الْفَصْل الثَّالِث ذكر نبذ من أَحْوَاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
صفحة 1 من اصل 1
الْفَصْل الثَّالِث ذكر نبذ من أَحْوَاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْفَصْل الثَّالِث ذكر نبذ من أَحْوَاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَلما ولدت آمِنَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي حجر جده عبد الْمطلب فاسترضعته امْرَأَة من بني سعد بن بكر يُقَال لَهَا حليمة بنت أبي ذُؤَيْب السعدية
فروى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت لما وَضعته فِي حجري أقبل ثدياى بِمَا شَاءَ الله من لبن فَشرب حَتَّى روى وَشرب مَعَه أَخُوهُ حَتَّى روى وناما وَمَا كَانَ ينَام قبل ذَلِك وَمَا كَانَ فِي ثدي مَا يرويهِ وَلَا فِي شارفنا مَا يغذيه وَقَامَ زَوجي إِلَى شارفنا تِلْكَ فَنظر إِلَيْهَا فَإِذا بهَا لحافل فَحلبَ مِنْهَا مَا شرب وشربت حَتَّى انتهينا ريا وشبعا فبتنا بِخَير لَيْلَة وَلما رجعت تعنى إِلَى بَلَدهَا ركبت أَتَانِي وَحَمَلته عَلَيْهَا فوَاللَّه لَقطعت بالركب مَا لَا يقدر عَلَيْهَا شَيْء من حمرهم حَتَّى إِن صواحبي ليقلن لي وَيحك يَا بنت أبي ذُؤَيْب أربعي علينا أَلَيْسَ هَذِه أتانك الَّتِي كنت خرجت عَلَيْهَا فَأَقُول لَهُنَّ بلَى وَالله إِنَّهَا لهي
فيقلن وَالله إِن لَهَا لشأنا وَكَانَت قبل ذَلِك قد أذمت بالركب حَتَّى شقّ عَلَيْهِم ضعفا وجعفا فقدمنا مَنَازلنَا وَمَا أعلم أَرضًا من أَرض الله أجدب مِنْهَا وَكَانَت غنمى تروح على حِين قدمنَا بهَا مَعنا شبعا فنحلب وَنَشْرَب وَمَا يحلب
إِنْسَان قَطْرَة لبن وَمَا يجدهَا فِي ضرع حَتَّى كَانَ الْحَاضِر من قَومنَا يَقُولُونَ لرعيانهم وَيْلكُمْ اسرحوا حَيْثُ يسرح راعي بنت أبي ذُؤَيْب
قصَّة شقّ بَطْنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلَمَّا شب وَبلغ سنتيه فَبَيْنَمَا هُوَ وَأَخُوهُ فِي
بهم لنا إِذْ جَاءَ أَخُوهُ يشْتَد فَقَالَ لي ولأبيه ذَاك أخي الْقرشِي قد أَخذه رجلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَاب بيض فأضجعاه فشقا بَطْنه فهما يسوطانه قَالَت فخرجنا نَحوه فوجدناه قَائِما منتقعا وَجهه قَالَت فالتزمناه وَقُلْنَا مَالك قَالَ جَاءَنِي رجلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَاب بيض فأضجعاني فشقا بَطْني فَالْتَمَسَا فِيهِ شَيْئا لَا أَدْرِي مَا هُوَ قَالَت فرجعنا بِهِ إِلَى أحبائنا فَقَالَ
أَبوهُ يَا حليمة لقد خشيت أَن يكون هَذَا الْغُلَام قد أُصِيب فألحقيه بأَهْله قبل أَن يظْهر بِهِ ذَلِك قَالَت فاحتملناه فقدمنا بِهِ على أمه فَقَالَت مَا أقدمك يَا ظئر وَقد كنت حريصة عَلَيْهِ وَلم تزل بهَا حَتَّى أخْبرتهَا خبْرَة فَقَالَت أمه كلا وَالله مَا للشَّيْطَان عَلَيْهِ سَبِيل وَإِن لِابْني هَذَا لشأنا أَفلا أخْبرك خَبره قَالَت بلَى قَالَت رَأَيْت حِين حملت بِهِ أَنه خرج مني نور أَضَاء لَهُ قُصُور بصرى من أَرض الشَّام ثمَّ حملت بِهِ فوَاللَّه مَا رَأَيْت من حمل قطّ كَانَ
أخف مِنْهُ ثمَّ وَقع حِين وَلدته وَإنَّهُ لواضع يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ رَافع رَأسه إِلَى السَّمَاء دعيه عَنْك وانطلقي راشدة وأرضعته ثويبة أَيْضا جَارِيَة أبي
لَهب وأرضعت مَعَه حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَأَبا سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد المَخْزُومِي بِلَبن ابْنهَا مسروح
حضانته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وحضنته أم أَيمن الحبشية حَتَّى كبر فَأعْتقهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَزوجهَا زيد بن حَارِثَة
فَولدت لَهُ أُسَامَة وَكَانَ ورثهَا من أَبِيه وَمَات أَبوهُ عبد الله بِيَثْرِب وَكَانَ لما تزوج آمِنَة وحملت مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بِهِ عبد الْمطلب يمتار تَمرا مِنْهَا فتوفى بهَا وَقيل بالأبواء بَين مَكَّة وَالْمَدينَة
وَقيل مَاتَ أَبوهُ وَقد أَتَى عَلَيْهِ ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ شهرا وَقيل سَبْعَة أشهر وَقيل شَهْرَان فَلَمَّا بلغ سِتّ سِنِين وَقيل أَرْبعا مَاتَت أمه فَيتم فِي حجر جده عبد الْمطلب فَلَمَّا بلغ ثَمَانِي سِنِين وشهرين وَعشرَة أَيَّام توفى عبد الْمطلب فَوَلِيه عَمه أَبُو طَالب وَكَانَ أَخ عبد الله لِأَبَوَيْهِ ومنحه الله كل خلق جميل حَتَّى لم يكن يعرف بَين قومه إِلَّا بالأمين
- 2 3 4 5 6 نعم فَقَالَ وَالله لَئِن قدمت بِهِ الشَّام لتقتلنه الْيَهُود فَرده خوفًا عَلَيْهِ مِنْهُم ثمَّ
خرج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة ثَانِيَة إِلَى الشَّام مَعَ ميسرَة غُلَام خَدِيجَة فِي تِجَارَة لَهَا قبل أَن يَتَزَوَّجهَا فَلَمَّا قدم الشَّام نزل تَحت ظلّ شَجَرَة قَرِيبا من صومعة رَاهِب فَاطلع الراهب إِلَى ميسرَة فَقَالَ من هَذَا الرجل فَقَالَ لَهُ ميسرَة رجل من قُرَيْش من أهل الْحرم فَقَالَ مَا نزل تَحت هَذِه الشَّجَرَة قطّ إِلَّا نَبِي
بَيْعه وشراؤه
ثمَّ بَاعَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلْعَته وَاشْترى مَا أَرَادَ أَن يَشْتَرِيهِ ثمَّ أقبل قَافِلًا إِلَى مَكَّة فَقيل إِن ميسرَة قَالَ كَانَ إِذا كَانَت الهاجرة وَاشْتَدَّ الْحر نزل ملكان يظلانه من الشَّمْس وَهُوَ يسير على بعيره فَلَمَّا قدم مَكَّة باعت خَدِيجَة مَا جَاءَ بِهِ بأضعافه أَو قَرِيبا
سَبَب تَزْوِيجه خَدِيجَة
وأخبرها ميسرَة بقول الراهب وبإظلال الْملكَيْنِ لَهُ فَبعثت إِلَيْهِ وَعرضت نَفسهَا عَلَيْهِ فَقَالَت فيمَ يَزْعمُونَ يَا بن الْعم إِنِّي قد رغبت فِيك لقرابتك مني وشرفك فِي قَوْمك وسطتك فيهم وأمانتك عِنْدهم وَحسن خلقك
وَصدق حَدِيثك ثمَّ عرضت نَفسهَا عَلَيْهِ وَكَانَت رَضِي الله عَنْهَا حازمة لَبِيبَة شريفة وَهِي يَوْمئِذٍ من أَوسط نسَاء قُرَيْش أَي أعدلهن وأفضلهن وأعظمهن شرفا وأكثرهن مَالا كل من قَومهَا قد كَانَ حَرِيصًا على ذَلِك مِنْهَا لَو يقدر عَلَيْهِ فَلَمَّا قَالَت لرَسُول الله ذَلِك (ذكره لأعمامه، فَخرج مَعَه مِنْهُم حَمْزَة بن عبد الْمطلب، حَتَّى دخل على خويلد بن أَسد فَخَطَبَهَا اليه فَقبل)
خطْبَة أَبى طَالب
وَحضر أَبُو طَالب ورؤساء مُضر فَخَطب أَبُو طَالب فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي جعلنَا من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم وَزرع إِسْمَاعِيل وضئضى معد وعنصر مُضر وَجَعَلنَا حضنة بَيته وسواس حرمه وَجعل لنا بَيْتا محجوبا وحرما آمنا وَجَعَلنَا الْحُكَّام على النَّاس ثمَّ إِن ابْن أخي هَذَا مُحَمَّد بن عبد الله لَا يُوزن بِهِ رجل إِلَّا رجح بِهِ فَإِن كَانَ فِي المَال فَإِن المَال ظلّ زايل وَأمر حَائِل وَمُحَمّد من قد عَرَفْتُمْ قرَابَته وَقد خطب خَدِيجَة بنت خويلد وبذل لَهَا من الصَدَاق مَا آجله وعاجله من مَالِي كَذَا وَهُوَ وَالله بعد هَذَا لَهُ نبأ عَظِيم وخطب جليل فَتَزَوجهَا
سنة يَوْم تَزْوِيجه
وَقد بلغ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمْسا وَعشْرين سنة وشهرين وَعشرَة أَيَّام وَهِي يَوْمئِذٍ ابْنة ثَمَان وَعشْرين سنة وروى أَنه أصدقهَا اثنتى عشرَة أُوقِيَّة
ذهب فَبَقيت عِنْده قبل الْوَحْي خمس عشرَة سنة وَبعده إِلَى مَا قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين فَمَاتَتْ ولرسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسع وَأَرْبَعُونَ سنة وَثَمَانِية أشهر وَكَانَت لَهُ وَزِير صدق وروى أَن آدم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ إِنِّي لسَيِّد الْبشر يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا رجل من ذريتي فضل على بِاثْنَتَيْنِ كَانَت زَوجته عونا لَهُ وَكَانَت زَوْجَتي عونا عَليّ وأعانه الله على شَيْطَانه فَأسلم وَكفر شيطاني وروى أَن أول من أسلم من النِّسَاء خَدِيجَة وَمن الرِّجَال أَبُو بكر وَمن الغلمان على بن أبي طَالب وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أمرت أَن أبشر خَدِيجَة بِبَيْت فِي الْجنَّة من قصب لَا صخب فِيهِ وَلَا نصب) وأتى جِبْرِيل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَقْْرِئ خَدِيجَة من رَبهَا السَّلَام فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا خَدِيجَة هَذَا جِبْرِيل يُقْرِئك من رَبك السَّلَام فَقَالَت الله السَّلَام وَمِنْه السَّلَام على جِبْرِيل السَّلَام)
شُهُود بُنيان الْكَعْبَة
وَلما بلغ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمْسا وَثَلَاثِينَ سنة شهد بُنيان الْكَعْبَة وتراضت قُرَيْش بِحكمِهِ فِيهَا فَلَمَّا بلغ أَرْبَعِينَ سنة وَيَوْما بَعثه الله بشيرا وَنَذِيرا وَأَتَاهُ جِبْرِيل بِغَار حراء جبل بِمَكَّة يتعبد فِيهِ اللَّيَالِي ذَوَات الْعدَد فَقَالَ اقْرَأ فَقَالَ مَا أَنا بقارئ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخذني فغطني حَتَّى بلغ مني الْجهد ثمَّ أَرْسلنِي فَقَالَ اقْرَأ فَقلت مَا أَنا بقارئ فَقَالَ اقْرَأ {باسم رَبك الَّذِي خلق} إِلَى قَوْله {علم الْإِنْسَان مَا لم يعلم} فَرجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرجف بهَا بوادره حَتَّى دخل على خَدِيجَة فَقَالَ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فزملوه حَتَّى ذهب عَنهُ الْوَرع ثمَّ قَالَ أَي خَدِيجَة وأخبرها الْخَبَر وَقَالَ لقد خشيت على نَفسِي قَالَت لَهُ خَدِيجَة أبشر وَالله لَا يخزيك الله أبدا وَالله إِنَّك لتصل الرَّحِم وَتصدق الحَدِيث وَتحمل الْكل وتكسب الْمَعْدُوم وتقري الضَّيْف وَتعين على نَوَائِب الْحق وَانْطَلَقت بِهِ خَدِيجَة حَتَّى أَتَت بِهِ ورقة بن نَوْفَل وَهُوَ ابْن عَمها وَكَانَ امْرَءًا قد تنصر فِي
الْجَاهِلِيَّة وشيخا كَبِيرا قد عمى فَقَالَت يَا بن الْعم اسْمَع من ابْن أَخِيك فَقَالَ لَهُ ورقة يَا بن أخي مَاذَا ترى فَأخْبرهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبر مَا رأى فَقَالَ لَهُ ورقة هَذَا الناموس الَّذِي أنزل على مُوسَى يَا لَيْتَني فِيهَا جذعا يَا لَيْتَني أكون حَيا حِين يخْرجك قَوْمك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مخرجي هم قَالَ نعم لم يَأْتِ رجل قطّ بِمثل مَا جِئْت بِهِ إِلَّا عودى وَإِن يدركني يَوْمك أنصرك نصرا مؤزرا ثمَّ لم ينشب ورقة أَن توفى وفتر الْوَحْي فَتْرَة حَتَّى حزن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا بلغنَا فغدا من أَهله مرَارًا لكَي يتردى من رُؤُوس شَوَاهِق جبال الْحرم فَكلما أوفى ذرْوَة جبل لكَي يلقِي نَفسه تبدا لَهُ جِبْرِيل فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِنَّك لرَسُول حَقًا فيسكن لذَلِك جأشه وتعز نَفسه فَإِذا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَة الْوَحْي غَدا لمثل ذَلِك فيتبدا لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول لَهُ مثل ذَلِك وَلما أتم الله نبوته انْصَرف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَأْتِي على حجر وَلَا شجر
إِلَّا سلم عَلَيْهِ سَلام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَعَن جَابر بن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن بِمَكَّة الْآن لحجر كَانَ يسلم على ليَالِي بعثت أَنِّي لَا أعرفهُ الْآن) وَكَانَت نبوته يَوْم الِاثْنَيْنِ لثمان خلون من ربيع الأول فصدع بِأَمْر الله وَبلغ الرسَالَة ونصح الْأمة فشنف لَهُ الْقَوْم حَتَّى حاصروه وَأهل بَيته بِالشعبِ
حصاره فِي الشّعب
وَخرج من الْحصار وَله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسع وَأَرْبَعُونَ سنة وَبعد ذَلِك بِثمَانِيَة أشهر وَأحد وَعشْرين يَوْمًا مَاتَ عَمه أَبُو طَالب وَكَانَ موت خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا
بعده بِثَلَاثَة أَيَّام وَلما بلغ الْخمسين سنة وَثَلَاثَة أشهر قدمت عَلَيْهِ جن نَصِيبين فأسلموا فَلَمَّا أَتَت عَلَيْهِ إِحْدَى وَخَمْسُونَ سنة وَتِسْعَة أشهر أسرى بِهِ من بَين زَمْزَم وَالْمقَام إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَشرح صَدره واستخرج قلبه فَغسل بِمَاء زَمْزَم ثمَّ أُعِيد مَكَانَهُ ثمَّ حشي إِيمَانًا وَحِكْمَة ثمَّ أَتَى بِالْبُرَاقِ فَرَكبهُ وعرج بِهِ إِلَى السَّمَاء فَأخْبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لقى فِي السَّمَاء الدُّنْيَا آدم وَفِي الثَّانِيَة عِيسَى وَيحيى ابْن الْخَالَة وَفِي الثَّالِثَة يُوسُف وَفِي الرَّابِعَة إِدْرِيس وَفِي الْخَامِسَة هَارُون
وَفِي السَّادِسَة مُوسَى وَفِي السَّابِعَة إِبْرَاهِيم مُسْندًا ظَهره إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور وَفرض عَلَيْهِ وعَلى أمته الصَّلَوَات الْخمس فَلَمَّا بلغ ثَلَاثًا وَخمسين سنة هَاجر من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَت هجرته يَوْم الِاثْنَيْنِ لثمان خلون من ربيع الأول ودخوله الْمَدِينَة يَوْم الِاثْنَيْنِ وَكَانَت إِقَامَته بِمَكَّة بعد النُّبُوَّة ثَلَاث عشرَة سنة
عرضه على الْقَبَائِل
وَكَانَ يتبع النَّاس فِي مَنَازِلهمْ بعكاظ ومجن وَفِي المواسم يَقُول (من
يؤويني من ينصرني حَتَّى أبلغ رِسَالَة رَبِّي وَله الْجنَّة) فَيَمْشِي بَين رحالهم وهم يشيرون إِلَيْهِ بالأصابع حَتَّى بعث الله لَهُ الْأَنْصَار فآمنوا بِهِ وَكَانَ الرجل مِنْهُم يسلم ثمَّ يَنْقَلِب إِلَى أَهله فيسلمون بِإِسْلَامِهِ حَتَّى لم يبْق دَار من الْأَنْصَار إِلَّا وفيهَا رَهْط من الْمُسلمين يظهرون الْإِسْلَام
مُدَّة صلَاته إِلَى بَيت الْمُقَدّس
وَكَانَ يُصَلِّي إِلَى بَيت الْمُقَدّس تِلْكَ الْمدَّة وَلَا يستدبر الْكَعْبَة بل يَجْعَلهَا بَين يَدَيْهِ وَصلى بعد قدومه الْمَدِينَة إِلَى بَيت الْمُقَدّس سَبْعَة عشر شهرا أَو سِتَّة عشر
هجرته مَعَ أبي بكر
وَلما هَاجر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مَعَه أَبُو بكر الصّديق وَمولى لَهُ يُقَال لَهُ عَامر بن فهَيْرَة ودليلهم عبد الله بن الْأُرَيْقِط اللَّيْثِيّ وَهُوَ كَافِر وَلم يعرف لَهُ إِسْلَام قَالَ أَبُو بكر
أسرينا ليلتنا ويومنا حَتَّى إِذا قَامَ قَائِم الظهيرة وَانْقطع الطَّرِيق وَلم يمر أحد رفعت لنا صَخْرَة لَهَا ظلّ لم يَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْس قَالَ فسويت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَانا فِي ظلها وَكَانَ معي فرو ففرشته وَقلت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نم حَتَّى إِذا انفض لَك مَا حولك فَخرجت فَإِذا أَنا براع قد أقبل يُرِيد من الصَّخْرَة مثل الَّذِي أردنَا وَكَانَ يَأْتِيهَا قبل ذَلِك فَقلت يَا راعي لمن أَنْت قَالَ لرجل من أهل الْمَدِينَة قَالَ قلت هَل فِي شَاتك من لبن قَالَ نعم قَالَ فَجَاءَنِي بِشَاة فَجعلت أَمسَح الْغُبَار هَكَذَا عَن ضرْعهَا قَالَ فحلبت فِي إداوة معي كثبة من لبن وَكَانَ معي مَاء للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إداوة قَالَ فَصَبَبْت على اللَّبن من المَاء وَكنت أكره أَن أُوقِظ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فوافيته حِين قَامَ من نَومه فَقلت اشرب يَا رَسُول الله قَالَ فَشرب حَتَّى رضيت وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ أما آن الرحيل قَالَ قلت بلَى فارتحلنا حَتَّى إِذا كُنَّا بِأَرْض صلبة جَاءَ سراقَة بن مَالك بن جشعم فَبكى أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ يَا رَسُول الله قد أَتَيْنَا قَالَ كلا ودعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ بدعوات فارتطم فرسه إِلَى بَطْنه فَقَالَ قد أعلم أَن قد دعوتما عَليّ فَادعوا لي ولكما عَليّ أَن أرد النَّاس عنكما وَلَا أضركما قَالَ فَدَعَا لَهُ فَرجع ووفا وَجعل يرد النَّاس وروى أَنه قَالَ
وَهَذِه كِنَانَتِي فَخذ سَهْما مِنْهَا فَإنَّك ستمر على إبلي وغلماني بمَكَان كَذَا وَكَذَا فَخذ مِنْهَا حَاجَتك فَقَالَ لَا حَاجَة لي فِي إبلك
مروره بخيمتي أم معبد
ومروا على خَيْمَتي أم معبد الْخُزَاعِيَّة وَكَانَت بَرزَة جلدَة تجْلِس بِفنَاء الْقبَّة تَسْقِي وَتطعم فَسَأَلُوهَا تَمرا وَلَحْمًا يشرونه مِنْهَا فَلم يُصِيبُوا عِنْدهَا من ذَلِك شَيْئا وَكَانَ الْقَوْم مُرْمِلِينَ مُسنَّتَيْنِ فَنظر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى شَاة فِي كسر الْخَيْمَة فَقَالَ (مَا هَذِه الشَّاة يَا أم معبد) قَالَت شَاة خلفهَا الْجهد عَن الْغنم
قَالَ هَل بهَا من لبن قَالَت هِيَ أجهد من ذَلِك قَالَ أَتَأْذَنِينَ أَن أَحْلَبَهَا قَالَت نعم بِأبي وَأمي أَنْت إِن رَأَيْت بهَا حَلبًا فأحلبها فَدَعَا بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمسح بِيَدِهِ ضرْعهَا وسمى الله ودعا لَهَا فِي شَاتِهَا فتفاجت عَلَيْهِ وذرت ودعا بِإِنَاء يربض الرَّهْط فَحلبَ ثَجًّا ثمَّ سَقَاهَا حَتَّى رويت ثمَّ سقى أَصْحَابه حَتَّى رووا ثمَّ شرب آخِرهم ثمَّ حلب إِنَاء حَتَّى ملأَهُ ثمَّ غَادَرَهُ عِنْدهَا وبايعها وَارْتَحَلُوا عَنْهَا وَأصْبح صَوت بِمَكَّة عَال يسمعُونَ الصَّوْت وَلَا يَدْرُونَ من صَاحبه وَهُوَ يَقُول
(جزى الله رب النَّاس خير جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ قَالَا خَيْمَتي أم معبد)
(هما نزل بِالْهدى واهتدت بِهِ ... فقد فَازَ من أَمْسَى رَفِيق مُحَمَّد)
(فيآل قصي مَا زوى الله عَنْكُم ... بِهِ من فعال لَا تجازى وسوود)
(لِيهن بني كَعْب مَكَان فَتَاتهمْ ... فَإِنَّكُم إِن تسألوا الشَّاة تشهد)
(دَعَاهَا بِشَاة حَائِل فتحلبت ... لَهُ بِصَرِيح صرة الشَّاة مُزْبِد)
غَار ثَوْر
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خرج من مَكَّة مُهَاجرا استخفى هُوَ وَأَبُو بكر بِغَار فِي جبل من جبالها يُقَال لَهُ ثَوْر قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَنَظَرت إِلَى أَقْدَام الْمُشْركين وَنحن فِي الْغَار وَهُوَ على رؤوسنا فَقلت يَا رَسُول الله لَو أَن أحدهم نظر إِلَى قَدَمَيْهِ أبصرنا تَحت قَدَمَيْهِ فَقَالَ (يَا أَبَا بكر مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما) وَلما قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة تنازعوا أَيهمْ ينزل عَلَيْهِ فَقَالَ أنزل على بني النجار أخوال عبد الْمطلب أكْرمهم بذلك فَصَعدَ الرِّجَال وَالنِّسَاء فَوق الْبيُوت وتفرق الغلمان والخدم فِي الطّرق ينادون جَاءَ مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَلما ولدت آمِنَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي حجر جده عبد الْمطلب فاسترضعته امْرَأَة من بني سعد بن بكر يُقَال لَهَا حليمة بنت أبي ذُؤَيْب السعدية
فروى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت لما وَضعته فِي حجري أقبل ثدياى بِمَا شَاءَ الله من لبن فَشرب حَتَّى روى وَشرب مَعَه أَخُوهُ حَتَّى روى وناما وَمَا كَانَ ينَام قبل ذَلِك وَمَا كَانَ فِي ثدي مَا يرويهِ وَلَا فِي شارفنا مَا يغذيه وَقَامَ زَوجي إِلَى شارفنا تِلْكَ فَنظر إِلَيْهَا فَإِذا بهَا لحافل فَحلبَ مِنْهَا مَا شرب وشربت حَتَّى انتهينا ريا وشبعا فبتنا بِخَير لَيْلَة وَلما رجعت تعنى إِلَى بَلَدهَا ركبت أَتَانِي وَحَمَلته عَلَيْهَا فوَاللَّه لَقطعت بالركب مَا لَا يقدر عَلَيْهَا شَيْء من حمرهم حَتَّى إِن صواحبي ليقلن لي وَيحك يَا بنت أبي ذُؤَيْب أربعي علينا أَلَيْسَ هَذِه أتانك الَّتِي كنت خرجت عَلَيْهَا فَأَقُول لَهُنَّ بلَى وَالله إِنَّهَا لهي
فيقلن وَالله إِن لَهَا لشأنا وَكَانَت قبل ذَلِك قد أذمت بالركب حَتَّى شقّ عَلَيْهِم ضعفا وجعفا فقدمنا مَنَازلنَا وَمَا أعلم أَرضًا من أَرض الله أجدب مِنْهَا وَكَانَت غنمى تروح على حِين قدمنَا بهَا مَعنا شبعا فنحلب وَنَشْرَب وَمَا يحلب
إِنْسَان قَطْرَة لبن وَمَا يجدهَا فِي ضرع حَتَّى كَانَ الْحَاضِر من قَومنَا يَقُولُونَ لرعيانهم وَيْلكُمْ اسرحوا حَيْثُ يسرح راعي بنت أبي ذُؤَيْب
قصَّة شقّ بَطْنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلَمَّا شب وَبلغ سنتيه فَبَيْنَمَا هُوَ وَأَخُوهُ فِي
بهم لنا إِذْ جَاءَ أَخُوهُ يشْتَد فَقَالَ لي ولأبيه ذَاك أخي الْقرشِي قد أَخذه رجلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَاب بيض فأضجعاه فشقا بَطْنه فهما يسوطانه قَالَت فخرجنا نَحوه فوجدناه قَائِما منتقعا وَجهه قَالَت فالتزمناه وَقُلْنَا مَالك قَالَ جَاءَنِي رجلَانِ عَلَيْهِمَا ثِيَاب بيض فأضجعاني فشقا بَطْني فَالْتَمَسَا فِيهِ شَيْئا لَا أَدْرِي مَا هُوَ قَالَت فرجعنا بِهِ إِلَى أحبائنا فَقَالَ
أَبوهُ يَا حليمة لقد خشيت أَن يكون هَذَا الْغُلَام قد أُصِيب فألحقيه بأَهْله قبل أَن يظْهر بِهِ ذَلِك قَالَت فاحتملناه فقدمنا بِهِ على أمه فَقَالَت مَا أقدمك يَا ظئر وَقد كنت حريصة عَلَيْهِ وَلم تزل بهَا حَتَّى أخْبرتهَا خبْرَة فَقَالَت أمه كلا وَالله مَا للشَّيْطَان عَلَيْهِ سَبِيل وَإِن لِابْني هَذَا لشأنا أَفلا أخْبرك خَبره قَالَت بلَى قَالَت رَأَيْت حِين حملت بِهِ أَنه خرج مني نور أَضَاء لَهُ قُصُور بصرى من أَرض الشَّام ثمَّ حملت بِهِ فوَاللَّه مَا رَأَيْت من حمل قطّ كَانَ
أخف مِنْهُ ثمَّ وَقع حِين وَلدته وَإنَّهُ لواضع يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ رَافع رَأسه إِلَى السَّمَاء دعيه عَنْك وانطلقي راشدة وأرضعته ثويبة أَيْضا جَارِيَة أبي
لَهب وأرضعت مَعَه حَمْزَة بن عبد الْمطلب وَأَبا سَلمَة عبد الله بن عبد الْأسد المَخْزُومِي بِلَبن ابْنهَا مسروح
حضانته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وحضنته أم أَيمن الحبشية حَتَّى كبر فَأعْتقهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَزوجهَا زيد بن حَارِثَة
فَولدت لَهُ أُسَامَة وَكَانَ ورثهَا من أَبِيه وَمَات أَبوهُ عبد الله بِيَثْرِب وَكَانَ لما تزوج آمِنَة وحملت مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث بِهِ عبد الْمطلب يمتار تَمرا مِنْهَا فتوفى بهَا وَقيل بالأبواء بَين مَكَّة وَالْمَدينَة
وَقيل مَاتَ أَبوهُ وَقد أَتَى عَلَيْهِ ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ شهرا وَقيل سَبْعَة أشهر وَقيل شَهْرَان فَلَمَّا بلغ سِتّ سِنِين وَقيل أَرْبعا مَاتَت أمه فَيتم فِي حجر جده عبد الْمطلب فَلَمَّا بلغ ثَمَانِي سِنِين وشهرين وَعشرَة أَيَّام توفى عبد الْمطلب فَوَلِيه عَمه أَبُو طَالب وَكَانَ أَخ عبد الله لِأَبَوَيْهِ ومنحه الله كل خلق جميل حَتَّى لم يكن يعرف بَين قومه إِلَّا بالأمين
- 2 3 4 5 6 نعم فَقَالَ وَالله لَئِن قدمت بِهِ الشَّام لتقتلنه الْيَهُود فَرده خوفًا عَلَيْهِ مِنْهُم ثمَّ
خرج صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة ثَانِيَة إِلَى الشَّام مَعَ ميسرَة غُلَام خَدِيجَة فِي تِجَارَة لَهَا قبل أَن يَتَزَوَّجهَا فَلَمَّا قدم الشَّام نزل تَحت ظلّ شَجَرَة قَرِيبا من صومعة رَاهِب فَاطلع الراهب إِلَى ميسرَة فَقَالَ من هَذَا الرجل فَقَالَ لَهُ ميسرَة رجل من قُرَيْش من أهل الْحرم فَقَالَ مَا نزل تَحت هَذِه الشَّجَرَة قطّ إِلَّا نَبِي
بَيْعه وشراؤه
ثمَّ بَاعَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سلْعَته وَاشْترى مَا أَرَادَ أَن يَشْتَرِيهِ ثمَّ أقبل قَافِلًا إِلَى مَكَّة فَقيل إِن ميسرَة قَالَ كَانَ إِذا كَانَت الهاجرة وَاشْتَدَّ الْحر نزل ملكان يظلانه من الشَّمْس وَهُوَ يسير على بعيره فَلَمَّا قدم مَكَّة باعت خَدِيجَة مَا جَاءَ بِهِ بأضعافه أَو قَرِيبا
سَبَب تَزْوِيجه خَدِيجَة
وأخبرها ميسرَة بقول الراهب وبإظلال الْملكَيْنِ لَهُ فَبعثت إِلَيْهِ وَعرضت نَفسهَا عَلَيْهِ فَقَالَت فيمَ يَزْعمُونَ يَا بن الْعم إِنِّي قد رغبت فِيك لقرابتك مني وشرفك فِي قَوْمك وسطتك فيهم وأمانتك عِنْدهم وَحسن خلقك
وَصدق حَدِيثك ثمَّ عرضت نَفسهَا عَلَيْهِ وَكَانَت رَضِي الله عَنْهَا حازمة لَبِيبَة شريفة وَهِي يَوْمئِذٍ من أَوسط نسَاء قُرَيْش أَي أعدلهن وأفضلهن وأعظمهن شرفا وأكثرهن مَالا كل من قَومهَا قد كَانَ حَرِيصًا على ذَلِك مِنْهَا لَو يقدر عَلَيْهِ فَلَمَّا قَالَت لرَسُول الله ذَلِك (ذكره لأعمامه، فَخرج مَعَه مِنْهُم حَمْزَة بن عبد الْمطلب، حَتَّى دخل على خويلد بن أَسد فَخَطَبَهَا اليه فَقبل)
خطْبَة أَبى طَالب
وَحضر أَبُو طَالب ورؤساء مُضر فَخَطب أَبُو طَالب فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي جعلنَا من ذُرِّيَّة إِبْرَاهِيم وَزرع إِسْمَاعِيل وضئضى معد وعنصر مُضر وَجَعَلنَا حضنة بَيته وسواس حرمه وَجعل لنا بَيْتا محجوبا وحرما آمنا وَجَعَلنَا الْحُكَّام على النَّاس ثمَّ إِن ابْن أخي هَذَا مُحَمَّد بن عبد الله لَا يُوزن بِهِ رجل إِلَّا رجح بِهِ فَإِن كَانَ فِي المَال فَإِن المَال ظلّ زايل وَأمر حَائِل وَمُحَمّد من قد عَرَفْتُمْ قرَابَته وَقد خطب خَدِيجَة بنت خويلد وبذل لَهَا من الصَدَاق مَا آجله وعاجله من مَالِي كَذَا وَهُوَ وَالله بعد هَذَا لَهُ نبأ عَظِيم وخطب جليل فَتَزَوجهَا
سنة يَوْم تَزْوِيجه
وَقد بلغ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمْسا وَعشْرين سنة وشهرين وَعشرَة أَيَّام وَهِي يَوْمئِذٍ ابْنة ثَمَان وَعشْرين سنة وروى أَنه أصدقهَا اثنتى عشرَة أُوقِيَّة
ذهب فَبَقيت عِنْده قبل الْوَحْي خمس عشرَة سنة وَبعده إِلَى مَا قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين فَمَاتَتْ ولرسول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسع وَأَرْبَعُونَ سنة وَثَمَانِية أشهر وَكَانَت لَهُ وَزِير صدق وروى أَن آدم عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ إِنِّي لسَيِّد الْبشر يَوْم الْقِيَامَة إِلَّا رجل من ذريتي فضل على بِاثْنَتَيْنِ كَانَت زَوجته عونا لَهُ وَكَانَت زَوْجَتي عونا عَليّ وأعانه الله على شَيْطَانه فَأسلم وَكفر شيطاني وروى أَن أول من أسلم من النِّسَاء خَدِيجَة وَمن الرِّجَال أَبُو بكر وَمن الغلمان على بن أبي طَالب وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (أمرت أَن أبشر خَدِيجَة بِبَيْت فِي الْجنَّة من قصب لَا صخب فِيهِ وَلَا نصب) وأتى جِبْرِيل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ أَقْْرِئ خَدِيجَة من رَبهَا السَّلَام فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (يَا خَدِيجَة هَذَا جِبْرِيل يُقْرِئك من رَبك السَّلَام فَقَالَت الله السَّلَام وَمِنْه السَّلَام على جِبْرِيل السَّلَام)
شُهُود بُنيان الْكَعْبَة
وَلما بلغ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمْسا وَثَلَاثِينَ سنة شهد بُنيان الْكَعْبَة وتراضت قُرَيْش بِحكمِهِ فِيهَا فَلَمَّا بلغ أَرْبَعِينَ سنة وَيَوْما بَعثه الله بشيرا وَنَذِيرا وَأَتَاهُ جِبْرِيل بِغَار حراء جبل بِمَكَّة يتعبد فِيهِ اللَّيَالِي ذَوَات الْعدَد فَقَالَ اقْرَأ فَقَالَ مَا أَنا بقارئ فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأخذني فغطني حَتَّى بلغ مني الْجهد ثمَّ أَرْسلنِي فَقَالَ اقْرَأ فَقلت مَا أَنا بقارئ فَقَالَ اقْرَأ {باسم رَبك الَّذِي خلق} إِلَى قَوْله {علم الْإِنْسَان مَا لم يعلم} فَرجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرجف بهَا بوادره حَتَّى دخل على خَدِيجَة فَقَالَ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي فزملوه حَتَّى ذهب عَنهُ الْوَرع ثمَّ قَالَ أَي خَدِيجَة وأخبرها الْخَبَر وَقَالَ لقد خشيت على نَفسِي قَالَت لَهُ خَدِيجَة أبشر وَالله لَا يخزيك الله أبدا وَالله إِنَّك لتصل الرَّحِم وَتصدق الحَدِيث وَتحمل الْكل وتكسب الْمَعْدُوم وتقري الضَّيْف وَتعين على نَوَائِب الْحق وَانْطَلَقت بِهِ خَدِيجَة حَتَّى أَتَت بِهِ ورقة بن نَوْفَل وَهُوَ ابْن عَمها وَكَانَ امْرَءًا قد تنصر فِي
الْجَاهِلِيَّة وشيخا كَبِيرا قد عمى فَقَالَت يَا بن الْعم اسْمَع من ابْن أَخِيك فَقَالَ لَهُ ورقة يَا بن أخي مَاذَا ترى فَأخْبرهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خبر مَا رأى فَقَالَ لَهُ ورقة هَذَا الناموس الَّذِي أنزل على مُوسَى يَا لَيْتَني فِيهَا جذعا يَا لَيْتَني أكون حَيا حِين يخْرجك قَوْمك قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو مخرجي هم قَالَ نعم لم يَأْتِ رجل قطّ بِمثل مَا جِئْت بِهِ إِلَّا عودى وَإِن يدركني يَوْمك أنصرك نصرا مؤزرا ثمَّ لم ينشب ورقة أَن توفى وفتر الْوَحْي فَتْرَة حَتَّى حزن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا بلغنَا فغدا من أَهله مرَارًا لكَي يتردى من رُؤُوس شَوَاهِق جبال الْحرم فَكلما أوفى ذرْوَة جبل لكَي يلقِي نَفسه تبدا لَهُ جِبْرِيل فَقَالَ يَا مُحَمَّد إِنَّك لرَسُول حَقًا فيسكن لذَلِك جأشه وتعز نَفسه فَإِذا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَة الْوَحْي غَدا لمثل ذَلِك فيتبدا لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام فَيَقُول لَهُ مثل ذَلِك وَلما أتم الله نبوته انْصَرف صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يَأْتِي على حجر وَلَا شجر
إِلَّا سلم عَلَيْهِ سَلام عَلَيْك يَا رَسُول الله وَعَن جَابر بن سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إِن بِمَكَّة الْآن لحجر كَانَ يسلم على ليَالِي بعثت أَنِّي لَا أعرفهُ الْآن) وَكَانَت نبوته يَوْم الِاثْنَيْنِ لثمان خلون من ربيع الأول فصدع بِأَمْر الله وَبلغ الرسَالَة ونصح الْأمة فشنف لَهُ الْقَوْم حَتَّى حاصروه وَأهل بَيته بِالشعبِ
حصاره فِي الشّعب
وَخرج من الْحصار وَله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تسع وَأَرْبَعُونَ سنة وَبعد ذَلِك بِثمَانِيَة أشهر وَأحد وَعشْرين يَوْمًا مَاتَ عَمه أَبُو طَالب وَكَانَ موت خَدِيجَة رَضِي الله عَنْهَا
بعده بِثَلَاثَة أَيَّام وَلما بلغ الْخمسين سنة وَثَلَاثَة أشهر قدمت عَلَيْهِ جن نَصِيبين فأسلموا فَلَمَّا أَتَت عَلَيْهِ إِحْدَى وَخَمْسُونَ سنة وَتِسْعَة أشهر أسرى بِهِ من بَين زَمْزَم وَالْمقَام إِلَى بَيت الْمُقَدّس وَشرح صَدره واستخرج قلبه فَغسل بِمَاء زَمْزَم ثمَّ أُعِيد مَكَانَهُ ثمَّ حشي إِيمَانًا وَحِكْمَة ثمَّ أَتَى بِالْبُرَاقِ فَرَكبهُ وعرج بِهِ إِلَى السَّمَاء فَأخْبر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه لقى فِي السَّمَاء الدُّنْيَا آدم وَفِي الثَّانِيَة عِيسَى وَيحيى ابْن الْخَالَة وَفِي الثَّالِثَة يُوسُف وَفِي الرَّابِعَة إِدْرِيس وَفِي الْخَامِسَة هَارُون
وَفِي السَّادِسَة مُوسَى وَفِي السَّابِعَة إِبْرَاهِيم مُسْندًا ظَهره إِلَى الْبَيْت الْمَعْمُور وَفرض عَلَيْهِ وعَلى أمته الصَّلَوَات الْخمس فَلَمَّا بلغ ثَلَاثًا وَخمسين سنة هَاجر من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَت هجرته يَوْم الِاثْنَيْنِ لثمان خلون من ربيع الأول ودخوله الْمَدِينَة يَوْم الِاثْنَيْنِ وَكَانَت إِقَامَته بِمَكَّة بعد النُّبُوَّة ثَلَاث عشرَة سنة
عرضه على الْقَبَائِل
وَكَانَ يتبع النَّاس فِي مَنَازِلهمْ بعكاظ ومجن وَفِي المواسم يَقُول (من
يؤويني من ينصرني حَتَّى أبلغ رِسَالَة رَبِّي وَله الْجنَّة) فَيَمْشِي بَين رحالهم وهم يشيرون إِلَيْهِ بالأصابع حَتَّى بعث الله لَهُ الْأَنْصَار فآمنوا بِهِ وَكَانَ الرجل مِنْهُم يسلم ثمَّ يَنْقَلِب إِلَى أَهله فيسلمون بِإِسْلَامِهِ حَتَّى لم يبْق دَار من الْأَنْصَار إِلَّا وفيهَا رَهْط من الْمُسلمين يظهرون الْإِسْلَام
مُدَّة صلَاته إِلَى بَيت الْمُقَدّس
وَكَانَ يُصَلِّي إِلَى بَيت الْمُقَدّس تِلْكَ الْمدَّة وَلَا يستدبر الْكَعْبَة بل يَجْعَلهَا بَين يَدَيْهِ وَصلى بعد قدومه الْمَدِينَة إِلَى بَيت الْمُقَدّس سَبْعَة عشر شهرا أَو سِتَّة عشر
هجرته مَعَ أبي بكر
وَلما هَاجر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مَعَه أَبُو بكر الصّديق وَمولى لَهُ يُقَال لَهُ عَامر بن فهَيْرَة ودليلهم عبد الله بن الْأُرَيْقِط اللَّيْثِيّ وَهُوَ كَافِر وَلم يعرف لَهُ إِسْلَام قَالَ أَبُو بكر
أسرينا ليلتنا ويومنا حَتَّى إِذا قَامَ قَائِم الظهيرة وَانْقطع الطَّرِيق وَلم يمر أحد رفعت لنا صَخْرَة لَهَا ظلّ لم يَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْس قَالَ فسويت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَانا فِي ظلها وَكَانَ معي فرو ففرشته وَقلت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نم حَتَّى إِذا انفض لَك مَا حولك فَخرجت فَإِذا أَنا براع قد أقبل يُرِيد من الصَّخْرَة مثل الَّذِي أردنَا وَكَانَ يَأْتِيهَا قبل ذَلِك فَقلت يَا راعي لمن أَنْت قَالَ لرجل من أهل الْمَدِينَة قَالَ قلت هَل فِي شَاتك من لبن قَالَ نعم قَالَ فَجَاءَنِي بِشَاة فَجعلت أَمسَح الْغُبَار هَكَذَا عَن ضرْعهَا قَالَ فحلبت فِي إداوة معي كثبة من لبن وَكَانَ معي مَاء للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي إداوة قَالَ فَصَبَبْت على اللَّبن من المَاء وَكنت أكره أَن أُوقِظ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فوافيته حِين قَامَ من نَومه فَقلت اشرب يَا رَسُول الله قَالَ فَشرب حَتَّى رضيت وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لأبي بكر رَضِي الله عَنهُ أما آن الرحيل قَالَ قلت بلَى فارتحلنا حَتَّى إِذا كُنَّا بِأَرْض صلبة جَاءَ سراقَة بن مَالك بن جشعم فَبكى أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ يَا رَسُول الله قد أَتَيْنَا قَالَ كلا ودعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ بدعوات فارتطم فرسه إِلَى بَطْنه فَقَالَ قد أعلم أَن قد دعوتما عَليّ فَادعوا لي ولكما عَليّ أَن أرد النَّاس عنكما وَلَا أضركما قَالَ فَدَعَا لَهُ فَرجع ووفا وَجعل يرد النَّاس وروى أَنه قَالَ
وَهَذِه كِنَانَتِي فَخذ سَهْما مِنْهَا فَإنَّك ستمر على إبلي وغلماني بمَكَان كَذَا وَكَذَا فَخذ مِنْهَا حَاجَتك فَقَالَ لَا حَاجَة لي فِي إبلك
مروره بخيمتي أم معبد
ومروا على خَيْمَتي أم معبد الْخُزَاعِيَّة وَكَانَت بَرزَة جلدَة تجْلِس بِفنَاء الْقبَّة تَسْقِي وَتطعم فَسَأَلُوهَا تَمرا وَلَحْمًا يشرونه مِنْهَا فَلم يُصِيبُوا عِنْدهَا من ذَلِك شَيْئا وَكَانَ الْقَوْم مُرْمِلِينَ مُسنَّتَيْنِ فَنظر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى شَاة فِي كسر الْخَيْمَة فَقَالَ (مَا هَذِه الشَّاة يَا أم معبد) قَالَت شَاة خلفهَا الْجهد عَن الْغنم
قَالَ هَل بهَا من لبن قَالَت هِيَ أجهد من ذَلِك قَالَ أَتَأْذَنِينَ أَن أَحْلَبَهَا قَالَت نعم بِأبي وَأمي أَنْت إِن رَأَيْت بهَا حَلبًا فأحلبها فَدَعَا بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمسح بِيَدِهِ ضرْعهَا وسمى الله ودعا لَهَا فِي شَاتِهَا فتفاجت عَلَيْهِ وذرت ودعا بِإِنَاء يربض الرَّهْط فَحلبَ ثَجًّا ثمَّ سَقَاهَا حَتَّى رويت ثمَّ سقى أَصْحَابه حَتَّى رووا ثمَّ شرب آخِرهم ثمَّ حلب إِنَاء حَتَّى ملأَهُ ثمَّ غَادَرَهُ عِنْدهَا وبايعها وَارْتَحَلُوا عَنْهَا وَأصْبح صَوت بِمَكَّة عَال يسمعُونَ الصَّوْت وَلَا يَدْرُونَ من صَاحبه وَهُوَ يَقُول
(جزى الله رب النَّاس خير جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ قَالَا خَيْمَتي أم معبد)
(هما نزل بِالْهدى واهتدت بِهِ ... فقد فَازَ من أَمْسَى رَفِيق مُحَمَّد)
(فيآل قصي مَا زوى الله عَنْكُم ... بِهِ من فعال لَا تجازى وسوود)
(لِيهن بني كَعْب مَكَان فَتَاتهمْ ... فَإِنَّكُم إِن تسألوا الشَّاة تشهد)
(دَعَاهَا بِشَاة حَائِل فتحلبت ... لَهُ بِصَرِيح صرة الشَّاة مُزْبِد)
غَار ثَوْر
وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما خرج من مَكَّة مُهَاجرا استخفى هُوَ وَأَبُو بكر بِغَار فِي جبل من جبالها يُقَال لَهُ ثَوْر قَالَ أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَنَظَرت إِلَى أَقْدَام الْمُشْركين وَنحن فِي الْغَار وَهُوَ على رؤوسنا فَقلت يَا رَسُول الله لَو أَن أحدهم نظر إِلَى قَدَمَيْهِ أبصرنا تَحت قَدَمَيْهِ فَقَالَ (يَا أَبَا بكر مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما) وَلما قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة تنازعوا أَيهمْ ينزل عَلَيْهِ فَقَالَ أنزل على بني النجار أخوال عبد الْمطلب أكْرمهم بذلك فَصَعدَ الرِّجَال وَالنِّسَاء فَوق الْبيُوت وتفرق الغلمان والخدم فِي الطّرق ينادون جَاءَ مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
شريف ابراهيم- نائب المدير العام
- عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011
مواضيع مماثلة
» الْفَصْل الثَّالِث عشر فِي ذكر أَعْمَامه وعماته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
» الْفَصْل السَّابِع عشر فِي ذكر رسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
» الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي ذكر أَوْلَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
» الْفَصْل الْخَامِس فِي حجه وعمرته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
» الْفَصْل الْخَامِس عشر فِي ذكر خدمه من الْأَحْرَار صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
» الْفَصْل السَّابِع عشر فِي ذكر رسله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
» الْفَصْل الْحَادِي عشر فِي ذكر أَوْلَاده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
» الْفَصْل الْخَامِس فِي حجه وعمرته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
» الْفَصْل الْخَامِس عشر فِي ذكر خدمه من الْأَحْرَار صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى