منتديات أنوار المدينة
أهلاً وسهلااً بك زائرنا الكريم إذا كانت هذه زيارتك الأولى نرجو من حضرتك التسجيل
حتى تتمكن من استعمال العناوين الخارجية

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات أنوار المدينة
أهلاً وسهلااً بك زائرنا الكريم إذا كانت هذه زيارتك الأولى نرجو من حضرتك التسجيل
حتى تتمكن من استعمال العناوين الخارجية
منتديات أنوار المدينة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

سيرة ابن اسحاق : السير والمغازى [القطعة الأولى من كتاب المغازي.]

اذهب الى الأسفل

سيرة ابن اسحاق : السير والمغازى [القطعة الأولى من كتاب المغازي.] Empty سيرة ابن اسحاق : السير والمغازى [القطعة الأولى من كتاب المغازي.]

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 4:20

[القطعة الأولى من كتاب المغازي.]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

مقدمة المحقق
عندما ظهر الإسلام كان عرب شماليون كثيرون من قطّان المدن كمكة ويثرب والطائف يقرأون ويكتبون؛ ذلك أنّ شمال الجزيرة كان يشهد منذ النصف الثاني من القرن الخامس الميلادي حقبة ازدهار اقتصادي وسياسي متصل.
كانت الدويلات التي أقامها الفرس والبيزنطيون على أطراف الجزيرة أو في داخلها قد ضعفت أو سقطت، وكانت اليمن قد فقدت حكومتها المركزية القوية ثم سقطت في قبضة الأحباش ثم الفرس؛ فرافق ذلك صعود شمال الجزيرة بزعامة مكة التي تحولت إلى ما يشبه جمهورية ارستقراطية سيطرت على طرق التجارة وأسواقها في الجزيرة، وأقامت نظام «الإيلاف» الذي نظّم العلاقات بين الحضر والبدو في الداخل من جهة ومع الدول المجاورة من جهة أخرى «1» .
وطبيعيّ أن تتعرض مكة ويتعرض محيطها وقد أصبحت مركزا تجاريا رئيسيا إلى جانب مكانتها الدينية عند العرب منذ القديم؛ طبيعي أن تتعرض لتأثيرات خارجية دينية وثقافية وسياسية. وهكذا فقد عرفت مكة كما عرف شمال
__________
(1) قارن: نقائض جرير والفرزدق 2/ 581، 638، ديوان جرير 1/ 261- 262،
:Islam:in Before Unity Arabe of Natur The:Grunebaum.3691 X Arabica- Caskel:Entdeckungen in Arabien 72- 23..P 5691 IIIV Jesho in Tamim and Mecca:Kister-. 611- 311.
الجزيرة الديانتين اليهودية والنصرانية، كما عرفت أخبارا من أخبار الفرس والروم وعرفت أيضا بعض التقاليد الثقافية التي كانت سائدة في منطقة ما يسمّى بمنطقة «الثقافية الهيللينية» «1» . إلى جانب هذه التقاليد الحضارية الخارجية التي وصلت إلى مكة؛ تكوّنت في مكة نفسها تقاليد ثقافية خاصة بها وبشمال الجزيرة بشكل عام. كان من ضمن هذه التقاليد الخطّ العربي المستعار في الأصل من الأنباط «2» . هذا الخطّ الذي وصلت إلينا نماذج من تطوراته الأولى تعود إلى مطلع القرن الرابع الميلادي ما لبث أن انتشر وسيطر في الأصقاع التي انتشرت فيها تجارة مكة وأسواقها في شمالي الجزيرة وجنوبيها «3» .
ولا شك أن شباب قريش الذين كانوا في أكثرهم تجارا، وكانوا يعقدون المعاهدات، ويسجّلون العقود ويحتاجون إلى كتابة الرسائل كانوا يعرفون في أكثرهم الكتابة العربية، والقرآن الذي ترد فيه إشارات كثيرة إلى الكتب والكتابة والعقود والنظم التجارية شاهد صريح على كون هذه الأمور كلها معروفة وممارسة لديهم «4» . وكتب السيرة والتاريخ والطبقات تؤكّد ذلك بذكر أسماء أشخاص بعينهم في مكة والمدينة كانوا يحسنون الكتابة والقراءة، كما تذكر تقليدا آخر- ربما كان خاصا بالمدينة المنورة- مفاده أنّ أولئك الذين كانوا يحسنون الكتابة والسباحة والرمي كانوا يسمّون «الكمله» ، وكان منهم بين الأنصار عدد ليس بالقليل «5» .
__________
(1) قارن..ff 8 Islam im Autike der Fortleben Das:Rosenthal.E:
(2) قارن..9391 Chicago.Script Arabic North The of Rise The:.N Abbot:
(3) قارن:
46 Arabes des Penetration La:Dussaud-.ff 313 II Araber Die:Stiehl- Altheim-
جواد علي: المفصل 3/ 191 وما بعدها.
(4) القرآن 23/ 282، وقارن ناصر الدين الاسد: مصادر الشعر الجاهلي 41- 133.
(5) طبقات ابن سعد 3/ 136، فتوح البلدان 473- 477.
كان لا بدّ من هذه المقدمة الموجزة للوصول إلى التساؤل الملحّ فيما يتصل «بالوعي التاريخي» عند العرب وجودا وأساسا وتطوّرا. نحن نعرف الآن من خلال النقوش العربية الجنوبية أنّ الجنوبيين كانوا يؤرخون لكل شيء «1» ، كما أن الكتابات العربية الشمالية الأولى مؤرّخة. ثم إننا نعرف أن المكيين كانوا يتداولون قصصا وأسمارا فيما بينهم بعضها يتصل بماضي الجزيرة والآخر بالدول والحضارات المجاورة. وعندما توفي النبي وبدأ تكوين الأساس الإداري للدولة العربية- الإسلامية الجديدة سارع الخليفة الثاني عمر بن الخطاب إلى اعتبار الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة بداية تاريخية للدولة الجديدة والدعوة الجديدة.
الوعي التاريخي العربي الأوّلي الذي نشأ نتيجة إحساس مكة والشماليين بأنفسهم تدعّم بالدعوة الجديدة ونشأة مفهوم «الأمة» والدولة. يضاف إلى ذلك أن الصراعات القبلية بدأت مع الفتوحات وإنشاء الأمصار، كما بدأ صراع بين السلطة المركزية من جهة ورجال القبائل من جهة أخرى. وطبيعي أن تحاول كل قبيلة إنشاء «صورة تاريخية» خاصة بها دفاعا عن الذات، في الوقت الذي كانت فيه السلطة تحاول القيام بالأمر نفسه. هذا كله يدفعنا إلى القول بأنّ الوعي التاريخي العربي كما بدا في كتابات مؤرخي القرن الثاني الهجري هو وعي أصيل نشأ في البيئة العربية، وإن يكن قد تعرّض لتأثيرات خارجية فلا شك أن هذه التأثيرات بقيت عرضية «2» .
أولى الاهتمامات التاريخية في القرن الأول الهجري كانت بالسيرة النبوية،
__________
(1) قارن بروزنتال: علم التاريخ عند المسلمين 21- 22 (ترجمة د. العلي) .
(2)
Islam Before Unity Arab of Nature The Grunebom-. 3691 X Arabica:in
روزنتال: علم التاريخ عند المسلمين 33 وما بعدها.
34- 83 Islam in Consciousness Historical.W Braune- von.E.G.de (Islam in Law and Theology:in.9691 II) Grunebaum
بالتاريخ القريب للأمة الناشئة. كان المجتمع يتطلع إلى محاولة «إعادة امتلاك» تلك التجربة التاريخية الفريدة، تجربة النبوة والمجتمع المثالي الأول. كان لا بدّ من «صورة تاريخية»
تدعم فكرة الأمة والمجتمع الناشىء، ثم إنّ الفتوحات والاتصال بالأمم الأخرى، كل ذلك أبرز مشاكل جديدة رجوا حلّها باستعادة تجربة الوحي والإدارة والغزوات أيام الرسول، سيرة النبي، كتبت ضمن منظور تاريخي واسع يجعلها خاتمة تجارب الأمم التي عاشت أنبياء ونبوات أو كانت لها صلة من أي نوع بفكرة التوحيد. هذا المنظور التاريخي العالمي استمد مصادره من القرآن ومعارف العرب التقليدية وما عرفوه من خلال معايشتهم لأهل الكتاب في الأقطار المفتوحة، ومن خلال معايشتهم للشعوب غير الكتابية. تلا الاهتمام بالسيرة وخلفيتها اهتمام مماثل بأخبار العرب في جاهليتهم فيما يسمّى بأيام العرب نتيجة الصراعات القبلية، هذا بالإضافة إلى «الصور التاريخية» التي بدأت تنشأ عن التاريخ السياسي للدولة الإسلامية خلال الصراع بين السلطة الحاكمة والأحزاب السياسية الدينية التي تصدّت للسلطة الأموية وقاومتها «1» .
اهتمّ بالسيرة النبوية وبخلفيتها التاريخية أشخاص عديدون في القرنين الأول والثاني الهجريين، منهم وهب بن منبه وأبان بن عثمان بن عفان وعروة بن الزبير وشرحبيل بن سعد، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم وعاصم بن عمر بن قتادة ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري وموسى بن عقبة وهشام بن عروة بن الزبير ومحمد بن إسحاق. ولقد وصلتنا قطع من كتاب وهب بن منبه (34- 114 هـ/ 654- 732 م) في المغازي «2» ، كما وصلتنا أجزاء من كتابات محمد بن مسلم
__________
(1) عبد العزيز الدوري: علم التاريخ عند العرب 17- 20.
(2) نشرها ج. ر. خوري بهايدلبرغ.
ابن شهاب الزهري (124 هـ/ 741 م) في السيرة في كتاب المصنّف لعبد الرزاق ابن همام الصنعاني (211 هـ/ 826 م) ، ويعتبر كل من موسى بن عقبة (141 هـ/ 758 م) ومحمد بن إسحاق (85- 151 هـ/ 705- 768 م) أهمّ ممثّلي المرحلة الثانية من مراحل كتابة السيرة، وأقدم من كتب في ظل العباسيين، وقد وصلت إلينا قطعة صغيرة من كتاب موسى بن عقبة في المغازي نشرت سنة 1904 م. ومن دراسة هذه القطعة يتبين اهتمام موسى بالترتيب الزمني وبذكر تواريخ الحوادث، وباستعماله للأسانيد بدقة، ثم باعتماده شبه الكلي على شيخه الزهري «1» .
مهما تكن أهمية أعمال أمثال الزهري وموسى بن عقبة، فإن عمل ابن إسحاق يبقى الأساسيّ فيما يتصل بالسيرة وإلى حدّ ما بالتاريخ. وتكمن أهميته كمؤرّخ في استيعابه لتجارب شيوخه، وفي تطويرها وإعادة تنظيمها من خلال فهمه الجديد للتاريخ، ومن خلال نظرته الشاملة النابعة من ثقافته الواسعة وإدراكه للمغزى السياسي «للصورة التاريخية» . من هنا صار ابن إسحاق شيخ كتّاب السيرة، وصار من كتبوا بعده عيالا عليه. وقد شعر كاتب سيرة كابن سيّد الناس بعد ذلك بقرون أنّ سيرة النبي نفسها وقيمتها التاريخية تتعرضان للخطر إن تعرضت الثقة بابن إسحاق المؤرّخ للتساؤل، لذا فقد رأى واجبا عليه أن يعقد في مطلع سيرته فصلا للدفاع عن ابن إسحاق في وجه ناقديه «2» .
__________
(1) عن كتاب السيرة الأوائل، قارن مقالات هوروفتر في II I Culture Islamic وقد ترجمها د. حسين نصار بعنوان «المغازي الأول ومولفوها» 1949. وقارن، عبد العزيز الدوري: علم التاريخ عند العرب 20- 27.
(2) عيون الأثر 1/ 10- 17.
ومع أنّ الدراسات عن ابن إسحاق تعددت منذ مطلع هذا القرن «1» ، لكنّ هناك صعوبات لا يمكن تخطّيها تحول دون الوصول إلى نتائج يطمأنّ إليها في هذا المجال. إن المادة التي اعتمدت عليها هذه الدراسات قليلة وغير أصيلة تماما، ذلك أن ما كتبه ابن إسحاق لم يصل إلينا بشكله الأول، بل وصلنا بعد تهذيبه وتعديله من قبل آخرين أشهرهم وأهمهم ابن هشام. وكنت قد حصلت منذ سنوات على مصوّرة لقطعة من سيرة ابن إسحاق موجودة بالمغرب، ضممتها إلى أوراق من قسم المغازي موجودة بالمكتبة الظاهرية بدمشق، ثم قمت بمقارنة الموادّ والأخبار الموجودة في هاتين القطعتين بما عند ابن هشام مما يقابلهما فاتضحت لي أهمية نشرهما.
ولد محمد بن إسحاق بالمدينة حوالي عام 85 هـ/ 705 م «2» ، وبها نشأ وأدرك بعض الصحابة، لكنّ أكثر سماعه كان من أبناء الصحابة. وقد سمع من أبيه وكبار التابعين بالمدينة، ثم رحل في طلب العلم إلى مصر، ونحن نعلم أنه كان بالإسكندرية عام 119 هـ/ 738 م، ثم عاد إلي المدينة وبدأت شهرته بسعة الرواية تنتشر. وإلى هذه الفترة تعود منازعاته مع عالمي المدينة المشهورين آنذاك: هشام بن عروة بن الزبير (- 146 هـ) ، ومالك بن أنس (- 179 هـ) . أما هشام بن عروة فقد اتهمه بالكذب لأنه كان يروي عن زوجته فاطمة بنت المنذر بن الزبير، وكان هشام بن عروة ينكر سماع
__________
(1) كتب يوهان فك دراسة عنه (عام 1925) ، كما نشر فيشر أسماء الرجال الذين رووا عنه. ودرس هوروفتز عمله في مقالاته السالفة الذكر، وقارن الدوري 27- 32.
(2) أهم ترجماته في المصادر، طبقات فحول الشعراء لابن سلام 8، 11، 206، طبقات ابن سعد 6/ 396، المعارف 491، الفهرست 92، تاريخ بغداد 1/ 214، معجم الأدباء 18/ 5 وما بعدها، وفيات الأعيان 4/ 276- 277، تاريخ الاسلام 6/ 375- 378، ميزان الاعتدال 3/ 468، تذكرة الحفاظ 2/ 172، تهذيب التهذيب 9/ 38، عيون الأثر 1/ 10- 17.
ابن إسحاق لها ويقول: أهو كان يدخل على امرأتي «1» ؟. وربما رمى هشام بن عروة من وراء ذلك إلى الحطّ من منزلة ابن إسحاق لأنه كان مولى، فقد احتل خالد بن الوليد عام 12 هـ/ 633 م مدينة عين التمر بالعراق وأسر فتيانا كانوا يدرسون في دير هناك، وكان من هؤلاء سيرين أبو محمد بن سيرين ويسار جدّ محمد بن إسحاق الذي كان مولى قيس بن مخرمة. ويروي الخطيب البغدادي خبرا مفاده أن خيارا والد يسار هو الذي أسر وكان مولى لقيس بن مخرمة بن المطلب ابن عبد مناف. ويبدو أنّ لأصول ابن إسحاق الكتابية أثرا في كتاباته كما يبدو ذلك من قصصه ورواياته عن عصور ما قبل النبي. ويبدو أنه كان يعرف السريانية فربما ظلت تلك اللغة متوارثة في أسرته. على أنه ربما عرف كل ذلك أثناء إقامته بمصر التي امتدت إلى بضع سنوات.
ويمكن فهم نزاعه مع مالك من زاوية أخرى، فقد بلغ مالكا عنه أنه يقول: إعرضوا عليّ حديث مالك فأنا بيطاره! فقال مالك: وما ابن إسحاق؟! إنما هو دجّال من الدجاجلة! نحن أخرجناه من المدينة «2» . لا مانع من فهم هذا النزاع على أنه نزاع بين أبناء الحرفة الواحدة، وقد كان العلماء قديما يقولون: المعاصرة حجاب! لكننا نحسب أن الأمر يتعدّى ذلك، إذ أنّ طبيعة الكتابة التاريخية التي عمل ابن إسحاق في مجالها أرغمته على التحلّل بعض الشيء من طرائق المحدّثين الشديدة التدقيق، والحرفية المنحى، والبالغة الإيجاز، وطبيعيّ أن ينظر مالك إلى ذلك كله- وهو المحدّث المتحرّج- نظرة كلها شكّ وريبة. والإشارة الأخرى في حديث مالك عن ابن إسحاق بالغة الأهمية، إنه يزعم أنه هو وأمثاله أخرجوا ابن إسحاق من المدينة. لقد كان للنزاع إذن وجه آخر لا يمكن اعتباره علميا محضا بل له جانبه السياسي.
__________
(1) تاريخ بغداد 1/ 216، وفيات الأعيان 4/ 277.
(2) معجم الأدباء 18/ 7- 8، وقارن: تاريخ الاسلام 6/ 378، طبقات خليفه 1/ 402، النجوم الزاهرة 2/ 165، مرآة الجنان 1/ 460.
والمصادر تؤيّد دعوى مالك، فقد اشتهر عن ابن إسحاق بعد عودته من مصر القول بالقدر وجلد على ذلك بالمدينة، ويبدو أن ابن إسحاق لم ينكر التهمة، فقد دافع عن نفسه عندما اتهمه هشام بن عروة بالكذب على امرأته، لكنه لم يقل شيئاً عندما بلغه اتهام مالك له بالزندقة، ولا يعني ذلك أنه كان زنديقا، ولكن تلك كانت التهمة التي يوجهها محافظو الرواة إلى القائلين بالقدر من علماء البصرة وغيرها «1» . بالإضافة إلى ذلك سرى اتهامه بالتشيّع، وكانت تلك تهمة تنال أكثر الذين يعملون في مجال سيرة النبي «2» ، وقديما ودّ عبد الملك بن مروان لو لم ينشغل أحد بالسيرة لما فيها من تقديم لبني هاشم وللأنصار! «3» .
دفع هذا كله ابن إسحاق إلى مغادرة المدينة وكان «قد ضاق واشتدّت حاله» وتوجه من هناك إلى الكوفة، ولا بد أن يكون ذلك قبل بناء بغداد، لكن بعد ولاية المنصور للخلافة أي بين 136 هـ و 144 هـ، لأننا نقرأ في المصادر أنه أتى أبا جعفر المنصور بالحيرة «فكتب له المغازي، فسمع منه أهل الكوفة بذلك السبب «4» . وتوجّهه إلى أبي جعفر المنصور لم يتم مصادفة، فقد كان يعرفه في الغالب قبل وصول العباسيين إلى السلطة، كما أنه كانت للعباسيين صلات طيبة بالقدرية في أول الأمر كما تظهره المصادر التي تلحّ على محاولات أبي جعفر للتقرب من عمرو بن عبيد وغيره من قدرية البصرة في مطالع خلافته «5» ، وكان القدرية قد دخلوا في صفوف المعارضين للأمويين منذ ثورة ابن الأشعث 82- 84 هـ واستمر عداؤهم لهم حتى سقوط دولتهم عام 132 هـ؛ «6»
__________
(1) قارن، تاريخ الاسلام 6/ 377، معجم الأدباء 18/ 7.
(2) معجم الأدباء 18/ 7- 8.
(3) الموفقيات 332.
(4) معجم الأدباء 18/ 6، وفيات الأعيان 4/ 277.
(5) قارن: البيان والتبيين 4/ 64- 65، العقد الفريد 3/ 164، عيون الأخبار 2/ 337.
(6) قارن
:die und Asat- al lbn des Revolte Die:Saiyid.R.ff 092-/ 21.P) 7791 Freiburg (Koranless.
فيما عدا الشهور التي تولى فيها يزيد بن الوليد بن عبد الملك السلطة بعد انقلاب قاده قدرية الشام، ولا شيء يمنع من تصوّر كون العباسيين قد حاولوا استغلال معارضة الحركة القدرية للأمويين لصالحهم، وربما أوضح ذلك بعض الغوامض في قيام الدعوة العباسية.
مهما يكن من أمر يبدو أن ابن إسحاق كان قد صنّف السيرة أو جزءا منها قبل مغادرة المدينة، وعند ما نزل بالكوفة حدّث عنه كوفيون كثيرون، ثم انتقل إلى بغداد في ركاب المنصور بعد بناء المدينة فحدّث عنه بها آخرون.
ويهمّنا هنا أن نذكر ثلاثة من هؤلاء الذين حدّثوا عنه لصلتهم بسيرته، إنهم: زياد بن عبد الله البكّائي (183 هـ/ 799 م) ، ومحمد بن سلمة الحرّاني (191 هـ/ 807 م) ، ويونس بن بكير (199 هـ/ 814 م) . وقد كلّف المنصور ابن إسحاق بملازمة ابنه المهدي، فصحبه طويلا وسافر معه إلى خراسان حيث حدّث هناك بالري وأملى. وبأمر من المنصور صنّف ابن إسحاق السيرة للمهدي فلما اطّلع عليها المنصور طلب إليه القيام ببعض التعديلات فيها.
وهكذا تكوّنت ثلاث «نسخ من السيرة» ، تلك الأولى من العهد المدني، والثانية من العهد الكوفي، والثالثة من العهد البغدادي، وقد بقيت أجزاء من النسختين الأولى والثانية تسمحان لنا بالذهاب إلى أنّ المنصور أراد من ابن إسحاق التركيز بشكل أوضح على دور العباس بن عبد المطلب وأخباره مع النبي وخدماته الجلّى للإسلام، وربما رافق ذلك طمس بعض ما يتصل بنواحي صعف العباس وأعماله المعادية للرسول قبل إسلامه. ونرى أن رواية يونس بن بكير تمثّل الشكل الأول غالبا بينا تمثّل رواية البكّائي «1» الشكل الثاني ورواية محمد بن سلمة الحرّاني الشكل الثالث. ونستند في ذلك إلى الطابع الشيعي الشديد الذي يبدو في بعض روايات يونس بن بكير، ففي رواية لسلمان الفارسي
__________
(1) عن رواية البكائي، قارن: الروض الانف 3/ 106.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم إن عليا خير الوصيين، كما أنّ سبطيه خير الأسباط، بينا يذهب ابن إسحاق في رواية في نسخة محمد بن سلمة الحرّاني إلى أن قوله تعالى في سورة الأنفال (رقم 69) «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» ، نزل في العباس الذي كان يقول: في نزلت حين ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إسلامي وسألته أن يقاصّني بالعشرين أوقية التي أخذ مني.. الخ. ويدل هذا على ميول عباسية للمؤلف لم تكن في نسخته الأولى. أما رواية البكائي فلم تصل إلينا للأسف في شكلها الأول بل نالها تعديل ابن هشام واختصاره.
على أنّ رأينا هذا يبقى على كل حال عرضة للنقاش لأننا لا نملك حتى الآن نسخة كاملة لإحدى الروايات الثلاث بحيث تمكن المقارنة، ويمكن التحقق التام.
معلوماتنا عن ابن هشام الذي هذّب رواية البكّائي قليلة، وقد ذكر السهيلي في «الروض الأنف» أنه كان يدعى عبد الملك بن هشام، وأنه كان مشهورا بحمل العلم، متقدما في علم النسب والنحو. وهو حميريّ معافريّ بصريّ الأصل، مصري المنشأ والوفاة. وزاد ابن خلكان نقلا عن ابن يونس صاحب «تاريخ مصر» أنه توفي لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة ثماني عشر ومائتين، بينا أكّد السهيلي وفاته عام 213 هـ «1» . ويبدو أن عبد الملك بن هشام صادف أمامه عند ما أراد تهذيب سيرة ابن إسحاق نصّ رواية البكّائي لها مكتوبا، ولا ندري كيف أخذه عن البكّائي، هل بطريق السماع والرواية أم بطريق «الوجادة» و «الإجازة» . إنه لا يصرّح على أي حال بشيء من ذلك في مطلع تهذيبه، يبدأ هكذا: «قال أبو محمد عبد الملك ابن هشام: هذا كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، واسم عبد المطلب شيبة بن هاشم، واسم هاشم عمرو..» ، ثم يقول بعد انتهاء
__________
(1) وفيات الأعيان 1/ 290، الروض الانف 1/ 7.
سرده للنسب الشريف: «قال أبو محمد عبد الملك بن هشام: حدثنا زياد بن عبد الله البكّائي عن محمد بن إسحاق المطلبي بهذا الذي ذكرت من نسب محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- إلى آدم عليه السلام» . وهنا يبين ابن هشام خطته في الكتاب كله فيقول: «.. تارك بعض ما ذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب مما ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ذكر، ولا نزل فيه من القرآن شيء، وليس سببا لشيء من هذا الكتاب ولا تفسيرا له ولا شاهدا عليه لما ذكرت من الاختصار، وأشعارا ذكرها لم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها، وأشياء بعضها يشنع الحديث به وبعض يسوء بعض الناس ذكره، وبعض لم يقرّ لنا البكّائي بروايته، ومستقص- إن شاء الله تعالى- ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية له، والعلم به..» ، وقوله «.. وبعض لم يقرّ لنا البكّائي بروايته» يدل على أنه كان على صلة ما بالبكائي لكن نوع الصلة هذا لا يمكن تحديده بدقة كما ذكرنا سابقا. والحرية التي يظهرها ابن هشام بعدم ذكره للأسانيد ربما لم تعد إليه، بل مما خلّفه ابن إسحاق في النص، وقد أكدنا سابقا على أن طبيعة المادة المكتوبة كانت تقتضي طرائق جديدة تخرج بعض الشيء على طرائق المحدّثين، ثم إن علم الإسناد لم تكن أسسه قد استقرت تماما في عصر ابن إسحاق. إهمال ابن هشام للإسناد لا يشكّل إذن والحالة هذه إشكالا لا يمكن تخطّيه، لكن مما يؤسف له لجوؤه إلى حذف الكثير من مادّة ابن إسحاق التي اعتبرها غير ضرورية، ثم صيرورته إلى تعديل بعض الأخبار أو تعديل ألفاظها حسبما فهمها ليكسبها قبولا أو وضوحا رأى أنها تفتقر إليهما. ولا شك أن تعديلاته وشروحه هذه تأثرت ببيئته الثقافية وطبيعة العصر الذي عاش فيه، هذا وإن يكن جيله هو الجيل التالي لجيل ابن إسحاق. كانت اهتمامات ابن هشام اهتمامات لغوية وقد أثّر ذلك تأثيرا كبيرا على طريقته في اختيار الأخبار وفي إيرادها.
وقد ذهبت بعض اهتمامات ابن إسحاق التاريخية والإخبارية ضحية دقة ابن هشام اللغوية. ولعله من المفيد أن نقارن عمل ابن هشام ليس فقط بالقطع الباقية من
الروايتين الأخريين لابن إسحاق، لكن أيضا بالمصادر التي نقلت عن ابن إسحاق بطريق ابن هشام أو بطريق آخر. وفي «تاريخ مكة» للفاكهي (280 هـ) نصوص كثيرة مقتبسة من ابن إسحاق إما من طريق ابن هشام- البكّائي أو من طرق أخرى. والأمر كذلك في الأغاني. وقد ذكر ابن هشام أسبابا لحذفه لبعض الأخبار، من هذه الأسباب أن يكون النصّ غير ضروري للسيرة، ولا شكّ أنه عنى بذلك قسم السيرة الأول «1» الذي سمّاه ابن إسحاق بالمبتدأ، ومقارنة الجزء الباقي من هذا المطلع بمطلع الطبري مثلا تظهر أن هذا القسم المحذوف كبير نسبيا. هذا ولا يقلّل من قيمة المحذوف استناده إلى الأساطير والإسرائيليات. ومن أسباب ابن هشام في الحذف أن يكون الشعر غير معروف عند أهل العلم، ومع أنّ معرفة ابن إسحاق بالشعر لم تكن على ما يرام «2» إلا أنه كان بوسع ابن هشام أن يدع ذلك لعلماء الشعر ولا يستبقهم بحذف وتعديل كهذا بداعي الاختصار. على أن هذا كله يبقى له وجه واعتبار إذا ما قورن بأسباب ابن هشام الأخرى للحذف «.. وبعض يسوء بعض الناس ذكره..» ،
«وأشياء بعضها يشنع الحديث به..» ، إن لهذا النوع من الحذف ولا شكّ أسبابا سياسية وأخرى تتصل بالصورة التاريخية لعصر ابن هشام عن النبي وصحابته.
إن الفائدة ستكون كبيرة لو عثرنا في المستقبل على نسخة كاملة أصيلة من إحدى روايات سيرة ابن إسحاق، ولكن حتى يتحقق ذلك فإنه لا بد من الاستناد إلى القليل الذي بين أيدينا لتكوين صورة تقريبية عن الإنجاز الرائع الذي حققه ابن إسحاق في مجال تطوير الكتابة التاريخية العربية. إنّ طريقة ابن إسحاق في الكتابة والبحث، ومصادره، والخلفيات السياسية والاجتماعية
__________
(1) عن أقسام سيرة ابن إسحاق، قارن الدوري: علم التاريخ عند العرب 27- 28.
(2) ابن سلام: طبقات فحول الشعراء 8، 11.
لأخباره ومروياته، كل ذلك يحتاج إلى دراسة مفردة لا يتسع لها المجال هنا، وهمّنا الآن ينحصر في إخراج نصّ سليم.
تناول ابن إسحاق في كتابه ثلاث موضوعات اعتبرها مترابطة: أخبار الخليقة من آدم وحتى إسماعيل، ثم من إسماعيل حتى النبي محمد، ثم حياة النبي محمد وأعماله قبل البعثة وبعدها، واعتمد في القسم الأول على مادة الإسرائيليات التي تجمعت عند العرب قبله، والتي أكملها هو خاصة أثناء تحصيله في مصر.
واعتمد في القسم الثاني على مادة عربية شبه أسطورية تتحدث عن أخبار العرب قبل الإسلام وأنسابهم، وقد صيغت أخبار هذين القسمين بشكل جيد الأداء والعرض أوصل إلى الغرض، وهو صحة أصول نبوة محمد وارتباطها بغيرها من النبوات التي جاءت خاتمة لها بعد ما كانت كل نبوة تبشر سلفا بهذه النهاية الحتمية التقدير.
وبعد الفراغ من هذين القسمين اللذين جاءا كمقدمة أخذ ابن إسحاق بالحديث عن النبي محمد، ولم يسق هذا الحديث كقصة متسلسلة بل ساقه كوقائع بعضها وقع للنبي محمد بالذات، وبعض آخر لغيره وله مساس قريب أو بعيد به، وحينما تحدث ابن إسحاق عن النبي محمد أثبت تقريبا جميع المادة الاخبارية التي كان المسلمون قد جمعوها عنه خلال القرن الأول الذي جاء بعد وفاته، ويبدو أن ابن إسحاق أولى الفترة المكية من حياة النبي اهتماما أكبر من الفترة المدنية، وقدم لهذا القسم بمقدمة ذكر فيها علامات النبوة عند النبي محمد، وروى جميع قصص البشائر التي بشرت بقرب نبوته وصحتها.
وتتجلى عبقرية ابن إسحاق وتفوقه على الذين سبقوه في ترتيبه لكتابه بشكل فيه منطق ونظام، وترتيبه هذا وإن جاء غير مثالي تماما، يكفي صاحبه فخرا الإبداع والدنو من درجة الكمال.
ومادة ابن إسحاق غنية للغاية تكاد تكون حاوية لجميع ما تجمع لدى العرب
المسلمين من أخبار، وهذه «فضيلة لابن إسحاق سبق بها» وقد صنف من بعده قوم آخرون في نفس الموضوع فلم يبلغوا مبلغه، ومادة ابن إسحاق، رغم المآخذ، كبيرة الفائدة اعتمدها غالبية الذين كتبوا أو اهتموا بسيرة النبي بعده، وكانت دائما موضع دراسة وعناية.
يقول في هذا الصدد ابن عدي في كتابه «الكامل» : ولو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن كتب لا يحصل منها علم، وصرف أشغالهم حتى اشتغلوا بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومبتدأ الخلق، ومبعث النبي صلى الله عليه وسلّم، فهذه فضيلة لابن إسحاق سبق بها، ثم بعده صنف قوم آخرون، ولم يبلغوا مبلغ ابن إسحق ولا علمه، وقد فتشت أحاديثه الكثيرة، فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف، وربما أخطأ، أو وهم في الشيء بعد الشيء، كما يخطىء غيره، ولم يتخلف عنه في الرواية عند الثقات والأئمة، وهو لا بأس به» .
هذا وتعود القطعتان اللتان أقدم لهما إلى القسم الثالث من سيرة ابن إسحاق، ولما كان هذا القسم يغطي الفترتين المكية والمدنية من حياة النبي فقد كان من حسن الحظ أن أولى القطعتين تتعلق بالفترة المكية وهي تكاد تغطيها جميعا، بينما تتعلق القطعة الثانية بالفترة المدنية وهي تروي أخبار الحوادث التي وقعت مع نهاية معركة بدر الكبرى وحتى نهاية معركة أحد.
ويوجد من القطعة الأولى مخطوطتان واحدة قديمة تعود في تقديري إلى القرن الخامس للهجرة، وهي موجودة في مكتبة القرويين في فاس، وتحوي مائة واثنتان وخمسون صفحة، كتبت بعدة خطوط حسب القاعدة المغربية، ولقد لحقت أوراق هذه المخطوطة رطوبة شديدة أدت إلى طمس بعضها طمسا كليا والبعض الآخر طمسا جزئيا، كما سببت خروما لحقت ببعض الأوراق، وقد جعلت هذه الحالة قراءة المخطوط أمرا في غاية الصعوبة، ولذلك فقد استغرق نسخ هذا المخطوط قرابة العام.
وبعد ما أنجزت عملية النسخ وكدت أنجز التحقيق تمكنت من الحصول على مصورة لنسخة ثانية من المخطوط موجودة في الخزانة العامة في الرباط، وهذه النسخة حديثة تعود إلى هذا القرن أو القرن الماضي على أبعد الحدود، وخطها مغربي جميل، إنما فيه من الأخطاء والتصحيفات ما لا يحصى، ويبدو أن هذه النسخة قد اعتمدت على النسخة الأولى، وهي تتألف من مائة وست وستين صفحة، ورغم ما فيها من أخطاء وتصحيفات فقد أفادتني فائدة كبيرة وأنقذتني من الوقوع في بعض الأخطاء.
أما القطعة الثانية فهي عبارة عن أوراق فيها جزء واحد صغير من أجزاء المغازي، كان الأستاذ ناصر الدين الألباني قد عثر عليها في المكتبة الظاهرية بدمشق، وكنت عام (1964) قد كلفت أحد النساخ بنسخ هذا الجزء ففعل، ويبدو أن المخطوط الأصلي منه يعود إلى القرن الخامس للهجرة، وكان صاحبه طاهر بن بركات الخشوعي (ت: 482 هـ/ 1090 م) من رجال الحديث، وقد سمعه في دمشق مع كامل السيرة، بحضور جملة من علماء عصره، من الخطيب البغدادي سنة «أربع وخمسين وأربعمائة» وكان البغدادي قد جاء إلى دمشق قبل قرابة أربع سنوات، تاركا بغداد إثر فتنة البساسيري، وقد ترك لنا بعض تلامذته قائمة بالكتب التي حملها معه إلى دمشق ومنها سيرة ابن إسحاق.
وفي تحقيقي لهاتين القطعتين صرفت جهدي نحو إخراج نص صحيح، وسعيت نحو الإقلال من الحواشي ما أمكن، وكان ضبط الشعر الموجود فيهما، خاصة في القطعة الأولى أمرا ليس بالهين، لركاكة هذا الشعر المنظوم، ولعدم وروده في مصادر أخرى، وقد استعنت بعدد من ذوي الاختصاص باللغة العربية كما استخدمت المعاجم خاصة لسان العرب ومخصص ابن سيدة والقاموس المحيط وسواهم، كما استعنت بعدد كبير من مصادر السيرة وكتب أخبارها، وفي تحديد الأماكن كان مصدري الأساسي معجم البلدان لياقوت، وبالاضافة له
استخدمت كتب المكتبة الجغرافية العربية وخاصة صفة الجزيرة للهمداني.
إن أملي كبير بأن أكون قد أعطيت الموجود من سيرة ابن إسحاق ما يستحقه من جهد واهتمام، والله تعالى هو الموفق وهو من وراء القصد فله الحمد والمنة والصلاة والسلام على الإنسان الكامل والنبي المعصوم محمد بن عبد الله.
دمشق 15/ 8/ 1976 سهيل زكار
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

سيرة ابن اسحاق : السير والمغازى [القطعة الأولى من كتاب المغازي.] Empty الجزء الأول من كتاب المغازي رواية يونس بن بكير عن محمد بن إسحق

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 4:24

«1» حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: نا يونس بن بكير قال: كل شيء من حديث ابن إسحق مسند، فهو أملاه علي، أو قرأه علي، أو حدثني به، وما لم يكن مسنداً، فهو قراءة؛ قرىء على ابن إسحق.

حفر زمزم من قبل عبد المطلب ابن هاشم.
حدثنا أحمد قال: نا يونس، عن محمد بن إسحق، قال: بينا عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف نائماً في الحجر، عند الكعبة، أتى، فأمر بحفر زمزم.
ويقال إنها لم تزل دفيناً بعد ولاية بني إسماعيل الأكبر وجرهم «2» ، حتى أمر بها عبد المطلب، فخرج عبد المطلب إلى قريش، فقال: يا معشر قريش، إني قد أمرت أن أحفر زمزم، فقالوا له: أبين لك أين هي؟ فقال: لا، قالوا:
فارجع إلى مضجعك الذي أريت فيه ما أريت، فإن كان حقاً من الله عز وجل بين لك، وإن كان من الشيطان لم يعد إليك، فرجع فنام في مضجعه، فأتى فقيل له: احفر زمزم، إنك إن حفرتها لم تندم، هي تراث من أبيك الأقدم، لا تنزف الدهر ولا تذم، تسقي الحجيج الأعظم مثل نعام حافل لم يقسم، ينذر فيها ناذر لمنعم «3» ، فهي ميراث وعقد محكم، ليست كبعض ما قد يعلم، وهي بين الفرث والدم.
فقال حين قيل له ذلك: أين هي؟ فقيل له: عند قرية النمل، حيث ينقر الغراب غداً، فغدا عبد المطلب ومعه الحارث ابنه، ليس له ولد غيره، فوجد
__________
(1) من المؤكد إن هذا ليس أول الجزء بل فقد منه ما لا ندري كميته، ذلك أن تقسيم كل كتاب الى أجزاء مسألة ارتبطت أحيانا برغبة النساخ وسواهم أكثر منها برغبة المؤلف وصنيعه.
(2) أي منذ سيطرة خزاعة على مكة.
(3) وقع طمس في الأصل استعين على توضيحه بما ورد عند ابن هشام.
قرية النمل، ووجد الغراب ينقر عندها، بين الوثنين: إساف ونائلة، اللذين كانت قريش تنحر عندهما «1» .
حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير، عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الله ابن أبي بكر بن حزم، عن عمرة ابنة عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ما زلنا نسمع أن إسافا ونائلة رجل وامرأة من جرهم زنيا في الكعبة، فمسخا حجرين.
حدثنا أحمد، نا يونس عن ابن إسحق قال: فجاء عبد المطلب بالمعول، فقام ليحفر، فقالت له قريش حين رأوا جده: والله لا ندعك تحفر بين صنمينا هذين اللذين ننحر عندهما، فقال عبد المطلب لابنه الحارث: دعني- أو: ذد عني- حتى أحفر، فو الله لأمضين لما أمرت به، فلما رأوا منه الجد، خلوا بينه وبين الحفر، فكفوا عنه، فلم يمكث إلا قليلاً حتى بدا له الطوي، فكبر «2» ، فعرفت قريش أنه قد صدق وأدرك حاجته، فقاموا إليه، فقالوا: إنها بئر أبينا إسماعيل، وإن لنا فيها حقاً، فأشركنا معك فيها.
قال: ما أنا بفاعل، وإن هذا لأمر قد خصصت به دونكم، وأعطيته من بينكم، قالوا: فأنصفنا، فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها، قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أخاصمكم إليه، فقالوا: كاهنة بني سعد بن هذيم، قال:
نعم، وكانت بأشراف الشام.
حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الله بن زرير الغافقي قال: سمعت علي بن أبي طالب، وهو يحدث حديث زمزم فقال: بينا عبد المطلب نائم في الحجر، أتى، فقيل له: احفر برة، فقال: وما برّة؟
__________
(1) يروى أنهما كانا رجلا وامرأة فسقا في الكعبة فمسخا، فأقامهما أهل مكة للعبرة ثم مع مرور الأيام غدوا من أوثان أهل مكة المقدسة.
(2) كذا، والتكبير من محدثات الاسلام.
ثم ذهب عنه، حتى إذا كان الغد نام في مضجعه ذلك، فأتى، فقيل له:
احفر المضنونة، فقال: وما المضنونة؟ ثم ذهب عنه، حتى إذا كان الغد عاد فنام في مضجعه، فأتى، فقيل له: احفر طيبة، فقال: وما طيبة؟ ثم ذهب عنه، فلما كان الغد عاد لمضجعه فنام فيه، فأتى فقيل له: احفر زمزم، فقال:
وما زمزم؟ فقال: لا تنزف ولا تذم، ثم نعت له موضعها.
فقام فحفر حيث نعت له، فقالت له قريش: ما هذا يا عبد المطلب؟ فقال:
أمرت بحفر زمزم، فلما كشف عنه، وأبصروا الطوي، قالوا: يا عبد المطلب إن لنا لحقاً فيها معك، إنها لبئر أبينا إسماعيل، فقال: ما هي لكم، لقد خصصت بها دونكم، قالوا: فحاكمنا، فقال: نعم، فقالوا: بيننا وبينك كاهنة بني سعد بن هذيم، وكانت بأشراف الشام.
فركب عبد المطلب في نفر من بني أبيه، وركب من كل بطن من أفناء قريش نفر، وكانت الأرض إذ ذاك مفاوز فيما بين الشام والحجاز، حتى إذا كانوا بمفازة من تلك البلاد، فنى ماء عبد المطلب وأصحابه حتى أيقنوا الهلكة، فاستسقوا القوم، قالوا ما نستطيع أن نسقيكم، وإنا لنخاف مثل الذي أصابكم، فقال عبد المطلب لأصحابه: ماذا ترون؟ قالوا: ما رأينا إلا تبع لرأيك، قال: فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته بما بقي من قوته، فكلما مات رجل منكم، دفعه أصحابه في حفرته، حتى يكون آخركم يدفعه صاحبه، فضيعه رجل أهون من ضيعة جميعكم، ففعلوا.
ثم قال: والله إن إلقاءنا بأيدينا للموت، لا نضرب في الأرض ونبتغي، عجز. فقال لأصحابه: ارتحلوا، فارتحلوا، وارتحل، فلما جلس على ناقته، وانبعثت به، انفجرت عين من تحت خفها بماء عذب، فأناخ وأناخ أصحابه، فشربوا، واستقوا وسقوا، ثم دعوا أصحابهم: هلموا إلى الماء، فقد سقانا الله عز وجل، فجاؤوا فاستقوا وسقوا، ثم قالوا: يا عبد المطلب، قد والله قضى لك، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة، لهو الذي سقاك زمزم، انطلق، فهي لك، فما نحن بمخاصميك.
حدثنا أحمد بن عبد الجبار: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق، قال:
فانصرفوا ومضى عبد المطلب فحفر، فلما تمادى به الحفر، وجد غزالين من ذهب، وهما الغزالان اللذان كانت جرهم دفنت فيها حين أخرجت من مكة «1» ، وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم، التي سقاه الله عز وجل حين ظمىء، وهو صغير.
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق، قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ما زلنا نسمع أن زمزم همزة جبريل بعقبه لإسماعيل حين ظمىء.
حدثنا أحمد: نا يونس، عن سعيد بن ميسرة البكري، قال: حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما طردت هاجر أم إسماعيل القبطية سارة، ووضعها إبراهيم بمكة، عطشت هاجر، فنزل عليها جبريل، فقال لها:
من أنت؟ فقالت: هذا ولد إبراهيم، فقال: أعطشانة أنت؟ قالت: نعم، فبحث بجناحه الأرض، فخرج الماء، فأكبت عليه هاجر تشربه، فلولا ذلك لكانت أنهاراً جارية.
نا أحمد: حدثنا يونس، عن ابن إسحق، قال: فلما حفر عبد المطلب زمزم، ودله الله عز وجل عليها، وخصه بها، زاده الله عز وجل شرفاً وخطراً في قومه، وعطلت كل سقاية كانت بمكة حين ظهرت، فأقبل الناس عليها التماس بركتها ومعرفة فضلها، لمكانها من البيت، وأنها سقيا الله عز وجل اسماعيل.
حدثنا أحمد، قال: ثنا يونس عن طلحة بن يحيى، عن عائشة بنت
__________
(1) تبعا للروايات كانت جرهم، وهي من قبائل العرب البائدة، أول من سكن مكة أيام إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، وظلت فيها حتى حدث سيل العرم، وقامت هجرة الأزد الكبرى من اليمن نحو الشمال، واستولت فئة من المهاجرين عرفت باسم خزاعة على مكة وأخرجت جرهم منها، وظلت خزاعة في مكة حتى أخرجها قصي بن كلاب وأسكن قومه من قريش فيها.
طلحة، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم إنها قالت: ماء زمزم طعام طعم، وشفاء سقم.
حدثنا أحمد قال: ثنا يونس، عن ابن إسحق قال: ووجد عبد المطلب أسيافاً مع الغزالين، فقالت قريش: لنا معك يا عبد المطلب في هذا شرك وحق، فقال: لا، ولكن هلموا إلى أمر نصف بيني وبينكم، نضرب عليها بالقداح «1» ، فقالوا: فكيف تصنع؟ قال: أجعل للكعبة قدحين، ولكم قدحين، ولي قدحين، فمن خرج له شيء كان له، فقالوا: قد أنصفت، وقد رضينا، فجعل قدحين أصفرين للكعبة، وقدحين أسودين لعبد المطلب، وقدحين أبيضين لقريش، ثم أعطوها الذي يضرب بالقداح، وقام عبد المطلب يدعو الله ويقول:
اللهم أنت الملك المحمود ... ربي وأنت المبدىء المعيد
وممسك الراسية الجلمود ... من عندك الطارف والتليد
إن شئت ألهمت ما تريد ... لموضع الحلية والحديد
فبين اليوم لما تريد ... إني نذرت عاهد العهود
أجعله ربي فلا أعود
وضرب صاحب القداح، فخرج الأصفران على الغزالين للكعبة، فضربهما عبد المطلب في باب الكعبة، فكانا أول ذهب حليته، وخرج الأسودان على السيوف والأدراع «2» لعبد المطلب فأخذها.
__________
(1) القداح أسهم خشبية كان يكتب على بعضها، أو يتم تلوينها وتطمر في الرمل ثم تستخرج واحدا تلو الآخر فما جاء فيها أخذ به، ومن أجل مزيد من الشرح أنظر سيرة ابن هشام: 1/ 345.
(2) لم يرد ذكر الأدراع في مطلع الخبر.
وكانت قريش ومن سواهم من العرب إذا اجتهدوا في الدعاء، سجعوا وألفوا الكلام، وكانت فيما يزعمون قلما ترد إذا دعا بها داع.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

سيرة ابن اسحاق : السير والمغازى [القطعة الأولى من كتاب المغازي.] Empty وكانت قريش ومن سواهم من العرب إذا اجتهدوا في الدعاء، سجعوا وألفوا الكلام، وكانت فيما يزعمون قلما ترد إذا دعا بها داع.

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 4:28

استعاذة الغلام البكري بالكعبة.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق، قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح، عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عبد الله بن خريت- وكان قد أدرك الجاهلية- قال: لم يكن من قريش فخذ إلا ولهم ناد معلوم في المسجد الحرام يجلسونه، فكان لبني بكر مجلس تجلسه، فبينا نحن جلوس في المسجد، إذ أقبل غلام، فدخل من باب المسجد مسرعاً حتى تعلق بأستار الكعبة، فجاء بعده شيخ يريده، حتى انتهى إليه، فلما ذهب ليتناوله يبست يداه، فقلنا ما أخلق هذا أن يكون من بني بكر، فتحقبناه العرب مع ما تحدث به عنا، فقمنا إليه، فقلنا: ممن أنت؟ فقال: من بني بكر، فقلنا: لا مرحبا بك، ما لك ولهذا الغلام؟ فقال الغلام: لا والله «1» ، إلا أن أبي مات ونحن صبيان صغار، وأمنا مؤتمة لا أحد لها، فعاذت بهذا البيت، فنقلتنا إليه وأوصت فقالت: إن ذهبت وبقيتم بعدي فظلم أحد منكم، أو ركب بكم أمر، فمن رأى هذا البيت فليأته فيتعوذ به فإنه سيمنعه، وإن هذا أخذني واستخدمني سنين، واسترعاني إبله، فجلب من إبله قطيعاً، فجاء بي معه، فلما رأيت البيت ذكرت وصاة أمي، فقلنا: قد والله أرى منعك، فانطلقنا بالرجل، وإن يديه لمثل العصوين قد يبستا، فأحقبناه على بعير من إبله، وشددناه بالحبال، ووجهنا إبله، وقلنا: انطلق لعنك الله.

خبر الصديق مع رجل أنيبته حية.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن محمد عن أبي بكر أنه قال: كنت امرءاً تاجراً، فسلكت ثنيه في سفر لي، فإذا رجل منها يقول: أتؤمني أؤمنك؟ فقلت: نعم، فقال:
أدنه، فأتيته، فإذا هو نهيش قد أنيبته حيه أصابته، فقال: يا عبد الله هل
__________
(1) كذا في الأصل، ويبدو أن جواب الشيخ البكري سقط كما سقط بعض من جواب الغلام.
أنت مبلغي إلي أهلي ها هنا، تحت هذه الثنية؟ فقلت: نعم، فاحتملته على بعيري، فأتيت به على أهله، فقال لي رجل من القوم: يا عبد الله ممن أنت؟
فقلت: رجل من قريش، فقال: والله إني لأظنك مصنوعاً لك، والله ما كان لص أعدى منه.
قال: وأضلتني ناقة لي قد كنت أعلفها العجين، فلما أيست منها، اضطجعت عند رحلي، وتقنعت بثوبي، فو الله ما أهبني إلا حس مشفرها تحرك به قدمي، فقمت إليها، فركبتها.

شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

سيرة ابن اسحاق : السير والمغازى [القطعة الأولى من كتاب المغازي.] Empty خبر عمر بن الخطاب مع شيخ كبير أعمى.

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 4:34

خبر عمر بن الخطاب مع شيخ كبير أعمى.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق، قال: حدثني من سمع عكرمة يذكر عن ابن عباس قال: بينا أنا جالس عند عمر بن الخطاب، وهو يعرض الناس على ديوانهم، إذ مر شيخ كبير أعمى يجبذ قائده جبذاً شديداً، فقال عمر:
ما رأيت كاليوم منظراً أسوأ.
قال: فقال له رجل: يا أمير المؤمنين هذا ابن صبغاء البهزي، ثم السلمي، بهيك بريق، فقال عمر: قد أعلم أن بريقاً لقب، فما اسم الرجل «1» ؟ قالوا:
عياض، قال عمر: ادعوا لي عياضاً، فدعى، فقال: أخبرني خبرك وخبر بني صبغاء- وكانوا عشرة نفر-.
فقال عياض: شيء كان في الجاهلية قد جا الله بالإسلام، فقال عمر: اللهم غفرا، ما كنا أحرانا نتحدث عن أمر الجاهلية منا حين هدانا الله عز وجل للإسلام، وأنعم علينا به! فقال: يا أمير المؤمنين كنت امرءاً قد نفاني أهلي، وكان بنو صبغاء عشرة، وكانت بيني وبينهم قرابة وجوار، فتنقصوني ما بي وتذللوني، فسألتهم بالله والرحم والجوار إلا ما كفوا عني، فلم يفعلوا، ولم يمنعني ذلك منهم، فأمهلتهم حتى دخل الشهر الحرام، ثم رفعت يدي إلى الله عز وجل فقلت:
اللهم أدعوك دعاء جاهداً ... اقتل بني الصبغاء إلا واحدا
ثم اضرب الرجل فذره قاعداً ... أعمى إذا ما قيد عنّى القائدا
__________
(1) أي اسم القائد.

فتتابع منهم تسعة في عام واحد، وضرب الله عز وجل هذا، وأعمى بصره، فقائده يلقي منه ما رأيت، فقال عمر: إن هذا لعجب.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

سيرة ابن اسحاق : السير والمغازى [القطعة الأولى من كتاب المغازي.] Empty أبو تقاصف الخناعي وأخوته.

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 4:37

أبو تقاصف الخناعي وأخوته.
فقال رجل من القوم: يا أمير المؤمنين شأن أبي تقاصف الخناعي، ثم الهذلي، وأخوته أعجب من هذا، فقال عمر: وكيف كان شأن أبي تقاصف وإخوته؟
فقال: كان لهم جار هو منهم بمنزلة عياض من بني صبغاء، فتنقصوه وتذللوه، فذكرهم الله والرحم والجوار، فلم يعطفهم ذلك عليه، فأمهلهم حتى إذا دخل الشهر الحرام، رفع يديه ثم قال:
اللهم رب كل آمن وخائف ... وسامع هتاف كل هاتف
ان الخناعي أبا تقاصف ... لم يعطني الحق ولم يناصف
فاجمع له الأحبة الألاطف ... بين قران ثم والتواصف
قال فنزلوا في قليب لهم يحفرونه حيث وصف، فتهور عليهم، فإنه لقبرهم إلى يومهم هذا.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

سيرة ابن اسحاق : السير والمغازى [القطعة الأولى من كتاب المغازي.] Empty بنو مؤمل وابن عمهم.

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 4:39

بنو مؤمل وابن عمهم.
فقال رجل من القوم: شأن بني مؤمل من بني نصر أعجب من هذا، كان بطن من بني مؤمل، وكان لهم ابن عم قد استولى على أموال بطن منهم وراثة «1» فألجأ نفسه وماله إلى ذلك البطن، فتنقصوا ماله وتذللوه وتضعفوه، فقال: يا بني مؤمل، إني قد ألجأت نفسي ومالي إليكم لتمنعوني وتكفوا عني، فقطعتم رحمي، وأكلتم مالي وتذللتموني، فقام رجل منهم يقال له رياح، فقال:
يا بني مؤمل صدق، فاتقوا الله فيه وكفوا عنه، فلم يمنعهم ذلك منه، ولم يكفوا عنه، فأمهلهم حتى إذا دخل الشهر الحرام وخرجوا عمارا «2» ، رفع يديه فقال:
اللهم زلهم عن بني مؤمل ... وارم على أقفائهم بمنكل
بصخرة أو بعض جيش جحفل ... إلا رياحاً إنه لم يفعل
__________
(1) كذا في الأصل، وفي النفس من ذلك شيء!
(2) أي لأداء العمرة.

فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق نزلوا إلى جبل فأرسل الله عز وجل من رأس الجبل صخرة تجر ما مرت به من حجر أو شجر، حتى دكتهم به دكة واحدة، إلا رياحاً وأهل خبائه، لأنه لم يفعل.
فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن هذا للعجب، لم ترون هذا كان؟
فقالوا: يا أمير المؤمنين أنت أعلم، فقال: أما إني قد علمت ذاك، كان الناس أهل الجاهلية لا يعرفون رباً ولا بعثاً، ولا قيامة ولا جنة ولا ناراً، فكان الله عز وجل يستجيب لبعضهم على بعض، للمظلوم على الظالم، ليكف بذلك بعضهم عن بعض، فلما بعث الله عز وجل هذا الرسول، وعرفوا الله عز وجل والبعث والقيامة، والجنة والنار، وقال الله عز وجل: «بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ «1» » فكانت المدد والاملاء.
__________
(1) سورة القمر: 46.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

سيرة ابن اسحاق : السير والمغازى [القطعة الأولى من كتاب المغازي.] Empty نذر عبد المطلب

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 4:41

نذر عبد المطلب
حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق قال:
وكان عبد المطلب بن هاشم فيما يذكرون، قد نذر حين لقي من قريش- عند حفر زمزم- ما لقي: لئن ولد له عشرة نفر، ثم بلغوا معه حتى يمنعوه، لينحرن أحدهم لله عز وجل عند الكعبة.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

سيرة ابن اسحاق : السير والمغازى [القطعة الأولى من كتاب المغازي.] Empty الاستقسام بالقداح عند الكعبة.

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 4:47

الاستقسام بالقداح عند الكعبة.
فلما توافى بنوه عشرة: الحارث، والزبير، وحجل، وضرار، والمقوم، وأبو لهب، والعباس، وحمزة، وأبو طالب، وعبد الله، وعرف أنهم سيمنعونه، جمعهم ثم أخبرهم بنذره الذي نذر، ودعاهم إلى الوفاء لله بذلك، فأطاعوا له، وقالوا له: كيف تصنع؟ فقال: يأخذ كل رجل منكم قدحاً، فيكتب فيه اسمه، ثم تأتوني، ففعلوا، ثم أتوه، فدخل بهم على هبل في جوف الكعبة، وكان هبل عظيم أصنام قريش بمكة، وكان على بئر في جوف الكعبة، وكانت تلك البئر التي يجمع فيها ما يهدي للكعبة، وكان عند هبل سبعة أقداح، في كل قدح منها كتاب، قدح فيه «العقل» «1» ، إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ضربوا بالقداح السبعة، فعلى من خرج حمله، وفيها قدح «الغفل» «2» ، وقدح فيه «نعم» للأمر إذا أرادوه ضرب به في القداح، فإن خرج قدح «نعم» ، عملوا به، وقدح فيه «لا» فإذا أرادوا أمراً ضربوا به في القداح، فإذا خرج ذلك القدح، لم يفعلوا ذلك الأمر، وقدح فيه «منكم» وقدح فيه «من غيركم» وقدح فيه «ملصق» وقدح فيه «المياه» فإذا ارادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح، وفيها ذلك، فحيثما خرج عملوا به،
__________
(1) أي الدية.
(2) أي بدون كتابة.
وكانوا إذا ارادوا أن يختنوا غلاما، أو ينكحوا منكحاً، أو يدفنوا ميتاً، أو شكوا في نسب أحد منهم، ذهبوا به إلى هبل، وذهبوا معهم يحزور ومائة درهم إلى صاحبه (صاحب القداح) التي يضرب بها، فأعطوها إياه، ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون، وقالوا: اضرب، اللهم أخرج على يديه اليوم الحق، ثم استقبلوا هبل، فقالوا: يا إلهنا، هذا فلان بن فلان كما زعم أهله، يريدون كذا وكذا، فإن كان كذلك فأخرج فيه «الغفل» ، أو «نعم» أو «منكم» واقبل هديته فإن خرج من هؤلاء الثلاثة كتب في قومه وسيطاً، وإن خرج عليه «من غيركم» كان حليفاً، وإن خرج عليه «ملصق» كانت منزلته فيهم لا نسب ولا حلف، وإن خرج فيه شيء مما سوى هذا مما يعملون به «نعم» عملوا به، وإن خرج «لا» أخروه عامه ذلك حتى يأتوا به مرة أخرى، ينتهون من أمورهم إلى ذلك مما خرجت به القداح.
فقال عبد المطلب: اضرب على بني هؤلاء بقداحهم هذه، وأخبره بنذره، وأعطاه كل رجل منهم قدحه الذي فيه اسمه، وكان عبد الله بن عبد المطلب، أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم أصغر بني أبيه «1» ، كان هو والزبير «2» وأبو طالب لفاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عبد الله بن عمران بن مخزوم، وكان- فيما يزعمون- أحب ولد عبد المطلب إليه، وكان عبد المطلب يرى أن السهم إذا أخطأه فقد أشوى، فلما أخذ صاحب القداح القداح ليضرب بها، قام عبد المطلب عند هبل يدعو ويقول:
اللهم لا يخرج عليه القدح ... إني أخاف أن يكون فدح
إن كان صاحبي للذبح ... إني اراه اليوم خير قدح
__________
(1) كذا، ولعل المقصود آنئذ، وبعده ولد لعبد المطلب العباس وحمزة، أو «أصغر بني أبيه لأمه» ، ذلك أن سياق الحديث يلي بذكر أمه واخوته منها.
(2) المشهور بضبط اسم الزبير هو بضم الزاي المعجمة، لكن هناك من يروي ضبطها بفتح الزاي المعجمة بعدها باء مجرورة.
حتى يكون صاحبي للمنح ... يغني عني اليوم كل سرح
فخرج القدح على عبد الله، فاخذ عبد المطلب بيده، وأخذ الشفرة، ثم أقبل به إلى إساف ونائلة، الوثنين اللذين تنحر عندهما قريش ذبائحها، ليذبحه، فقامت إليه قريش من أنديتها، فقالوا: ماذا تريد يا عبد المطلب؟ فقال:
أذبحه، وأنشأ يقول:
عاهدت ربي وأنا موف عهده ... أيام أحفر وبني وحده
والله لا أحمد شيئاً حمده ... كيف أعاديه وأنا عبده
إني أخاف أن أخرت وعده ... أن أضل إن تركت عهده
ما كنت أخشي أن يكون وحده ... مثل الذي لا قيت يوماً عنده
أوجع قلبي عند حفري رده ... والله ربي لا أعيش بعده
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: ذكروا أن العباس بن عبد المطلب اجتره من تحت رجل أبيه حتى خدش وجه عبد الله خدشاً، لم يزل في وجهه حتى مات.
قال ابن إسحق: فقالت قريش وبنوه: والله لا تذبحه أبداً ونحن أحياء حتى نعذر فيه، لئن فعلت هذا لا يزال رجل يأتي بابنه حتى يذبحه، فما بقاء الناس على ذلك.
قال ابن إسحق: وقال المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم- وكان عبد الله ابن عبد المطلب ابن أخت القوم-: والله لا تذبحه أبداً حتى نعذر فيه، فإن كان فداء، فديناه بأموالنا، وقال فيما يزعمون في ذلك شعراً حين أجمع عبد المطلب في ذبح عبد الله بما أجمع:
واعجبي من قتل عبد المطلب ... وذبحه خرقاً كتمثال الذهب
يا شيب لا تعجل علينا بالعجب ... فما ابننا بشرط القوم النجب
ولا ابنكم بالمستذل المغتصب ... نفاديه «1» بالمال حتى نحترب
فسوف أفديه بمالي والسلب ... وسوف ألقى دونه من الغضب
أشوس آباء قبيحات الحطب ... ما ذبح عبد الله فينا باللعب
ذبحا كما يذبح معتور النصب ... كلا ورب البيت مستور الحجب
لا يعجل المذبوح حتى نضطرب ... ضرباً يزيل الهام من بعد الغضب
بكل مصقول رقيق ذي شطب ... كالبرق أو كالنار في الثوب العطب
قال أبو عمرو: ويقال: القطب والعطب، القطن.
قال ابن إسحق: وقد قال أبو طالب حين أراد عبد المطلب ذبح عبد الله- وكان ابن أمه- وحين قال المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم ما قال:
كلا ورب البيت ذي الأنصاب ... ورب ما أنضى من الركاب
كل قريب الدار أو منتاب ... يزور بيت الله ذا الحجاب
ما قتل عبد الله باللعاب ... من بين رهط عصبة شباب
ابن نساء سطة «2» الأنساب ... أغر بين البيض من كلاب
وبين مخزوم ذوي الأحساب ... أهل الجياد القب والقباب
لستم على ذلك بالأذناب ... حتى تذوقوا حمس الضراب
بكل عضب ذائب اللعاب ... ذي رونق في الكف كالشهاب
تلقاه في الأقران ذا أنداب ... إن لم يعجل أجل الكتاب
قلت وما قولي بالمعاب ... يا شيب إن الجور ذو عقاب
إن لنا إن جرت في الخطاب ... أخوال صدق كأسود الغاب
لن يسلموه الدهر للعذاب ... حتى يمص القاع ذو التراب
دماء قوم حرم الأسلاب
فقال عبد المطلب عند ذلك:
الله ربي وأنا موف نذره ... أخاف ربي إن عصيت أمره
والله لا يقدر شيء قدره ... فهو وليي وإليه عمره
هذا بني قد أردت نحره ... فإن تؤخره وتقبل عذره
وتصرف الموت له وحذره ... وتصرف الموت فلا يضره
من جهد إنسان ولا تعره ... سواك ربي ويكون قره
لكل عين ناظر تسره ... أعطيته رب فلا تعره
لحزن يوجعني مسره
فقالت له قريش وبنوه لا تفعل وانطلق إلى الحجاز فإن به عرافة يقال لها نجاح، لها تابع فسلها، ثم أنت على رأس أمرك، فإن أمرتك بذبحه، ذبحته، وإن أمرتك بغير ذاك مما لك وله فيه فرج قبلته، فقال: نعم.
فانطلقوا حتى قدموا المدينة، فوجدوها فيما يزعمون بخيبر، فركبوا حتى جاءوها، فسألوها، وقص عليها عبد المطلب شأنه وشأن ابنه وما كان نذر فيه، فقالت لهم: ارجعوا عني اليوم حتى يأتيني تابعي، فأسأله، فخرجوا من عندها، وقام عبد المطلب يدعو الله عز وجل ويقول:
يا رب لا تحقق حذري ... واصرف عنه شر هذا القدر
فإني أرجو لما قد أذر ... لأن يكون سيداً للبشر
ثم غدوا إليها، فقالت: نعم، قد جاءني الخبر، فكم الدية فيكم؟ فقالوا:
عشرة من الإبل، وكانت كذلك، فقالت: فارجعوا إلى بلادكم، فقدموا صاحبكم، وقدموا عشراً من الإبل، ثم اضربوا عليها بالقداح، فإن خرجت القداح على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم عز وجل، فإذا خرجت القداح على الإبل، فقد رضي ربكم، فانحروها عنه، ونجي صاحبكم.
فخرجوا حتى قدموا مكة، فلما أجمعوا لذلك الأمر، قام عبد المطلب يدعو الله عز وجل، ويقول:
اللهم إنك «1» فاعل لما ترد ... إن شئت ألهمت الصواب والرشد
إني مواليك على رغم معد ... وساقي حجيجك الأبد «2»
أورثني سقياهم أبي وجد ... فإن وجدي فاعلمن وجد وجد
أنت الذي تعلم كل صمد ... فلا تحقق حذري بولد
واجعل فداه في الجلاه الجعد
حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: فلما قربوا عبد الله وعشراً من الإبل، وعبد المطلب في جوف الكعبة يدعو ويقول:
اللهم رب العشر بعد العشر ... ورب من يأتي بكل نذر
أنج عبد الله عند النحر ... ونجه من شفعها والوتر
ثم ضربوا، فخرج السهم على عبد الله، فزادوا عشراً، فبلغت الإبل عشرين، وقام عبد المطلب يدعو ويقول:
يا رب عشرين ورب الشفع ... أنج عبد الله رب النفع
من ضربة القدح التي في الجذع ... وأعطه الرفع الذي في الرفع
ولا يكون ضربه كاللذع ... كلذعة النار التي في السفع
ثم ضربوا، فخرج السهم على عبد الله، فزادوا عشراً، فبلغت الإبل ثلاثين، وقام عبد المطلب يدعو الله ويقول:
رب الثلاثين ولي النعم ... أمنن علينا أن نصاب بالدم
هذا الغلام جنة لم يعلم ... فطار قلبي فهو مثل المغرم
لذكر عبد الله حتى يسلم ... وتنحر الذود التي لم تقسم
ونجه من ضربة لم تكلم
ثم ضربوا، فخرج السهم على عبد الله، فزادوا عشراً، فبلغت الإبل أربعين،
__________
(1) كتب فوقها بالأصل: أنت.
(2) جاء في حاشية الاصل: كذا قال، وانما هو: وإنني ساقي.
فقام عبد المطلب يدعو الله ويقول:
اللهم رب الأربعين إذ بلغت ... أنج بني من قداح كتبت
وانحر الذود التي هملت ... وجللت في قتله وذيخت
بلغ رضاك ربنا إذ جعلت ... عدل بني عبد مناف وقعت
ثم ضربوا فخرج السهم على عبد الله، فزادوا عشراً، فبلغت الإبل خمسين، وقام عبد المطلب يدعو الله عز وجل ويقول:
يا رب خمسين سمان بدن ... من كل كوماء له لم تعطن
إلا لرب ماجد ممكن ... أنج عبد الله رب الأركن
وانحر الذود التي لم تسكن
ثم ضربوا، فخرج السهم على عبد الله، فزادوا عشراً، فبلغت الإبل ستين.
وقام عبد المطلب يدعو ويقول:
اللهم رب الستين ورب المشعر ... ورب من حج له وكبر
يسعى لرب قادر ليغفر ... أنج عبد الله عند المنحر
وعافه من ضربة لا تجبر ... لتبلغ العظم بها فيكسر
ثم ضربوا، فخرج السهم على عبد الله، فزادوا عشراً، فبلغ الإبل سبعين، وقام عبد المطلب يدعو ويقول:
يا رب سبعين له قد جمعت ... فاذبح الذود التي قد عطلت
وحبست في قتله وخيست ... وأخرج السهم لها إذ بذلت
حتى تكون دية قد كملت ... عن كل مقتول له إذ قبلت
ثم ضربوا، فخرج السهم على عبد الله، فزادوا عشراً، فبلغت الإبل ثمانين، وقام عبد المطلب يدعو ويقول:
يا رب الثمانين ورب الإهلال ... ورب من يأتيك للاجلال
اجعل فداء ولدي ذود أبال ... سوف ترى شكري عند الإحلال
كشكر من يسعى بغير أنعال ... أمنن به علي رب الافضال
ثم ضربوا، فخرج السهم على عبد الله، فزادوا عشراً، فبلغت الإبل تسعين، وقام عبد المطلب يدعو ويقول:
يا رب تسعين ورب المشرع ... ورب من يدفع عند المدفع
حتى يجيزوا معشراً للمجمع ... أنج لي عبد الله عند الأذرع
ونجه من ضربة لا ترجع
ثم ضربوا، فخرج السهم على عبد الله، فزادوا عشراً، فبلغت الإبل مائة، وقام عبد المطلب يدعو ويقول:
اللهم رب مائة لم تقسم ... ورب من يهوى بكل معلم
ورب من أهدى لكل محرم ... قد بلغت مائة لم تقسم
أرغم أعدائي بها ليرغموا
ثم ضربوا، فخرج السهم على الإبل، فقالت قريش ومن حضرة: قد رضي ربك، وخلص لك ابنك.
حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: فذكروا أن عبد المطلب قال: لا والله حتى أضرب عليها ثلاث مرات، فضربوا على الإبل وعلى عبد الله، وقام عبد المطلب يدعو ويقول:
اللهم أنت هديتني لزمزم ... إن بني أحب من تكلم
فلا ترينيه الغداة في الدم ... فإن حزني يدخل في الأعظم
فاجعل فداه مائة لم تقسم ... حتى نفاديه بكل أعجم
أمنن علي ذا الجلال المنعم ... وأوقع الموت لذود عتم
وثم رب فاجعلن ماتم ... ثم اصرف الموت إليها يسلم
بحولك اللهم عيش خرم ... وأنت إن سلمته لم يكلم
فبلغ العيش به فيهرم ... حتى أراه عند كل مقدم
يبين الخير لمن توسم
ثم ضربوا، فخرج السهم على الإبل، ثم أعادوا الثانية، وعبد المطلب مكانه عند هبل، فلما أرادوا أن يضربوا، قال:
يا رب لا تشمت بي الأعادي ... إن بني ثمرة فؤادي
فلا تسيل دمه في الوادي ... واجعل فداه اليوم من تلادي
ذود لقاح بدنا أندادي ... حتى تكون فدية الأولاد
ولا ترثنيه الأذواد ... إن بني رب لم يفادي
لكن يمين قسم الجواد ... فقد تراني رب لم أضادي
ثم ضربوا، فخرج السهم على الإبل، ثم أعادوا الثالثة، وقام عبد المطلب يدعو ويقول:
يا رب قد أعطيتني سؤالي ... أكثرت بعد قلة عيالي
فاجعل فداه اليوم جل مالي ... معقلات تسحب الاجلال
ولا ترينه بشر حال ... فإنه يدخلني سلالي
بأن يكون النحر للهلال ... أو تصرف الموت فلا أبالي
عن ابني الأصغر ذا الجلال ... أنت الولي المنعم المفضال
فأنعم اليوم لذاك بالي ... فإنه قد نزل الموالي
كلهم يبكي من السؤال ... كل فتى أبيض كالهلال
وقالت آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم:
يا رب بارك في الغلام الأزهر ... في الهاشمي والكريم العنصر
ثم ضربوا بالقداح على الإبل، فنحرت، ثم تركت لا يصد عنها أحد «1» .
__________
(1) أثر الاختراع على هذه القصة شديد الوضوح، وهي كما يبدو اخترعت من قبل أكثر من انسان وعبر فترة طويلة، ويبدو أيضا أن فكرتها مستوحاة من القرآن حيث تم ذكر النبي ابراهيم مع قصة ذبحه ابنه ومسألة الفداء، ولا شك أن هذه الرواية استهدفت رفع مكانة النبي محمد صلى الله عليه وسلّم والعناية الخاصة التي أحيط بها والده، ومن الأدلة على اختراعها انعدام الأضاحي البشرية في مجتمع مكة لما قبل الاسلام، ذلك أن القرآن لم يشر لوجود مثل هذه العادة كما لم يشر من جهة ثانية الى حادثة من هذا القبيل وقعت لأبي النبي، والمشكلة العويصة في هذه الرواية هي الشعر، فهو منظوم ركيك محال ضبطه وبالتالي من العبث شرح كلماته، وسبق لابن هشام أن واجه هذه المسألة حين أورد هذه القصة فحذف الشعر وقال: وبين أضعاف هذا الحديث رجز لم يصح عندنا عن أحد من أهل العلم بالشعر.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

سيرة ابن اسحاق : السير والمغازى [القطعة الأولى من كتاب المغازي.] Empty تزويج عبد الله بن عبد المطلب

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 4:51

تزويج عبد الله بن عبد المطلب
حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: نا يونس، عن ابن إسحق قال: ثم انصرف عبد المطلب آخذاً بيد عبد الله، فمر به- فيما يزعمون- على امرأة من بني أسد ابن عبد العزى بن قصي، وهي عند الكعبة، فقالت له حين نظرت إلى وجهه- فيما يذكرون-: أين تذهب يا عبد الله؟ قال: مع أبي؛ قالت: لك عندي مثل الإبل التي نحرت عنك، وقع علي الآن، فقال: إن معي أبي الآن، ولا أستطيع خلافه ولا فراقه، ولا أريد أن أعصيه شيئاً، فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة- ووهب يومئذ سيد بني زهرة نسباً وشرفاً- فزوجه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسباً وموضعاً، وهي لبرة «1» بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي، وأم برة: أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي، وأم حبيب بنت أسد لبرة بنت عوف بن عبيد بن كعب بن لؤي «2» .
قال ابن إسحق: فذكروا أنه دخل عليها حين ملكها مكانه، فوقع عليها عبد الله، فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج من عندها حتى أتى المرأة التي قالت له ما قالت، وهي أخت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وهي في مجلسها، فجلس إليها، وقال: ما لك لا تعرضين علي اليوم مثل الذي عرضت عليّ
__________
(1) أي اسم أمها برة.
(2) هناك خلاف بين سياق هذا النسب هنا من حيث الطول والاختصار وبين ما جاء عند ابن هشام وسواه.
أمس؟ قالت: فارقك النور الذي كان فيك، فليس لي بك اليوم حاجة «1» .
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكانت- فيما ذكروا، تسمع من أخيها ورقة بن نوفل، وكان قد تنصر واتبع الكتب- يقول: أنه لكائن في هذه الأمة نبي من بني إسماعيل، فقالت في ذلك شعراً، واسمها أم قبال ابنة نوفل بن أسد- كذا قال: «أم قبال» :
الآن وقد ضيعت ما كنت قادراً ... عليه وفارقك الذي كان جابكاً
غدوت علي حافلاً قد بذلته ... هناك لغيري فالحقن بشأنكا
ولا تحسبني اليوم جلوا وليتني ... أصبت حبيباً منك يا عبد داركا
ولكن ذا كم صار في آل زهرة ... به يدعم الله البرية ناسكاً
فأجابها عبد الله فقال:
تقولين قولاً لست أعلم ما الذي ... يكون وما هو كائن قبل ذلك
فإن كنت ضيعت الذي كان بيننا ... من العهد والميثاق في ظل دارك
فمثلك قد أصبت عند كل حله ... ومثلي لا يستام عند الفوارك
فقالت له أيضاً أم قبال:
عليك بآل زهرة حيث كانوا ... وآمنة التي حملت غلاما
يرى المهدي حين يرى ... عليه نور قد تقدمه أماما
فيمنع كل محصنة خريد ... إذا ما كان مرتدياً حساما
وتخفره الشمال وبان منها ... رياح الجدب تحسبه قتاما
فأنجبه ابن هاشم غير شك ... وأدته كريمته هماما
فكل الخلق يرجوه جميعاً ... يسود الناس مهتديا إماما
__________
(1) روايات المتقدمين حول مسألة النور كثيرة فيها كيف انتقل نور النبوة من صلب آدم الى كبار الانبياء من بعده حتى وصل إلى عبد الله والد النبي، وقد طور الشيعة هذه الروايات كثيرا حيث شكلت ركنا أساسيا في عقائدهم حول الامامة من حيث التسلسل ومن حيث اتصالها بالنبوة.
براه الله من نور مصفى ... فأذهب نوره عنا الظلاما
وذلك صنع ربك إذ حباه ... إذا ما سار يوماً أو أقاما
فيهدي أهل مكة بعد كفر ... ويفرض بعد ذلكم الصياما
وقال عبد المطلب:
دعوت ربي مخفياً وجهرا ... أعلنت قولي وحمدت الصبرا
يا رب لا تنحر بني نحراً ... وفاده بالمال شفعا ووترا
أعطيك من كل سوام عشراً ... أو مائة دهما وكمتا وحمرا
معروفة أعلامها وصحرا ... لله من مالي وفاء ونذرا
عفوا ولم تشمت عيوناً خزرا ... بالواضح الوجه المزين عذرا
فالحمد لله الأجل شكرا ... أعطاني البيض بني زهرا
ثم كفاني في الأمور أمرا ... قد كان أشجاني وهد الظهرا
فلست والبيت المغطى سترا ... واللات والركن المحاذى حجرا
منك لأنعمك إلهي كفرا ... ما دمت حياً وأزور القبرا
حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير، عن ابن إسحق قال: حدثني والدي إسحق بن يسار قال: حدثت أنه كان لعبد الله بن عبد المطلب امرأة مع آمنة ابنة وهب بن عبد مناف، فمر بامرأته تلك، وقد أصابه أثر طين عمل به، فدعاها إلى نفسه، فأبطأت عليه لما رأت به أثر الطين، فدخل فغسل عنه أثر الطين، ثم دخل عامداً إلى آمنة، ثم دعته صاحبته التي كان أراد إلى نفسها، فأبى للذي صنعت به أول مرة، فدخل على آمنة فأصابها، ثم خرج فدعاها إلى نفسه، فقالت: لا حاجة لي بك، مررت بي وبين عينيك غرة، فرجوت أن أصيبها منك، فلما دخلت على آمنة، ذهبت بها منك.
حدثنا أحمد قال: حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحق قال: حدثت أن امرأته تلك كانت تقول: لمر بي وإن بين عينيه لنوراً مثل الغرة، فدعوته
رجاء أن يكون لي، ودخل على آمنة فأصابها، فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: فكانت آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدث أنها أتيت حين حملت محمدا صلى الله عليه وسلم فقيل لها: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع [إلى] «1» الأرض فقولي:
أعيذه بالواحد ... من شر كل حاسد
في كل بر عابد ... وكل عبد رائد
نزول غير زائد ... فإنه عبد الحميد الماجد
حتى أراه قد أتى المشاهد
فإن آية ذلك أن يخرج معه نور يملأ قصور بصرى من أرض الشام، فإذا وقع فسميه محمداً، فإن اسمه في التوراة أحمد، يحمده أهل السماء وأهل الأرض، واسمه في الفرقان محمد فسميه بذلك.
فلما وضعته، بعثت إلى عبد المطلب جاريتها- وقد هلك أبوه عبد الله وهي حبلى، ويقال أن عبد الله هلك والنبي صلى الله عليه وسلم ابن ثمانية وعشرين شهراً، فالله أعلم أي ذلك كان- فقالت: قد ولد لك الليلة غلام فانظر إليه، فلما جاءها، أخبرته خبره، وحدثته بما رأت حين حملت به، وما قيل لها فيه، وما أمرت أن تسميه، فأخذه عبد المطلب فأدخله على هبل في جوف الكعبة، فقام عبد المطلب يدعو الله، ويشكر الله الذي أعطاه إياه، فقال:
السعد لله الذي أعطاني ... هذا الغلام الطيب الأردان
قد ساد في المهد على الغلمان ... أعيذه بالله «2» ذي الأركان
حتى يكون بلغة الفتيان ... حتى أراه بالغ البنان
أعيذه من كل ذي شنئان ... من حاسد مضطرب العنان
__________
(1) زيد ما بين الحاصرتين من ابن هشام كيما يستقيم السياق.
(2) جاء في حاشية الاصل: كذا قال، أراد «أعيذه بالبيت» صح.
ذي همة ليس له عينان ... حتى أراه رافع اللسان
أنت الذي سميت في الفرقان ... في كتب ثابتة المثاني
أحمد مكتوباً على اللسان
وقال عبد المطلب حين فرغ من شأن عبد الله، وفرج عنه ما كان فيه من البلاء وألهم بذبحه:
دعوت ربي دعوة المناصح ... دعوة مبتاع رضاه رابح
فالله عند قسمة المنائح ... أعطى على الشح من المشاحح
زمزم لا يمتاحها الممائح ... إلا الدلاء الزبد السوافح
كم من حجيج مغتد ورائح ... جاد بها من بعد لوح اللائح
سقيا على رغم العدو الماشح ... بعد كنوز الحلي والصفائح
حلي لبيت الله ذي المسارح ... بيت عليه النور كالمصابح
بنيان إبراهيم ذي المسابح ... بناه بالرفق وحلم راجح
بين الجبال الصم والصرادح ... فهو مثاب لذوي الطلائح
ينتابه من كل فج نازح ... مشتبه الأعلام والصحاصح
وقال عبد المطلب:
الحمد للخالق لا العباد ... لما رأى جدي واجتهادي
وانني موفيه بالميعاد ... والعهد إن العهد ذو معاد
فرج عني كربة الفؤاد ... ونال مني فدية المفادي
فاديت عبد الله من تلادي ... إن البنين فلذ الأكباد
ثماره كالقرع للفؤاد ... أدم وحمر كلها تلاد
قلت للحباسي لها ذواد ... هل منكم من صيت ينادي
الإبل نهب بين أهل الوادي ... فتركوها وهي في عصواد
يركبها بالآلة الحداد ... كأنها رهو من المزاد
يردي بها ذو أحبل صياد ... وراح عبد الله في الأبراد
يغيظ أعدائي من الحساد ... نجيته من كرب شداد
وقال عبد المطلب أيضاً:
الحمد لله على ما أنعما ... أعطى على رغم العدو زمزما
تراث قوم لم يكن مهدما ... والحاسدون يخرقون الأدما
ولم يكن حافرها ليندما ... أصاب فيها حلية فتسلما
لله ما أجرى عليه الأسهما ... والله أوفى نذره إذ أقسما
أعطى بنين عصبة وخدما ... فلست والله أريد مأثما
في النذر أو اهريق لله دما ... منهم وقد أوفيتهم فتمما
من بعد ما كنت وحيداً أيما ... يراني الأعداء قرناً أعصما
أعضب أو ذا ارتياب أعسما
وقال عبد المطلب:
دعوت ربي دعوة المغلوب ... ونعم مدعى السائل المكروب
فالحمد للمستمع العجيب ... أعطى على رغم ذوي الذنوب
إلي والشحناء والعيوب ... زمزم ذات الموضع العجيب
بين سواد الصنم المنصوب ... وبين بيت الله ذي الحجوب
وتحت فرث النعم المغصوب
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

سيرة ابن اسحاق : السير والمغازى [القطعة الأولى من كتاب المغازي.] Empty مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 4:54

مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم
حدثنا أحمد بن عبد الجبار، نا يونس بن بكير، عن ابن إسحق قال:
حدثني المطلب بن عبد الله بن قيس، عن أبيه، عن جده قيس بن مخرمة قال:
ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل، كنا لدين.
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عام عكاظ «1» ابن عشرين سنة.
قال ابن إسحق: فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أمه، والتمس له الرضعاء، واسترضع له حليمة ابنة أبي ذؤيب، وأبو ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام ابن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة ابن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر، واسم أبي رسول الله الذي أرضعه الحارث ابن عبد العزى بن رفاعة بن فلان بن ناصرة بن قصية بن نصر بن سعد بن بكر ابن هوازن.
وأخوته من الرضاعة: عبد الله بن الحارث، وأنيسة ابنة الحارث، وحذافة ابنة الحارث، وهي الشيماء، غلب عليها ذلك، ولا تعرف في قومها إلا به، وهي لحليمة أم رسول الله، وذكروا أن الشيماء كانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه إذ كان عندهم.
حدثنا أحمد، نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني جهم بن أبي جهم- مولى لامرأة من بني تميم، كانت عند الحارث بن حاطب، فكان يقال مولى الحارث بن حاطب- قال: حدثني من سمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب،
__________
(1) أي أيام حروب الفجار، والخبر مشهور انظره عند ابن هشام.
يقول: حدثت عن حليمة ابنة الحارث- أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي أرضعته- أنها قالت: قدمت مكة في نسوة من بني سعد بن بكر، نلتمس بها الرضعاء، وفي سنة شهباء «1» ، فقدمت على أتان لي قمراء كانت أذمت بالركب، ومعي صبي لنا، وشارف لنا، والله ما ننام ليلنا ذلك أجمع مع صبينا ذاك، ما نجد في ثديي ما يغنيه، ولا في شارفنا ما يغذيه، فقدمنا مكة، فو الله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها- رسول الله صلى الله عليه وسلم- فإذا قيل «إنه يتيم» تركناه، وقلنا: ماذا عسى أن تصنع إلينا أمه، إنما نرجو المعروف من أبي الوليد، فأما أمه فما عسى أن تصنع إلينا؟ فو الله ما بقي من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعاً غيري، فلما لم أجد غيره، قلت لزوجي الحارث بن عبد العزى: والله إني أكره أن أرجع من بين صواحبي ليس معي رضيع، لأنطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه، قال: لا عليك، فذهبت، فأخذته، فو الله ما أخذته إلا أني لم أجد غيره.
فما هو إلا أن أخذته، فجئت به رحلي، فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روي، وشرب أخوه حتى روي، وقام صاحبي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل، فحلب ما شرب وشربت حتى روينا، فبتنا بخير ليلة، فقال صاحبي: يا حليمة، والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة، ألم ترى إلى ما بتنا به الليلة من الخير حين أخذناه؟! فلم يزل الله يزيدنا خيراً، حتى خرجنا راجعين إلى بلادنا، فو الله لقطعت أتاني بالركب حتى ما يتعلق بها حمار، حتى أن صواحبي ليقلن: ويلك، يا بنت أبي ذؤيب، أهذه أتانك التي خرجت عليها معنا؟ فأقول: نعم، والله إنها لهي، فيقلن: والله إن لها لشأناً، حتى قدمنا أرض بني سعد، وما أعلم أرضاً من أرض الله عز وجل أجدب منها، فإن كانت غنمي لتسرح ثم تروح شباعاً، لبناً، فنحلب ما شئنا، وما حولنا أحد تبض له شاة بقطرة لبن، وإن أغنامهم لتروح جياعاً، حتى أنهم ليقولون لرعيانهم:
__________
(1) أي شديدة القحط.
ويحكم انظروا حيث تسرح غنم بنت أبي ذؤيب، فاسرحوا معهم، فيسرحون مع غنمي حيث تسرح، فيريحون أغنامهم جياعاً وما فيها قطرة لبن، وتروح غنمي شباعاً، لبناً، نحلب ما شئنا، فلم يزل الله عز وجل يرينا البركة، ونتعرفها حتى بلغ سنتيه، وكان يشب شباباً لا يشبه الغلمان، فو الله ما بلغ سنتيه حتى كان غلاما جفرا، فقدمها به على أمه، ونحن أضن شيء به مما رأينا فيه من البركة
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

سيرة ابن اسحاق : السير والمغازى [القطعة الأولى من كتاب المغازي.] Empty شق بطن الرسول.

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 4:56

شق بطن الرسول.
، فلما رأته أمه، قلنا لها: يا ظئر دعينا نرجع ببنينا هذه السنة، فإنا نخشى عليه أوباء مكة، فو الله ما زلنا بها حتى قالت: فنعم، فسرحته معنا.
فأقمنا به شهرين أو ثلاثة، فبينا نحن خلف بيوتنا، وهو مع أخ له من الرضاعة في بهم لنا، جاءنا أخوه يشتد، فقال: ذاك أخي القرشي قد جاءه رجلان عليهما ثياب بياض، فأضجعاه فشقا بطنه، فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه، فنجده قائماً، منتقعا لونه، فاعتنقه أبوه، وقال: أي بني، ما شأنك؟
قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بياض، فأضجعاني فشقا بطني، ثم استخرجا منه شيئاً فطرحاه، ثم رداه كما كان، فرجعنا به معنا، فقال أبوه: يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب، انطلقي بنا، فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما يتخوف.
قالت: فاحتملناه، فلم ترع أمه إلا به قد قدمنا به عليها، فقالت: ما رد كما به، قد كنتما عليه حريصين؟! فقلنا: لا والله يا ظئر، ألا إن الله عز وجل قد أدى عنا وقضينا الذي علينا، وقلنا: نخشى الإتلاف والأحداث، نرده إلى أهله، فقالت: ما ذلك بكما، فاصدقاني شأنكما، فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره، فقالت: أخشيتما عليه الشيطان، كلا والله ما للشيطان عليه سبيل، وإنه لكائن لابني هذا شأن، ألا أخبر كما بخبره؟ قلنا: بلى، قالت: حملت به، فما حملت حملاً قط أخف منه، فأريت في النوم حين حملت به كأنه خرج مني نور أضاءت له قصور الشام، ثم وقع حين ولدته وقوعاً ما يقعه المولود، معتمدا على

يديه، رافعاً رأسه إلى السماء، فدعياه «1» عنكما.
حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق قال: حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان، عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك، فقال: دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا مع أخ لي في بهم لنا، أتاني رجلان عليهما ثياب بياض، معهما طست من ذهب مملوءة ثلجاً، فأضجعاني، فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي فشقاه، فأخرجا منه علقة سوداء، فألقياها، ثم غسلا قلبي وبطني بذاك الثلج، حتى إذا أنقياه، رداه كما كان، ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته، فوزنني بعشرة، فوزنتهم، ثم قال: زنه بألف من أمته، فوزنني بألف، فوزنتهم، فقال: دعه عنك، فلو وزنته بأمته لوزنهم.
حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير عن أبي سنان الشيباني، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن يحيى بن جعدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ملكين جاءاني في صورة كركيبن، معهما ثلج وماء بارد، فشرح أحدهما صدري، ومج الآخر منقاره، فغسله.
__________
(1) يبدو أن كلمة «فدعياه» تحمل صيغة المخاطبة بالأمر تثنية.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

سيرة ابن اسحاق : السير والمغازى [القطعة الأولى من كتاب المغازي.] Empty حديث تبع الحميري

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 4:59

حديث تبع الحميري
حدثنا أحمد بن عبد الجبار: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق قال:
ثم إن تبعا أقبل من مسيره الذي كان سار يجول الأرض فيه، حتى نزل على المدينة، فنزل بوادي قباء، فحفر فيها بئراً، فهي اليوم تدعى بئر الملك، وبالمدينة إذ ذاك يهود، والأوس والخزرج، فنصبوا له فقاتلوه، فجعلوا يقاتلونه بالنهار، فإذا أمسى أرسلوا إليه بالضيافة وإلى أصحابه، فلما فعلوا ذلك به ليالي استحيى، فأرسل إليهم يريد صلحهم، فخرج إليه رجل من الأوس يقال له: أحيحة بن الجلاح بن حريش بن جحجبا بن كلده بن عوف «1» بن عمرو بن بن عوف بن مالك بن الأوس، وخرج إليه من يهود بنيامن القرظي، فقال له أحيحة: أيها الملك نحن قومك، وقال بنيامن: أيها الملك هذه بلدة لا تقدر أن تدخلها لو جهدت بجميع جهدك، فقال: ولم؟ قال: لأنها منزل نبي من الأنبياء، يبعثه الله عز وجل من قريش، وجاء تبعاً مخبر خبره عن اليمن أنه بعث [الله] عليها ناراً تحرق كل ما مرت به، فخرج سريعاً، وخرج معه بنفر من يهود فيهم بنيامن وغيره، وهو يقول:
إني نذرت يميناً غير ذي خلف ... ألا أجوز وبالحجاز مخلد
حتى أتاني من قريظة عالم ... حبر لعمرك في اليهود مسود «2»
__________
(1) جاء في حاشية الأصل: كذا قال، انما هو: ابن كلفة بن عوف.
(2) انظر التيجان في ملوك حمير المنسوب لوهب بن منبه ص 112 مع بعض الخلاف، ويشكل خبر تبع هذا قسما من أخبار الرواة عن اليمن قبل الاسلام، فيها تأثير قصة ذي القرنين القرآنية كما فيها رواسب تاريخية لحملات بعض ملوك حمير النصارى، قبل ذي نواس، على يثرب ومناطق سكنى اليهود في شمال شبه الجزيرة.

ألقى إلي نصيحة كي أزدجر ... عن قرية محجورة «1» بمحمد
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم خرج يسير حتى إذا كان بالدف من جمدان، من مكة على ليلتين أتاه ناس من هذيل بن مدركة، وتلك منازلهم، فقالوا: أيها الملك ألا ندلك على بيت مملوء ذهباً وياقوتاً وزبرجداً تصيبه وتعطينا منه؟ فقال: بلى، فقالوا: هو بيت بمكة، فراح تبع وهو مجمع لهدم البيت، فبعث الله عز وجل عليه ريحاً فقفعت يديه ورجليه، وشجت جسده، فأرسل إلى من كان معه من يهود، فقال: ويحكم ما هذا الذي أصابني؟
فقالوا: أأحدثت شيئا؟ فقال: وما أحدثت؟ فقالوا أحدثت نفسك بشيء؟
قال: نعم جاءني نفر من أهل هذا المنزل الذي رحنا منه، فدلوني على بيت مملوء ذهباً وياقوتاً وزبرجداً، ودعوني إلى تخريبه وإصابة ما فيه، على أن أعطيهم منه شيئاً، فرأيت لهم بذلك، فرحت، وأنا مجمع لهدمه، فقال النفر الذين كانوا معه من يهود: ذلك بيت الله الحرام، ومن أراده هلك، فقال: ويحكم فما المخرج مما دخلت فيه؟ قالوا: تحدث نفسك أن تطوف به كما يصنع به أهله وتكسوه وتهدي له، فحدث نفسه بذلك، فأطلقه الله عز وجل وقال في شعره:
بالدف من جمدان فوز مصعد ... حتى أتاني من هذيل أعبد
ذكروا إلي البيت، قالوا كنزه ... در وياقوت وفيه زبرجد
فأردت أمراً حال ربي دونه ... والرب يدفع عن خراب المسجد
ثم سار حتى دخل مكة، فطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، فأري في المنام أن يكسو البيت فكساه الخصف، وكان أول من كساه، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك فكساه المعافري، ثم أري أن يكسوه أحسن من ذلك، فكساه الوصائل، وصائل اليمن، وأقام بمكة ستة أيام- فيما ذكر لي- ينحر
__________
(1) في حاشية الاصل: كذا قال: وانما هي مجحورة.
بها للناس، ويطعم من كان بها من أهلها ويسقيهم للعسل، قال: فكان تبع فيما ذكر لي أول من كساه وأوصى به ولاته من جرهم، وأمرهم بتطهيره، ولا يقربوه ميتة، ولا دماً ولا مئلانا- وهو الحائض- وجعل له باباً ومفتاحاً، وقال تبع في الشعر:
ونحرنا بالشعب ستة ألف ... ترى الناس نحوهن ورودا
وكسونا البيت الذي حرم الله ... ملاء معضداً وبرودا
وأقمنا بها من الشهر ستا ... وجعلنا لبابه اقليدا
وأمرنا به الجرهمين خيرا ... وكانوا لحافتيه شهودا
وأمرنا ألا يقربن مئلانا ... ولا ميتاً «1» ولا دما مفصودا
ثم سرنا نؤم قصد سهيل ... قد رفعنا لواءنا معقودا «2»
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: فلما أراد الشخوص إلى اليمن، أراد أن يخرج حجر الركن، فيخرج به معه، فاجتمعت قريش «3» إلى خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، فقالوا: ما دخل علينا يا خويلد أن ذهب هذا بحجرنا، قال: وما ذاك؟ قالوا: تبع يريد أن يأخذ حجرنا يحمله إلى أرضه، فقال خويلد: الموت أحسن من ذلك، ثم أخذ السيف، وخرج وخرجت معه قريش بسيوفهم حتى أتوا تبعاً، فقالوا: ماذا تريد يا تبع إلى الركن؟ فقال: أردت أن أخرج به إلى قومي، فقالت قريش: الموت أقرب من ذاك، ثم خرجوا حتى أتوا الركن، فقاموا عنده، فحالوا بينه وبين ما أراد من ذلك، فقال خويلد في ذلك شعرا:
__________
(1) في حاشية الاصل: له جراحه.
(2) أي نحو الجنوب الى اليمن لأن سهيل يمان.
(3) كذا، وسبق أن ذكر في الفقرة السابقة أن سكان مكة آنئذ كانوا من جرهم، وتبعا للروايات أجلت خزاعة جرهم عن مكة ثم أجلى قصي بن كلاب خزاعة عن مكة وأسكنها قومه من قريش.
دعيني أم عمرو ولا تلومي ... ومهلاً عاذلي لا تعذليني
دعيني لا أخذت الخسف منهم «1» ... وبيت الله حتى يقتلوني
فما عذري وهذا السيف عندي ... وعضب نال قائمة يميني
ولكن لم أجد عنها محيداً ... وإني راهق ما أرهقوني
حدثنا أحمد قال: حدثنا يونس عن ابن إسحق، قال: ثم خرج متوجهاً إلى اليمن بمن معه من جنوده، حتى إذا قدمها، وكان لأهل اليمن مدينتان يقال لاحداهما مأرب، والأخرى ظفار، وكان منزل الملك في مأرب مبنياً بصفائح الذهب، وكان منزله في ظفار مبنياً بالرخام، وكان إذا شتى، شتى في مأرب، وإذا صاف، صاف في ظفار، وكانت مأرب بها ينشأ أبناء الملوك ويتعلمون الكلام، وكان ابن الحميري إذا بلغ قال: أرسلوا به إلى مأرب يتعلم المنطق، وكان في ظفار اصطوان من البلد الحرام مكتوب في أعلاها بكتاب من الكتاب الأول: لمن الملك، ظفار، لحمير الأخيار، لمن الملك ظفار لفارس الأخيار، لمن الملك ظفار، لقريش التجار، فلما قدمها تبع، نشرت يهود التوراة، وجعلوا يدعون الله عز وجل على النار حتى أطفأها الله عز وجل.
وكان لأهل اليمن شيطان يعبدونه، قد بنوا له بيتاً من ذهب، وجعلوا بين يديه حياضاً، فكانوا يذبحون له فيها، فيخرج، فيصيب من ذلك الدم، ويكلمهم، ويسألونه، فكانوا يعبدونه فلما أطفأت يهود النار قالوا لتبع: إن ديننا هذا الذي نحن عليه خير من دينك، فلو أنك تابعتنا على ديننا، فقد رأيت أن إلهك هذا لم يغن عنك شيئاً، ولا عن قومك عند الذي نزل بكم، فقال تبع: فكيف نصنع به ونحن نرى منه ما ترون من الأعاجيب؟ قالوا:
أفرأيت إن أخرجناه عنك تتبعنا على ديننا؟ قال: نعم، فجاءوا إلى باب ذلك البيت، فجلسوا عليه بتوراتهم ثم جعلوا يذكرون أسماء الله عز وجل، فلما
__________
(1) في حاشية الاصل: قال العطاردي: دعيني لا آخذ الخسف.
سمع ذلك الشيطان، لم يثبت وخرج جهاراً حتى وقع في البحر، وهم ينظرون، وأمر تبع ببيته الذي كان فيه، فهدم، وتهود بعض ملوك حمير، ويزعم بعض الناس أن تبعاً قد كان تهود.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن زكريا بن يحيى المدني قال: حدثنا عكرمة قال: سمعت ابن عباس يقول: لا يشبهن عليكم أمر تبع، فإنه كان مسلماً.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

سيرة ابن اسحاق : السير والمغازى [القطعة الأولى من كتاب المغازي.] Empty مقتل تبع

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 5:02

مقتل تبع
حدثنا أحمد بن عبد الجبار: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق قال:
لما فعل تبع ما فعل، غضبت ملوك حمير، وقالوا: ما كان يرضى أن يطيل غزونا، ويبعدنا في المسير من أهلينا حتى طعن أيضاً في ديننا وعاب آباءنا، فاجتمعوا على أن يقتلوه، ويستخلفوا أخاه من بعده، فاجتمع رأي الملوك على ذلك كلهم إلا ذا غمدان فإنه أبى أن يماليهم على ذلك، فثاروا به، فأخذوه ليقتلوه فقال لهم: أتراكم قاتلي؟ قالوا: نعم، قال: اما أنا فإذا قتلتموني فادفنوني قائماً، فإنه لن يزال لكم ملك قائم ما دمت قائماً، فلما قتلوه، قالوا:
والله لا يملكنا حياً وميتا، فنكسوه على رأسه، فقال في ذلك ذو غمدان، في الذي كان من أمره:
إن تك حمير غدرت وخانت ... فمعذرة الإله لذي رعين
ألا من يشتري سهراً بنوم ... سعيد من يبيت قرير عين
وقال في ذلك عبد كلال بعد قتل أخيه واستخلافهم إياه حين قتل وجوه حمير:
شفيت النفس ممن كان أمسى ... قرير العين قد قتلوا كريمي
فلما أن فعلت أصاب قلبي ... بما قد جئت من قتل رغيم
أشاروا لي بقتل أخ كريم ... وليس لذي الضرائب باللئيم
فعدت كأن قلبي في جناح ... بعيش ليس يرجع في نعيم
وعاد القلب كالمجنون ينمي ... إلى الغايات ليس بذي حميم
فلما أن قتلت به كراما ... وصاروا كلهم كالمستليم
رجعت إلى الذي قد كان مني ... كأن القلب ليس بذي كلوم
جزى رب البرية ذار عين ... جزاء الخلد من داع كريم
فإني سوف أحفظه وربي ... وأعطيه الطريف مع القديم
وقال عبد كلال أيضاً يرثى أخاه:
أطعت القوم إذ غشوا جميعاً ... وقد اتهمت في غش النصيح
ولو طاوعت في رأيي رعينا ... لقلت له وقولي ذو ندوح
فلم أرفع بقوله لي كلاما ... وعدت كأنني عبد أسيح
فلما أن قبلت القول منه ... على الأرواح من حق الفضوح
فمن أمسى يطاوعني فإني ... سأجهد في المقال به أبوح
فلما أن لقيتهم أقامت ... لذاك النفس في هم مريح
ثم استخفلوا أخا له، يقال له عبد كلال، فزعموا أنه كان لا يأتيه النوم بالليل، فأرسل إلى من كان ثم من يهود، فقال: ويحكم، ما ترون شأني؟
فقالوا: إنك غير نائم حتى تقتل جميع من مالأك على قتل أخيك، فتتبعهم، فقتل رؤوس حمير ووجوههم، ثم خرج ابن لتبع يقال له دوس، حتى أتى قيصر، فهو مثل في اليمن يضرب بعد: «لا كدوس ولا كمعلق رحله» فلما انتهى إلى قيصر، دخل عليه، فقال له: إني ابن ملك العرب، وإن قومي عدوا على أخي فقتلوه، فجئت لتبعث معي من يملك لك بلادي، وذلك لأن ملكهم الذي ملكهم بعد أبي قد قتل أشرافهم ورؤوسهم، فدعا قيصر بطارقته فقال: ما ترون في شأن هذا؟ قالوا: لا نرى أن تبعث معه أحداً إلى بلاد العرب، وذلك لأنا لا نأمن هذا عليهم ليكون إنما جاء ليهلكهم، فقال قيصر:
فكيف أصنع به وقد جاءني مستغيثاً؟ قالوا: اكتب له إلى النجاشي ملك الحبشة، وملك الحبشة يدين لملك الروم.
فكتب له إليه، وأمره أن يبعث معه رجالاً إلى بلاده، فخرج دوس بكتاب قيصر حتى أتى به النجاشي، فلما قرأه نخر وسجد له، وبعث معه ستين ألفاً، واستعمل عليهم روزبه، فخرج في البحر، حتى أرسى إلى ساحل اليمن،
فخرج عليهم هو وقومه، فخرجت عليهم حمير- وحمير يومئذ فرسان أهل اليمن- فقاتل أهل اليمن قتالاً شديداً على الخيل، فجعلوا يكردسونهم كراديس، ثم يحملون عليهم، فكلما مضى منهم كردوس تبعه آخر، فلما رأى ذلك روزبه قال لدوس: ما جئت بي ههنا إلا لتجزرني قومك، فلأبدأن بك فلأقتلنك قبل أن أقتل، قال: لا تفعل أيها الملك، ولكن أشير عليك فتقبل مني، قال:
نعم فأشر علي، قال له دوس: أيها الملك، إن حمير قوم لا يقاتلون إلا على الخيل، فلو أنك أمرت أصحابك، فألقوا بين أيديهم ترسهم ودرقهم، ففعلوا ذلك، فجعلت حمير تحمل عليهم فتزلق الخيل على الترسة والدرق، فتطرح فرسانها، فيقتل الآخرون، فلم يزالوا كذلك حتى دقوا، وكثرهم الآخرون، وإنهم ساروا حتى دخلوا صنعاء، فملكوها وملكوا اليمن، وكان في اصحاب روزبة رجل يقال له أبرهة بن الأشرم، وهو أبو يكسوم، فلما ملكوا اليمن، قال أبرهة لروزبة: أنا أولى بهذا الأمر منك، فقال الآخر: وكيف، والملك بعثني؟ قال: وإن كان الملك بعثك، فأنا أولى بهذا الأمر منك، ففاته الآخر، واتبع أبرهة ناس من قومه، فخرجوا للقتال، فلما تواقفوا ليقتتلوا، قال أبرهة لروزبة: ما لك ولأن نفني الحبشة، فيذهب ملكنا من هذه البلاد، اخرج، فأينا قتل صاحبه كان الملك، فقال الآخر: نعم، وكان روزبة رجلاً جسيما، وكان أبرهة رجلاً حادراً قصيراً، فقال أبرهة لغلام له: إذا خرجت إليه لأبارزه، فائته من خلفه فاقتله، فإن أصحابه لن يزيدوا على أن يفروا، ولك عندي ما سألتني من ملكي، فلما خرجا سل روزبه على أبرهة سيفه، فضربه ضربة وسط رأسه بالسيف، وضربه غلام أبرهة من خلفه فقطعه باثنتين، فاحتمله أصحابه، واحتمل هذا أصحابه، ثم إنهم اصطلحوا على أبرهة، ولم يكن فيهم بعد صاحبهم مثله، وبلغ ذلك النجاشي، فكتب إليه يتهدده، فحلق أبرهة رأسه، وأخذ تراباً من تراب أرضه، فبعث به إليه وقال: أيها الملك، هذا رأسي وتراب أرضي، فهو تحت قدميك، وإنما كنت أنا وروزبه
عبديك، فرأيت أني أقوى على أمر الملك منه، فلذلك فعلت ما فعلت، فكتب إليه النجاشي بالرضى، وأقره على ملكه.
ثم إن أبرهة بن الأشرم، وهو أبو يكسوم، بني كعبة باليمن وجعل عليها قباباً من ذهب، وأمر أهل مملكته بالحج إليها، يضاهي بذلك البيت الحرام «1» .
__________
(1) تحوي هذه الرواية سودا مختصرا، جاء في غاية الاضطراب، محشوا بالأخطاء، فقد أعطي اليهود دورا معاكسا لما هو معروف، ذلك أن المشهور والمتداول تبعا للروايات العربية والسريانية، أن عبد كلال كان أول من تنصر من بين ملوك حمير، فظلت النصرانية نشطة في جنوب اليمن وازداد مع نشاط رجالاتها نفوذ الامبراطورية البيزنطية، لذلك قام أحد أمراء حمير بانقلاب داخلي واتخذ اليهودية وحارب النصرانية، وكانت أشهر حملاته تلك ضد نصارى نجران التي عرفت باسم مذابح الاخدود التي ذكرها القرآن الكريم، وإثر هذه المذابح حاولت بيزنطة التدخل مباشرة ضد اليمن، فوجدت ذلك متعذرا، وقامت بيزنطة وهي متعظة بالحملة الرومانية لعام 25 ق. م ضد اليمن التي قادها اليوس جللوس، قامت بالايعاز لدولة الحبشة النصرانية بغزو اليمن، وقدمت لها المساعدات البحرية والعتاد، ونجح الأحباش باحتلال اليمن، لكن ما لبث أحد أمراء اليمن ويعرف بسيف بن ذي يزن أن قام بطرد الأحباش بمعونة الفرس. وظلت اليمن تحت سيادة فارسية حتى قام الاسلام ودخلت فيه، ومعروف أن روزبه الوارد في النص اسم فارسي حمله قائد الحملة الفارسية أو أحد كبار القادة في حين أن اسم أبرهة هو حبشي.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

سيرة ابن اسحاق : السير والمغازى [القطعة الأولى من كتاب المغازي.] Empty حديث الفيل

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 5:05

حديث الفيل
حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: نا يونس عن ابن اسحق قال:
وإن رجلا من بني ملكان بن كنانة، وهو من الحمس «1» ، خرج حتى قدم أرض اليمن، فدخلها «2» ، فنظر إليها، ثم قعد فخري فيها؛ فدخلها أبرهة، فوجد تلك العذرة فيها، فقال: من اجترأ علي بهذا؟ فقال له أصحابه: هذا رجل من أهل ذلك البيت الذي يحجه العرب، قال: فعلي اجترأ بهذا، ونصرانيتي، لأهد من ذلك البيت ولأخربنه حتى لا يحجه حاج أبداً، فدعا بالفيل، وأذن في قومه بالخروج، ومن اتبعه من أهل اليمن، وكان أكثر من تبعه من عك، والأشعريون، وخثعم، فخرجوا وهم يرتجزون:
إن البلد لبلد مأكول ... يأكله عك والأشعريون والفيل
فخرج يسير، حتى إذا كان ببعض طريقه، بعث رجلاً من بني سليم، ليدعو الناس إلى حج بيته الذي بناه، فتلقاه أيضاً رجل من الحمس، من بني كنانة، فقتله، فازداد بذلك- لما بلغه- حنقاً وحردا، وأحث السير
__________
(1) الحمس غير الحل، وأهل الحل غير اهل الحرم هم من قريش الذين ميزوا أنفسهم عن سواهم خاصة بالنسبة لمراسم الحج قبل انتصار الاسلام، لكن يظن أن هذا التقسيم حدث بعد عام الفيل ونتيجة له لا قبل ذلك انظر ما سيأتي ص- 98- 102.
(2) أي دخل كعبة اليمن، والمقصود بها الكنيسة التي بناها أبرهة، وتعلل هذه القصة سبب حملة أبرهة على مكة، وهو تعليل ليس له قيمة تاريخية، فالحملة استهدفت نشر النصرانية في جميع أنحاء شبه الجزيرة، وأراد الأحباش السيطرة على ثروات وتجارة مكة، ومن جهة أخرى الضغط على الامبراطورية الساسانية التي كانت في صراع شديد مع الامبراطورية البيزنطية، إلى غير ذلك من الاسباب.
والانطلاق، حتى إذا أشرف على وادي وج من الطائف، خرجت إليه ثقيف، فقالوا: أيها الملك، إنما نحن عبيدك، وليست ربتنا هذه بالتي تريد- يعنون اللات، صنمهم، وليست بالتي تحج إليها العرب، وإنما ذلك بيت قريش، الذي تجىء إليه العرب، قال: فابغوني دليلاً يدلني عليه، فبعثوا معه رجلا من هذيل، يقال له نفيل «1» ، فخرج بهم يهديهم، حتى إذا كانوا بالمغمس، نزلوا المغمس من مكة على ستة أميال، فبعثوا مقدماتهم إلى مكة، فخرجت مكة عباديد في رؤوس الجبال، وقالوا: لا طاقة لنا بقتال هؤلاء القوم، فلم يبق بمكة أحد إلا عبد المطلب بن هاشم، أقام على سقايته؛ وغير شيبة بن عثمان ابن عبد الدار، أقام على حجابة البيت، فجعل عبد المطلب يأخذ بعضادتي الباب، ثم يقول:
اللهم إن المرء يمن ... ع حله فامنع حلالك
لا يغلبوا بصليبهم ... ومحالهم غدرا محالك
أن يدخلوا البلد الحرام ... غدا فأمر ما بدا لك
يقول: أي شى ما، بدا لك، لم تكن تفعله بنا، ثم إن مقدمات أبرهة، أصابت نعماً لقريش، فأصابت فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم، فلما بلغه ذلك، خرج حتى أنتهى إلى القوم، وكان حاجب أبرهة رجلاً من الأشعريين، وكانت له بعبد المطلب معرفة قبل ذلك، فلما انتهى إليه عبد المطلب، قال له الأشعري: ما حاجتك؟ فقال: حاجتي أن تستأذن لي على الملك، فدخل عليه حاجبه، فقال له: أيها الملك، جاءك سيد قريش الذي يطعم أنيسها في السهل، ووحوشها في الجبل، فقال: ائذن له، وكان عبد المطلب رجلاً جسيماً جميلاً، فأذن له، فدخل عليه، فلما أن رآه أبو يكسوم، أعظمه أن يجلسه تحته، وكره أن يجلسه معه على سريره، فنزل من سريره، فجلس على الأرض، وأجلس عبد المطلب معه، ثم قال: ما حاجتك؟ فقال: حاجتي مائتا بعير، أصابتها
__________
(1) اسمه لدى بعض الرواة: أبو رغال.
مقدمتك، لي، فقال أبو يكسوم: والله لقد رأيتك فأعجبتني، ثم تكلمت، فزهدت فيك، فقال له: ولم أيها الملك؟ قال: لأني جئت إلى بيت هو منعتكم من العرب، وفضلكم في الناس، وشرفكم عليهم، ودينكم الذي تعبدون، فجئته لأكسره، وأصيبت لك مائتا بعير، فسألتك عن حاجتك، فكلمتني في إبلك، ولم تطلب إلي في بيتكم! فقال له عبد المطلب: أيها الملك، إنما أكلمك في مالي، ولهذا البيت رب هو يمنعه، لست أنا منه في شيء، فراع ذلك أبا يكسوم، وأمر برد إبل عبد المطلب عليه، ورجع عبد المطلب.
وأمسوا في ليلتهم تلك، فأمست ليلة كالحة، نجومها كأنما تكلمهم كلاما، لاقترابها منهم، وأحست أنفسهم بالعذاب، وخرج دليلهم حتى دخل الحرم، وتركهم، وقام الأشعريون وخثعم، فكسروا رماحهم وسيوفهم، وبرئوا إلى الله تعالى أن يعينوا على هدم البيت، فباتوا كذلك باخبث ليلة، ثم أدلجوا بسحر، فبعثوا فيلهم يريدون أن يصبحوا مكة، فوجهوه إلى مكة، فربض، فضربوه فتمرغ، فلم يزالوا كذلك حتى كادوا يصبحون، ثم إنهم أقبلوا على الفيل، فقالوا: لك الله ألا نوجهك إلى مكة، فجعلوا يقسمون له، ويحرك أذنيه، يأخذ عليهم، حتى إذا أكثروا من القسم، انبعث، فوجهوه إلى اليمن راجعاً، فتوجه يهرول، فعطفوه حين رأوه منطلقاً، حتى إذا ردوه إلى مكانه الأول، ربض وتمرغ، فلما رأوا ذلك، أقسموا له، وجعل يحرك أذنيه يأخذ عليهم، حتى إذا أكثروا، انبعث، فوجهوه إلى اليمن، فتوجه يهرول، فلما رأوا ذلك ردوه، فرجع معهم حتى إذا كان في مكانه الأول، ربض فضربوه، فتمرغ، فلم يزالوا كذلك، فعالجوه، حتى كان مع طلوع الشمس، طلعت عليهم الطير معها، وطلعت عليهم طير من البحر أمثال اليحاميم سود، فجعلت ترميهم وكل طائر في منقاره حجر، وفي رجليه حجران، فإذا رمت بتلك مضت، وطلعت أخرى، فلا تقع حجرة من حجارتهم تلك على بطن إلا خرقته، ولا عظم إلا أوهاه ونقبه.
وثار أبو يكسوم راجعاً، قد أصابته بعض الحجارة، فجعل كلما قدم أرضاً انقطع منه فيها أرب، حتى إذا انتهى إلى اليمن، ولم يبق منه شيء إلا اباده، فلما قدمها انصدع صدره، وانشق بطنه، فهلك، ولم يصب من الأشعريين وخثعم أحد.
ولما فزعوا إلى دليلهم ذلك، يسألون عنه، فجعلوا يقولون: يا نفيل، يا نفيل، وقد دخل نفيل الحرم، ففي ذلك يقول نفيل:
ألا ردي جمالك يا ردينا ... نعمناكم مع الاصباح عينا
فإنك لو رأيت، ولن تريه ... إلى جنب المحصب ما رأينا
إذا لخشيته وفزعت منه ... ولم تأسي على ما فات عينا
خشيت الله لما رأيت طيرا ... وقذف حجارة ترمي علينا
وكلهم يسائل عن نفيل ... كأن علي للحبشان دينا
وقال المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم:
أنت حبست الفيل بالمغمس ... أهلكت أبا يكسوم والمغلس
كردستهم وأنت غير مكردس ... تدعسهم وأنت غير مدعس
وقال عبد المطلب، وهو يرتجز ويدعو على الحبشة:
يا رب لا أرجو لهم سواكا ... يا رب فامنع منهم حماكا
إن عدو البيت من عاداكا ... إنهم لن يقهروا قواكا
وقال عبد المطلب حين انصرفوا:
منعت الأرض التي حميت ... من اللئام فلم تخلق لهم دارا
منعت مكة منهم إنني رجل ... ذو أسرة لم نكن في الحب غدارا
إذ قلت يا صاحب الحبشان إن لنا ... من دون أن يهدم المعمور أخطارا
فسار في جيشه بالفيل مقتدرا ... وسرت مستبسلا للموت صبارا
في فتية من قريش ليس ميتهم ... بمورث حيهم شينا ولا عارا
حدثنا أحمد، نا يونس بن بكير، عن عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين، عن عبد الله بن عباس في قوله: «وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ «1» » ، قال: طير لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكف كأكف الكلاب.
حدثنا أحمد قال: نا أبي، ويونس جميعاً، عن قيس بن الربيع، عن جابر ابن عبد الرحمن بن أسباط، عن عبيد بن عمير: «وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ» قال: طيراً أقبلت من قبل البحر كانها رجال الهند «تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ» أصغرها مثل رؤوس الرجال، وأعظمها مثل الإبل الهزل، ما رمت أصابت، ما أصابت قتلت، وزاد فيه أبي: الأبابيل المتتابعة، ما أرادت أصابت، وما أصابت قتلت.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق، قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عن عمرة ابنة عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لقد رأيت قائد الفيل، وسائسه أعميين مقعدين، يستطعمان بمكة.
حدثنا أحمد، نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة ابن الأخنس قال: حدثت أنه أول ما رؤي في أرض العرب: الحصبة، والجدري، ومرائر الشجر من العشر والحرمل وأشباه ذلك، عام الفيل.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

سيرة ابن اسحاق : السير والمغازى [القطعة الأولى من كتاب المغازي.] Empty سفر أم الرسول به إلى المدينة ووفاتها.

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 5:09

سفر أم الرسول به إلى المدينة ووفاتها.
حدثنا أحمد: نا يونس بن بكير، عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: قدمت آمنة بنت وهب، أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، برسول الله صلى الله عليه وسلم على أخواله من بني عدي بن النجار بالمدينة، ثم رجعت به، حتى إذا كانت بالأبواء هلكت بها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ست سنين.
حدثنا أحمد: نا يونس، عن ابن إسحق، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جده عبد المطلب، فحدثني العباس بن عبد الله بن معبد، عن بعض أهله
__________
(1) سورة الفيل:
قال: كان يوضع لعبد المطلب جد رسول الله صلى الله عليه وسلم فراش في ظل الكعبة، فكان لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي حتى يجلس عليه، فيذهب أعمامه يؤخرونه، فيقول جده عبد المطلب: دعوا ابني، فيمسح على ظهره، ويقول: إن لبني هذا شأنا

وفاة عبد المطلب بن هاشم.
فتوفي عبد المطلب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ثماني سنين، بعد الفيل بثماني سنين.

كشف قبر عبد الله بن الثامر.
حدثنا أحمد: نا يونس، عن ابن اسحق قال: نا عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: ذهب رجل بصنعاء يحفر خربة من خربها لبعض ما ينتفع به الناس، فكشف عن عبد الله بن التامر، قاعداً يده على شجة برأسه موضوعة، إذا أخروا يده عنها، نبعت دماً، وإذا أرسلوها ردها فوضعها عليها، في يده خاتم، نقشه «ربي الله» ، فكتب في ذلك إلى عمر بن الخطاب، فكتب أن: ارددوا عليه ما كان عليه، وأقروه- حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال:
وكان على دين عيسى عليه السلام.
2
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

سيرة ابن اسحاق : السير والمغازى [القطعة الأولى من كتاب المغازي.] Empty كشف جثة دانيال النبي.

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 5:11

كشف جثة دانيال النبي.
حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير عن أبي خلدة خالد بن دينار قال:
نا أبو العالية قال: لما فتحنا تستر، وجدنا في بيت مال الهرمزان «1» سريراً عليه رجل ميت، عند رأسه مصحف له، فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر بن الخطاب، فدعا له كعباً، فنسخه بالعربية، فأنا أول رجل من العرب قرأه، قرأته مثلما أقرأ القرآن هذا، فقلت لأبي العالية: ما كان فيه؟ فقال: سيرتكم وأموركم، ولحون كلامكم، وما هو كائن بعد، قلت: فما صنعتم بالرجل؟ قال:
حفرنا بالنهار ثلاثة عشر قبراً متفرقة، فلما كان الليل دفناه، وسوينا القبور كلها، لنعميه على الناس، لا ينبشونه، قلت: وما يرجون منه؟ قال: كانت السماء إذا حبست عليهم، برزوا بسريره فيمطرون، قلت: من كنتم تظنون الرجل؟ قال: رجل يقال له دانيال، فقلت: منذ كم وجدتموه مات؟ قال:
__________
(1) هزم الهرمزان إثر معركة نهاوند في خلافة عمر بن الخطاب، وجيىء بالهرمزان الى المدينة حيث بقي فيها، وهناك من يرى أنه شارك في مؤامرة اغتيال عمر.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

سيرة ابن اسحاق : السير والمغازى [القطعة الأولى من كتاب المغازي.] Empty زعامة مكة بعد وفاة عبد المطلب.

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 5:14

زعامة مكة بعد وفاة عبد المطلب.
حدثنا أحمد قال: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق قال: لما حضرت عبد المطلب الوفاة، قال لبناته: ابكين حتى أسمع كيف تقلن، وكن ست نسوة، وهن: أميمة، وأم حكيم، وبرة، وعاتكة، وصفية، وأروى، فقالت أميمة:
ألا هلك راعي العشيرة ذو العقد ... وساقي الحجيج المحامي عن الحمد
ومن يؤلف الجار الغريب لبيته ... إذا ما سماء البيت تبخل بالرعد
وقالت عاتكة:
أعيني جودا ولا تبخلا ... بدمعكما بعد نوم النيام
أعيني واسحو فزا واسكبا ... وشوبا بكاء كما بالندام
على الجحفل الغمر في النائبا ... ت كريم المساعي وفي الذمام
على شيبة الحمد واري الزناد ... وذي مصدق بعد ثبت المقام
وقالت صفية:
أرقت لصوت نائحة بليل ... على رجل بقارعة الصعيد
ففاضت عند ذلكم دموعي ... على خدي كمنحدر الفريد
على الغياض شيبة ذي المعالي ... أبيك الخير وارث كل جود
طويل الباع أروع شيظمي ... مطاع في عشيرته حميد
عظيم الحلم من نفر كرام ... خضارمة ملاوثة أسود
وقالت البيضاء أم حكيم، والبيضاء جدة عثمان بن عفان، أم أمه، وكانت البيضاء عند كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس فولدت له عامراً وأروى:
ألا يا عين جودي واستهلي ... وبكي ذا الندى والمكرمات
__________
(1) كذا والأقرب الى الصحة ابدال المئة بألف.
ألا يا عين ويحك أسعفيني ... بدمع من دموع هاطلات
فبكى خير من ركب المطايا ... أباك الخير تيار الفرات «1»
طويل الباع شيبة ذا المعالي ... كريم الخيم محمود الهبات
وصولاً للقرابة هبرزيا ... وغيثاً في السنين الممحلات
فبكيه ولا تسمى بحزن ... وبكى ما بكين الباكيات
وقالت بره:
أعيني جودا بدمع درر ... على طيب الخيم والمعتصر
على ماجد الجد واري الزنا ... د جميل المحيا عظيم الخطر
على شيبة الحمد ذي المكرما ... ت وذي المجد والعز والمفتخر
وذي الفضل والحلم في النائبا ... ت كثير المكارم جم الفخر
له فضل مجد على قومه ... مبين يلوح كضوء القمر
أتته المنايا فلم تسوءه ... بصرف الليالي وريب القدر
وقالت أروى:
بكت عيني وحق لها البكاء ... على سمح سجيته الحياء
على سهل الخليفة أبطحي ... كريم الجد نيته العلاء
على الغياض شيبة ذي المعالي ... أبيك الخير ليس له كفاء
طويل الباع أملس شيظمى ... أغر كأن غرته ضياء
ومعقل مالك وربيع فهر ... وفاصلها إذا التبس القضاء
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ومات عبد المطلب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن ثماني سنين، فلم يبك أحد كان قبله بكاه.
وولي زمزم والسقاية من بني عبد المطلب بعده العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذ أحدث إخوته سنا، فلم تزل إليه حتى قام الإسلام وهي بيده، فأقرها
__________
(1) جاء في حاشية الأصل قال العطاردي: تيار الترات.
رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما مضى، فهي إلى آل العباس بولاية العباس إياها إلى هذا اليوم.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: ولما هلك عبد المطلب، كانت الرئاسة بعده والشرف والسن في قومه بني عبد مناف لحرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، فأطعم الناس، وحاط العشيرة، وشرف قومه، ونصب قبة بمكة للضيف، يطعم فيها من جاءه، وكان عبد المطلب- فيما يزعمون- يوصي أبا طالب برسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أن عبد الله وأبا طالب لأم، فقال عبد المطلب- فيما يزعمون- فيما يوصيه به، واسم أبي طالب عبد مناف:
أوصيك يا عبد مناف بعدي ... بموحد بعد أبيه فرد
فارقه وهو ضجيع المهد «1» ... فكنت كالأم له في الوجد
تدنيه من أحشائها والكبد ... حتى إذا خفت مداد الوعد
أوصيت أرجى أهلنا للتوفد ... بابن الذي غيبته في اللحد
بالكره مني ثم لا بالعمد ... فقال لي والقول ذو مرد
ما ابن أخي ما عشت في معد ... إلا كأدنى ولدي في الود
عندي أرى ذلك باب الرشد ... بل أحمد قد يرتجى للرشد
وكل أمر في الأمور ود ... قد علمت علام أهل العهد
ان ابني سيد أهل نجد ... يعلو على ذي البدن الأشد
وقال عبد المطلب أيضاً:
أوصيت من كنيته بطالب ... عبد مناف وهو ذو تجارب
بابن الذي قد غاب غير آئب ... بابن أخ والنسوة الحبائب
بابن الحبيب أقرب الأقارب ... فقال لي كشبه المعاتب
لا توصني ان كنت بالمعاتب ... بثابت الحق علي واجب
__________
(1) تبعا لبعض الروايات الشاذة ولد النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاة أبيه بعدة أشهر.
محمد ذو العرف والذوائب ... قلبي إليه مقبل وائب
فلست بالآيس غير الراغب ... بأن يحق الله قول الراهب
فيه وأن يفضل آل غالب ... إني سمعت أعجب العجائب
من كل حبر عالم وكاتب ... هذا الذي يقتاد كالجنائب
من حل بالأبطح والأخاشب ... أيضاً ومن ثاب إلى المثاوب
من ساكن للحرم أو مجانب
آخر الجزء الأول من كتاب المغازي لابن إسحق- يتلوه في الثاني إن شاء الله حديث بحيرا الراهب والحمد لله حق حمده، وصلواته على محمد خير خلقه، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى