مناهل العرفان في علوم القرآن (1367)
صفحة 1 من اصل 1
مناهل العرفان في علوم القرآن (1367)
المجلد الأول
تصدير الطبعة الثالثة وفهرسها
...
تصدير الطبعة الثالثة وفهرسها
1- التصدير
بسم الله الرحمن الرحيم
{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} . أما بعد فها هي الطبعة الثالثة من كتاب "مناهل العرفان في علوم القرآن" أقدمها لقرائي الأكرمين بعد أن أعدت النظر فيه رجاء أن أدرك الكمال أو أقارب فزدت وحذفت وقدمت وأخرت وصححت واستدركت ثم هيأ الله تباركت آلاؤه مطبعة عاونتني على حسن إخراجه فضبطته وشكلته ونظمته وصقلته. ولولا أزمة الورق الحادة للبس الكتاب حلة أبهى من هذه الحلة. ولكن إذا سلم لك الجوهر واللباب فلا عليك من القشر والإهاب.
خذ بنصل السيف واترك غمده ... واعتبر فضل الفتى دون الحلل
على أن الذنب في ذلك هو ذنب هذه الحرب الضروس الطاحنة التي طغت وبغت وطمت وعمت حتى لم ينج من شرها شرق ولا غرب ولا ضيق ولا رحب بل قعدت للناس بكل صراط وأثرت في جميع المرافق حتى أدوات الطبع بالطبع.
لطف الله بالبلاد والعباد وأخرج الإسلام من هذه المحنة قوي السناد رفيع العماد عالي الكلمة مسموع الصوت حتى يفيء الجميع إلى بحبوحته ويتفيئوا وارف ظلاله وسلامه وأمنه وإيمانه وعدله ورحمته ويسره وسماحته وحتى يعلموا أن نهضة العلم جناية على الإنسانية جائحة إن لم تسايرها نهضة روحية صالحة توفق بين مطالب الروح والجسد,
وتؤاخي بين إنسان الشرق والغرب وتستأصل النعرات الجنسية والطائفية وتنظم من الكل جبهة متحدة على صراط الحق والخير , {حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} .
وهل توجد هذه المزايا مجتمعة إلا في الإسلام؟ وهل يوجد الإسلام بغير القرآن؟ وهل يفهم القرآن إلا بعلوم القرآن؟ وهو موضوع كتابنا الآن؟ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} .
محاولاتي:
ولقد حاولت في هذا التأليف أمورا خمسة:
أولها - أن تكون كتابتي من النسق الأزهري الجديد في تفكيره وفي تعبيره بحيث يتيسر فهمه وهضمه للقراء من أبناء هذا الجيل سواء منهم المحقق الأزهري والمثقف المدني فإن لكل زمان لغة ولسانا ومنطقا وبرهانا. {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} .
على أنني في هذه المحاولة لا أدعي أنني أنشأت وابتكرت ولا أحدثت وابتدعت. بل قصاراي أنني فهمت وأحسنت العرض إذا كنت قد وفقت. أما المادة نفسها فالفضل فيها لعلماء هذه الأمة الذين أبلوا في جمعها بلاء حسنا ولم يخرجوا من الدنيا إلا بعد أن شقوا لنا الطريق وقربوا البعيد وجمعوا الشتيت وتركوا من خلفهم ثروة علمية هائلة وكنوزا ثقافية زاخرة لا يوجد مثلها ولا قريب منها في أية أمة من أمم الأرض إلى يوم الناس هذا وأعتقد أننا لو أحسنا القيام على هذه التركة لكان لنا شأن غير هذا الشأن ومكانة وسلطان لا يدانيهما مكانة ولا سلطان!
ولكن ما قضي كان. ولعل المستقبل القريب يكون أسعد من هذا الحاضر الحزين الأسوان!.
ثانيها - أن أعالج شبهات عصرنا الراهن علاجا ينحي الأذى عن طريق عشاق الحق وطلاب الحقيقة ورواد البحث ومريدي الإسلام.
ولقد التزمت في علاج هذه الشبهات أدب الباحث وواجب المناظر. ورأيت لمثل هذا الاعتبار أن أرخي الستر على أسماء أصحاب هذه الشبه خصوصا المعاصرين منهم. وتعمدت هذه السياسة محاسنة لهم عسى أن يرعووا وحبا في سلام البحث وهدوئه عسى أن يسلموا ويهدؤوا وغضا من شأنهم إن كان لهم شأن كيلا يقلدوا فإننا أصبحنا في زمان افتتن كثير من الناس فيه بالأسماء والرتب والأموال والنسب. وباتوا لا يعرفون الرجال بالحق إنما يعرفون الحق بالرجال فالباطل إن صدر من فلان النابه فهو عندهم حق وزين والحق إن جاء به فلان الخامل فهو عندهم باطل وشين وهكذا اختلت الضوابط وانقلبت الموازين.
ثالثها - أن أظهر عند كل مناسبة جلال التآخي بين الإسلام والعلم لتنكشف تلك الدسيسة الرخيصة المفضوحة التي خيلت إلى المخدوعين أن بين الدين والعلم خصومة قائمة وحربا طاحنة وعداوة متأصلة كأن الدين رديف الجهل وكأن العلم حليف الكفر {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} .
رابعها - أن أجلي أسرار التشريع وحكمه كلما دعاني المقام ليعلم من لم يكن يعلم أن هذا الدين هو حاجة الإنسانية ودواء البشرية وكمال الفرد وصلاح الجماعة ولتنقطع أنفاس تلك الدعاية الضالة دعاية فصل الدين عن السياسة والثقافة الدينية عن الثقافة المدنية,
وقوانين العدل ودساتير الحكم عن مقررات العقيدة وشعائر العبادة وهي أخبث الدعوات وأفسقها فيما نعلم!.
ولئن صح أن يقال هذا في أديان قاصرة عن الوفاء بحاجات الإنسانية في مناحي الإصلاح البشري فما كان يصح أن يقال هذا في دين الإسلام بحال من الأحوال لأنه دين عقيدة وعمل وعبادة وقيادة وعلم وخلق وحكم وعدل ورحمة وحق ومصحف وسيف ودنيا وآخره!
ومن كان في ريب فليسأل التاريخ عن جليل الآثار التي تركها الحكم الإسلامي الصالح في أتباعه ومن انضوى تحت لوائهم من الأقليات الأجنبية على اختلاف أديانهم ومذاهبهم الطائفية.
بل ليسألوا العالم وأحداثه والدهر وتصاريفه: أي الحكمين كان أنجح في تربية الأفراد وأنجع في إصلاحات الجماعات وأهدى سبيلا في الاعتدال والاستدلال؟ أحكم السماء أم حكم الأرض؟ وقانون الخالق أم قوانين الخلق وتشريع العليم الحكيم المنزه عن الغرض والهوى أم تشاريع الإنسان القاصر النظر والاطلاع المتأثر بطغيان الغرائز وجموح القوى؟ {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ؟
وإن لم يكفهم هذا فليسألوا المنصفين من مشاهير الغرب كغوستاف لوبون الفرنسي وبرناردشو الانجليزي وأمثالهما من الذين درسوا الإسلام وبحثوه ثم حكموا له وأنصفوه وأطروه وامتدحوه.
"والفضل ما شهدت به الأعداء"!.
ولنمسك القلم عن الجولان في هذا الميدان فالكلمة هنا للتصدير والتنوير لا للمقارنة والتنظير
وحسبنا أن نردد قول الشاعر العربي:
ملكنا فكان العفو منا سجية ... فلما ملكتم سال بالدم أبطح
فحسبكمو هذا التفاوت بيننا ... وكل إناء بالذي فيه ينضح
خامسها: أن أنفخ الروح من بوق هذا الكتاب في الكرام القارئين لا سيما طلابي الأعزاء الذين هم على وشك النزول إلى ميادين الدعوة والإرشاد فأوقظ همما أخاف أن تكون قد نامت وأحيي عزائم معاذ الله أن تكون قد ماتت. والروح هي كل شيء هي القوة الدافعة وهي الحياة الرائعة والروح الصحيحة لا توجد إلا في القرآن بل الروح الصحيحة هي القرآن {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} .
إن الإسلام لا يريد من المسلم ولا يرضى له أن يكون هيكلا جامدا ولا أن يكون تمثالا هامدا فإن الإسلام عدو الهياكل والجمود خصيم التماثيل والهمود.
إنما يريد الإسلام أن يكون المسلم روحا يبعث الروح وحياة يملأ الدنيا حياة ورسولا من رسل السلام والرحمة والنجاة أجل. ويريد الإسلام أن يكون أهل العلم من أتباعه أصحاب همم علية ونفوس أبية لا يشترون بعهد الله ثمنا قليلا ولا يريدون بعلمهم عرض هذا الأدنى. إنما همهم وراثة الأنبياء في إصلاح العالم وتبليغ دعوة الإسلام على وجهها لطبقات الخلق وتنفيذ أحكام الله في الأقضية وسائر شؤون الحكم. {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} .
وهنا في هذه الآية الحكيمة تتجلى رسالة العالم والطالب. ويا لها رسالة ثم يا لها أمانة نسأل الله السلامة والإعانة.
رجائي:
تلك محاولاتي وأهدافي فإذا كنت قد أصبتها فذلك الفضل من الله وما بكم من نعمة فمن الله النحل
وإن كانت الثانية فإنما هي نفسي وأستغفر الله.
ورجائي من كل ناظر يطلع على عيب أن يدلني عليه ويرشدني إليه. فالدين النصيحة والمسلمون بخير ما تعاونوا. وما نجح سلفنا الصالح وكانوا خير أمة أخرجت للناس إلا بهذه الفضيلة. وإنه ليحلو لي أن أقول هنا ما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "رحم الله رجلا أهدى إلي عيوب نفسي".
شكري:
وإني لمدين ببالغ الشكر وسابغ الحمد لأولئك السادة الأماجد الذين طوقوا عنقي بجليل معاونتهم وتشجيعهم وجميل تقريظهم وتقديرهم.
ولا أزال أحفظ بالإجلال والإكبار ما لقيته في هذه المناسبة السعيدة من بعض رجالات الدولة وكبار العلماء ورؤساء الجماعات الإسلامية وأصحاب المجلات والصحف اليومية وإخواني أبناء الأقطار الشقيقة خصوصا الذين عملوا منهم على ترجمة هذا الكتاب ونقله في دقة وأمانة إلى بعض اللغات الشرقية.
وأعتذر عن عدم نشر تقاريظهم والتنويه بفضلهم في هذه المرة لخجل في طبعي وضيق في طبع الكتاب.
عجل الله الفرج للأنام وأعاد عهد الرخاء واليسر والسلام وجعل العاقبة للإسلام وبلاد الإسلام {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} .
المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتب ولم يجعل له عوجا والصلاة والسلام على من أرسله الله بالقرآن رحمة للعالمين وفرجا سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحابته وأتباعه ومحبيه وأمته.
أما بعد فهذا كتاب مناهل العرفان في علوم القرآن. كتبته تحقيقا لرغبة طلابي المتخصصين في الدعوة والإرشاد من كلية أصول الدين بالجامعة الأزهرية.
مستمدا معارفه بعد فتوح الله وتوفيقه مما كتب علماء الإسلام قديما وحديثا في القرآن الكريم وعلومه والتفسير ومقدماته وعلم تاريخ التشريع وعلمي الكلام والأصول وعلوم اللغة العربية ومعاجمها وعلمي الفلسفة والاجتماع وعلمي النفس والأخلاق وبعض البحوث المنثورة هنا وهناك في غضون الرسائل والمجلات من عربية صميمة ومترجمة منقولة.
وإلى الله تعالى أضرع أن يكتب لي فيه النجاح والتوفيق والقبول وأن يحقق به النفع المرجو والأثر المأمول. {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} .
تصدير الطبعة الثالثة وفهرسها
...
تصدير الطبعة الثالثة وفهرسها
1- التصدير
بسم الله الرحمن الرحيم
{الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} . أما بعد فها هي الطبعة الثالثة من كتاب "مناهل العرفان في علوم القرآن" أقدمها لقرائي الأكرمين بعد أن أعدت النظر فيه رجاء أن أدرك الكمال أو أقارب فزدت وحذفت وقدمت وأخرت وصححت واستدركت ثم هيأ الله تباركت آلاؤه مطبعة عاونتني على حسن إخراجه فضبطته وشكلته ونظمته وصقلته. ولولا أزمة الورق الحادة للبس الكتاب حلة أبهى من هذه الحلة. ولكن إذا سلم لك الجوهر واللباب فلا عليك من القشر والإهاب.
خذ بنصل السيف واترك غمده ... واعتبر فضل الفتى دون الحلل
على أن الذنب في ذلك هو ذنب هذه الحرب الضروس الطاحنة التي طغت وبغت وطمت وعمت حتى لم ينج من شرها شرق ولا غرب ولا ضيق ولا رحب بل قعدت للناس بكل صراط وأثرت في جميع المرافق حتى أدوات الطبع بالطبع.
لطف الله بالبلاد والعباد وأخرج الإسلام من هذه المحنة قوي السناد رفيع العماد عالي الكلمة مسموع الصوت حتى يفيء الجميع إلى بحبوحته ويتفيئوا وارف ظلاله وسلامه وأمنه وإيمانه وعدله ورحمته ويسره وسماحته وحتى يعلموا أن نهضة العلم جناية على الإنسانية جائحة إن لم تسايرها نهضة روحية صالحة توفق بين مطالب الروح والجسد,
وتؤاخي بين إنسان الشرق والغرب وتستأصل النعرات الجنسية والطائفية وتنظم من الكل جبهة متحدة على صراط الحق والخير , {حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} .
وهل توجد هذه المزايا مجتمعة إلا في الإسلام؟ وهل يوجد الإسلام بغير القرآن؟ وهل يفهم القرآن إلا بعلوم القرآن؟ وهو موضوع كتابنا الآن؟ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} .
محاولاتي:
ولقد حاولت في هذا التأليف أمورا خمسة:
أولها - أن تكون كتابتي من النسق الأزهري الجديد في تفكيره وفي تعبيره بحيث يتيسر فهمه وهضمه للقراء من أبناء هذا الجيل سواء منهم المحقق الأزهري والمثقف المدني فإن لكل زمان لغة ولسانا ومنطقا وبرهانا. {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} .
على أنني في هذه المحاولة لا أدعي أنني أنشأت وابتكرت ولا أحدثت وابتدعت. بل قصاراي أنني فهمت وأحسنت العرض إذا كنت قد وفقت. أما المادة نفسها فالفضل فيها لعلماء هذه الأمة الذين أبلوا في جمعها بلاء حسنا ولم يخرجوا من الدنيا إلا بعد أن شقوا لنا الطريق وقربوا البعيد وجمعوا الشتيت وتركوا من خلفهم ثروة علمية هائلة وكنوزا ثقافية زاخرة لا يوجد مثلها ولا قريب منها في أية أمة من أمم الأرض إلى يوم الناس هذا وأعتقد أننا لو أحسنا القيام على هذه التركة لكان لنا شأن غير هذا الشأن ومكانة وسلطان لا يدانيهما مكانة ولا سلطان!
ولكن ما قضي كان. ولعل المستقبل القريب يكون أسعد من هذا الحاضر الحزين الأسوان!.
ثانيها - أن أعالج شبهات عصرنا الراهن علاجا ينحي الأذى عن طريق عشاق الحق وطلاب الحقيقة ورواد البحث ومريدي الإسلام.
ولقد التزمت في علاج هذه الشبهات أدب الباحث وواجب المناظر. ورأيت لمثل هذا الاعتبار أن أرخي الستر على أسماء أصحاب هذه الشبه خصوصا المعاصرين منهم. وتعمدت هذه السياسة محاسنة لهم عسى أن يرعووا وحبا في سلام البحث وهدوئه عسى أن يسلموا ويهدؤوا وغضا من شأنهم إن كان لهم شأن كيلا يقلدوا فإننا أصبحنا في زمان افتتن كثير من الناس فيه بالأسماء والرتب والأموال والنسب. وباتوا لا يعرفون الرجال بالحق إنما يعرفون الحق بالرجال فالباطل إن صدر من فلان النابه فهو عندهم حق وزين والحق إن جاء به فلان الخامل فهو عندهم باطل وشين وهكذا اختلت الضوابط وانقلبت الموازين.
ثالثها - أن أظهر عند كل مناسبة جلال التآخي بين الإسلام والعلم لتنكشف تلك الدسيسة الرخيصة المفضوحة التي خيلت إلى المخدوعين أن بين الدين والعلم خصومة قائمة وحربا طاحنة وعداوة متأصلة كأن الدين رديف الجهل وكأن العلم حليف الكفر {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} .
رابعها - أن أجلي أسرار التشريع وحكمه كلما دعاني المقام ليعلم من لم يكن يعلم أن هذا الدين هو حاجة الإنسانية ودواء البشرية وكمال الفرد وصلاح الجماعة ولتنقطع أنفاس تلك الدعاية الضالة دعاية فصل الدين عن السياسة والثقافة الدينية عن الثقافة المدنية,
وقوانين العدل ودساتير الحكم عن مقررات العقيدة وشعائر العبادة وهي أخبث الدعوات وأفسقها فيما نعلم!.
ولئن صح أن يقال هذا في أديان قاصرة عن الوفاء بحاجات الإنسانية في مناحي الإصلاح البشري فما كان يصح أن يقال هذا في دين الإسلام بحال من الأحوال لأنه دين عقيدة وعمل وعبادة وقيادة وعلم وخلق وحكم وعدل ورحمة وحق ومصحف وسيف ودنيا وآخره!
ومن كان في ريب فليسأل التاريخ عن جليل الآثار التي تركها الحكم الإسلامي الصالح في أتباعه ومن انضوى تحت لوائهم من الأقليات الأجنبية على اختلاف أديانهم ومذاهبهم الطائفية.
بل ليسألوا العالم وأحداثه والدهر وتصاريفه: أي الحكمين كان أنجح في تربية الأفراد وأنجع في إصلاحات الجماعات وأهدى سبيلا في الاعتدال والاستدلال؟ أحكم السماء أم حكم الأرض؟ وقانون الخالق أم قوانين الخلق وتشريع العليم الحكيم المنزه عن الغرض والهوى أم تشاريع الإنسان القاصر النظر والاطلاع المتأثر بطغيان الغرائز وجموح القوى؟ {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ، أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ؟
وإن لم يكفهم هذا فليسألوا المنصفين من مشاهير الغرب كغوستاف لوبون الفرنسي وبرناردشو الانجليزي وأمثالهما من الذين درسوا الإسلام وبحثوه ثم حكموا له وأنصفوه وأطروه وامتدحوه.
"والفضل ما شهدت به الأعداء"!.
ولنمسك القلم عن الجولان في هذا الميدان فالكلمة هنا للتصدير والتنوير لا للمقارنة والتنظير
وحسبنا أن نردد قول الشاعر العربي:
ملكنا فكان العفو منا سجية ... فلما ملكتم سال بالدم أبطح
فحسبكمو هذا التفاوت بيننا ... وكل إناء بالذي فيه ينضح
خامسها: أن أنفخ الروح من بوق هذا الكتاب في الكرام القارئين لا سيما طلابي الأعزاء الذين هم على وشك النزول إلى ميادين الدعوة والإرشاد فأوقظ همما أخاف أن تكون قد نامت وأحيي عزائم معاذ الله أن تكون قد ماتت. والروح هي كل شيء هي القوة الدافعة وهي الحياة الرائعة والروح الصحيحة لا توجد إلا في القرآن بل الروح الصحيحة هي القرآن {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} .
إن الإسلام لا يريد من المسلم ولا يرضى له أن يكون هيكلا جامدا ولا أن يكون تمثالا هامدا فإن الإسلام عدو الهياكل والجمود خصيم التماثيل والهمود.
إنما يريد الإسلام أن يكون المسلم روحا يبعث الروح وحياة يملأ الدنيا حياة ورسولا من رسل السلام والرحمة والنجاة أجل. ويريد الإسلام أن يكون أهل العلم من أتباعه أصحاب همم علية ونفوس أبية لا يشترون بعهد الله ثمنا قليلا ولا يريدون بعلمهم عرض هذا الأدنى. إنما همهم وراثة الأنبياء في إصلاح العالم وتبليغ دعوة الإسلام على وجهها لطبقات الخلق وتنفيذ أحكام الله في الأقضية وسائر شؤون الحكم. {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} .
وهنا في هذه الآية الحكيمة تتجلى رسالة العالم والطالب. ويا لها رسالة ثم يا لها أمانة نسأل الله السلامة والإعانة.
رجائي:
تلك محاولاتي وأهدافي فإذا كنت قد أصبتها فذلك الفضل من الله وما بكم من نعمة فمن الله النحل
وإن كانت الثانية فإنما هي نفسي وأستغفر الله.
ورجائي من كل ناظر يطلع على عيب أن يدلني عليه ويرشدني إليه. فالدين النصيحة والمسلمون بخير ما تعاونوا. وما نجح سلفنا الصالح وكانوا خير أمة أخرجت للناس إلا بهذه الفضيلة. وإنه ليحلو لي أن أقول هنا ما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "رحم الله رجلا أهدى إلي عيوب نفسي".
شكري:
وإني لمدين ببالغ الشكر وسابغ الحمد لأولئك السادة الأماجد الذين طوقوا عنقي بجليل معاونتهم وتشجيعهم وجميل تقريظهم وتقديرهم.
ولا أزال أحفظ بالإجلال والإكبار ما لقيته في هذه المناسبة السعيدة من بعض رجالات الدولة وكبار العلماء ورؤساء الجماعات الإسلامية وأصحاب المجلات والصحف اليومية وإخواني أبناء الأقطار الشقيقة خصوصا الذين عملوا منهم على ترجمة هذا الكتاب ونقله في دقة وأمانة إلى بعض اللغات الشرقية.
وأعتذر عن عدم نشر تقاريظهم والتنويه بفضلهم في هذه المرة لخجل في طبعي وضيق في طبع الكتاب.
عجل الله الفرج للأنام وأعاد عهد الرخاء واليسر والسلام وجعل العاقبة للإسلام وبلاد الإسلام {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} .
المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتب ولم يجعل له عوجا والصلاة والسلام على من أرسله الله بالقرآن رحمة للعالمين وفرجا سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحابته وأتباعه ومحبيه وأمته.
أما بعد فهذا كتاب مناهل العرفان في علوم القرآن. كتبته تحقيقا لرغبة طلابي المتخصصين في الدعوة والإرشاد من كلية أصول الدين بالجامعة الأزهرية.
مستمدا معارفه بعد فتوح الله وتوفيقه مما كتب علماء الإسلام قديما وحديثا في القرآن الكريم وعلومه والتفسير ومقدماته وعلم تاريخ التشريع وعلمي الكلام والأصول وعلوم اللغة العربية ومعاجمها وعلمي الفلسفة والاجتماع وعلمي النفس والأخلاق وبعض البحوث المنثورة هنا وهناك في غضون الرسائل والمجلات من عربية صميمة ومترجمة منقولة.
وإلى الله تعالى أضرع أن يكتب لي فيه النجاح والتوفيق والقبول وأن يحقق به النفع المرجو والأثر المأمول. {إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ} .
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
مقدمة: في القرآن وعلومه ومنهجي في التأليف
مقدمة: في القرآن وعلومه ومنهجي في التأليف
القرآن الكريم: كتاب ختم الله به الكتب وأنزله على نبي ختم به الأنبياء بدين عام خالد ختم به الأديان.
فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق وقانون السماء لهداية الأرض أنهى إليه منزله كل تشريع وأودعه كل نهضة وناط به كل سعادة.
وهو حجة الرسول وآيته الكبرى يقوم في فم الدنيا شاهدا برسالته ناطقا بنبوته دليلا على صدقه وأمانته.
وهو ملاذ الدين الأعلى يستند الإسلام إليه في عقائده وعباداته وحكمه وأحكامه وآدابه وأخلاقه وقصصه ومواعظه وعلومه ومعارفه.
وهو عماد لغة العرب الأسمى: تدين له اللغة في بقائها وسلامتها وتستمد علومها منه على تنوعها وكثرتها وتفوق سائر اللغات العالمية به في أساليبها ومادتها.
وهو أولا وآخرا القوة المحولة التي غيرت صورة العالم ونقلت حدود الممالك وحولت مجرى التاريخ وأنقذت الإنسانية العاثرة فكأنما خلقت الوجود خلقا جديدا.
لذلك كله كان القرآن الكريم موضع العناية الكبرى من الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن سلف الأمة وخلفها جميعا إلى يوم الناس هذا.
وقد اتخذت هذه العناية أشكالا مختلفة فتارة ترجع إلى لفظه وأدائه وأخرى إلى أسلوبه وإعجازه وثالثة إلى كتابته ورسمه ورابعة إلى تفسيره وشرحه إلى غير ذلك.
ولقد أفرد العلماء كل ناحية من هذه النواحي بالبحث والتأليف ووضعوا من أجلها العلوم ودونوا الكتب وتباروا في هذا الميدان الواسع أشواطا بعيدة حتى زخرت المكتبة الإسلامية بتراث مجيد من آثار سلفنا الصالح وعلمائنا الأعلام. وكانت هذه الثروة ولا تزال مفخرة نتحدى بها أمم الأرض ونفحم بها أهل الملل والنحل في كل عصر ومصر.
وهكذا أصبح بين أيدينا الآن مصنفات متنوعة وموسوعات قيمة فيما نسميه علم القراءات وعلم التجويد وعلم النسخ العثماني وعلم التفسير وعلم الناسخ والمنسوخ وعلم غريب القرآن وعلم إعجاز القرآن وعلم إعراب القرآن وما شاكل ذلك من العلوم الدينية والعربية مما يعتبر بحق أروع مظهر عرفه التاريخ لحراسة كتاب هو سيد الكتب وبات هذا المظهر معجزة جديدة مصدقة لقوله سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .
ولقد أنجبت تلك العلوم الآنفة وليدا جديدا هو مزيج منها جميعا وسليل لها جميعا فيه مقاصدها وأغراضها وخصائصها وأسرارها والولد سر أبيه.
وقد أسموه علوم القرآن وهو موضوع دراستنا في هذا الكتاب إن شاء الله.
وسأحاول فيما أكتبه أن أمزج بين حاجة الأزهريين إلى البحث والتحليل وبين رغبات جماهير القراء المعاصرين في تقريب الأسلوب وتعبيد السبيل ما وسعني الإمكان. وسأضطر بسبب ذلك إلى شيء من الإسهاب والتطويل ولكنها تضحية ضئيلة بجانب تأدية رسالتنا في وجوب الاتصال الديني بالجماهير.
وسأعرض بعون الله وتأييده لعلاج الشبهات التي أطلق بخورها أعداء الإسلام وسددوا سهامها الطائشة إلى القرآن ولكن عند المناسبة وسنوح الفرصة.
وسأجتزئ في كل مبحث ببعض أمثلة من القرآن الكريم دون أن أحاول ما حاوله سلف الكاتبين من استيعاب كل فرد لكل نوع فإن حبل ذلك طويل وثقيل على حين أن الناظر يكفيه الإيضاح بقليل من التمثيل.
وسأجعل نقاط المنهج المقرر عناوين بارزة بين المباحث التي يقوم عليها هذا الكتاب مقتفيا في الغالب أثر تلك النقط في التسمية وفي الترتيب. {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} .
القرآن الكريم: كتاب ختم الله به الكتب وأنزله على نبي ختم به الأنبياء بدين عام خالد ختم به الأديان.
فهو دستور الخالق لإصلاح الخلق وقانون السماء لهداية الأرض أنهى إليه منزله كل تشريع وأودعه كل نهضة وناط به كل سعادة.
وهو حجة الرسول وآيته الكبرى يقوم في فم الدنيا شاهدا برسالته ناطقا بنبوته دليلا على صدقه وأمانته.
وهو ملاذ الدين الأعلى يستند الإسلام إليه في عقائده وعباداته وحكمه وأحكامه وآدابه وأخلاقه وقصصه ومواعظه وعلومه ومعارفه.
وهو عماد لغة العرب الأسمى: تدين له اللغة في بقائها وسلامتها وتستمد علومها منه على تنوعها وكثرتها وتفوق سائر اللغات العالمية به في أساليبها ومادتها.
وهو أولا وآخرا القوة المحولة التي غيرت صورة العالم ونقلت حدود الممالك وحولت مجرى التاريخ وأنقذت الإنسانية العاثرة فكأنما خلقت الوجود خلقا جديدا.
لذلك كله كان القرآن الكريم موضع العناية الكبرى من الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن سلف الأمة وخلفها جميعا إلى يوم الناس هذا.
وقد اتخذت هذه العناية أشكالا مختلفة فتارة ترجع إلى لفظه وأدائه وأخرى إلى أسلوبه وإعجازه وثالثة إلى كتابته ورسمه ورابعة إلى تفسيره وشرحه إلى غير ذلك.
ولقد أفرد العلماء كل ناحية من هذه النواحي بالبحث والتأليف ووضعوا من أجلها العلوم ودونوا الكتب وتباروا في هذا الميدان الواسع أشواطا بعيدة حتى زخرت المكتبة الإسلامية بتراث مجيد من آثار سلفنا الصالح وعلمائنا الأعلام. وكانت هذه الثروة ولا تزال مفخرة نتحدى بها أمم الأرض ونفحم بها أهل الملل والنحل في كل عصر ومصر.
وهكذا أصبح بين أيدينا الآن مصنفات متنوعة وموسوعات قيمة فيما نسميه علم القراءات وعلم التجويد وعلم النسخ العثماني وعلم التفسير وعلم الناسخ والمنسوخ وعلم غريب القرآن وعلم إعجاز القرآن وعلم إعراب القرآن وما شاكل ذلك من العلوم الدينية والعربية مما يعتبر بحق أروع مظهر عرفه التاريخ لحراسة كتاب هو سيد الكتب وبات هذا المظهر معجزة جديدة مصدقة لقوله سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .
ولقد أنجبت تلك العلوم الآنفة وليدا جديدا هو مزيج منها جميعا وسليل لها جميعا فيه مقاصدها وأغراضها وخصائصها وأسرارها والولد سر أبيه.
وقد أسموه علوم القرآن وهو موضوع دراستنا في هذا الكتاب إن شاء الله.
وسأحاول فيما أكتبه أن أمزج بين حاجة الأزهريين إلى البحث والتحليل وبين رغبات جماهير القراء المعاصرين في تقريب الأسلوب وتعبيد السبيل ما وسعني الإمكان. وسأضطر بسبب ذلك إلى شيء من الإسهاب والتطويل ولكنها تضحية ضئيلة بجانب تأدية رسالتنا في وجوب الاتصال الديني بالجماهير.
وسأعرض بعون الله وتأييده لعلاج الشبهات التي أطلق بخورها أعداء الإسلام وسددوا سهامها الطائشة إلى القرآن ولكن عند المناسبة وسنوح الفرصة.
وسأجتزئ في كل مبحث ببعض أمثلة من القرآن الكريم دون أن أحاول ما حاوله سلف الكاتبين من استيعاب كل فرد لكل نوع فإن حبل ذلك طويل وثقيل على حين أن الناظر يكفيه الإيضاح بقليل من التمثيل.
وسأجعل نقاط المنهج المقرر عناوين بارزة بين المباحث التي يقوم عليها هذا الكتاب مقتفيا في الغالب أثر تلك النقط في التسمية وفي الترتيب. {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} .
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
المبحث الأول: في معنى علوم القرآن مدخل ... المبحث الأول: في معنى علوم القرآن
المبحث الأول: في معنى علوم القرآن
مدخل
...
المبحث الأول: في معنى علوم القرآن
يقتضينا منهج البحث التحليلي لهذا المركب الإضافي أن نتحدث عن طرفيه وعن الإضافة بينهما ثم عن المراد بهذا المركب بعد نقله وتسمية هذا الفن المدون به.
1- أما العلوم: فجمع علم والعلم في اللغة مصدر يرادف الفهم والمعرفة ويرادف الجزم أيضا في رأي. ثم تداولت هذا اللفظ اصطلاحات مختلفة:
فالحكماء: يريدون به صورة الشيء الحاصلة في العقل أو حصول الصورة في العقل أو تعلق النفس بالشيء على جهة انكشافه. والتحقيق عندهم هو الإطلاق الأول.
والمتكلمون: يعرفون العلم: بأنه صفة يتجلى بها الأمر لمن قامت به وهو مراد من قال منهم: إنه صفة توجب لمحلها تمييزا لا يحتمل النقيض ولو كان هذا التمييز بوساطة الحواس كما هو رأي الأشعري.
ويطلق العلم في لسان الشرع العام: على معرفة الله تعالى وآياته وأفعاله في عباده وخلقه. قال الإمام الغزالي في الإحياء: قد كان العلم يطلق على العلم بالله تعالى وآياته وبأفعاله في عباده وخلقه فتصرفوا فيه بالتخصيص حتى اشتهر في المناظرة مع الخصوم
في المسائل الفقهية وغيرها. ولكن ما ورد في فضل العلم والعلماء أكثره في المعنى الأول أهـ وهو يفيد أن العلم الشرعي الخاص يطلق على أخص من هذا الذي ذكره الغزالي في لسان الشرع العام ولكن بحسب ما يقتضيه المقام. بل لقد نص الغزالي نفسه في الإحياء أيضا على أن الناس اختلفوا في العلم الذي هو فريضة على كل مسلم وقال: إنهم تفرقوا فيه إلى عشرين فرقة. ثم ذهبت إلى أن المراد به علم المعاملة الشامل لما يصلح الظاهر من عبادات وعادات إسلامية ولما يصلح الباطن من عقائد الإسلام وأخلاقه.
والماديون: يزعمون أن العلم ليس إلا خصوص اليقينيات التي تستند إلى الحس وحده. وسنناقش مذهبهم في مبحث نزول القرآن.
ولسنا بسبيل بيان تلك الاصطلاحات الآنفة الذكر فلها علومها وكتبها ومباحثها إنما هو عرض عام يعرف منه كيف أن لفظا واحدا هو العلم أنهكته الاصطلاحات المتعددة وتداولته النقول المتنوعة فلا تقعن في لبس إذا ورد عليك في صورة شبه متعارضة.
العلم في عرف التدوين العام:
والذي يعنينا كثيرا هو العلم في اصطلاح آخر هو اصطلاح علماء التدوين لأننا بصدد الكلام في علوم القرآن كفن مدون.
قالوا: يطلق العلم على المسائل المضبوطة بجهة واحدة. والغالب أن تكون تلك المسائل نظرية كلية وقد تكون ضرورية وقد تكون جزئية. أقول: وقد تكون شخصية أيضا كمسائل علم الحديث رواية فإنها في الواقع قضايا شخصية موضوعها ذات النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال السعد في المقاصد وعبد الحكيم على المطول: ما يفيد أن العلم المدون قد يطلق على طائفة من التصورات أي المفردات التي يتصورها العقل مضبوطة بجهة واحدة.
وأقول: يمكن أن نستخلص من ذلك كله أن العلم في عرف التدوين العام يقال على المعلومات المنضبطة بجهة واحدة سواء أكانت وحدة الموضوع أم وحدة الغاية وسواء
أكانت تلك المعلومات تصورات كعلم البديع أم تصديقات. وسواء أكانت تلك التصديقات قضايا كلية وهو الغالب أم جزئية أم شخصية كعلم الحديث رواية.
هذا كله إطلاق واحد من إطلاقات ثلاثة لعلماء التدوين. والإطلاق الثاني عندهم: هو الإدراك أي إدراك تلك المعارف السالفة. والإطلاق الثالث: هو على ما يسمونه ملكة الاستحصال أي التي تستحصل بها تلك المعارف. أو ملكة الاستحضار أي التي تستحضر بها المعارف بعد حصولها. وأول هذه الإطلاقات هو أولاها بالقبول لأنه المتبادر من نحو قولهم تعلمت علما من العلوم وموضوع العلم كذا والتبادر كما يقولون أمارة الحقيقة. ذلك ما أردنا بسطه في الكلام على لفظ علوم من قولنا: علوم القرآن.
2- أما لفظ القرآن: فهو في اللغة مصدر مرادف للقراءة ومنه قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} - ثم نقل من هذا المعنى المصدري وجعل اسما للكلام المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من باب إطلاق المصدر على مفعوله. ذلك ما نختاره استنادا إلى موارد اللغة وقوانين الاشتقاق وإليه ذهب اللحياني وجماعة. أما القول بأنه وصف من القرء بمعنى الجمع أو أنه مشتق من القرائن. أو أنه مشتق من قرنت الشيء بالشيء أو أنه مرتجل أي موضوع من أول الأمر علما على الكلام المعجز المنزل غير مهموز ولا مجرد من أل فكل أولئك لا يظهر له وجه وجيه ولا يخلو توجيه بعضه من كلفة ولا من بعد عن قواعد الاشتقاق وموارد اللغة.
وعلى الرأي المختار فلفظ قرآن مهموز وإذا حذف همزه فإنما ذلك للتخفيف وإذا دخلته أل بعد التسمية فإنما هي للمح الأصل لا للتعريف.
ويقال للقرآن: فرقان أيضا وأصله مصدر كذلك ثم سمي به النظم الكريم تسمية للمفعول أو الفاعل بالمصدر باعتبار أنه كلام فارق بين الحق والباطل أو مفروق
بعضه عن بعض في النزول أو في السور والآيات. قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} ثم إن هذين الاسمين هما أشهر أسماء النظم الكريم. بل جعلهما بعض المفسرين مرجع جميع أسمائه كما ترجع صفات الله على كثرتها إلى معنى الجلال والجمال. ويلي هذين الاسمين في الشهرة هذه الأسماء الثلاثة الكتاب والذكر والتنزيل. وقد تجاوز صاحب البرهان حدود التسمية فبلغ بعدتها خمسة وخمسين وأسرف غيره في ذلك حتى بلغ بها نيفا وتسعين كما ذكره صاحب التبيان. واعتمد هذا وذاك على إطلاقات واردة في كثير من الآيات والسور وفاتهما أن يفرقا بين ما جاء من تلك الألفاظ على أنه اسم وما ورد على أنه وصف ويتضح ذلك لك على سبيل التمثيل في عدهما من الأسماء لفظ قرآن ولفظ كريم أخذا من قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} الواقعة كما عدا من الأسماء لفظ ذكر ولفظ مبارك اعتمادا على قوله تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} على حين أن لفظ قرآن وذكر في الآيتين مقبول كونهما اسمين. أما لفظ كريم ومبارك فلا شك أنهما وصفان كما ترى. والخطب في ذلك سهل يسير بيد أنه مسهب طويل حتى لقد أفرده بعضهم بالتأليف. وفيما ذكرناه كفاية {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} .
مدخل
...
المبحث الأول: في معنى علوم القرآن
يقتضينا منهج البحث التحليلي لهذا المركب الإضافي أن نتحدث عن طرفيه وعن الإضافة بينهما ثم عن المراد بهذا المركب بعد نقله وتسمية هذا الفن المدون به.
1- أما العلوم: فجمع علم والعلم في اللغة مصدر يرادف الفهم والمعرفة ويرادف الجزم أيضا في رأي. ثم تداولت هذا اللفظ اصطلاحات مختلفة:
فالحكماء: يريدون به صورة الشيء الحاصلة في العقل أو حصول الصورة في العقل أو تعلق النفس بالشيء على جهة انكشافه. والتحقيق عندهم هو الإطلاق الأول.
والمتكلمون: يعرفون العلم: بأنه صفة يتجلى بها الأمر لمن قامت به وهو مراد من قال منهم: إنه صفة توجب لمحلها تمييزا لا يحتمل النقيض ولو كان هذا التمييز بوساطة الحواس كما هو رأي الأشعري.
ويطلق العلم في لسان الشرع العام: على معرفة الله تعالى وآياته وأفعاله في عباده وخلقه. قال الإمام الغزالي في الإحياء: قد كان العلم يطلق على العلم بالله تعالى وآياته وبأفعاله في عباده وخلقه فتصرفوا فيه بالتخصيص حتى اشتهر في المناظرة مع الخصوم
في المسائل الفقهية وغيرها. ولكن ما ورد في فضل العلم والعلماء أكثره في المعنى الأول أهـ وهو يفيد أن العلم الشرعي الخاص يطلق على أخص من هذا الذي ذكره الغزالي في لسان الشرع العام ولكن بحسب ما يقتضيه المقام. بل لقد نص الغزالي نفسه في الإحياء أيضا على أن الناس اختلفوا في العلم الذي هو فريضة على كل مسلم وقال: إنهم تفرقوا فيه إلى عشرين فرقة. ثم ذهبت إلى أن المراد به علم المعاملة الشامل لما يصلح الظاهر من عبادات وعادات إسلامية ولما يصلح الباطن من عقائد الإسلام وأخلاقه.
والماديون: يزعمون أن العلم ليس إلا خصوص اليقينيات التي تستند إلى الحس وحده. وسنناقش مذهبهم في مبحث نزول القرآن.
ولسنا بسبيل بيان تلك الاصطلاحات الآنفة الذكر فلها علومها وكتبها ومباحثها إنما هو عرض عام يعرف منه كيف أن لفظا واحدا هو العلم أنهكته الاصطلاحات المتعددة وتداولته النقول المتنوعة فلا تقعن في لبس إذا ورد عليك في صورة شبه متعارضة.
العلم في عرف التدوين العام:
والذي يعنينا كثيرا هو العلم في اصطلاح آخر هو اصطلاح علماء التدوين لأننا بصدد الكلام في علوم القرآن كفن مدون.
قالوا: يطلق العلم على المسائل المضبوطة بجهة واحدة. والغالب أن تكون تلك المسائل نظرية كلية وقد تكون ضرورية وقد تكون جزئية. أقول: وقد تكون شخصية أيضا كمسائل علم الحديث رواية فإنها في الواقع قضايا شخصية موضوعها ذات النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال السعد في المقاصد وعبد الحكيم على المطول: ما يفيد أن العلم المدون قد يطلق على طائفة من التصورات أي المفردات التي يتصورها العقل مضبوطة بجهة واحدة.
وأقول: يمكن أن نستخلص من ذلك كله أن العلم في عرف التدوين العام يقال على المعلومات المنضبطة بجهة واحدة سواء أكانت وحدة الموضوع أم وحدة الغاية وسواء
أكانت تلك المعلومات تصورات كعلم البديع أم تصديقات. وسواء أكانت تلك التصديقات قضايا كلية وهو الغالب أم جزئية أم شخصية كعلم الحديث رواية.
هذا كله إطلاق واحد من إطلاقات ثلاثة لعلماء التدوين. والإطلاق الثاني عندهم: هو الإدراك أي إدراك تلك المعارف السالفة. والإطلاق الثالث: هو على ما يسمونه ملكة الاستحصال أي التي تستحصل بها تلك المعارف. أو ملكة الاستحضار أي التي تستحضر بها المعارف بعد حصولها. وأول هذه الإطلاقات هو أولاها بالقبول لأنه المتبادر من نحو قولهم تعلمت علما من العلوم وموضوع العلم كذا والتبادر كما يقولون أمارة الحقيقة. ذلك ما أردنا بسطه في الكلام على لفظ علوم من قولنا: علوم القرآن.
2- أما لفظ القرآن: فهو في اللغة مصدر مرادف للقراءة ومنه قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} - ثم نقل من هذا المعنى المصدري وجعل اسما للكلام المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من باب إطلاق المصدر على مفعوله. ذلك ما نختاره استنادا إلى موارد اللغة وقوانين الاشتقاق وإليه ذهب اللحياني وجماعة. أما القول بأنه وصف من القرء بمعنى الجمع أو أنه مشتق من القرائن. أو أنه مشتق من قرنت الشيء بالشيء أو أنه مرتجل أي موضوع من أول الأمر علما على الكلام المعجز المنزل غير مهموز ولا مجرد من أل فكل أولئك لا يظهر له وجه وجيه ولا يخلو توجيه بعضه من كلفة ولا من بعد عن قواعد الاشتقاق وموارد اللغة.
وعلى الرأي المختار فلفظ قرآن مهموز وإذا حذف همزه فإنما ذلك للتخفيف وإذا دخلته أل بعد التسمية فإنما هي للمح الأصل لا للتعريف.
ويقال للقرآن: فرقان أيضا وأصله مصدر كذلك ثم سمي به النظم الكريم تسمية للمفعول أو الفاعل بالمصدر باعتبار أنه كلام فارق بين الحق والباطل أو مفروق
بعضه عن بعض في النزول أو في السور والآيات. قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} ثم إن هذين الاسمين هما أشهر أسماء النظم الكريم. بل جعلهما بعض المفسرين مرجع جميع أسمائه كما ترجع صفات الله على كثرتها إلى معنى الجلال والجمال. ويلي هذين الاسمين في الشهرة هذه الأسماء الثلاثة الكتاب والذكر والتنزيل. وقد تجاوز صاحب البرهان حدود التسمية فبلغ بعدتها خمسة وخمسين وأسرف غيره في ذلك حتى بلغ بها نيفا وتسعين كما ذكره صاحب التبيان. واعتمد هذا وذاك على إطلاقات واردة في كثير من الآيات والسور وفاتهما أن يفرقا بين ما جاء من تلك الألفاظ على أنه اسم وما ورد على أنه وصف ويتضح ذلك لك على سبيل التمثيل في عدهما من الأسماء لفظ قرآن ولفظ كريم أخذا من قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} الواقعة كما عدا من الأسماء لفظ ذكر ولفظ مبارك اعتمادا على قوله تعالى: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ} على حين أن لفظ قرآن وذكر في الآيتين مقبول كونهما اسمين. أما لفظ كريم ومبارك فلا شك أنهما وصفان كما ترى. والخطب في ذلك سهل يسير بيد أنه مسهب طويل حتى لقد أفرده بعضهم بالتأليف. وفيما ذكرناه كفاية {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} .
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
القرآن في الاصطلاح
القرآن في الاصطلاح
معلوم أن القرآن كلام الله وأن كلام الله غير كلام البشر ما في ذلك ريب ومعلوم أيضا أن الإنسان له كلام قد يراد به المعنى المصدري أي التكلم وقد يراد به المعنى الحاصل بالمصدر أي المتكلم به. وكل من هذين المعنيين لفظي ونفسي. فالكلام البشري اللفظي بالمعنى المصدري: هو تحريك الإنسان للسانه وما يساعده في إخراج الحروف من المخارج. والكلام اللفظي بالمعنى الحاصل بالمصدر: هو تلك الكلمات
المنطوقة التي هي كيفية في الصوت الحسي وكلا هذين ظاهر لا يحتاج إلى توضيح. أما الكلام النفسي بالمعنى المصدري فهو تحضير الإنسان في نفسه بقوته المتكلمة الباطنة للكلمات التي لم تبرز إلى الجوارح فيتكلم بكلمات متخيلة يرتبها في الذهن بحيث إذا تلفظ بها بصوت حسي كانت طبق كلماته اللفظية. والكلام النفسي بالمعنى الحاصل بالمصدر: هو تلك الكلمات النفسية والألفاظ الذهنية المترتبة ترتبا ذهنيا منطبقا عليه الترتب الخارجي.
ومن الكلام البشري النفسي بنوعيه قوله تعالى: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قال أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً} . ومنه الحديث الشريف الذي رواه الطبراني عن أم سلمة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سأله رجل فقال" إني لأحدث نفسي بالشيء لو تكلمت به لأحبطت أجري" فقال عليه السلام: "لا يلقى ذلك الكلام إلا مؤمن" فأنت ترى أن النبي سمى ذلك الشيء الذي تحدثت به النفس كلاما مع أنه كلمات ذهنية لم ينطق بها الرجل مخافة أن يحبط بها أجره. وهذا الإطلاق من الرسول يحمل على الحقيقة لأنها الأصل ولا صارف عنها.
كذلكم القرآن كلام الله ولله المثل الأعلى قد يطلق ويراد به الكلام النفسي وقد يطلق ويراد به الكلام اللفظي والذين يطلقونه إطلاق الكلام النفسي هم المتكلمون فحسب لأنهم المتحدثون عن صفات الله تعالى النفسية من ناحية والمقررون لحقيقة أن القرآن كلام الله غير مخلوق من ناحية أخرى. أما الذين يطلقونه إطلاق الكلام اللفظي فالأصوليون والفقهاء وعلماء العربية وإن شاركهم فيه المتكلمون أيضا بإطلاق ثالث عندهم كما يتبين لك بعد. وإنما عني الأصوليون والفقهاء بإطلاق القرآن على الكلام اللفظي لأن غرضهم الاستدلال على الأحكام وهو لا يكون إلا بالألفاظ. وكذلك علماء العربية يعنيهم أمر الإعجاز فلا جرم كانت وجهتهم الألفاظ.
والمتكلمون يعنون أيضا بتقرير وجوب الإيمان بكتب الله المنزلة ومنها القرآن وبإثبات نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم بمعجزة القرآن. وبدهي أن ذلك كله مناطه الألفاظ فلا بدع أن ساهموا في هذا الإطلاق الثالث.
معلوم أن القرآن كلام الله وأن كلام الله غير كلام البشر ما في ذلك ريب ومعلوم أيضا أن الإنسان له كلام قد يراد به المعنى المصدري أي التكلم وقد يراد به المعنى الحاصل بالمصدر أي المتكلم به. وكل من هذين المعنيين لفظي ونفسي. فالكلام البشري اللفظي بالمعنى المصدري: هو تحريك الإنسان للسانه وما يساعده في إخراج الحروف من المخارج. والكلام اللفظي بالمعنى الحاصل بالمصدر: هو تلك الكلمات
المنطوقة التي هي كيفية في الصوت الحسي وكلا هذين ظاهر لا يحتاج إلى توضيح. أما الكلام النفسي بالمعنى المصدري فهو تحضير الإنسان في نفسه بقوته المتكلمة الباطنة للكلمات التي لم تبرز إلى الجوارح فيتكلم بكلمات متخيلة يرتبها في الذهن بحيث إذا تلفظ بها بصوت حسي كانت طبق كلماته اللفظية. والكلام النفسي بالمعنى الحاصل بالمصدر: هو تلك الكلمات النفسية والألفاظ الذهنية المترتبة ترتبا ذهنيا منطبقا عليه الترتب الخارجي.
ومن الكلام البشري النفسي بنوعيه قوله تعالى: {فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قال أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً} . ومنه الحديث الشريف الذي رواه الطبراني عن أم سلمة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سأله رجل فقال" إني لأحدث نفسي بالشيء لو تكلمت به لأحبطت أجري" فقال عليه السلام: "لا يلقى ذلك الكلام إلا مؤمن" فأنت ترى أن النبي سمى ذلك الشيء الذي تحدثت به النفس كلاما مع أنه كلمات ذهنية لم ينطق بها الرجل مخافة أن يحبط بها أجره. وهذا الإطلاق من الرسول يحمل على الحقيقة لأنها الأصل ولا صارف عنها.
كذلكم القرآن كلام الله ولله المثل الأعلى قد يطلق ويراد به الكلام النفسي وقد يطلق ويراد به الكلام اللفظي والذين يطلقونه إطلاق الكلام النفسي هم المتكلمون فحسب لأنهم المتحدثون عن صفات الله تعالى النفسية من ناحية والمقررون لحقيقة أن القرآن كلام الله غير مخلوق من ناحية أخرى. أما الذين يطلقونه إطلاق الكلام اللفظي فالأصوليون والفقهاء وعلماء العربية وإن شاركهم فيه المتكلمون أيضا بإطلاق ثالث عندهم كما يتبين لك بعد. وإنما عني الأصوليون والفقهاء بإطلاق القرآن على الكلام اللفظي لأن غرضهم الاستدلال على الأحكام وهو لا يكون إلا بالألفاظ. وكذلك علماء العربية يعنيهم أمر الإعجاز فلا جرم كانت وجهتهم الألفاظ.
والمتكلمون يعنون أيضا بتقرير وجوب الإيمان بكتب الله المنزلة ومنها القرآن وبإثبات نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم بمعجزة القرآن. وبدهي أن ذلك كله مناطه الألفاظ فلا بدع أن ساهموا في هذا الإطلاق الثالث.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
القرآن عند المتكلمين
القرآن عند المتكلمين
ثم إن المتكلمين حين يطلقونه على الكلام النفسي يلاحظون أمرين:
أحدهما: أن القرآن علم أي كلام ممتاز عن كل ما عداه من الكلام الإلهي.
ثانيهما: أنه كلام الله وكلام الله قديم غير مخلوق فيجب تنزهه عن الحوادث وأعراض الحوادث.
وقد علمت أن الكلام النفسي البشري يطلق بإطلاقين أحدهما: على المعنى المصدري وثانيهما على المعنى الحاصل بالمصدر. فكذلك كلام الله النفسي. يطلق بإطلاقين أحدهما على نظير المعنى المصدري للبشر
وثانيهما على نظير المعنى الحاصل بالمصدر للبشر. وإنما قلنا على نظير لما هو مقرر من وجوب تنزه الكلام الإلهي النفسي عن الخلق وأشباه الخلق. فعرفوه بالمعنى الأول الشبيه بالمعنى المصدري البشري. وقالوا: إنه الصفة القديمة المتعلقة بالكلمات الحكمية. من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس.
وهذه الكلمات أزلية مجردة عن الحروف اللفظية والذهنية والروحية. وهي مترتبة غير متعاقبة. كالصورة تنطبع في المرآة مترتبة غير متعاقبة. وقالوا: في تعريفهم هذا: إنها حكمية لأنها ليست ألفاظا حقيقية مصورة بصورة الحروف والأصوات. وقالوا: إنها أزلية ليثبتوا لها معنى القدم. وقالوا: إنها مجردة عن الحروف اللفظية والذهنية والروحية لينفوا عنها أنها مخلوقة. وكذلك قالوا: إنها غير متعاقبة لأن التعاقب يستلزم الزمان والزمان حادث. وأثبتوا لها الترتب ضرورة أن القرآن حقيقة مترتبة بل ممتازة بكمال ترتبها وانسجامها.
إذا عرفت هذا الإطلاق الأول عند المتكلمين سهل عليك أن تعرف إطلاقهم الثاني للقرآن الكريم: وهو أنه تلك الكلمات الحكمية الأزلية المترتبة في غير تعاقب المجردة عن الحروف اللفظية والذهنية والروحية. وهو تعريف للقرآن كلام الله بما يشبه المعنى الحاصل بالمصدر لكلام البشر النفسي. ذانك إطلاقان اختص بهما المتكلمون كما رأيت.
وهناك إطلاق ثالث للقرآن يقول به المتكلمون أيضا لكن يشاركهم فيه الأصوليون والفقهاء وعلماء العربية.
ذلك أنه هو:
اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس الممتاز بخصائصه التي سنذكرها بعد قليل.
فهو مظاهر وصور لتلك الكلمات الحكمية الأزلية التي أشرنا إليها آنفا.
ويطلق القرآن إطلاقا رابعا على النقوش المرقومة بين دفتي المصحف باعتبار أن النقوش دالة على الصفة القديمة والكلمات الغيبية واللفظ المنزل. وهذا إطلاق شرعي عام. ولنضرب لك مثلا يوضح ذلك المقام الذي ضلت فيه الأفهام وزلت فيه الأقدام.
رجل شاعر كشرف الدين البوصيري رحمه الله لا ريب أنه كان يحمل في نفسه قوة شاعرة يستطيع أن يصوغ بها ما شاء من غرر القصائد وعندما اتجهت شاعريته فعلا أن يمتدح أفضل الخليقة صلوات الله سلامه عليه بقصيدته المعروفة بالهمزية لا شك أنه عالج النظم في نفسه واستحضر المعاني والألفاظ والأوزان حتى تمثل له ذلك القصيد في نفسه وتأثرت نفسه به على وجه إذا تكلم به بصوت حسي كان عين نظمه المقفى الموزون. ثم لا شك أنه نطق بقصيده بعد ثم كتبه بعد أن أنشده فهذا الاسم الشهير بالهمزية في مدح خير البرية يمكن أن نقرب
به الإطلاقات الأربعة التي أطلقنا بها القرآن الكريم: يصح أن نطلق الهمزية على القوة الشاعرة لذلك الرجل باعتبار اتجاهها إلى هذا النظم الخاص الذي تمثل في نفسه من قبل أن يأخذ صورة اللفظ والنقش. ويصح أن نطلقها على هذا النظم الخاص الذي تمثل في نفسه من قبل أن يظهر بمظهر الألفاظ والنقوش كذلك. ويصح أن نطلقها على هذا النظم بعد أن تمثل أصواتا ملفوظة وحروفا موزونة. ويصح أن نطلقها على هذا النظم متمثلا في صورته المرسومة ونقوشه المكتوبة.
ثم إن المتكلمين حين يطلقونه على الكلام النفسي يلاحظون أمرين:
أحدهما: أن القرآن علم أي كلام ممتاز عن كل ما عداه من الكلام الإلهي.
ثانيهما: أنه كلام الله وكلام الله قديم غير مخلوق فيجب تنزهه عن الحوادث وأعراض الحوادث.
وقد علمت أن الكلام النفسي البشري يطلق بإطلاقين أحدهما: على المعنى المصدري وثانيهما على المعنى الحاصل بالمصدر. فكذلك كلام الله النفسي. يطلق بإطلاقين أحدهما على نظير المعنى المصدري للبشر
وثانيهما على نظير المعنى الحاصل بالمصدر للبشر. وإنما قلنا على نظير لما هو مقرر من وجوب تنزه الكلام الإلهي النفسي عن الخلق وأشباه الخلق. فعرفوه بالمعنى الأول الشبيه بالمعنى المصدري البشري. وقالوا: إنه الصفة القديمة المتعلقة بالكلمات الحكمية. من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس.
وهذه الكلمات أزلية مجردة عن الحروف اللفظية والذهنية والروحية. وهي مترتبة غير متعاقبة. كالصورة تنطبع في المرآة مترتبة غير متعاقبة. وقالوا: في تعريفهم هذا: إنها حكمية لأنها ليست ألفاظا حقيقية مصورة بصورة الحروف والأصوات. وقالوا: إنها أزلية ليثبتوا لها معنى القدم. وقالوا: إنها مجردة عن الحروف اللفظية والذهنية والروحية لينفوا عنها أنها مخلوقة. وكذلك قالوا: إنها غير متعاقبة لأن التعاقب يستلزم الزمان والزمان حادث. وأثبتوا لها الترتب ضرورة أن القرآن حقيقة مترتبة بل ممتازة بكمال ترتبها وانسجامها.
إذا عرفت هذا الإطلاق الأول عند المتكلمين سهل عليك أن تعرف إطلاقهم الثاني للقرآن الكريم: وهو أنه تلك الكلمات الحكمية الأزلية المترتبة في غير تعاقب المجردة عن الحروف اللفظية والذهنية والروحية. وهو تعريف للقرآن كلام الله بما يشبه المعنى الحاصل بالمصدر لكلام البشر النفسي. ذانك إطلاقان اختص بهما المتكلمون كما رأيت.
وهناك إطلاق ثالث للقرآن يقول به المتكلمون أيضا لكن يشاركهم فيه الأصوليون والفقهاء وعلماء العربية.
ذلك أنه هو:
اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس الممتاز بخصائصه التي سنذكرها بعد قليل.
فهو مظاهر وصور لتلك الكلمات الحكمية الأزلية التي أشرنا إليها آنفا.
ويطلق القرآن إطلاقا رابعا على النقوش المرقومة بين دفتي المصحف باعتبار أن النقوش دالة على الصفة القديمة والكلمات الغيبية واللفظ المنزل. وهذا إطلاق شرعي عام. ولنضرب لك مثلا يوضح ذلك المقام الذي ضلت فيه الأفهام وزلت فيه الأقدام.
رجل شاعر كشرف الدين البوصيري رحمه الله لا ريب أنه كان يحمل في نفسه قوة شاعرة يستطيع أن يصوغ بها ما شاء من غرر القصائد وعندما اتجهت شاعريته فعلا أن يمتدح أفضل الخليقة صلوات الله سلامه عليه بقصيدته المعروفة بالهمزية لا شك أنه عالج النظم في نفسه واستحضر المعاني والألفاظ والأوزان حتى تمثل له ذلك القصيد في نفسه وتأثرت نفسه به على وجه إذا تكلم به بصوت حسي كان عين نظمه المقفى الموزون. ثم لا شك أنه نطق بقصيده بعد ثم كتبه بعد أن أنشده فهذا الاسم الشهير بالهمزية في مدح خير البرية يمكن أن نقرب
به الإطلاقات الأربعة التي أطلقنا بها القرآن الكريم: يصح أن نطلق الهمزية على القوة الشاعرة لذلك الرجل باعتبار اتجاهها إلى هذا النظم الخاص الذي تمثل في نفسه من قبل أن يأخذ صورة اللفظ والنقش. ويصح أن نطلقها على هذا النظم الخاص الذي تمثل في نفسه من قبل أن يظهر بمظهر الألفاظ والنقوش كذلك. ويصح أن نطلقها على هذا النظم بعد أن تمثل أصواتا ملفوظة وحروفا موزونة. ويصح أن نطلقها على هذا النظم متمثلا في صورته المرسومة ونقوشه المكتوبة.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
القرآن عند الأصوليين والفقهاء وعلماء العربية
القرآن عند الأصوليين والفقهاء وعلماء العربية
أظنني قد أطلت عليك ولكن المقام دقيق وخطير فلا تضق ذرعا بهذا التطويل والتمثيل ثم استمع لما وعدتك إياه من بيان معنى القرآن على أنه اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس.
هذا الإطلاق كما علمت ينسب إلى علماء الأصول والفقه واللغة العربية. ويوافقهم عليه المتكلمون أيضا
غير أن هؤلاء الذين أطلقوه على اللفظ المنزل الخ اختلفوا في تعريفه: فمنهم من أطال في التعريف وأطنب بذكر جميع خصائص القرآن الممتازة. ومنهم من اختصر فيه وأوجز. ومنهم من اقتصد وتوسط. فالذين أطنبوا عرفوه بأنه الكلام المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته وأنت ترى أن هذا التعريف جمع بين الإعجاز والتنزيل على النبي صلى الله عليه وسلم والكتابة في المصاحف والنقل بالتواتر والتعبد بالتلاوة. وهي الخصائص العظمى التي امتاز بها القرآن الكريم. وإن كان قد امتاز بكثير سواها. ولا يخفى عليك أن هذا التعريف كان يكفي فيه ذكر بعض تلك الأوصاف ويكون جامعا مانعا غير أن مقام التعريف مقام إيضاح وبيان فيناسبه الإطناب لغرض زيادة ذلك والبيان. لذلك استباحوا لأنفسهم أن يزيدوا فيه ويسهبوا.
والذين اختصروا وأوجزوا في التعريف: منهم من اقتصر على ذكر وصف
واحد هو الإعجاز. ووجهة نظرهم في هذا الاقتصار أن الإعجاز هو الوصف الذاتي للقرآن. وأنه الآية الكبرى على صدق النبي صلى الله عليه وسلم والشاهد العدل على أن القرآن كلام الله.
ومنهم من اقتصر على وصفين: هما الإنزال والإعجاز وحجتهم أن ما عدا هذين الوصفين ليس من الصفات اللازمة للقرآن. بدليل أن القرآن قد تحقق فعلا بهما دون سواهما على عهد النبوة.
ومنهم من اقتصر على وصفي النقل في المصاحف والتواتر لأنهما يكفيان في تحصيل الغرض وهو بيان القرآن وتمييزه عن جميع ما عداه.
والذين توسطوا: منهم من عرض لإنزال الألفاظ وللكتابة في المصاحف وللنقل بالتواتر فحسب موجها رأيه بأن المقصود هو تعريف القرآن لمن لم يدركه زمن النبوة وأن ما ذكره من الأوصاف هو من اللوازم البينة لأولئك الذين لم يدركوها بخلاف الإعجاز فإنه غير بين بالنسبة لهم وليس وصفا لازما لما كان أقل من سورة من القرآن.
ومن أولئك الذين توسطوا من عرض للإنزال والنقل بالتواتر والتعبد بالتلاوة فقط مستندا إلى أن ذلك هو الذي يناسب غرض الأصوليين. وعرفوه بأنه: اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم المنقول عنه بالتواتر المتعبد بتلاوته فاللفظ جنس في التعريف يشمل المفرد والمركب. ولا شك أن الاستدلال على الأحكام كما يكون بالمركبات يكون بالمفردات كالعام والخاص والمطلق والمقيد. وخرج بالمنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم ينزل أصلا مثل كلامنا ومثل الحديث النبوي وما نزل على غير النبي صلى الله عليه وسلم كالتوراة والإنجيل. وخرج بالمنقول تواترا جميع ما سوى القرآن من منسوخ التلاوة والقراءات غير المتواترة سواء أكانت مشهورة نحو قراءة ابن مسعود متتابعات عقيب قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} أم كانت آحادية كقراءة ابن مسعود أيضا لفظ متتابعات عقيب قوله سبحانه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فإن شيئا
من ذلك لا يسمى قرآنا ولا يأخذ حكمه. وخرجت الأحاديث القدسية إذا تواترت بقولهم المتعبد بتلاوته.
أظنني قد أطلت عليك ولكن المقام دقيق وخطير فلا تضق ذرعا بهذا التطويل والتمثيل ثم استمع لما وعدتك إياه من بيان معنى القرآن على أنه اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس.
هذا الإطلاق كما علمت ينسب إلى علماء الأصول والفقه واللغة العربية. ويوافقهم عليه المتكلمون أيضا
غير أن هؤلاء الذين أطلقوه على اللفظ المنزل الخ اختلفوا في تعريفه: فمنهم من أطال في التعريف وأطنب بذكر جميع خصائص القرآن الممتازة. ومنهم من اختصر فيه وأوجز. ومنهم من اقتصد وتوسط. فالذين أطنبوا عرفوه بأنه الكلام المعجز المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف المنقول بالتواتر المتعبد بتلاوته وأنت ترى أن هذا التعريف جمع بين الإعجاز والتنزيل على النبي صلى الله عليه وسلم والكتابة في المصاحف والنقل بالتواتر والتعبد بالتلاوة. وهي الخصائص العظمى التي امتاز بها القرآن الكريم. وإن كان قد امتاز بكثير سواها. ولا يخفى عليك أن هذا التعريف كان يكفي فيه ذكر بعض تلك الأوصاف ويكون جامعا مانعا غير أن مقام التعريف مقام إيضاح وبيان فيناسبه الإطناب لغرض زيادة ذلك والبيان. لذلك استباحوا لأنفسهم أن يزيدوا فيه ويسهبوا.
والذين اختصروا وأوجزوا في التعريف: منهم من اقتصر على ذكر وصف
واحد هو الإعجاز. ووجهة نظرهم في هذا الاقتصار أن الإعجاز هو الوصف الذاتي للقرآن. وأنه الآية الكبرى على صدق النبي صلى الله عليه وسلم والشاهد العدل على أن القرآن كلام الله.
ومنهم من اقتصر على وصفين: هما الإنزال والإعجاز وحجتهم أن ما عدا هذين الوصفين ليس من الصفات اللازمة للقرآن. بدليل أن القرآن قد تحقق فعلا بهما دون سواهما على عهد النبوة.
ومنهم من اقتصر على وصفي النقل في المصاحف والتواتر لأنهما يكفيان في تحصيل الغرض وهو بيان القرآن وتمييزه عن جميع ما عداه.
والذين توسطوا: منهم من عرض لإنزال الألفاظ وللكتابة في المصاحف وللنقل بالتواتر فحسب موجها رأيه بأن المقصود هو تعريف القرآن لمن لم يدركه زمن النبوة وأن ما ذكره من الأوصاف هو من اللوازم البينة لأولئك الذين لم يدركوها بخلاف الإعجاز فإنه غير بين بالنسبة لهم وليس وصفا لازما لما كان أقل من سورة من القرآن.
ومن أولئك الذين توسطوا من عرض للإنزال والنقل بالتواتر والتعبد بالتلاوة فقط مستندا إلى أن ذلك هو الذي يناسب غرض الأصوليين. وعرفوه بأنه: اللفظ المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم المنقول عنه بالتواتر المتعبد بتلاوته فاللفظ جنس في التعريف يشمل المفرد والمركب. ولا شك أن الاستدلال على الأحكام كما يكون بالمركبات يكون بالمفردات كالعام والخاص والمطلق والمقيد. وخرج بالمنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ما لم ينزل أصلا مثل كلامنا ومثل الحديث النبوي وما نزل على غير النبي صلى الله عليه وسلم كالتوراة والإنجيل. وخرج بالمنقول تواترا جميع ما سوى القرآن من منسوخ التلاوة والقراءات غير المتواترة سواء أكانت مشهورة نحو قراءة ابن مسعود متتابعات عقيب قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} أم كانت آحادية كقراءة ابن مسعود أيضا لفظ متتابعات عقيب قوله سبحانه: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فإن شيئا
من ذلك لا يسمى قرآنا ولا يأخذ حكمه. وخرجت الأحاديث القدسية إذا تواترت بقولهم المتعبد بتلاوته.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
هل القرآن علم شخص؟
هل القرآن علم شخص؟
أسلفنا أن القرآن يطلق على الصفة القديمة ويطلق على الكلمات الحكمية الأزلية وهذان الإطلاقان لا تعدد فيهما ألبتة لا حقيقة ولا اعتبارا. بل هما منزهان عنه لأن التعدد من أمارات الحدوث. كيف وهما قديمان؟
وإذا فلفظ القرآن علم شخص بهذين الإطلاقين لا محالة. أما إذا أريد بالقرآن اللفظ المنزل فهنا يكون الخلاف
فالرأي السائد أنه علم شخص مدلوله تلك الآيات المنزلة الممتازة بخصائصها العليا من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس. وهذه الألفاظ المعينة لا يقدح في تشخصها اختلاف المتلفظين ولا تعدد القارئين كما لا يقدح في تشخص محمود مثلا أن يكون في مكة أو في المدينة ولا أن يتقلب في أطوار مختلفة من طفولة إلى شيخوخة ومن صحة إلى مرض ومن حياة إلى موت ونحو ذلك. وبعضهم يجعله علم جنس نظرا إلى تعدد هذه الألفاظ المنزلة بتعدد قارئيها وكاتبيها. وهذا مردود من وجهين:
أحدهما: أن علم الجنس ضرورة نحوية اقتضتها أحكام لفظية كامتناع إضافته ودخول أل عليه. ولا ضرورة هنا لفظية.
ثانيهما: أن علم الجنس نكرة في المعنى. وأفراده منتشرة متعددة حقيقة لا اعتبارا. والتعدد الملحوظ هنا اعتباري لا حقيقي. للقطع بأن ما يقرؤه أو يكتبه كل منا فهو القرآن عينه لا فرد من أفراده.
أسلفنا أن القرآن يطلق على الصفة القديمة ويطلق على الكلمات الحكمية الأزلية وهذان الإطلاقان لا تعدد فيهما ألبتة لا حقيقة ولا اعتبارا. بل هما منزهان عنه لأن التعدد من أمارات الحدوث. كيف وهما قديمان؟
وإذا فلفظ القرآن علم شخص بهذين الإطلاقين لا محالة. أما إذا أريد بالقرآن اللفظ المنزل فهنا يكون الخلاف
فالرأي السائد أنه علم شخص مدلوله تلك الآيات المنزلة الممتازة بخصائصها العليا من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس. وهذه الألفاظ المعينة لا يقدح في تشخصها اختلاف المتلفظين ولا تعدد القارئين كما لا يقدح في تشخص محمود مثلا أن يكون في مكة أو في المدينة ولا أن يتقلب في أطوار مختلفة من طفولة إلى شيخوخة ومن صحة إلى مرض ومن حياة إلى موت ونحو ذلك. وبعضهم يجعله علم جنس نظرا إلى تعدد هذه الألفاظ المنزلة بتعدد قارئيها وكاتبيها. وهذا مردود من وجهين:
أحدهما: أن علم الجنس ضرورة نحوية اقتضتها أحكام لفظية كامتناع إضافته ودخول أل عليه. ولا ضرورة هنا لفظية.
ثانيهما: أن علم الجنس نكرة في المعنى. وأفراده منتشرة متعددة حقيقة لا اعتبارا. والتعدد الملحوظ هنا اعتباري لا حقيقي. للقطع بأن ما يقرؤه أو يكتبه كل منا فهو القرآن عينه لا فرد من أفراده.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
هل يصاغ للأعلام تعاريف
هل يصاغ للأعلام تعاريف
بقي علينا أن نتساءل: إذا كان القرآن علما فكيف ساغ أن يصاغ له تعريف بل تعاريف على نحو ما سبق مع أن التعاريف لا تكون إلا للكليات والعلم جزئي مركب من الماهية ومشخصاتها. والمشخصات لا يمكن معرفتها إلا بالاطلاع عليها بالحواس كالإشارة مثلا أو بالتعبير عنها باسم علم؟
ولنا على ذلك أجوبة ثلاثة:
أولها: أنا نمنع أن التعاريف لا تكون إلا للكليات. لم لا يجوز أن تعرف الجزئيات بأمور كلية لا يتحقق مجموعها في الخارج إلا في هذا الشخص بخصوصه. وهذا الجواب قريب مما ذكره صاحب التلويح إذ قال: الحق أن الشخص يمكن أن يحد بما يفيد امتيازه عن جميع ما عداه بحسب الوجود لا بما يفيد تعينه وتشخصه بحيث لا يمكن اشتراكه بين كثيرين بحسب العقل. فإن ذلك إنما يحصل بالإشارة لا غير اهـ.
ثانيها: أنا نسلم أن التعاريف لا تكون إلا للكليات. لكن ما ذكروه ليس بتعريف حقيقي إنما هو ضابط مميز وليس بمعرف.
ثالثها: أن هذا تعريف على رأي الأصوليين الذين لا يشترطون في التعاريف أجناسا ولا فصولا. بل الحد عندهم هو الجامع المانع مطلقا. وعليه فيصح أن يحد الشخص عند الأصوليين دون المناطقة.
بقي علينا أن نتساءل: إذا كان القرآن علما فكيف ساغ أن يصاغ له تعريف بل تعاريف على نحو ما سبق مع أن التعاريف لا تكون إلا للكليات والعلم جزئي مركب من الماهية ومشخصاتها. والمشخصات لا يمكن معرفتها إلا بالاطلاع عليها بالحواس كالإشارة مثلا أو بالتعبير عنها باسم علم؟
ولنا على ذلك أجوبة ثلاثة:
أولها: أنا نمنع أن التعاريف لا تكون إلا للكليات. لم لا يجوز أن تعرف الجزئيات بأمور كلية لا يتحقق مجموعها في الخارج إلا في هذا الشخص بخصوصه. وهذا الجواب قريب مما ذكره صاحب التلويح إذ قال: الحق أن الشخص يمكن أن يحد بما يفيد امتيازه عن جميع ما عداه بحسب الوجود لا بما يفيد تعينه وتشخصه بحيث لا يمكن اشتراكه بين كثيرين بحسب العقل. فإن ذلك إنما يحصل بالإشارة لا غير اهـ.
ثانيها: أنا نسلم أن التعاريف لا تكون إلا للكليات. لكن ما ذكروه ليس بتعريف حقيقي إنما هو ضابط مميز وليس بمعرف.
ثالثها: أن هذا تعريف على رأي الأصوليين الذين لا يشترطون في التعاريف أجناسا ولا فصولا. بل الحد عندهم هو الجامع المانع مطلقا. وعليه فيصح أن يحد الشخص عند الأصوليين دون المناطقة.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
إطلاق القرآن على الكل وعلى أبعاضه
إطلاق القرآن على الكل وعلى أبعاضه
لا شك أن القرآن يطلق على الكل وعلى أبعاضه. فيقال لمن قرأ اللفظ المنزل كله إنه قرأ قرآنا. وكذلك يقال لمن قرأ ولو آية منه: إنه قرأ قرآنا. لكنهم اختلفوا: فقيل: إن لفظ قرآن حقيقة في كل منهما وإذا يكون مشتركا لفظيا. وقيل: هو موضوع للقدر المشترك بينهما وإذا يكون مشتركا معنويا ويكون مدلوله حينئذ كليا.
وقد يقال: إن إطلاقه على الكل حقيقة وعلى البعض مجاز. والتحقيق أنه مشترك لفظي بدليل التبادر عند إطلاق اللفظ على الكل وعلى البعض كليهما والتبادر أمارة الحقيقة. والقول بعلمية الشخص فيه كما حققنا آنفا يمنع أنه مشترك معنوي فتعين أن يكون مشتركا لفظيا. وهو ما يفهم من كلام الفقهاء إذ قالوا مثلا: يحرم قراءة القرآن على الجنب فإنهم يقصدون حرمة قراءته كله أو بعضه على السواء.
لا شك أن القرآن يطلق على الكل وعلى أبعاضه. فيقال لمن قرأ اللفظ المنزل كله إنه قرأ قرآنا. وكذلك يقال لمن قرأ ولو آية منه: إنه قرأ قرآنا. لكنهم اختلفوا: فقيل: إن لفظ قرآن حقيقة في كل منهما وإذا يكون مشتركا لفظيا. وقيل: هو موضوع للقدر المشترك بينهما وإذا يكون مشتركا معنويا ويكون مدلوله حينئذ كليا.
وقد يقال: إن إطلاقه على الكل حقيقة وعلى البعض مجاز. والتحقيق أنه مشترك لفظي بدليل التبادر عند إطلاق اللفظ على الكل وعلى البعض كليهما والتبادر أمارة الحقيقة. والقول بعلمية الشخص فيه كما حققنا آنفا يمنع أنه مشترك معنوي فتعين أن يكون مشتركا لفظيا. وهو ما يفهم من كلام الفقهاء إذ قالوا مثلا: يحرم قراءة القرآن على الجنب فإنهم يقصدون حرمة قراءته كله أو بعضه على السواء.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
3- معنى علوم القرآن بالمعنى الإضافي
3- معنى علوم القرآن بالمعنى الإضافي
الآن وقد انتهينا من الكلام على المتضايفين في لفظ علوم القرآن ننتقل بك إلى أن الإضافة بينهما تشير إلى طوائف المعارف المتصلة بالقرآن سواء أكانت تصورات أم تصديقات على ما عرفت وجه اختياره في مدلول لفظ العلم في عرف التدوين العام.
وإنما جمعت هذه العلوم ولم تفرد لأنه لم يقصد إلى علم واحد يتصل بالقرآن. إنما أريد شمول كل علم يخدم القرآن أو يستند إليه. وينتظم ذلك علم التفسير وعلم القراءات وعلم الرسم العثماني وعلم إعجاز القرآن وعلم أسباب النزول وعلم الناسخ والمنسوخ وعلم إعراب القرآن وعلم غريب القرآن وعلوم الدين واللغة إلى غير ذلك. وتلك أشتات من العلوم توسع السيوطي فيها حتى اعتبر منها علم الهيئة والهندسة والطب ونحوها.
ثم نقل عن أبي بكر بن العربي في قانونه التأويل أنه قال: علوم القرآن خمسون وأربعمائة وسبعة آلاف وسبعون ألف علم على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة. إذ أن لكل كلمة ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا. هذا في المفردات فحسب. أما إذا اعتبرت التراكيب وما بينها من روابط كان ما لا يحصى مما لا يعمله إلا الله تعالى اهـ بتصرف قليل.
وأحب أن تعرف أن هذا الكلام من السيوطي وابن العربي محمول على ضرب
كبير من التأويل والتوسع بأن يراد من العلوم كل ما يدل عليه القرآن من المعارف سواء أكانت علوما مدونة أم غير مدونة وسواء أكانت تلك الدلالة تصريحية أم تلميحية عن قرب أم عن بعد. فأما أن تراد العلوم المدونة صراحة فدون ذلك خرط القتاد وصعود السماء.
الآن وقد انتهينا من الكلام على المتضايفين في لفظ علوم القرآن ننتقل بك إلى أن الإضافة بينهما تشير إلى طوائف المعارف المتصلة بالقرآن سواء أكانت تصورات أم تصديقات على ما عرفت وجه اختياره في مدلول لفظ العلم في عرف التدوين العام.
وإنما جمعت هذه العلوم ولم تفرد لأنه لم يقصد إلى علم واحد يتصل بالقرآن. إنما أريد شمول كل علم يخدم القرآن أو يستند إليه. وينتظم ذلك علم التفسير وعلم القراءات وعلم الرسم العثماني وعلم إعجاز القرآن وعلم أسباب النزول وعلم الناسخ والمنسوخ وعلم إعراب القرآن وعلم غريب القرآن وعلوم الدين واللغة إلى غير ذلك. وتلك أشتات من العلوم توسع السيوطي فيها حتى اعتبر منها علم الهيئة والهندسة والطب ونحوها.
ثم نقل عن أبي بكر بن العربي في قانونه التأويل أنه قال: علوم القرآن خمسون وأربعمائة وسبعة آلاف وسبعون ألف علم على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة. إذ أن لكل كلمة ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا. هذا في المفردات فحسب. أما إذا اعتبرت التراكيب وما بينها من روابط كان ما لا يحصى مما لا يعمله إلا الله تعالى اهـ بتصرف قليل.
وأحب أن تعرف أن هذا الكلام من السيوطي وابن العربي محمول على ضرب
كبير من التأويل والتوسع بأن يراد من العلوم كل ما يدل عليه القرآن من المعارف سواء أكانت علوما مدونة أم غير مدونة وسواء أكانت تلك الدلالة تصريحية أم تلميحية عن قرب أم عن بعد. فأما أن تراد العلوم المدونة صراحة فدون ذلك خرط القتاد وصعود السماء.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
القرآن كتاب هداية وإعجاز
القرآن كتاب هداية وإعجاز
وتحقيق القول في هذا الموضوع: أن القرآن الكريم كتاب هداية وإعجاز من أجل هذين المطمحين نزل وفيهما تحدث وعليهما دل. فكل علم يتصل بالقرآن من ناحية قرأنيته أو يتصل به من ناحية هدايته أو إعجازه فذلك من علوم القرآن. وهذا ظاهر في العلوم الدينية والعربية.
أما العلوم الكونية وأما المعارف والصنائع وما جد أو يجد في العالم من فنون ومعارف كعلم الهندسة والحساب وعلم الهيئة والفلك وعلم الاقتصاد والاجتماع وعلم الطبيعة والكيمياء وعلم الحيوان والنبات فإن شيئا من ذلك لا يجمل عده من علوم القرآن لأن القرآن لم ينزل ليدلل على نظرية من نظريات الهندسة مثلا ولا ليقرر قانونا من قوانينها. وكذلك علم الهندسة لم يوضع ليخدم القرآن في شرح آياته أو بيان أسراره
وهكذا القول في سائر العلوم الكونية والصنائع العالمية. وإن كان القرآن قد دعا المسلمين إلى تعلمها وحذقها والتمهر فيها خصوصا عند الحاجة إليها. وإنما قلنا: إنه لا يجمل اعتبار علوم الكون وصنائعه من علوم القرآن مع أن القرآن يدعو إلى تعلمها لأن هناك فرقا كبيرا بين الشيء يحث القرآن على تعلمه في عموماته أو خصوصاته وبين العلم يدل القرآن على مسائله أو يرشد إلى أحكامه أو يكون ذلك العلم خادما للقرآن بمسائله أو أحكامه أو مفرداته. فالأول ظاهر أنه لا يعتبر من علوم القرآن بخلاف الثاني. وهو ما نريد أن نرشدك إليه وأن تحرص أنت بدورك عليه.
وتحقيق القول في هذا الموضوع: أن القرآن الكريم كتاب هداية وإعجاز من أجل هذين المطمحين نزل وفيهما تحدث وعليهما دل. فكل علم يتصل بالقرآن من ناحية قرأنيته أو يتصل به من ناحية هدايته أو إعجازه فذلك من علوم القرآن. وهذا ظاهر في العلوم الدينية والعربية.
أما العلوم الكونية وأما المعارف والصنائع وما جد أو يجد في العالم من فنون ومعارف كعلم الهندسة والحساب وعلم الهيئة والفلك وعلم الاقتصاد والاجتماع وعلم الطبيعة والكيمياء وعلم الحيوان والنبات فإن شيئا من ذلك لا يجمل عده من علوم القرآن لأن القرآن لم ينزل ليدلل على نظرية من نظريات الهندسة مثلا ولا ليقرر قانونا من قوانينها. وكذلك علم الهندسة لم يوضع ليخدم القرآن في شرح آياته أو بيان أسراره
وهكذا القول في سائر العلوم الكونية والصنائع العالمية. وإن كان القرآن قد دعا المسلمين إلى تعلمها وحذقها والتمهر فيها خصوصا عند الحاجة إليها. وإنما قلنا: إنه لا يجمل اعتبار علوم الكون وصنائعه من علوم القرآن مع أن القرآن يدعو إلى تعلمها لأن هناك فرقا كبيرا بين الشيء يحث القرآن على تعلمه في عموماته أو خصوصاته وبين العلم يدل القرآن على مسائله أو يرشد إلى أحكامه أو يكون ذلك العلم خادما للقرآن بمسائله أو أحكامه أو مفرداته. فالأول ظاهر أنه لا يعتبر من علوم القرآن بخلاف الثاني. وهو ما نريد أن نرشدك إليه وأن تحرص أنت بدورك عليه.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
القرآن يحض على الانتفاع بالكون
القرآن يحض على الانتفاع بالكون
أجل: إن القرآن حض على معرفة علوم الكون وصنائع العالم وحث على الانتفاع بكل ما يقع تحت نظرنا في الوجود. قال سبحانه وتعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وقال جلت حكمته: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} . فلا يليق بالمسلمين وهم المخاطبون بهذا أن يفروا من وجه هذه المنافع العامة ولا أن يزهدوا في علوم الكون ولا أن يحرموا أنفسهم فوائد التمتع بثمرات هذه القوى العظيمة التي أودعها الله لخلقه في خزائن سمواته وأرضه ولهذا نص علماؤنا على أن تعلم تلك العلوم الكونية وحذق هذه الصناعات الفنية فرض من فروض الكفايات ما داموا في حاجة إليها لمصلحة الفرد أو المجموع. وذلك لأن البقاء في هذه الحياة للأصلح والحياة في هذا الوجود للسلام المسلح والأسلحة في كل عصر عامة وفي هذا العصر خاصة إنما تقوم على التمهر في العلوم وعلى السبق في حلبة الصناعات والفنون. والويل فينا للضعيف والحظ كل الحظ للقوي والله تعالى يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} والنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه مسلم عن أبي هريرة: "المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا. ولكن قل قدر الله وما شاء فعل. فإن لو تفتح عمل الشيطان".
أجل: إن القرآن حض على معرفة علوم الكون وصنائع العالم وحث على الانتفاع بكل ما يقع تحت نظرنا في الوجود. قال سبحانه وتعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وقال جلت حكمته: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} . فلا يليق بالمسلمين وهم المخاطبون بهذا أن يفروا من وجه هذه المنافع العامة ولا أن يزهدوا في علوم الكون ولا أن يحرموا أنفسهم فوائد التمتع بثمرات هذه القوى العظيمة التي أودعها الله لخلقه في خزائن سمواته وأرضه ولهذا نص علماؤنا على أن تعلم تلك العلوم الكونية وحذق هذه الصناعات الفنية فرض من فروض الكفايات ما داموا في حاجة إليها لمصلحة الفرد أو المجموع. وذلك لأن البقاء في هذه الحياة للأصلح والحياة في هذا الوجود للسلام المسلح والأسلحة في كل عصر عامة وفي هذا العصر خاصة إنما تقوم على التمهر في العلوم وعلى السبق في حلبة الصناعات والفنون. والويل فينا للضعيف والحظ كل الحظ للقوي والله تعالى يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} والنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه مسلم عن أبي هريرة: "المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا. ولكن قل قدر الله وما شاء فعل. فإن لو تفتح عمل الشيطان".
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
إعجاز علمي للقرآن
إعجاز علمي للقرآن
وأحب ألا أنتهي من هذا الموضوع حتى أنبهك إلى شيء آخر جدير بالنظر والتقدير: وهو أن القرآن الكريم في طريقة عرضه للهداية والإعجاز على الخلق قد حاكم الناس إلى عقولهم وفتح عيونهم إلى الكون وما في الكون من سماء وأرض,
وبر وبحر وحيوان ونبات وخصائص وظواهر ونواميس وسنن. وكان القرآن في طريقة عرضه هذه موفقا كل التوفيق بل كان معجزا أبهر الإعجاز لأن حديثه عن تلك الكونيات كان حديث العليم بأسرارها الخبير بدقائقها المحيط بعلومها ومعارفها على حين أن هذا الذي جاء بالقرآن رجل أمي نشأ في أمة أمية جاهلة لا صلة لها بتلك العلوم وتدوينها ولا إلمام لها بكتبها ومباحثها. بل إن بعض تلك العلوم لم ينشأ إلا بعد عهد النبوة ومهبط الوحي بقرون وأجيال. فأنى يكون لرجل أمي كمحمد ذلك السجل الجامع لتلك المعارف كلها إن لم يكن تلقاه من لدن حكيم عليم قال سبحانه مقررا لهذا الإعجاز العلمي: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ. بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} ولعل من الحكمة أن نسوق لك نموذجين من القرآن على سبيل التمثيل أولهما في سورة النور إذ يقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} قل لي بربك ألا يملكك العجب حين تقرأ هذا النص الكريم الذي يتفق وأحدث النظريات العلمية في الظواهر الطبيعية من سحاب ومطر وبرق؟.
النموذج الثاني يقول الله تعالى في سورة القيامة مبينا ومقررا كمال اقتداره على إعادة الإنسان وبعثه بعد موته: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ. بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} . أرجو أن تقف قليلا عند تخصيصه البنان بالتسوية في هذا المقام. ثم تستمع بعد ذلك إلى هذا العلم الوليد علم تحقيق الشخصية في عصرنا الأخير وهو يقرر أن أدق شيء وأبدعه في بناء جسم الإنسان هو تسوية البنان حتى إنه لا يمكن أن تجد بنانا لأحد يشبه بنان آخر بحال من الأحوال. وقد انتهوا من هذا القرار إلى أن حكموا البنان في كثير من القضايا والحوادث
{فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} ولا أريد أن أطيل عليك في هذا فمعجزات القرآن العلمية لها ميدان آخر. إنما هي نظرة خاطفة نوضح بها المراد بعلوم القرآن ونوجه بها كلام السيوطي في الإتقان ونعتذر فيها عن ابن العربي في التأويل.
والله وحده هو المحيط بأسرار كتابه. ولا يزال الكون وما يحدث في الكون من علوم وفنون وشؤون لا يزال كل أولئك يشرح القرآن ويفسره ويميط اللثام عن نواح كثيرة من أسراره وإعجازه مصداقا لقوله جل ذكره: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} . {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} .
وأحب ألا أنتهي من هذا الموضوع حتى أنبهك إلى شيء آخر جدير بالنظر والتقدير: وهو أن القرآن الكريم في طريقة عرضه للهداية والإعجاز على الخلق قد حاكم الناس إلى عقولهم وفتح عيونهم إلى الكون وما في الكون من سماء وأرض,
وبر وبحر وحيوان ونبات وخصائص وظواهر ونواميس وسنن. وكان القرآن في طريقة عرضه هذه موفقا كل التوفيق بل كان معجزا أبهر الإعجاز لأن حديثه عن تلك الكونيات كان حديث العليم بأسرارها الخبير بدقائقها المحيط بعلومها ومعارفها على حين أن هذا الذي جاء بالقرآن رجل أمي نشأ في أمة أمية جاهلة لا صلة لها بتلك العلوم وتدوينها ولا إلمام لها بكتبها ومباحثها. بل إن بعض تلك العلوم لم ينشأ إلا بعد عهد النبوة ومهبط الوحي بقرون وأجيال. فأنى يكون لرجل أمي كمحمد ذلك السجل الجامع لتلك المعارف كلها إن لم يكن تلقاه من لدن حكيم عليم قال سبحانه مقررا لهذا الإعجاز العلمي: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ. بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} ولعل من الحكمة أن نسوق لك نموذجين من القرآن على سبيل التمثيل أولهما في سورة النور إذ يقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} قل لي بربك ألا يملكك العجب حين تقرأ هذا النص الكريم الذي يتفق وأحدث النظريات العلمية في الظواهر الطبيعية من سحاب ومطر وبرق؟.
النموذج الثاني يقول الله تعالى في سورة القيامة مبينا ومقررا كمال اقتداره على إعادة الإنسان وبعثه بعد موته: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ. بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} . أرجو أن تقف قليلا عند تخصيصه البنان بالتسوية في هذا المقام. ثم تستمع بعد ذلك إلى هذا العلم الوليد علم تحقيق الشخصية في عصرنا الأخير وهو يقرر أن أدق شيء وأبدعه في بناء جسم الإنسان هو تسوية البنان حتى إنه لا يمكن أن تجد بنانا لأحد يشبه بنان آخر بحال من الأحوال. وقد انتهوا من هذا القرار إلى أن حكموا البنان في كثير من القضايا والحوادث
{فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} ولا أريد أن أطيل عليك في هذا فمعجزات القرآن العلمية لها ميدان آخر. إنما هي نظرة خاطفة نوضح بها المراد بعلوم القرآن ونوجه بها كلام السيوطي في الإتقان ونعتذر فيها عن ابن العربي في التأويل.
والله وحده هو المحيط بأسرار كتابه. ولا يزال الكون وما يحدث في الكون من علوم وفنون وشؤون لا يزال كل أولئك يشرح القرآن ويفسره ويميط اللثام عن نواح كثيرة من أسراره وإعجازه مصداقا لقوله جل ذكره: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} . {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} .
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
4- معنى علوم القرآن كفن مدون وموضوعه وفائدته
- معنى علوم القرآن كفن مدون وموضوعه وفائدته
أما بعد فقد تبين لك فيما سبق أن لفظ علوم القرآن يراد بمعناه الإضافي ما يشمل العلوم الدينية والعربية ونفيدك هنا أن هذا اللفظ نقل من ذلك المعنى الإضافي ثم جعل علما على الفن المدون وأصبح مدلوله بعد النقل وهو علم غير مدلوله قبل النقل وهو مركب إضافي ضرورة أن هذا الفن ليس هو مجموعة العلوم الدينية والعربية بل هو غيرها وإن كان مستمدا منها ومأخوذا عنها ويمكن أن نعرفه بأنه مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله وترتيبه وجمعه وكتابته وقراءته وتفسيره وإعجازه وناسخه ومنسوخه ودفع الشبه عنه ونحو ذلك.
وموضوعه القرآن الكريم من أية ناحية من النواحي المذكورة في التعريف. بخلاف علوم القرآن بالمعنى الإضافي فإن موضوعه هو مجموع موضوعات تلك العلوم المنضوية تحت لوائه. وموضوع كل واحد منها هو القرآن الكريم من ناحية واحدة من تلك النواحي. فعلم القراءات مثلا موضوعه القرآن الكريم من ناحية لفظه وأدائه وعلم التفسير موضوعه القرآن الكريم من ناحية شرحه ومعناه وهلم جرا.
وفائدة هذا العلم: ترجع إلى الثقافة العالية العامة في القرآن الكريم وإلى التسلح بالمعارف القيمة فيه استعدادا لحسن الدفاع عن حمى الكتاب العزيز ثم إلى سهولة
خوض غمار تفسير القرآن الكريم به كمفتاح للمفسرين فمثله من هذا الناحية كمثل علوم الحديث بالنسبة لمن أراد أن يدرس علم الحديث.
وقد صرح السيوطي بذلك في خطبة كتابه الإتقان إذ قال: ولقد كنت في زمان الطلب أتعجب من المتقدمين إذ لم يدونوا كتابا في أنواع علوم القرآن كما وضعوا ذلك بالنسبة إلى علم الحديث اهـ.
ثم رأيت صاحب كتاب التبيان في علوم القرآن يشير إلى ذلك المعنى إذ وضع على طرة كتابه الكلمة الآتية:
وهذا هو المقدمة الصغرى من مقدمتي التفسير.
هذا وإنما سمي هذا العلم القرآن بالجمع دون الإفراد. للإشارة إلى أنه خلاصة علوم متنوعة باعتبار أن مباحثه المدونة تتصل اتصالا وثيقا كما علمت بالعلوم الدينية والعلوم العربية حتى إنك لتجد كل مبحث منها خليقا أن يسلك في عداد مسائل علم من تلك العلوم.
فنسبته إليها كنسبة الفرع إلى أصوله أو الدليل إلى مدلوله. وما أشبهه بباقة منسقة من الورود والياسمين إزاء بستان حافل بالوان الزهور والرياحين. والحمد لله رب العالمين.
أما بعد فقد تبين لك فيما سبق أن لفظ علوم القرآن يراد بمعناه الإضافي ما يشمل العلوم الدينية والعربية ونفيدك هنا أن هذا اللفظ نقل من ذلك المعنى الإضافي ثم جعل علما على الفن المدون وأصبح مدلوله بعد النقل وهو علم غير مدلوله قبل النقل وهو مركب إضافي ضرورة أن هذا الفن ليس هو مجموعة العلوم الدينية والعربية بل هو غيرها وإن كان مستمدا منها ومأخوذا عنها ويمكن أن نعرفه بأنه مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله وترتيبه وجمعه وكتابته وقراءته وتفسيره وإعجازه وناسخه ومنسوخه ودفع الشبه عنه ونحو ذلك.
وموضوعه القرآن الكريم من أية ناحية من النواحي المذكورة في التعريف. بخلاف علوم القرآن بالمعنى الإضافي فإن موضوعه هو مجموع موضوعات تلك العلوم المنضوية تحت لوائه. وموضوع كل واحد منها هو القرآن الكريم من ناحية واحدة من تلك النواحي. فعلم القراءات مثلا موضوعه القرآن الكريم من ناحية لفظه وأدائه وعلم التفسير موضوعه القرآن الكريم من ناحية شرحه ومعناه وهلم جرا.
وفائدة هذا العلم: ترجع إلى الثقافة العالية العامة في القرآن الكريم وإلى التسلح بالمعارف القيمة فيه استعدادا لحسن الدفاع عن حمى الكتاب العزيز ثم إلى سهولة
خوض غمار تفسير القرآن الكريم به كمفتاح للمفسرين فمثله من هذا الناحية كمثل علوم الحديث بالنسبة لمن أراد أن يدرس علم الحديث.
وقد صرح السيوطي بذلك في خطبة كتابه الإتقان إذ قال: ولقد كنت في زمان الطلب أتعجب من المتقدمين إذ لم يدونوا كتابا في أنواع علوم القرآن كما وضعوا ذلك بالنسبة إلى علم الحديث اهـ.
ثم رأيت صاحب كتاب التبيان في علوم القرآن يشير إلى ذلك المعنى إذ وضع على طرة كتابه الكلمة الآتية:
وهذا هو المقدمة الصغرى من مقدمتي التفسير.
هذا وإنما سمي هذا العلم القرآن بالجمع دون الإفراد. للإشارة إلى أنه خلاصة علوم متنوعة باعتبار أن مباحثه المدونة تتصل اتصالا وثيقا كما علمت بالعلوم الدينية والعلوم العربية حتى إنك لتجد كل مبحث منها خليقا أن يسلك في عداد مسائل علم من تلك العلوم.
فنسبته إليها كنسبة الفرع إلى أصوله أو الدليل إلى مدلوله. وما أشبهه بباقة منسقة من الورود والياسمين إزاء بستان حافل بالوان الزهور والرياحين. والحمد لله رب العالمين.
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
مواضيع مماثلة
» المبحث الثاني: في تاريخ علوم القرآن وظهور اصطلاحه عهد ما قبل التدوين
» الحكم والأسرار في تنجيم القرآن الحكمة الأولى: تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم وتقوية قلبه ... الحكم والأسرار في تنجيم القرآن
» المبحث الثالث: نزول القرآن معنى نزول القرآن ... المبحث الثالث: نزول القرآن
» المبحث الرابع: في أول ما نزل وآخر ما نزل من القرآن مدخل ... المبحث الرابع: في أول ما نزل وآخر ما نزل من القرآن
» فضل حفظ القرآن
» الحكم والأسرار في تنجيم القرآن الحكمة الأولى: تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم وتقوية قلبه ... الحكم والأسرار في تنجيم القرآن
» المبحث الثالث: نزول القرآن معنى نزول القرآن ... المبحث الثالث: نزول القرآن
» المبحث الرابع: في أول ما نزل وآخر ما نزل من القرآن مدخل ... المبحث الرابع: في أول ما نزل وآخر ما نزل من القرآن
» فضل حفظ القرآن
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى