحرمة. اهـ. من الشرقاوي على التحرير 1/ 125.
وأما حديث بيت المقدس فلم أقف عليه والله أعلم.
الجواب: تجوز (1) الصلاة فيها والتيمم منها إن علم بقرينة حال، أو اطراد (2) عرفٍ أن مالكها لا يكره ذلك؛ فإن علم كراهتَه لذلك أو شكَّ فيها لم يجز.
صلاة فاقد الطهورين
26 - مسألة: إذا لم يجد ماءً ولا ترابًا، ففيه أربعة أقوال:
الصحيح أنه تلزمه الصلاة على حسب حاله، وتجب إِعادتها، ولا تجوز الِإعادة إِلا بالوضوء، أو التيمم في موضع يسقط به الفرض (3). فإن كان في الحضر، وعُدِم الماء لم تجز الِإعادة بالتيمم إِذ لا فائدة فيها؛ وإِنما أمرناه بالصلاة أولًا لحرمة الوقت، وليس ذلك موجودًا بعد خروج. الوقت؛ فلا يجوز أن يصلي محدِثًا بلا تيمم من غير ضرورة ولا حرمة وقت صلاةٍ لا تنفعه (4).
__________
(1) نسخة "أ": يجوز.
(2) نسخة "أ": أو ظنٍ.
(3) بأن كان المحل الذي يصلي فيه، يغلب فيه فقد الماء أو يستوي الأمران. اهـ.
(4) ومن لم يجد ماء ولا ترابًا صلى الفرضَ وحْده لحرمة الوقت: كالعاجز عن نحو السترة.
وهي صلاة صحيحة في أحكامها؛ لكنها تبطل بتوهم التراب، ولو بمحل لا يسقط القضاء كما نقل ابن قاسم عن الرملي.
وخرج بالفرض: النفل: من سجدة التلاوة، ومس المصحف، وقراءة القرآن، سوى الفاتحة في الصلاة، وتمكين الحليل، والنذر، والقضاء، لعدم الضرورة في جميع ذلك.
وصلاةُ الجنازة كالنفل عند الرملي.
ويصلي قبل الدفن ويعيد عند ابن حجر إذا وجد الماء، أو التراب.
قال صاحب العُباب (فرع) إذا وجد فاقد الطهورين في الوقت بعد فعل الصلاة، (الترابَ) بمحل لا تسقط فيه الصلاة بالتيمم وجب فعلها. اهـ
واختار النووي القول بأن كل صلاة وجبت في الوقت مع خَلل، لا تجب إعادتها لأن القضاء بأمر جديد ولم يثبت. اهـ. بشرى الكريم 1/ 50.
- مسألة: إِذا تيمم برمل خالص له غبار يَعْلَق بالوجه واليدين، هل يصح تيممه؟ ولو سُحِق الرمل وتيمم به هل يصح أم لا؟.
أجاب رضي الله عنه: نعم، يصح تيممه في الصورتين.
وكلام صاحب "التنبيه" مؤول، والله أعلم "كتبته عنه".
باب في نفقة المتحيرة (1)
28 - مسألة: المستحاضة المتحيرة (2) تجب لها النفقة
__________
(1) أقول:
من المصائب الفادحة، اللاتي أصيبت بها نساؤنا اليوم، جهلُهن في معظم أبواب الفقه الإسلامي.
ترى الواحدة منهن تتقن ما يتعلق بأمور شهواتها وأزيائها إتقانًا جيدًا وتحفظ من الأغنيات وأسماء المغنين الشيء الكثير.
وإن كانت من المتعلمات، تصل إلى القمة بعلمها وثقافتها، وإذا ما دعاها داعي الدين، تراها في ليلٍ دامس، وجهالة جهلاء، لا تفقه شيئًا من ذلك.
وقد أوجب الله على النساء، تعلم ما يحتجن إليه، ولا سيما "باب الحيض" لأن كثيرًا من الأحكام متعلقة ومربوطة في هذا الباب.
فإن كان لها زوج فيجب عليه أن يتعلم ويعلمها، وإن لم تكن ذاتَ بعل فلتخرج ولتسأل.
وقد أثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على نساء الأنصار حيث قال: "رَحِمَ اللهُ نساءَ الأنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحياءُ عن السُّؤالِ عَنْ أمْرِ دِينهنَّ"!!.
وليس لها الخروج لغير تعلم واجب من نحو مجلس فكر أو حضور جماعة، ولا سيما إن كانت متكشفةً بثوبها الشفاف، ولباسها الضيق الذي يُظهر معالم جسمها.
وإن أرادت أن تجاوز سور بلدها لا بد لها من مَحرم يرافقها خوفًا من الفتنة فما قولك بسفرها إلى بلاد بعيدة؟
شكت إحدى الفتيات والدَها بتعدي رفاقها عليها فاستهجن هذه الشكوى وقال لها بعنف: ماذا تريدين من هذا؟
تريدين أن تضحي بمستقبلك في سبيل عرضك؟؟ فهذا وأمثاله مما وقع فيه المسلمون اليوم وهو قليل من كثير. اهـ. محمد.
(2) سميت متحيرة لأن أمرها حيَّر الفقهاء.
والكسوة وسائر مؤن النكاح على زوجها، ولا خيار له في فسخ نكاحها كما لو كانت مريضةً.
29 - مسألة: إِذا قالت المتحيرة: كنت أحيض خمسة أيام من كل شهر، منها يومان من إِحدى خَمَسَاتِ الشهر، وثلاثةٌ من خمسةٍ تليها لا أدري أيُّ الخمسات هي، ولا أدري هل اليومان سابقان للثلاثة أم عكسه؟ فليس لها حيض بيقين ولها أربعة أيام طهر بيقين -وهي اليومان الأولان والآخران (1) من الشهر- وباقي الأيام يحتمل الحيض والطهر، وحكمهما معروف، وعليها عشرة أغسال، وهي عقب الثاني والثالث من كل خمسة سوى الخمسةِ الأولى، والله أعلم.
30 - مسألة: المشهور من (2) المذهب أن المستحاضة المتحيرة إِذا لزمها صوم يومين تصومهما بصوم (3) ستة أيام من ثمانيةَ عشر يومًا: ثلاثةٌ في أولها، وثلاثة في آخرها، وإِن لزمها ثلاثةٌ، صامت ثمانية، وإِن لزمها أربعة، صامت عشرة وهكذا أربعة عشر (4) فيلزمها ثلاثون هذه طريقة الأصحاب، وحاصلها أنها تضعّف الواجبَ، وتزيد يومين. والصواب طريقة الدارمي أنها يكفيها التضعيف وزيادة يوم واحدة فإذا كان عليها يومان صامت خمسةً. وهي اليوم الأول والثالث والسابعَ عشر، والتاسعَ عشر، وتفطر الرابع، والسادس عشر، ويومًا من الأحد عشر الباقية بينهما أيها شاءت وتبرأ ذمتها على كل تقدير، وقد صنف الدارمي في المسألة مجلدًا ضخمًا وقد انتخبت مقاصده في شرح المهذب، وبالله التوفيق (5).
__________
(1) نسخة "أ": والأخيران.
(2) نسخة "أ": في.
(3) نسخة "أ": بدون "بصوم".
(4) نسخة "أ": يومًا.
(5) والاستحاضة:
دم علة يخرج من عرقٍ، فمُه في أدنى الرحم، وتنحصر بأنها الدم الخارج في غير أوقات الحيض والنفاس. =
- مسألة: تُقبل شهادةُ النساء على الحيض، كما تقبل على الولادة، والرضاع، والعيوب تحتَ الثياب.
والمسألة مشهورة في كتب أصحابنا.
وممن صرح بها في مَظنتها وموضعها من كتاب الشهادات البغوي وغيرُه، وذكرها صاحب الشامل في كتاب الخلع، ولا خلاف فيها. وإنما ذكرت هنا (1) لأنها حدثت في زماننا، واضطرب جماعة فيها لعدم وقوفهم على النقل فيها. وتخيَّل (2) بعضُهم أنهم يعسُر اطلاعهن عليه، وهذا عجيب، وكيف يخفى على النسوة الخبيرات ما هنَّ ممارساتٍ له في أنفسهن وفي غيرهن معظم أعمارهن! والله أعلم.
باب النجاسة الواقعة في الخمر قبل التخلل
32 - مسألة: إِذا وقعت في الخمر نجاسة أخرى كعظم ميتة ونحوه (3)، فأخرجت منها ثم انقلبت الخمر خلًا لم تطهر بلا خلاف،
__________
= فهي الدم الخارج قبل تسع سنينَ، أو بعدها، ونقص عن قدر يوم وليلة، والزائدُ على خمسةَ عشر يومًا بلياليها، والآتي قبل تمام أقل الطهر، أو مع الطلق، ولم يتصل بحيض قبله.
وقيل: هي المتصلة بدم الحيض فقط.
وغيره: دمُ فساد.
والاستحاضة: حدث دائم فلا تمنع شيئًا مما يمتنع بالحيض: من نحو صلاة، ووطء، ولو مع جريان الدم.
والمستحاضة: تغسل فرجها، ثم تحشوه -أي قطنًا- إلا إذا أحرقها الدم، أو كانت صائمة، وتجب الطهارة، وتجديد العَصْب لكل فرض. اهـ. بشرى الكريم باختصار 1/ 52.
(1) نسخة "أ": هذا.
(2) نسخة "أ": وعلل.
(3) أو طاهرة استمرت إليه، أو لم تستمر، لكن تحلل منها شيء فتطهر، وإن فتح رأسها، أو نقلت من محلّها، أو تخللت لا بفعل فاعل بأن غلت، واشتدت وقذفت بالزبد. اهـ.
ذكره صاحبُ التتمة في باب الاستطابة. أما اذا لم يقع في الخمر نجاسةٌ أخرى، ولا خللها بشيء؛ لكنها غلت وارتفعت إلى أعلى الدَنِّ، ثم سكنت ونزلت إِلى وسطه، ثم انقلبت بنفسها خلًا طهرت وطهر أجزاء الدن التي ارتفعت (1) إِليها تبعًا، صرح به أصحابنا، والله أعلم (2).
في الزيت المتنجس وغيره
33 - مسألة: خابية زيت فيها (3) جبن وقعت فيه فأرة هل يمكن طهارة الزيت والجبن؟.
الجواب: لا يطهر الزيت بالغسل (4) بالماء (5)؛ ولكن يجوز الاستصباح به.
وأما الجبن فيطهر بالغسل بالماء مع تراب ونحوه بحيث يَطْفو عنه الزيت فيطهر الجبن.
__________
(1) نسخة "أ": ارتفع.
(2) والحاصل: أن العين إن كانت نجسةً ضرت مطلقًا. تحلل منها شيء أو لا، نزعت قبل التخلل أو لا!!
وإن كانت طاهرة، فإن وقعت بعد التخلل لم تضر مطلقًا، وإن وقعت قبله، فإن دامت إلى التخلل ضر مطلقًا، وإن نزعت قبله فإن لم يتحلل منها شيء لم يضر، وإلا ضر. اهـ. الشرقاوي على التحرير 1/ 43.
(3) نسخة "أ": فيه.
(4) نسخة "أ": بدون "بالماء".
(5) وقيل: يطهر الدهن بغسله بأن يصب الماء ويكاثرَه ثم يحركه بخشبة ونحوها بحيث يظن وصولَه لجميعه، ثم يُتْركُ ليعلو، ثم يُثْقبُ أسفلُه، فإذا خرج الماء سده. ومحل الخلاف كما قاله في "الكفاية" إذا تنجس بما لا دهنية فيه كالبول، وإلا لم يطهر بلا خلاف. اهـ. حاشية البجيرمي على المنهج 1/ 109.
- مسألة: إِذا صبغ الثوب بصبغ نجس، أو خضب رأسه أو شعره بخضاب نجس، هل يطهر بالغسل مع بقاء اللون؟.
الجواب: نعم يطهر.
35 - مسألة: إِذا سقى سكينًا ماء نجسًا، هل تطهر بغسل ظاهرها، أم يُشترط سقيُها بماء طاهر مرةً أخرى؟ وما حكم ما يقطع بها قبل ذلك، وهل فيه خلاف؟.
الجواب: الأصح أنه يكفي غسل ظاهرها، فلو قطع بها شيئًا رطبًا قبلَ غسلها صار نجسًا.
36 - مسألة: الصحيح: أن الزيت، والسمن، والشيرج، وسائر الأدهان، إِذا تنجست لا تطهر بالغسل، وهو المنصوص للشافعي وصححه الأكثرون، ودليله الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال في الفأرة التي تموت في السمن: "إِنْ كانَ مائعًا فَأرِيقُوهُ، وَإِن كانَ جَامِدًا فَألقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا" فأمر -رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- بإراقة المائع، مع نهيه -صلى الله عليه وآله وسلم- عن إضاعة المال، فلو كان الغسل يُطَهِّره لما أمر بإتلافه (1)، ومعلوم أن النبي -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- لا يُقر على حكم باطل والله أعلم.
* * *
__________
(1) نسخة "أ": بإراقته.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
فتاوى النووى كتاب الصلاة (1)
كتاب الصلاة (1)
وفيه ثمان وثلاثون مسألة
1 - مسألة: هل ثبت أن النبي -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- صلى بالأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- (2) ليلة الِإسراء ببيت المقدس أم لا؟ وهل كانت الصلاة وجبت؟ وهل هي (3) الصلاة المعهودة أم الدعاء؟ وهل كان الِإسراء في المنام أم في اليقظه؟ وهل كان مرةً أو مرتين؟ وهل رأى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ربَّه سبحانه وتعالى ليلةَ الِإسراء بعيني رأسِه أم لا؟ ومتى كان الِإسراء؟.
الجواب: نعم؛ ثبت أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم صلى بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ليلةَ الِإسراء ببيت المقدس، ثم يحتمل أنه كانت الصلاة قبلَ صعوده إلى السماء، وُيحْتَمَلُ أنها بعد نزوله منها.
واختلف العلماء في هذه الصلاة.
فقيل: إِنها الصلاةُ اللغويةُ، وهي الدعاء والذكر.
وقيل: هي الصلاة المعروفة وهذا أصح (4)؛ لأن اللفظ يُحمل على
__________
(1) هي لغة: الدعاء. وشرعًا: أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير المقرون بالنية، مختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة. فأقوالها الواجبة خمسة، وأفعالها ثمانية مذكورة بالمطولات.
(2) نسخة "أ": بدون "أجمعين".
(3) نسخة "أ": هذه بعد هي.
(4) نسخة "أ": الأصح.
حقيقته الشرعية قبل اللغوية، وإِنما نحمله على اللغوية إِذا تعذر حمله على الشرعية ولم يتعذر هنا؟ فوجب الحمل على الصلاة الشرعية.
وكانت الصلاة واجبةً قبل (1) ليلة الإِسراء، وكان الواجبُ قيامَ بعض الليل كما نص الله سبحانه وتعالى عليه في سورة المزمل، وكان الواجبُ أولًا ما ذكره (2) الله سبحانه وتعالى في أول السورة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} (3) ثم نسخ ذلك بعد سنةٍ بما ذكره (4) الله تعالى في آخر السورة بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} (5) ثم نسخ قيام الليل ليلةَ الِإسراء ووجبت فيها الصلوات الخمس (6).
وكان (7) الِإسراء سنة خمس أو ست من النبوة، وقيل سنة اثنتي ( عشرة منها، وقيل بعد سنة وثلاثة أشهر منها، وقيل غير ذلك، وكانت ليلةَ السابع والعشرين من شهر (9) ربيع الأول.
وكان الِإسراء به - صلى الله عليه وسلم - مرتين:
1 - مرة في المنام.
__________
(1) نسخة "أ": بدون لفظ "قبل".
(2) نسخة "أ": ما ذكر.
(3) سورة المزمل: الآية 1 - 4.
(4) نسخة "أ": بما ذكر.
(5) سورة المزمل: الآية 20.
(6) والحكمة في وقوع فرضها تلك الليلة أنه عليه الصلاة والسلام لما قدَّس ظاهرًا وباطنًا؛ حيث غسل بماء زمزم، وملىء بالإيمان والحكمة ومن شأن الصلاة أن يتقدمها الطهر؛ ناسب ذلك أن تُفرض فيها، ولم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة إلا ما وقع الأمر به من قيام الليل من غير تحديد، وذهب بعضهم: إلى أنها كانت مفروضة.
ونقل الشافعي عن بعض أهل العلم: أنها كانت مفروضة ثم نسخت. اهـ. بجيرمي بتصرف.
(7) نسخة "أ": وكانت ليلة.
( نسخة "أ": اثني عشر منه.
(9) نسخة "أ": من ربيع بدون شهر.
- ومرة في اليقظة.
ورأى -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- ربه سبحانه وتعالى ليلة الِإسراء بعيني رأسه، هذا هو الصحيح الذي قاله ابن عباس، وأكثر الصحابة والعلماء رضي الله عنهم أجمعين.
ومنعته عائشة وطائفة من العلماء -رضي الله عنهم أجمعين- وليس للمانعين دليل ظاهر، وإِنما احتجت عائشة بقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} (1) وأجاب الجمهور عنه بأن الإِدراك هو الِإحاطة والله تعالى لا
__________
(1) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن ناسًا قالوا: يا رسول الله نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل تضارُّونَ في رؤية القمرِ ليلةَ البدر"؟
قالوا: لا يا رسول الله.
قال: "هل تضارون في الشمس ليس دونَها سحابٌ".
قالوا: لا.
قال: "فإنكم ترونه كذا" رواه البخاري ومسلم.
وعن صهيب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله عز وجل: تريدون شيئًا أزيدكم؟. فيقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة، وتنجينا من النار؟.
قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم. ثم تلا هذه الآية {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}. رواه مسلم والترمذي والنسائي.
وعن مسروق قال قلت لعائشة: يا أماه هل رأى محمد ربه؟.
فقالت: لقد قَفَّ شعري مما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب:
1 - من حدثك أن محمدًا رأى ربه فقد كذب ثم قرأتْ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}. {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}.
2 - ومن حدثك أنهِ يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= 3 - ومن حدثك أن محمدًا كتم أمرًا فقد كذب، ثم قرأتْ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}.
ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين. أخرجاه في الصحيحين.
وعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل رأيت ربًك؟ قال: "نورٌ أَنَّى أراه؟ ". انظر الخازن 6/ 215.
فأجْمَعُ مَنْ كتب وأوسع من نقل في رؤية النبي ربَّه المؤلفُ رحمه الله في شرحه على مسلم فقد ذكر أقوال الفريقين وحجة كلٍ منهما.
وهكذا قد دلت الأخبار المتضافرة، والآثار الصحيحة، على أن رؤية الله في الجنة ثابتة، وفسر الجمهور قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} بأن الزيادة هي النظر إلى وجهه تعالى.
وأما المعقول: فنقول: إن الحسنى لفظة مفردة دخل عليها حرف التعريف فانصرفت إلى المعهود السابق وهو الجنة في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ}، فثبت بهذا أن المراد في لفظة الحسنى هي الجنة، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من الزيادة أمرًا مغايرًا لكل ما في الجنة من النعيم، وإلا لزم التكرار، وإذا كان كذلك؛ وجب حمل الزيادة على رؤية الله تعالى.
ومما يؤكد هذا قوله سبحانه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فأثبت لأهل الجنة أمرين:
أحدهما النضارة، وهو حسن الوجوه وذلك من نعيم الجنة.
والثاني النظر إلى وجه الله تعالى.
وقالت المعتزلة: لا يجوز حمل هذه الزيادة على الرؤية لأن الدلائل العقلية، دلت على أن رؤية الله ممتنعة، ولأن الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه، ورؤية الله تعالى ليس جنسًا من جنس نعيم الجنة، إلا أن الجمهور قد ردوا هذه الشبهة بأدلة عقلية أيضًا مع الأدلة النقلية. اهـ. باختصار انظر الخازن 3/ 152 من سورة يونس فقد بسط هذا الموضوع بسطًا جيدًا، وفتحه فتحًا علميًا مفيدًا.
أقول: ولا يحسن بنا ونحن في أحرج الظروف أن تكون المعركة حاميةً بين المثبت =
يُحاط به؛ لكن يراه المؤمنون في الدار الآخرة بغير إِحاطة وكذلك رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الِإسراء.
2 - مسألة: قال لأمَتِه إِن صليتِ صلاةً صحيحةً فأنتِ حرةٌ قبلها؛ فصلت مكشوفة الرأسِ صحت صلاتها، ولم تَعْتقُ إِن صلت وهي قادرة على السترة، لأنها لو عتقت "لكان (1) عتقها" قبل الصلاة لم تصح؛ لأنها (2) مكشوفةُ الرأس مع إِمكان السترة، وإِذا لم تصح لم تعتق، فإثبات العتق يؤدي إلى إبطاله، وإبطالِ الصلاة فأبطلناه وحده كما تقرر في نظائره من مسائل الدور (3).
وأما إذا عَجزتْ عن تحصيل السترة، فصلت مكشوفة الرأس، فتصح صلاتها وتعتق. لأن (4) الحرة تصح صلاتُها مكشوفة الرأس عند العجز، والله أعلم.
3 - مسألة: لو كبر للإحرام بالصلاة، ثم كبر ثانية وثالثة وأكثر، فإن قصد بما سوى الأولى الذكر، أو لم يقصد شيئًا لم تبطل صلاته، ولا يضره.
وإِن قطع الصلاة بعد التكبيرة الأولى أو غيرها، ثم نوى وكبر انعقدت بالثانية.
وإن قصد بكل واحدة من تكبيراته تكبيرةَ الإحرام، انعقدت صلاته بالأوتار، وتبطل (5) بالأشفاع.
__________
= والمنفي. وينشق المسلمون على إثر هذا، ويُحمل في القلوب التنافر والأحقاد، مع التضليل والتخطيء. والأمة غارقة في الكبائر، وخارجة عن جادة الصواب. كتبه محمد.
(1) نسخة "أ": بدون "لكان عتقها".
(2) نسخة "أ": من المسائل الدورية.
(3) نسخة "أ": بدون "لأنها".
(4) قوله: لأن الحرة إلخ ... زائدة عن نسخة "أ".
(5) نسخة "أ": ولا تنعقد.
فإن انتهى إلى وتر فصلاته صحيحة مجزئة، وإِن انتهى إِلى شفع، لم تصح صلاته؛ لأنها تنعقد بالأولى.
فإِذا كبر الثانية بنية الِإحرام، تضمن إِبطالَ الأولى والدخول في الصلاة، والتكبيرةُ الواحدة لا تَصلح لقطع (1) الصلاة وعقدها فتبطل صلاته.
فإذا كبر الثالثة انعقدت لأنه ليس في صلاة، وإِذا كبر الرابعة بطلت صلاته لما ذكرناه في الثانية، فإِذا كبر الخامسة انعقدت لما ذكرناه في الثالثة، وهكذا أبدًا، وهذا لا خلافَ فيه بينَ أصحابنا.
في حكم صلاة المريض إذا ضمد جراحه بنجاسة
4 - مسألة: إنسان به مرض وصف له مَنْ يجوز اعتماده من الأطباء المسلمين أن يتضمد (2) بالترياق الفاروق ويبقى عليه أيامًا وقال: لا تحصل المداواة إِلا بذلك. وهذا الترياق يعمل (3) فيه خمر ولحمُ الحيات، هل يجوز له ذلك ويصلي على حسب (4) حاله؟.
الجواب: يجوز وتلزمه إعادة الصلاة.
تكبيرة الإحرام
5 - مسألة: إِذا ترك التلفظ بتكبيرة الِإحرام هل تنعقد صلاته؟.
__________
(1) نسخة "أ": لبطلان.
(2) ضمد الجرح من باب ضرب شدَّه بالضِماد. والضمادة: وهي العصابة بالكسر فيها.
وضَمَّد رأسه تضميدًا شده بعصابة أو ثوب غير العمامة. اهـ. مختار.
(3) وهذا الترياق فيه الخمر إلخ ... بدون لفظ "يعمل" عن نسخة "أ".
(4) ويصلي على حاله من غير "حسب" نسخة "أ".
أجاب: رضي الله عنه لا تنعقد صلاته (1)، والله أعلم "كتبته عنه".
عدد التكبيرات إن كانت الصلاة رباعية
6 - مسألة: الصلاة الرباعية فيها اثنان (2) وعشرون تكبيرةً، في كل ركعة خمسٌ، وتكبيرة الإِحرام، وتكبيرة القيام من التشهد الأول.
والثلاثية سبعَ عَشْرة، والثنائية إِحدى عشرة. وفي الثلاثية والرباعية أربعُ جلساتٍ جلسة (3) بين السجدتين، وجلسة الاستراحة، وجلسة (4) التشهد
__________
(1) التكبيرة: ركن من أركان الصلاة، وقد شرط الفقهاء لصحتها وجوبَ التلفظ بها للخبر
المتفق عليه "إذا قمت إلى الصلاة فكبر".
سميتْ بذلك لأن المصلي يحرم عليه بها ما كان حلالًا له قبله من مفسدات الصلاة. اهـ.
من إضافة السبب للمسبب؛ أي تكبيرة سببٌ في تحريم ما كان حِلًا له قبلُ: كالأكل والشرب، أي وتحريم ذلك عليه. يدخل في أمر محترَم.
يقال: أحرم الرجل إذا دخل في حرمة لا تُنتهك.
وحكمة افتتاح الصلاة بالتكبير: استحضار المصلي عظمة مَنْ تهيأ لخدمته.
ثم اختلف العلماء في حكم تكبيرة الإحرام، ودليلِ افتراضِها:. روي عن علي رضي الله تعالى عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مفتاحُ الصلاة الطهُور وتحريمُها التكبير، وتحليلُها التسليمُ". رواه الخمسة إلا النسائي.
فيه دليل على أن افتتاح الصلاة، لا يكون إلا بالتكبير دونَ غيره من الأذكار وإليه ذهب الجمهور. وفي الباب أحاديثُ كثيرة تدل على تعيين لفظ التكبير من قوله، وفعله عليه الصلاة والسلام.
وقال أبو حنيفة: تنعقد الصلاة بكل لفظ قصد به التعظيم. اهـ. محمد.
انظر كتاب فتح العلام للإمام محمد عبد الله الجرداني هو من تحقيقنا والحمد لله 2/ 226، فقد فتح الإمام هذا الموضوع وأضفنا عليه بعض الإضافات أثناء التحقيق فنسأل الله التوفيق.
(2) نسخة "أ": ثنتان وهو الصحيح.
(3) نسخة "أ": الجلسة.
(4) نسخة "أ": وجلوس.
الأول، وجلوس التشهد الأخير. والسّنّة أن يفترش في الثلاث الأول ويتورك في الأخيرة، إِلّا المسبوق والساهي، فالأصح أنهما يفترشان في الأخيرة. ويتصور في المغرب أربعُ تشهدات في حق المسبوق، إِذا أدرك الِإمام بعد فوات ركوع الثانية وقبل تشهده الأول، والله أعلم.
7 - مسألة: إِذا قرأ الِإمام: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) فقال المأموم مثلَه هل هو مخطىء أم (2) مصيب؟ وهل قال أحد تبطل صلاته؟.
الجواب: هو مخطىء مبتدع (3). قال (4) بعض أصحابنا: وتبطل صلاته إلا أن يقصد الدعاءَ أو القراءة.
__________
(1) سورة الفاتحة: الآية 5.
(2) نسخة "أ": أو.
(3) فالبدعة: لها إطلاقات عِدة، واحتمالات متباينة، أقلها الخطأ، وتنتهي إلى الكفر، عند استحلالٍ، أو استخفافٍ، أو استهزاء.
فمن استحل الحرام المتفق على حرمته، أو استخف بأمر شرعي معلوم من الدين، أو استهزأ بحكم من أحكام الإسلام، فقد دخل في الكفر من أوسع أبوابه.
وعليه ينزل الحديث: "كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار".
وأما من فعل فعلًا بدون قصد، أو عمل عملًا من غير عمد، فليس لنا إلا تخطيئه فحسب.
وعليه يُحْملُ قولُ المؤلف: لمن أعاد {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} خلف إمامه (مبتدع) وأراد به الخطأ ليس إلا.
وبهذه المناسبة، نقدم لقُرْاء هذا الكتاب كلمةً خالصة، نبتغي بها النصح لأنه ركن الإسلام وأساسه، فنقول:
إن كثيرًا من المسلمين قد اتصفوا بالعجلة وعدم التثبت، في مثل هذا الميدان بوسمهم كثيرًا من المسلمين بالابتداع لأقل بادرة، وأتفه عمل، ويطلقون البدعة على ظاهرها من غير ورع، مع التسرع بالتكفير، أو التضليل وهذا خطير جدًا، فمن كفَّر مؤمنًا فقد كفر فليتنبه لهذا!!. اهـ. محمد.
(4) نسخة "أ": قال أصحاب الشافعي: تبطل.
الحديث على السكتة بعد الفاتحة في حق الإمام
8 - مسألة: إِذا قرأ الإمامُ الفاتحة في الصلاة الجهرية، ثم سكت حتى يقرأ المأمومُ الفاتحة، يُستحبُ له السكوتُ حقيقةً؟ أم تستحب له القراءةُ سرًا أو التسبيح؟ وهل لذلك أصل في الشرع أو ذكره أحد من العلماء؟.
الجواب: إِنه يستحب له في هذه الحالة أن يشتغل بالذكر أو الدعاء أو القراءة سرًا. والقراءةُ عندي: أفضلُ؛ لأن هذا موضعُها.
ودليل هذا الاستحبابِ أن الصلاة ليس فيها سكوتٌ حقيقيٌ في حق الإمام، وبالقياس على قراءته في انتظاره في صلاة الخوف "فإن قيل" كيف يسمى سكوتًا وفيه قراءة أو ذكر؟.
الجواب: أنه لا يمتنع كما في السكتة بعد تكبيرة الإحرام، فإنه يستحب فيها دعاء الافتتاح، وقد ثبت في "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قلت يا رسول الله إِسكاتك بين التكبير والقراءة ماذا (1) تقول فيه؟ قال: "أقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْني وَبَيْن خطَايَاي كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرق والمَغْربِ، اللَّهُمَّ نَقَنِي مِنَ الخَطَايا كما يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ" إلى آخر الحديث (2)، فسماه سكوتًا مع القول فيه؛ ولأنه سكوت بالنسبة إِلى الجهر قبله وبعده (3).
__________
(1) نسخة "أ": ما تقول فيه؟ بدون "ذا".
(2) تمام الحديث: اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد، قال المؤلف رحمه الله في كتابه الأذكار: هذا الحديث، ثبت في الصحيح. اهـ.
(3) تسن سكتة لطيفة بين تكبيرة الإحرام، ودعاء الإفتتاح، وبينه وبين التعوذ، وبيْنه وبين الفاتحة، وبينها وبين آمين، وبينه وبين السورة، وبينها وبين الركوع.
عن الحسن عن سمرة رضي الله تعالى عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يسكت سكتتين: إذا استفتح الصلاة، وإذا فرغ من القراءة كلها. =
وممن ذكر المسألة من العلماء أبو الفرج السرخسي في كتابه (الأمالي) فقال: يستحب أن يدعو في هذه السكتة بما ذكرناه في حديث أبي هريرة: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي" الحديث. وهذا الذي قاله حسن، ولكن المختار القراءة سرًا كما قدمناه. فإن قيل هذا الذكر والقراءة لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) فكيف يستحب؟.
الجواب: أنه كما لم ينقل إِثباته، لم ينقل نفيه ولا النهي عنه، فتكون مسألة لا نص فيها، فيعْمَل فيها بالقياس الذي ذكرناه، والله أعلم.
حكم القراءة بالشواذ، واللحن في القرآن عمدًا
9 - مسألة: هل تحل له (2) القراءة بالشواذ في الصلاة وهل تبطل بها (3)؟.
الجواب: لا تحل له القراءة بالشواذ في الصلاة ولا في غيرها؛ فإن قرأ بها في الصلاة وغيرت المعنى بطلت صلاته إن كان عالمًا عامدًا.
__________
= وفي رواية: سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة غير المغضوب عليهم ولا الضالين. روى ذلك أبو داود. وكذلك أحمد والترمذي وابن ماجه بمعناه.
الغرض من هذه السكتة: ليفرغ المأمومون من النية، وتكبير الإحرام، لأنه لو قرأ الإمام عقب التكبير لفات من كان مشتغلًا بالتكبير والنية بعض سماع القراءة.
انظر كتاب فتح العلام 2/ 385 فقد تكلم على هذا الحكم بشكل واسع مع ذكر آرآء العلماء من مجيز ومانع. وهو بحث علمي مفيد إن شاء الله تعالى. كتبه محمد.
(1) نسخة "أ": إثباته، ولم ينقل نفيه ولا النهي عنه.
(2) نسخة "أ": هل تحل القراءة بدون "له".
(3) نسخة "أ": به
- مسألة: إذا لحن في القراءة عمدًا (1) بلا عذر هل هو حرام أو مكروه؟.
الجواب: هو حرام.
حكم القراءة جهرًا إذا شوشت على الغير
11 - مسألة: جماعة يقرءون القرآن في الجامع يوم الجمعة جهرًا، وينتفع بسماع قراءتهم ناس، ويشوشون على بعض الناس، هل قراءتهم أفضل أم تركها؟.
الجواب: إن كانت المصلحة فيها، وانتفاع الناس بها أكثر من المفسدة المذكورة فالقراءة أفضل، وإِن كانت المفسدة أكثَر كُرِهت القراءة.
12 - مسألة: قراءة القرآن في غير الصلاة هل الأفضل فيها الجهر أم الإسرار. وما الأفضل في القراءة في التهجد بالليل؟.
الجواب: الجهر في التلاوة في غير الصلاة أفضلُ من الإِسرار، إِلا أن يترتب على الجهر مَفْسدةٌ: كرياءٍ، أو إعجاب، أو تشويش على مصل، أو مريض، أو (2) نائم، أو معذور، أو جماعة مشتغلين بطاعة، أو مباح (3).
__________
(1) نسخة "أ": عامدًا.
(2) نسخة "أ": بدون "أو".
(3) ويحرم الجهر إن شوش على غيره: من مصل وقارىء وغيرهما في الصلاة وخارجها للضرر، ويؤخذ بقول المتشوش ولو فاسقًا، إذ لا يعرف إلا منه، وهذا إن اشتد التشويش، وإلا فهو مكروه.
أما من له عذر له كأن كثر اللغط فاحتاج للجهر ليأتي بالقراءة على وجهها فلا كراهة ولا حرمة. اهـ. من بشرى الكريم 1/ 102.
وأما قراءة التهجد: فالأفضل فيها التوسط بين الجهر والِإسرار، وهذا هو الأصح، وقيل: الجهر أفضل بالشروط (1) المذكورة.
13 - مسألة: هذه القراءة التي يقرؤها بعضُ الجهَلة على الجنائز بدمشقَ بالتمطيط الفاحش، والتغني الزائد، وإِدخال حروفٍ زائدة في (2) كلمات، ونحو ذلك مما هو مشاهد منهم، هل هو مذموم أم لا؟.
الجواب: هذا منكر ظاهر، ومذموم فاحش، وهو حرام بإجماع العلماء، وقد نقل الِإجماعَ فيه الماورديُ، وغيرُ واحد. وعلى وليّ الأمر -وفقه الله تعالى- زجرُهم عنه وتعزيرُهم (3) واستتابتهم، ويجب إِنكاره على كل مكلف تمكن من إِنكاره، والله أعلم.
14 - مسألة (4): هذا الذي يفعله بعض المصلين بالناس في صلاة التراويح وهو قراءة سورة الأنعام في الركعة الأخيرة من التراويح في الليلة السابعة من شهر (5) رمضانَ أو غير السابعة، هل هو سنة أو بدعة؟.
فقد قال قائل: بأنها نزلت جملةً واحدةً، فهل هذا ثابتٌ في الصحيح أم لا؟.
وهل فيه دليل لما يفعلونه. فإن كانت بدعةً فما سببُ كراهتها؟.
الجواب: هذا الفعل المذكور ليس بسنة، بل هو بدعة مكروهة، ولكراهتها أسباب: منها إِيهام كونها سنةً، ومنها تطويل الأخيرة على
__________
(1) نسخة "أ": بالشرط المذكور.
(2) نسخة "أ": و.
(3) التعزير لغة: التأديب.
وشرعًا: تأديبٌ دون الحد، ثم قد يكون بالحبس، وبالصفع، وتفريك الأذن، وبالكلام العنيف وبالشتم وغير ذلك. اهـ. شرح متن الكنز ص 72 أنظر ص 129 من هذا الكتاب في التعليق.
(4) نسخة "أ": هل.
(5) نسخة "أ": من رمضان.
الأولى، ومنها التطويل على المأمومين، وإنما السنة التخفيف، ومنها هذه القراءة وهَذْرَمتها (1)، ومنها المبالغة في تخفيف الركعات قبلها، وغير ذلك من الأسباب، ولم يثبت نزولُ الأنعام دفعةً واحدة، ولا دلالة فيه لو ثبت لهذا الفعل، فينبغي لكل مصلٍّ اجتنابُ هذا الفعل، وينبغي إشاعةُ إنكارِ هذا، فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة في النهي عن محْدثاتِ الأمور، وأن كل بدعة ضلالة، ولم يُنقل هذا الفعل عن أحد من السلف وحاشاهم، والله أعلم.
جلسة الاستراحة (2)
15 - مسألة: تستحب المحافظة على جَلسة الاستراحة، وهي
__________
(1) الهذرمة: السرعة في القراءة والكلام يقال: هذرم ورده أي هذَّه. اهـ. مختار.
(2) هي: جلسة خفيفة عقب السجدة الثانية وقبل القيام، وهي سنة عند الشافعي وإسحاق وأحمد: فقد روي عن أبي قلابة رضي الله عنه قال: صلَّى لنا مالك بن الحويرث صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة في الركعة الأولى قعد ثم قام. رواه الخمسة إلا مسلمًا. ولفظ البخاري: "وكان إذا رفع رأسه عن السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام".
أقول: ومن الهيئات جلسة الاستراحة. يؤتى بها بعد كل سجدة ثانية يقوم عنها. فلا تسن بعد سجدة التلاوة، ولا للمصلي قاعدًا، ولا في الركعة الرابعة من الظهر مثلًا، ولا في الثانية منه، إن أراد التشهد فإن أراد تركه سن له أن يأتي بها.
وهي: فاصلة بين الركعتين على المعتمد ليست من الأولى ولا من الثانية.
والأفضل: أن لا تزيد على قدر الطمأنينة، لأنها من السنن التي أقلها أكملها كسكتات الصلاة.
ويكره تطويلها على الجلوس بين السجدتين، ولا تبطل الصلاة به عند الرملي، وتبطل عند ابن حجر إن زاد على الذكر المطلوب.
وقال القليوبي على الجلال:
وللمأموم ولو بطيء الحركة فعلها، لكن مع الكراهة، وإن تركها الإمام، بخلاف التشهد الأول فيجب تركه لطوله. اهـ. =
جلسة لطيفة عقب السجدتين في كل ركعة لا يتشهد عقبها، وقد ثبت حديثها في صحيح البخاري، وثبت في سنن أبي داود والترمذي من طرق أخرى بأسانيدَ صحيحةٍ، وهو الصحيح في مذهب الشافعي باتفاق المصنفين، ولا تستحب (1) عقب سجدة التلاوة في الصلاة.
وفيه ثمان وثلاثون مسألة
1 - مسألة: هل ثبت أن النبي -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- صلى بالأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- (2) ليلة الِإسراء ببيت المقدس أم لا؟ وهل كانت الصلاة وجبت؟ وهل هي (3) الصلاة المعهودة أم الدعاء؟ وهل كان الِإسراء في المنام أم في اليقظه؟ وهل كان مرةً أو مرتين؟ وهل رأى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ربَّه سبحانه وتعالى ليلةَ الِإسراء بعيني رأسِه أم لا؟ ومتى كان الِإسراء؟.
الجواب: نعم؛ ثبت أن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم صلى بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ليلةَ الِإسراء ببيت المقدس، ثم يحتمل أنه كانت الصلاة قبلَ صعوده إلى السماء، وُيحْتَمَلُ أنها بعد نزوله منها.
واختلف العلماء في هذه الصلاة.
فقيل: إِنها الصلاةُ اللغويةُ، وهي الدعاء والذكر.
وقيل: هي الصلاة المعروفة وهذا أصح (4)؛ لأن اللفظ يُحمل على
__________
(1) هي لغة: الدعاء. وشرعًا: أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير المقرون بالنية، مختتمة بالتسليم بشرائط مخصوصة. فأقوالها الواجبة خمسة، وأفعالها ثمانية مذكورة بالمطولات.
(2) نسخة "أ": بدون "أجمعين".
(3) نسخة "أ": هذه بعد هي.
(4) نسخة "أ": الأصح.
حقيقته الشرعية قبل اللغوية، وإِنما نحمله على اللغوية إِذا تعذر حمله على الشرعية ولم يتعذر هنا؟ فوجب الحمل على الصلاة الشرعية.
وكانت الصلاة واجبةً قبل (1) ليلة الإِسراء، وكان الواجبُ قيامَ بعض الليل كما نص الله سبحانه وتعالى عليه في سورة المزمل، وكان الواجبُ أولًا ما ذكره (2) الله سبحانه وتعالى في أول السورة بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ} (3) ثم نسخ ذلك بعد سنةٍ بما ذكره (4) الله تعالى في آخر السورة بقوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} (5) ثم نسخ قيام الليل ليلةَ الِإسراء ووجبت فيها الصلوات الخمس (6).
وكان (7) الِإسراء سنة خمس أو ست من النبوة، وقيل سنة اثنتي ( عشرة منها، وقيل بعد سنة وثلاثة أشهر منها، وقيل غير ذلك، وكانت ليلةَ السابع والعشرين من شهر (9) ربيع الأول.
وكان الِإسراء به - صلى الله عليه وسلم - مرتين:
1 - مرة في المنام.
__________
(1) نسخة "أ": بدون لفظ "قبل".
(2) نسخة "أ": ما ذكر.
(3) سورة المزمل: الآية 1 - 4.
(4) نسخة "أ": بما ذكر.
(5) سورة المزمل: الآية 20.
(6) والحكمة في وقوع فرضها تلك الليلة أنه عليه الصلاة والسلام لما قدَّس ظاهرًا وباطنًا؛ حيث غسل بماء زمزم، وملىء بالإيمان والحكمة ومن شأن الصلاة أن يتقدمها الطهر؛ ناسب ذلك أن تُفرض فيها، ولم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة إلا ما وقع الأمر به من قيام الليل من غير تحديد، وذهب بعضهم: إلى أنها كانت مفروضة.
ونقل الشافعي عن بعض أهل العلم: أنها كانت مفروضة ثم نسخت. اهـ. بجيرمي بتصرف.
(7) نسخة "أ": وكانت ليلة.
( نسخة "أ": اثني عشر منه.
(9) نسخة "أ": من ربيع بدون شهر.
- ومرة في اليقظة.
ورأى -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- ربه سبحانه وتعالى ليلة الِإسراء بعيني رأسه، هذا هو الصحيح الذي قاله ابن عباس، وأكثر الصحابة والعلماء رضي الله عنهم أجمعين.
ومنعته عائشة وطائفة من العلماء -رضي الله عنهم أجمعين- وليس للمانعين دليل ظاهر، وإِنما احتجت عائشة بقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} (1) وأجاب الجمهور عنه بأن الإِدراك هو الِإحاطة والله تعالى لا
__________
(1) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن ناسًا قالوا: يا رسول الله نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل تضارُّونَ في رؤية القمرِ ليلةَ البدر"؟
قالوا: لا يا رسول الله.
قال: "هل تضارون في الشمس ليس دونَها سحابٌ".
قالوا: لا.
قال: "فإنكم ترونه كذا" رواه البخاري ومسلم.
وعن صهيب رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله عز وجل: تريدون شيئًا أزيدكم؟. فيقولون: ألم تبيض وجوهنا، ألم تدخلنا الجنة، وتنجينا من النار؟.
قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم. ثم تلا هذه الآية {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}. رواه مسلم والترمذي والنسائي.
وعن مسروق قال قلت لعائشة: يا أماه هل رأى محمد ربه؟.
فقالت: لقد قَفَّ شعري مما قلت، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب:
1 - من حدثك أن محمدًا رأى ربه فقد كذب ثم قرأتْ: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}. {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}.
2 - ومن حدثك أنهِ يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= 3 - ومن حدثك أن محمدًا كتم أمرًا فقد كذب، ثم قرأتْ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}.
ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين. أخرجاه في الصحيحين.
وعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل رأيت ربًك؟ قال: "نورٌ أَنَّى أراه؟ ". انظر الخازن 6/ 215.
فأجْمَعُ مَنْ كتب وأوسع من نقل في رؤية النبي ربَّه المؤلفُ رحمه الله في شرحه على مسلم فقد ذكر أقوال الفريقين وحجة كلٍ منهما.
وهكذا قد دلت الأخبار المتضافرة، والآثار الصحيحة، على أن رؤية الله في الجنة ثابتة، وفسر الجمهور قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} بأن الزيادة هي النظر إلى وجهه تعالى.
وأما المعقول: فنقول: إن الحسنى لفظة مفردة دخل عليها حرف التعريف فانصرفت إلى المعهود السابق وهو الجنة في قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ}، فثبت بهذا أن المراد في لفظة الحسنى هي الجنة، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من الزيادة أمرًا مغايرًا لكل ما في الجنة من النعيم، وإلا لزم التكرار، وإذا كان كذلك؛ وجب حمل الزيادة على رؤية الله تعالى.
ومما يؤكد هذا قوله سبحانه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} فأثبت لأهل الجنة أمرين:
أحدهما النضارة، وهو حسن الوجوه وذلك من نعيم الجنة.
والثاني النظر إلى وجه الله تعالى.
وقالت المعتزلة: لا يجوز حمل هذه الزيادة على الرؤية لأن الدلائل العقلية، دلت على أن رؤية الله ممتنعة، ولأن الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه، ورؤية الله تعالى ليس جنسًا من جنس نعيم الجنة، إلا أن الجمهور قد ردوا هذه الشبهة بأدلة عقلية أيضًا مع الأدلة النقلية. اهـ. باختصار انظر الخازن 3/ 152 من سورة يونس فقد بسط هذا الموضوع بسطًا جيدًا، وفتحه فتحًا علميًا مفيدًا.
أقول: ولا يحسن بنا ونحن في أحرج الظروف أن تكون المعركة حاميةً بين المثبت =
يُحاط به؛ لكن يراه المؤمنون في الدار الآخرة بغير إِحاطة وكذلك رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الِإسراء.
2 - مسألة: قال لأمَتِه إِن صليتِ صلاةً صحيحةً فأنتِ حرةٌ قبلها؛ فصلت مكشوفة الرأسِ صحت صلاتها، ولم تَعْتقُ إِن صلت وهي قادرة على السترة، لأنها لو عتقت "لكان (1) عتقها" قبل الصلاة لم تصح؛ لأنها (2) مكشوفةُ الرأس مع إِمكان السترة، وإِذا لم تصح لم تعتق، فإثبات العتق يؤدي إلى إبطاله، وإبطالِ الصلاة فأبطلناه وحده كما تقرر في نظائره من مسائل الدور (3).
وأما إذا عَجزتْ عن تحصيل السترة، فصلت مكشوفة الرأس، فتصح صلاتها وتعتق. لأن (4) الحرة تصح صلاتُها مكشوفة الرأس عند العجز، والله أعلم.
3 - مسألة: لو كبر للإحرام بالصلاة، ثم كبر ثانية وثالثة وأكثر، فإن قصد بما سوى الأولى الذكر، أو لم يقصد شيئًا لم تبطل صلاته، ولا يضره.
وإِن قطع الصلاة بعد التكبيرة الأولى أو غيرها، ثم نوى وكبر انعقدت بالثانية.
وإن قصد بكل واحدة من تكبيراته تكبيرةَ الإحرام، انعقدت صلاته بالأوتار، وتبطل (5) بالأشفاع.
__________
= والمنفي. وينشق المسلمون على إثر هذا، ويُحمل في القلوب التنافر والأحقاد، مع التضليل والتخطيء. والأمة غارقة في الكبائر، وخارجة عن جادة الصواب. كتبه محمد.
(1) نسخة "أ": بدون "لكان عتقها".
(2) نسخة "أ": من المسائل الدورية.
(3) نسخة "أ": بدون "لأنها".
(4) قوله: لأن الحرة إلخ ... زائدة عن نسخة "أ".
(5) نسخة "أ": ولا تنعقد.
فإن انتهى إلى وتر فصلاته صحيحة مجزئة، وإِن انتهى إِلى شفع، لم تصح صلاته؛ لأنها تنعقد بالأولى.
فإِذا كبر الثانية بنية الِإحرام، تضمن إِبطالَ الأولى والدخول في الصلاة، والتكبيرةُ الواحدة لا تَصلح لقطع (1) الصلاة وعقدها فتبطل صلاته.
فإذا كبر الثالثة انعقدت لأنه ليس في صلاة، وإِذا كبر الرابعة بطلت صلاته لما ذكرناه في الثانية، فإِذا كبر الخامسة انعقدت لما ذكرناه في الثالثة، وهكذا أبدًا، وهذا لا خلافَ فيه بينَ أصحابنا.
في حكم صلاة المريض إذا ضمد جراحه بنجاسة
4 - مسألة: إنسان به مرض وصف له مَنْ يجوز اعتماده من الأطباء المسلمين أن يتضمد (2) بالترياق الفاروق ويبقى عليه أيامًا وقال: لا تحصل المداواة إِلا بذلك. وهذا الترياق يعمل (3) فيه خمر ولحمُ الحيات، هل يجوز له ذلك ويصلي على حسب (4) حاله؟.
الجواب: يجوز وتلزمه إعادة الصلاة.
تكبيرة الإحرام
5 - مسألة: إِذا ترك التلفظ بتكبيرة الِإحرام هل تنعقد صلاته؟.
__________
(1) نسخة "أ": لبطلان.
(2) ضمد الجرح من باب ضرب شدَّه بالضِماد. والضمادة: وهي العصابة بالكسر فيها.
وضَمَّد رأسه تضميدًا شده بعصابة أو ثوب غير العمامة. اهـ. مختار.
(3) وهذا الترياق فيه الخمر إلخ ... بدون لفظ "يعمل" عن نسخة "أ".
(4) ويصلي على حاله من غير "حسب" نسخة "أ".
أجاب: رضي الله عنه لا تنعقد صلاته (1)، والله أعلم "كتبته عنه".
عدد التكبيرات إن كانت الصلاة رباعية
6 - مسألة: الصلاة الرباعية فيها اثنان (2) وعشرون تكبيرةً، في كل ركعة خمسٌ، وتكبيرة الإِحرام، وتكبيرة القيام من التشهد الأول.
والثلاثية سبعَ عَشْرة، والثنائية إِحدى عشرة. وفي الثلاثية والرباعية أربعُ جلساتٍ جلسة (3) بين السجدتين، وجلسة الاستراحة، وجلسة (4) التشهد
__________
(1) التكبيرة: ركن من أركان الصلاة، وقد شرط الفقهاء لصحتها وجوبَ التلفظ بها للخبر
المتفق عليه "إذا قمت إلى الصلاة فكبر".
سميتْ بذلك لأن المصلي يحرم عليه بها ما كان حلالًا له قبله من مفسدات الصلاة. اهـ.
من إضافة السبب للمسبب؛ أي تكبيرة سببٌ في تحريم ما كان حِلًا له قبلُ: كالأكل والشرب، أي وتحريم ذلك عليه. يدخل في أمر محترَم.
يقال: أحرم الرجل إذا دخل في حرمة لا تُنتهك.
وحكمة افتتاح الصلاة بالتكبير: استحضار المصلي عظمة مَنْ تهيأ لخدمته.
ثم اختلف العلماء في حكم تكبيرة الإحرام، ودليلِ افتراضِها:. روي عن علي رضي الله تعالى عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مفتاحُ الصلاة الطهُور وتحريمُها التكبير، وتحليلُها التسليمُ". رواه الخمسة إلا النسائي.
فيه دليل على أن افتتاح الصلاة، لا يكون إلا بالتكبير دونَ غيره من الأذكار وإليه ذهب الجمهور. وفي الباب أحاديثُ كثيرة تدل على تعيين لفظ التكبير من قوله، وفعله عليه الصلاة والسلام.
وقال أبو حنيفة: تنعقد الصلاة بكل لفظ قصد به التعظيم. اهـ. محمد.
انظر كتاب فتح العلام للإمام محمد عبد الله الجرداني هو من تحقيقنا والحمد لله 2/ 226، فقد فتح الإمام هذا الموضوع وأضفنا عليه بعض الإضافات أثناء التحقيق فنسأل الله التوفيق.
(2) نسخة "أ": ثنتان وهو الصحيح.
(3) نسخة "أ": الجلسة.
(4) نسخة "أ": وجلوس.
الأول، وجلوس التشهد الأخير. والسّنّة أن يفترش في الثلاث الأول ويتورك في الأخيرة، إِلّا المسبوق والساهي، فالأصح أنهما يفترشان في الأخيرة. ويتصور في المغرب أربعُ تشهدات في حق المسبوق، إِذا أدرك الِإمام بعد فوات ركوع الثانية وقبل تشهده الأول، والله أعلم.
7 - مسألة: إِذا قرأ الِإمام: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (1) فقال المأموم مثلَه هل هو مخطىء أم (2) مصيب؟ وهل قال أحد تبطل صلاته؟.
الجواب: هو مخطىء مبتدع (3). قال (4) بعض أصحابنا: وتبطل صلاته إلا أن يقصد الدعاءَ أو القراءة.
__________
(1) سورة الفاتحة: الآية 5.
(2) نسخة "أ": أو.
(3) فالبدعة: لها إطلاقات عِدة، واحتمالات متباينة، أقلها الخطأ، وتنتهي إلى الكفر، عند استحلالٍ، أو استخفافٍ، أو استهزاء.
فمن استحل الحرام المتفق على حرمته، أو استخف بأمر شرعي معلوم من الدين، أو استهزأ بحكم من أحكام الإسلام، فقد دخل في الكفر من أوسع أبوابه.
وعليه ينزل الحديث: "كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار".
وأما من فعل فعلًا بدون قصد، أو عمل عملًا من غير عمد، فليس لنا إلا تخطيئه فحسب.
وعليه يُحْملُ قولُ المؤلف: لمن أعاد {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} خلف إمامه (مبتدع) وأراد به الخطأ ليس إلا.
وبهذه المناسبة، نقدم لقُرْاء هذا الكتاب كلمةً خالصة، نبتغي بها النصح لأنه ركن الإسلام وأساسه، فنقول:
إن كثيرًا من المسلمين قد اتصفوا بالعجلة وعدم التثبت، في مثل هذا الميدان بوسمهم كثيرًا من المسلمين بالابتداع لأقل بادرة، وأتفه عمل، ويطلقون البدعة على ظاهرها من غير ورع، مع التسرع بالتكفير، أو التضليل وهذا خطير جدًا، فمن كفَّر مؤمنًا فقد كفر فليتنبه لهذا!!. اهـ. محمد.
(4) نسخة "أ": قال أصحاب الشافعي: تبطل.
الحديث على السكتة بعد الفاتحة في حق الإمام
8 - مسألة: إِذا قرأ الإمامُ الفاتحة في الصلاة الجهرية، ثم سكت حتى يقرأ المأمومُ الفاتحة، يُستحبُ له السكوتُ حقيقةً؟ أم تستحب له القراءةُ سرًا أو التسبيح؟ وهل لذلك أصل في الشرع أو ذكره أحد من العلماء؟.
الجواب: إِنه يستحب له في هذه الحالة أن يشتغل بالذكر أو الدعاء أو القراءة سرًا. والقراءةُ عندي: أفضلُ؛ لأن هذا موضعُها.
ودليل هذا الاستحبابِ أن الصلاة ليس فيها سكوتٌ حقيقيٌ في حق الإمام، وبالقياس على قراءته في انتظاره في صلاة الخوف "فإن قيل" كيف يسمى سكوتًا وفيه قراءة أو ذكر؟.
الجواب: أنه لا يمتنع كما في السكتة بعد تكبيرة الإحرام، فإنه يستحب فيها دعاء الافتتاح، وقد ثبت في "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قلت يا رسول الله إِسكاتك بين التكبير والقراءة ماذا (1) تقول فيه؟ قال: "أقُولُ: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْني وَبَيْن خطَايَاي كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ المَشْرق والمَغْربِ، اللَّهُمَّ نَقَنِي مِنَ الخَطَايا كما يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ" إلى آخر الحديث (2)، فسماه سكوتًا مع القول فيه؛ ولأنه سكوت بالنسبة إِلى الجهر قبله وبعده (3).
__________
(1) نسخة "أ": ما تقول فيه؟ بدون "ذا".
(2) تمام الحديث: اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد، قال المؤلف رحمه الله في كتابه الأذكار: هذا الحديث، ثبت في الصحيح. اهـ.
(3) تسن سكتة لطيفة بين تكبيرة الإحرام، ودعاء الإفتتاح، وبينه وبين التعوذ، وبيْنه وبين الفاتحة، وبينها وبين آمين، وبينه وبين السورة، وبينها وبين الركوع.
عن الحسن عن سمرة رضي الله تعالى عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يسكت سكتتين: إذا استفتح الصلاة، وإذا فرغ من القراءة كلها. =
وممن ذكر المسألة من العلماء أبو الفرج السرخسي في كتابه (الأمالي) فقال: يستحب أن يدعو في هذه السكتة بما ذكرناه في حديث أبي هريرة: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي" الحديث. وهذا الذي قاله حسن، ولكن المختار القراءة سرًا كما قدمناه. فإن قيل هذا الذكر والقراءة لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (1) فكيف يستحب؟.
الجواب: أنه كما لم ينقل إِثباته، لم ينقل نفيه ولا النهي عنه، فتكون مسألة لا نص فيها، فيعْمَل فيها بالقياس الذي ذكرناه، والله أعلم.
حكم القراءة بالشواذ، واللحن في القرآن عمدًا
9 - مسألة: هل تحل له (2) القراءة بالشواذ في الصلاة وهل تبطل بها (3)؟.
الجواب: لا تحل له القراءة بالشواذ في الصلاة ولا في غيرها؛ فإن قرأ بها في الصلاة وغيرت المعنى بطلت صلاته إن كان عالمًا عامدًا.
__________
= وفي رواية: سكتة إذا كبر، وسكتة إذا فرغ من قراءة غير المغضوب عليهم ولا الضالين. روى ذلك أبو داود. وكذلك أحمد والترمذي وابن ماجه بمعناه.
الغرض من هذه السكتة: ليفرغ المأمومون من النية، وتكبير الإحرام، لأنه لو قرأ الإمام عقب التكبير لفات من كان مشتغلًا بالتكبير والنية بعض سماع القراءة.
انظر كتاب فتح العلام 2/ 385 فقد تكلم على هذا الحكم بشكل واسع مع ذكر آرآء العلماء من مجيز ومانع. وهو بحث علمي مفيد إن شاء الله تعالى. كتبه محمد.
(1) نسخة "أ": إثباته، ولم ينقل نفيه ولا النهي عنه.
(2) نسخة "أ": هل تحل القراءة بدون "له".
(3) نسخة "أ": به
- مسألة: إذا لحن في القراءة عمدًا (1) بلا عذر هل هو حرام أو مكروه؟.
الجواب: هو حرام.
حكم القراءة جهرًا إذا شوشت على الغير
11 - مسألة: جماعة يقرءون القرآن في الجامع يوم الجمعة جهرًا، وينتفع بسماع قراءتهم ناس، ويشوشون على بعض الناس، هل قراءتهم أفضل أم تركها؟.
الجواب: إن كانت المصلحة فيها، وانتفاع الناس بها أكثر من المفسدة المذكورة فالقراءة أفضل، وإِن كانت المفسدة أكثَر كُرِهت القراءة.
12 - مسألة: قراءة القرآن في غير الصلاة هل الأفضل فيها الجهر أم الإسرار. وما الأفضل في القراءة في التهجد بالليل؟.
الجواب: الجهر في التلاوة في غير الصلاة أفضلُ من الإِسرار، إِلا أن يترتب على الجهر مَفْسدةٌ: كرياءٍ، أو إعجاب، أو تشويش على مصل، أو مريض، أو (2) نائم، أو معذور، أو جماعة مشتغلين بطاعة، أو مباح (3).
__________
(1) نسخة "أ": عامدًا.
(2) نسخة "أ": بدون "أو".
(3) ويحرم الجهر إن شوش على غيره: من مصل وقارىء وغيرهما في الصلاة وخارجها للضرر، ويؤخذ بقول المتشوش ولو فاسقًا، إذ لا يعرف إلا منه، وهذا إن اشتد التشويش، وإلا فهو مكروه.
أما من له عذر له كأن كثر اللغط فاحتاج للجهر ليأتي بالقراءة على وجهها فلا كراهة ولا حرمة. اهـ. من بشرى الكريم 1/ 102.
وأما قراءة التهجد: فالأفضل فيها التوسط بين الجهر والِإسرار، وهذا هو الأصح، وقيل: الجهر أفضل بالشروط (1) المذكورة.
13 - مسألة: هذه القراءة التي يقرؤها بعضُ الجهَلة على الجنائز بدمشقَ بالتمطيط الفاحش، والتغني الزائد، وإِدخال حروفٍ زائدة في (2) كلمات، ونحو ذلك مما هو مشاهد منهم، هل هو مذموم أم لا؟.
الجواب: هذا منكر ظاهر، ومذموم فاحش، وهو حرام بإجماع العلماء، وقد نقل الِإجماعَ فيه الماورديُ، وغيرُ واحد. وعلى وليّ الأمر -وفقه الله تعالى- زجرُهم عنه وتعزيرُهم (3) واستتابتهم، ويجب إِنكاره على كل مكلف تمكن من إِنكاره، والله أعلم.
14 - مسألة (4): هذا الذي يفعله بعض المصلين بالناس في صلاة التراويح وهو قراءة سورة الأنعام في الركعة الأخيرة من التراويح في الليلة السابعة من شهر (5) رمضانَ أو غير السابعة، هل هو سنة أو بدعة؟.
فقد قال قائل: بأنها نزلت جملةً واحدةً، فهل هذا ثابتٌ في الصحيح أم لا؟.
وهل فيه دليل لما يفعلونه. فإن كانت بدعةً فما سببُ كراهتها؟.
الجواب: هذا الفعل المذكور ليس بسنة، بل هو بدعة مكروهة، ولكراهتها أسباب: منها إِيهام كونها سنةً، ومنها تطويل الأخيرة على
__________
(1) نسخة "أ": بالشرط المذكور.
(2) نسخة "أ": و.
(3) التعزير لغة: التأديب.
وشرعًا: تأديبٌ دون الحد، ثم قد يكون بالحبس، وبالصفع، وتفريك الأذن، وبالكلام العنيف وبالشتم وغير ذلك. اهـ. شرح متن الكنز ص 72 أنظر ص 129 من هذا الكتاب في التعليق.
(4) نسخة "أ": هل.
(5) نسخة "أ": من رمضان.
الأولى، ومنها التطويل على المأمومين، وإنما السنة التخفيف، ومنها هذه القراءة وهَذْرَمتها (1)، ومنها المبالغة في تخفيف الركعات قبلها، وغير ذلك من الأسباب، ولم يثبت نزولُ الأنعام دفعةً واحدة، ولا دلالة فيه لو ثبت لهذا الفعل، فينبغي لكل مصلٍّ اجتنابُ هذا الفعل، وينبغي إشاعةُ إنكارِ هذا، فقد ثبتت الأحاديث الصحيحة في النهي عن محْدثاتِ الأمور، وأن كل بدعة ضلالة، ولم يُنقل هذا الفعل عن أحد من السلف وحاشاهم، والله أعلم.
جلسة الاستراحة (2)
15 - مسألة: تستحب المحافظة على جَلسة الاستراحة، وهي
__________
(1) الهذرمة: السرعة في القراءة والكلام يقال: هذرم ورده أي هذَّه. اهـ. مختار.
(2) هي: جلسة خفيفة عقب السجدة الثانية وقبل القيام، وهي سنة عند الشافعي وإسحاق وأحمد: فقد روي عن أبي قلابة رضي الله عنه قال: صلَّى لنا مالك بن الحويرث صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة في الركعة الأولى قعد ثم قام. رواه الخمسة إلا مسلمًا. ولفظ البخاري: "وكان إذا رفع رأسه عن السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام".
أقول: ومن الهيئات جلسة الاستراحة. يؤتى بها بعد كل سجدة ثانية يقوم عنها. فلا تسن بعد سجدة التلاوة، ولا للمصلي قاعدًا، ولا في الركعة الرابعة من الظهر مثلًا، ولا في الثانية منه، إن أراد التشهد فإن أراد تركه سن له أن يأتي بها.
وهي: فاصلة بين الركعتين على المعتمد ليست من الأولى ولا من الثانية.
والأفضل: أن لا تزيد على قدر الطمأنينة، لأنها من السنن التي أقلها أكملها كسكتات الصلاة.
ويكره تطويلها على الجلوس بين السجدتين، ولا تبطل الصلاة به عند الرملي، وتبطل عند ابن حجر إن زاد على الذكر المطلوب.
وقال القليوبي على الجلال:
وللمأموم ولو بطيء الحركة فعلها، لكن مع الكراهة، وإن تركها الإمام، بخلاف التشهد الأول فيجب تركه لطوله. اهـ. =
جلسة لطيفة عقب السجدتين في كل ركعة لا يتشهد عقبها، وقد ثبت حديثها في صحيح البخاري، وثبت في سنن أبي داود والترمذي من طرق أخرى بأسانيدَ صحيحةٍ، وهو الصحيح في مذهب الشافعي باتفاق المصنفين، ولا تستحب (1) عقب سجدة التلاوة في الصلاة.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
الصيغة المختارة في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -
الصيغة المختارة في الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -
16 - مسألة: في كيفية الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المختار أن يقول: اللهم صلِّ على محمدٍ عبدك ورسولك النبيّ الأميِّ وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إِنك حميد مجيد. ودليل استحباب هذه الكيفية أن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (2) وثبت في الأحاديث الصحيحة أنهم قالوا: يا رسول الله أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِ على مُحَمَّدٍ". وذكر - صلى الله عليه وسلم - الصلاةَ برواياتٍ جاءت في الصحيحين، وكل هذه الألفاظ ثابتةٌ معظمها في الصحيحين إلا قولَه (النبي الأمي) فإنها في سنن أبي داود وغيره بإسناد صحيح، وقد أوضحت هذه الطرقَ وما يتعلق بها مفصلةً في صفة الصلاة في "شرح المهذب".
17 - مسألة: هل الأفضلُ أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول وعلى آله أم لا؟ وهل الأفضلُ قراءة السورة في الركعتين
__________
= انظر كتاب "فتح العلام" 2/ 399 وفيه كلام نفيس وأحكام مفيدة وهو من تحقيقنا - والحمد لله- فنسأله سبحانه القبول مع نفع المسلمين به.
(1) نسخة "أ": يستحب بالياء.
(2) سورة الأحزاب: الآية 56.
الأخيرتين من الرباعية أو الركعة الأخيرة من المغرب؟ وهل يصلي على النبي صلى الله تعالي عليه وسلم إِذا مرَّ ذكره في الصلاة؟.
أجاب رضي الله عنه: الأفضل أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول دونَ آله، والأفضل تركُ السورة في الركَعات الأخيرة من الصلوات (1)، وأما الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في القراءة في الصلاة فلا يفعلها إِذ لا أصلَ لها كذلك هنا (2)، والله أعلم "كتبته عنه".
الإشارة بالمسبحة في التشهد ووقتها
18 - مسألة: هل تستحب الإِشارةُ بالأصبع المسبِّحة من اليد اليمنى في التشهد؟ ومتى يشير بها؟ وهل يحركها أم تبطل الصلاة بتكرار تحريكها؟ وهل يشير معها بمسبحة اليسرى؟ ولو قطعت مسبحة اليمين هل يشير بمسبِّحة اليسرى أو لا؟.
__________
(1) سوآء كانت الصلاة فرضًا أو غيره، مؤكدة أو غير مؤكدة. اهـ.
(2) قال الإمام الجرداني في كتابه "فتح العلام" هو من تحقيقنا والحمد لله:
مطلب: في حكم مخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة وفيه تفصيل مفيد.
أما خطاب نبينا صلوات الله وسلامه عليه؛ فلا يُبطل، أي الصلاة، ولو في غير التشهد على المعتمد حيث كان في دعاء. أي كانت الصيغة صيغة دعاء لا إنشاء كصلى الله عليك يا محمد.
أما بغير الدعآء: فتبطل به. اهـ. باختصار 2/ 443.
أقول: فالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -: قربة من أعظم القرب، وهي مطلوبة كلما سمع بذكره عليه الصلاة والسلام، إلا أن الصلاة مقام القرب. لها شأنها الخاص وفيها انفراد بالتقديس والتعظيم لله تعالى ولذا اختلف العلماء في صحة الصلاة عليه إذا سمع اسمه أثناء التلاوة.
فالأفضل: تركها خروجًا من الخلاف، سواء بصيغة الدعاء أو الإنشاء والله يعلم المفسد من المصلح، وإنما الأعمال بالنيات، ومع ذلك عُدْ لكتاب "فتح العلام" واقرأ الموضوع على مهل. وخذ برأي أهل العلم في هذا. اهـ. محمد.
الجواب: تستحب الِإشارةُ برفع المسبحة من اليد اليمنى عند الهمزة من قوله: إِلا الله مرةً واحدة (1) ولا يحركها، فلو كرر تحريكَها كره ولم تبطل صلاته على الصحيح. وقيل: تبطل. ولا يشير بمسبحة اليسرى سواء كانت مسبحة اليمنى سليمةً أو مقطوعةً فإن أشار بها كره ولم تبطل صلاته.
فيما إذا عطس في صلاته
19 - مسألة: إذا عطس في الصلاة هل يستحب له أن يقول: الحمد لله؟ وإِذا قاله هل يستحب لمن سمعه أن يقول له: يرحمك الله؟. الجواب: نعم، يستحب له ذلك، ويستحب لسامعه الذي ليس في صلاة ونحوها أن يقول له: يرحمك الله (2).
فيما إذا أدرك المسبوق الإمام راكعًا
20 - مسألة: إِذا أدرك المسبوقُ الِإمامَ راكعًا قال أصحابنا: إِن كبر المأموم قائمًا ثم ركع واطمأن قبلَ أن يرفع (3) الِإمامُ حُسبتْ له الركعةُ، فإن لم يطمئن حتى رفع الِإمامُ لم تحسب له هذه الركعة، ولو شكَّ في ذلك فهل تحسب له؟ فيه وجهان:
أصحهما: لا تحسب؛ لأن الأصل عدم الإدراك، فعلى هذا
__________
(1) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى وقَبَضَ أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى. رواه الخمسة إلا البخاري. اهـ. من التاج الجامع للأصول 1/ 196.
(2) ولكن لا يجوز له أن يجيبه على تشميته بأن يقول له: يهديكم الله فتنبه. اهـ. محمد.
(3) نسخة "أ": يرتفع.
يسجد للسهو في آخر ركعته التي يأتي بها بعد سلام الِإمام؛ لأنه أتى بركعة في حال انفراده وهو شاكٌ في زيادتها، فهو كمن شك هل صلى ثلاثًا أو أربعًا؟ فإنه يأتي بركعة ويسجد للسهو، وممن صرح بمسألتنا الغزالي في الفتاوى، وهي مسألة نفيسة تعم البلوى بها، ويغفل أكثر الناس عنها، فينبغي إِشاعتُها، والله أعلم.
21 - مسألة: إِذا صلى سنة الظهر أربعًا قبلها أو بعَدها، أو سنة العصر هل يسلم تسليمة أوتسليمتين؟.
الجواب: يجوز له تسليمةٌ بتشهد واحد وتشهدين، والأفضل تسليمتان.
22 - مسألة: إِذا قضى صلاة الصبح هل يستحب له أن يقنت؟.
أجاب رضي الله عنه: نعم؟ يستحب له ذلك، والله أعلم (1)
الخشوع في الصلاة
23 - مسألة: إِذا فكر في صلاته في المعاصي والمظالم ولم يحضر قلبه فيها ولا تدبر قراءتها هل تبطل صلاته أم لا؟.
أجاب رضي الله عنه: تصح صلاته وتكره، والله أعلم. "كتبتها عنه" (2).
__________
(1) هذا إن كان منفردًا في خلوته -بالنسبة لرفع يديه- وإلا يسبل ويقنت مختصِرًا لأن مبنى أمره -والحالة هذه- على الستر فافهم.
(2) لقد اختلف العلماء في حكم الخشوع في الصلاة: فمن قائل: إنه سنة، وعليه الجمهور.
ومن قائل: إنه واجب، وعليه السادةُ الصوفية. =
الصلاة بالنعلين ودليلها
24 - مسألة: هل صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بالنعلين، وهل الصلاة فيهما أفضل أم حافيًا، وهل صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلع نعليه في الصلاة فخلع أصحابه نعالهم، فسألهم عن ذلك وأنكره عليهم ولماذا أنكره (1)؟.
__________
= فعلى الأول: أنَّ مَنْ تفرق قلبه، وشغلته الخواطر ولو محرمة وتغلبت عليه الهواجس ولو سيئةً، فلا فساد لصلاته، فيسقط الفرض، وترتفع المؤاخذة، إلا أنه لا ثوابَ له ولا أجر، كمن صلى في ثوب مغصوب، أو حجَّ بمال من حرام، فهو آثم من حيث الكسب، ولا أجر له من حيث العمل، ويسقط الفرض من حيث الأداء إن وافق شروط الصحة.
وعلى الثاني: فإن روح الصلاة الخشوع فيها، وحضور القلب وتدبر القراءة، وفهم معانيها، واستشعار الخضوع والتواضع لله، فالحاضر الخاشع في جميع صلاته تكتب له صلاته كلها والغافل اللاهي لا يُكتب له شيء منها.
ولله در القائل:
تصلي بلا قلب صلاةً بمثلها ... يكون الفتى مستوجبًا للعقوبة
تظلُّ وقد أتممتها غيرَ عالمٍ ... تزيد احتياطًا ركعةً بعدَ ركعةِ
فويلك تَدري مَنْ تناجيه مُعْرِضًا ... وبين يديْ مَنْ تنحني غيرَ مخبت
تخاطبه إياك نعبدُ مقبلًا ... على غيره فيها لغير ضرورة
ولو رَدّ مَنْ ناجاك للغير طرْفَه ... تميزتَ من غيظٍ عليه وغيرةِ
أما تستحي من مالك الملك أن يرى ... صدودَك عنه يا قليلَ المروءةِ
إلهي اهدنا فيمن هديتَ وخُذْ بنا ... إلى الحق نهجًا في سواء الطريقة
وقال بعضهم:
فكم من مصلٍ ماله من صلاته ... سوى رؤيةِ المحراب والخفضِ والرفعِ
تراه على سطح الحصيرة قائمًا ... وهمته في السوق في الأخذ والدفع
اهـ
(1) أقول: المسح على الخفين هو: من خصائص هذه الأمة، ويدل له قوله عليه الصلاة والسلام:
"صَلُّوا في خِفَافِكُمْ فإنَّ الْيَهُودَ لا يُصَلُّونَ في خِفَافِهِمْ". =
الجواب: الحديثان صحيحان، والصلاة حافيًا أفضل؛ لأنه الأكثر من فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإِنما صلى بالنعلين في بعض الأوقات بيانًا للجواز، وخَلَعهما حينَ أخبره جبريلُ صلى الله عليه وسلم أن فيهما أذى، وإِنما أنكر عليهم خلعَ نعالهم، لأنه يكره للمصلي إحداثُ الفعل في الصلاة من غير حاجة.
حكم إشارة الأخرس
25 - مسألة: إِشارة الأخرس بالبيع، والنكاح، وسائر العقود إِذا كانت مفهومةً كانت كعبارة الناطق؛ فيصح البيع، والنكاح، وسائر العقود، ولا تقبل شهادته فيها في الأصح، ولو أشار في صلاته ببيع أو غيره صح البيع وغيره بلا خلاف، ولا تبطل صلاته على الصحيح صححه الغزالي رضي الله تعالى عنه في "كتاب الطلاق" من الوسيط، وجزم به في فتاويه. وجزم القاضي حسين في فتاويه: ببطلان الصلاة (والصحيح) صحتُها؛ لأنه ليس بكلام حقيقة.
__________
= وجاءت رواية:
عن شداد بن أوس: صلوا في نعالكم ولا تشبهوا باليهود.
وهو رخصة يرفع الحدث رفعًا مقيدًا بمدة.
وغسل الرجلين: أفضل منه خلافًا لبعض الحنفية، وإحدى الروايتين عن أحمد.
نعم؛ قد يسن كأن كان لابسُ الخف ممن يقتدى به، أو وجد في نفسه كراهة المسح، أو خاف فوت الجماعة لو غسل.
ويستحب لمن أراد لبس الخف أن ينفضه لئلا يكون فيه حية أو عقرب، أو شوكة، أو نحو ذلك لما ورد: أنه عليه الصلاة والسلام دعا بخفيه فلبس أحدهما، ثم جاء غراب فاحتمل الآخر ورماه، فخرجت منه حية فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما". رواه الطبراني في الكبير عن أبي أمامة.
انظر كتاب "فتح العلام" 1/ 318، 329 فقد ذُكِرتْ هذه الأحكام بشكل مفصل ومفيد.
- مسألة: يُتصور أن يعقد عقدَ البيع، والنكاح، وغيرهما في صلاته. ويصح العقد والصلاة. وصورته؛ إِذا عقد ناسيًا للصلاة، ولم يطل أو جاهلًا بتحريم الكلام، وهو ممن يُعذر في الجهل، أو عقد الأخرس بإشارته المفهومة، فإنه يصح عقدُه بلا خلاف، وصلاتُه على الصحيح كما سبق قريبًا (1).
27 - مسألة: هل تكره ركعتا سُنَّةِ الوضوء في أوقات الكراهة؟.
الجواب: لا تكره (2)، والله أعلم.
__________
(1) أقول:
وُيعقد بإشارة أخرسَ سوآء كان خرسُه عارضًا، أو أصليًا، وإن قدر على الكتابة في طلاق وغيره: كنكاح، وبيع، وإقرار. ودعوى، وعتق؛ لا في صلاة فلا تبطل بها، ولا في شهادة فلا تصح بها، ولا في حِنْثٍ فلا يحصل بها في الحلف على عدم الكلام.
فإن فهمها كل أحد، كأن اقترنت بها قرينة ظاهرة، كأن قيل له طلق!! فأشار بثلاثة أصابع فصريحة.
وإن اختص بفهمها الفطن ولو واحدًا فكناية تحتاج الى نية، فإن لم يفهمها أحد فلغو على المعتمد.
أما إشارة الناطق بالطلاق كأن قالت له طلقني. فأشار بيده أن اذهبي فلغو، بخلاف إشارته بالأمان أو الإذن في دخول، أو الإجازة بإقرآء العلم مثلًا أو الإفتآء، كما إذا قيل له: أيجوز هذا؟ فأشار برأسه مثلًا أي نعم جاز العمل به.
ومن الكناية كتابة من ناطق، أو أخرس، فإن نوى بها الطلاق، وقع لأنها طريقٌ في إفهام المراد كالعبارة، وقد اقترنت بالنية.
ويعتبر في الأخرس إذا كتب الطلاق أن يكتب، إني قصدت الطلاق أو يشير إلى ذلك كتبه محمد.
انظر حاشية الشرقاوي على التحرير 2/ 298.
فهذه فروع وأحكام نفيسة عَضَّ عليها بالنواجذ قلما تجدها في كتاب.
(2) لأن كل صلاة ذات سبب لا تكره إيقاعها في أوقات الكراهة. اهـ. محمد.
16 - مسألة: في كيفية الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المختار أن يقول: اللهم صلِّ على محمدٍ عبدك ورسولك النبيّ الأميِّ وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إِنك حميد مجيد. ودليل استحباب هذه الكيفية أن الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (2) وثبت في الأحاديث الصحيحة أنهم قالوا: يا رسول الله أمرنا الله تعالى أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِ على مُحَمَّدٍ". وذكر - صلى الله عليه وسلم - الصلاةَ برواياتٍ جاءت في الصحيحين، وكل هذه الألفاظ ثابتةٌ معظمها في الصحيحين إلا قولَه (النبي الأمي) فإنها في سنن أبي داود وغيره بإسناد صحيح، وقد أوضحت هذه الطرقَ وما يتعلق بها مفصلةً في صفة الصلاة في "شرح المهذب".
17 - مسألة: هل الأفضلُ أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول وعلى آله أم لا؟ وهل الأفضلُ قراءة السورة في الركعتين
__________
= انظر كتاب "فتح العلام" 2/ 399 وفيه كلام نفيس وأحكام مفيدة وهو من تحقيقنا - والحمد لله- فنسأله سبحانه القبول مع نفع المسلمين به.
(1) نسخة "أ": يستحب بالياء.
(2) سورة الأحزاب: الآية 56.
الأخيرتين من الرباعية أو الركعة الأخيرة من المغرب؟ وهل يصلي على النبي صلى الله تعالي عليه وسلم إِذا مرَّ ذكره في الصلاة؟.
أجاب رضي الله عنه: الأفضل أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد الأول دونَ آله، والأفضل تركُ السورة في الركَعات الأخيرة من الصلوات (1)، وأما الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في القراءة في الصلاة فلا يفعلها إِذ لا أصلَ لها كذلك هنا (2)، والله أعلم "كتبته عنه".
الإشارة بالمسبحة في التشهد ووقتها
18 - مسألة: هل تستحب الإِشارةُ بالأصبع المسبِّحة من اليد اليمنى في التشهد؟ ومتى يشير بها؟ وهل يحركها أم تبطل الصلاة بتكرار تحريكها؟ وهل يشير معها بمسبحة اليسرى؟ ولو قطعت مسبحة اليمين هل يشير بمسبِّحة اليسرى أو لا؟.
__________
(1) سوآء كانت الصلاة فرضًا أو غيره، مؤكدة أو غير مؤكدة. اهـ.
(2) قال الإمام الجرداني في كتابه "فتح العلام" هو من تحقيقنا والحمد لله:
مطلب: في حكم مخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة وفيه تفصيل مفيد.
أما خطاب نبينا صلوات الله وسلامه عليه؛ فلا يُبطل، أي الصلاة، ولو في غير التشهد على المعتمد حيث كان في دعاء. أي كانت الصيغة صيغة دعاء لا إنشاء كصلى الله عليك يا محمد.
أما بغير الدعآء: فتبطل به. اهـ. باختصار 2/ 443.
أقول: فالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -: قربة من أعظم القرب، وهي مطلوبة كلما سمع بذكره عليه الصلاة والسلام، إلا أن الصلاة مقام القرب. لها شأنها الخاص وفيها انفراد بالتقديس والتعظيم لله تعالى ولذا اختلف العلماء في صحة الصلاة عليه إذا سمع اسمه أثناء التلاوة.
فالأفضل: تركها خروجًا من الخلاف، سواء بصيغة الدعاء أو الإنشاء والله يعلم المفسد من المصلح، وإنما الأعمال بالنيات، ومع ذلك عُدْ لكتاب "فتح العلام" واقرأ الموضوع على مهل. وخذ برأي أهل العلم في هذا. اهـ. محمد.
الجواب: تستحب الِإشارةُ برفع المسبحة من اليد اليمنى عند الهمزة من قوله: إِلا الله مرةً واحدة (1) ولا يحركها، فلو كرر تحريكَها كره ولم تبطل صلاته على الصحيح. وقيل: تبطل. ولا يشير بمسبحة اليسرى سواء كانت مسبحة اليمنى سليمةً أو مقطوعةً فإن أشار بها كره ولم تبطل صلاته.
فيما إذا عطس في صلاته
19 - مسألة: إذا عطس في الصلاة هل يستحب له أن يقول: الحمد لله؟ وإِذا قاله هل يستحب لمن سمعه أن يقول له: يرحمك الله؟. الجواب: نعم، يستحب له ذلك، ويستحب لسامعه الذي ليس في صلاة ونحوها أن يقول له: يرحمك الله (2).
فيما إذا أدرك المسبوق الإمام راكعًا
20 - مسألة: إِذا أدرك المسبوقُ الِإمامَ راكعًا قال أصحابنا: إِن كبر المأموم قائمًا ثم ركع واطمأن قبلَ أن يرفع (3) الِإمامُ حُسبتْ له الركعةُ، فإن لم يطمئن حتى رفع الِإمامُ لم تحسب له هذه الركعة، ولو شكَّ في ذلك فهل تحسب له؟ فيه وجهان:
أصحهما: لا تحسب؛ لأن الأصل عدم الإدراك، فعلى هذا
__________
(1) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى وقَبَضَ أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى. رواه الخمسة إلا البخاري. اهـ. من التاج الجامع للأصول 1/ 196.
(2) ولكن لا يجوز له أن يجيبه على تشميته بأن يقول له: يهديكم الله فتنبه. اهـ. محمد.
(3) نسخة "أ": يرتفع.
يسجد للسهو في آخر ركعته التي يأتي بها بعد سلام الِإمام؛ لأنه أتى بركعة في حال انفراده وهو شاكٌ في زيادتها، فهو كمن شك هل صلى ثلاثًا أو أربعًا؟ فإنه يأتي بركعة ويسجد للسهو، وممن صرح بمسألتنا الغزالي في الفتاوى، وهي مسألة نفيسة تعم البلوى بها، ويغفل أكثر الناس عنها، فينبغي إِشاعتُها، والله أعلم.
21 - مسألة: إِذا صلى سنة الظهر أربعًا قبلها أو بعَدها، أو سنة العصر هل يسلم تسليمة أوتسليمتين؟.
الجواب: يجوز له تسليمةٌ بتشهد واحد وتشهدين، والأفضل تسليمتان.
22 - مسألة: إِذا قضى صلاة الصبح هل يستحب له أن يقنت؟.
أجاب رضي الله عنه: نعم؟ يستحب له ذلك، والله أعلم (1)
الخشوع في الصلاة
23 - مسألة: إِذا فكر في صلاته في المعاصي والمظالم ولم يحضر قلبه فيها ولا تدبر قراءتها هل تبطل صلاته أم لا؟.
أجاب رضي الله عنه: تصح صلاته وتكره، والله أعلم. "كتبتها عنه" (2).
__________
(1) هذا إن كان منفردًا في خلوته -بالنسبة لرفع يديه- وإلا يسبل ويقنت مختصِرًا لأن مبنى أمره -والحالة هذه- على الستر فافهم.
(2) لقد اختلف العلماء في حكم الخشوع في الصلاة: فمن قائل: إنه سنة، وعليه الجمهور.
ومن قائل: إنه واجب، وعليه السادةُ الصوفية. =
الصلاة بالنعلين ودليلها
24 - مسألة: هل صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بالنعلين، وهل الصلاة فيهما أفضل أم حافيًا، وهل صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلع نعليه في الصلاة فخلع أصحابه نعالهم، فسألهم عن ذلك وأنكره عليهم ولماذا أنكره (1)؟.
__________
= فعلى الأول: أنَّ مَنْ تفرق قلبه، وشغلته الخواطر ولو محرمة وتغلبت عليه الهواجس ولو سيئةً، فلا فساد لصلاته، فيسقط الفرض، وترتفع المؤاخذة، إلا أنه لا ثوابَ له ولا أجر، كمن صلى في ثوب مغصوب، أو حجَّ بمال من حرام، فهو آثم من حيث الكسب، ولا أجر له من حيث العمل، ويسقط الفرض من حيث الأداء إن وافق شروط الصحة.
وعلى الثاني: فإن روح الصلاة الخشوع فيها، وحضور القلب وتدبر القراءة، وفهم معانيها، واستشعار الخضوع والتواضع لله، فالحاضر الخاشع في جميع صلاته تكتب له صلاته كلها والغافل اللاهي لا يُكتب له شيء منها.
ولله در القائل:
تصلي بلا قلب صلاةً بمثلها ... يكون الفتى مستوجبًا للعقوبة
تظلُّ وقد أتممتها غيرَ عالمٍ ... تزيد احتياطًا ركعةً بعدَ ركعةِ
فويلك تَدري مَنْ تناجيه مُعْرِضًا ... وبين يديْ مَنْ تنحني غيرَ مخبت
تخاطبه إياك نعبدُ مقبلًا ... على غيره فيها لغير ضرورة
ولو رَدّ مَنْ ناجاك للغير طرْفَه ... تميزتَ من غيظٍ عليه وغيرةِ
أما تستحي من مالك الملك أن يرى ... صدودَك عنه يا قليلَ المروءةِ
إلهي اهدنا فيمن هديتَ وخُذْ بنا ... إلى الحق نهجًا في سواء الطريقة
وقال بعضهم:
فكم من مصلٍ ماله من صلاته ... سوى رؤيةِ المحراب والخفضِ والرفعِ
تراه على سطح الحصيرة قائمًا ... وهمته في السوق في الأخذ والدفع
اهـ
(1) أقول: المسح على الخفين هو: من خصائص هذه الأمة، ويدل له قوله عليه الصلاة والسلام:
"صَلُّوا في خِفَافِكُمْ فإنَّ الْيَهُودَ لا يُصَلُّونَ في خِفَافِهِمْ". =
الجواب: الحديثان صحيحان، والصلاة حافيًا أفضل؛ لأنه الأكثر من فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإِنما صلى بالنعلين في بعض الأوقات بيانًا للجواز، وخَلَعهما حينَ أخبره جبريلُ صلى الله عليه وسلم أن فيهما أذى، وإِنما أنكر عليهم خلعَ نعالهم، لأنه يكره للمصلي إحداثُ الفعل في الصلاة من غير حاجة.
حكم إشارة الأخرس
25 - مسألة: إِشارة الأخرس بالبيع، والنكاح، وسائر العقود إِذا كانت مفهومةً كانت كعبارة الناطق؛ فيصح البيع، والنكاح، وسائر العقود، ولا تقبل شهادته فيها في الأصح، ولو أشار في صلاته ببيع أو غيره صح البيع وغيره بلا خلاف، ولا تبطل صلاته على الصحيح صححه الغزالي رضي الله تعالى عنه في "كتاب الطلاق" من الوسيط، وجزم به في فتاويه. وجزم القاضي حسين في فتاويه: ببطلان الصلاة (والصحيح) صحتُها؛ لأنه ليس بكلام حقيقة.
__________
= وجاءت رواية:
عن شداد بن أوس: صلوا في نعالكم ولا تشبهوا باليهود.
وهو رخصة يرفع الحدث رفعًا مقيدًا بمدة.
وغسل الرجلين: أفضل منه خلافًا لبعض الحنفية، وإحدى الروايتين عن أحمد.
نعم؛ قد يسن كأن كان لابسُ الخف ممن يقتدى به، أو وجد في نفسه كراهة المسح، أو خاف فوت الجماعة لو غسل.
ويستحب لمن أراد لبس الخف أن ينفضه لئلا يكون فيه حية أو عقرب، أو شوكة، أو نحو ذلك لما ورد: أنه عليه الصلاة والسلام دعا بخفيه فلبس أحدهما، ثم جاء غراب فاحتمل الآخر ورماه، فخرجت منه حية فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما". رواه الطبراني في الكبير عن أبي أمامة.
انظر كتاب "فتح العلام" 1/ 318، 329 فقد ذُكِرتْ هذه الأحكام بشكل مفصل ومفيد.
- مسألة: يُتصور أن يعقد عقدَ البيع، والنكاح، وغيرهما في صلاته. ويصح العقد والصلاة. وصورته؛ إِذا عقد ناسيًا للصلاة، ولم يطل أو جاهلًا بتحريم الكلام، وهو ممن يُعذر في الجهل، أو عقد الأخرس بإشارته المفهومة، فإنه يصح عقدُه بلا خلاف، وصلاتُه على الصحيح كما سبق قريبًا (1).
27 - مسألة: هل تكره ركعتا سُنَّةِ الوضوء في أوقات الكراهة؟.
الجواب: لا تكره (2)، والله أعلم.
__________
(1) أقول:
وُيعقد بإشارة أخرسَ سوآء كان خرسُه عارضًا، أو أصليًا، وإن قدر على الكتابة في طلاق وغيره: كنكاح، وبيع، وإقرار. ودعوى، وعتق؛ لا في صلاة فلا تبطل بها، ولا في شهادة فلا تصح بها، ولا في حِنْثٍ فلا يحصل بها في الحلف على عدم الكلام.
فإن فهمها كل أحد، كأن اقترنت بها قرينة ظاهرة، كأن قيل له طلق!! فأشار بثلاثة أصابع فصريحة.
وإن اختص بفهمها الفطن ولو واحدًا فكناية تحتاج الى نية، فإن لم يفهمها أحد فلغو على المعتمد.
أما إشارة الناطق بالطلاق كأن قالت له طلقني. فأشار بيده أن اذهبي فلغو، بخلاف إشارته بالأمان أو الإذن في دخول، أو الإجازة بإقرآء العلم مثلًا أو الإفتآء، كما إذا قيل له: أيجوز هذا؟ فأشار برأسه مثلًا أي نعم جاز العمل به.
ومن الكناية كتابة من ناطق، أو أخرس، فإن نوى بها الطلاق، وقع لأنها طريقٌ في إفهام المراد كالعبارة، وقد اقترنت بالنية.
ويعتبر في الأخرس إذا كتب الطلاق أن يكتب، إني قصدت الطلاق أو يشير إلى ذلك كتبه محمد.
انظر حاشية الشرقاوي على التحرير 2/ 298.
فهذه فروع وأحكام نفيسة عَضَّ عليها بالنواجذ قلما تجدها في كتاب.
(2) لأن كل صلاة ذات سبب لا تكره إيقاعها في أوقات الكراهة. اهـ. محمد.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
الحديث على الصلاة الوسطى (1) وآكد الجماعات
الحديث على الصلاة الوسطى (1) وآكد الجماعات
28 - مسألة: المشهور من مذهب الشافعي رضي الله عنه والمعروف عنه وعن أصحابه: أن الصلاة الوسطى المذكورة في القرآن هي: الصبح. وقال الماوردي صاحب (2) الحاوي: مذهب الشافعي أنها العصر، للأحاديث الصحيحة فيها قال: وغلط بعضُ أصحابنا فقال: للشافعي فيها قولان، فهاتان الصلاتان أصح ما قيل في الوسطى، والعصر أقربهما للأحاديث.
واعلم أن آكد الجماعاتِ في المكتوبات غيرِ الجمعة صلاةُ الصبح والعشاء لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لوْ يَعْلَمْونَ ما في الصُّبْحِ والْعَتَمَةِ لأتَوْهُمَا ولوْ حَبْوًا" رواه البخاري ومسلم، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ صَلى
__________
(1) وعن علي رضي الله تعالى عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يومَ الأحزاب: "اللهم املأ قبورهم وبيوتهم نارًا كما شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس". رواه البخاري والترمذي.
يوم الأحزاب أي: غزوة الخندق، اللهم املأ بيوتهم وقبورهم نارًا أي: الكفار الذين جاءوا لقتالنا، فإنهم شغلونا عن الصلاة الوسطى وهي العصر حتى غابت الشمس.
وعن أبي يونس مولى عائشة قال: أمرَتْني عائشة أن أكتب لها مصحفًا فقالت: إذا بلغت هذه الآية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فآذني!! فلما بلغتها أعلمتها فأمْلَت عليَّ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} صلاة العصر. وقالت: سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رواه الترمذي بسند صحيح.
ظاهر العطف يقتضى المغايرة، فتكون الصلاة الوسطى غير العصر، وهي الظهر عند عائشة، وبعض الصحب؛ لوقوعها ظاهرةً وسط النهار، ولكن صريح الحديث قبله أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر لتوسطها بين صلاتين قبلها، وصلاتين بعدها وعليه الجمهور. اهـ. من التاج 4/ 64. كتبه محمد.
(2) نسخة "أ": وصاحب.
الْعِشَاءَ في جَماعةٍ فَكأنَّما قام نِصْفَ الليْلِ، ومنْ صَلى الصبْحَ في جماعةٍ فَكأنما قامَ الليل كلَّهُ" (1).
الكلام على المصافحة بعد الصلاة
29 - مسألة: هل المصافحة بعد صلاة العصر والصبح فضيلةٌ أم لا؟.
الجواب: المصافحة سنة عند التلاقي، وأما تخصيص الناس لها بعد هاتين الصلاتين فمعدود في البدع المباحة (والمختار) أنه إن كان هذا الشخص قد اجتمع هو وهو -قبل الصلاة- فهو بدعة مباحة كما قيل، وان كانا لم يجتمعا فهو مستحب؛ لأنه ابتداءُ اللقاء (2).
__________
(1) الحديث رواه مسلم: "بلفظ من صلى العشاء في جماعة؛ فكأنما قام نصف ليلة ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله".
(2) المصافحة بعد الصلاة: للعلماء فيها كلام واختلاف، فمن مجيز ومن مانع.
والمجيزون أخذوا بإطلاق طلب المصافحة فيما ورد في أدلتها الشرعية وهي وإن لم يقم دليل خاص على فعل السلف لها في أعقاب الصلوات، فليس هناك دليل يمنع من فعلها حينئذٍ وعن هذا لا ينهى عنها.
والمانعون لحظوا أن المداومة عليها في أدبار الصلوات يجعل منها سنة في أنظار الجاهلين، فإن تركها تارك أقاموا عليه النكير، ورموه بالخطأ والتقصير.
وقد كتب العلامة ابن عابدين في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" قال في كتاب الحظر والإباحة:
إذ نقل عن النووي الشافعي قوله: اعلم أن المصافحة مستحبة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاة الصبح والعصر، فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به؛ فإن أصل المصافحة سنة، وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال، وفرطوا في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها. اهـ. باختصار من "ردود على أباطيل" للأستاذ محمد الحامد. أقول: =
صلاة الرغائب
30 - مسألة: صلاة الرغائب المعروفة في أول ليلة جمعة من رجب هل هي سنة وفضيلة أو بدعة؟.
الجواب: هي بدعة قبيحة منكرَة أشد إِنكار، مشتملة على منكرات، فيتعين تركها والِإعراض عنها، وإِنكارُها على فاعلها، وعلى ولي الأمر وفقه الله تعالى منعُ الناس من فعلها: فإنه راعٍ، وكلُ راعٍ مسؤولٌ عن رعيته. وقد صنف العلماء كتبًا في إنكارها وذمَّها، وتسفيه فاعلها، ولا يغتر بكثرة الفاعلين لها في كثير من البلدان، ولا بكونها مذكورةً في قوت القلوب (1) وإِحياء علوم الدين ونحوهِما فإنها بدعة باطلة، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مَنْ أحْدَثَ في ديننَا ما لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ" وفي الصحيح: أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" وفي صحيح مسلم وغيره: أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "كلُّ بِدْعَةٍ ضلالة" وقد أمر الله تعالى عند التنازع بالرجوع إِلى كتابه فقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (2) ولم يأمر
__________
= أمثال هذا الاختلاف في المسائل الفرعية التي تجرُّ وراءه الويلات السيئة بين من يحمل في نفسه جمودًا علميًا، أو تعصبًا مذهبيًا، فيترك المسلمين وقد غرقوا في الكبائر، وارتكبوا الموبقات، واستحلوا المحرمات، وإذا بعُصْبَة يدعون الإصلاح: يضلل بعضهم بعضًا، ويجهِّل بعضهم بعضًا، وتحمل من الضغائن في نفوسهم ما يندى لها الجبين، والإسلام أصبح كبش الفداء، يتخبط بدمه، وأبناؤه في أمثال هذه الخلافيات تائهون وعن الحقيقة غافلون فلا حول ولا قوة إلا بالله. اهـ. محمد.
(1) لأبي طالب المكي، يحتوي هذا الكتاب على مجلدين كبيرين في التصوف.
(2) سورة النساء: الآية 59.
باتباع الجاهلين، ولا بالاغترار بغلَطاتِ المخطئين، والله أعلم (1).
31 - مسألة: إِذا شك المأموم هل هو متقدم في موقفه على الِإمام أم لا؟.
الجواب: صلاته صحيحة نص عليه الشافعي سواء جاء من قدام الِإمام أو من ورائه.
صلاة المريض إذا عجز عن إزالة النجاسة
32 - مسألة: رجل ثقل في المرض وعجز عن القيام والقعود، وعن إِزالة النجاسة، هل تلزمه الصلاة؟.
الجواب: يلزمه أن يصلي مضطجعًا، ويومىء بالركوع
__________
(1) قال في الإحياء 1/ 202:
أما صلاة رجب: فقد روي بإسناد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما من أحد يصوم أولَ خميس من رجب، ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وإنا أنزلناه في ليلة القدر ثلاث مرات، وقل هو الله أحد اثنتي عشرة مرة؛ فإذا فرغ من صلاته صلى عليَّ سبعين مرة يقول: اللهم صلِ على محمد النبي الأمي وعلى آله، ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة: سُبُوحٌ قدوس رب الملائكة والروح، ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم، ثم يسجد سجدة أخرى ويقول فيها مثل ما قال في السجدة الأولى. ثم يسأل حاجته في سجوده فإنها تقضى" .. الخ.
قال الحافظ العراقي: هذا الحديث أورد في صلاة الرغائب أورده رزين في كتابه وهو حديث موضوع.
قال في أسنى المطالب: وما ورد في رجب كقوله: لا تغفلوا عن ليلة أول جمعة من رجب فإنها ليلة تسميها الملائكة "الرغائب".
وقال في حرف الميم: من صلى بعد المغرب أول ليلة من رجب عشرين ركعة جاز على الصراط بلا حساب "باطل"، ولم يرد في رجب شيء بعينه. اهـ. كتبه محمد.
والسجود، ويحترز من (1) النجاسة بحسب الِإمكان، وإِذا عجز عن شيء منها: فإن تعافى لزمه إعادةُ تلك الصلوات المفعولات مع النجاسة، والله أعلم.
صلاة المسافر
33 - مسألة: إِذا سافر إلى موضع يبلغ مسافة القصر، ونيتُه أن لا يجاوزه، فهل إذا وصله ينقطع ترخصه بمجرد وصوله أم له حكم سائر البلدان التي يمر بها في طريقه؟ وهل في مذهب الشافعي فيه خلاف؟ وهل صرح أحد بالمسألة أم لا؟.
الجواب: لا ينقطع ترخصه بذلك؟ بل حكم ذلك البلد -الذي هو مقصده- حكم سائر البلدان التي يمر بها في طريقه، هذا هو الصحيح في مذهب الشافعي وبه الفتوى، وهو ظاهر نصوص الشافعي في أكثر المواضع، وقد جزم به -تصريحًا- القاضي أبو علي البندنيجي وآخرون، وهو مقتضى إِطلاق الجمهور. وذكر جماعة من الخراسانيين منهم البغوي في "التهذيب" والرافعي في "المسألة" قولين للشافعي:
1 - أصحهما: عندهم لا ينقطع ترخصه كما قدمناه.
2 - والثاني: ينقطع.
ودليل الصحيح ما ثبت في "الصحيحين" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قصر في حجة الوداع في مكةَ ومِنى ومزدلفة وعرفات، وهذا منتهى سفرِه وموضعُ قصدِه صلى الله عليه وآله وسلم، والله أعلم (2).
__________
(1) نسخة "أ": عن.
(2) أقول:
وينتهي سفر المسافر بمجرد وصوله لموضع نوى فيه الإقامة مطلقًا من غير تقييد بزمن. =
تطويل الثوب والعذبة
34 - مسألة: إِذا طوَّل ثوبه أو سراويله فنزل عن الكعبين هل هو حلال؟ وكذا إِذا طوَّل عذبة عمامته؟ وما قَدْرُ المستحب منها؟ وهل ترك العَذَبة للعمامة بدعة مكروهة أم لا؟.
الجواب: ما نزل عن الكعبين من القميص والسراويل والِإزار وغيرها من ملابس الرجل: إِن كان للخيلاء فهو حرام، وإِلا فمكروه.
والسنة في عذبة العمامة أن تكون بين كتفيه: فإِن طوَّلها طولًا فاحشًا فهو كما لو نزل القميص عن الكعبين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "الِإسْبَالُ المنهيُ عَنْه يكونُ في القَمِيصِ والعِمَامَة" وليس ترك العذبة بدعةً؛ بل له فعلهُ وتركه (1).
__________
= فلو نوى الإقامة وهو مستقل ماكث، أتم لانتفاء سبب الرخصة وهو السفر، أما لو نوى الإقامة وهو غير مستقلٍ: كالزوجة، والجندي، أو وهو سائر، فلا أثر لنيته الإقامة مع متابعة السير.
أو نوى أن يقيم فيه أربعةَ أيام بلياليها صحيحة أي: غير يومي الدخول والخروج. فهذه موجز الصور التي ينتهي بها سفره.
أما إذا وصل لمكان مقصوده، وبلغ مسافة القصر فلا ينتهي سفره كما ذكر المصنف
رحمه الله بمجرد وصوله، وهو الصحيح كما صُرِّح به في باب القصر. كتبه محمد.
(1) وقد ورد في هذا أحاديث كثيرة وإليك جانبًا منها:
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإسبال في الإزار، والقميص، والعمامة -يعني العذبة- من جر شيئًا خيلاءَ لم ينظر الله إليه يوم القيامة". رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وفي رواية البخاري ومسلم: "لا يَنْظُر اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ إلى مَنْ جَر ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ".
وعن أنس رضي الله تعالى عنه، قال حميد: كأنه يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإزار إلى نصف الساق"، فشق عليهم، فقال: "أو إلى الكعبين، لا خير فيما أسفل من ذلك". رواه أحمد ورواته رواة الصحيح. =
لبس زي غير المسلمين
35 - مسألة: من لبس غير زي المسلمين هل عليه ضرر في دينه وصلاته أم لا؟ وهل لبس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يلبسه الأجناد في زماننا من قَباء وغيره مما هو ضيق الكمين أم لا؟.
الجواب: يُنهى عن التشبه بالكفار في لباس وغيره، للأحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك وتنقص به صلاته. وثبت في "صحيح البخاري" وغيره: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبس قباء في بعض الأوقات. وثبت في "الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبس جبة شامية ضيقة الكمين، والله أعلم.
36 - مسألة: كيف يصلي مَنْ في طريقه الجمعةَ إِذا سافر قبل الزوال؟.
أجاب رضي الله عنه: صورته أن يعرف أن في طريقه قريةً أخرى قريبة من وطنه بحيث يصل إِليها ويصلي الجمعة مع أهلها في ذلك اليوم (1)، والله أعلم "كتبته عنه".
__________
= وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة".
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله، إن إزاري يسترخي، إلا أن أتعاهده، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنك لستَ ممن يفعله خيلاء". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
وقد ذكر الخازن في تفسيره عن قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وجهًا من وجوه أربعة بمعنى فقصر، وذلك لأن المشركين كانوا يطولون ثيابهم، ويجرون أذيالهم على النجاسات، وفي الثوب الطويل من الخيلاء والكبر والفخر ما ليس في القصير من الثياب فنهي عن تطويل الثوب. اهـ. كتبه محمد.
(1) السفر يوم الجمعة بعد الفجر وقبل الزوال حرام إن علم أنه تفوته صلاة الجمعة، وإلا فلا يحرم. وقد ورد "من سافر يوم الجمعة دعا عليه ملكاه". كتبه محمد.
- مسألة: هل يستحب للنساء صلاةُ العيد جماعةً في بيوتهن وتؤمهن إِحداهُن، أو مَحْرم، أو صبيٌّ مميز؟.
الجواب: نعم، يستحب ذلك ويستحب حثُّهن عليه (1).
38 - مسألة: إِذا أمر ولي الأمر الناسَ بصيام ثلائة أيام
__________
(1) حكم تارك الصلاة:
أقول: إذا امتنع شخص من فعل الصلاة، نُظِرَ: إن كان مُنكِرًا لوجوبها، وهو غير معذور لعدم إسلامه، ومخالطة المسلمين كُفِرَ، لأنه جحد أصلًا مقطوعًا به، ولا عذر له فيه، فتضمن جحده تكذيبَ اللهِ تعالى ورسولهِ، ومن كذبهما فقد كفر. ويقتل لقوله عليه الصلاة والسلام: من بدل دينه فاقتلوه.
وحكمه: حكم المرتد.
وإن تركها وهو يعتقد وجوبها، إلا أنه تركها كسلًا، حتى خرج الوقت. فهل يكفر يا ترى؟.
قيل: يكفر لقوله عليه الصلاة والسلام: "بين العبد وبين الكفر، ترك الصلاة". وأخذ به خلائق: منهم علي بن أبي طالب، وعبد الله بن المبارك، وإسحاق بن راهويه، والإمام ابن حنبل.
والصحيح وبه قال الجمهور: لا يُكفر، ولأن الكفر بالاعتقاد، واعتقادُه صحيحٌ.
فعلى الصحيح: يُستتاب، لأنه ليس بأسوء حالًا من المرتد، فإن تاب، وتوبتُه أن يصلي، وإلا قتل بضرب عنقه.
وقيل: يضرب بالخشب إلى أن يموت.
وقيل: يُنخس بحديدة إلى أن يصلي أو يموت.
فإذا مات غسل وصلي عليه، ودفن في مقابر المسلمين لأنه مسلم.
وقيل: لا يُغسل ولا يصلى عليه، ولا يرفع نعشه، ويطمس قبرُه إهانةً له بإهماله هذا الفرض الذي هو شعار ظاهر في الدين. اهـ. انظر كفاية الأخيار.
ومن أراد التوسع في هذا فليرجع إلى كتاب "فتح العلام". للإمام الجرداني 2/ 5.
فهو من تحقيقنا والحمد لله وقد فتح المؤلف هذا الموضوع فتحًا جيدًا.
وقد ذكرت في كتابي "سمير المؤمنين" كلمة حول هذا فعد إليه إن شئت لأنه موضوع مهم كاد أن يجعل في زوايا الإهمال، لتهاون كثير من المسلمين بأمر الصلاة. كتبه محمد.
للاستسقاء عند الحاجة إِليه -كما هو مقرر في كتب الفقه- هل يكون الصوم واجبًا على من بلغه الأمرُ إِذا استطاع الصوم؟.
الجواب: نعم؛ يكون واجبًا. ومن أخلَّ به والحالة هذه أثم، لقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (1) والأمر للوجوب وللأحاديث الصحيحة في الأمر بطاعة ولاة الأمر (2)، والله أعلم.
* * *
__________
(1) سورة النساء: الآية 59.
(2) يسن للإمام الأمرُ به، أي بالصوم، ويجب عليهم الصوم بأمره. فيجب فيه تبييت النية، والتعيين، وإذا لم يبيت النية، ونوى نهارًا صح ووقع نفلًا مطلقًا وأجزأ عن الصوم به فتبييتُ النية إنما هو لدفع الحرمة، وإذا لم ينو نهارًا لم يجب الإمساك، لأنه من خواص رمضان لحرمة الوقت.
ولا يجب قضاؤه لو فات، لأن وجوبه ليس لعينه، بل لعارض الأمر به، والقصد منه الفعل في الوقت لا مطلقًا، نعم إن أمر الإمام بالقضاء وجب.
ويكفي صوم تلك الأيام عن نذر، أو قضاء، أو كفارة، أو نفل كصوم اثنين وخميس، لأن المقصود وجود الصوم فيها.
ولا يجب الصوم على الإمام الآمر به. سواء قلنا: إن المتكلم يدخل في عموم كلامه أم لا لبعد أن يوجب الإنسان على نفسه شيئًا.
ولو سقوا قبل إتمام المأمور به لزمهم صوم بقية أيامه لأنها كالشيء الواحد.
وفائدته لم تنقطع إذ ربما كان سببًا للمزيد.
ولو وقع سبب استسقاء في النصف الثاني من شعبان فأمر الإمام حينئذٍ بالصوم وجب كما في غيره من بقية الأشهر لوجود سببه وهو الحاجة للاستسقاء وأمر الإمام به. اهـ. باختصار انظر كتاب الشرقاوي على التحرير 1/ 289.
وهو كلام نفيس جدًا وبحث علمي مفيد عضَّ عليه بالنواجذ. كتبه محمد.
28 - مسألة: المشهور من مذهب الشافعي رضي الله عنه والمعروف عنه وعن أصحابه: أن الصلاة الوسطى المذكورة في القرآن هي: الصبح. وقال الماوردي صاحب (2) الحاوي: مذهب الشافعي أنها العصر، للأحاديث الصحيحة فيها قال: وغلط بعضُ أصحابنا فقال: للشافعي فيها قولان، فهاتان الصلاتان أصح ما قيل في الوسطى، والعصر أقربهما للأحاديث.
واعلم أن آكد الجماعاتِ في المكتوبات غيرِ الجمعة صلاةُ الصبح والعشاء لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لوْ يَعْلَمْونَ ما في الصُّبْحِ والْعَتَمَةِ لأتَوْهُمَا ولوْ حَبْوًا" رواه البخاري ومسلم، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ صَلى
__________
(1) وعن علي رضي الله تعالى عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يومَ الأحزاب: "اللهم املأ قبورهم وبيوتهم نارًا كما شغلونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس". رواه البخاري والترمذي.
يوم الأحزاب أي: غزوة الخندق، اللهم املأ بيوتهم وقبورهم نارًا أي: الكفار الذين جاءوا لقتالنا، فإنهم شغلونا عن الصلاة الوسطى وهي العصر حتى غابت الشمس.
وعن أبي يونس مولى عائشة قال: أمرَتْني عائشة أن أكتب لها مصحفًا فقالت: إذا بلغت هذه الآية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فآذني!! فلما بلغتها أعلمتها فأمْلَت عليَّ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} صلاة العصر. وقالت: سمعتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. رواه الترمذي بسند صحيح.
ظاهر العطف يقتضى المغايرة، فتكون الصلاة الوسطى غير العصر، وهي الظهر عند عائشة، وبعض الصحب؛ لوقوعها ظاهرةً وسط النهار، ولكن صريح الحديث قبله أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر لتوسطها بين صلاتين قبلها، وصلاتين بعدها وعليه الجمهور. اهـ. من التاج 4/ 64. كتبه محمد.
(2) نسخة "أ": وصاحب.
الْعِشَاءَ في جَماعةٍ فَكأنَّما قام نِصْفَ الليْلِ، ومنْ صَلى الصبْحَ في جماعةٍ فَكأنما قامَ الليل كلَّهُ" (1).
الكلام على المصافحة بعد الصلاة
29 - مسألة: هل المصافحة بعد صلاة العصر والصبح فضيلةٌ أم لا؟.
الجواب: المصافحة سنة عند التلاقي، وأما تخصيص الناس لها بعد هاتين الصلاتين فمعدود في البدع المباحة (والمختار) أنه إن كان هذا الشخص قد اجتمع هو وهو -قبل الصلاة- فهو بدعة مباحة كما قيل، وان كانا لم يجتمعا فهو مستحب؛ لأنه ابتداءُ اللقاء (2).
__________
(1) الحديث رواه مسلم: "بلفظ من صلى العشاء في جماعة؛ فكأنما قام نصف ليلة ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله".
(2) المصافحة بعد الصلاة: للعلماء فيها كلام واختلاف، فمن مجيز ومن مانع.
والمجيزون أخذوا بإطلاق طلب المصافحة فيما ورد في أدلتها الشرعية وهي وإن لم يقم دليل خاص على فعل السلف لها في أعقاب الصلوات، فليس هناك دليل يمنع من فعلها حينئذٍ وعن هذا لا ينهى عنها.
والمانعون لحظوا أن المداومة عليها في أدبار الصلوات يجعل منها سنة في أنظار الجاهلين، فإن تركها تارك أقاموا عليه النكير، ورموه بالخطأ والتقصير.
وقد كتب العلامة ابن عابدين في حاشيته "رد المحتار على الدر المختار" قال في كتاب الحظر والإباحة:
إذ نقل عن النووي الشافعي قوله: اعلم أن المصافحة مستحبة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاة الصبح والعصر، فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به؛ فإن أصل المصافحة سنة، وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال، وفرطوا في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها. اهـ. باختصار من "ردود على أباطيل" للأستاذ محمد الحامد. أقول: =
صلاة الرغائب
30 - مسألة: صلاة الرغائب المعروفة في أول ليلة جمعة من رجب هل هي سنة وفضيلة أو بدعة؟.
الجواب: هي بدعة قبيحة منكرَة أشد إِنكار، مشتملة على منكرات، فيتعين تركها والِإعراض عنها، وإِنكارُها على فاعلها، وعلى ولي الأمر وفقه الله تعالى منعُ الناس من فعلها: فإنه راعٍ، وكلُ راعٍ مسؤولٌ عن رعيته. وقد صنف العلماء كتبًا في إنكارها وذمَّها، وتسفيه فاعلها، ولا يغتر بكثرة الفاعلين لها في كثير من البلدان، ولا بكونها مذكورةً في قوت القلوب (1) وإِحياء علوم الدين ونحوهِما فإنها بدعة باطلة، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مَنْ أحْدَثَ في ديننَا ما لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ" وفي الصحيح: أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد" وفي صحيح مسلم وغيره: أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "كلُّ بِدْعَةٍ ضلالة" وقد أمر الله تعالى عند التنازع بالرجوع إِلى كتابه فقال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (2) ولم يأمر
__________
= أمثال هذا الاختلاف في المسائل الفرعية التي تجرُّ وراءه الويلات السيئة بين من يحمل في نفسه جمودًا علميًا، أو تعصبًا مذهبيًا، فيترك المسلمين وقد غرقوا في الكبائر، وارتكبوا الموبقات، واستحلوا المحرمات، وإذا بعُصْبَة يدعون الإصلاح: يضلل بعضهم بعضًا، ويجهِّل بعضهم بعضًا، وتحمل من الضغائن في نفوسهم ما يندى لها الجبين، والإسلام أصبح كبش الفداء، يتخبط بدمه، وأبناؤه في أمثال هذه الخلافيات تائهون وعن الحقيقة غافلون فلا حول ولا قوة إلا بالله. اهـ. محمد.
(1) لأبي طالب المكي، يحتوي هذا الكتاب على مجلدين كبيرين في التصوف.
(2) سورة النساء: الآية 59.
باتباع الجاهلين، ولا بالاغترار بغلَطاتِ المخطئين، والله أعلم (1).
31 - مسألة: إِذا شك المأموم هل هو متقدم في موقفه على الِإمام أم لا؟.
الجواب: صلاته صحيحة نص عليه الشافعي سواء جاء من قدام الِإمام أو من ورائه.
صلاة المريض إذا عجز عن إزالة النجاسة
32 - مسألة: رجل ثقل في المرض وعجز عن القيام والقعود، وعن إِزالة النجاسة، هل تلزمه الصلاة؟.
الجواب: يلزمه أن يصلي مضطجعًا، ويومىء بالركوع
__________
(1) قال في الإحياء 1/ 202:
أما صلاة رجب: فقد روي بإسناد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "ما من أحد يصوم أولَ خميس من رجب، ثم يصلي فيما بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة، يفصل بين كل ركعتين بتسليمة، يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وإنا أنزلناه في ليلة القدر ثلاث مرات، وقل هو الله أحد اثنتي عشرة مرة؛ فإذا فرغ من صلاته صلى عليَّ سبعين مرة يقول: اللهم صلِ على محمد النبي الأمي وعلى آله، ثم يسجد ويقول في سجوده سبعين مرة: سُبُوحٌ قدوس رب الملائكة والروح، ثم يرفع رأسه ويقول سبعين مرة: رب اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم، ثم يسجد سجدة أخرى ويقول فيها مثل ما قال في السجدة الأولى. ثم يسأل حاجته في سجوده فإنها تقضى" .. الخ.
قال الحافظ العراقي: هذا الحديث أورد في صلاة الرغائب أورده رزين في كتابه وهو حديث موضوع.
قال في أسنى المطالب: وما ورد في رجب كقوله: لا تغفلوا عن ليلة أول جمعة من رجب فإنها ليلة تسميها الملائكة "الرغائب".
وقال في حرف الميم: من صلى بعد المغرب أول ليلة من رجب عشرين ركعة جاز على الصراط بلا حساب "باطل"، ولم يرد في رجب شيء بعينه. اهـ. كتبه محمد.
والسجود، ويحترز من (1) النجاسة بحسب الِإمكان، وإِذا عجز عن شيء منها: فإن تعافى لزمه إعادةُ تلك الصلوات المفعولات مع النجاسة، والله أعلم.
صلاة المسافر
33 - مسألة: إِذا سافر إلى موضع يبلغ مسافة القصر، ونيتُه أن لا يجاوزه، فهل إذا وصله ينقطع ترخصه بمجرد وصوله أم له حكم سائر البلدان التي يمر بها في طريقه؟ وهل في مذهب الشافعي فيه خلاف؟ وهل صرح أحد بالمسألة أم لا؟.
الجواب: لا ينقطع ترخصه بذلك؟ بل حكم ذلك البلد -الذي هو مقصده- حكم سائر البلدان التي يمر بها في طريقه، هذا هو الصحيح في مذهب الشافعي وبه الفتوى، وهو ظاهر نصوص الشافعي في أكثر المواضع، وقد جزم به -تصريحًا- القاضي أبو علي البندنيجي وآخرون، وهو مقتضى إِطلاق الجمهور. وذكر جماعة من الخراسانيين منهم البغوي في "التهذيب" والرافعي في "المسألة" قولين للشافعي:
1 - أصحهما: عندهم لا ينقطع ترخصه كما قدمناه.
2 - والثاني: ينقطع.
ودليل الصحيح ما ثبت في "الصحيحين" أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قصر في حجة الوداع في مكةَ ومِنى ومزدلفة وعرفات، وهذا منتهى سفرِه وموضعُ قصدِه صلى الله عليه وآله وسلم، والله أعلم (2).
__________
(1) نسخة "أ": عن.
(2) أقول:
وينتهي سفر المسافر بمجرد وصوله لموضع نوى فيه الإقامة مطلقًا من غير تقييد بزمن. =
تطويل الثوب والعذبة
34 - مسألة: إِذا طوَّل ثوبه أو سراويله فنزل عن الكعبين هل هو حلال؟ وكذا إِذا طوَّل عذبة عمامته؟ وما قَدْرُ المستحب منها؟ وهل ترك العَذَبة للعمامة بدعة مكروهة أم لا؟.
الجواب: ما نزل عن الكعبين من القميص والسراويل والِإزار وغيرها من ملابس الرجل: إِن كان للخيلاء فهو حرام، وإِلا فمكروه.
والسنة في عذبة العمامة أن تكون بين كتفيه: فإِن طوَّلها طولًا فاحشًا فهو كما لو نزل القميص عن الكعبين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "الِإسْبَالُ المنهيُ عَنْه يكونُ في القَمِيصِ والعِمَامَة" وليس ترك العذبة بدعةً؛ بل له فعلهُ وتركه (1).
__________
= فلو نوى الإقامة وهو مستقل ماكث، أتم لانتفاء سبب الرخصة وهو السفر، أما لو نوى الإقامة وهو غير مستقلٍ: كالزوجة، والجندي، أو وهو سائر، فلا أثر لنيته الإقامة مع متابعة السير.
أو نوى أن يقيم فيه أربعةَ أيام بلياليها صحيحة أي: غير يومي الدخول والخروج. فهذه موجز الصور التي ينتهي بها سفره.
أما إذا وصل لمكان مقصوده، وبلغ مسافة القصر فلا ينتهي سفره كما ذكر المصنف
رحمه الله بمجرد وصوله، وهو الصحيح كما صُرِّح به في باب القصر. كتبه محمد.
(1) وقد ورد في هذا أحاديث كثيرة وإليك جانبًا منها:
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإسبال في الإزار، والقميص، والعمامة -يعني العذبة- من جر شيئًا خيلاءَ لم ينظر الله إليه يوم القيامة". رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وفي رواية البخاري ومسلم: "لا يَنْظُر اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ إلى مَنْ جَر ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ".
وعن أنس رضي الله تعالى عنه، قال حميد: كأنه يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإزار إلى نصف الساق"، فشق عليهم، فقال: "أو إلى الكعبين، لا خير فيما أسفل من ذلك". رواه أحمد ورواته رواة الصحيح. =
لبس زي غير المسلمين
35 - مسألة: من لبس غير زي المسلمين هل عليه ضرر في دينه وصلاته أم لا؟ وهل لبس النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يلبسه الأجناد في زماننا من قَباء وغيره مما هو ضيق الكمين أم لا؟.
الجواب: يُنهى عن التشبه بالكفار في لباس وغيره، للأحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك وتنقص به صلاته. وثبت في "صحيح البخاري" وغيره: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبس قباء في بعض الأوقات. وثبت في "الصحيحين" أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبس جبة شامية ضيقة الكمين، والله أعلم.
36 - مسألة: كيف يصلي مَنْ في طريقه الجمعةَ إِذا سافر قبل الزوال؟.
أجاب رضي الله عنه: صورته أن يعرف أن في طريقه قريةً أخرى قريبة من وطنه بحيث يصل إِليها ويصلي الجمعة مع أهلها في ذلك اليوم (1)، والله أعلم "كتبته عنه".
__________
= وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة".
فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله، إن إزاري يسترخي، إلا أن أتعاهده، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنك لستَ ممن يفعله خيلاء". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
وقد ذكر الخازن في تفسيره عن قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] وجهًا من وجوه أربعة بمعنى فقصر، وذلك لأن المشركين كانوا يطولون ثيابهم، ويجرون أذيالهم على النجاسات، وفي الثوب الطويل من الخيلاء والكبر والفخر ما ليس في القصير من الثياب فنهي عن تطويل الثوب. اهـ. كتبه محمد.
(1) السفر يوم الجمعة بعد الفجر وقبل الزوال حرام إن علم أنه تفوته صلاة الجمعة، وإلا فلا يحرم. وقد ورد "من سافر يوم الجمعة دعا عليه ملكاه". كتبه محمد.
- مسألة: هل يستحب للنساء صلاةُ العيد جماعةً في بيوتهن وتؤمهن إِحداهُن، أو مَحْرم، أو صبيٌّ مميز؟.
الجواب: نعم، يستحب ذلك ويستحب حثُّهن عليه (1).
38 - مسألة: إِذا أمر ولي الأمر الناسَ بصيام ثلائة أيام
__________
(1) حكم تارك الصلاة:
أقول: إذا امتنع شخص من فعل الصلاة، نُظِرَ: إن كان مُنكِرًا لوجوبها، وهو غير معذور لعدم إسلامه، ومخالطة المسلمين كُفِرَ، لأنه جحد أصلًا مقطوعًا به، ولا عذر له فيه، فتضمن جحده تكذيبَ اللهِ تعالى ورسولهِ، ومن كذبهما فقد كفر. ويقتل لقوله عليه الصلاة والسلام: من بدل دينه فاقتلوه.
وحكمه: حكم المرتد.
وإن تركها وهو يعتقد وجوبها، إلا أنه تركها كسلًا، حتى خرج الوقت. فهل يكفر يا ترى؟.
قيل: يكفر لقوله عليه الصلاة والسلام: "بين العبد وبين الكفر، ترك الصلاة". وأخذ به خلائق: منهم علي بن أبي طالب، وعبد الله بن المبارك، وإسحاق بن راهويه، والإمام ابن حنبل.
والصحيح وبه قال الجمهور: لا يُكفر، ولأن الكفر بالاعتقاد، واعتقادُه صحيحٌ.
فعلى الصحيح: يُستتاب، لأنه ليس بأسوء حالًا من المرتد، فإن تاب، وتوبتُه أن يصلي، وإلا قتل بضرب عنقه.
وقيل: يضرب بالخشب إلى أن يموت.
وقيل: يُنخس بحديدة إلى أن يصلي أو يموت.
فإذا مات غسل وصلي عليه، ودفن في مقابر المسلمين لأنه مسلم.
وقيل: لا يُغسل ولا يصلى عليه، ولا يرفع نعشه، ويطمس قبرُه إهانةً له بإهماله هذا الفرض الذي هو شعار ظاهر في الدين. اهـ. انظر كفاية الأخيار.
ومن أراد التوسع في هذا فليرجع إلى كتاب "فتح العلام". للإمام الجرداني 2/ 5.
فهو من تحقيقنا والحمد لله وقد فتح المؤلف هذا الموضوع فتحًا جيدًا.
وقد ذكرت في كتابي "سمير المؤمنين" كلمة حول هذا فعد إليه إن شئت لأنه موضوع مهم كاد أن يجعل في زوايا الإهمال، لتهاون كثير من المسلمين بأمر الصلاة. كتبه محمد.
للاستسقاء عند الحاجة إِليه -كما هو مقرر في كتب الفقه- هل يكون الصوم واجبًا على من بلغه الأمرُ إِذا استطاع الصوم؟.
الجواب: نعم؛ يكون واجبًا. ومن أخلَّ به والحالة هذه أثم، لقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (1) والأمر للوجوب وللأحاديث الصحيحة في الأمر بطاعة ولاة الأمر (2)، والله أعلم.
* * *
__________
(1) سورة النساء: الآية 59.
(2) يسن للإمام الأمرُ به، أي بالصوم، ويجب عليهم الصوم بأمره. فيجب فيه تبييت النية، والتعيين، وإذا لم يبيت النية، ونوى نهارًا صح ووقع نفلًا مطلقًا وأجزأ عن الصوم به فتبييتُ النية إنما هو لدفع الحرمة، وإذا لم ينو نهارًا لم يجب الإمساك، لأنه من خواص رمضان لحرمة الوقت.
ولا يجب قضاؤه لو فات، لأن وجوبه ليس لعينه، بل لعارض الأمر به، والقصد منه الفعل في الوقت لا مطلقًا، نعم إن أمر الإمام بالقضاء وجب.
ويكفي صوم تلك الأيام عن نذر، أو قضاء، أو كفارة، أو نفل كصوم اثنين وخميس، لأن المقصود وجود الصوم فيها.
ولا يجب الصوم على الإمام الآمر به. سواء قلنا: إن المتكلم يدخل في عموم كلامه أم لا لبعد أن يوجب الإنسان على نفسه شيئًا.
ولو سقوا قبل إتمام المأمور به لزمهم صوم بقية أيامه لأنها كالشيء الواحد.
وفائدته لم تنقطع إذ ربما كان سببًا للمزيد.
ولو وقع سبب استسقاء في النصف الثاني من شعبان فأمر الإمام حينئذٍ بالصوم وجب كما في غيره من بقية الأشهر لوجود سببه وهو الحاجة للاستسقاء وأمر الإمام به. اهـ. باختصار انظر كتاب الشرقاوي على التحرير 1/ 289.
وهو كلام نفيس جدًا وبحث علمي مفيد عضَّ عليه بالنواجذ. كتبه محمد.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
كِتابُ المَسَاجد
كِتابُ المَسَاجد
وفيه أربع مسائل
فضل بناء المساجد
1 - مسألة: في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مَنْ بَنى للهِ مَسْجدًا بَنى اللهُ تَعَالَى لَهُ بَيْتًا في الجنَّة". وفي رواية: "بيتًا مثله" يحتمل أن معناه بيتًا فَضْلُهُ على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا، ويحتمل أنه مثله في مسمى البيت، وأما صفته في السعة وغيرها من صفات الفضل فمعلومٌ كثرتُها وأنها مما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
الأكل في المسجد
2 - مسألة: أكلُ الخبز والبطيخِ (1) والفاكهة وغير ذلك في المسجد هل هو جائز؟ وهل يُمنع منه؟.
الجواب: هو جائز، ولا يمنع منه؛ لكن ينبغي له أن يبسط شيئًا، ويصون المسجد، ويحترز من سقوط الفُتات والفاكهة وغيرها في المسجد. وهذا الذي ذكرناه فيما ليس له رائحة كريهة: كالثوم، والبصل، والكراث، والطبيخ الذي ليس فيه شيء من رائحة ذلك، ونحوه، فإن كان فيه شيء من ذلك فيكره أكله في المسجد، ويمنع آكلهُ
__________
(1) نسخة "أ": والطبيخ.
من المسجد حتى يذهب ريحه؛ فإِن دخل المسجد أُخرج منه، للحديث الصحيح المشهور في ذلك، هذا كله مع وجود الرائحة: فإن ماتت رائحته بالطبخ لم يمنع آكله (1) من المسجد، ويجوز أكله في المسجد، والله أعلم.
حكم بناء المسجد في المقبرة
3 - مسألة: مقبرة مسبَّلة للمسلمين بَنى إنسان فيها مسجدًا
وجعل فيها (2) محرابًا هل يجوز ذلك؟ وهل يجب هدمه (3)؟.
الجواب: لا يجوز له ذلك، ويجب هدمه.
حكم تنجيس ماء المسجد
4 - مسألة: مسجد فيه قناة تحت الأرض يجري الماء فيها الى أماكنَ كثيرةٍ، وفيها مكان تصلح منه القناة بوضع الزبل وغيره، ولم يُعْلم هل القناة عُمّرَتْ قبل المسجد أم بعده؟ لكن الظاهر أن القناة عمرت قبل المسجد هل لمتولي المسجد منعهم من ذلك أم لا؟.
__________
(1) نسخة "أ": لم يمنع من أكله في المسجد.
(2) نسخة "أ": فيه.
(3) اتخاذ القبور مساجد هي عادة من عادات اليهود المغضوب عليهم، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قاتل الله اليهود اتخذوا قبورهم مساجد" متفق عليه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج". وقد زعم بعضهم أن ذلك إنما كان ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان. ورده ابن دقيق العيد. وفيه دليل على تحريم اتخاذ السرج على المقابر لما يفضي ذلك من الاعتقادات الفاسدة.
علاوة على أن بناء المساجد في المقابر فيه تصرف غير صحيح في اشتراط حق الواقف، وفيه تضييق على موتى المسلمين، فبناء الزائد على القبر كما يفعله الجهلة من المسلمين حرام، حرمه الفقهاء والعلماء فضلًا على بناء المساجد ولهذا أفتى المؤلف رحمه الله بهدم ما بني في المقابر من المساجد. اهـ. محمد.
أجاب رضي الله عنه: ليس له تغييره والحالة هذه والله تعالى أعلم ولا المنع من إِدخال الزبل على الوجه المذكور، ولا تكليفُ أصحابِ الماء البينةَ المذكورة؛ بل يكفي استمرار الانتفاع حتى يثبت أنه عدوان، والله أعلم "كتبته عنه".
* * *
وفيه أربع مسائل
فضل بناء المساجد
1 - مسألة: في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مَنْ بَنى للهِ مَسْجدًا بَنى اللهُ تَعَالَى لَهُ بَيْتًا في الجنَّة". وفي رواية: "بيتًا مثله" يحتمل أن معناه بيتًا فَضْلُهُ على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا، ويحتمل أنه مثله في مسمى البيت، وأما صفته في السعة وغيرها من صفات الفضل فمعلومٌ كثرتُها وأنها مما لا عين رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
الأكل في المسجد
2 - مسألة: أكلُ الخبز والبطيخِ (1) والفاكهة وغير ذلك في المسجد هل هو جائز؟ وهل يُمنع منه؟.
الجواب: هو جائز، ولا يمنع منه؛ لكن ينبغي له أن يبسط شيئًا، ويصون المسجد، ويحترز من سقوط الفُتات والفاكهة وغيرها في المسجد. وهذا الذي ذكرناه فيما ليس له رائحة كريهة: كالثوم، والبصل، والكراث، والطبيخ الذي ليس فيه شيء من رائحة ذلك، ونحوه، فإن كان فيه شيء من ذلك فيكره أكله في المسجد، ويمنع آكلهُ
__________
(1) نسخة "أ": والطبيخ.
من المسجد حتى يذهب ريحه؛ فإِن دخل المسجد أُخرج منه، للحديث الصحيح المشهور في ذلك، هذا كله مع وجود الرائحة: فإن ماتت رائحته بالطبخ لم يمنع آكله (1) من المسجد، ويجوز أكله في المسجد، والله أعلم.
حكم بناء المسجد في المقبرة
3 - مسألة: مقبرة مسبَّلة للمسلمين بَنى إنسان فيها مسجدًا
وجعل فيها (2) محرابًا هل يجوز ذلك؟ وهل يجب هدمه (3)؟.
الجواب: لا يجوز له ذلك، ويجب هدمه.
حكم تنجيس ماء المسجد
4 - مسألة: مسجد فيه قناة تحت الأرض يجري الماء فيها الى أماكنَ كثيرةٍ، وفيها مكان تصلح منه القناة بوضع الزبل وغيره، ولم يُعْلم هل القناة عُمّرَتْ قبل المسجد أم بعده؟ لكن الظاهر أن القناة عمرت قبل المسجد هل لمتولي المسجد منعهم من ذلك أم لا؟.
__________
(1) نسخة "أ": لم يمنع من أكله في المسجد.
(2) نسخة "أ": فيه.
(3) اتخاذ القبور مساجد هي عادة من عادات اليهود المغضوب عليهم، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قاتل الله اليهود اتخذوا قبورهم مساجد" متفق عليه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج". وقد زعم بعضهم أن ذلك إنما كان ذلك الزمان لقرب العهد بعبادة الأوثان. ورده ابن دقيق العيد. وفيه دليل على تحريم اتخاذ السرج على المقابر لما يفضي ذلك من الاعتقادات الفاسدة.
علاوة على أن بناء المساجد في المقابر فيه تصرف غير صحيح في اشتراط حق الواقف، وفيه تضييق على موتى المسلمين، فبناء الزائد على القبر كما يفعله الجهلة من المسلمين حرام، حرمه الفقهاء والعلماء فضلًا على بناء المساجد ولهذا أفتى المؤلف رحمه الله بهدم ما بني في المقابر من المساجد. اهـ. محمد.
أجاب رضي الله عنه: ليس له تغييره والحالة هذه والله تعالى أعلم ولا المنع من إِدخال الزبل على الوجه المذكور، ولا تكليفُ أصحابِ الماء البينةَ المذكورة؛ بل يكفي استمرار الانتفاع حتى يثبت أنه عدوان، والله أعلم "كتبته عنه".
* * *
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
كِتابُ السَلامَ وغيره
كِتابُ السَلامَ وغيره
وفيه عشر مسائل
1 - مسألة: هل يستحب لمن قام من مجلس أن يسلم على الجالسين فيه أم لا؟ وهل فيه حديث أم لا؟.
الجواب: هو سنة، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: "إِذَا انْتهَى أحَدُكمْ إِلى المجْلِسِ فَلْيسلمْ، فَإذَا أرَادَ أنْ يَقُومَ فَلْيُسَلمْ، فَلَيْسَتِ الأولَى بِأحَق مِنَ الثَّانِيةِ". رواه الترمذي وقال: هو حديث حسن.
2 - مسألة: إِذا غلب على ظنه أنه إِذا سلم لا يرد عليه السلام فهل يسلم أم لا (1)؟.
الجواب: نعم؛ يسلم.
تشميت العاطس ودليله
3 - مسألة: إِذا عطس المسلم ولم يقلِ الحمدلله، هل يستحق التشميت؟ وهل تشميته أفضل أم تركه؟ وهل جاء عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في ذلك شيء أم لا؟.
__________
(1) أقول: لقد تعرضت لموضوع السلام في كتاب "الصحوة القريبة" الجزء الثاني، وذكرت آدابًا له دقيقة، وأحكامًا نافعة. وفضائل تعود على المجتمع الإسلامي بخير عميم، وأجر كبير. وأن السلام من أبرز شعائر الدين، لما يُستَل به من الصدور من أحقاد وأضغان وويلات تمزق صفوف المسلمين، وتهدم كيانَهم، فعد لهذا الموضوع تجد ما تقر به عينك إن شاء الله تعالى. اهـ. محمد.
الجواب: لا يستحق ذلك، ويكره تشميته والحالة هذه، وقد ثبت في صحيحي "البخاري ومسلم" رضي الله عنهما عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: "عَطَسَ رَجُلانِ عِنْدَ النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلَمَ، فَشمَّتَ أحدَهما ولَم يُشمِتِ الآخرَ، فقالَ الذي لمْ يُشَمِّتهُ: عَطَسَ فُلانٌ فَشَمَّتهُ، وَعَطَسْتُ فلم تُشمِّتْني فقال: هذا حَمِدَ اللهَ وإِنَّكَ لم تحمَدِ الله". وفي صحيح "مسلم" عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول: إِذا عَطَسَ أحَدُكمْ فَحَمِدَ الله تَعالى فَشَمّتُوه؟ فإنْ لمْ يحمدِ الله فَلا تُشَمِّتوهُ". وفي صحيح "البخاري" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إِذا عَطَسَ أحَدُكمْ فَلْيقُلِ الْحمدُ لله وَلْيَقُلْ لهُ أخُوهُ أو صَاحبُهُ: يرْحَمُكَ اللهُ، فإذا قالَ لهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ فَلْيَقُلْ: يهديكُم اللهُ وَيُصلحُ بالَكم".
حكم القيام
4 - مسألة: قيام الناس بعضِهم لبعضٍ كما هو المعتاد، هل هو جائز أم مكروه أم حرام؟ وهل ثبت في جوازه أو منعه شيء؟ (1).
__________
(1) قال في فتح المعين 4/ 192:
ويسن القيام لمن فيه فضيلة ظاهرة: من نحو علم، وصلاح، أو ولادة كأب، وأم، أو ولاية مصحوبة بصيانة كعفة وعدالة.
قال ابن عبد السلام: أو لمن يُرجى خيره أو يُخشى شره ولو كافرًا خشي منه ضررًا عظيمًا ويحرم على الرجل أن يُحبَّ قيامهم له للحديث الحسن: "مَنْ أحَبَّ أنْ يَتَمَثَّلَ النَاسُ لَهُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ الَّنارِ".
قال سيدي أمين الكردي في كتابه تنوير القلوب ص 200: ويسن أيضًا القيام لأهل الفضل إكرامًا لا رياء قياسًا على المصافحة والتقبيل الوارد لهما. اهـ. كتبه محمد.
الجواب: القيام لأهل الفضل وذوي الحقوق فضيلة على سبيل الِإكرام، وقد جاءت به أحاديث صحيحةٌ، وقد جمعْتُها من آثار السلف وأقاويلِ العلماء في ذلك، والجواب عما جاء مما يوهم معارضتها وليس مُعارضًا، وقد أوضحتُ كل ذلك في جزء معروف، فالذي نختاره ونعمل به واشتهر عن السلف من أقوالهم وأفعالهم، جواز القيام واستحبابه في الوجه الذي ذكرناه (1)، والله تعالى أعلم.
حكم الانحناء
5 - مسألة: الانحناء الذي يفعله الناسُ بعضُهم لبعض -كما هو معتاد لكثير من الناس- ما حكمه؟ وهل جاء فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن أصحابه؟.
الجواب: هو مكروه كراهةً شديدة، وقد ثبت عن أنس رضي الله عنه قال: "قالَ رَجلٌ: يا رَسولَ اللهِ، الرَّجُلُ منَّا يَلْقَى أخاهُ أو صَديقَهُ أيَنْحَني لهُ؟ قال: لا. قال: أفَيَلْتَزمُهُ وُيقَبِّلهُ؟ قال: لا. قال: أفَيَأخُذُ بيَدهِ وُيصَافحهُ؟ قال: "نَعَمْ" رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
فهذا حديث صريح في النهي عنه، ولم يأت له معارض فلا مصير إِلى مخالفته.
__________
(1) ولا فرق في جواز القيام للقادم في المسجد وغيره. وليس قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} بمانع من القيام للصلحاء والفضلاء في المساجد.
ذلك أن كونها له سبحانه لا يمنع تكريمَ الصالحين فيها، ألا إن طلحة بن عبيد الله قام في المسجد لكعب بن مالك، أحدِ الثلاثة الذين خُلِّفوا لما أنزل الله توبتهم رضي الله تعالى عنهم. قام إليه مهنئًا بمحضرٍ من سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينهه.
وذا دليل جواز القيام في المسجد. والنهي عن دعاء غير الله سبحانه لا يعني منع القيام للفضلاء لأنه ليس دعاء لهم، فالآية الكريمة بعيدة عن هذا الوهم راجع "ردود على أباطيل" للأستاذ الحامد رحمه الله. كتبه محمد.
ولا يُغترَّ بكثرة من يخالفه ممن ينسب إِلى فقه أو غيره من خصال الفضل، فإن الاقتداء إِنما يكون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1). قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2). وقال تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (3).
الانحناء بالرأس
6 - مسألة: الانحناء بالرأس للإنسان والسلام بالِإشارة باليد وغيرها هل هو حلال أم لا؟.
الجواب: الانحناء بالرأس مكروه، والسلام بالِإشارة من غير نطق مكروه في حق الناطق، مستحب في حق الأخرس، فإن كان الذي يسلم عليه بعيدًا جمع بين اللفظ والِإشارة.
السلام على الذمي
7 - مسألة: هل يجوزُ ابتداء الذّمِي بالسلام، والقيامُ له، وتشميته إِذا عطس، والدعاء له، والصلاة عليه إِذا مات، وزيارةُ قبره، وغسله؟.
الجواب: لا يجوز ابتداؤه بالسلام، ويكره القيام له (4).
__________
(1) وعن الفضيل بن عياض رحمه الله: اتبع طريق الهدى ولا يضرك قلةُ السالكين، وإيَّاك وطريقَ الضلالةِ ولا تغتر بكثرة الهالكين.
(2) سورة الحشر: الآية 7.
(3) سورة النور: الآية 63.
(4) إن لم يخف ضررًا وإلا فلا كراهة قال تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}
سورة آل عمران: الآية 28.
وأما الدعاء له بالهداية فمستحب. وأما التشميت فيستحب تشميته بأن يقال له: يهديكم الله، كما جاء به الحديث، ويجوز غسله إِذا مات، وزيارة قبره، ولا تجوز الصلاة عليه، ولا الدعاء له بالمغفرة (1).
تقبيل اليد
8 - مسألة (2): تقبيل يد غيره ما حكمه؟.
الجواب: يستحب تقبيل أيدي الصالحين وفضلاء العلماء، ويكره تقبيل يد غيرهم. ولايقبلُ يدَ أمردَ حسنٍ بحال (3).
__________
(1) فقد ذكرت هذه الأحكام في كتابي "الصحوة القريبة" الجزء الثاني كما تقدم معنا من قريب فعد إليها إن شئت. اهـ. محمد.
(2) نسخة "أ": هل يجوز.
(3) وأفتى الإمام النووي في غير هذا، بكراهة تقبيل نحو رأس، أو يد أو رجل لحديث: "من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه".
ومحلها في غير تقبيل الأمرد الحسن الوجه. أما هو: فيحرم بكل حال -سواء قدمِ من سفر أم لا- والمعانقة كالتقبيل؛ بل هي أولى.
ويندب ذلك لنحو صلاح، أو علم، أو شرف.
فإذا أراد تقبيل يد غيره، إن كان ذلك لزهده، وصلاحه، أو علمه وشرفه، وصيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية لم يكره، بل يستحب؛ لأن أبا عبيدة قبَّل يد عمر رضي الله عنهما.
وإن كان لغناه ودنياه وثروته وشوكته ووجاهته عند أهل الدنيا ونحو ذلك فهو مكروه شديد الكراهة.
وقال المتولي من أصحابنا: لا يجوز. فأشار إلى أنه حرام.
رُوِّينا في سنن أبي داود عن زارع رضي الله تعالى عنه وكان في وفد عبد قيس قال: فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجلَه.
قال الإمام الخفاجي:
قبّلْ يَدَ الخِيرة أهلِ التُقَى ... وَلاَ تَخَفْ طَعْنَ أعَادِيهِمْ
رَيْحَانَةُ الرَّحْمانِ عُبَّادُهُ ... وَشمُها لَثمُ أيَادِيهِمْ
اهـ. كتبه محمد
في السجود بين يدي المشايخ
9 - مسألة: السجود الذي يفعله بعض الناس بين يدي المشايخ ونحوهم ما حكمه؟.
الجواب: هو حرام شديد التحريم، والله أعلم (1).
العطاس عند الحديث
10 - مسألة: هذا الذي يقوله الناس عند الحديث إِذا عطس إنسان: إِنه تصديق للحديث هل له أصل أم لا؟.
__________
(1) وسجود لمخلوق سواء كان صنمًا، أو شمسًا، أو مخلوقًا، فيُكْفر به لأنه أثبت لله شريكًا.
قال في الإعلام: سواء كان السجود في دار الحرب، أم في دار الإسلام، بشرط أن لا تقوم قرينة على عدم استهزائه أو عذره، ولو كان المخلوق نبيًا فإنه يكفر بالسجود له وإن أنكر استحقاقه له، واعتقد أنه مستحق لله تعالى خاصة، أو لم يطابق قلبه جوارحه؛ لأن ظاهر حاله يكذبه.
وفي الروضة عن التهذيب: من دخل دار الحرب فسجد لصنم، أو تلفظ بكفر، ثم ادعى إكراهًا؛ فإن فعله في خلوته لم يُقبل أو بين أيديهم وهو أسير قبل قوله.
وخرج بالسجود الركوع؛ لأن صورته تقع في العادة للمخلوق كثيرًا، بخلاف السجود فإن صورته لا تقع في العادة لمخلوق.
قال شيخنا: نعم يظهر أن محل الفرق بينهما عند الإطلاق.
قال البيجرمي: والحاصل أن الانحناء لمخلوق -كما يفعل عند ملاقاة العظماء- حرام عند الإطلاق أو قصد تعظيمهم لا كتعظيم الله تعالى، وكفر إن قصد تعظيمهم كتعظيم الله تعالى لا شك في كفره. اهـ.
من إعانة الطالبين 4/ 136. في بعض تصرف. كتبه محمد.
الجواب: نعم له أصل أصيل، روى أبو يعلى الموصلي في مسنده بإسناد جيد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "منْ حَدَّثْ حديثًا فعُطس عِندَهُ فَهوَ حَقٌ" كل رجال إِسناده ثقات متقنون، إِلا بقية بن الوليدِ فمختلف فيه، وأكثر الحفاظ والأئمة يحتجون بروايته عن الشاميين، وهو يروي هذا الحديث عن معاوية بن يحيى الشامي (1).
* * *
__________
(1) قال البيهقي: إنه منكر. وقال غيره: إنه باطل.
وعطس بالبناء للفاعل والمفعول.
وهو مخالف للواقع فكم من حديثٍ كذبٍ يوافقه عطاس. والنووي -قُدس سره- خالف مَنْ قبله بقوله: له أصل أصيل. اهـ. من أسنى المطالب.
وقال في الدرر تبعًا للزركشي: وأخطأ من قال: إن الحديث باطل انتهى.
وقال في المقاصد: وله شاهد عند الطبراني عن أنس مرفوعًا: أصدق الحديث ما عطس عنده.
وفي معرفة الصحابة ومسند الديلمي عن أبي رهم مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرفوعًا: من سعادة المرء العطاس عند الدعاء.
والكلام عليه مستوفى في تخريج الأذكار. وتقدم العطاس شاهد صدق. اهـ. من كشف الخفاء. كتبه محمد.
وفيه عشر مسائل
1 - مسألة: هل يستحب لمن قام من مجلس أن يسلم على الجالسين فيه أم لا؟ وهل فيه حديث أم لا؟.
الجواب: هو سنة، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: "إِذَا انْتهَى أحَدُكمْ إِلى المجْلِسِ فَلْيسلمْ، فَإذَا أرَادَ أنْ يَقُومَ فَلْيُسَلمْ، فَلَيْسَتِ الأولَى بِأحَق مِنَ الثَّانِيةِ". رواه الترمذي وقال: هو حديث حسن.
2 - مسألة: إِذا غلب على ظنه أنه إِذا سلم لا يرد عليه السلام فهل يسلم أم لا (1)؟.
الجواب: نعم؛ يسلم.
تشميت العاطس ودليله
3 - مسألة: إِذا عطس المسلم ولم يقلِ الحمدلله، هل يستحق التشميت؟ وهل تشميته أفضل أم تركه؟ وهل جاء عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في ذلك شيء أم لا؟.
__________
(1) أقول: لقد تعرضت لموضوع السلام في كتاب "الصحوة القريبة" الجزء الثاني، وذكرت آدابًا له دقيقة، وأحكامًا نافعة. وفضائل تعود على المجتمع الإسلامي بخير عميم، وأجر كبير. وأن السلام من أبرز شعائر الدين، لما يُستَل به من الصدور من أحقاد وأضغان وويلات تمزق صفوف المسلمين، وتهدم كيانَهم، فعد لهذا الموضوع تجد ما تقر به عينك إن شاء الله تعالى. اهـ. محمد.
الجواب: لا يستحق ذلك، ويكره تشميته والحالة هذه، وقد ثبت في صحيحي "البخاري ومسلم" رضي الله عنهما عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: "عَطَسَ رَجُلانِ عِنْدَ النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلَمَ، فَشمَّتَ أحدَهما ولَم يُشمِتِ الآخرَ، فقالَ الذي لمْ يُشَمِّتهُ: عَطَسَ فُلانٌ فَشَمَّتهُ، وَعَطَسْتُ فلم تُشمِّتْني فقال: هذا حَمِدَ اللهَ وإِنَّكَ لم تحمَدِ الله". وفي صحيح "مسلم" عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول: إِذا عَطَسَ أحَدُكمْ فَحَمِدَ الله تَعالى فَشَمّتُوه؟ فإنْ لمْ يحمدِ الله فَلا تُشَمِّتوهُ". وفي صحيح "البخاري" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إِذا عَطَسَ أحَدُكمْ فَلْيقُلِ الْحمدُ لله وَلْيَقُلْ لهُ أخُوهُ أو صَاحبُهُ: يرْحَمُكَ اللهُ، فإذا قالَ لهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ فَلْيَقُلْ: يهديكُم اللهُ وَيُصلحُ بالَكم".
حكم القيام
4 - مسألة: قيام الناس بعضِهم لبعضٍ كما هو المعتاد، هل هو جائز أم مكروه أم حرام؟ وهل ثبت في جوازه أو منعه شيء؟ (1).
__________
(1) قال في فتح المعين 4/ 192:
ويسن القيام لمن فيه فضيلة ظاهرة: من نحو علم، وصلاح، أو ولادة كأب، وأم، أو ولاية مصحوبة بصيانة كعفة وعدالة.
قال ابن عبد السلام: أو لمن يُرجى خيره أو يُخشى شره ولو كافرًا خشي منه ضررًا عظيمًا ويحرم على الرجل أن يُحبَّ قيامهم له للحديث الحسن: "مَنْ أحَبَّ أنْ يَتَمَثَّلَ النَاسُ لَهُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ الَّنارِ".
قال سيدي أمين الكردي في كتابه تنوير القلوب ص 200: ويسن أيضًا القيام لأهل الفضل إكرامًا لا رياء قياسًا على المصافحة والتقبيل الوارد لهما. اهـ. كتبه محمد.
الجواب: القيام لأهل الفضل وذوي الحقوق فضيلة على سبيل الِإكرام، وقد جاءت به أحاديث صحيحةٌ، وقد جمعْتُها من آثار السلف وأقاويلِ العلماء في ذلك، والجواب عما جاء مما يوهم معارضتها وليس مُعارضًا، وقد أوضحتُ كل ذلك في جزء معروف، فالذي نختاره ونعمل به واشتهر عن السلف من أقوالهم وأفعالهم، جواز القيام واستحبابه في الوجه الذي ذكرناه (1)، والله تعالى أعلم.
حكم الانحناء
5 - مسألة: الانحناء الذي يفعله الناسُ بعضُهم لبعض -كما هو معتاد لكثير من الناس- ما حكمه؟ وهل جاء فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن أصحابه؟.
الجواب: هو مكروه كراهةً شديدة، وقد ثبت عن أنس رضي الله عنه قال: "قالَ رَجلٌ: يا رَسولَ اللهِ، الرَّجُلُ منَّا يَلْقَى أخاهُ أو صَديقَهُ أيَنْحَني لهُ؟ قال: لا. قال: أفَيَلْتَزمُهُ وُيقَبِّلهُ؟ قال: لا. قال: أفَيَأخُذُ بيَدهِ وُيصَافحهُ؟ قال: "نَعَمْ" رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
فهذا حديث صريح في النهي عنه، ولم يأت له معارض فلا مصير إِلى مخالفته.
__________
(1) ولا فرق في جواز القيام للقادم في المسجد وغيره. وليس قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} بمانع من القيام للصلحاء والفضلاء في المساجد.
ذلك أن كونها له سبحانه لا يمنع تكريمَ الصالحين فيها، ألا إن طلحة بن عبيد الله قام في المسجد لكعب بن مالك، أحدِ الثلاثة الذين خُلِّفوا لما أنزل الله توبتهم رضي الله تعالى عنهم. قام إليه مهنئًا بمحضرٍ من سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم ينهه.
وذا دليل جواز القيام في المسجد. والنهي عن دعاء غير الله سبحانه لا يعني منع القيام للفضلاء لأنه ليس دعاء لهم، فالآية الكريمة بعيدة عن هذا الوهم راجع "ردود على أباطيل" للأستاذ الحامد رحمه الله. كتبه محمد.
ولا يُغترَّ بكثرة من يخالفه ممن ينسب إِلى فقه أو غيره من خصال الفضل، فإن الاقتداء إِنما يكون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1). قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2). وقال تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (3).
الانحناء بالرأس
6 - مسألة: الانحناء بالرأس للإنسان والسلام بالِإشارة باليد وغيرها هل هو حلال أم لا؟.
الجواب: الانحناء بالرأس مكروه، والسلام بالِإشارة من غير نطق مكروه في حق الناطق، مستحب في حق الأخرس، فإن كان الذي يسلم عليه بعيدًا جمع بين اللفظ والِإشارة.
السلام على الذمي
7 - مسألة: هل يجوزُ ابتداء الذّمِي بالسلام، والقيامُ له، وتشميته إِذا عطس، والدعاء له، والصلاة عليه إِذا مات، وزيارةُ قبره، وغسله؟.
الجواب: لا يجوز ابتداؤه بالسلام، ويكره القيام له (4).
__________
(1) وعن الفضيل بن عياض رحمه الله: اتبع طريق الهدى ولا يضرك قلةُ السالكين، وإيَّاك وطريقَ الضلالةِ ولا تغتر بكثرة الهالكين.
(2) سورة الحشر: الآية 7.
(3) سورة النور: الآية 63.
(4) إن لم يخف ضررًا وإلا فلا كراهة قال تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}
سورة آل عمران: الآية 28.
وأما الدعاء له بالهداية فمستحب. وأما التشميت فيستحب تشميته بأن يقال له: يهديكم الله، كما جاء به الحديث، ويجوز غسله إِذا مات، وزيارة قبره، ولا تجوز الصلاة عليه، ولا الدعاء له بالمغفرة (1).
تقبيل اليد
8 - مسألة (2): تقبيل يد غيره ما حكمه؟.
الجواب: يستحب تقبيل أيدي الصالحين وفضلاء العلماء، ويكره تقبيل يد غيرهم. ولايقبلُ يدَ أمردَ حسنٍ بحال (3).
__________
(1) فقد ذكرت هذه الأحكام في كتابي "الصحوة القريبة" الجزء الثاني كما تقدم معنا من قريب فعد إليها إن شئت. اهـ. محمد.
(2) نسخة "أ": هل يجوز.
(3) وأفتى الإمام النووي في غير هذا، بكراهة تقبيل نحو رأس، أو يد أو رجل لحديث: "من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه".
ومحلها في غير تقبيل الأمرد الحسن الوجه. أما هو: فيحرم بكل حال -سواء قدمِ من سفر أم لا- والمعانقة كالتقبيل؛ بل هي أولى.
ويندب ذلك لنحو صلاح، أو علم، أو شرف.
فإذا أراد تقبيل يد غيره، إن كان ذلك لزهده، وصلاحه، أو علمه وشرفه، وصيانته أو نحو ذلك من الأمور الدينية لم يكره، بل يستحب؛ لأن أبا عبيدة قبَّل يد عمر رضي الله عنهما.
وإن كان لغناه ودنياه وثروته وشوكته ووجاهته عند أهل الدنيا ونحو ذلك فهو مكروه شديد الكراهة.
وقال المتولي من أصحابنا: لا يجوز. فأشار إلى أنه حرام.
رُوِّينا في سنن أبي داود عن زارع رضي الله تعالى عنه وكان في وفد عبد قيس قال: فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي - صلى الله عليه وسلم - ورجلَه.
قال الإمام الخفاجي:
قبّلْ يَدَ الخِيرة أهلِ التُقَى ... وَلاَ تَخَفْ طَعْنَ أعَادِيهِمْ
رَيْحَانَةُ الرَّحْمانِ عُبَّادُهُ ... وَشمُها لَثمُ أيَادِيهِمْ
اهـ. كتبه محمد
في السجود بين يدي المشايخ
9 - مسألة: السجود الذي يفعله بعض الناس بين يدي المشايخ ونحوهم ما حكمه؟.
الجواب: هو حرام شديد التحريم، والله أعلم (1).
العطاس عند الحديث
10 - مسألة: هذا الذي يقوله الناس عند الحديث إِذا عطس إنسان: إِنه تصديق للحديث هل له أصل أم لا؟.
__________
(1) وسجود لمخلوق سواء كان صنمًا، أو شمسًا، أو مخلوقًا، فيُكْفر به لأنه أثبت لله شريكًا.
قال في الإعلام: سواء كان السجود في دار الحرب، أم في دار الإسلام، بشرط أن لا تقوم قرينة على عدم استهزائه أو عذره، ولو كان المخلوق نبيًا فإنه يكفر بالسجود له وإن أنكر استحقاقه له، واعتقد أنه مستحق لله تعالى خاصة، أو لم يطابق قلبه جوارحه؛ لأن ظاهر حاله يكذبه.
وفي الروضة عن التهذيب: من دخل دار الحرب فسجد لصنم، أو تلفظ بكفر، ثم ادعى إكراهًا؛ فإن فعله في خلوته لم يُقبل أو بين أيديهم وهو أسير قبل قوله.
وخرج بالسجود الركوع؛ لأن صورته تقع في العادة للمخلوق كثيرًا، بخلاف السجود فإن صورته لا تقع في العادة لمخلوق.
قال شيخنا: نعم يظهر أن محل الفرق بينهما عند الإطلاق.
قال البيجرمي: والحاصل أن الانحناء لمخلوق -كما يفعل عند ملاقاة العظماء- حرام عند الإطلاق أو قصد تعظيمهم لا كتعظيم الله تعالى، وكفر إن قصد تعظيمهم كتعظيم الله تعالى لا شك في كفره. اهـ.
من إعانة الطالبين 4/ 136. في بعض تصرف. كتبه محمد.
الجواب: نعم له أصل أصيل، روى أبو يعلى الموصلي في مسنده بإسناد جيد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "منْ حَدَّثْ حديثًا فعُطس عِندَهُ فَهوَ حَقٌ" كل رجال إِسناده ثقات متقنون، إِلا بقية بن الوليدِ فمختلف فيه، وأكثر الحفاظ والأئمة يحتجون بروايته عن الشاميين، وهو يروي هذا الحديث عن معاوية بن يحيى الشامي (1).
* * *
__________
(1) قال البيهقي: إنه منكر. وقال غيره: إنه باطل.
وعطس بالبناء للفاعل والمفعول.
وهو مخالف للواقع فكم من حديثٍ كذبٍ يوافقه عطاس. والنووي -قُدس سره- خالف مَنْ قبله بقوله: له أصل أصيل. اهـ. من أسنى المطالب.
وقال في الدرر تبعًا للزركشي: وأخطأ من قال: إن الحديث باطل انتهى.
وقال في المقاصد: وله شاهد عند الطبراني عن أنس مرفوعًا: أصدق الحديث ما عطس عنده.
وفي معرفة الصحابة ومسند الديلمي عن أبي رهم مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرفوعًا: من سعادة المرء العطاس عند الدعاء.
والكلام عليه مستوفى في تخريج الأذكار. وتقدم العطاس شاهد صدق. اهـ. من كشف الخفاء. كتبه محمد.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
كِتابُ الجنائز
كِتابُ الجنائز
وفيه اثنتا عشرة مسألة
1 - مسألة: تلقين المحتَضر قبل الغرغرة لا إِله إِلا الله سنة، للحديث في صحيح مسلم وغيره: "لَقنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلهَ إِلا اللَّهُ"، واستحب جماعةٌ من أصحابنا معها: محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يذكره الجمهور. قال أصحابنا وغيرهم: ولا يُلَحُّ عليه في قولها، ولا يقال له قل: لا إِله إِلا الله مخافة (1) أن يتضجر فيردَّها، بل يُعَرِّضُ له بقولها، وإِذا قالها مرة لا تعاد عليه، إِلا أن يتكلم بعدها بغيرها، ويستحب أن يكون الملقّنُ غيرَ وارثٍ، وأن يكون غيرَ متَّهمٍ بالمسرة بموته، وأن يكون ممن يُعْتقد فيه الخير. وأما التلقين المعتاد في الشام بعد الدفن "فالمختار" استحبابه، وممن نص على استحبابه من أصحابنا: القاضي حسين، وأبو سعيد المتولي، والشيخ أبو الفتح نصرُ المقدسي الزاهدُ، وأبو القاسم الرافعي وغيرهم، ونقله القاضي حسين عن أصحابنا قالوا: يستحب (2) أن يجلس إِنسان عند رأس الميت عقب دفنه، ويقولَ: يا فلانُ ابنَ فلانٍ، أو: يا عبدَ اللهِ ابنَ أمةِ الله أُذكر العهدَ الذي خرجت عليه من دار الدنيا، وهي شهادة أن لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن البعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث مَن في القبور، وأنك رضيت بالله تعالى ربًا، وبالِإسلام دينًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًا،
__________
(1) نسخة "أ": من أن.
(2) نسخة "أ": فيستحب.
وبالقرآن إمامًا، وبالكعبة قِبلةً، وبالمؤمنين إخوانًا، ربيَ الله الذي لا إله إلا هو (1)، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.
وجاء في هذا التلقين من الحديث حديثُ سعيد بن عبد الأزدي قال: شهدت أبا أمُامةَ الباهليِّ (2) وهو في النزع فقال: إِذا مِتُّ فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: "إِذا مات أحدٌ من إِخوانكم فسويتُم الترابَ على قبره، فليقم أحدُكم على رأس قبره ثم ليقل: يا فلانُ ابنَ فلانةٍ فإنه يسمعه ولا يجيبه ثم ليقل: يا فلانُ ابنَ فلانةٍ فإنه يستوي قاعدًا، ثم يقول: يا فلانُ ابنَ فلانةٍ فيقول: أَرْشِدْنَا رحمك الله، ولكن لا تَشعرون، فليقل: اذكر ما خرجْتَ عليه من الدنيا: شهادة أن لا إِله إِلا الله، وأن محمدًا عبدهُ ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنك رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيًا، وبالقرآن إمامًا: فإنَّ منكرًا ونكيرًا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول: انطلق بنا ما يُقْعدنا عند من لُقِّنَ حُجَّتُهُ؟ فيكون الله عز وجل حجَّهما دونَه فقالوا: يا رسول الله فإن لم يعرف أمه؟ قال: فلْينسبْه إِلى أمه حواءَ يا فلانَ ابن حواءَ" رواه الطبراني في معجمه وهو حديث ضعيف، ولكن يُستأنس به، وقد اتفق علماء الحديث وغيرهم على المسامحة في أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب، وقد بسطتُ هذا بشواهد من الأحاديث بينتها في شرح المهذب، ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا في زمن من يُقتدى به إلى الآن وهذا التلقين إِنما هو في حق الميت المكلف وأما الصبي فلا يلقن (3)، والله أعلم.
__________
(1) نسخة "أ": {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}.
(2) نسخة "أ": ليس فيها "الباهلي".
(3) قال الإمام الجرداني في كتابه "فتح العلام" 3/ 285:
ولا يلقن الصبيُّ لأن السؤال خاص بالمكلفين. =
التكفين بالحرير حرام
2 - مسألة: تكفين الرجل في الحرير حرام، وتكفين المرأة به ليس بحرام، لكن مكروه. وقال أصحابنا: يجوز تكفين كلِ شخص فيما كان يجوز له لبسه في الحياة، وما لا فلا (1) والخنثى (2): كالرجل و "الأصح" جوازُ إِلباسِ الصبيِ الحريرَ والحليَّ وقيل: يحرم على الولي تمكينه منه (3)، وقيل: يحرم في حق المميز (4) دون غيره.
لبس المداس في صلاة الجنازة
3 - مسألة: إذا صلى المأموم قُدَّام الِإمام صلاة الجنازة، أو صلى غيرُه قدام الجنازة هل تصح صلاته؟ وهل فيه خلاف في مذهب الشافعي؟ وهل تصح صلاة الجنازة لمن هو لابس مداسًا أسفله نجِسٌ؟.
__________
= وقيل: إن الأطفال يُسألون فيسن تلقينهم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقن ولده إبراهيم.
روى أنه قال: "قل الله ربي، ورسول الله أبي، والإسلام ديني".
فقيل له: يا رسول الله أنت تلقنه فمن يلقننا؟ فأنزل الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}. سورة إبراهيم: الأية 27. كتبه محمد.
(1) فعليه يترتب أن الله أباح للنساء أنواع الحرير لأنه زينة لهن في الحياة، ولهذا يجوز تكفين المرأة فيه. وأما الرجال: فإن الله تعالى قد حرم عليهم لبس الحرير في الحياة، فانسحب حكم التحريم لما بعد الممات. اهـ. محمد.
(2) الخنثى: هو إنسان أشكل أمره وهو نادر الوجود -لا تعرف أنوثته من ذكورته- ويقال له: "خنثى مشكل".
(3) وعليه السادة الحنفية، فالصغير كالكبير في المحظورات، والقلب مستريح لهذا، ليشب الولد على الخوف من ارتكاب الحرام. اهـ. محمد.
(4) المميز: هو من بلغ من العمر سبع سنين؛ وقيل: هو من يميز الخير من الشر، والضار من النافع.
وقد ورد في الحديث الشريف: "مُروا أوْلَادَكُمْ بالصَّلاةِ وَهُمْ أبْناءُ سَبْع، وَاضْربُوهُمْ عَليْها وَهُمْ أبناءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقوا بَيْنهم في المَضَاجِعِ" وهذا الأمر للوجوب.
الجواب: أما لابس المداس فلا تصح صلاته بلا خلاف في مذهب الشافعي (1). وأما من صلى قدام الجنازة، أو قدام الِإمام -وإن لم يتقدم على الجنازة- فصلاته باطلة "هذا هو الصحيح" في مذهب الشافعي -وبه قال جماهير أصحابه (2) - والله أعلم.
إعادة الصلاة على الميت
4 - مسألة: إِذا صلى على جنازة في جماعة، أو منفردًا، ثم أراد إِعادتها مع جماعة أخرى ففيه ثلاثة أوجه:
1 - الأصح: أنه خلاف الأولى.
2 - والثاني: مكروه.
3 - والثالث: مستحب (3).
__________
(1) إن تيقن وجود النجاسة في نعليه؛ وإن كان شاكًا فيها فيجوز؛ لأن اليقين لا يزول بالشك، والأصل في الشيء طهارتهُ.
وأما السادة الحنفية، فقد اعتبروا أن التراب مطهر، كالشمس، والنار، والهواء؛ فإن دلَّك المصلي نعلَه المتنجسَ في التراب طهر.
والأحوط مراعاة السادة الشافعية. اهـ. محمد.
(2) فحكم صلاة الجنازة في هذا، كحكم باقي الصلوات، فيشترط لصحتها ألا يتقدم المأموم على إمامه.
ويشترط فيها أي صلاة الجنازة شروطُ الصلاة، ولها شروط زائدة: منها تقدم طهره بماء أو تراب، وطهر ما اتصل به كصلاة الحي، فيضر نجاسة ببدنه، أو كفنه، أو برجل نعشه وهو مربوط به.
نعم لا يضر نجاسة القبر، ونحو دم من مقتول لم ينقطع.
ثم قال: ومنها عدم التقدم على الميت الحاضر ولو في القبر فإن كان غائبًا جاز.
ويجب تقديم الصلاة على الدفن، فإن دفن قبلها، أثم كل من علم به ولم يعذر، ويسقط الفرض بالصلاة على القبر. اهـ. بشرى الكريم 2/ 34. كتبه محمد.
(3) أما غير الجنائز من الصلوات الخمس: فيُسَنَّ إعادتها باتفاق الشافعية بلا خلاف، مع شروط مذكورة في المطولات. اهـ.
موت المرأة الحامل
5 - مسألة: إذا ماتت المرأة حاملًا هل تكون شهيدةً أم لا؟.
الجواب: إِذا ماتت بعد اجتماع خلْق الحمل، فهي شهيدة في ثواب الآخرة؛ لكن تُغسَّل، وُيصلَّى عليها، كمن مات غريقًا، أو تحت هَدْم، أو مبطونًا، أو في الطاعون، أو قُتِلَ دون دينِه، أو دونَ مالِه، ونحوهم فكلهم شهداء في ثواب الآخرة، وُيغسَّلون وُيصلَّى عليهم (1).
__________
(1) واعلم أنه قد اختلف في الشهيد الذي وقع الخلاف في غسله، والصلاة عليه هل هو مختص بمن قتل في المعركة أو أعم من ذلك؟؟ فعند الجمهور أن المراد بالشهيد قتيل المعركة في حرب الكفار إن مات في ساحة المعركة.
أما إذا نقل إلى داره، أو المستشفى فمات فحكمه حكم غيره من الأموات؛ ولكن له أجر الشهيد، ويقال له: شهيد آخرة.
وقال صاحب التاج رحمه الله 1/ 319.
وعدم غَسلهم باتفاق، وعدم الصلاة عليهم، لعدم الغسل؛ فإن التكليف وإن انقطع بالموت؛ ولكن الصلاة من فعلنا، فاشترط لها الطهارة من المصلي والمصلى عليه، فلا صلاة على الشهيد وعليه الجمهور.
وقال أبو حنيفة: يصلى عليه وإن كان لا يغسل، فإن الصلاة وشرطَها من الحي موفوران ...
وورد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قتلى أُحد، وحمله الجمهور على الدعاء. اهـ. وهو بحث علمي نفيس.
وقال في بشرى الكريم 2/ 36:
ولا يغسل الشهيد ولا يصلى عليه، وهو: مَنْ مات في قتال الكفار، أي بسببه، ولو برمْح دابة، أو قتله مسلم خطأ، أو عاد إليه سهمه، أو سقط من دابته، وإن لم يكن به أثر دم.
وخرج بقتال الكفار قتلهم أسيرًا صبرًا، وموته حالَ القتال بنحو حمى، وجرحه فيه مع بقاء الحياة المستقرة بعد انقضائه فيه وإن قطع بموته. اهـ.
والشهداء ثلاثة:
1 - شهيد آخرة: هو ما ذكره المصنف. =
الحديث على القيراط
6 - مسألة: إِذا صلى على جنازة حصل له قيراطٌ من الأجر، كما ثبت في الصحيحين، فإذا صلى عليها ثم تبعها، ودام معها حتى تُدفنَ حصل له قيراطان (1)، كما ثبت في الصحيحين، ولا يقال: يحصل بالمجموع ثلاثة قراريط، وإِنما يحصل قيراطان كما ذكرته، وطرق الأحاديث توضحه. ومما يحصل به القيراط الثاني: ثلاثة أوجه -حكاه السرخسي وآخرون من أصحابنا-:
1 - أصحها: عند صاحب الحاوي والمحققين: أنه لا يحصُل إلا بالفراغ من الدفن.
2 - والثاني: يحصُل بالمواراة باللّبن. وإن لم يُهل عليه الترابُ، قاله القفال والمروزي، واختاره إِمامُ الحرمين.
3 - والثالث: إِذا وضع في اللحد فقط قبل نصب اللّبن، ويحتج لقول القفال، وللثالث: بحديث في صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مَنْ صَلى عَلَى جَنَازَةٍ فَلَهُ قيراطٌ، وَمَنِ اتَّبعَهَا حتَى تُوضَعَ في القبر (2) فَلَه قِيرَاطانِ"، وفي رواية: "حتى توضعَ في اللَّحد".
__________
= 2 - وشهيد دنيا: هو من قاتل رياء، أو للغنيمة.
3 - وشهيد دنيا وآخرة: هو من قاتل لله.
فالأول يغسل ويصلى عليه، والآخران لا يغسلان ولا يصلى عليهما.
وعن أنس رضي الله عنه أن شهداء أُحُد لم يغسلوا، ودفنوا بدمائهم، ولم يصلَّ عليهم.
رواه أحمد وأبو داود والترمذي. كتبه محمد.
(1) وفي حديث أبي زيد: "سَتَفْتَحونَ أرْضًا يُذْكَرُ فيها القِيرَاطُ فَاسْتَوْصُوا بأهلِها خَيْرًا فإنَّ لهم ذمةً وَرِحَمًا". والقيراط: جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشره في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءًا من أربعة وعشرين. اهـ. من النهاية. كتبه محمد.
(2) نسخة "أ": في اللحد.
وُيحتج للأول برواية البخاري ومسلم في هذا الحديث الشريف: "وَمَنْ تَبِعَهَا حَتى يُفْرَغَ مِنْ دَفْنها فلهُ قِيراطَانِ" وفي رواية مسلم: "حَتى يُفْرَغَ منهَا". ويتأول رواية: "حتى توضع في القبر، أو في اللحد" على أن المراد وضعُها مع الفراغ، وتكون الِإشارة إِلى أنه ينبغي أن لا يرجع قبل وصولها إِلى (1) القبر، "والصحيح" المختار: أنه لا يحصُل إِلا بالفراغ من إِهالة التراب وتتميم الدفن، فالحاصل أن للانصراف عن الجنازة أربعة أحوالٍ:
1 - الأول: أن ينصرف عقب الصلاة.
2 - والثاني: أن ينصرف عقب وضعها في اللحد وسترها باللّبن قبل إِهالة التراب.
3 - والثالث: أن ينصرف بعد إهالة التراب وفراغ القبر.
4 - والرابع: أن يمكث عقب الفراغ، ويستغفرَ للميت، ويدعو له، ويسألَ الله تعالى له التثبيتَ.
والرابع: أكمل الأحوال، والثالث: يُحَصّلُ القيراطين، ولا يحصله الثاني على الأصح، وَيَحْصُلُ بالأول قيراطٌ فقط بلا خلاف، والله أعلم.
الذمية إِذا ماتت وهي حامل بمسلم
7 - مسألة: إِذا ماتت ذمية -وهي حامل بمسلم- فأين تدفن؟ وهل فيه خلاف؟.
الجواب: الأصح: أنها تدفن بين مقابر المسلمين والكفار.
وقيل: في طرق مقابر المسلمين. وقيل: تدفع إِلى أهل دينها ليتولَّوا
__________
(1) نسخة "أ": بدون "إلى".
غسلَها ودفنها في مقابرهم. وحيث دفنت يكون ظهرها للقبلة؛ لأن وجهَ الجنينِ إِلى ظهر أمه.
هل يجوز نبش القبر؟
8 - مسألة: إِذا دفن مع الميت شيء سوى الكفنِ: كمتاعٍ وحلي ونحوِه هل يُنبش لأخذه؟ وهل يقطع سارقه؟.
الجواب: نعم، يُنبش، ولا يقطع سارقه إِلا أن يكون القبر في بيت محرز (1).
__________
(1) السرقة:
هي لغة: أخذ الشيء من الغير خفية.
وشرعًا: باعتبار الحرمة، أخذه كذلك بغير حق نصابًا كان أم لا.
وباعتبار القطع: أخذ مكلفٍ، ولو أنثى، أو عبدًا، أو كافرًا، أو مجنونًا؛ حال إفاقته: ناطق، بصير، فلا يُقطع أخرسُ؛ لاحتمال نطقه بشبهة، ولا أعمى لجهله بحالِ غيره.
عشرة دراهم أو مقدارها وتعتبر القيمة وقت السرقة، ووقت القطع.
شمل الأخذ حكمًا: وهو أن يدخل جماعة من اللصوص منزل رجل، وياخذوا متاعه، ويحملوه على ظهر واحدٍ منهم، ويخرجوه من المنزل، فإن الكل يقطعون استحسانًا .. اهـ. ابن عابدين 3/ 215، 265.
ويحرم نبش القبر -أي فتحه- قبل بلي الميت عند أهل الخبرة بتلك الأرض إلا لضرورة: كدفن بلا طهر، أو لغير القبلة إن لم يتغير، أو في أرض أو ثوب مغصوب، أو وقع فيه مال وإن قل، ولو من تركته أو لغيره وإن لم يطلبه، وإن تغير الميت.
عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبيٍّ بعد ما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه، وألبسه قميصه.
وفي رواية: أتى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبيّ بعدما أدخل حفرته فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه فنفث فيه من ريقه، وألبسه قميصَه،. فالله أعلم، وكان كسا عباسًا قميصًا. =
البكاء على الميت
9 - مسألة: هل صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الميت يُعذب ببكاء الحي عليه، أو ببكاء أهله عليه" وما معناه؟.
الجواب: نعم، هو صحيح، والصحيح في معناه: أن المراد
به من أوصى أن يناح عليه. وقيل: المراد من أوصى بالنَّوْح أو لم يوصِ بتركه (1).
__________
= قال سفيان: فيرون النبي - صلى الله عليه وسلم -، ألبس عبد الله قميصه مكأفاة بما صنع. رواهما البخاري.
وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتلى أحد أن يُردوا إلى مصارعهم وكانوا نقلوا إلى المدينة. رواه الخمسة وصححه الترمذي. اهـ. باختصار من كتاب فتح العلام 3/ 291. كتبه محمد.
(1) وحرم ندب، ونوح، وجزع، بنحو ضرب نحو صدر لخبر مسلم: "الِنَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَعَلَيّها سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ".
وله أيضًا: "ليس مِنَّا مَنْ ضَرَب الْخُدودَ، وَشَق الْجُيُوبَ، ودَعَا بِدَعْوى الْجَاهِلِيةِ".
السربال: القميص البالي.
والدرع: القميص.
والقطران: معروف وهو أبلغ من اشتعال النار بالنائحة.
قال في كشف النقاب: "البكى بالقصر: الدمع، وبالمد: رفع الصوت" كما قاله ابن حجر. اهـ. بشرى الكريم 2/ 39.
أنواع البكاء:
وذكر القليوبي على الجلال:
أنه إن كان البكاء على الميت لخوف عليه من هول يوم القيامة ونحوه، فلا بأس به، أو لمحبة ورقة كطفل فكذلك؛ ولكن الصبر أجمل، أو لصلاح وبركة وشجاعة، وفقد نحو علم، فمندوب، أو لفقد صلة وبر، وقيام بمصلحة فمكروه، أو لعدم =
وصول الثواب إلى الميت
10 - مسألة: هل يَصلُ إِلى الميت ثوابُ ما يُتصدق به عنه، أو الدعاء، أو قراءةُ القرآن؟.
الجواب: يصله ثوابُ الدعاء، وثوابُ الصدقة بالِإجماعْ واختلفوا في ثواب القراءة فقال أحمد وبعض أصحاب الشافعي: يصل. وقال الشافعي والأكثرون: لا يصل (1).
__________
= تسليم للقضاء، وعدم الرضا، فحرام. اهـ. من كتاب فتح العلام 3/ 208.
وهو تقسيم جميل ما أظنك تعثر عليه في كتاب. كتبه محمد.
(1) فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلًا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ أُمِيّ تُوفيتْ أينفعُها إنْ تَصَدَّقْتُ عنها؟ قال: "نعم"، قال: فإنَّ لي مَخْرفًا فأنا أُشْهدُكَ أَنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عنها. رواه البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي.
وقد اختلف في غير الصدقة من أعمال البر هل يصل إلى الميت؟
فذهب المعتزلة إلى أنه لا يصل إليه شيء، والمختار الوصول إذا سأل الله إيصالَ ثواب قراءته وينبغي الجزم به؛ لأنه دعاء. وقد ذكر الإمام الشوكاني في كتابه نيل الأوطار 4/ 91 أدلة الأئمة وبَسَط البحث فيه بسطًا وافيًا.
وفي كتاب الروح للحافظ أبي عبد الله الدمشقي الحنبلي الشهير بابن قيم الجوزية ما حاصله: أنه اختلف في إهداء الثواب إلى الحيّ فقيل: يصح لإطلاق قول أحمد: يفعل الخيرَ، ويجعل نصفه لأبيه، أو أمه.
وقيل: لا؛ لكونه غير محتاج؛ لأنه يمكنه العمل بنفسه.
واستثنى مالك، والشافعي العبادات البدنية المحضة: كالصلاة، والتلاوة، فلا يصل ثوابها إلى الميت عندهما، بخلاف غيرها: كالصدقة، والحج، والعمرة.
والذي حرره المتأخرون من الشافعية، وصولُ القرآن للميت إذا كان بحضرته، أو دُعِيَ له عقبها ولو غائبًا؛ لأن محل القرآن تنزل الرحمة والبركة، والدعاء عقبها أرجى للقبول، ومقتضاه: أن المراد انتفاع الميت لا حصول ثوابها .. اهـ. باختصار ا/ 844. ابن عابدين.
- مسألة: إِنسان أسلم، وكان أبواه كافرين من الترك وسُبي -وهو صغير- ومات الأبوان، وما يَعلم هل أسلما أم لا؟ إِلا أنه يَغلب على ظنه إِسلامُ الأم دون إِسلامِ الأبِ، هل له الاستغفار لهما والدعاء لهما بالرحمة؟.
الجواب: لا يجوز أن يدعو لهما بأعيانهما؛ لأن الأصل بقاؤهما على الكفر، والدعاء بالمغفرة للكافر حرام.
قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (1).
لكن يستحب أن يدعوَ بالمغفرة والرحمة لكل مسلم من والدِيه (2) كلّهم، فيدخل فيه كل من أسلم من أبيه، وأمه، وأجداده، وجداته إِلى آدمَ وحواءَ عليهما السلامُ، والله أعلم.
موت أهل النار
12 - مسألة: هل يموت أحد في جهنم؟ وهل صح في ذلك حديثٌ أم لا؟ فإن صح فما معنى هذا الموتِ ولمن هو؟.
الجواب: ثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أمَّا أهْلُ النَار الذينَ هُمْ أهلُها فإنَّهم لا يَمُوتونَ فيها ولا يَحْيوْنَ؛ ولكن ناسٌ أصَابتْهُم النَارُ بِذُنوبِهمْ -أو قال: بِخَطاياهم- فأماتَهُمُ الله إِماتَةً حتَى إِذا كانوا فَحْمًا أذِنَ بالشَفاعَةِ، فَجيء بهمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ (3)، فَيأتُوا على أنهَار
__________
(1) سورة التوبة: الآية 113.
(2) والديه: بكسر الدال جمع والد وليس بفتحها تثنية ولد.
(3) جماعاتٍ جماعات.
الجنَّة، ثم قيل: يا أهل الجنَّة أفيضُوا عَليهم فَيَنْبُتُون نباتَ الحِبَّة (1) تكُونُ في حميلِ السَّيل".
قال العلماء: المراد بأهلها الذين هم أهلها الكفار، فلا يخرجون منها أبدًا، ولا يموتون فيها أصلًا.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} (2) وأما من عصاة الموحدين (3): أصحاب الكبائر، فيعذبون علىِ قدْر ذنوبهم المدةَ التي قدَّرها الله تعالى عليهم، ثم يموتون موتةً خفيفةً يذهب فيها إِحساسهم، ثم يبقون محبوسين في النار من غير إِحساس المدةَ التي قدرها الله تعالى، ثم يخرجون موتى قد صاروا فحمًا، كما تُحمل الأمتعة، فَيُلْقَوْن على أنهار الجنة، وُيصبُّ عليهم ماءُ الحياة فيحيَوْنَ وينبتون في أول حياتهم نباتًا ضعيفًا؛ لكنه بسرعة كنبات الحبة "بكسر الحاء" ثم تشتدُّ قوتهم، وتكمل أحوالهم، ويصيرون إِلى منازلهم في الجنة، والله أعلم.
* * *
__________
(1) الحبة: بالكسر، بزور البقول وحب الرياحين. وقيل: هو نبت صغير ينبت في الحشيش فأما الحبة بالفتح فهي الحنطة. اهـ. مختار الصحاح.
(2) سورة فاطر: الآية 36.
(3) نسخة "أ": من قبل أصحاب.
وفيه اثنتا عشرة مسألة
1 - مسألة: تلقين المحتَضر قبل الغرغرة لا إِله إِلا الله سنة، للحديث في صحيح مسلم وغيره: "لَقنُوا مَوْتَاكُمْ لاَ إِلهَ إِلا اللَّهُ"، واستحب جماعةٌ من أصحابنا معها: محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يذكره الجمهور. قال أصحابنا وغيرهم: ولا يُلَحُّ عليه في قولها، ولا يقال له قل: لا إِله إِلا الله مخافة (1) أن يتضجر فيردَّها، بل يُعَرِّضُ له بقولها، وإِذا قالها مرة لا تعاد عليه، إِلا أن يتكلم بعدها بغيرها، ويستحب أن يكون الملقّنُ غيرَ وارثٍ، وأن يكون غيرَ متَّهمٍ بالمسرة بموته، وأن يكون ممن يُعْتقد فيه الخير. وأما التلقين المعتاد في الشام بعد الدفن "فالمختار" استحبابه، وممن نص على استحبابه من أصحابنا: القاضي حسين، وأبو سعيد المتولي، والشيخ أبو الفتح نصرُ المقدسي الزاهدُ، وأبو القاسم الرافعي وغيرهم، ونقله القاضي حسين عن أصحابنا قالوا: يستحب (2) أن يجلس إِنسان عند رأس الميت عقب دفنه، ويقولَ: يا فلانُ ابنَ فلانٍ، أو: يا عبدَ اللهِ ابنَ أمةِ الله أُذكر العهدَ الذي خرجت عليه من دار الدنيا، وهي شهادة أن لا إِله إِلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن الجنة حق، والنار حق، وأن البعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث مَن في القبور، وأنك رضيت بالله تعالى ربًا، وبالِإسلام دينًا، وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًا،
__________
(1) نسخة "أ": من أن.
(2) نسخة "أ": فيستحب.
وبالقرآن إمامًا، وبالكعبة قِبلةً، وبالمؤمنين إخوانًا، ربيَ الله الذي لا إله إلا هو (1)، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.
وجاء في هذا التلقين من الحديث حديثُ سعيد بن عبد الأزدي قال: شهدت أبا أمُامةَ الباهليِّ (2) وهو في النزع فقال: إِذا مِتُّ فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: "إِذا مات أحدٌ من إِخوانكم فسويتُم الترابَ على قبره، فليقم أحدُكم على رأس قبره ثم ليقل: يا فلانُ ابنَ فلانةٍ فإنه يسمعه ولا يجيبه ثم ليقل: يا فلانُ ابنَ فلانةٍ فإنه يستوي قاعدًا، ثم يقول: يا فلانُ ابنَ فلانةٍ فيقول: أَرْشِدْنَا رحمك الله، ولكن لا تَشعرون، فليقل: اذكر ما خرجْتَ عليه من الدنيا: شهادة أن لا إِله إِلا الله، وأن محمدًا عبدهُ ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنك رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيًا، وبالقرآن إمامًا: فإنَّ منكرًا ونكيرًا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول: انطلق بنا ما يُقْعدنا عند من لُقِّنَ حُجَّتُهُ؟ فيكون الله عز وجل حجَّهما دونَه فقالوا: يا رسول الله فإن لم يعرف أمه؟ قال: فلْينسبْه إِلى أمه حواءَ يا فلانَ ابن حواءَ" رواه الطبراني في معجمه وهو حديث ضعيف، ولكن يُستأنس به، وقد اتفق علماء الحديث وغيرهم على المسامحة في أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب، وقد بسطتُ هذا بشواهد من الأحاديث بينتها في شرح المهذب، ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا في زمن من يُقتدى به إلى الآن وهذا التلقين إِنما هو في حق الميت المكلف وأما الصبي فلا يلقن (3)، والله أعلم.
__________
(1) نسخة "أ": {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}.
(2) نسخة "أ": ليس فيها "الباهلي".
(3) قال الإمام الجرداني في كتابه "فتح العلام" 3/ 285:
ولا يلقن الصبيُّ لأن السؤال خاص بالمكلفين. =
التكفين بالحرير حرام
2 - مسألة: تكفين الرجل في الحرير حرام، وتكفين المرأة به ليس بحرام، لكن مكروه. وقال أصحابنا: يجوز تكفين كلِ شخص فيما كان يجوز له لبسه في الحياة، وما لا فلا (1) والخنثى (2): كالرجل و "الأصح" جوازُ إِلباسِ الصبيِ الحريرَ والحليَّ وقيل: يحرم على الولي تمكينه منه (3)، وقيل: يحرم في حق المميز (4) دون غيره.
لبس المداس في صلاة الجنازة
3 - مسألة: إذا صلى المأموم قُدَّام الِإمام صلاة الجنازة، أو صلى غيرُه قدام الجنازة هل تصح صلاته؟ وهل فيه خلاف في مذهب الشافعي؟ وهل تصح صلاة الجنازة لمن هو لابس مداسًا أسفله نجِسٌ؟.
__________
= وقيل: إن الأطفال يُسألون فيسن تلقينهم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقن ولده إبراهيم.
روى أنه قال: "قل الله ربي، ورسول الله أبي، والإسلام ديني".
فقيل له: يا رسول الله أنت تلقنه فمن يلقننا؟ فأنزل الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}. سورة إبراهيم: الأية 27. كتبه محمد.
(1) فعليه يترتب أن الله أباح للنساء أنواع الحرير لأنه زينة لهن في الحياة، ولهذا يجوز تكفين المرأة فيه. وأما الرجال: فإن الله تعالى قد حرم عليهم لبس الحرير في الحياة، فانسحب حكم التحريم لما بعد الممات. اهـ. محمد.
(2) الخنثى: هو إنسان أشكل أمره وهو نادر الوجود -لا تعرف أنوثته من ذكورته- ويقال له: "خنثى مشكل".
(3) وعليه السادة الحنفية، فالصغير كالكبير في المحظورات، والقلب مستريح لهذا، ليشب الولد على الخوف من ارتكاب الحرام. اهـ. محمد.
(4) المميز: هو من بلغ من العمر سبع سنين؛ وقيل: هو من يميز الخير من الشر، والضار من النافع.
وقد ورد في الحديث الشريف: "مُروا أوْلَادَكُمْ بالصَّلاةِ وَهُمْ أبْناءُ سَبْع، وَاضْربُوهُمْ عَليْها وَهُمْ أبناءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقوا بَيْنهم في المَضَاجِعِ" وهذا الأمر للوجوب.
الجواب: أما لابس المداس فلا تصح صلاته بلا خلاف في مذهب الشافعي (1). وأما من صلى قدام الجنازة، أو قدام الِإمام -وإن لم يتقدم على الجنازة- فصلاته باطلة "هذا هو الصحيح" في مذهب الشافعي -وبه قال جماهير أصحابه (2) - والله أعلم.
إعادة الصلاة على الميت
4 - مسألة: إِذا صلى على جنازة في جماعة، أو منفردًا، ثم أراد إِعادتها مع جماعة أخرى ففيه ثلاثة أوجه:
1 - الأصح: أنه خلاف الأولى.
2 - والثاني: مكروه.
3 - والثالث: مستحب (3).
__________
(1) إن تيقن وجود النجاسة في نعليه؛ وإن كان شاكًا فيها فيجوز؛ لأن اليقين لا يزول بالشك، والأصل في الشيء طهارتهُ.
وأما السادة الحنفية، فقد اعتبروا أن التراب مطهر، كالشمس، والنار، والهواء؛ فإن دلَّك المصلي نعلَه المتنجسَ في التراب طهر.
والأحوط مراعاة السادة الشافعية. اهـ. محمد.
(2) فحكم صلاة الجنازة في هذا، كحكم باقي الصلوات، فيشترط لصحتها ألا يتقدم المأموم على إمامه.
ويشترط فيها أي صلاة الجنازة شروطُ الصلاة، ولها شروط زائدة: منها تقدم طهره بماء أو تراب، وطهر ما اتصل به كصلاة الحي، فيضر نجاسة ببدنه، أو كفنه، أو برجل نعشه وهو مربوط به.
نعم لا يضر نجاسة القبر، ونحو دم من مقتول لم ينقطع.
ثم قال: ومنها عدم التقدم على الميت الحاضر ولو في القبر فإن كان غائبًا جاز.
ويجب تقديم الصلاة على الدفن، فإن دفن قبلها، أثم كل من علم به ولم يعذر، ويسقط الفرض بالصلاة على القبر. اهـ. بشرى الكريم 2/ 34. كتبه محمد.
(3) أما غير الجنائز من الصلوات الخمس: فيُسَنَّ إعادتها باتفاق الشافعية بلا خلاف، مع شروط مذكورة في المطولات. اهـ.
موت المرأة الحامل
5 - مسألة: إذا ماتت المرأة حاملًا هل تكون شهيدةً أم لا؟.
الجواب: إِذا ماتت بعد اجتماع خلْق الحمل، فهي شهيدة في ثواب الآخرة؛ لكن تُغسَّل، وُيصلَّى عليها، كمن مات غريقًا، أو تحت هَدْم، أو مبطونًا، أو في الطاعون، أو قُتِلَ دون دينِه، أو دونَ مالِه، ونحوهم فكلهم شهداء في ثواب الآخرة، وُيغسَّلون وُيصلَّى عليهم (1).
__________
(1) واعلم أنه قد اختلف في الشهيد الذي وقع الخلاف في غسله، والصلاة عليه هل هو مختص بمن قتل في المعركة أو أعم من ذلك؟؟ فعند الجمهور أن المراد بالشهيد قتيل المعركة في حرب الكفار إن مات في ساحة المعركة.
أما إذا نقل إلى داره، أو المستشفى فمات فحكمه حكم غيره من الأموات؛ ولكن له أجر الشهيد، ويقال له: شهيد آخرة.
وقال صاحب التاج رحمه الله 1/ 319.
وعدم غَسلهم باتفاق، وعدم الصلاة عليهم، لعدم الغسل؛ فإن التكليف وإن انقطع بالموت؛ ولكن الصلاة من فعلنا، فاشترط لها الطهارة من المصلي والمصلى عليه، فلا صلاة على الشهيد وعليه الجمهور.
وقال أبو حنيفة: يصلى عليه وإن كان لا يغسل، فإن الصلاة وشرطَها من الحي موفوران ...
وورد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قتلى أُحد، وحمله الجمهور على الدعاء. اهـ. وهو بحث علمي نفيس.
وقال في بشرى الكريم 2/ 36:
ولا يغسل الشهيد ولا يصلى عليه، وهو: مَنْ مات في قتال الكفار، أي بسببه، ولو برمْح دابة، أو قتله مسلم خطأ، أو عاد إليه سهمه، أو سقط من دابته، وإن لم يكن به أثر دم.
وخرج بقتال الكفار قتلهم أسيرًا صبرًا، وموته حالَ القتال بنحو حمى، وجرحه فيه مع بقاء الحياة المستقرة بعد انقضائه فيه وإن قطع بموته. اهـ.
والشهداء ثلاثة:
1 - شهيد آخرة: هو ما ذكره المصنف. =
الحديث على القيراط
6 - مسألة: إِذا صلى على جنازة حصل له قيراطٌ من الأجر، كما ثبت في الصحيحين، فإذا صلى عليها ثم تبعها، ودام معها حتى تُدفنَ حصل له قيراطان (1)، كما ثبت في الصحيحين، ولا يقال: يحصل بالمجموع ثلاثة قراريط، وإِنما يحصل قيراطان كما ذكرته، وطرق الأحاديث توضحه. ومما يحصل به القيراط الثاني: ثلاثة أوجه -حكاه السرخسي وآخرون من أصحابنا-:
1 - أصحها: عند صاحب الحاوي والمحققين: أنه لا يحصُل إلا بالفراغ من الدفن.
2 - والثاني: يحصُل بالمواراة باللّبن. وإن لم يُهل عليه الترابُ، قاله القفال والمروزي، واختاره إِمامُ الحرمين.
3 - والثالث: إِذا وضع في اللحد فقط قبل نصب اللّبن، ويحتج لقول القفال، وللثالث: بحديث في صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مَنْ صَلى عَلَى جَنَازَةٍ فَلَهُ قيراطٌ، وَمَنِ اتَّبعَهَا حتَى تُوضَعَ في القبر (2) فَلَه قِيرَاطانِ"، وفي رواية: "حتى توضعَ في اللَّحد".
__________
= 2 - وشهيد دنيا: هو من قاتل رياء، أو للغنيمة.
3 - وشهيد دنيا وآخرة: هو من قاتل لله.
فالأول يغسل ويصلى عليه، والآخران لا يغسلان ولا يصلى عليهما.
وعن أنس رضي الله عنه أن شهداء أُحُد لم يغسلوا، ودفنوا بدمائهم، ولم يصلَّ عليهم.
رواه أحمد وأبو داود والترمذي. كتبه محمد.
(1) وفي حديث أبي زيد: "سَتَفْتَحونَ أرْضًا يُذْكَرُ فيها القِيرَاطُ فَاسْتَوْصُوا بأهلِها خَيْرًا فإنَّ لهم ذمةً وَرِحَمًا". والقيراط: جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشره في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءًا من أربعة وعشرين. اهـ. من النهاية. كتبه محمد.
(2) نسخة "أ": في اللحد.
وُيحتج للأول برواية البخاري ومسلم في هذا الحديث الشريف: "وَمَنْ تَبِعَهَا حَتى يُفْرَغَ مِنْ دَفْنها فلهُ قِيراطَانِ" وفي رواية مسلم: "حَتى يُفْرَغَ منهَا". ويتأول رواية: "حتى توضع في القبر، أو في اللحد" على أن المراد وضعُها مع الفراغ، وتكون الِإشارة إِلى أنه ينبغي أن لا يرجع قبل وصولها إِلى (1) القبر، "والصحيح" المختار: أنه لا يحصُل إِلا بالفراغ من إِهالة التراب وتتميم الدفن، فالحاصل أن للانصراف عن الجنازة أربعة أحوالٍ:
1 - الأول: أن ينصرف عقب الصلاة.
2 - والثاني: أن ينصرف عقب وضعها في اللحد وسترها باللّبن قبل إِهالة التراب.
3 - والثالث: أن ينصرف بعد إهالة التراب وفراغ القبر.
4 - والرابع: أن يمكث عقب الفراغ، ويستغفرَ للميت، ويدعو له، ويسألَ الله تعالى له التثبيتَ.
والرابع: أكمل الأحوال، والثالث: يُحَصّلُ القيراطين، ولا يحصله الثاني على الأصح، وَيَحْصُلُ بالأول قيراطٌ فقط بلا خلاف، والله أعلم.
الذمية إِذا ماتت وهي حامل بمسلم
7 - مسألة: إِذا ماتت ذمية -وهي حامل بمسلم- فأين تدفن؟ وهل فيه خلاف؟.
الجواب: الأصح: أنها تدفن بين مقابر المسلمين والكفار.
وقيل: في طرق مقابر المسلمين. وقيل: تدفع إِلى أهل دينها ليتولَّوا
__________
(1) نسخة "أ": بدون "إلى".
غسلَها ودفنها في مقابرهم. وحيث دفنت يكون ظهرها للقبلة؛ لأن وجهَ الجنينِ إِلى ظهر أمه.
هل يجوز نبش القبر؟
8 - مسألة: إِذا دفن مع الميت شيء سوى الكفنِ: كمتاعٍ وحلي ونحوِه هل يُنبش لأخذه؟ وهل يقطع سارقه؟.
الجواب: نعم، يُنبش، ولا يقطع سارقه إِلا أن يكون القبر في بيت محرز (1).
__________
(1) السرقة:
هي لغة: أخذ الشيء من الغير خفية.
وشرعًا: باعتبار الحرمة، أخذه كذلك بغير حق نصابًا كان أم لا.
وباعتبار القطع: أخذ مكلفٍ، ولو أنثى، أو عبدًا، أو كافرًا، أو مجنونًا؛ حال إفاقته: ناطق، بصير، فلا يُقطع أخرسُ؛ لاحتمال نطقه بشبهة، ولا أعمى لجهله بحالِ غيره.
عشرة دراهم أو مقدارها وتعتبر القيمة وقت السرقة، ووقت القطع.
شمل الأخذ حكمًا: وهو أن يدخل جماعة من اللصوص منزل رجل، وياخذوا متاعه، ويحملوه على ظهر واحدٍ منهم، ويخرجوه من المنزل، فإن الكل يقطعون استحسانًا .. اهـ. ابن عابدين 3/ 215، 265.
ويحرم نبش القبر -أي فتحه- قبل بلي الميت عند أهل الخبرة بتلك الأرض إلا لضرورة: كدفن بلا طهر، أو لغير القبلة إن لم يتغير، أو في أرض أو ثوب مغصوب، أو وقع فيه مال وإن قل، ولو من تركته أو لغيره وإن لم يطلبه، وإن تغير الميت.
عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبيٍّ بعد ما دفن فأخرجه فنفث فيه من ريقه، وألبسه قميصه.
وفي رواية: أتى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن أبيّ بعدما أدخل حفرته فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه فنفث فيه من ريقه، وألبسه قميصَه،. فالله أعلم، وكان كسا عباسًا قميصًا. =
البكاء على الميت
9 - مسألة: هل صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الميت يُعذب ببكاء الحي عليه، أو ببكاء أهله عليه" وما معناه؟.
الجواب: نعم، هو صحيح، والصحيح في معناه: أن المراد
به من أوصى أن يناح عليه. وقيل: المراد من أوصى بالنَّوْح أو لم يوصِ بتركه (1).
__________
= قال سفيان: فيرون النبي - صلى الله عليه وسلم -، ألبس عبد الله قميصه مكأفاة بما صنع. رواهما البخاري.
وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتلى أحد أن يُردوا إلى مصارعهم وكانوا نقلوا إلى المدينة. رواه الخمسة وصححه الترمذي. اهـ. باختصار من كتاب فتح العلام 3/ 291. كتبه محمد.
(1) وحرم ندب، ونوح، وجزع، بنحو ضرب نحو صدر لخبر مسلم: "الِنَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيامَةِ، وَعَلَيّها سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ".
وله أيضًا: "ليس مِنَّا مَنْ ضَرَب الْخُدودَ، وَشَق الْجُيُوبَ، ودَعَا بِدَعْوى الْجَاهِلِيةِ".
السربال: القميص البالي.
والدرع: القميص.
والقطران: معروف وهو أبلغ من اشتعال النار بالنائحة.
قال في كشف النقاب: "البكى بالقصر: الدمع، وبالمد: رفع الصوت" كما قاله ابن حجر. اهـ. بشرى الكريم 2/ 39.
أنواع البكاء:
وذكر القليوبي على الجلال:
أنه إن كان البكاء على الميت لخوف عليه من هول يوم القيامة ونحوه، فلا بأس به، أو لمحبة ورقة كطفل فكذلك؛ ولكن الصبر أجمل، أو لصلاح وبركة وشجاعة، وفقد نحو علم، فمندوب، أو لفقد صلة وبر، وقيام بمصلحة فمكروه، أو لعدم =
وصول الثواب إلى الميت
10 - مسألة: هل يَصلُ إِلى الميت ثوابُ ما يُتصدق به عنه، أو الدعاء، أو قراءةُ القرآن؟.
الجواب: يصله ثوابُ الدعاء، وثوابُ الصدقة بالِإجماعْ واختلفوا في ثواب القراءة فقال أحمد وبعض أصحاب الشافعي: يصل. وقال الشافعي والأكثرون: لا يصل (1).
__________
= تسليم للقضاء، وعدم الرضا، فحرام. اهـ. من كتاب فتح العلام 3/ 208.
وهو تقسيم جميل ما أظنك تعثر عليه في كتاب. كتبه محمد.
(1) فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلًا قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنَّ أُمِيّ تُوفيتْ أينفعُها إنْ تَصَدَّقْتُ عنها؟ قال: "نعم"، قال: فإنَّ لي مَخْرفًا فأنا أُشْهدُكَ أَنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عنها. رواه البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي.
وقد اختلف في غير الصدقة من أعمال البر هل يصل إلى الميت؟
فذهب المعتزلة إلى أنه لا يصل إليه شيء، والمختار الوصول إذا سأل الله إيصالَ ثواب قراءته وينبغي الجزم به؛ لأنه دعاء. وقد ذكر الإمام الشوكاني في كتابه نيل الأوطار 4/ 91 أدلة الأئمة وبَسَط البحث فيه بسطًا وافيًا.
وفي كتاب الروح للحافظ أبي عبد الله الدمشقي الحنبلي الشهير بابن قيم الجوزية ما حاصله: أنه اختلف في إهداء الثواب إلى الحيّ فقيل: يصح لإطلاق قول أحمد: يفعل الخيرَ، ويجعل نصفه لأبيه، أو أمه.
وقيل: لا؛ لكونه غير محتاج؛ لأنه يمكنه العمل بنفسه.
واستثنى مالك، والشافعي العبادات البدنية المحضة: كالصلاة، والتلاوة، فلا يصل ثوابها إلى الميت عندهما، بخلاف غيرها: كالصدقة، والحج، والعمرة.
والذي حرره المتأخرون من الشافعية، وصولُ القرآن للميت إذا كان بحضرته، أو دُعِيَ له عقبها ولو غائبًا؛ لأن محل القرآن تنزل الرحمة والبركة، والدعاء عقبها أرجى للقبول، ومقتضاه: أن المراد انتفاع الميت لا حصول ثوابها .. اهـ. باختصار ا/ 844. ابن عابدين.
- مسألة: إِنسان أسلم، وكان أبواه كافرين من الترك وسُبي -وهو صغير- ومات الأبوان، وما يَعلم هل أسلما أم لا؟ إِلا أنه يَغلب على ظنه إِسلامُ الأم دون إِسلامِ الأبِ، هل له الاستغفار لهما والدعاء لهما بالرحمة؟.
الجواب: لا يجوز أن يدعو لهما بأعيانهما؛ لأن الأصل بقاؤهما على الكفر، والدعاء بالمغفرة للكافر حرام.
قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (1).
لكن يستحب أن يدعوَ بالمغفرة والرحمة لكل مسلم من والدِيه (2) كلّهم، فيدخل فيه كل من أسلم من أبيه، وأمه، وأجداده، وجداته إِلى آدمَ وحواءَ عليهما السلامُ، والله أعلم.
موت أهل النار
12 - مسألة: هل يموت أحد في جهنم؟ وهل صح في ذلك حديثٌ أم لا؟ فإن صح فما معنى هذا الموتِ ولمن هو؟.
الجواب: ثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أمَّا أهْلُ النَار الذينَ هُمْ أهلُها فإنَّهم لا يَمُوتونَ فيها ولا يَحْيوْنَ؛ ولكن ناسٌ أصَابتْهُم النَارُ بِذُنوبِهمْ -أو قال: بِخَطاياهم- فأماتَهُمُ الله إِماتَةً حتَى إِذا كانوا فَحْمًا أذِنَ بالشَفاعَةِ، فَجيء بهمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ (3)، فَيأتُوا على أنهَار
__________
(1) سورة التوبة: الآية 113.
(2) والديه: بكسر الدال جمع والد وليس بفتحها تثنية ولد.
(3) جماعاتٍ جماعات.
الجنَّة، ثم قيل: يا أهل الجنَّة أفيضُوا عَليهم فَيَنْبُتُون نباتَ الحِبَّة (1) تكُونُ في حميلِ السَّيل".
قال العلماء: المراد بأهلها الذين هم أهلها الكفار، فلا يخرجون منها أبدًا، ولا يموتون فيها أصلًا.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} (2) وأما من عصاة الموحدين (3): أصحاب الكبائر، فيعذبون علىِ قدْر ذنوبهم المدةَ التي قدَّرها الله تعالى عليهم، ثم يموتون موتةً خفيفةً يذهب فيها إِحساسهم، ثم يبقون محبوسين في النار من غير إِحساس المدةَ التي قدرها الله تعالى، ثم يخرجون موتى قد صاروا فحمًا، كما تُحمل الأمتعة، فَيُلْقَوْن على أنهار الجنة، وُيصبُّ عليهم ماءُ الحياة فيحيَوْنَ وينبتون في أول حياتهم نباتًا ضعيفًا؛ لكنه بسرعة كنبات الحبة "بكسر الحاء" ثم تشتدُّ قوتهم، وتكمل أحوالهم، ويصيرون إِلى منازلهم في الجنة، والله أعلم.
* * *
__________
(1) الحبة: بالكسر، بزور البقول وحب الرياحين. وقيل: هو نبت صغير ينبت في الحشيش فأما الحبة بالفتح فهي الحنطة. اهـ. مختار الصحاح.
(2) سورة فاطر: الآية 36.
(3) نسخة "أ": من قبل أصحاب.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
كِتابُ الزّكَاةِ (1)
كِتابُ الزّكَاةِ (1)
وفيه أربع مسائل
السائمةُ الموقوفةُ ونَتَاجُها: ثمارُ الأشجارِ
1 - مسألة: السائمة الموقوفة ونَتاجُها، وثمارُ الأشجارِ الموقوفة، هل فيها زكاةٌ؟ وهل فيها خلاف على مذهب الشافعي؟.
الجواب: أما الثمار: فإن كانت أشجارها وقفًا على مُعين، لزمته زكاتها بلا خلاف؛ لأنه يملك هذه الثمارَ ملكًا تامًا، يتصرف فيه كيف شاء، فإن كانت على جهة عامة فلا زكاة فيها على الصحيح المشهور من نصوص الشافعي وأصحابه. وللشافعي قولٌ ضعيف -حكاه عنه ابن المنذر في الإشراف- أنه يجب فيه العشر.
وأما الماشية فإن كانت وقفًا على جهة عامة فلا زكاةَ فيها بلا خلافٍ، ولا تجيء حكايةُ ابن المنذر؛ لأن زكاةَ الماشيةِ مبنيةٌ على المسامحة، ولهذا يشترط لها الحول (2) وتدخُلها الأوقاص (3) -بخلاف الثمار- وإِن كانت وقفًا على معين، فينبني على أن المِلْكَ في رقبة الموقوف لمن هو، وفيه خلافٌ:
__________
(1) هي لغة: التطهير والنماء. وشرعًا: اسم لما يخرج عن مال أو بدن على وجه مخصوص. وهي أحد أركان الإسلام، يُكفر جاحدها في الزكاة المجمع عليها بخلاف المختلف فيها كزكاة التجارة وزكاة مال الصبي. اهـ.
(2) نسخة "أ": النصاب.
(3) الأوقاص: في الصدقة هو ما بين الفريضتين وكذا الشنَق، وبعض العلماء يجعل الوقَصَ في البقر خاصة والشنق في الإبل خاصة. اهـ. مختار.
- والأصح: أنه لله تعالى.
2 - والثاني: أنه للموقوف عليه، فإن قلنا لله تعالى فلا زكاة بلا خلاف، وان قلنا للموقوف عليه فوجهان:
1 - أحدهما: يجب؛ لأنه ملكه.
2 - وأصحهما: أنه لا يجب؛ لأنه ملك ضعيف لا ينفذ التصرف فيه بالبيع ونحوه، ولا يورث عنه.
وأما نَتاج الموقوف: فإن كان وقفًا على جهة عامة فلا زكاة فيه، وإِن كان على معيَّن فينبني أن المِلْكَ في النَّتاج لمن هو له، وفيه وجهان مشهوران:
1 - الأصح: أنه للموقوف عليه، فعلى هذا يلزمه زكاته بلا خلاف لأنه يملكه ملكًا تامًا كالثمار.
2 - والثاني: أنه وقف كالأم، فعلى هذا حكمه حكم الأم.
فإن قلنا: الملك فيه لله تعالى فلا زكاة؛ وإن قلنا: للموقوف عليه فوجهان: الأصح: لا زكاة، والله أعلم.
نصاب المعشرات (1)
2 - مسأله: قد قال العلماء: إِن نصابَ المعشراتِ خمسةُ أوْسقٍ، وهي ألف وستمائة رطل بالبغدادي، فكم قدْرها بالرطل الدمشقي؟ وهل في قدر رطل بغداد خلاف أم لا؟.
__________
(1) المعشرات: هي النابت من الأرض، الشامل للشجر والزرع.
والشجر: كل ما له ساق. والزرع: ما لا ساق له، ويُسمى نجمًا، قال تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}.
فالزكاة تجب فيما يخرج من النوعين. =
الجواب: الأصح: بأنَ رِطل بغدادَ مائةُ درهمٍ، وثمانية وعشرون درهمًا، وأربعة أسباع درهم. وهي تسعون مثقالًا. وقيل: مائة وثمانية وعشرون بلا أسباع، وقيل: مائة وثلاثون، فعلى الأصح الأولِ يكون قدر الأوسُق الخمسة بالرطل الدمشقي ثلاثمائةً واثنين وأربعين رِطلًا وستةَ أسباعِ رطلٍ، والصاع بالدمشقي رِطلٌ وأوقيةٌ وخمسةُ أسباعِ أوقيةٍ، والمد: ربعُ صاع، والله أعلم.
صفة الفقراء الذين يدخلون الجنة قبل الأغنياء
3 - مسألة: ما صفةُ الفقراء الذين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام؟.
__________
= والأصل في وجوبها قبل الإجماع قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}.
لا زكاة في شيء منه، إلا فيَ رُطبٍ وَعِنَبٍ، وما صلح للخبز من الحبوب: كبُرٍّ وشعير، وأرُزْ، وعدس، وفُرَة، وحمص، وغير ذلك مما يؤكل تقوتًا ويصلح للادخار، بخلاف ما يؤكل تفكهًا، أي على وجه التنعم: كالسكر والتين والمشمش والتفاح وغير ذلك فلا زكاة فيها ولأنها لا تصلح للادخار.
وواجبها العشر، إن سقيت بلا مؤنة: كماء السماء أو الأنهار، وإلا فنصف العشر، لثقل المؤنة في الثاني، وخفتها في الأول. ويتعلق الوجوب بعد بدو الصلاح، واشتداد الحب انظر الشرقاوي على التحرير 1/ 363. وقد ذكر أحكامًا مفيدة جزاه الله خيرًا.
أقول: هذه الموازين التي ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى قد كانت في الزمن السابق، وفيها تكلف بالمقادير كما هو ظاهر لك.
وهذا لا يفهمه العالم فضلًا عن غيره.
ولكن نقول كما فهمنا من مشايخنا بأن خمسة الأوسق ما تعادل خمسةَ شنابلَ تقديريًا، فإذا ملك المزارع هذا المقدار وجب عليه الزكاة.
وهذا أمر يجب أن نعي فيه لأهل العلم كي لا نقع في مغالطة أو خطأ وجهل. اهـ. محمد.
الجواب: هم المحتاجون الذين ليس لهم كفايتهم، وليسوا مرتكبين كبيرةً من المعاصي هذا ما ظهر لنا، والله أعلم.
حكم دفع الزكاة إلى تارك الصلاة
4 - مسألة: هل يجوز دفع الزكاة إِلى مسلم بالغ، لا (1) يصلي، ويعتقد أن الصلاة واجبة عليه ويتركها كسلًا؟.
الجواب: إِن كان بالغًا تاركًا للصلاة، واستمر على ذلك إِلى حين دفع الزكاة لم يَجُزْ دفعها إِليه، لأنه محجور عليه بالسَّفه فلا يصح قبضه، ولكن يجوز دفعها إِلى وليه فيقبضها لهذا السفيه، وإن كان بلغ مصليًا رشيدًا، ثم طرأ ترك الصلاة ولم يحجر القاضي عليه جاز دفعُها إِليه، وصح قبضُه لنفسه (2)، كما تصح جميع تصرفاته.؟.
* * *
__________
(1) نسخة "أ": لم يصل.
(2) ولا يصح دفع الزكاة لمن بلغ تاركًا للصلاة، أو مبذرًا لماله، بل يقبضها له وليه: كالصبي والمجنون، بخلاف ما لو طرأ تركه لها، أو تبذيره ولم يُحجر عليه، فإنه يقبضها بنفسه. انظر فتح العلام 3/ 492. كتبه محمد.
وفيه أربع مسائل
السائمةُ الموقوفةُ ونَتَاجُها: ثمارُ الأشجارِ
1 - مسألة: السائمة الموقوفة ونَتاجُها، وثمارُ الأشجارِ الموقوفة، هل فيها زكاةٌ؟ وهل فيها خلاف على مذهب الشافعي؟.
الجواب: أما الثمار: فإن كانت أشجارها وقفًا على مُعين، لزمته زكاتها بلا خلاف؛ لأنه يملك هذه الثمارَ ملكًا تامًا، يتصرف فيه كيف شاء، فإن كانت على جهة عامة فلا زكاة فيها على الصحيح المشهور من نصوص الشافعي وأصحابه. وللشافعي قولٌ ضعيف -حكاه عنه ابن المنذر في الإشراف- أنه يجب فيه العشر.
وأما الماشية فإن كانت وقفًا على جهة عامة فلا زكاةَ فيها بلا خلافٍ، ولا تجيء حكايةُ ابن المنذر؛ لأن زكاةَ الماشيةِ مبنيةٌ على المسامحة، ولهذا يشترط لها الحول (2) وتدخُلها الأوقاص (3) -بخلاف الثمار- وإِن كانت وقفًا على معين، فينبني على أن المِلْكَ في رقبة الموقوف لمن هو، وفيه خلافٌ:
__________
(1) هي لغة: التطهير والنماء. وشرعًا: اسم لما يخرج عن مال أو بدن على وجه مخصوص. وهي أحد أركان الإسلام، يُكفر جاحدها في الزكاة المجمع عليها بخلاف المختلف فيها كزكاة التجارة وزكاة مال الصبي. اهـ.
(2) نسخة "أ": النصاب.
(3) الأوقاص: في الصدقة هو ما بين الفريضتين وكذا الشنَق، وبعض العلماء يجعل الوقَصَ في البقر خاصة والشنق في الإبل خاصة. اهـ. مختار.
- والأصح: أنه لله تعالى.
2 - والثاني: أنه للموقوف عليه، فإن قلنا لله تعالى فلا زكاة بلا خلاف، وان قلنا للموقوف عليه فوجهان:
1 - أحدهما: يجب؛ لأنه ملكه.
2 - وأصحهما: أنه لا يجب؛ لأنه ملك ضعيف لا ينفذ التصرف فيه بالبيع ونحوه، ولا يورث عنه.
وأما نَتاج الموقوف: فإن كان وقفًا على جهة عامة فلا زكاة فيه، وإِن كان على معيَّن فينبني أن المِلْكَ في النَّتاج لمن هو له، وفيه وجهان مشهوران:
1 - الأصح: أنه للموقوف عليه، فعلى هذا يلزمه زكاته بلا خلاف لأنه يملكه ملكًا تامًا كالثمار.
2 - والثاني: أنه وقف كالأم، فعلى هذا حكمه حكم الأم.
فإن قلنا: الملك فيه لله تعالى فلا زكاة؛ وإن قلنا: للموقوف عليه فوجهان: الأصح: لا زكاة، والله أعلم.
نصاب المعشرات (1)
2 - مسأله: قد قال العلماء: إِن نصابَ المعشراتِ خمسةُ أوْسقٍ، وهي ألف وستمائة رطل بالبغدادي، فكم قدْرها بالرطل الدمشقي؟ وهل في قدر رطل بغداد خلاف أم لا؟.
__________
(1) المعشرات: هي النابت من الأرض، الشامل للشجر والزرع.
والشجر: كل ما له ساق. والزرع: ما لا ساق له، ويُسمى نجمًا، قال تعالى: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ}.
فالزكاة تجب فيما يخرج من النوعين. =
الجواب: الأصح: بأنَ رِطل بغدادَ مائةُ درهمٍ، وثمانية وعشرون درهمًا، وأربعة أسباع درهم. وهي تسعون مثقالًا. وقيل: مائة وثمانية وعشرون بلا أسباع، وقيل: مائة وثلاثون، فعلى الأصح الأولِ يكون قدر الأوسُق الخمسة بالرطل الدمشقي ثلاثمائةً واثنين وأربعين رِطلًا وستةَ أسباعِ رطلٍ، والصاع بالدمشقي رِطلٌ وأوقيةٌ وخمسةُ أسباعِ أوقيةٍ، والمد: ربعُ صاع، والله أعلم.
صفة الفقراء الذين يدخلون الجنة قبل الأغنياء
3 - مسألة: ما صفةُ الفقراء الذين يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام؟.
__________
= والأصل في وجوبها قبل الإجماع قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}.
لا زكاة في شيء منه، إلا فيَ رُطبٍ وَعِنَبٍ، وما صلح للخبز من الحبوب: كبُرٍّ وشعير، وأرُزْ، وعدس، وفُرَة، وحمص، وغير ذلك مما يؤكل تقوتًا ويصلح للادخار، بخلاف ما يؤكل تفكهًا، أي على وجه التنعم: كالسكر والتين والمشمش والتفاح وغير ذلك فلا زكاة فيها ولأنها لا تصلح للادخار.
وواجبها العشر، إن سقيت بلا مؤنة: كماء السماء أو الأنهار، وإلا فنصف العشر، لثقل المؤنة في الثاني، وخفتها في الأول. ويتعلق الوجوب بعد بدو الصلاح، واشتداد الحب انظر الشرقاوي على التحرير 1/ 363. وقد ذكر أحكامًا مفيدة جزاه الله خيرًا.
أقول: هذه الموازين التي ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى قد كانت في الزمن السابق، وفيها تكلف بالمقادير كما هو ظاهر لك.
وهذا لا يفهمه العالم فضلًا عن غيره.
ولكن نقول كما فهمنا من مشايخنا بأن خمسة الأوسق ما تعادل خمسةَ شنابلَ تقديريًا، فإذا ملك المزارع هذا المقدار وجب عليه الزكاة.
وهذا أمر يجب أن نعي فيه لأهل العلم كي لا نقع في مغالطة أو خطأ وجهل. اهـ. محمد.
الجواب: هم المحتاجون الذين ليس لهم كفايتهم، وليسوا مرتكبين كبيرةً من المعاصي هذا ما ظهر لنا، والله أعلم.
حكم دفع الزكاة إلى تارك الصلاة
4 - مسألة: هل يجوز دفع الزكاة إِلى مسلم بالغ، لا (1) يصلي، ويعتقد أن الصلاة واجبة عليه ويتركها كسلًا؟.
الجواب: إِن كان بالغًا تاركًا للصلاة، واستمر على ذلك إِلى حين دفع الزكاة لم يَجُزْ دفعها إِليه، لأنه محجور عليه بالسَّفه فلا يصح قبضه، ولكن يجوز دفعها إِلى وليه فيقبضها لهذا السفيه، وإن كان بلغ مصليًا رشيدًا، ثم طرأ ترك الصلاة ولم يحجر القاضي عليه جاز دفعُها إِليه، وصح قبضُه لنفسه (2)، كما تصح جميع تصرفاته.؟.
* * *
__________
(1) نسخة "أ": لم يصل.
(2) ولا يصح دفع الزكاة لمن بلغ تاركًا للصلاة، أو مبذرًا لماله، بل يقبضها له وليه: كالصبي والمجنون، بخلاف ما لو طرأ تركه لها، أو تبذيره ولم يُحجر عليه، فإنه يقبضها بنفسه. انظر فتح العلام 3/ 492. كتبه محمد.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
كِتابُ الصِيَام (1)
كِتابُ الصِيَام (1)
وفيه أربع مسائل
1 - مسألة: كم صام النبي صلى الله عليه وآله وسلم رمضان؟.
الجواب: تسعَ سنين، نزلت فريضته في شعبان سنةَ اثنتين من الهجرة.
2 - مسألة: إِذا ذاق الصائم طعامًا (2) ولم يبلعْه، أو مضغ الخبز أو نحوَه ولم يبلعه، أَو جمع الريق في فيه ثم ابتلعه، أو دخلت ذبابة في جوفه بغير اختياره، أو كان يغربل حِنطة، أو دقيقًا، أو غيرَهما وفتح فمه فدخله شيء من الغبار، أو سبقه ماء المضمضمة، أو الاستنشاق من غير مبالغة هل يُفطر؟.
الجواب: لا يفطر في جميع ذلك، والله أعلم.
كفارة الأكل والجماع
3 - مسألة: إٍذا أكل في حَضرٍ في نهار رمضانَ عامدًا، ثم جامع بعد الأكل عامدًا في النهار هل تلزمه الكفارة؟ وهل إِذا كرر الجماع في رمضان تتكرر الكفارة أم لا؟.
__________
(1) هو لغة: الإمساك، وشرعًا: إمساك عن مفطر بشروطه، والصوم فرض بالإجماع، معلوم من الدين بالضرورة، فيكفر جاحده إلا إذا كان جاهلًا نشأ ببادية بعيدة عن العلماء، أو كان قريبَ عهد بالإسلام. اهـ.
(2) نسخة "أ": الطعام.
أجاب رضي الله عنه: لا يلزمه في ذلك كفارة؛ بل يأثم ويلزمه إِمساك بقية النهار، والقضاء والتوبة، وإِن جامع الصائم مرارًا في النهار، جماعًا موجبًا للكفارة، لزمه كفارة واحدة بالجماع الأول، ولا يلزمه بالثاني، والله أعلم "كتبته عنه" (1).
ليلة القدر
4 - مسألة: المشهور في مذهبنا أن ليلة القدر منحصرة في العشر الأواخر من شهر رمضان، وأنها ليلة معينة لا تنتقل، بل تكون كل سنة في تلك الليلة، والمختار أنها تنتقل، فتكون في بعض السنين في ليلة، وفي بعضها في ليلة أخرى، ولكن إِنما تنتقل في العشر الأواخر، وبهذا يجمع بين الأحاديث الصحيحة المختلفة فيها، وممن قال به من أئمة أصحابنا: أبو إِبراهيم إِسماعيل بن يحيى المُزَني، وصاحبه إِمام
__________
(1) أحكام تتعلق بهذه المسألة:
واعلم أن الوطء المفسد للصوم يترتب عليه خمسة أشياء:
1 - الإثم.
2 - الإمساك.
3 - القضاء.
4 - الكفارة.
5 - التعزير.
لكن الكفارة إنما تجب على الواطىء دون الموطوء وهو الصحيح. ولا تتعدد بتعدد الوطء في يوم واحد، فإن، وطىء في يوم مرتين لم يجب بالوطء الثاني كفارة.
والكفارة: هي عتق رقبة، أي ذات مؤمنة سليمة من العيوب المضرة بالعمل والكسب، فلا تجزىء الكافرة ولا المعيبة، فإن لم يجدها، أطعم ستين مسكينًا، فإن لم يجدها، صام شهرين متتابعين، فلو أفسد يومًا منها وجب عليه استئنافها، ولو لعذر: كسفر أو مرض لندرة ذلك، نعم لا يضر الجنون والإغماء والحيض والنفاس. اهـ. باختصار من كتاب فتح العلام 4/ 91.
الأئمة: أبو بكر محمد بن إِسحاق بن خزيمة رحمهما الله تعالى، والله أعلم (1).
* * *
__________
(1) وفي إخفاء هذه الليلة وعدم تعيينها أسرار ولطف من الحكيم الخبير، يقول فخر الدين الرازي في تفسيره: وأخفاها سبحانه وتعالى كما أخفى كثيرًا من الأشياء، فإنه أخفى رضاه في الطاعات حتى يرغب العباد في الكل، وأخفى غضبه في المعاصي ليحترزوا عن الكل، فكذلك أخفى هذه الليلة ليعظموا جميع ليالي رمضان. اهـ. لقد تعرضت في كتابي الصحوة القريبة الجزء الثاني وذكرت فضائل هذه الليلة وأقوال العلماء فيها مع أحكام مفيدة إن شاء الله تعالى علميةٍ واجتماعية فعد إليها تجد ما تقربه عينك. اهـ. محمد.
وفيه أربع مسائل
1 - مسألة: كم صام النبي صلى الله عليه وآله وسلم رمضان؟.
الجواب: تسعَ سنين، نزلت فريضته في شعبان سنةَ اثنتين من الهجرة.
2 - مسألة: إِذا ذاق الصائم طعامًا (2) ولم يبلعْه، أو مضغ الخبز أو نحوَه ولم يبلعه، أَو جمع الريق في فيه ثم ابتلعه، أو دخلت ذبابة في جوفه بغير اختياره، أو كان يغربل حِنطة، أو دقيقًا، أو غيرَهما وفتح فمه فدخله شيء من الغبار، أو سبقه ماء المضمضمة، أو الاستنشاق من غير مبالغة هل يُفطر؟.
الجواب: لا يفطر في جميع ذلك، والله أعلم.
كفارة الأكل والجماع
3 - مسألة: إٍذا أكل في حَضرٍ في نهار رمضانَ عامدًا، ثم جامع بعد الأكل عامدًا في النهار هل تلزمه الكفارة؟ وهل إِذا كرر الجماع في رمضان تتكرر الكفارة أم لا؟.
__________
(1) هو لغة: الإمساك، وشرعًا: إمساك عن مفطر بشروطه، والصوم فرض بالإجماع، معلوم من الدين بالضرورة، فيكفر جاحده إلا إذا كان جاهلًا نشأ ببادية بعيدة عن العلماء، أو كان قريبَ عهد بالإسلام. اهـ.
(2) نسخة "أ": الطعام.
أجاب رضي الله عنه: لا يلزمه في ذلك كفارة؛ بل يأثم ويلزمه إِمساك بقية النهار، والقضاء والتوبة، وإِن جامع الصائم مرارًا في النهار، جماعًا موجبًا للكفارة، لزمه كفارة واحدة بالجماع الأول، ولا يلزمه بالثاني، والله أعلم "كتبته عنه" (1).
ليلة القدر
4 - مسألة: المشهور في مذهبنا أن ليلة القدر منحصرة في العشر الأواخر من شهر رمضان، وأنها ليلة معينة لا تنتقل، بل تكون كل سنة في تلك الليلة، والمختار أنها تنتقل، فتكون في بعض السنين في ليلة، وفي بعضها في ليلة أخرى، ولكن إِنما تنتقل في العشر الأواخر، وبهذا يجمع بين الأحاديث الصحيحة المختلفة فيها، وممن قال به من أئمة أصحابنا: أبو إِبراهيم إِسماعيل بن يحيى المُزَني، وصاحبه إِمام
__________
(1) أحكام تتعلق بهذه المسألة:
واعلم أن الوطء المفسد للصوم يترتب عليه خمسة أشياء:
1 - الإثم.
2 - الإمساك.
3 - القضاء.
4 - الكفارة.
5 - التعزير.
لكن الكفارة إنما تجب على الواطىء دون الموطوء وهو الصحيح. ولا تتعدد بتعدد الوطء في يوم واحد، فإن، وطىء في يوم مرتين لم يجب بالوطء الثاني كفارة.
والكفارة: هي عتق رقبة، أي ذات مؤمنة سليمة من العيوب المضرة بالعمل والكسب، فلا تجزىء الكافرة ولا المعيبة، فإن لم يجدها، أطعم ستين مسكينًا، فإن لم يجدها، صام شهرين متتابعين، فلو أفسد يومًا منها وجب عليه استئنافها، ولو لعذر: كسفر أو مرض لندرة ذلك، نعم لا يضر الجنون والإغماء والحيض والنفاس. اهـ. باختصار من كتاب فتح العلام 4/ 91.
الأئمة: أبو بكر محمد بن إِسحاق بن خزيمة رحمهما الله تعالى، والله أعلم (1).
* * *
__________
(1) وفي إخفاء هذه الليلة وعدم تعيينها أسرار ولطف من الحكيم الخبير، يقول فخر الدين الرازي في تفسيره: وأخفاها سبحانه وتعالى كما أخفى كثيرًا من الأشياء، فإنه أخفى رضاه في الطاعات حتى يرغب العباد في الكل، وأخفى غضبه في المعاصي ليحترزوا عن الكل، فكذلك أخفى هذه الليلة ليعظموا جميع ليالي رمضان. اهـ. لقد تعرضت في كتابي الصحوة القريبة الجزء الثاني وذكرت فضائل هذه الليلة وأقوال العلماء فيها مع أحكام مفيدة إن شاء الله تعالى علميةٍ واجتماعية فعد إليها تجد ما تقربه عينك. اهـ. محمد.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
كِتابُ الحَج (1)
كِتابُ الحَج (1)
وفيه مسائل
الحديث على قوله - صلى الله عليه وسلم - من حج فلم يرفث
1 - مسألة: هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولم يَفْسُقْ رجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ". ومتى يكون المراد بترك الرَّفثِ والفسوق وما تفسيرهما؟.
الجواب: هذا الحديث في الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، والظاهر أنه من حين يُحرِم بالحج إِلى أن يفرغ منه، لا من حين يخرج من بلده، والرفث، الجماع على الصحيح المشهور، والفسق: المعصية.
حكم بيع الأرض المستغلة لأداء فريضة الحج
2 - مسألة: له أرض مملوكة يحصُل له منها كلَّ سنة من الغلة كفايتُه، وكفاية عياله، ولا يفضل شيء، وإذا باعها يمكنه الحج بثمنها،
__________
(1) هو لغة: القصد. وشرعًا: قصد الكعبة للنسك، وهو من الشرائع القديمة، يُكَفّر الصغائر والكبائر حتى التبعات على المعتمد إن مات قبل تمكنه من أدائها؛ أما إن عاش بعد التمكن فلا تسقط عنه، فيجب عليه قضاء الصلاة وأداء الدين الذي عليه ونحو ذلك. اهـ.
وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: من اعتقد أن الحج يُسقط ما وجب عليه من الحقوق، يستتاب وإلا قتل ولا يسقط حق الآدمي بحج إجماعًا. اهـ.
ويفضل ما يكفي عيالَه في الذَّهاب إِلى الحج والرجوع، أو كان له رأسُ مالٍ يَتَّجِرُ فيه -وهو بهذه الصفة- هل يلزمه الحج وهل فيه خلاف؟.
الجواب: الأصح في مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه وجوبُ الحج عليه، والحالةُ هذه والله سبحانه وتعالى أعلم (1).
إذن الوالدين لحج التطوع والفريضة
3 - مسألة: هل له الحج بغير إِذن والديه، ويصح حجه، والخروجُ في طلب العلم، وهل يأثمان بمنعه؟ (2).
الجواب: لهما منعه من حج التطوع، ولا يأثمان بذلك، وليس
__________
(1) قال الإمام الجرداني رحمه الله تعالى في كتابه "فتح العلام" هو من تحقيقنا والحمد لله:
ولو كان له عروض تجارة، أو عقاراتٌ يستغلها، وجب عليه بيعُها وصرفها في الحج على الأصح، وإن لم يكن له كسب كما يلزمه صرف ذلك في الدين.
وفارق المسكنَ والعبدَ، بأنه يحتاج إليهما في الحال، وما نحن فيه يُتخَذ ذخيرةً في المستقبل، والحج لا ينظر فيه للمستقبل.
وقيل: لا يلزمه ذلك لئلا يُلتحقَ بالمساكين، واختاره ابن الصلاح.
قال الأذرعي: وهو قوي إذا لم يكن له كسب بحال، وفرق بينه وبين الدين بأن الحج على التراخي بخلاف الدين.
ولا يلزم العالم أو المتعلم، بيعُ كتبه المحتاج إليها، ولا الزراعَ بيعُ بهائمه ومحراثه، ولا المحترف بيع آلة حرفته.
وفرق الشبراملسي بينه وبين ما تقدم في التجارة، بأن المحترف محتاج إلى الآلة حالًا، بخلاف مال التجارة فإنه ليس محتاجًا إليه في الحال.
واعلم أن الحاجة إلى النكاح لا تمنع وجوب الحج وإن خاف العنت، ولكن الأفضل لخائف العنت تقديم النكاح، ولغيره تقديم النسك.
فلو قدم النكاح ومات قبل أن يحج مات عاصيًا في الحالة الثانية دون الأولى، وفي الحالتين يُقضى عنه الحج من تركته. اهـ. باختصار من جزء 4/ 212. كتبه محمد.
(2) نسخة "أ": إذا منعاه.
لهما منعه من الحج المفروض (1)، ويأثمان بمنعه، ومتى حج بغير إِذنهما صح حجه مطلقًا -وإِن كان عاصيًا في التطوع-، وله السفر في طلب العلم بغير إِذنهما (2).
__________
(1) نسخة "أ": من حج الفرض.
(2) ويجوز للأبوين ولمن علا منعُ الولدِ وإن سفل، غير المكي من الإحرام بتطوع حج أو عمرة، ابتداءً ودوامًا، بأن يأمره بالتحلل فيلزمه، إذ التطوع أولى باعتبار إذنهما فيه من فرض الكفاية، لما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: لمن استأذنه في الجهاد: "ألك أبوان؟ ".
قال نعم.
قال: "استأذنتهما؟ ".
قال: لا.
قال: "ففيهما فجاهد".
دون الفرض، أي حجة الإسلام وعمرته أداءً وقضاءً.
ومثلهما النذر فليس له منعه منه ولو فقيرًا؛ لأنه إذا تكلفه أجزأه عن فرضه.
نعم للأصل منع فرعه من الفرض لنحو خوف طريق، ولغرض شرعي: كسفره مع غير مأمونين أو ماشيًا وهو لا يطيقه.
وله منعه من السفر حتى يترك له نفقة، أومنفقًا حيث وجبت مؤنته عليه.
وله منعه إذا كان الولد أمردًا يخاف عليه. وندب استئذان أصل في الفرض، فإن أذن وإلا أخر ما لم يتضيق كالقضاء. اهـ. بشرى الكريم 2/ 121.
أقول:
لقد اتفق العلماء سلفًا وخلفًا على أن الولد له أن يسافر لطلب العلم ولو لم يأذنا له.
ولكن يا ترى ما المراد من العلم؟ فهل هو علم الحديث الذي لا يُبتغى من ورائه إلا الدنيا التي طغت على العقول، ولعبت دورها بأبنائها حتى أصبحوا عبيدًا لها، أم المراد من العلم الذي يزيده قربًا من دار الخلود، وبعدًا من دار الغرور والذي يزيده حبًا في مولاه وبغضًا فيما سواه، العلم الذي يزيده فقهًا في الدين، وقربًا من رب العالمين. فهنا يجب علينا أن نقف قليلًا عند هذه المقاطع متأملين ومتألمين بما صار إليه اليوم معظم المسلمين.
ومع ذلك إذا أردت أن تعرف نفسك والإخلاص في علمك فاقرأ كتاب "بداية الهداية" للإمام الغزالي فهو يدلك على الصواب، وَيَنْظِمُك في سلك الأحباب إن شاء الله تعالى. اهـ. محمد.
طريقة إِزالة عقوق الوالدين بعد موتهما
4 - مسألة: إِذا كان الإنسان عاقًا لوالديه، وماتا ساخطين عليه فما طريقه إِلى إِزالة ذلك، وإِسقاط مطالبتهما له في الآخرة؟.
الجواب: أما مطالبتهما له في الآخرة فلا طريق إِلى إِبطالها، ولكن ينبغي له بعد الندم على ذلك، أن يُكثر من الاستغفار لهما والدعاء، وأن يتصدق عنهما إن أمكن، وأن يكرم من كانا يحبان إِكرامَه: من صديق لهما ونحوه، وأن يصلَ رَحِمَهما، وأن يقضي دَيْنهما (1)، أو ما تيسر له من ذلك (2).
5 - مسألة: رجل حج عن غيره بأجرة، هل هو مخطىء، وهل يكون له ثواب ما يفعله زائدًا على الحج، من زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والطواف الزائد، والأدعية، والزيارات، وغير ذلك من العبادات أم لا؟.
أجاب رضي الله عنه: ليس هو بمخطىءٍ؛ بل له الثواب على هذه الأمور المذكورة -وهي من طرق الخير- وإِن كان الحاج متبرعًا أفضلَ منه، والله أعلم "كتبته عنه" (3).
__________
(1) نسخة "أ": وينفل عنهما.
(2) لقد تعرضت لموضوع الوالدين في كتابي الصحوة القريبة الجزء الأول تحت عنوان "الولد والوالدان" وبينت موقف كلٍ من الآخر، وأن الولد مهما قدم من معروف، أو بذل من إحسان لا يستطيع أن يؤدي بعضَ ما يجب عليه من حق.
ثم تناولت هذا الموضوع بشرح أوسعَ في كتابي "سمير المؤمنين".
وتذكرت قولَ الإمام الشعراني في كتابه المنن. حيث قال: ومما منَّ اللهُ عليَّ أنْ أمات أبوي وأنا طفل صغير، لأن أمثالي لا يستطيع أن يقوم بحقوقهما فعد إلى الكتابين واقرأهما على مهل، وادع لي بقبول العمل مع حسن الأجل. اهـ. محمد.
(3) قال النووي في شرح مسلم، ومذهبنا ومذهب الجمهور: =
صورة نادرة الوقوع في الحج
6 - مسألة: لا يُتصور مسلم بالغ عاقل حلال، ولا يصح إِحرامه بالعمرة، إِلا في صورة واحدة، وهي في الحاج إِذا تحلل التحللين، وبقي بِمِنى لرمي الجِمار أيامَ التشريق ومبيت لياليها (1).
__________
= جواز الحج عن العاجز بموت، أو عَضْب؛ وهو: الزمانة والهرم ونحوهما.
وقال مالك والليث والحسن بن صالح: ولا يحج أحد إلا عن ميت لم يحجَّ حجة الإسلام.
قال القاضي عياض وحكى عن النخعي وبعض السلف: لا يصح الحج عن ميت ولا غيره وهي رواية عن مالك وإن أوصى به.
ثم قال النووي: ويجوز الاستنابة في حجة التطوع على أصح القولين عندنا. اهـ.
والإجارة على الحج جائزة عند الشافعي. وكذا عند مالك مع الكراهة، ومنع أبو حنيفة من ذلك. اهـ. باختصار انظر فتح العلام 4/ 231. فقد فصل المؤلف رحمه الله هذا الموضوع تفصيلًا جيدًا وقد أكرمني الله بخدمة هذا الكتاب من حيث التحقيق فالله أسأل الصدق والتوفيق، لأقوم طريق.
(1) أقول:
وأما الحاج: فلا يصح إحرامه لعمرته ما دام محرمًا بالحج ...
وكذا لا يصح إحرامه بها بعد التحللين ما دام قاطنًا بمنى.
والملحظ في هذا: أن الوقت مستحق لبقية النسك، فلا يُصْرَف لنسك آخر.
فلو نفر النفر الأول، ثم اعتمر، لزمت، لأنه لم يبق عليه للحج عمل، ومتى لم ينفر نفرًا شرعيًا، واعتمر في بقية أيام التشريق لم تنعقد، لأن ما بقي من مناسك الحج وتوابعه يمنع من الاشتغال بها كالصوم.
فإذا علمت ذلك ظهر لك أنه لا يصح الإحرام أي بالعمرة وإن قصد ترك الرمي والمبيت، وإن شرط النفر المجوز لفعلها أن يكون شرعيًا وهو أن يكون بعد زوال اليوم الثاني ورميه، وإلا يأتي فيه ما مر من التفصيل. اهـ.
انظر كتاب المناسك لابن حجر على الإيضاح ص 190 ففيه أحكام مفيدة ونفيسة. كتبه محمد.
- مسألة: لو نذر من لم يحجَّ في هذه السنة، ففعل، قال أصحابنا: وقع عن حجة الِإسلام، وخرج عن نذره، وليس في نذره إِلا التزامُ تعجيل ما كان له تأخيره. والله أعلم.
8 - مسألة: قال الماوردي في مسألة القِران بين الحج والعمرة: لو أحرم بالعمرة، ثم أحرم بالحج وشك، هل كان إِحرام الحج قبل طواف العمرة فيكون صحيحًا، أو بعده فيكون باطلًا؟ حُكِم بصحته؛ لأن الأصل جواز الإِحرام بالحج حتى يتيقن أنه كان بعده. قاله أصحابنا، قالوا: وهو كمن أحرم وتزوج ولم يدْرِ هل أحرم قبل تزوجه أم بعده. قال الشافعي: صح تزوجه.
حمل الهدية للمسافر
مسألة: هل يستحب للمسافر حمل هدية إِلى أهله؟ وهل جاء فيه حديثٌ أو ذكره أحد من العلماء؟.
الجواب: نعم؛ يستحب ذلك، وممن ذكره من العلماء: القاضي أبو الطيب في تعليقه في آخر كتاب الحج، واحتج له بحديث عائشةَ رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إِذا قَدِمَ أحَدُكم مِنْ سَفَرِهِ فَلْيُهْدِ إلى أهْلِهِ، وَلْيُطْرِفْهُم (1) ولو كانت حجارةً".
رواه الدارقطني في سننه في آخر كتاب الحج.
10 - مسألة: مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل هي شامية أم يمانية؟.
الجواب: ليست شاميةً ولا يمانيةً؛ بل هي حجازية، وهذا لا خلافَ فيه بين العلماء.
* * *
__________
(1) الطرفة: الشيء المستحدث الجديد.
وفيه مسائل
الحديث على قوله - صلى الله عليه وسلم - من حج فلم يرفث
1 - مسألة: هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولم يَفْسُقْ رجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ". ومتى يكون المراد بترك الرَّفثِ والفسوق وما تفسيرهما؟.
الجواب: هذا الحديث في الصحيحين من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، والظاهر أنه من حين يُحرِم بالحج إِلى أن يفرغ منه، لا من حين يخرج من بلده، والرفث، الجماع على الصحيح المشهور، والفسق: المعصية.
حكم بيع الأرض المستغلة لأداء فريضة الحج
2 - مسألة: له أرض مملوكة يحصُل له منها كلَّ سنة من الغلة كفايتُه، وكفاية عياله، ولا يفضل شيء، وإذا باعها يمكنه الحج بثمنها،
__________
(1) هو لغة: القصد. وشرعًا: قصد الكعبة للنسك، وهو من الشرائع القديمة، يُكَفّر الصغائر والكبائر حتى التبعات على المعتمد إن مات قبل تمكنه من أدائها؛ أما إن عاش بعد التمكن فلا تسقط عنه، فيجب عليه قضاء الصلاة وأداء الدين الذي عليه ونحو ذلك. اهـ.
وقال ابن تيمية رحمه الله تعالى: من اعتقد أن الحج يُسقط ما وجب عليه من الحقوق، يستتاب وإلا قتل ولا يسقط حق الآدمي بحج إجماعًا. اهـ.
ويفضل ما يكفي عيالَه في الذَّهاب إِلى الحج والرجوع، أو كان له رأسُ مالٍ يَتَّجِرُ فيه -وهو بهذه الصفة- هل يلزمه الحج وهل فيه خلاف؟.
الجواب: الأصح في مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه وجوبُ الحج عليه، والحالةُ هذه والله سبحانه وتعالى أعلم (1).
إذن الوالدين لحج التطوع والفريضة
3 - مسألة: هل له الحج بغير إِذن والديه، ويصح حجه، والخروجُ في طلب العلم، وهل يأثمان بمنعه؟ (2).
الجواب: لهما منعه من حج التطوع، ولا يأثمان بذلك، وليس
__________
(1) قال الإمام الجرداني رحمه الله تعالى في كتابه "فتح العلام" هو من تحقيقنا والحمد لله:
ولو كان له عروض تجارة، أو عقاراتٌ يستغلها، وجب عليه بيعُها وصرفها في الحج على الأصح، وإن لم يكن له كسب كما يلزمه صرف ذلك في الدين.
وفارق المسكنَ والعبدَ، بأنه يحتاج إليهما في الحال، وما نحن فيه يُتخَذ ذخيرةً في المستقبل، والحج لا ينظر فيه للمستقبل.
وقيل: لا يلزمه ذلك لئلا يُلتحقَ بالمساكين، واختاره ابن الصلاح.
قال الأذرعي: وهو قوي إذا لم يكن له كسب بحال، وفرق بينه وبين الدين بأن الحج على التراخي بخلاف الدين.
ولا يلزم العالم أو المتعلم، بيعُ كتبه المحتاج إليها، ولا الزراعَ بيعُ بهائمه ومحراثه، ولا المحترف بيع آلة حرفته.
وفرق الشبراملسي بينه وبين ما تقدم في التجارة، بأن المحترف محتاج إلى الآلة حالًا، بخلاف مال التجارة فإنه ليس محتاجًا إليه في الحال.
واعلم أن الحاجة إلى النكاح لا تمنع وجوب الحج وإن خاف العنت، ولكن الأفضل لخائف العنت تقديم النكاح، ولغيره تقديم النسك.
فلو قدم النكاح ومات قبل أن يحج مات عاصيًا في الحالة الثانية دون الأولى، وفي الحالتين يُقضى عنه الحج من تركته. اهـ. باختصار من جزء 4/ 212. كتبه محمد.
(2) نسخة "أ": إذا منعاه.
لهما منعه من الحج المفروض (1)، ويأثمان بمنعه، ومتى حج بغير إِذنهما صح حجه مطلقًا -وإِن كان عاصيًا في التطوع-، وله السفر في طلب العلم بغير إِذنهما (2).
__________
(1) نسخة "أ": من حج الفرض.
(2) ويجوز للأبوين ولمن علا منعُ الولدِ وإن سفل، غير المكي من الإحرام بتطوع حج أو عمرة، ابتداءً ودوامًا، بأن يأمره بالتحلل فيلزمه، إذ التطوع أولى باعتبار إذنهما فيه من فرض الكفاية، لما صح من قوله - صلى الله عليه وسلم -: لمن استأذنه في الجهاد: "ألك أبوان؟ ".
قال نعم.
قال: "استأذنتهما؟ ".
قال: لا.
قال: "ففيهما فجاهد".
دون الفرض، أي حجة الإسلام وعمرته أداءً وقضاءً.
ومثلهما النذر فليس له منعه منه ولو فقيرًا؛ لأنه إذا تكلفه أجزأه عن فرضه.
نعم للأصل منع فرعه من الفرض لنحو خوف طريق، ولغرض شرعي: كسفره مع غير مأمونين أو ماشيًا وهو لا يطيقه.
وله منعه من السفر حتى يترك له نفقة، أومنفقًا حيث وجبت مؤنته عليه.
وله منعه إذا كان الولد أمردًا يخاف عليه. وندب استئذان أصل في الفرض، فإن أذن وإلا أخر ما لم يتضيق كالقضاء. اهـ. بشرى الكريم 2/ 121.
أقول:
لقد اتفق العلماء سلفًا وخلفًا على أن الولد له أن يسافر لطلب العلم ولو لم يأذنا له.
ولكن يا ترى ما المراد من العلم؟ فهل هو علم الحديث الذي لا يُبتغى من ورائه إلا الدنيا التي طغت على العقول، ولعبت دورها بأبنائها حتى أصبحوا عبيدًا لها، أم المراد من العلم الذي يزيده قربًا من دار الخلود، وبعدًا من دار الغرور والذي يزيده حبًا في مولاه وبغضًا فيما سواه، العلم الذي يزيده فقهًا في الدين، وقربًا من رب العالمين. فهنا يجب علينا أن نقف قليلًا عند هذه المقاطع متأملين ومتألمين بما صار إليه اليوم معظم المسلمين.
ومع ذلك إذا أردت أن تعرف نفسك والإخلاص في علمك فاقرأ كتاب "بداية الهداية" للإمام الغزالي فهو يدلك على الصواب، وَيَنْظِمُك في سلك الأحباب إن شاء الله تعالى. اهـ. محمد.
طريقة إِزالة عقوق الوالدين بعد موتهما
4 - مسألة: إِذا كان الإنسان عاقًا لوالديه، وماتا ساخطين عليه فما طريقه إِلى إِزالة ذلك، وإِسقاط مطالبتهما له في الآخرة؟.
الجواب: أما مطالبتهما له في الآخرة فلا طريق إِلى إِبطالها، ولكن ينبغي له بعد الندم على ذلك، أن يُكثر من الاستغفار لهما والدعاء، وأن يتصدق عنهما إن أمكن، وأن يكرم من كانا يحبان إِكرامَه: من صديق لهما ونحوه، وأن يصلَ رَحِمَهما، وأن يقضي دَيْنهما (1)، أو ما تيسر له من ذلك (2).
5 - مسألة: رجل حج عن غيره بأجرة، هل هو مخطىء، وهل يكون له ثواب ما يفعله زائدًا على الحج، من زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والطواف الزائد، والأدعية، والزيارات، وغير ذلك من العبادات أم لا؟.
أجاب رضي الله عنه: ليس هو بمخطىءٍ؛ بل له الثواب على هذه الأمور المذكورة -وهي من طرق الخير- وإِن كان الحاج متبرعًا أفضلَ منه، والله أعلم "كتبته عنه" (3).
__________
(1) نسخة "أ": وينفل عنهما.
(2) لقد تعرضت لموضوع الوالدين في كتابي الصحوة القريبة الجزء الأول تحت عنوان "الولد والوالدان" وبينت موقف كلٍ من الآخر، وأن الولد مهما قدم من معروف، أو بذل من إحسان لا يستطيع أن يؤدي بعضَ ما يجب عليه من حق.
ثم تناولت هذا الموضوع بشرح أوسعَ في كتابي "سمير المؤمنين".
وتذكرت قولَ الإمام الشعراني في كتابه المنن. حيث قال: ومما منَّ اللهُ عليَّ أنْ أمات أبوي وأنا طفل صغير، لأن أمثالي لا يستطيع أن يقوم بحقوقهما فعد إلى الكتابين واقرأهما على مهل، وادع لي بقبول العمل مع حسن الأجل. اهـ. محمد.
(3) قال النووي في شرح مسلم، ومذهبنا ومذهب الجمهور: =
صورة نادرة الوقوع في الحج
6 - مسألة: لا يُتصور مسلم بالغ عاقل حلال، ولا يصح إِحرامه بالعمرة، إِلا في صورة واحدة، وهي في الحاج إِذا تحلل التحللين، وبقي بِمِنى لرمي الجِمار أيامَ التشريق ومبيت لياليها (1).
__________
= جواز الحج عن العاجز بموت، أو عَضْب؛ وهو: الزمانة والهرم ونحوهما.
وقال مالك والليث والحسن بن صالح: ولا يحج أحد إلا عن ميت لم يحجَّ حجة الإسلام.
قال القاضي عياض وحكى عن النخعي وبعض السلف: لا يصح الحج عن ميت ولا غيره وهي رواية عن مالك وإن أوصى به.
ثم قال النووي: ويجوز الاستنابة في حجة التطوع على أصح القولين عندنا. اهـ.
والإجارة على الحج جائزة عند الشافعي. وكذا عند مالك مع الكراهة، ومنع أبو حنيفة من ذلك. اهـ. باختصار انظر فتح العلام 4/ 231. فقد فصل المؤلف رحمه الله هذا الموضوع تفصيلًا جيدًا وقد أكرمني الله بخدمة هذا الكتاب من حيث التحقيق فالله أسأل الصدق والتوفيق، لأقوم طريق.
(1) أقول:
وأما الحاج: فلا يصح إحرامه لعمرته ما دام محرمًا بالحج ...
وكذا لا يصح إحرامه بها بعد التحللين ما دام قاطنًا بمنى.
والملحظ في هذا: أن الوقت مستحق لبقية النسك، فلا يُصْرَف لنسك آخر.
فلو نفر النفر الأول، ثم اعتمر، لزمت، لأنه لم يبق عليه للحج عمل، ومتى لم ينفر نفرًا شرعيًا، واعتمر في بقية أيام التشريق لم تنعقد، لأن ما بقي من مناسك الحج وتوابعه يمنع من الاشتغال بها كالصوم.
فإذا علمت ذلك ظهر لك أنه لا يصح الإحرام أي بالعمرة وإن قصد ترك الرمي والمبيت، وإن شرط النفر المجوز لفعلها أن يكون شرعيًا وهو أن يكون بعد زوال اليوم الثاني ورميه، وإلا يأتي فيه ما مر من التفصيل. اهـ.
انظر كتاب المناسك لابن حجر على الإيضاح ص 190 ففيه أحكام مفيدة ونفيسة. كتبه محمد.
- مسألة: لو نذر من لم يحجَّ في هذه السنة، ففعل، قال أصحابنا: وقع عن حجة الِإسلام، وخرج عن نذره، وليس في نذره إِلا التزامُ تعجيل ما كان له تأخيره. والله أعلم.
8 - مسألة: قال الماوردي في مسألة القِران بين الحج والعمرة: لو أحرم بالعمرة، ثم أحرم بالحج وشك، هل كان إِحرام الحج قبل طواف العمرة فيكون صحيحًا، أو بعده فيكون باطلًا؟ حُكِم بصحته؛ لأن الأصل جواز الإِحرام بالحج حتى يتيقن أنه كان بعده. قاله أصحابنا، قالوا: وهو كمن أحرم وتزوج ولم يدْرِ هل أحرم قبل تزوجه أم بعده. قال الشافعي: صح تزوجه.
حمل الهدية للمسافر
مسألة: هل يستحب للمسافر حمل هدية إِلى أهله؟ وهل جاء فيه حديثٌ أو ذكره أحد من العلماء؟.
الجواب: نعم؛ يستحب ذلك، وممن ذكره من العلماء: القاضي أبو الطيب في تعليقه في آخر كتاب الحج، واحتج له بحديث عائشةَ رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إِذا قَدِمَ أحَدُكم مِنْ سَفَرِهِ فَلْيُهْدِ إلى أهْلِهِ، وَلْيُطْرِفْهُم (1) ولو كانت حجارةً".
رواه الدارقطني في سننه في آخر كتاب الحج.
10 - مسألة: مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل هي شامية أم يمانية؟.
الجواب: ليست شاميةً ولا يمانيةً؛ بل هي حجازية، وهذا لا خلافَ فيه بين العلماء.
* * *
__________
(1) الطرفة: الشيء المستحدث الجديد.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
كِتابُ الصَيْد وَالذبَائِح (1)
كِتابُ الصَيْد وَالذبَائِح (1)
وفيه ست مسائل
1 - مسألة: ما حقيقة الحياة المستقرة التي إِذا ذُبح الْحَيَوانُ وهي فيه حَلَّ وإِلا فلا، وإِذا شكَّ في الحياة المستقرة هل يحل له أم لا؟.
الجواب: تُعْرفُ الحياةُ المستقرة بقرائنَ يُدركها الناظر ومن علامتها: الحركة الشديدة بعد قطع الحلقوم والمريء (2) وجريان الدم، فإذا حصلت قرينةٌ مع واحد منهما حلَّ الحيوان.
"والمختار" الحل بالحركة الشديدة وَحْدَها، فإذا شك في المذبوح، هل كان فيه حياة مستقرة حالَ ذبحه أم لا؟ لم يحلَّ على أصح الوجهين للشك في المبيح.
2 - مسألة: الشاة إِذا أخرج السبْعُ حشْوَتها، وأبانها عنها - وفيها بعضُ حياة- فذكيت هل تحل؟.
الجواب: لا تحل (3).
__________
(1) ويحرم ذبح الحيوان غير المأكول ولو لإراحته، ويحرم قتل الكلب غير العقور الذي لا منفعة فيه ولا ضرر. ويطلب من الذابح أن يحد شفرته، وأن يكون بحيث لا تراه الذبيحة، وأن لا يذبح واحدة والأخرى تنظر إليها. ولا يقل: باسم الله واسم محمد! فإنه يحرم مع حل الذبيحة: فإن قصد التشريك كفر وحرمت الذبيحة. اهـ. محمد.
(2) مَريءُ الجزور والشاة مجرى الطعام والشراب وهو متصل بالحلقوم. اهـ ..
(3) فلو أخذ الذابح في قطع الحلقوم وأخذ آخر في نزع حشوتها أو القطع من لحمها حرم أكله، وما قطع من حيوان حي فهو كميتته. اهـ.
- مسألة: قال أصحابنا: كل من حلت مناكحته للمسلم حلت ذبيحته، ومن لا فلا، إِلا الأمة الكتابية فتحل ذكاتُها، ولا يحل نكاحها للمسلم.
أحكام نفيسة تتعلق بالصيد
4 - مسألة: لو توحَّل في أرضه صيد، أو عشَّش فيها طير، أو سقط فيها ثلج، لم يملك شيئًا من ذلك؛ لأنه ليس من نفس الأرض بخلاف الحشيش والماء النابع، ولكن لا يحل لأحدٍ دخولُ أرضه، لأخذ الصيد، والطير، والثلج؛ إِلا بإذنه أو علْمِه أنه لا يكره دخوله إِليها؛ فإن دخل بغير إِذنه وأخذه مَلَكه، وإِن كان عاصيًا بدخوله. ولو نصب فخًا أو أحبولةً فوقع فيها صيدٌ ملكه ناصبُه سواء كان الفخ، أو الأحبولة مُلْكًا له أو مغصوبًا؛ لكن عليه أجرة المغصوب، وكذا لو صاد بكلب مغصوب فالأصح أن الصيد -أيضًا- للصائد، ولا شيء عليه لصاحب الكلب؛ إِلا إِذا قلنا بالضعيف: أنه يجوز إِجارته فتجب أجرته، وفيه وجه ضعيف، أن الصيد لصاحب الكلب كما لو غصب عبدًا فاصطاد، فإنه لسيد العبد بلا خلاف، والله أعلم (1).
__________
(1) الأصل في الصيد قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}. سورة المائدة: الآية 2.
وهو أمر إباحة، لأنه أمر بعد التحريم إذ القاعدة الأصولية: أن الأمر بعد الحظر للإباحة. ويجوز الاصطياد بكل جارحة معلَّمَةٍ من سباع البهائم، وجوارح الطير، وشرائطُ تعليمها أربعٌ:
1 - أن تكون إذ أُرْسِلَتْ اسْتُرْسِلَتْ.
2 - وإذا زُجرتْ انزجرت.
3 - وإذا قتلت لم تأكل منه.
4 - ويتكرر ذلك منها ليغلب على الظن. فإن عدم أحد الشرائط لم تحلَّ إلا أن يُدرَك حيًا فيُذكى. =
إخصاء الحيوان
5 - مسألة: قال البَغوي وغيره: لا يحل إِخصاء الحيوان الذي لا يؤكل، وأما المأكول فيجوز إخصاؤه في صغره، ولا يجوز في كبره.
__________
= وجوارحُ السباع: كالكلب، والفهد، والنمر وغيرها ...
وجوارح الطير: كالصقر، والشاهين والباز ...
لقوله تعالىَ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}. سورة المائدة: الآية 4.
وروى مسلم: "إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ، فَاذْكِرِ اسْمَ اللهِ، فَإنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ، فَأَدرَكْتَه حَيًَا فَاذْبَحْهُ، وَإنْ أدْرَكْتَه قَدْ قُتِلَ وَلَمْ يَأكُلْ منه فَكُلْ".
ولو أراد الصائد أخذ الصيد منه فامتنع، وصار يضارب ويقاتل دونه فهو كالأكل. أما لعق الدم: فلا يضر.
ويحل ذكاة كل مسلم وكتابي، ولا يحل ذكاة مجوسي ولا وثني.
والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}. سورة المائدة: الآية 5.
فخرج غير أهل الكتاب: كمن يعبد الشمس، والقمر، والكواكب، والبقر، والدهرية، وغيرهم: كالزنادقة والدروز.
وأما اللحوم المستوردة من الخارج: فإن كانوا أهل كتاب، فجاز الأكل منها وإلا فلا.
وإن جهل الأمر، ولم تعلم طريقة الذبح، فالورعُ الترك، لأننا لا نستطيع أن نحكم بالحرمة، ولا بالحل، فأصبح الأمر مشبوهًا، وتركُ الشبهات، هو استبرآء للدين، إلا إذا علمنا علم اليقين وقامت بينة، بأن هذا المصنع ذبحُهُ غير صحيح، فالحرمة قاصرة على الناظر، والمصدق له، وإلا نكون قد أوقعنا المسلمين بالحرام وضيقنا على كثير من الفقراء.
فهذا ما تلقفناه من مشايخنا والله أعلم بذلك. اهـ. محمد.
رمي الصيد بالبندق
6 - مسألة: رمي الصيد بالبندق، هل هو حلال أم حرام؟.
الجواب: هو حلال؛ لأنه طريق إِلى اصطياده، والاصطياد مباح، وقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مغفَّل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أنَّهُ نَهَى عن الْخَذْفِ وقال: إِنَة لا يَنْكِ (1) الْعَدُوَّ، ولا يَقْتُلُ الصَّيْدَ، وَلكِنْ يَفْقَأُ الْعَيْنَ، وَيَكْسِرُ السِّنَّ". فمقتضى هذا الحديث إِباحةُ الصيد بالبندق، والله أعلم (2). وقد ذكر البخاري في صحيحه عن الحسن البصري: أنه كره رميَ البندق في القرى، ولا يرى به بأسًا فيما سواها، وإِنما نهى عنه في القرى خوفًا من أن يُصيب إِنسانًا (3) بخلاف الصحراء. والله أعلم.
* * *
__________
(1) الخذف: بسكون الذال هو رميك حصاة، أو نواة تأخذها بين سبابتيك وترمي بها. اهـ. من النهاية. نكى في العدو قتل فيهم وجرح؛ ينكي نكاية. اهـ. مختار.
(2) وقد اتفق العلماء إلا من شذ منهم على تحريم أكل ما قتله البندق والحجر وإنما كان كذلك لأنه يقتل الصيد بقوة راميه لا بحده كذا في الفتح. اهـ. أو يصاد بإرسال نحو سهم أي: من كل محدّد لا مُثَقَّل، كبندق الرصاص فلا يحل إذا أدرك فيه حياة مستقرة، وكذا لو وضع في البندق محددًا لأنه إنما ذبح بالتحامل لا بنفسه. اهـ. الشرقاوي على التحرير 2/ 459. كتبه محمد.
(3) نسخة "أ": أحدًا.
وفيه ست مسائل
1 - مسألة: ما حقيقة الحياة المستقرة التي إِذا ذُبح الْحَيَوانُ وهي فيه حَلَّ وإِلا فلا، وإِذا شكَّ في الحياة المستقرة هل يحل له أم لا؟.
الجواب: تُعْرفُ الحياةُ المستقرة بقرائنَ يُدركها الناظر ومن علامتها: الحركة الشديدة بعد قطع الحلقوم والمريء (2) وجريان الدم، فإذا حصلت قرينةٌ مع واحد منهما حلَّ الحيوان.
"والمختار" الحل بالحركة الشديدة وَحْدَها، فإذا شك في المذبوح، هل كان فيه حياة مستقرة حالَ ذبحه أم لا؟ لم يحلَّ على أصح الوجهين للشك في المبيح.
2 - مسألة: الشاة إِذا أخرج السبْعُ حشْوَتها، وأبانها عنها - وفيها بعضُ حياة- فذكيت هل تحل؟.
الجواب: لا تحل (3).
__________
(1) ويحرم ذبح الحيوان غير المأكول ولو لإراحته، ويحرم قتل الكلب غير العقور الذي لا منفعة فيه ولا ضرر. ويطلب من الذابح أن يحد شفرته، وأن يكون بحيث لا تراه الذبيحة، وأن لا يذبح واحدة والأخرى تنظر إليها. ولا يقل: باسم الله واسم محمد! فإنه يحرم مع حل الذبيحة: فإن قصد التشريك كفر وحرمت الذبيحة. اهـ. محمد.
(2) مَريءُ الجزور والشاة مجرى الطعام والشراب وهو متصل بالحلقوم. اهـ ..
(3) فلو أخذ الذابح في قطع الحلقوم وأخذ آخر في نزع حشوتها أو القطع من لحمها حرم أكله، وما قطع من حيوان حي فهو كميتته. اهـ.
- مسألة: قال أصحابنا: كل من حلت مناكحته للمسلم حلت ذبيحته، ومن لا فلا، إِلا الأمة الكتابية فتحل ذكاتُها، ولا يحل نكاحها للمسلم.
أحكام نفيسة تتعلق بالصيد
4 - مسألة: لو توحَّل في أرضه صيد، أو عشَّش فيها طير، أو سقط فيها ثلج، لم يملك شيئًا من ذلك؛ لأنه ليس من نفس الأرض بخلاف الحشيش والماء النابع، ولكن لا يحل لأحدٍ دخولُ أرضه، لأخذ الصيد، والطير، والثلج؛ إِلا بإذنه أو علْمِه أنه لا يكره دخوله إِليها؛ فإن دخل بغير إِذنه وأخذه مَلَكه، وإِن كان عاصيًا بدخوله. ولو نصب فخًا أو أحبولةً فوقع فيها صيدٌ ملكه ناصبُه سواء كان الفخ، أو الأحبولة مُلْكًا له أو مغصوبًا؛ لكن عليه أجرة المغصوب، وكذا لو صاد بكلب مغصوب فالأصح أن الصيد -أيضًا- للصائد، ولا شيء عليه لصاحب الكلب؛ إِلا إِذا قلنا بالضعيف: أنه يجوز إِجارته فتجب أجرته، وفيه وجه ضعيف، أن الصيد لصاحب الكلب كما لو غصب عبدًا فاصطاد، فإنه لسيد العبد بلا خلاف، والله أعلم (1).
__________
(1) الأصل في الصيد قوله تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}. سورة المائدة: الآية 2.
وهو أمر إباحة، لأنه أمر بعد التحريم إذ القاعدة الأصولية: أن الأمر بعد الحظر للإباحة. ويجوز الاصطياد بكل جارحة معلَّمَةٍ من سباع البهائم، وجوارح الطير، وشرائطُ تعليمها أربعٌ:
1 - أن تكون إذ أُرْسِلَتْ اسْتُرْسِلَتْ.
2 - وإذا زُجرتْ انزجرت.
3 - وإذا قتلت لم تأكل منه.
4 - ويتكرر ذلك منها ليغلب على الظن. فإن عدم أحد الشرائط لم تحلَّ إلا أن يُدرَك حيًا فيُذكى. =
إخصاء الحيوان
5 - مسألة: قال البَغوي وغيره: لا يحل إِخصاء الحيوان الذي لا يؤكل، وأما المأكول فيجوز إخصاؤه في صغره، ولا يجوز في كبره.
__________
= وجوارحُ السباع: كالكلب، والفهد، والنمر وغيرها ...
وجوارح الطير: كالصقر، والشاهين والباز ...
لقوله تعالىَ: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}. سورة المائدة: الآية 4.
وروى مسلم: "إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ، فَاذْكِرِ اسْمَ اللهِ، فَإنْ أَمْسَكَ عَلَيْكَ، فَأَدرَكْتَه حَيًَا فَاذْبَحْهُ، وَإنْ أدْرَكْتَه قَدْ قُتِلَ وَلَمْ يَأكُلْ منه فَكُلْ".
ولو أراد الصائد أخذ الصيد منه فامتنع، وصار يضارب ويقاتل دونه فهو كالأكل. أما لعق الدم: فلا يضر.
ويحل ذكاة كل مسلم وكتابي، ولا يحل ذكاة مجوسي ولا وثني.
والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}. سورة المائدة: الآية 5.
فخرج غير أهل الكتاب: كمن يعبد الشمس، والقمر، والكواكب، والبقر، والدهرية، وغيرهم: كالزنادقة والدروز.
وأما اللحوم المستوردة من الخارج: فإن كانوا أهل كتاب، فجاز الأكل منها وإلا فلا.
وإن جهل الأمر، ولم تعلم طريقة الذبح، فالورعُ الترك، لأننا لا نستطيع أن نحكم بالحرمة، ولا بالحل، فأصبح الأمر مشبوهًا، وتركُ الشبهات، هو استبرآء للدين، إلا إذا علمنا علم اليقين وقامت بينة، بأن هذا المصنع ذبحُهُ غير صحيح، فالحرمة قاصرة على الناظر، والمصدق له، وإلا نكون قد أوقعنا المسلمين بالحرام وضيقنا على كثير من الفقراء.
فهذا ما تلقفناه من مشايخنا والله أعلم بذلك. اهـ. محمد.
رمي الصيد بالبندق
6 - مسألة: رمي الصيد بالبندق، هل هو حلال أم حرام؟.
الجواب: هو حلال؛ لأنه طريق إِلى اصطياده، والاصطياد مباح، وقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن مغفَّل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أنَّهُ نَهَى عن الْخَذْفِ وقال: إِنَة لا يَنْكِ (1) الْعَدُوَّ، ولا يَقْتُلُ الصَّيْدَ، وَلكِنْ يَفْقَأُ الْعَيْنَ، وَيَكْسِرُ السِّنَّ". فمقتضى هذا الحديث إِباحةُ الصيد بالبندق، والله أعلم (2). وقد ذكر البخاري في صحيحه عن الحسن البصري: أنه كره رميَ البندق في القرى، ولا يرى به بأسًا فيما سواها، وإِنما نهى عنه في القرى خوفًا من أن يُصيب إِنسانًا (3) بخلاف الصحراء. والله أعلم.
* * *
__________
(1) الخذف: بسكون الذال هو رميك حصاة، أو نواة تأخذها بين سبابتيك وترمي بها. اهـ. من النهاية. نكى في العدو قتل فيهم وجرح؛ ينكي نكاية. اهـ. مختار.
(2) وقد اتفق العلماء إلا من شذ منهم على تحريم أكل ما قتله البندق والحجر وإنما كان كذلك لأنه يقتل الصيد بقوة راميه لا بحده كذا في الفتح. اهـ. أو يصاد بإرسال نحو سهم أي: من كل محدّد لا مُثَقَّل، كبندق الرصاص فلا يحل إذا أدرك فيه حياة مستقرة، وكذا لو وضع في البندق محددًا لأنه إنما ذبح بالتحامل لا بنفسه. اهـ. الشرقاوي على التحرير 2/ 459. كتبه محمد.
(3) نسخة "أ": أحدًا.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
كِتابُ الأطعِمة
كِتابُ الأطعِمة
وفيه سبع مسائل
لحم السنور وما يحل للمضطر، وأكل اللحم نيئًا
1 - مسألة: الأصح أن سنور البر لا يحل أكله، وكذا جلد الميتة المدبوغ، والمني. وأن المضطر لا يحل له من الميتة إِلا سد الرمق، وأنه لا يحل شرب الخمر للدواء ولا للعطش (1).
__________
(1) وقد روى البخاري في صحيحه: "إِن اللهَ تَعالى لَمْ يَجْعلْ شِفَاءَكُمْ فيما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ". وفي رواية: "لِكُلِّ دَاءٍ دوَاءٌ فَتَداوَوْا ولا تَتَداووا بِحَرام" والخمر: لا يدفع العطش؛ بل يزيده؛ نعم له أن يتجرع شيئًا قليلًا إذا غصَّ في الطعام وخاف على نفسه ولم يجد غيره. اهـ.
ويحل للمضطر في المخمصة أن يأكل من الميتة ما يسد به رمقه. مع أن نص القرآن على تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، والموقوذة، والمتردية والنطيحة، وما أكل السبع كل هذا في غير حالة الضرورة.
وأما المضطر: فيباح له الأكل لقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. سورة البقرة: الآية 173.
ثم الأكل قد يجب لدفع الهلاك.
وحد الاضطرار: بأن يخاف على نفسه من أثر الجوع عن المشي، وعن الركوب، أو ينقطع عن الرفقة، أو يضيع، ونحو ذلك.
فإذا انتهى إلى الحالة التي يباح له فيها الأكل، فماذا يأكل؟
فلا يجوز له أن يشبع بل يأخذ ما يسد به الرمق، إلا إذا كان بعيدًا عن العمران فله أن يتضلع بقدر ما يوصله إليها. =
الجواب: نعم، والله أعلم.
في تصغير اللقمة في الأكل
3 - مسألة: هل صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بتصغير اللقمة في الأكل، وتدقيق المضغ، أو يُستحب ذلك؟.
الجواب: لم يصحَّ في ذلك شيءٌ، وهو مستحب إِذا كان فيه رفق بجلسائه وقصد بذلك تعليمَهم الأدبَ، أو كان في الطعام قلةٌ وكان ضعيفًا، أو كان شبعان وعرف أنه إِذا رفع يده يرفع غيره ممن له حاجة في الأكل، أو نحوَ ذلك من المقاصد الصالحة (1).
__________
= وله أن يتزود من الميتة إن لم يرج الوصول إلى الحلال.
والاضطرار: علة لابتداء الأكل دون استدامته، وعلى هذا فليس المراد بالشبع أن يمتلىء حتى لا يبقا مساغ فإن هذا حرام بلا خلاف. اهـ. من كفاية الأخيار ببعض اختصار وتصرف 143/ 2. كتبه محمد.
(1) وبهذه المناسبة رأيت أن أذكر للقارىء بعض آداب تتعلق بالطعام ...
أقول:
1 - ومن آداب الأكل أن يبدأ بـ "بسم الله" ويجهر به ليذكر الكبير، ويعلم الصغير، ويبعد الشيطان عن مشاركته.
2 - وأن يأكل باليد اليمنى مخالفًا لأكل الشيطان، لأن الشيطان يأكل بشماله ويعطي بشماله ويأخذ بشماله.
3 - وأن يصغر اللقمة كما أشار المصنف، ويُجيد مضغها، ولا يتناول الثانية حتى يبلع اللقمة الأولى؛ فإن ذلك من العجلة المذمومة.
4 - وأن لا يذم الطعام، أو يمدحه، فإن الذم ازدراء للنعمة وكفران لها، والمدح دليل الحب له والتعلق به.
5 - وأن يأكل مما يليه إلا الفاكهة، أو عند تنوع الطعام.
6 - وأن لا يضع على الخبز إناءً أو كأسًا، إلا ما يأكله من أدم، ولا يمسح يده بالخبز.
7 - وإذا سقطت لقمة فليأخذها وليُمط الأذى عنها ويأكلها ولا يدعها للشيطان. =
الأكل والشرب قائمًا
4 - مسألة: هل يكره الأكل والشرب قائمًا، وما الجواب عن الأحاديث في ذلك؟.
الجواب: يكره الشرب قائمًا من غير حاجة، ولا يحرم.
وأما الأكل قائمًا فإن كان لحاجة فجائز، وإِن كان لغير حاجة فهو خلاف الأفضل. ولا يقال: إِنه مكروه، وثبت في صحيح البخاري من رواية ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنهم كانوا يفعلونه، وهذا مقدم على ما في صحيح مسلم عن أنس: أنه كرهه.
وأما الشرب قائمًا ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنه، وفي صحيح البخاري وغيره، أحاديثُ صحيحةٌ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله. فأحاديث النهي تدل لكراهة (1) التنزيه، وأحاديث فعله تدل (2) لعدم التحريم (3).
__________
= 8 - ولا ينفخ في الطعام الحار؛ بل يصبر حتى يسهل أكله.
9 - وأن لا يكثر الشرب أثناء الطعام إلا إذا غص، أو صدق عطشه، وهو مستحب في الطب.
10 - وأن لا يأكل وحده لأنه دليل الشره فخير الطعام ما كثرت عليه الأيدي.
11 - وأن ينوي بأكله التقوى على طاعة الله، ليثاب على ذلك، وليحذر قصد التلذذ فحسب فهو من شأن أهل الغفلة، المفتونين بشهوة البطن.
12 - وأن لا يبتدىء بالطعام ومعه من يستحق التقديم من أستاذ ووالد، أو كِبَرِ سن.
13 - وأن لا ينظر إلى أصحابه ويراقب أكلهم فيستحون بل يغض بصره عنهم.
14 - وأن يؤثر غيره بأطايب الطعام فإن ذلك داع للمحبة والألفة.
ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاب الإحياء للإمام الغزالي. اهـ. محمد.
(1) نسخة "أ": على أن الكراهة.
(2) نسخة "أ": على عدم.
(3) فقد روى أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه نَهى أنْ يَشْرَبَ الرجلُ قائمًا. قال قتادة: فقلنا لأنس: فالأكل؟ قال: ذلك أشَرُّ أوْ أخْبَثْ. رواه مسلم.
وفي رواية له: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زَجَرَ عَنِ الشُرْبِ قَائِمًا. =
حكم كرع الماء
5 - مسألة: هل يكره الكرع (1) في الماء -وهو الشرب بالفم- من غير عذر في ذلك؟.
الجواب: لا يكره. وفي صحيح البخاري فيه حديث (2).
مشاركة الشيطان الإنسان
6 - مسألة: هل يأكل الشيطان ويشرب من طعام الناس ومائهم اُم لا؟.
أجاب رضي الله عنه: نعم؛ يأكل ويشرب من طعام الناس والله أعلم "كتبته عنه" (3).
__________
= وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَشْرَبَن أحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِيء". رواه مسلم. أي: يتقيأ.
قال المصنف: بعد أن ذكر الأحاديث الواردة في المنع من الشرب قائمًا، والواردة في إجازة ذلك.
الصواب: أن النهي فيها محمول على التنزيه.
وشربه قائمًا لبيان الجواز، ومن زعم نسخًا، أو غيره؛ فإنه لا يصار إلى النسخ إلا عند تعذر إمكان الجمع مع ثبوت التاريخ.
وفعلُه - صلى الله عليه وسلم - لذلك لا يكون مكروهًا في حقه أصلًا؛ لأنه كان يفعل الشيء للبيان المرة والمرات، ويواظب على الأفضل. اهـ. من دليل الفالحين 5/ 262.
(1) يقال: كرع في الماء تناوله بفيه من موضعه من غير أن يشرب بكفيه ولا بالإناء. اهـ.
مختار.
(2) فقد روى أبو داود: في المراسيل -أيضًا- من رواية عطاء بن أبي رباح: "إذَا شَرِبْتُمْ فَاشْرَبُوا مَصًََّا".
وفي رواية أنس رضي الله عنه: "مُصُّوا الْماءَ مَصًَّا وَلَا تعبُّوه عَبًّا فإنَ الْكِبَادَ مِنَ الْعَبِّ"!!. اهـ.
(3) فقد روى جابر رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَه فَذَكَر اللهَ تعالى عِنْدَ دُخُولِهِ وعندَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ لِأصْحَابه: لا مَبيتَ وَلا عَشَاءَ. =
آداب غسل الأيدي قبل الطعام
7 - مسألة: ذكر بعض أهل الأدب: أنه يستحب في غسل الأيدي عند إِرادة أكل الطعام أن يُبدأ بغسل أيدي الشباب والصبيان، ثم الشيوخ (1)، فإذا فرغوا من الأكل يُبدأ بغسل أيدي الشيوخ. قال: ويستحب مسح اليد بالمنديل بعد فراغ الطعام، ولا يستحب ذلك قبله، فما الحكمة في ذلك على تقدير صحته؟.
الجواب: أما تقديم الشباب والصبيان قبل الطعام: فسببه أن أيديهم أقربُ إِلى الوسخ والنجاسة لتساهلهم، فكان تقديمهم أهمَّ وآكد. وربما قلَّ الماء، فبقاء أيدي الشيوخِ أقل مَفْسدةً.
وأما تقديم الشيوخ بعد الفراغ: فلكرامتهم وحرمتهم مع عدم الحاجة المذكورة أولًا.
وأما ترك المسح بالمنديل أولًا: فسببه أنه ربما كان في بعض المناديل وسخ ونحوُه مما يتقذره من يغمس يدَه معه، بخلاف ما بعد الطعام، والله أعلم.
* * *
__________
= وَإذَا دَخَلَ فَلْم يَذْكُرِ اللهَ تَعَالى عِنْدَ دُخُولِه، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ والْعَشَاءَ". رواه مسلم.
فهذا دليل على أن الشيطان يشارك الغافلين، ويكون بعيدًا عن الذاكرين.
اللهم اجعلنا ممن يذكرك فلا ينساك حتى لا يكون للشيطان علينا سبيل!!. اهـ. محمد.
(1) قال في شرح الروض: لكن المالك يبتدىء به فيما قبله، ويتأخر به فيما بعده ليدعوَ الناس إلى كرمه. اهـ.
أقول: لأن في التقديم سرعةَ المبادرة إلى تناول الطعام، وفي التأخير بطأ القيام عنه. وفي ذلك إشارة لكرم الداعي وحب أضيافه وكثرةِ الأكل من طعامه. اهـ. محمد.
وفيه سبع مسائل
لحم السنور وما يحل للمضطر، وأكل اللحم نيئًا
1 - مسألة: الأصح أن سنور البر لا يحل أكله، وكذا جلد الميتة المدبوغ، والمني. وأن المضطر لا يحل له من الميتة إِلا سد الرمق، وأنه لا يحل شرب الخمر للدواء ولا للعطش (1).
__________
(1) وقد روى البخاري في صحيحه: "إِن اللهَ تَعالى لَمْ يَجْعلْ شِفَاءَكُمْ فيما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ". وفي رواية: "لِكُلِّ دَاءٍ دوَاءٌ فَتَداوَوْا ولا تَتَداووا بِحَرام" والخمر: لا يدفع العطش؛ بل يزيده؛ نعم له أن يتجرع شيئًا قليلًا إذا غصَّ في الطعام وخاف على نفسه ولم يجد غيره. اهـ.
ويحل للمضطر في المخمصة أن يأكل من الميتة ما يسد به رمقه. مع أن نص القرآن على تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير، وما أهل لغير الله به، والموقوذة، والمتردية والنطيحة، وما أكل السبع كل هذا في غير حالة الضرورة.
وأما المضطر: فيباح له الأكل لقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. سورة البقرة: الآية 173.
ثم الأكل قد يجب لدفع الهلاك.
وحد الاضطرار: بأن يخاف على نفسه من أثر الجوع عن المشي، وعن الركوب، أو ينقطع عن الرفقة، أو يضيع، ونحو ذلك.
فإذا انتهى إلى الحالة التي يباح له فيها الأكل، فماذا يأكل؟
فلا يجوز له أن يشبع بل يأخذ ما يسد به الرمق، إلا إذا كان بعيدًا عن العمران فله أن يتضلع بقدر ما يوصله إليها. =
الجواب: نعم، والله أعلم.
في تصغير اللقمة في الأكل
3 - مسألة: هل صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بتصغير اللقمة في الأكل، وتدقيق المضغ، أو يُستحب ذلك؟.
الجواب: لم يصحَّ في ذلك شيءٌ، وهو مستحب إِذا كان فيه رفق بجلسائه وقصد بذلك تعليمَهم الأدبَ، أو كان في الطعام قلةٌ وكان ضعيفًا، أو كان شبعان وعرف أنه إِذا رفع يده يرفع غيره ممن له حاجة في الأكل، أو نحوَ ذلك من المقاصد الصالحة (1).
__________
= وله أن يتزود من الميتة إن لم يرج الوصول إلى الحلال.
والاضطرار: علة لابتداء الأكل دون استدامته، وعلى هذا فليس المراد بالشبع أن يمتلىء حتى لا يبقا مساغ فإن هذا حرام بلا خلاف. اهـ. من كفاية الأخيار ببعض اختصار وتصرف 143/ 2. كتبه محمد.
(1) وبهذه المناسبة رأيت أن أذكر للقارىء بعض آداب تتعلق بالطعام ...
أقول:
1 - ومن آداب الأكل أن يبدأ بـ "بسم الله" ويجهر به ليذكر الكبير، ويعلم الصغير، ويبعد الشيطان عن مشاركته.
2 - وأن يأكل باليد اليمنى مخالفًا لأكل الشيطان، لأن الشيطان يأكل بشماله ويعطي بشماله ويأخذ بشماله.
3 - وأن يصغر اللقمة كما أشار المصنف، ويُجيد مضغها، ولا يتناول الثانية حتى يبلع اللقمة الأولى؛ فإن ذلك من العجلة المذمومة.
4 - وأن لا يذم الطعام، أو يمدحه، فإن الذم ازدراء للنعمة وكفران لها، والمدح دليل الحب له والتعلق به.
5 - وأن يأكل مما يليه إلا الفاكهة، أو عند تنوع الطعام.
6 - وأن لا يضع على الخبز إناءً أو كأسًا، إلا ما يأكله من أدم، ولا يمسح يده بالخبز.
7 - وإذا سقطت لقمة فليأخذها وليُمط الأذى عنها ويأكلها ولا يدعها للشيطان. =
الأكل والشرب قائمًا
4 - مسألة: هل يكره الأكل والشرب قائمًا، وما الجواب عن الأحاديث في ذلك؟.
الجواب: يكره الشرب قائمًا من غير حاجة، ولا يحرم.
وأما الأكل قائمًا فإن كان لحاجة فجائز، وإِن كان لغير حاجة فهو خلاف الأفضل. ولا يقال: إِنه مكروه، وثبت في صحيح البخاري من رواية ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنهم كانوا يفعلونه، وهذا مقدم على ما في صحيح مسلم عن أنس: أنه كرهه.
وأما الشرب قائمًا ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنه، وفي صحيح البخاري وغيره، أحاديثُ صحيحةٌ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله. فأحاديث النهي تدل لكراهة (1) التنزيه، وأحاديث فعله تدل (2) لعدم التحريم (3).
__________
= 8 - ولا ينفخ في الطعام الحار؛ بل يصبر حتى يسهل أكله.
9 - وأن لا يكثر الشرب أثناء الطعام إلا إذا غص، أو صدق عطشه، وهو مستحب في الطب.
10 - وأن لا يأكل وحده لأنه دليل الشره فخير الطعام ما كثرت عليه الأيدي.
11 - وأن ينوي بأكله التقوى على طاعة الله، ليثاب على ذلك، وليحذر قصد التلذذ فحسب فهو من شأن أهل الغفلة، المفتونين بشهوة البطن.
12 - وأن لا يبتدىء بالطعام ومعه من يستحق التقديم من أستاذ ووالد، أو كِبَرِ سن.
13 - وأن لا ينظر إلى أصحابه ويراقب أكلهم فيستحون بل يغض بصره عنهم.
14 - وأن يؤثر غيره بأطايب الطعام فإن ذلك داع للمحبة والألفة.
ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاب الإحياء للإمام الغزالي. اهـ. محمد.
(1) نسخة "أ": على أن الكراهة.
(2) نسخة "أ": على عدم.
(3) فقد روى أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه نَهى أنْ يَشْرَبَ الرجلُ قائمًا. قال قتادة: فقلنا لأنس: فالأكل؟ قال: ذلك أشَرُّ أوْ أخْبَثْ. رواه مسلم.
وفي رواية له: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زَجَرَ عَنِ الشُرْبِ قَائِمًا. =
حكم كرع الماء
5 - مسألة: هل يكره الكرع (1) في الماء -وهو الشرب بالفم- من غير عذر في ذلك؟.
الجواب: لا يكره. وفي صحيح البخاري فيه حديث (2).
مشاركة الشيطان الإنسان
6 - مسألة: هل يأكل الشيطان ويشرب من طعام الناس ومائهم اُم لا؟.
أجاب رضي الله عنه: نعم؛ يأكل ويشرب من طعام الناس والله أعلم "كتبته عنه" (3).
__________
= وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَشْرَبَن أحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا، فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِيء". رواه مسلم. أي: يتقيأ.
قال المصنف: بعد أن ذكر الأحاديث الواردة في المنع من الشرب قائمًا، والواردة في إجازة ذلك.
الصواب: أن النهي فيها محمول على التنزيه.
وشربه قائمًا لبيان الجواز، ومن زعم نسخًا، أو غيره؛ فإنه لا يصار إلى النسخ إلا عند تعذر إمكان الجمع مع ثبوت التاريخ.
وفعلُه - صلى الله عليه وسلم - لذلك لا يكون مكروهًا في حقه أصلًا؛ لأنه كان يفعل الشيء للبيان المرة والمرات، ويواظب على الأفضل. اهـ. من دليل الفالحين 5/ 262.
(1) يقال: كرع في الماء تناوله بفيه من موضعه من غير أن يشرب بكفيه ولا بالإناء. اهـ.
مختار.
(2) فقد روى أبو داود: في المراسيل -أيضًا- من رواية عطاء بن أبي رباح: "إذَا شَرِبْتُمْ فَاشْرَبُوا مَصًََّا".
وفي رواية أنس رضي الله عنه: "مُصُّوا الْماءَ مَصًَّا وَلَا تعبُّوه عَبًّا فإنَ الْكِبَادَ مِنَ الْعَبِّ"!!. اهـ.
(3) فقد روى جابر رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَه فَذَكَر اللهَ تعالى عِنْدَ دُخُولِهِ وعندَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ لِأصْحَابه: لا مَبيتَ وَلا عَشَاءَ. =
آداب غسل الأيدي قبل الطعام
7 - مسألة: ذكر بعض أهل الأدب: أنه يستحب في غسل الأيدي عند إِرادة أكل الطعام أن يُبدأ بغسل أيدي الشباب والصبيان، ثم الشيوخ (1)، فإذا فرغوا من الأكل يُبدأ بغسل أيدي الشيوخ. قال: ويستحب مسح اليد بالمنديل بعد فراغ الطعام، ولا يستحب ذلك قبله، فما الحكمة في ذلك على تقدير صحته؟.
الجواب: أما تقديم الشباب والصبيان قبل الطعام: فسببه أن أيديهم أقربُ إِلى الوسخ والنجاسة لتساهلهم، فكان تقديمهم أهمَّ وآكد. وربما قلَّ الماء، فبقاء أيدي الشيوخِ أقل مَفْسدةً.
وأما تقديم الشيوخ بعد الفراغ: فلكرامتهم وحرمتهم مع عدم الحاجة المذكورة أولًا.
وأما ترك المسح بالمنديل أولًا: فسببه أنه ربما كان في بعض المناديل وسخ ونحوُه مما يتقذره من يغمس يدَه معه، بخلاف ما بعد الطعام، والله أعلم.
* * *
__________
= وَإذَا دَخَلَ فَلْم يَذْكُرِ اللهَ تَعَالى عِنْدَ دُخُولِه، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ والْعَشَاءَ". رواه مسلم.
فهذا دليل على أن الشيطان يشارك الغافلين، ويكون بعيدًا عن الذاكرين.
اللهم اجعلنا ممن يذكرك فلا ينساك حتى لا يكون للشيطان علينا سبيل!!. اهـ. محمد.
(1) قال في شرح الروض: لكن المالك يبتدىء به فيما قبله، ويتأخر به فيما بعده ليدعوَ الناس إلى كرمه. اهـ.
أقول: لأن في التقديم سرعةَ المبادرة إلى تناول الطعام، وفي التأخير بطأ القيام عنه. وفي ذلك إشارة لكرم الداعي وحب أضيافه وكثرةِ الأكل من طعامه. اهـ. محمد.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
كِتابُ البُيُوع (1)
كِتابُ البُيُوع (1)
وفيه أربع وعشرون مسألة
بيع المكره بنوعيه
1 - مسألة: بيع المكره بغير حق باطل، وبيع المكره بحق
__________
(1) جمع بيع، هو لغة: مقابلة شيء بشيء. أي على وجه المعاوضة، ليخرجَ نحوُ ابتداءِ السلام ورده. فلا تسمى مقابلة ابتداء السلام برده، ومقابلة عيادة المريض، بعيادة مريض آخر، بيعًا في اللغة -كذا قال بعضهم-. وقال بعضهم: الأولى إبقاء المعنى اللغوي على إطلاقه.
وشرعًا: مقابلة مال بمال على وجه مخصوص، أو هو عقد معاوضة محضة يقتضي ملك عين أو منفعة على الدوام. لا على وجه القربة.
والأصل فيه قبل الإجماع آيات كقوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} "سورة البقرة: الآية 275".
وأخبار -كخبر-: سُئلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّ الْكسْبِ أَطْيَبُ؟ فقال: "عَمَلُ الرجُلِ بيَدِه، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ". أي لا غش فيه ولا خيانة.
وأركانه ثلاثة: عاقد، ومعقود عليه، وصيغة.
1 - الأول: البائع والمشتري.
2 - الثاني: الثمن والمثمن.
3 - الثالث: الإيجاب والقبول.
صحيح (1) وبيع المصادَر (2) فيه وجهان: أصحهما صحيح؛ لأنه لم يكره على بيع هذا المال، والله أعلم.
2 - مسألة: يصح بيع الهرة والقرد؛ لأنهما طاهران منتَفعٌ بهما جامعان شروطَ المبيع (3)، وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه: "نهى عن بيع الهرِّ" وله تأويلان:
1 - أحدهما: أنه نهيُ تنزيهٍ لتسامح الناس بذلك، ويهَبُه بعضهم لبعض كما هو الغالب.
2 - والثاني: أنه محمول على هرٍ وحشي؛ لأنه لا يستأنس فينتفع به، ولا يحل أكله على الصحيح، والله أعلم.
بيع الفقاع والصبي والسفيه
3 - مسألة: يصح بيعُ الفُقَّاع (4) -وإن كان غائبًا- ولا يجيء فيه الخلاف في بيع الغائب؛ لأنه مستور بما فيه صلاحه، وشربه حلال، ولا كراهةَ فيه.
__________
(1) ولا ينعقد من مكره بغير حق ما لم ينوه؛ فإن نواه وقت الإكراه صح.
أما إن كان بحق كان يتوجه عليه بيع ماله لوفاء دينه، أو شراء عين لزمته بعقد سلم فأكرهه الحاكم عليه، فيصح بيعه وشراؤه. اهـ. محمد.
(2) صادره على كذا: طالبه به ملحفًا، أي: كالمحجور على دين، له الوفاء بأي وجه كان.
(3) نسخة "أ": البيع.
(4) ويتسامح في فقاع الكوز فلا يشترط رؤية شيء منه؛ لأن بقاءه فيه من مصلحته؛ ولأنه تشق رؤيته، ولأنه قدر يسير يتسامح به في العادة، وليس فيه غرر يفوت به قدر معتبر.
وقال العبادي: يفتح رأس الكوز فينظر منه بقدر الإمكان. اهـ. روض 2/ 11.
وقد يغتفر الجهل للمسامحة كما في بيع الفقاع وكتب الرشيدي: قال في القاموس: الفقاع كرمان هذا الذي يشرب، سمي به لما يرتفع في رأسه من الزبد انتهى. وهو ما يتخذ من الزبيب. اهـ. نهاية 3/ 391.
4 - مسألة: إِذا أسلم الصبي درهمًا إِلى صَيْرفي ليَنْقدَه (1)، أو متاعًا لينظره له ويعرفَ قيمته، أو نحوَ ذلك، هل يحل له رده إِلى الصبي؟ وما حكُم شراءِ الصبي والسفيه؟.
الجواب: لا يحل له رده إِليه؛ بل يلزمه رده إِلى وليه، ويلزم الوليَّ طلبهُ، فلو تلِف في يد القابض بتفريط، أو بغير تفريط، لزمه ضمانه. وهكذا لو اشترى الصبي شيئًا وسلَّم ثمنَه لم يصح شراؤه، ويلزم البائعَ ردُّ الثمن إِلى ولي الصبي، ولا يجوز له تسليمه إِلى الصبي، فإن تلِف الثمنُ في يد البائع، أو ردَّه إِلى الصبي فتلف في يده قبل أن يوصله إِلى الولي بإتلاف الصبي، أو بإتلاف غيره لزم البائع ضمانه (2).
__________
(1) نقده الدراهم ونقد له الدراهم: أي أعطاه إياها فانتقدها أي قبضها، ونقد الدراهم وانتقدها أخرج منها الزيف. وبابهما نصر. اهـ. مختار.
(2) قال ابن عابدين 4/ 145 في حاشيته:
(كما بطل بيع صبي لا يعقل ومجنون).
قُيِّدَ به لأن الصبي العاقل إذا باع، أو اشترى، انعقد بيعه وشراؤه، موقوفًا على إجازة وليه إن كان لنفسه، ونافذًا بلا عهدة عليه، إن كان لغيره بطريق الولاية.
وهذا إذا باع الصبي العاقل مالَه، أو اشترى بدون غبنٍ فاحشٍ، وإلا لم يتوقف؛ لأنه حينئذٍ لا يصح من وليه عليه، فلا يصح منه بالأولى. اهـ. باختصار.
وقالت الشافعية: فلا يصح عقد صبي، ومجنون، ومن حُجر عليه بسفه.
ومما عمت به البلوى بعثان الصغار لشراء الحوائج، واطردت فيه العادة في سائر البلاد، وقد تدعو الضررة إلى ذلك ...
فينبغي إلحاق ذلك بالمعاطاة إذا كان الحكم دائرًا مع العرف .. مع أن المعتبر في ذلك التراضي.
وقد كانت المغيبَات يبعثن الجواري والغلمان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لشراء الحوائج فلا يُنكره وكذا في زمن غيره من السلف والخلف.
أقول: هذا في الأمور التافهة: كخبز ولحم وأدم وغير ذلك، أما في الأمور التي لها قيمة وثمن لا بدَّ لها من عقد صحيح مع رشد وبلوغ في البائع والمشتري. اهـ.
وأما العين التي اشتراها، فإن أوصلها (1) إلى البائع، فإن تلفت في يد الصبي، أو أتلفها الصبي فلا ضمان على الصبي، لا في الحال، ولا بعد بلوغه؛ لأن البائع مفرِّط بتسليمه (2) إليه، ومسلِّط له على الإِتلاف، هذا إذا كان البائع رشيدًا، فإن اشترى الصبي من صبي، أو من سفيه وتقابضا، فإن أتلف كل واحدٍ منهما ما قبضه نُظر، إن جرى ذلك بإذن الوليين فالضمان على الوليين، وإلا فلا ضمان عليهما. ويجب الضمان في مال الصبيين؛ لأن تسليمَهما لا يعد تضييعًا وتسليطًا، بخلاف الرشيد.
وأما البالغ المحجور عليه بالسفه فهو كالصبي في كل ما ذكرناه.
ولو تزوج هذا السفيه بغير إِذن الولي، ووطىء فالنكاح فاسد، ولا يلزمه مهر، لا في الحال، ولا بعد فك الحجر عنه، هذا إِذا كانت الزوجة رشيدةً؛ لأنها سلَّطته على إِتلاف بُضعها (3) كما ذكرناه في البائع، وإن كانت صبيَّة محجورًا عليها بالسفه وجب مهر المثل في مال الواطىء؛ لأنه لا يصح بذلُها وتسليطها كما قلنا في الصبي البائع، والله أعلم.
5 - مسألة: بيع الفقاع حرام أو مكروه؟.
الجواب: هو حلال لا كراهة فيه (4).
__________
(1) نسخة "أ": فإن أوصلها الولي لزمه إلى البائع.
(2) نسخة "أ": بتسليمها.
(3) البضعة: بالفتح القطعة من اللحم والجمع البضع، مثل تمرة وتمر. اهـ. مختار.
وفي الحديث: "فاطمة بضعة مني". "وبُضع" بضم الباء. ففيه تُستأمر المرأة في إبضاعهن، يقال: أَبْضَعْتُ الْمَرأَةَ إبْضَاعًَا إذا زَوَّجْتُها.
والاستبضاع نوع من نكاح الجاهلية، وهو استفعال من البضع وهو الجماع وذلك أن تطلب المرأة جماع الرجل لتنال منه الولد فقط.
(4) وقد تقدم قريبًا في هذا الباب عند المسألة الثالثة، الحديث عن الفقاع ومعناه اللغوي والاصطلاحي.
- مسألة: إِذا كان له عبد، فباع السيد العبدَ نفْسه هل يصح؟ ولمن يكون الولاء؟.
الجواب: يصح البيع وَيعْتِق العبدُ بذلك، ويثبت عليه الوَلاء للبائع (1).
7 - مسألة: هل يجوز بيع الترياقِ، وشراباتِ الحيَّات أم لا؟ ولو اصطاد الحَوَّاء (2) حيةً، وحبسها معه على عادتهم، فلسعته ومات، هل يأثم؟ وإِن انفلتت وأتلفت شيئًا هل يضمن؟.
الجواب: إِن كان الترياق والشرابات طاهرين جاز بيعهما وإِلا فلا.
__________
(1) الولاء: بالمد وفتح الواو، وهو: مشتق من الموالاة، وهي المعاونة، فكأن العبد أحدُ أقارب المعْتِق.
وهو في الشرع: عصوبة متراخية من عصوبة النسب تقتضي للمعتق الإرثَ والعقلَ، وولاية أمر النكاح، والصلاة عليه، وعصبته الذكور من بعده.
والولاء: من حقوق العتق، وحكمِّه: حكمه التعصيب عند عدمه، وينتقل من المعْتِق إلى الذكور من عصبته كما مر.
والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: "الولاء لمن أعتق". رواه الشيخان.
وفي رواية: "الولاء لمن وُلِّيَ النعمة".
وقوله عليه الصلاة والسلام: "الولاء لحمة كَلُحْمَةِ النسب لا يباع ولا يوهب، ولا يورث".
ولا يرث النساء بالولاء إلا من أعتقن لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما الوَلَاءُ لِمَنْ أَعتَقَ" او أَعتَقَنَ مَنْ أَعْتَقَنَ. فإن ماتت المرأة المعتقة، انتقل حقها من الولاء إلى أقرب الناس إليها من العصبات. اهـ. باختصار.
انظر كفاية الأخيار 2/ 177. كتبه محمد.
(2) من صيغ النسب: فعّال في الحِرَف كحَداد وبقّال، ومنه الحَواء جامع الحَيَّات. اهـ.
وإِن اصطاد الحيةَ ليرغب (1) الناس في اعتماد معرفته، وهو حاذق في صنعته، ويسلم منها في ظنه، ولسعته لم يأثم، وإِذا انفلتت وأتلفت لم يضمن.
8 - مسألة: هل يجوز بيع الأرْزِ في قشره والسلَم فيه كذلك؟ وهل فيه خلاف؟.
الجواب: الصحيح جوازهما (2).
__________
(1) نسخة "أ": ليرعب.
(2) قال في كفاية الأخيار 1/ 153: ولا يجوز بيع الغرر. والأصل في ذلك أنه عليه الصلاة والسلام: "نهى عن بيع الغرر". رواه مسلم.
والغرر: ما انطوى عنا عاقبته.
ثم الغرر تحته صور لا تكاد تنحصر: فنذكر نبذة منها لتعرف بها غيرها.
فمن ذلك:
1 - بيع البعير الناد.
2 - وكذا الجاموس المتوحش.
3 - والعبد المنقطع الخبر.
4 - والسمك في الماء الكثير.
5 - وكبيع الثمرة التي لم تخلق.
6 - والزرع في سنبله.
7 - وكذا بيع اللحم قبل سلخ الجلد.
8 - وكذا بيع القطن في جوزه باطل وإن كان بعد التشقق في جوزه وإن كان على الأرض.
أقول: هذا هو المذهب المختار الذي عليه الفتوى وينزل الحديث عليه، لأن الغرر ظاهر، والجهالة في المبيع أشد ظهورًا.
ولكن نقل السبكي عن صاحب التتمة، وأقره أنه لو باع القطن بعد تشققه صح وهو ما يقتضيه ما نقله في الروضة في بيع أصول القطن عن صاحب التهذيب، وإن لم يكن =
- مسألة: إِذا خلط الزيت بالشَّيرَج، أو دقيقُ حِنطةٍ بدقيق شعير، أو سمن البقر بسمن الغنم، ونحو ذلك، وباعه على أنه من النوع الجيد أو الرديء هل يحرم؟.
الجواب: يحرم كل ما كان غشًا من ذلك وغيره (1).
قول الغزالي في الفتاوى
10 - مسألة: لو باع شيئًا ومات البائع، فظهر أن المبيع كان مِلْكًا لابن الميت، فقال المشتري: باعها عليك أبوك في صغرك للحاجة، وصدقه الابن أن الأب باعها في صغره أو قامت بينة بذلك، لكن قال الابن: باعها لنفسه متعديًا ولم يبعْها لحاجتي.
قال الغزالي في الفتاوى: القول قول المشتري بيمينه (2)، لأن الأب نائب الشرع فلا يُتَّهم إِلا بحجة، كما لو قال المشتري: اشتريت
__________
= تشقق وإن انعقد القطن فباعه على شرط التبقية لم يصح، فإن انعقد القطن ولم يتشقق فحكمه حكم الحنطة في السنبل والله أعلم.
أقول: والسلم: عقد غرر جوز للحاجة، وهو: أدق غررًا من البيع فينبغي الرجوع به إلى أهل العلم والفقه.
وأحكام السلم ستأتي معك إن شاء الله مفصلة وموضحة فترقبها ومع ذلك لا بد من الرجوع إلى أهل العلم لأنها دقيقة ما ذكرت لك. كتبه محمد.
(1) روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَرَّ علَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأدْخَلَ يَدَهُ فيها فَنَالَتْ أصَابعُه بللًا فقال: ما هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعامِ؟ قال: أصَابَتْهُ السَّماءُ يا رَسُولَ اللهِ. قال: أَفَلَا جَعَلْتَه فَوْقَ الطعَامِ حَتَى يَراهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَنَا فَلَيْسَ مِنّا".
فالنصح في المعاملة وإظهار العيب في المبيع من صفات المؤمنين. وستر العيب وإخفاؤه حرام قد حرمه الإسلام ولم يُقرَّ في دين من الأديان. اهـ. محمد.
(2) نسخة "أ": مع يمينه.
من وكيلك. فقال: هو وكيلي؛ ولكن باع لنفسه، فالقول قول المشتري بيمينه، والله أعلم (1).
جهالة البائع في ملكه المبيع
11 - مسألة: رجل خلف دارًا وله ابن بالغ رشيد وأولاد صغار، فأذن الحاكم للبالغ في بيع نصيب إِخوته، فباع نصيبه ونصيبهم، ثم ثبت بينة: أن الدار كانت مِلكًا للبائع البالغ بكمالها، لا حقَّ لِإخوته الصغار فيها، وإن جده كان ملَّكها له وقَبِلها له أبوه في حال صغر البائع، وخفي ذلك التمليك على البائع، فهل يصح البيع في جميع الدار أو في بعضها؟.
الجواب: يصح بيعه في جميع الدار -والحالة هذه-؛ لأنه صادف ملكَه ولا تضر جهالته بكونها مِلكَه: كمن باع مال مورثه (2) يظن
__________
(1) أقول: تجوز الوكالة بالبيع مطلقًا، وكذا الشراء فليس للوكيل بالبغ مطلقًا أن يبيع بدون ثمن المثل، ولا بغير نقدٍ حال، ولا بغبن فاحش، ولا يجوز أن يبيع لنفسه، وكذا ليس له أن يبيع لولده الصغير، لأن العرف يقتضي ذلك.
ولو باع لأبيه أو ابنه البالغ فهل يجوز وجهان:
أحدهما: لا، خشية الميل.
والأصح: الصحة، لأنه لا يبيع منهما إلا بالثمن الذي لو باعه لأجنبي لصح فلا محذور.
قال ابن الرفعة: ومحل المنع في بيعه لنفسه فيما إذا لم ينص على ذلك أما إذا نص له على البيع من نفسه، وقَدر الثمن، ونهاه عن الزيادة فإنه يصح البيع.
واتحاد الموجب والقابل إنما يمنع لأجل التهمة، بدليل الجواز في حق الأب والجد. اهـ. باختصار من كفاية الأخيار 1/ 177.
فالمصنف رحمه الله تعالى لم يتعرض في كتابه للوكالة فذكرت للقارىء موجزها ليطمح إلى مفصلها.
(2) نسخة "أ": وهو يظن.
حياته فبان ميتًا، وأنه انتقل إِليه، فإنه يصح بيعه على الأصح عند أصحابنا، وكذا (1) يصح على الأصح في الجميع، والله أعلم (2).
12 - مسألة: باع دارًا فظهر أن رُبُعَها كان مستحقًا لغير البائع؟.
__________
(1) نسخة "أ": وكذا هذا.
(2) وشُرِطَ في معقود عليه خمسةٌ:
الأول: ملك للعاقد.
الثاني: طهره.
الثالث: رؤيته.
الرابع: القدرة على تسليمه.
الخامس: أن يكون منتفعًا به شرعًا ولو في المآل.
ثم تحدث على الشرط الأول من شروط الصحة الذي سئل الإمام النووي رحمه الله تعالى عنه فقال: فمن شروط صحة المعقود عليه بأن لم يكن ربويًا ملك للعاقد بأن يكون له السلطنة التامة على المعقود عليه: بملك أو وكالة، أو ولاية. فلا يصح بيعُ فضولي -هو من ليس مالكًا، ولا وليًا- وإنما لم يصح. لحديث: "لا بيع إلا فيما يملك". رواه أبو داود وغيره.
وعدم صحة البيع هو القول الجديد، والقول القديم يقول: أنه يوقف، فإن أجاز مالكه نفذ وإلا فلا.
ومثل البيع سائر تصرفاته القابلة للنيابة، كما لو زوج أمةَ غيره، أو ابنته، أو أعتق عبدَه، أو آجره ونحو ذلك، كل هذا دخل تحت قول الشارح: فلا يصح بيع فضولي.
وقال صاحب الحاشية: -ولو قال الشارح- ولا يصح تصرف فضولي لشمل ذلك كلِّه. ثم قال: ويصح بيع مال غيره ظاهرًا، إن بان بعد البيع أنه له؛ بل المدار على كونه له عليه ولاية؛ كان باع مال مورثه ظانًا حياته فبان ميتًا حينئذٍ لتبين أنه ملكه، ولا أثر لظن خطأٍ بان صحتُه لأن الاعتبار في العقود بما في نفس الأمر لا بما في ظن المكلف.
وهذه قاعدة فقهية تشمل جميع المعاملات في العقود، فقد يظن المكلف أمرًا والواقع خلافه، ويعتقد شيئًا والحقيقة تناقضه فنرجع لهذه القاعدة. اهـ. بتصرف من إعانة الطالبين 3/ 8.
الجواب: يصح في ثلاثة أرباعها بثلاثة أرباع الثمن (1).
ثواب الغراس ولمن يكون ومتى ينتهي؟
13 - مسألة: فيمن غرس غرسًا فمات وصار لورثته فلمن ثوابه؟.
وما أخذ من ثمر هذا الغِراس ظلمًا في حياة الغارس هل الأفضل له إِبراء الآخذ أم تركه في ذمته؟.
وإِذا لم يُبرئْه وارثه، ولم يستوفِ ويبقى في ذمة الآخذ إِلى يوم القيامة فهل يطالبه يوم القيامة بذلك الغارسُ أم الوارث؟.
الجواب: للغارس ثوابٌ مستمر من حين غَرَسَ إِلى فَناء المغروس، وللوارث ثواب ما أكل من ثمره في مدة استحقاقه من غير معارضة.
وما أخذ من ثمره، فإِبراؤه عنه أفضل من تركه في الذمة وإِذا لم يبرىء فلكل واحد من الميت والوارث ثوابُ كل ما أُخِذَ حتى مطل الآخذ في مدة استحقاقه. وأما المطالبة بأصل المأخوذ يومَ القيامة فللمغصوب منه أولًا على الأصح، وقيل: للوارث الأخير من المتوارثين بطنًا بعد بطن، ولا يختص هذا بالغراس، بل كل دَيْنٍ تعذر أخذُه فهذا حكمه، والله أعلم.
ومما يستدل به لأصل هذه المسألة من السنة حديثُ جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
__________
(1) كذلك نعود للقاعدة السابقة التي ذكرناها لأنه باعها كلها ظانًا أنها ملك له فبان أن ربعها لغيره، فالعبرة بما في نفس الأمر، فننجز البيع في ثلاثة أرباعها. ونوقفه فيما تبقى. اهـ. محمد.
"مَا من مُسْلمٍ يَغْرسُ غَرْسًا إِلا كانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقةٌ ومَا سُرِقَ مِنْهُ لهُ صَدَقةٌ". رواه مسلم.
وفي رواية لمسلم: "فَلا يَغْرِسُ المُسلمُ غَرسًا فَيأكلَ منه إِنسَانٌ، ولا طَيرٌ، وَلا دَابَّةٌ إِلا كانَ لهُ صَدَقةٌ إِلى يَوْمِ القيامَة". وفي رواية لمسلم أيضًا: "فَلا يَغْرِسُ مُسْلم غَرْسًا، وَلا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيأكُلُ مِنْهُ إِنْسانٌ وَلا شَيء إِلا كانت له صَدَقةٌ". رواه البخاري ومسلم جميعًا من رواية أنس رضي الله تعالى عنه.
14 - مسألة: باع شجرة معينة من بستانه لِإنسان، فيبست تلك الشجرة، أو قلعها هو أو غيرُه هل للمشتري أن يغرس موضعها غيرَها؟.
الجواب: ليس له ذلك، ولا يدخل الغرس في البيع، هذا هو الأصح في مذهب الشافعي رحمه الله تعالى والله أعلم.
15 - مسألة: رجل باِعَ مقثأة، وأخذ المشتري جميع القُثَّاء في مدته، وفرغت ولم يبقَ فيها قُثَّاءُ، ولا يخرج منها شيء وتنازع البائع والمشتري في أصول القثاءِ، فطلب كل واحد منهما أن ترعاها دوابه فلمن تكون؟.
الجواب (1): هي للبائع، وكذا أفتى الجماعة، والله أعلم.
* * *
__________
(1) لقد أحببت أن أضيف هذه المسألة لهذا الباب لكثرة وقوعها وعموم البلوى فيها.
وهي:
مسألة الاستجرار
لقد ذكر العلامة ابن عابدين رحمه الله في حاشيته 4/ 16.
فقال: ما يستجره الإنسان من البياع، إذا حاسبه على أثمانه بعد استهلاكه جاز استحسانًا. اهـ. وهذه رخصة عظيمة -والحمد لله- وإلا وقعنا في حرج.
الخيار (1)
16 - مسألة: رجل اشترى بستانًا في قرية فألزمه المتولي أن يصير فلاحًا بسبب البستان، هل له الخيار في فسخ البيع؟.
الجواب: إِن كان ذلك البستان معروفًا بمثل ذلك فله الخيار، وإِلَّا فلا.
وقد ذكر الغزالي والأصحاب: أنه لو اشترى دارًا فكانت معروفةً
__________
(1) الأصل في البيع اللزوم إلا أن الشارع أثبت فيه الخيار، وهو: طلب خير الأمرين: من إمضاء البيع، أو فسخه رفقًا بالمتعاقدين. والدليل عليه: قوله عليه الصلاة والسلام: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا".
وهو ثلاثة أقسام:
1 - الأول: خيار المجلس وهو ثابت في كل بيع ويسقط باختيار لزومه من كل منهما، أو من أحدهما كأن يقول: ألزمت البيع أي: جعلته لازمًا، وبفرقة بدنٍ عرفًا وطوعًا، ولو ناسيًا أو جاهلًا.
2 - والثاني: خيار الشرط، ويثبت في كل ما فيه خيار المجلس؛ إلا ما شرط فيه القبض، وهو الربوي، والسلم، وما يسرع إليه الفساد. وأكثرُ مدته ثلاثة أيام من حين الشرط فإن زاد عليه في عقد واحد لم يصح العقد.
3 - والثالث: خيار العيب، ويثبت بظهور عيب قديم تنقص به القيمة، أو العين نقصًا يفوت به غرض صحيح، وغلب في جنس المبيع عدمه: كاستحاضة، وسرقة، وزنا، وبول بفراش، وجماح دابة، ويثبت فور إعادة. فيبطل بالتأخير بلا عذر. ويعذر في التأخير بجهل جواز الرد بالعيب إن قرب عهده بالإسلام، أو نشأ بعيدًا عن العلماء. اهـ. من تنوير القلوب باختصار.
بنزول الجند فله الخيار؟ لأن الخيار يثبت بكل ما نقص العين، أو القيمة، أو الرغبة.
17 - مسألة: إِذا اشترى شيئًا، ورأى فيه عيبًا، ورضي به، ثم قال: هذا العيب إنما رضيت به، لأني أعتقد به العيبَ الفلانيَّ وقد بان خلافهُ هل له الرد بالعيب؟.
الجواب: إِن أمكن اشتباه ذلك العيب بما ادعاه وكان العيب الذي بان دونَ ما رضي به أو مثلَه فلا رد، وإِن كان أعظم منه ضررًا فله رده.
18 - مسألة: لو اشترى شيئًا، رأى فيه شيئًا، ثم بعد ذلك ظهر أن ذلك الشيء كان عيبًا فقال المشتري: أنا ظننت أنه أثر ليس بعيب؟.
الجواب: إِن كان ذلك مما قد يخفى على مثله صدق المشتري بيمينه.
19 - مسألة: لو اشترى عبدًا فوجده غير مختونٍ، أو أمةً فوجدها غير مختونة؟.
الجواب: قال أصحابنا: لا خيارَ له في الأمة، ولا في العبد إن كان صغيرًا، فإن كان كبيرًا يُخاف عليه من الختان كان عيبًا على الصحيح وله الرد (1).
__________
(1) أحكام عامة قريبة من هذا:
* ثبت خيار الشرط بالسنة والإجماع، بشرط ألا يزيد على ثلاثة أيام. فإن زاد بطل البيع.
روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رجلًا يشكو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يزال يُغبن في البيع، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا بايعت فقل: لا خِلابةَ، ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليالٍ". =
الاحتكار
20 - مسألة: هل يدخل الاحتكار في الصوف، والمزروع، والمعدود، ونحوها؟.
أجاب رضي الله عنه: لا يدخل ذلك في الاحتكار، والله أعلم.
__________
= * ولو شُرِطَ الخيارُ لأحدهما صح، وكذا الأجنبي في أظهر القولين، لأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك، لكونه أعرف بالمعقود عليه.
* واذا خرج بالمبيع عيب فللمشتري رده، إذا ظهر بالمبيع عيب قديم جاز له الرد سواء كان العيب موجودًا وقت العقد، أو حدث بعد العقد وقبل القبض.
أما جواز الرد له بالعيب الموجود وقتَ العقد فبالإجماع.
روت عائشة رضي الله تعالى عنها، أن رجلًا ابتاع غلامًا فأقام عنده ما شاء الله ثم وجد به عيبًا فخاصمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فرده عليه.
* لو باع شخص عينًا، وشرط البراءة من العيوب، ففيه خلاف: الصحيح: أنه يبرأ من كل عيب باطن في الحيوان، لم يعلم به البائع دون غيره لأن ابن عمر رضي الله عنهما باع غلامًا بثمانمائة، وباعه بالبراءة فقال المشتري لابن عمر: بالعبد داء لم تسمّه لي، فاختصما إلى عثمان رضي الله تعالى عنه، فقضى عثمان على ابن عمر أنه يحلف، لقد باعه العبدَ وما به دآءٌ يعلمه، فأبى عبد الله أن يحلف، وارتجع العبدَ فباعه بألف وخمسمائة، فدل قضاء عثمان أنه يبرأ من عيب الحيوان الذي لم يعلم به.
والفرق بين الحيوان وغيره ما قاله الشافعي: أن الحيوان يأكل في حالتي صحته وسقمه، وتتبدل أحواله سريعًا، فقل أن ينفك عن عيب خفي أو ظاهر، فيحتاج البائع إلى هذا الشرط ليثق بلزوم العقد.
والفرق بين الظاهر، والباطن، أن الظاهر يسهل الاطلاع عليه، وُيعلم في الغالب، فأعطيناه حكم المعلوم، وإن كان قد يخفى على ندور، فيرجع الأمر إلى أنه لا يبرأ عن غير الباطن في الحيوان، ولا عن غيره من غير الحيوان مطلقًا؛ سواء كان ظاهرًا أو باطنًا. سواء في ذلك الثياب والعقار ونحوهما. اهـ. باختصار 1/ 155. من كتاب كفاية الأخيار. كتبه محمد.
فأبعدني الله من الأشرار، وألحقني بالأخيار.
- مسألة: إِذا دخل عليه غلة من ملكه فتربص بها الغلاء للمسلمين وامتنع من بيعها وقتَ الرخص هل يكون ذلك احتكارًا ويفسق بفعله ذلك وهل حرام؟.
أجاب رضي الله عنه: ليس هذا باحتكار ولا يحرم ولا يفسق به، وإِنما الاحتكار أن يشتريَ القوت في وقت الغلاء، وَيمتنعَ من بيعه في الحال لانتظار زيادة الغلاء، وإذا اشترى في وقت الرخاء وانتظر به الغلاء لا يكون ذلك احتكارًا، ولا يفسق به -أيضًا- ولا تُرد شهادتُه والله أعلم.
"كتبته عنه" (1).
__________
(1) وقد جاءت الآثار النبوية محرمة الاحتكار تحريمًا شديدًا ومهددة كل من احتكر بالدمار والهلاك.
فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِىءَ اللهُ مِنْهُ".
وفي رواية لمسلم: "مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا فَهُوَ خَاطِىءٌ".
وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ والْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ". رواه ابن ماجه والحاكم.
وعن معاذ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بِئسَ الْعَبْدُ الْمُحْتَكِرُ، إِنْ أرْخَصَ اللهُ الأسْعَارَ حَزِنَ، وَإِنْ أغْلَاها فَرِحَ".
وفي رواية: "إِنْ سَمِعَ بِرُخْصٍ سَاءَهُ، وَإِنْ سَمِعَ بِغَلاءٍ فَرِحَ". ذكره زيد في جامعه.
وقال الإمام الغزالي: فبائع الطعام يدخر الطعام ينتظر به غلاء الأسعار.
والاحتكار ظلم وصاحبه مذموم في الشرع، واعلم أن النهي مطلق ويتعلق النظر به في الوقت والجنس: أما الجنس فيطرد النهي في أجناس الأقوات، أما ما ليس بقوت، ولا هو معين على القوت كالأدوية والعقاقير والزعفران وأمثاله فلا يتعدى النهي إليه وإن كان مطعومًا، وأما ما يعين على القوت كاللحم والفواكه فهذا في محل نظر.
وأما الوقت فيحتمل طرد النهي في جميع الأوقات، ويحتمل أن يخصص بوقت قلة الأطعمة وحاجة الناس إليه حتى يكون في تأخير بيعه ضرر ما. اهـ. كتبه محمد.
السلم (1): صيغته، شروطه، حكمه
22 - مسألة: ما الصيغة التي يذكرها من أسلم في حنطة أو شعير أو نحوهما؟.
__________
(1) السلم جائز: في المكيلات، والموزونات، والمعدودات التي لا تتفاوت، وفي المزروعات، ولا يجوز في الحيوان، ولا في أطرافه.
ولو انقطع بعد الاستحقاق خُيّرَ ربُّ السلم بين انتظار وجوده والفسخ.
وهو بيع شيء موصوف في الذمة بلفظ السلم أو السلف ولا يصح السلم إلا بشروط:
1 - جنسٍ معلوم.
2 - نوعٍ معلوم.
3 - وصيغةٍ معلومة.
4 - ومقدارٍ معلوم.
5 - وأجلٍ معلوم.
6 - وتسمية المكان إن كان لحمله مؤنة.
7 - وقبض رأس المال في مجلس العقد.
والدليل عليه الإجماع وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} سورة البقرة: الآية 282.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في السلم.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "مَنْ أسْلَفَ في شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلى أجَلٍ مَعْلُومٍ". رواه الشيخان.
فالسلم من البيوع المأذون بها ولكن له شروطًا متى اختل شرط منها بطل العقد، وذلك لأنه ورد على خلاف القياس المعهود في البيوع، فيراعى فيه ما امتاز به من بين بقية البيوع.
ولما كان هذا البيع من البيوع الدقيقة مع احتياج الناس إليه، وإقدام كثير من الجهلة عليه بدون علم. وقد نهى سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الإنسان ما ليس عنده ورخص في السَلَم.
أحببت أن أذكر موجز الشروط: لتكون على بينة من أمر دينك فأقول:
أولًا: يشترط لصحة عقد السلم، بيان جنس المبيع كحنطة مثلًا، وبيان نوعه كشرقية، وبيان صفته كجيدة، وبيان مقداره بالموازين المختلفة باختلاف الأزمان، وبيان مقدار رأس المال.
ثانيًا: يشترط بيان التسليم من حيث اليوم، والأسبوع، والشهر، والسنة، وأقل أجل في السلم شهر.
ثالثًا: يشترط بيانُ مكان التسليم، إن كان المبيع مما يُحمل حتى لا يقع تنازعٌ بينهما.
رابعًا: ويشترط أن يكون جنس المبيع موجودًا في الأسواق بنوعه، وصفته، من وقت العقد إلى وقت التسليم.
خامسًا: ويشترط ألا يذكر في العقد تعيين الجهة بأن يكون القمح من قرية كذا أو كذا، لأنها قد تصاب بآفة فلا تثمر شيئًا.
سادسًا: تسليم رأس المال في مجلس العقد، فلو سلم البعض وأخر البعض فسد العقد.
سابعًا: ويشترط في السلم أن يكون منضبطًا مقدارُه، ومع ذلك ينبغي لمن أراد هذا البيع أن يسأل أهل الذكر والفقه. فكثير من عقود السلم في مثل هذا الزمن الذي =
الجواب: مثاله أن يقول: أسلمت الدراهمَ في غرارة (1) قمح من الجولان (2) الجيد الجديد الأصفر لتسلمها إِليَّ في الموضع الفلاني ويجوز أن يقول أسلفتك بدل أسلمت إِليك.
23 - مسألة: رجل أقرَّ أنَّ في ذمته شرباتٍ معدودةٍ من هذا المسمى استادرود (3)؟.
الجواب: لا يصح الِإقرار لأن هذين الجنسين لا يتصور ثبوتُه في الذمة (4)، لأنه إِن أتلفه على غيره فالواجب قيمته لا مثله؛ لأنه ليس مثليًا وإِن أسلم فيه لم يصح السلم لعلتين:
1 - إحداهما: كونه مختَلف الأعلى والأسفل.
2 - والثاني: كونه يجمع جنسين مختلفين فإنه مركب من نحاس ورصاص، والله أعلم.
24 - مسألة: إِذا كان له دين على غيره: قرضٌ أو غيره فأهدى الذي عليه الدين هديةً إِلى صاحب الدين جاز له قبولُها ولا كراهة في ذلك: سواء أكان دين قرض أو غيره. هذا مذهبنا، ومذهبُ ابنِ عباس -رضي الله تعالى عنهما- وآخرين (5).
* * *
__________
= ارتفع فيه العلم، واستحكم الجهل، فلا تجتمع فيها الشروط فهي باطلة غير صحيحة.
فحذارِ ثم حذارِ من المغامرة وعدم التثبت في أمر السَلم. اهـ. من مصادرَ مختلفة.
وإنما ذكرت هذه الشروط. وبسطت موضوعه لدقته واحتياج الناس إليه، وخطره في المجتمع. اهـ. محمد.
(1) الغِرارة: بالكسرة واحدة غرائر التبن. اهـ. مختار.
(2) الجَوْلان: بسكون الواو جبل بالشام. اهـ. مختار.
(3) وفي مخطوطة "أ": أسادروذ.
(4) وفي مخطوطة "أ": في ذمته.
(5) هذا إن لم توجد قرينة بأن صاحب الدين وهو ربُّ المال لا يعطي إلا بفائدة ولو =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ضمنية، وإلا حرم الأخذ والإعطاء، لأن المعروف كالمشروط. اهـ.
قال ابن عابدين في حاشيته 4/ 242:
كل قرض جر نفعًا فهو حرام، أي إذا كان مشروطًا، وإن لم يكن مشروطًا في القرض لا بأس به، ومثله فيما لو أهدى المستقرض للمقرض إن كانت الهدية بشرط كره وإلا فلا. أقول: ففيه فرق بين المذهبين فانتبه. كتبه محمد.
باب في الْحَجْرِ (1)
وفيه ثَلاثُ مسائلَ
1 - مسألة: إذا حُجِرَ على المفلس، وقسمت أموالُه، وبقي عليه شيء من الديون، لم يلزمه أن يكتسب بصنعته لوفاء الدين، ولا أن يؤجِّر نفسه. والأصح عند أصحابنا: وجوبُ إِجارة أم ولده وأرضه الموقوفة عليه، إِذ لا ضرر عليه في ذلك. وعلى أصحاب الدينِ الضرر في ترك ذلك. وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا ضرَرَ وَلا ضِرَارَ"، والله أعلم.
2 - مسألة: إِذا ثبت على إِنسان دينٌ حالٌّ، وله مال من عقار أو غيره، فأمره الحاكم ببيعه فلم يجد راغبًا يشتريه بثمن مثله في ذلك الوقت لم يُجبر على بيعه بدون ثمن مثله بلا خلاف؛ بل يصبر حتى يوجد من يشتريه بثمن مثله. قال أصحابنا: وهكذا لو أُسْلِم عبدٌ لكافر وأمرناه بإزالة مُلْكه عنه فلم يوجد من يشتريه بثمن مثله في الحال، يمهل حتى يوجد؛ لكن تُزال يده عنه وُيسْتَكتب (2).
__________
(1) هو المنع من تصرفات خاصة بأسباب خاصة. والحجر نوعان:
1 - نوع شرع لمصلحة المحجور عليه كالصبي، والمجنون، والسفيه، فإنه لحفظ مالهم.
2 - ونوع شرع لمصلحة غيره كالحجر على المفلس فإنه لمصلحة الغرماء وهم أرباب الديون. اهـ.
(2) لأن الله تعالى لم يجعل للكافر على المؤمن سبيلًا لإهانته واستغلاله، فيؤمر العبد المسلم بالتكسب ليشتري نفسه فيعتقها مع كف يد الكافر عنه. اهـ. محمد.
- مسألة: اشترى جارية فأحبلها، ثم حُجِر عليه قبل أداء الدين، هل للبائع الرجوعُ في الجارية دون الولد؟.
الجواب: له ذلك.
* * *
وفيه أربع وعشرون مسألة
بيع المكره بنوعيه
1 - مسألة: بيع المكره بغير حق باطل، وبيع المكره بحق
__________
(1) جمع بيع، هو لغة: مقابلة شيء بشيء. أي على وجه المعاوضة، ليخرجَ نحوُ ابتداءِ السلام ورده. فلا تسمى مقابلة ابتداء السلام برده، ومقابلة عيادة المريض، بعيادة مريض آخر، بيعًا في اللغة -كذا قال بعضهم-. وقال بعضهم: الأولى إبقاء المعنى اللغوي على إطلاقه.
وشرعًا: مقابلة مال بمال على وجه مخصوص، أو هو عقد معاوضة محضة يقتضي ملك عين أو منفعة على الدوام. لا على وجه القربة.
والأصل فيه قبل الإجماع آيات كقوله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} "سورة البقرة: الآية 275".
وأخبار -كخبر-: سُئلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَيُّ الْكسْبِ أَطْيَبُ؟ فقال: "عَمَلُ الرجُلِ بيَدِه، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ". أي لا غش فيه ولا خيانة.
وأركانه ثلاثة: عاقد، ومعقود عليه، وصيغة.
1 - الأول: البائع والمشتري.
2 - الثاني: الثمن والمثمن.
3 - الثالث: الإيجاب والقبول.
صحيح (1) وبيع المصادَر (2) فيه وجهان: أصحهما صحيح؛ لأنه لم يكره على بيع هذا المال، والله أعلم.
2 - مسألة: يصح بيع الهرة والقرد؛ لأنهما طاهران منتَفعٌ بهما جامعان شروطَ المبيع (3)، وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه: "نهى عن بيع الهرِّ" وله تأويلان:
1 - أحدهما: أنه نهيُ تنزيهٍ لتسامح الناس بذلك، ويهَبُه بعضهم لبعض كما هو الغالب.
2 - والثاني: أنه محمول على هرٍ وحشي؛ لأنه لا يستأنس فينتفع به، ولا يحل أكله على الصحيح، والله أعلم.
بيع الفقاع والصبي والسفيه
3 - مسألة: يصح بيعُ الفُقَّاع (4) -وإن كان غائبًا- ولا يجيء فيه الخلاف في بيع الغائب؛ لأنه مستور بما فيه صلاحه، وشربه حلال، ولا كراهةَ فيه.
__________
(1) ولا ينعقد من مكره بغير حق ما لم ينوه؛ فإن نواه وقت الإكراه صح.
أما إن كان بحق كان يتوجه عليه بيع ماله لوفاء دينه، أو شراء عين لزمته بعقد سلم فأكرهه الحاكم عليه، فيصح بيعه وشراؤه. اهـ. محمد.
(2) صادره على كذا: طالبه به ملحفًا، أي: كالمحجور على دين، له الوفاء بأي وجه كان.
(3) نسخة "أ": البيع.
(4) ويتسامح في فقاع الكوز فلا يشترط رؤية شيء منه؛ لأن بقاءه فيه من مصلحته؛ ولأنه تشق رؤيته، ولأنه قدر يسير يتسامح به في العادة، وليس فيه غرر يفوت به قدر معتبر.
وقال العبادي: يفتح رأس الكوز فينظر منه بقدر الإمكان. اهـ. روض 2/ 11.
وقد يغتفر الجهل للمسامحة كما في بيع الفقاع وكتب الرشيدي: قال في القاموس: الفقاع كرمان هذا الذي يشرب، سمي به لما يرتفع في رأسه من الزبد انتهى. وهو ما يتخذ من الزبيب. اهـ. نهاية 3/ 391.
4 - مسألة: إِذا أسلم الصبي درهمًا إِلى صَيْرفي ليَنْقدَه (1)، أو متاعًا لينظره له ويعرفَ قيمته، أو نحوَ ذلك، هل يحل له رده إِلى الصبي؟ وما حكُم شراءِ الصبي والسفيه؟.
الجواب: لا يحل له رده إِليه؛ بل يلزمه رده إِلى وليه، ويلزم الوليَّ طلبهُ، فلو تلِف في يد القابض بتفريط، أو بغير تفريط، لزمه ضمانه. وهكذا لو اشترى الصبي شيئًا وسلَّم ثمنَه لم يصح شراؤه، ويلزم البائعَ ردُّ الثمن إِلى ولي الصبي، ولا يجوز له تسليمه إِلى الصبي، فإن تلِف الثمنُ في يد البائع، أو ردَّه إِلى الصبي فتلف في يده قبل أن يوصله إِلى الولي بإتلاف الصبي، أو بإتلاف غيره لزم البائع ضمانه (2).
__________
(1) نقده الدراهم ونقد له الدراهم: أي أعطاه إياها فانتقدها أي قبضها، ونقد الدراهم وانتقدها أخرج منها الزيف. وبابهما نصر. اهـ. مختار.
(2) قال ابن عابدين 4/ 145 في حاشيته:
(كما بطل بيع صبي لا يعقل ومجنون).
قُيِّدَ به لأن الصبي العاقل إذا باع، أو اشترى، انعقد بيعه وشراؤه، موقوفًا على إجازة وليه إن كان لنفسه، ونافذًا بلا عهدة عليه، إن كان لغيره بطريق الولاية.
وهذا إذا باع الصبي العاقل مالَه، أو اشترى بدون غبنٍ فاحشٍ، وإلا لم يتوقف؛ لأنه حينئذٍ لا يصح من وليه عليه، فلا يصح منه بالأولى. اهـ. باختصار.
وقالت الشافعية: فلا يصح عقد صبي، ومجنون، ومن حُجر عليه بسفه.
ومما عمت به البلوى بعثان الصغار لشراء الحوائج، واطردت فيه العادة في سائر البلاد، وقد تدعو الضررة إلى ذلك ...
فينبغي إلحاق ذلك بالمعاطاة إذا كان الحكم دائرًا مع العرف .. مع أن المعتبر في ذلك التراضي.
وقد كانت المغيبَات يبعثن الجواري والغلمان في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لشراء الحوائج فلا يُنكره وكذا في زمن غيره من السلف والخلف.
أقول: هذا في الأمور التافهة: كخبز ولحم وأدم وغير ذلك، أما في الأمور التي لها قيمة وثمن لا بدَّ لها من عقد صحيح مع رشد وبلوغ في البائع والمشتري. اهـ.
وأما العين التي اشتراها، فإن أوصلها (1) إلى البائع، فإن تلفت في يد الصبي، أو أتلفها الصبي فلا ضمان على الصبي، لا في الحال، ولا بعد بلوغه؛ لأن البائع مفرِّط بتسليمه (2) إليه، ومسلِّط له على الإِتلاف، هذا إذا كان البائع رشيدًا، فإن اشترى الصبي من صبي، أو من سفيه وتقابضا، فإن أتلف كل واحدٍ منهما ما قبضه نُظر، إن جرى ذلك بإذن الوليين فالضمان على الوليين، وإلا فلا ضمان عليهما. ويجب الضمان في مال الصبيين؛ لأن تسليمَهما لا يعد تضييعًا وتسليطًا، بخلاف الرشيد.
وأما البالغ المحجور عليه بالسفه فهو كالصبي في كل ما ذكرناه.
ولو تزوج هذا السفيه بغير إِذن الولي، ووطىء فالنكاح فاسد، ولا يلزمه مهر، لا في الحال، ولا بعد فك الحجر عنه، هذا إِذا كانت الزوجة رشيدةً؛ لأنها سلَّطته على إِتلاف بُضعها (3) كما ذكرناه في البائع، وإن كانت صبيَّة محجورًا عليها بالسفه وجب مهر المثل في مال الواطىء؛ لأنه لا يصح بذلُها وتسليطها كما قلنا في الصبي البائع، والله أعلم.
5 - مسألة: بيع الفقاع حرام أو مكروه؟.
الجواب: هو حلال لا كراهة فيه (4).
__________
(1) نسخة "أ": فإن أوصلها الولي لزمه إلى البائع.
(2) نسخة "أ": بتسليمها.
(3) البضعة: بالفتح القطعة من اللحم والجمع البضع، مثل تمرة وتمر. اهـ. مختار.
وفي الحديث: "فاطمة بضعة مني". "وبُضع" بضم الباء. ففيه تُستأمر المرأة في إبضاعهن، يقال: أَبْضَعْتُ الْمَرأَةَ إبْضَاعًَا إذا زَوَّجْتُها.
والاستبضاع نوع من نكاح الجاهلية، وهو استفعال من البضع وهو الجماع وذلك أن تطلب المرأة جماع الرجل لتنال منه الولد فقط.
(4) وقد تقدم قريبًا في هذا الباب عند المسألة الثالثة، الحديث عن الفقاع ومعناه اللغوي والاصطلاحي.
- مسألة: إِذا كان له عبد، فباع السيد العبدَ نفْسه هل يصح؟ ولمن يكون الولاء؟.
الجواب: يصح البيع وَيعْتِق العبدُ بذلك، ويثبت عليه الوَلاء للبائع (1).
7 - مسألة: هل يجوز بيع الترياقِ، وشراباتِ الحيَّات أم لا؟ ولو اصطاد الحَوَّاء (2) حيةً، وحبسها معه على عادتهم، فلسعته ومات، هل يأثم؟ وإِن انفلتت وأتلفت شيئًا هل يضمن؟.
الجواب: إِن كان الترياق والشرابات طاهرين جاز بيعهما وإِلا فلا.
__________
(1) الولاء: بالمد وفتح الواو، وهو: مشتق من الموالاة، وهي المعاونة، فكأن العبد أحدُ أقارب المعْتِق.
وهو في الشرع: عصوبة متراخية من عصوبة النسب تقتضي للمعتق الإرثَ والعقلَ، وولاية أمر النكاح، والصلاة عليه، وعصبته الذكور من بعده.
والولاء: من حقوق العتق، وحكمِّه: حكمه التعصيب عند عدمه، وينتقل من المعْتِق إلى الذكور من عصبته كما مر.
والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام: "الولاء لمن أعتق". رواه الشيخان.
وفي رواية: "الولاء لمن وُلِّيَ النعمة".
وقوله عليه الصلاة والسلام: "الولاء لحمة كَلُحْمَةِ النسب لا يباع ولا يوهب، ولا يورث".
ولا يرث النساء بالولاء إلا من أعتقن لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما الوَلَاءُ لِمَنْ أَعتَقَ" او أَعتَقَنَ مَنْ أَعْتَقَنَ. فإن ماتت المرأة المعتقة، انتقل حقها من الولاء إلى أقرب الناس إليها من العصبات. اهـ. باختصار.
انظر كفاية الأخيار 2/ 177. كتبه محمد.
(2) من صيغ النسب: فعّال في الحِرَف كحَداد وبقّال، ومنه الحَواء جامع الحَيَّات. اهـ.
وإِن اصطاد الحيةَ ليرغب (1) الناس في اعتماد معرفته، وهو حاذق في صنعته، ويسلم منها في ظنه، ولسعته لم يأثم، وإِذا انفلتت وأتلفت لم يضمن.
8 - مسألة: هل يجوز بيع الأرْزِ في قشره والسلَم فيه كذلك؟ وهل فيه خلاف؟.
الجواب: الصحيح جوازهما (2).
__________
(1) نسخة "أ": ليرعب.
(2) قال في كفاية الأخيار 1/ 153: ولا يجوز بيع الغرر. والأصل في ذلك أنه عليه الصلاة والسلام: "نهى عن بيع الغرر". رواه مسلم.
والغرر: ما انطوى عنا عاقبته.
ثم الغرر تحته صور لا تكاد تنحصر: فنذكر نبذة منها لتعرف بها غيرها.
فمن ذلك:
1 - بيع البعير الناد.
2 - وكذا الجاموس المتوحش.
3 - والعبد المنقطع الخبر.
4 - والسمك في الماء الكثير.
5 - وكبيع الثمرة التي لم تخلق.
6 - والزرع في سنبله.
7 - وكذا بيع اللحم قبل سلخ الجلد.
8 - وكذا بيع القطن في جوزه باطل وإن كان بعد التشقق في جوزه وإن كان على الأرض.
أقول: هذا هو المذهب المختار الذي عليه الفتوى وينزل الحديث عليه، لأن الغرر ظاهر، والجهالة في المبيع أشد ظهورًا.
ولكن نقل السبكي عن صاحب التتمة، وأقره أنه لو باع القطن بعد تشققه صح وهو ما يقتضيه ما نقله في الروضة في بيع أصول القطن عن صاحب التهذيب، وإن لم يكن =
- مسألة: إِذا خلط الزيت بالشَّيرَج، أو دقيقُ حِنطةٍ بدقيق شعير، أو سمن البقر بسمن الغنم، ونحو ذلك، وباعه على أنه من النوع الجيد أو الرديء هل يحرم؟.
الجواب: يحرم كل ما كان غشًا من ذلك وغيره (1).
قول الغزالي في الفتاوى
10 - مسألة: لو باع شيئًا ومات البائع، فظهر أن المبيع كان مِلْكًا لابن الميت، فقال المشتري: باعها عليك أبوك في صغرك للحاجة، وصدقه الابن أن الأب باعها في صغره أو قامت بينة بذلك، لكن قال الابن: باعها لنفسه متعديًا ولم يبعْها لحاجتي.
قال الغزالي في الفتاوى: القول قول المشتري بيمينه (2)، لأن الأب نائب الشرع فلا يُتَّهم إِلا بحجة، كما لو قال المشتري: اشتريت
__________
= تشقق وإن انعقد القطن فباعه على شرط التبقية لم يصح، فإن انعقد القطن ولم يتشقق فحكمه حكم الحنطة في السنبل والله أعلم.
أقول: والسلم: عقد غرر جوز للحاجة، وهو: أدق غررًا من البيع فينبغي الرجوع به إلى أهل العلم والفقه.
وأحكام السلم ستأتي معك إن شاء الله مفصلة وموضحة فترقبها ومع ذلك لا بد من الرجوع إلى أهل العلم لأنها دقيقة ما ذكرت لك. كتبه محمد.
(1) روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "مَرَّ علَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأدْخَلَ يَدَهُ فيها فَنَالَتْ أصَابعُه بللًا فقال: ما هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعامِ؟ قال: أصَابَتْهُ السَّماءُ يا رَسُولَ اللهِ. قال: أَفَلَا جَعَلْتَه فَوْقَ الطعَامِ حَتَى يَراهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَنَا فَلَيْسَ مِنّا".
فالنصح في المعاملة وإظهار العيب في المبيع من صفات المؤمنين. وستر العيب وإخفاؤه حرام قد حرمه الإسلام ولم يُقرَّ في دين من الأديان. اهـ. محمد.
(2) نسخة "أ": مع يمينه.
من وكيلك. فقال: هو وكيلي؛ ولكن باع لنفسه، فالقول قول المشتري بيمينه، والله أعلم (1).
جهالة البائع في ملكه المبيع
11 - مسألة: رجل خلف دارًا وله ابن بالغ رشيد وأولاد صغار، فأذن الحاكم للبالغ في بيع نصيب إِخوته، فباع نصيبه ونصيبهم، ثم ثبت بينة: أن الدار كانت مِلكًا للبائع البالغ بكمالها، لا حقَّ لِإخوته الصغار فيها، وإن جده كان ملَّكها له وقَبِلها له أبوه في حال صغر البائع، وخفي ذلك التمليك على البائع، فهل يصح البيع في جميع الدار أو في بعضها؟.
الجواب: يصح بيعه في جميع الدار -والحالة هذه-؛ لأنه صادف ملكَه ولا تضر جهالته بكونها مِلكَه: كمن باع مال مورثه (2) يظن
__________
(1) أقول: تجوز الوكالة بالبيع مطلقًا، وكذا الشراء فليس للوكيل بالبغ مطلقًا أن يبيع بدون ثمن المثل، ولا بغير نقدٍ حال، ولا بغبن فاحش، ولا يجوز أن يبيع لنفسه، وكذا ليس له أن يبيع لولده الصغير، لأن العرف يقتضي ذلك.
ولو باع لأبيه أو ابنه البالغ فهل يجوز وجهان:
أحدهما: لا، خشية الميل.
والأصح: الصحة، لأنه لا يبيع منهما إلا بالثمن الذي لو باعه لأجنبي لصح فلا محذور.
قال ابن الرفعة: ومحل المنع في بيعه لنفسه فيما إذا لم ينص على ذلك أما إذا نص له على البيع من نفسه، وقَدر الثمن، ونهاه عن الزيادة فإنه يصح البيع.
واتحاد الموجب والقابل إنما يمنع لأجل التهمة، بدليل الجواز في حق الأب والجد. اهـ. باختصار من كفاية الأخيار 1/ 177.
فالمصنف رحمه الله تعالى لم يتعرض في كتابه للوكالة فذكرت للقارىء موجزها ليطمح إلى مفصلها.
(2) نسخة "أ": وهو يظن.
حياته فبان ميتًا، وأنه انتقل إِليه، فإنه يصح بيعه على الأصح عند أصحابنا، وكذا (1) يصح على الأصح في الجميع، والله أعلم (2).
12 - مسألة: باع دارًا فظهر أن رُبُعَها كان مستحقًا لغير البائع؟.
__________
(1) نسخة "أ": وكذا هذا.
(2) وشُرِطَ في معقود عليه خمسةٌ:
الأول: ملك للعاقد.
الثاني: طهره.
الثالث: رؤيته.
الرابع: القدرة على تسليمه.
الخامس: أن يكون منتفعًا به شرعًا ولو في المآل.
ثم تحدث على الشرط الأول من شروط الصحة الذي سئل الإمام النووي رحمه الله تعالى عنه فقال: فمن شروط صحة المعقود عليه بأن لم يكن ربويًا ملك للعاقد بأن يكون له السلطنة التامة على المعقود عليه: بملك أو وكالة، أو ولاية. فلا يصح بيعُ فضولي -هو من ليس مالكًا، ولا وليًا- وإنما لم يصح. لحديث: "لا بيع إلا فيما يملك". رواه أبو داود وغيره.
وعدم صحة البيع هو القول الجديد، والقول القديم يقول: أنه يوقف، فإن أجاز مالكه نفذ وإلا فلا.
ومثل البيع سائر تصرفاته القابلة للنيابة، كما لو زوج أمةَ غيره، أو ابنته، أو أعتق عبدَه، أو آجره ونحو ذلك، كل هذا دخل تحت قول الشارح: فلا يصح بيع فضولي.
وقال صاحب الحاشية: -ولو قال الشارح- ولا يصح تصرف فضولي لشمل ذلك كلِّه. ثم قال: ويصح بيع مال غيره ظاهرًا، إن بان بعد البيع أنه له؛ بل المدار على كونه له عليه ولاية؛ كان باع مال مورثه ظانًا حياته فبان ميتًا حينئذٍ لتبين أنه ملكه، ولا أثر لظن خطأٍ بان صحتُه لأن الاعتبار في العقود بما في نفس الأمر لا بما في ظن المكلف.
وهذه قاعدة فقهية تشمل جميع المعاملات في العقود، فقد يظن المكلف أمرًا والواقع خلافه، ويعتقد شيئًا والحقيقة تناقضه فنرجع لهذه القاعدة. اهـ. بتصرف من إعانة الطالبين 3/ 8.
الجواب: يصح في ثلاثة أرباعها بثلاثة أرباع الثمن (1).
ثواب الغراس ولمن يكون ومتى ينتهي؟
13 - مسألة: فيمن غرس غرسًا فمات وصار لورثته فلمن ثوابه؟.
وما أخذ من ثمر هذا الغِراس ظلمًا في حياة الغارس هل الأفضل له إِبراء الآخذ أم تركه في ذمته؟.
وإِذا لم يُبرئْه وارثه، ولم يستوفِ ويبقى في ذمة الآخذ إِلى يوم القيامة فهل يطالبه يوم القيامة بذلك الغارسُ أم الوارث؟.
الجواب: للغارس ثوابٌ مستمر من حين غَرَسَ إِلى فَناء المغروس، وللوارث ثواب ما أكل من ثمره في مدة استحقاقه من غير معارضة.
وما أخذ من ثمره، فإِبراؤه عنه أفضل من تركه في الذمة وإِذا لم يبرىء فلكل واحد من الميت والوارث ثوابُ كل ما أُخِذَ حتى مطل الآخذ في مدة استحقاقه. وأما المطالبة بأصل المأخوذ يومَ القيامة فللمغصوب منه أولًا على الأصح، وقيل: للوارث الأخير من المتوارثين بطنًا بعد بطن، ولا يختص هذا بالغراس، بل كل دَيْنٍ تعذر أخذُه فهذا حكمه، والله أعلم.
ومما يستدل به لأصل هذه المسألة من السنة حديثُ جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
__________
(1) كذلك نعود للقاعدة السابقة التي ذكرناها لأنه باعها كلها ظانًا أنها ملك له فبان أن ربعها لغيره، فالعبرة بما في نفس الأمر، فننجز البيع في ثلاثة أرباعها. ونوقفه فيما تبقى. اهـ. محمد.
"مَا من مُسْلمٍ يَغْرسُ غَرْسًا إِلا كانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقةٌ ومَا سُرِقَ مِنْهُ لهُ صَدَقةٌ". رواه مسلم.
وفي رواية لمسلم: "فَلا يَغْرِسُ المُسلمُ غَرسًا فَيأكلَ منه إِنسَانٌ، ولا طَيرٌ، وَلا دَابَّةٌ إِلا كانَ لهُ صَدَقةٌ إِلى يَوْمِ القيامَة". وفي رواية لمسلم أيضًا: "فَلا يَغْرِسُ مُسْلم غَرْسًا، وَلا يَزْرَعُ زَرْعًا فَيأكُلُ مِنْهُ إِنْسانٌ وَلا شَيء إِلا كانت له صَدَقةٌ". رواه البخاري ومسلم جميعًا من رواية أنس رضي الله تعالى عنه.
14 - مسألة: باع شجرة معينة من بستانه لِإنسان، فيبست تلك الشجرة، أو قلعها هو أو غيرُه هل للمشتري أن يغرس موضعها غيرَها؟.
الجواب: ليس له ذلك، ولا يدخل الغرس في البيع، هذا هو الأصح في مذهب الشافعي رحمه الله تعالى والله أعلم.
15 - مسألة: رجل باِعَ مقثأة، وأخذ المشتري جميع القُثَّاء في مدته، وفرغت ولم يبقَ فيها قُثَّاءُ، ولا يخرج منها شيء وتنازع البائع والمشتري في أصول القثاءِ، فطلب كل واحد منهما أن ترعاها دوابه فلمن تكون؟.
الجواب (1): هي للبائع، وكذا أفتى الجماعة، والله أعلم.
* * *
__________
(1) لقد أحببت أن أضيف هذه المسألة لهذا الباب لكثرة وقوعها وعموم البلوى فيها.
وهي:
مسألة الاستجرار
لقد ذكر العلامة ابن عابدين رحمه الله في حاشيته 4/ 16.
فقال: ما يستجره الإنسان من البياع، إذا حاسبه على أثمانه بعد استهلاكه جاز استحسانًا. اهـ. وهذه رخصة عظيمة -والحمد لله- وإلا وقعنا في حرج.
الخيار (1)
16 - مسألة: رجل اشترى بستانًا في قرية فألزمه المتولي أن يصير فلاحًا بسبب البستان، هل له الخيار في فسخ البيع؟.
الجواب: إِن كان ذلك البستان معروفًا بمثل ذلك فله الخيار، وإِلَّا فلا.
وقد ذكر الغزالي والأصحاب: أنه لو اشترى دارًا فكانت معروفةً
__________
(1) الأصل في البيع اللزوم إلا أن الشارع أثبت فيه الخيار، وهو: طلب خير الأمرين: من إمضاء البيع، أو فسخه رفقًا بالمتعاقدين. والدليل عليه: قوله عليه الصلاة والسلام: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا".
وهو ثلاثة أقسام:
1 - الأول: خيار المجلس وهو ثابت في كل بيع ويسقط باختيار لزومه من كل منهما، أو من أحدهما كأن يقول: ألزمت البيع أي: جعلته لازمًا، وبفرقة بدنٍ عرفًا وطوعًا، ولو ناسيًا أو جاهلًا.
2 - والثاني: خيار الشرط، ويثبت في كل ما فيه خيار المجلس؛ إلا ما شرط فيه القبض، وهو الربوي، والسلم، وما يسرع إليه الفساد. وأكثرُ مدته ثلاثة أيام من حين الشرط فإن زاد عليه في عقد واحد لم يصح العقد.
3 - والثالث: خيار العيب، ويثبت بظهور عيب قديم تنقص به القيمة، أو العين نقصًا يفوت به غرض صحيح، وغلب في جنس المبيع عدمه: كاستحاضة، وسرقة، وزنا، وبول بفراش، وجماح دابة، ويثبت فور إعادة. فيبطل بالتأخير بلا عذر. ويعذر في التأخير بجهل جواز الرد بالعيب إن قرب عهده بالإسلام، أو نشأ بعيدًا عن العلماء. اهـ. من تنوير القلوب باختصار.
بنزول الجند فله الخيار؟ لأن الخيار يثبت بكل ما نقص العين، أو القيمة، أو الرغبة.
17 - مسألة: إِذا اشترى شيئًا، ورأى فيه عيبًا، ورضي به، ثم قال: هذا العيب إنما رضيت به، لأني أعتقد به العيبَ الفلانيَّ وقد بان خلافهُ هل له الرد بالعيب؟.
الجواب: إِن أمكن اشتباه ذلك العيب بما ادعاه وكان العيب الذي بان دونَ ما رضي به أو مثلَه فلا رد، وإِن كان أعظم منه ضررًا فله رده.
18 - مسألة: لو اشترى شيئًا، رأى فيه شيئًا، ثم بعد ذلك ظهر أن ذلك الشيء كان عيبًا فقال المشتري: أنا ظننت أنه أثر ليس بعيب؟.
الجواب: إِن كان ذلك مما قد يخفى على مثله صدق المشتري بيمينه.
19 - مسألة: لو اشترى عبدًا فوجده غير مختونٍ، أو أمةً فوجدها غير مختونة؟.
الجواب: قال أصحابنا: لا خيارَ له في الأمة، ولا في العبد إن كان صغيرًا، فإن كان كبيرًا يُخاف عليه من الختان كان عيبًا على الصحيح وله الرد (1).
__________
(1) أحكام عامة قريبة من هذا:
* ثبت خيار الشرط بالسنة والإجماع، بشرط ألا يزيد على ثلاثة أيام. فإن زاد بطل البيع.
روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رجلًا يشكو إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يزال يُغبن في البيع، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا بايعت فقل: لا خِلابةَ، ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليالٍ". =
الاحتكار
20 - مسألة: هل يدخل الاحتكار في الصوف، والمزروع، والمعدود، ونحوها؟.
أجاب رضي الله عنه: لا يدخل ذلك في الاحتكار، والله أعلم.
__________
= * ولو شُرِطَ الخيارُ لأحدهما صح، وكذا الأجنبي في أظهر القولين، لأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك، لكونه أعرف بالمعقود عليه.
* واذا خرج بالمبيع عيب فللمشتري رده، إذا ظهر بالمبيع عيب قديم جاز له الرد سواء كان العيب موجودًا وقت العقد، أو حدث بعد العقد وقبل القبض.
أما جواز الرد له بالعيب الموجود وقتَ العقد فبالإجماع.
روت عائشة رضي الله تعالى عنها، أن رجلًا ابتاع غلامًا فأقام عنده ما شاء الله ثم وجد به عيبًا فخاصمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فرده عليه.
* لو باع شخص عينًا، وشرط البراءة من العيوب، ففيه خلاف: الصحيح: أنه يبرأ من كل عيب باطن في الحيوان، لم يعلم به البائع دون غيره لأن ابن عمر رضي الله عنهما باع غلامًا بثمانمائة، وباعه بالبراءة فقال المشتري لابن عمر: بالعبد داء لم تسمّه لي، فاختصما إلى عثمان رضي الله تعالى عنه، فقضى عثمان على ابن عمر أنه يحلف، لقد باعه العبدَ وما به دآءٌ يعلمه، فأبى عبد الله أن يحلف، وارتجع العبدَ فباعه بألف وخمسمائة، فدل قضاء عثمان أنه يبرأ من عيب الحيوان الذي لم يعلم به.
والفرق بين الحيوان وغيره ما قاله الشافعي: أن الحيوان يأكل في حالتي صحته وسقمه، وتتبدل أحواله سريعًا، فقل أن ينفك عن عيب خفي أو ظاهر، فيحتاج البائع إلى هذا الشرط ليثق بلزوم العقد.
والفرق بين الظاهر، والباطن، أن الظاهر يسهل الاطلاع عليه، وُيعلم في الغالب، فأعطيناه حكم المعلوم، وإن كان قد يخفى على ندور، فيرجع الأمر إلى أنه لا يبرأ عن غير الباطن في الحيوان، ولا عن غيره من غير الحيوان مطلقًا؛ سواء كان ظاهرًا أو باطنًا. سواء في ذلك الثياب والعقار ونحوهما. اهـ. باختصار 1/ 155. من كتاب كفاية الأخيار. كتبه محمد.
فأبعدني الله من الأشرار، وألحقني بالأخيار.
- مسألة: إِذا دخل عليه غلة من ملكه فتربص بها الغلاء للمسلمين وامتنع من بيعها وقتَ الرخص هل يكون ذلك احتكارًا ويفسق بفعله ذلك وهل حرام؟.
أجاب رضي الله عنه: ليس هذا باحتكار ولا يحرم ولا يفسق به، وإِنما الاحتكار أن يشتريَ القوت في وقت الغلاء، وَيمتنعَ من بيعه في الحال لانتظار زيادة الغلاء، وإذا اشترى في وقت الرخاء وانتظر به الغلاء لا يكون ذلك احتكارًا، ولا يفسق به -أيضًا- ولا تُرد شهادتُه والله أعلم.
"كتبته عنه" (1).
__________
(1) وقد جاءت الآثار النبوية محرمة الاحتكار تحريمًا شديدًا ومهددة كل من احتكر بالدمار والهلاك.
فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِىءَ اللهُ مِنْهُ".
وفي رواية لمسلم: "مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا فَهُوَ خَاطِىءٌ".
وعن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ والْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ". رواه ابن ماجه والحاكم.
وعن معاذ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بِئسَ الْعَبْدُ الْمُحْتَكِرُ، إِنْ أرْخَصَ اللهُ الأسْعَارَ حَزِنَ، وَإِنْ أغْلَاها فَرِحَ".
وفي رواية: "إِنْ سَمِعَ بِرُخْصٍ سَاءَهُ، وَإِنْ سَمِعَ بِغَلاءٍ فَرِحَ". ذكره زيد في جامعه.
وقال الإمام الغزالي: فبائع الطعام يدخر الطعام ينتظر به غلاء الأسعار.
والاحتكار ظلم وصاحبه مذموم في الشرع، واعلم أن النهي مطلق ويتعلق النظر به في الوقت والجنس: أما الجنس فيطرد النهي في أجناس الأقوات، أما ما ليس بقوت، ولا هو معين على القوت كالأدوية والعقاقير والزعفران وأمثاله فلا يتعدى النهي إليه وإن كان مطعومًا، وأما ما يعين على القوت كاللحم والفواكه فهذا في محل نظر.
وأما الوقت فيحتمل طرد النهي في جميع الأوقات، ويحتمل أن يخصص بوقت قلة الأطعمة وحاجة الناس إليه حتى يكون في تأخير بيعه ضرر ما. اهـ. كتبه محمد.
السلم (1): صيغته، شروطه، حكمه
22 - مسألة: ما الصيغة التي يذكرها من أسلم في حنطة أو شعير أو نحوهما؟.
__________
(1) السلم جائز: في المكيلات، والموزونات، والمعدودات التي لا تتفاوت، وفي المزروعات، ولا يجوز في الحيوان، ولا في أطرافه.
ولو انقطع بعد الاستحقاق خُيّرَ ربُّ السلم بين انتظار وجوده والفسخ.
وهو بيع شيء موصوف في الذمة بلفظ السلم أو السلف ولا يصح السلم إلا بشروط:
1 - جنسٍ معلوم.
2 - نوعٍ معلوم.
3 - وصيغةٍ معلومة.
4 - ومقدارٍ معلوم.
5 - وأجلٍ معلوم.
6 - وتسمية المكان إن كان لحمله مؤنة.
7 - وقبض رأس المال في مجلس العقد.
والدليل عليه الإجماع وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} سورة البقرة: الآية 282.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت في السلم.
وقوله عليه الصلاة والسلام: "مَنْ أسْلَفَ في شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلى أجَلٍ مَعْلُومٍ". رواه الشيخان.
فالسلم من البيوع المأذون بها ولكن له شروطًا متى اختل شرط منها بطل العقد، وذلك لأنه ورد على خلاف القياس المعهود في البيوع، فيراعى فيه ما امتاز به من بين بقية البيوع.
ولما كان هذا البيع من البيوع الدقيقة مع احتياج الناس إليه، وإقدام كثير من الجهلة عليه بدون علم. وقد نهى سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الإنسان ما ليس عنده ورخص في السَلَم.
أحببت أن أذكر موجز الشروط: لتكون على بينة من أمر دينك فأقول:
أولًا: يشترط لصحة عقد السلم، بيان جنس المبيع كحنطة مثلًا، وبيان نوعه كشرقية، وبيان صفته كجيدة، وبيان مقداره بالموازين المختلفة باختلاف الأزمان، وبيان مقدار رأس المال.
ثانيًا: يشترط بيان التسليم من حيث اليوم، والأسبوع، والشهر، والسنة، وأقل أجل في السلم شهر.
ثالثًا: يشترط بيانُ مكان التسليم، إن كان المبيع مما يُحمل حتى لا يقع تنازعٌ بينهما.
رابعًا: ويشترط أن يكون جنس المبيع موجودًا في الأسواق بنوعه، وصفته، من وقت العقد إلى وقت التسليم.
خامسًا: ويشترط ألا يذكر في العقد تعيين الجهة بأن يكون القمح من قرية كذا أو كذا، لأنها قد تصاب بآفة فلا تثمر شيئًا.
سادسًا: تسليم رأس المال في مجلس العقد، فلو سلم البعض وأخر البعض فسد العقد.
سابعًا: ويشترط في السلم أن يكون منضبطًا مقدارُه، ومع ذلك ينبغي لمن أراد هذا البيع أن يسأل أهل الذكر والفقه. فكثير من عقود السلم في مثل هذا الزمن الذي =
الجواب: مثاله أن يقول: أسلمت الدراهمَ في غرارة (1) قمح من الجولان (2) الجيد الجديد الأصفر لتسلمها إِليَّ في الموضع الفلاني ويجوز أن يقول أسلفتك بدل أسلمت إِليك.
23 - مسألة: رجل أقرَّ أنَّ في ذمته شرباتٍ معدودةٍ من هذا المسمى استادرود (3)؟.
الجواب: لا يصح الِإقرار لأن هذين الجنسين لا يتصور ثبوتُه في الذمة (4)، لأنه إِن أتلفه على غيره فالواجب قيمته لا مثله؛ لأنه ليس مثليًا وإِن أسلم فيه لم يصح السلم لعلتين:
1 - إحداهما: كونه مختَلف الأعلى والأسفل.
2 - والثاني: كونه يجمع جنسين مختلفين فإنه مركب من نحاس ورصاص، والله أعلم.
24 - مسألة: إِذا كان له دين على غيره: قرضٌ أو غيره فأهدى الذي عليه الدين هديةً إِلى صاحب الدين جاز له قبولُها ولا كراهة في ذلك: سواء أكان دين قرض أو غيره. هذا مذهبنا، ومذهبُ ابنِ عباس -رضي الله تعالى عنهما- وآخرين (5).
* * *
__________
= ارتفع فيه العلم، واستحكم الجهل، فلا تجتمع فيها الشروط فهي باطلة غير صحيحة.
فحذارِ ثم حذارِ من المغامرة وعدم التثبت في أمر السَلم. اهـ. من مصادرَ مختلفة.
وإنما ذكرت هذه الشروط. وبسطت موضوعه لدقته واحتياج الناس إليه، وخطره في المجتمع. اهـ. محمد.
(1) الغِرارة: بالكسرة واحدة غرائر التبن. اهـ. مختار.
(2) الجَوْلان: بسكون الواو جبل بالشام. اهـ. مختار.
(3) وفي مخطوطة "أ": أسادروذ.
(4) وفي مخطوطة "أ": في ذمته.
(5) هذا إن لم توجد قرينة بأن صاحب الدين وهو ربُّ المال لا يعطي إلا بفائدة ولو =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
__________
= ضمنية، وإلا حرم الأخذ والإعطاء، لأن المعروف كالمشروط. اهـ.
قال ابن عابدين في حاشيته 4/ 242:
كل قرض جر نفعًا فهو حرام، أي إذا كان مشروطًا، وإن لم يكن مشروطًا في القرض لا بأس به، ومثله فيما لو أهدى المستقرض للمقرض إن كانت الهدية بشرط كره وإلا فلا. أقول: ففيه فرق بين المذهبين فانتبه. كتبه محمد.
باب في الْحَجْرِ (1)
وفيه ثَلاثُ مسائلَ
1 - مسألة: إذا حُجِرَ على المفلس، وقسمت أموالُه، وبقي عليه شيء من الديون، لم يلزمه أن يكتسب بصنعته لوفاء الدين، ولا أن يؤجِّر نفسه. والأصح عند أصحابنا: وجوبُ إِجارة أم ولده وأرضه الموقوفة عليه، إِذ لا ضرر عليه في ذلك. وعلى أصحاب الدينِ الضرر في ترك ذلك. وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا ضرَرَ وَلا ضِرَارَ"، والله أعلم.
2 - مسألة: إِذا ثبت على إِنسان دينٌ حالٌّ، وله مال من عقار أو غيره، فأمره الحاكم ببيعه فلم يجد راغبًا يشتريه بثمن مثله في ذلك الوقت لم يُجبر على بيعه بدون ثمن مثله بلا خلاف؛ بل يصبر حتى يوجد من يشتريه بثمن مثله. قال أصحابنا: وهكذا لو أُسْلِم عبدٌ لكافر وأمرناه بإزالة مُلْكه عنه فلم يوجد من يشتريه بثمن مثله في الحال، يمهل حتى يوجد؛ لكن تُزال يده عنه وُيسْتَكتب (2).
__________
(1) هو المنع من تصرفات خاصة بأسباب خاصة. والحجر نوعان:
1 - نوع شرع لمصلحة المحجور عليه كالصبي، والمجنون، والسفيه، فإنه لحفظ مالهم.
2 - ونوع شرع لمصلحة غيره كالحجر على المفلس فإنه لمصلحة الغرماء وهم أرباب الديون. اهـ.
(2) لأن الله تعالى لم يجعل للكافر على المؤمن سبيلًا لإهانته واستغلاله، فيؤمر العبد المسلم بالتكسب ليشتري نفسه فيعتقها مع كف يد الكافر عنه. اهـ. محمد.
- مسألة: اشترى جارية فأحبلها، ثم حُجِر عليه قبل أداء الدين، هل للبائع الرجوعُ في الجارية دون الولد؟.
الجواب: له ذلك.
* * *
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى