أوقد شمعة ولا تلعن الظلام

بسم الله الرحمن الرحيم
أوقد شمعة ولا تلعن الظلام
إعداد الشيخ / بابكر العوض
الذكي الموفق يحول خسائره إلى مكاسب .
طرد الرسول ا( صلى الله عليه وسلم ) من مكة إلى المدينة فأنشأ دولة عادلة ملأت سمع الزمان وبصره، سجن ابن تيمية فكتب في السجن ثلاثين مجلداً في العلم النافع .
وضع الرحى في بئر معطلة تحت الأرض وألف كتاب المبسوط عشرين مجلداً .
اقعد بن الأثير فصنف جامع الأصول أنفع وأفيد كتاب في الحديث .
تعطل عطاء بن أبي رباح عن المكاسب الدنيوية لامراضة وضعفه وعرجه فجلس في الحرم ثلاثين سنة يتعلم العلم فصار عالم الدنيا .
أصابت الحمى أبا الطيب المتنبي فأرسل للعالمين قصيدته الرائعة الذائعة .
وزائرتي كأن بها حياءً فليس تزور إلّا في الظلام
وعمى طه حسين فواصل دراسته حتى نأل العالمية وبترت رجل الزمخشري فلزم بيته يقرأ ويصنف فصار أعجوبة الدهر .
إذا استثمر الوجه الآخر للمؤاساة انظر إلى الجانب المشرق للمصيبة وحاول أن تصنع من الليمون شراباً حلوا وتكيف مع ظرفك القاسي وأعلم أن العظماء إذا شقوا طريقهم إلى المجد مشوا على الجمر وعلى الشوك والتعب والمشقة لان طريق الراحة التعب والعرق .
أما الإخفاق والهزيمة فأنها كبسولات مسكنة في الفشل والكسل والتسويف والإحباط والراحة فإذا واجهتك أزمة وصدمتك مأساة فلا تقابلها بالعويل والبكاء والتحسر بل واجهها بالاحتساب والصبر والإصرار على الانتظار والثبات والاستمرار .
إن العباقرة في الغالب لم تكن ظروفهم مهيأة ولا النعم لديهم مكتملة ولا الوسائل متاحة فمن عنده مال ليس لدية صحة , ومن رزق ذكاء حسر الثروة , ومن متع مسمعه قد بفقد بصره فحال الدنيا عدم الاكتمال فلو أن الدنيا تمت لأحد من العز للمال والصحة والجاه والسرور والأمل لصارت جنة ولما كان في الآخرة حنة ثانية لكن هذه الدنيا !! من سره زمن ساءته أزمان فلا تنتظر أن يصفو لك العبث وتسالمك الأيام وتتاح لك الفرص وتفرش لك طرق المجد بالورد , ولكن أنطلق بما أعطاك الله من موهبة ونعمة ووظفها واجتهد غاية الاجتهاد .
وإذا ضمك الليل فلا تلعن الظلام ولكن أقد شمعة , وإذا تعطلت سيارتك فلا تلقي خبطة رنانة في سب من صنعها أو الطريق الذي مشت عليه ولكن أصلحها وواصل المسير , وإذا تنكر لك صديق فلا تنظم فيه قصائد الهجاء وتضيع وقتك ولكن ابحث عن صديق آخر أو عش وحيداً .
وكن كالنملة تحاول الصعود ألف مرة ولا تؤمن بالإحباط أبداً .
وكن كالسيل إذا وضعت في طريقه صخرة أنحرف ذات اليمين وذات اليسار .
الفرص أمامك كثيرة والأيام المشرقة تنتظرك والانتصار حليفك إذا بذلت واجتهدت وتوكلت على الله .
لا تعترف في الحياة بالهزيمة وقاوم إلى آخر نفس في حياتك فإن أبا الريحان البيروني بقى يدرس حتى يوم وفاته , وأبو يوسف القاضي ينافس طلابه وهو في سكرات الموت .
وابن سينا يكمل مصنفة والموت يدب في أطرافه لأن الحياة لا تعترف بالخاملين الكسالى والدهر لا يصفق للفاشلين , والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف , قال شوقي:
وما نيل المطالب بالتمني *********ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
لم ينفع الشاة في الدنيا سكينتها ******* والليث حاضرة أن ليس محجوبا