منتديات أنوار المدينة
أهلاً وسهلااً بك زائرنا الكريم إذا كانت هذه زيارتك الأولى نرجو من حضرتك التسجيل
حتى تتمكن من استعمال العناوين الخارجية

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات أنوار المدينة
أهلاً وسهلااً بك زائرنا الكريم إذا كانت هذه زيارتك الأولى نرجو من حضرتك التسجيل
حتى تتمكن من استعمال العناوين الخارجية
منتديات أنوار المدينة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

لمحات فى الثقافه الاسلاميه الثقافة والمجتمع الثقافة ومناحي الدراسة الاجتماعية:

اذهب الى الأسفل

لمحات فى الثقافه الاسلاميه الثقافة والمجتمع الثقافة ومناحي الدراسة الاجتماعية: Empty لمحات فى الثقافه الاسلاميه الثقافة والمجتمع الثقافة ومناحي الدراسة الاجتماعية:

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الأربعاء 5 أبريل 2017 - 3:41

الثقافة والمجتمع الثقافة ومناحي الدراسة الاجتماعية:
يتناول علماء الاجتماع "الثقافة" في دراستهم لطبيعة المجتمع الإنساني من جوانب عدة منها:
1- كونها عنصرًا مهمًا من عناصر التراث الاجتماعي؛ فإلى الثقافة يعود الفضل فيما وصل إليه أفراد المجتمع من مستوى اجتماعي وحضاري، وهي -بما فيها من مفاهيم ومدركات مصطلح عليها في المجتمع- تكسب الجماعة صفات وخواص مميزة؛ تنعكس في فكر أفراد الجماعة وأعمالهم.
2- كونها أبرز العوامل فيما يقع من التغير في المجتمعات الإنسانية؛ فإذا كان التغير في المجتمعات ناتجًا عن تأثير عدد من العوامل المتأصلة في الحياة، كالعوامل الطبيعية و"البيولوجية" و"الديموغرافية" -أي التغير السكاني- فإن تأثير العامل الثقافي -في رأي عدد من علماء الاجتماع- يفوق العوامل الأخرى في التغيير الاجتماعي.
3- في ضوء هذين الجانبين يأخذ معنى الثقافة في الدراسات الاجتماعية ذلك
المنحى الذي يتصل بكل أوجه النشاط الإنساني الذي جاء نتيجةً للاجتماع البشري؛ فهي تشمل في تعريف علماء الاجتماع:
أ- ما يتلقاه الفرد عن الجماعة من مظاهر الفنون والعلوم والمعارف والفلسفة والعقائد وما إليها.
ب- النماذج المختلفة التي يصب فيها الأفراد سلوكهم وتصرفهم.
جـ- الطرق التي يوجدها أي مجتمع لسد حاجاته الأساسية ولتقوم بتنظيم علاقاته الاجتماعية؛
ومن هذا يتضح أن الثقافة في تفسيرهم، هي كل ما يتصل بمقومات الفرد والمجتمع من النواحي الاعتقادية والفكرية والسلوكية والاجتماعية، أو هي كما قال "تيلر Tailer": "ذلك الكل المعقد الذي ينطوي على المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وغير ذلك من القدرات"1.
وإذا كان "تيلر" قد وصف الثقافة بأنها ذلك الكل المعقد، وأدرج "العرف" ضمن المحتوى الثقافي للمجتمع الإنساني؛ فقد رأى "كروبر Kroper" "أن العرف هو عادة نفسية وبيولوجية معًا ارتقت إلى المستوى الاجتماعي وارتبطت بها قيم ثقافية"2 ويرى أن هنالك للمحتوى الثقافي المتفاوت الغنى "ثوابت ثقافية" كالدين والأسرة والحرب وتبادل الأفكار، ويرى أنها بمثابة الأطر "البيوسيكولوجية" -النفسية- لهذا المحتوى الثقافي3.
وحول علاقة الثقافة بالدين بوجه خاص يرى بعض الباحثين الغربيين
__________
1 انظر: "علم الاجتماع ومدارسه": الدكتور مصطفى الخشاب ص189.
وانظر: "المجتمع الإنساني": الدكتور محمد عبد المنعم نور ص29-31.
2 أصالة الثقافات ص9.
3 انظر المرجع السابق.
"إليوت": أن الثقافة ليست إلا تجسيمًا للدين، ورد بذلك على "أرنولد" الذي عد الثقافة أشمل من الدين1.
4- من هذا التنوع والاختلاف في تحديد علاقة الثقافة بالمجتمع من ناحية، وبالدين من ناحية أخرى؛ يتضح أن تحديد هذه العلاقة في نطاق الدراسات الاجتماعية، وفي مفهوم الدين لدى هؤلاء الباحثين الغربيين لا بد أن ينتهي إلى ما انتهى إليه من تباين في الرأي، وتباعد في الاتجاه.. ويمكن أن نلاحظ هنا أمرين:
أ- إن الفكر الغربي بعامة ينظر إلى الدين على أنه قضية ميتافيزيقية تخص الفلسفة؛ كما يعد الدين ظاهرة اجتماعية، ويعالجه كما يعالج أي ظاهرة أخرى من ظواهر المجتمع ومؤسساته، ولا يرى مانعًا -إن لم يجد ذلك ضروريًا- من إخضاع الدين -من حيث كونه قضية فلسفية- للمفاهيم الفكرية الجديدة الناشئة من تطور الدراسات الفلسفية، غير آبهٍ لما ينجم عن ذلك من انهيار العقيدة، ودمار القيم، وضعف سلطان الوازع الديني على النفوس، وأوضاع الحياة.. كما يحرص هذا الفكر الغربي نفسه على أن يفصل الدين عن المجتمع وما يتصل به من نظم وأوضاع، ويحصره بالأمور الروحية فحسب. وعلى هذا فإن تفسير الباحثين الغربيين للثقافة، وتحديد علاقاتها بالمجتمع، من حيث كونها عنصرًا من عناصر تراثه، أو عاملًا من عوامل التغير فيه؛ لا يضع الدين حيث يجب أن يكون من حياة الإنسان باعتباره السلطان النازع الوازع، الذي يضمن تماسك المجتمع، واستقرار نظامه، والتئام أسباب الراحة والطمأنينة فيه، وبكونه خير ضمان لقيام التعامل بين الناس على قواعد العدالة والنصفة،
__________
1 انظر: "وحدة الثقافة والتاريخ في الشعر الحديث" للدكتور أحمد محمد الحوفي ص5
والتعاون المثمر الخير، ولا ينظر هذا الفكر الغربي -الذي سيطرت عليه المادية- إلى الدين من زاوية حقيقته الأصيلة التي تقرر أنه فطرة إنسانية؛ كما أنه ضرورة اجتماعية؛ فهو الذي يؤكد الإيمان بقيمة الفضيلة وكرامة الإنسانية، وليست تداني سلطانه على النفس أي سلطة أو قوة أو نظام1.
ب- لقد التبس في أذهان هؤلاء الدين الحق بالأديان الباطلة سواء منها الوثنيات التي عرفتها البشرية في أديان الفرس والإغريق والهنود، والعرب في جاهليتهم، والتي لا تعدو أن تكون ضروبًا من الخيالات والأساطير والأوهام، أو الوثنيات الأخرى التي وجدت نتيجة الانحراف عن عقيدة التوحيد. كما جاء بها موسى وعيسى عليهما السلام؛ هذا الانحراف الخطير الذي نجم عنه ذلك التصور الفاسد لحقيقة العقيدة وأثرها في حياة البشر..
ولقد جهلوا الإسلام، الدين الحق، الذي يسمو بالإنسان عن هذه التصورات الفارغة، التي جاءت بها العقائد الوثنية التي اصطبغت بها ديانة العرب في جاهليتهم، والفرس واليونان والهنود، والتصورات الخرافية التي تحولت إليها -نتيجة التغيير والتزوير- اليهودية والنصرانية.
ولو أمعنوا النظر، وطرحوا التعصب، وبحثوا بتجرد كامل في حقيقة الإسلام؛ لعرفوا أنه ليس قضية ميتافيزيقية محضة؛ يستوي في ذلك مع الأديان الباطلة والمحرفة، والفلسفات المختلفة التي تضرب في تيهٍ من الأوهام والجدال العقيم؛ بل هو الدين الذي جاء لينقذ البشرية كلها من الركام الذي كان ينوء بأفكارها
__________
1 انظر كتاب "الدين" للدكتور محمد عبد الله دراز ص91.
وحياتها ويثقلها، ومن التيه الذي كانت أفكارها وحياتها شاردة فيه، ولينشئ لها تصورًا خاصًا متميزًا منفردًا، وحياة أخرى تسير وفق منهج الله القويم.. وإن هذا التصور ليكفل تجمع الشخصية والطاقة في كيان المسلم الفرد والجماعة، وينفي التمزق والانفصام التي تسببها العقائد والتصورات الأخرى1.
__________
1 انظر: "المسألة الاجتماعية بين الإسلام والنظم البشرية" للمؤلف ص24 و "خصائص التصور الإسلامي" لسيد قطب ص22 وص228.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لمحات فى الثقافه الاسلاميه الثقافة والمجتمع الثقافة ومناحي الدراسة الاجتماعية: Empty الثقافة وقيم المجتمع:

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الأربعاء 5 أبريل 2017 - 3:46

الثقافة وقيم المجتمع:
1- إن ثقافة أي أمة يجب أن تقوم على أساس من القيم التي تسود مجتمعها، وهي قيم وثيقة الصلة بالعقيدة والفكر، والسلوك ونمط الحياة. ووجهة الحركة، وتحديد الهدف؛ كما أنها عماد التراث الروحي والنفسي والاجتماعي، ومحور التاريخ في جوانبه المتعددة، وأبطاله البارزين، ومواقفه الفاصلة..
2- إذا كان من شأن ثقافة أفراد أي مجتمع أن تكون مصدرًا لتقديم الحلول الناجحة السليمة لكل ما يعترضهم من مشكلات، والوفاء بكل ما يجِدُّ في حياتهم من حاجات..؛ فإن تحقيق ذلك إنما يكون ميسورًا للثقافة إذا كانت قد نمت نموًا صحيحًا في جو القيم الصالحة ومناخها السليم..؛ وإلا كانت الثقافة عاجزةً مشلولة الحركة، عديمة التأثير، ولم تَعْدُ أن تكون لونًا من التعبير الجميل تارة.. أو ضربًا من الفلسفة النظرية في تيه الجدل العقيم تارة أخرى.. وهي معزولة -في الحالين- عن التأثير في المجتمع، وعلاج مشكلاته والوفاء بحاجاته.
3- وعلى هذا فلا بد من أن تكون تعبيرًا حيًّا عن القيم الأساسية التي
تعطي المجتمع ملامحه الصحيحة، وتضبط حركته السديدة، وترسم له وجهته الرشيدة؛ فإذا انعزلت الثقافة عن هذه القيم، ووقع الفصل التام بينهما؛ فإن نتائج ذلك إنما تنعكس على الثقافة والقيم والمجتمع معًا؛ فلا مناص للثقافة بسبب ذلك من الضمور، وللقيم من الخمود، وللمجتمع من الانحطاط؛ إذ لا يتصور أن تنمو الثقافة من غير رِِفْْدٍ يغذوها، أو تحيا القيم إذا لم تأخذ مجالها في التطبيق والواقع؛ أما المجتمع فلا بد أن تتفاقم مشكلاته، وتشتد أزماته، ويصبح عاجزًا عن التحرك المجدي، والإنتاج المثمر حتى تفترسه العلل، وتعصف به الأحداث، ويمزقه الضياع.
4- ومن هنا كان لا بد من أن تأخذ ثقافة أي مجتمع معنى تفاعله الذي يؤكد مدى تقديره واعتزازه للقيم التي يؤمن بها؛ فكما يدل هذا التفاعل مع القيم -من ناحية أخرى- على مدى حرصه على ترسيخها وإغنائها، وجعلها مقياس ما يعمل على بلوغه من تقدم ورقي في كل جوانب الحياة؛ بحيث تكون هذه القيم معيار تقويمه للواقع الذي يحياه، فيحلل بوحي منها هذا الواقع وينقده، ويقر الصالح منه ويطرح الفاسد دون أن تسيطر عليه نزعة الحرص على الجديد إذا كان متصادمًا مع هذه القيم، أو الرغبة في الانفلات من القديم إذا كان منبثقًا عنها، أو غير متصادم معها؛ وبذلك يصوغ المجتمع صورة مسقبله المنشود، وفق ركائز من القيم الأصلية الثابتة، التي تعطيه طابعه المميز وسماته الفريدة.
5- ولا بد لنا هنا من أن نلقي نظرة على قيمنا الإسلامية التي يجب أن تكون ثقافتنا متفاعلة معها أوثق تفاعل وأعمقه، كما يجب أن تكون معيار تقويمنا لواقعنا ونقده، وتمييز عناصره وفرزها في ضوء ما تعطيه هذه القيم لنا من ملامح فريدة لشخصيتنا.
ومحور هذه القيم الإسلامية يسمو في حقيقته على الاعتبارات الأرضية كلها،
مهما كان لهذه الاعتبارات من وزن وتأثير، وضغط شديد على الفرد والجماعة، في أي مكان أو زمان؛ ذلك أن الإسلام لا يقيم أي وزن لما تواضع عليه الناس من قيم المادة والقوة، والجنس واللون، والعصبية والثراء، وما إلى ذلك من القيم الأخرى، إذا تجردت هذه القيم عن الإيمان والتقوى..
إنه بذلك يرمي إلى أن ينطلق الإنسان -فكرًا وشعورًا وسلوكًا وواقعًا- من حدود القيم الباطلة المتوارثة، والتي تراكمت في عصور الجاهلية، وأصبحت بسبب البعد عن المنهج الحق أمورًا ذات وزن واعتبار في حياة الناس، ولا يجد الإسلام لبقائها أي مبرر، مهما اكتسبت من قوة السيطرة على النفوس وأوضاع المجتمع، بسبب عنصر الاستمرار التاريخي، أو الإلف والشيوع، أو الملابسات الاجتماعية، والضغط النفسي، أو الأثر التربوي أو غير ذلك. إن الإسلام الذي جاء ليضع معالم الطريق لخير الإنسان وسعادته وتقدمه وأمنه وفلاحه، لا يعرف المساومة والمهادنة في أمر الحق الذي جاء به، وما انبثق عن هذا الحق من قيم جديدة بلغت الذروة في الاحتفال بخير الإنسان والاهتمام بعزته، وتوفير كرامته..
ولقد تنوعت الوسائل والأساليب التي جاءت بها دعوة الإسلام لتقرير هذه القيم وتحقيقها، وجعلها روح سلوك الفرد، وطابع المجتمع، وسمة الحياة الإسلامية. وتعمل دعوة الإسلام على توجيه المؤمنين إلى أن يستمدوا موازينهم من هذه القيم، في تجرد كامل من الملابسات والمواصفات، التي أقامتها في نفوسهم ومجتمعهم الأعراف الخاصة، والمواريث المألوفة، التي لا تتلاءم مع حقيقة الدعوة ومبادئها وأهدافها. ويقتضي الارتفاع إلى مستوى هذه القيم انعتاق الفرد والجماعة -في إيمان وعزيمة وصبر- من جواذب كثيرة، ورواسب ثقيلة، وظروف وارتباطات وموروثات مختلفة إلى الحد الذي يصبح فيه المؤمنون صورة حية صادقة لهذه القيم، ونماذج طيبة صالحة لتطبيقاتها الإنسانية في واقع الحياة..
وفي كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وسيرته وحياة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أمثلة لا حصر لها من تربية المؤمنين على هذه القيم وتفاعلهم معها وصبغ حياتهم بها وتقريرها وإعلائها لدى الأمم والشعوب التي امتد إليها نور الإسلام، خلال أحقاب طويلة من التاريخ..
من هذه النماذج1:
أ- ما قرره القرآن الكريم في سورة "عبس" -في إطار التوجيه والعتاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم- من أن "القيمة الوحيدة التي يرجح بها وزن الناس أو يشيل"، هي قيمة الإيمان والتقوى، وهي منفصلة عن كل ما تعارف عليه الناس من موازين واعتبارات..
وقصة ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مشغولًا بأمر نفرٍ من سادة قريش، يدعوهم إلى الإسلام، ويرجو بدخولهم فيه خيرًا كثيرًا، لما لهم من قوة وجاه، ومال ونفوذ في قومهم -حين جاءه "ابن أم مكتوم" الرجل الفقير الأعمى- يقول: يا رسول الله. أقرئني وعلمني مما علمك الله. فيكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم مكتوم قطعه لكلامه واهتمامه؛ فيعبس ويعرض.. فينزل القرآن يعاتب الرسول عتابًا شديدًا على موقفه هذا، ويوجهه بعد ذلك إلى "حقيقة هذه الدعوة وكرامتها وعظمتها ورفعتها واستغنائها عن كل أحد، وعن كل سند، وعنايتها فقط بمن يريدها لذاتها؛ كائنًا ما كان وضعه في موازين الدنيا" ... وفي ذلك يقول عز وجل:
{عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى، أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى، فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى، وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى، وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى، فَأَنْتَ
__________
1 انظر في ذلك: "في ظلال القرآن" لسيد قطب ج30 ص38-51
عَنْهُ تَلَهَّى، كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ، فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ، فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرَامٍ بَرَرَةٍ} 1.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن نزلت هذه الآيات يَهشُّ لابن أم مكتوم ويقول له كلما لقيه: "أهلًا بمن عاتبني فيه ربي" وقد استخلفه مرتين بعد الهجرة على المدينة.
ب- آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة بين المهاجرين والأنصار أخوة إيمان وحب وإيثار؛ فربطت هذه الأخوة بين قلوب المؤمنين برباط لا ينفصم؛ لأنها فوق المنافع والمطامع، والعصبيات والأهواء؛ فوضع الإسلام بذلك القيم الجديدة والموازين الفاصلة، التي تتحدد بها علاقات القرب والبعد، ويتعين على أساسها موقف الولاء والعداء، دون أي اعتبار لما تواضع الناس في مجتمع الجاهلية من قيم العصبية أو الجنس أو اللون؛ تلك القيم الجاهلية التي كانت مدعاة إلى تمزيق الشمل، وإثارة الأحقاد، والتي صنفت الناس تصنيفًا يذكي بينهم نار العداوة والبغضاء، وفي ذلك يقول سبحانه -مذكرًا المؤمنين بهذه الأخوة الكريمة التي جمعتهم بعد تفرق، ووحدتهم بعد تمزق، وجعلت منهم إخوانًا متحابين بعد أن كانوا أعداء متناحرين:
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} 2.
إن هذه الأخوة التي مَنَّ الله بها على عباده المؤمنين آصرة برٍّ وتعاطف،
__________
1 سورة "عبس" 1-16
2 آل عمران: 103
ودعامة تآزر وتناصر؛ كانت إحدى القيم الإسلامية الكبرى التي أنعم الله بها على هذه الأمة، وعمّقت في فكر المؤمن ووجدانه روح الاعتزاز بهذا الإسلام، وشدة الحرص على دعوته، والعمل على ما يقوي كيان المؤمنين بها المنضوين تحت لوائها1.
ج- كان زيد بن حارثة مولىً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه بنت خالته زينب بنت جحش الأسدية، كما آخى بينه وبين عمه حمزة بن عبد المطلب، وجعله الأمير الأول في غزوة "مؤتة" يليه ابن عمه جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة الأنصاري؛ فجعل بذلك قيمة العقيدة فوق أي قيمة أخرى من قيم النسب والعصبية..
ثم كان آخر عمل من أعماله صلى الله عليه وسلم أن أمَّرَ أسامة بن زيد على جيش لغزو الروم، يضم كثرة من المهاجرين والأنصار؛ فيهم أبو بكر وعمر وغيرهما من كبار الصحابة والسابقين إلى الإسلام، وقد تململ بعض الناس من إمارة أسامة وهو حدث، وفي ذلك قال ابن عمر رضي الله عنهما: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثًا أمّرَ عليهم أسامة بن زيد رضي الله عنهما؛ فطعن بعض الناس في إمارته؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن تطعنوا في إمارته؛ فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل. وايم الله إن كان لخليقًا للإمارة، وإن كان لمن أحبِّ الناس إلي، وإن هذا لمن أحبِّ الناس إليّ" 2.
وقد بادر أبو بكر رضي الله عنه بعد توليه الخلافة إلى إنفاذ بعث أسامة، وسار يودعه بنفسه إلى ظاهر المدينة، وكان أسامة راكبًا فاستحيا أن يشيعه الخليفة راجلًا فقال "يا خليفة رسول الله لتركبَنَّ أو لأنزلنَّ"؛ فقال أبو بكر: "والله لا تنزل ولا أركب. وما عليَّ أن أغبِّر قدميَّ في سبيل الله ساعة" ثم
__________
1 انظر: "المسألة الاجتماعية بين الإسلام والنظم البشرية" للمؤلف ص206
2 أخرجه الشيخان والترمذي
يضرب أبو بكر مثلًا رائعًا في أدب الإسلام ورعاية النظام حين يستأذن أسامة في أن يتخلف عمر بن الخطاب -وهو جندي في الجيش الذي يقوده أسامة- عن الخروج لحاجته إليه بعد أن ولي أعباء الخلافة فيقول لأسامة: "إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل" فيأذن أسامة أمير الجيش لعمر في عدم الخروج استجابة لطلب أبي بكر رضي الله عنهم جميعًا.
وتمتد هذه الروح حين يلي الخلافة عمر بن الخطاب بعد وفاة أبي بكر -رضي الله عنهما- فيفرض لأسامة نصيبًا أكبر مما يفرض لابنه عبد الله؛ فيسأله ابنه في ذلك فيقول: "يا بني، كان زيد -رضي الله عنه- أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وكان أسامة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك؛ فآثرت حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حبي"1.
__________
1 أخرجه الترمذي.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لمحات فى الثقافه الاسلاميه الثقافة والمجتمع الثقافة ومناحي الدراسة الاجتماعية: Empty الثَّقَافَة وَالحَضَارَة طبيعة العلاقة بين الثقافة والحضارة:

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الأربعاء 5 أبريل 2017 - 3:49

الثَّقَافَة وَالحَضَارَة طبيعة العلاقة بين الثقافة والحضارة:
1- يعمد بعض الباحثين إلى إيجاد فواصل بين مدلولي كلمتي: "الثقافة" و "الحضارة" بحيث يجعل الأولى خاصة بالأمور المعنوية، والثانية بالأمور المادية. وقد يكون لهذا ما يبرره؛ غير أن الإلحاح على مثل هذه الفواصل في مدلول كل من الكلمتين إنما يعود -من حيث الأصل- إلى ما يحيط بهما من لَبْسٍِ وغموض في النطاق اللغوي، وجاءت الاستعمالات العامة الدارجة لهما عاملًا يزيد في هذه التفرقة، ويعمق هذه الفواصل.
2- درجت الاستعمالات الشائعة لكلمة "ثقافة" على أنها: التعبير عن الدراسات الأدبية والنظرية والعقلية والفلسفية؛ فكأنها بهذا قد قصرت على ما يتعلق بالأمور المعنوية والروحية، أما كلمة "حضارة" فقد شاع استعمالها -بمختلف صور الاشتقاق- للدلالة على الوسائل والمخترعات والابتكارات التي وصل المجتمع الإنساني بها إلى آفاق بعيدة من الرقي والتنظيم المادي، والرفاه في الحياة، كما يعبر الاستعمال العام لكلمة "حضارة" عن النظم التي يضعها المجتمع لدعم كيانه الاجتماعي، وتحقيق أهدافه في سهولة ويسر.
- ولعل مما يخفِّفُ من قيمة الفواصل بين مدلولي هاتين الكلمتين: الحضارة والثقافة، محاولة تقصي أصل المعنى اللغوي لهما.
وقد أسلفنا القول في أصل معنى "الثقافة" من الناحية اللغوية في العربية وغيرها من اللغات الأجنبية، ثم ألمحنا إلى مدلولها في الدراسات الاجتماعية، وعلاقتها بالمثل الإنسانية للمجتمع.
أما أصل المعنى اللغوي للحضارة -بفتح الحاء وكسرها- فهي: الإقامة في الحضر، من مدن وقرى، بخلاف "البداوة" التي هي الإقامة المتنقلة في البوادي. وعلى هذا فأصل دلالتها على الاستقرار الناشئ عن زراعة الأرض.
وإذا كانت الزراعة هي سبيل أبناء المجتمع للتطور والتقدم في اكتساب العيش، ثم بناء المدن وتحصيل المعرفة، ثم هي سبب الانتظام الداخلي والتعامل الخارجي؛ فإن أصول المدنية الإنسانية بجوانبها المادية والمعنوية تكون إنما نشأت -كما يرى بعض الباحثين- مع حاجة الإنسان إلى تحصيل قُوتِهِ من الأرض التي سخرها الله له..
بهذا يكون معنى الحضارة -من حيث الأصل- أوسع دلالة من الثقافة؛ لأنه إذا كانت الثقافة هي نتاج المعرفة وتنمية العقول؛ فمن الواضح أنها لم تنشأ إلا بعد الاستقرار الذي تمثل في سكنى المدن والأمصار.
وفي هذا يقول ابن خلدون:
"إن العلوم إنما تكثر حيث يكثر العمران وتعظم الحضارة، والسبب في ذلك أن تعليم العلم -كما قدمناه- من جملة الصنائع، وقد كنا قدمنا أن الصنائع إنما تكثر في الأمصار، وعلى نسبة عمرانها في الكثرة والقلة والحضارة والترف تكون نسبة الصنائع في الجودة والكثرة؛ لأنه أمر زائد على المعاش؛ فمتى فضلت أعمال أهل العمران عن معاشهم؛ انصرفت إلى ما وراء المعاش من التصرف في خاصية الإنسان، وهي العلوم والصنائع، ومن تشوف بفطرته إلى
العلم ممن نشأ في القرى والأمصار غير المتمدنة فلا يجد فيها التعليم الذي هو صناعي لفقدان الصنائع في أهل البدو -كما قدمنا- ولا بد له من الرحلة في طلبه إلى الأمصار المستبحرة شأن الصنائع كلها"1.
4- من الممكن أن توصف العلاقة بين الحضارة والثقافة بأنها علاقة تلازم، ولا حرج -بسبب هذه العلاقة- من تناوب الكلمتين بحيث يقال: إن حضارة أي مجتمع أو ثقافته؛ إنما تتمثل في القيم والمعاني والنظم التي تنطوي عليها حياته. ولنا -من ناحية أخرى- أن نقول: إن السمة التي تميز أي أمة إنما هي حضارتها أو ثقافتها.
__________
1 مقدمة ابن خلدون: ج3 ص1124 تحقيق: الدكتور علي عبد الواحد وافي.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لمحات فى الثقافه الاسلاميه الثقافة والمجتمع الثقافة ومناحي الدراسة الاجتماعية: Empty دلالة الثقافة والحضارة على مفاهيم واحدة:

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الأربعاء 5 أبريل 2017 - 3:51

دلالة الثقافة والحضارة على مفاهيم واحدة:
ومن هنا نرى أن التفرقة بين الحضارة والثقافة ليست أمرًا لا بد منه؛ وذلك لأن المظاهر الحضارية المادية والمعنوية تتضافر جميعًا في إنشاء النظم الاجتماعية التي تعد "الثقافة" قلبها النابض ولبناتها الأساسية، أضف إلى ذلك أن أحدًا لا يستطيع أن يتجاهل ذلك التجاوب الملحوظ والتفاعل الدائم بين الأمور المعنوية والمادية في المجتمع.
وإن مما يؤكد أيضًا علاقة التلازم بين الثقافة والحضارة، وتجاوب ما تدلان عليه من الناحيتين المادية والمعنوية -من غير إلحاح على الفواصل بينهما- أن الحضارة إذا كانت هي التطبيق المادي للتراث الثقافي؛ فهي -من ناحية أخرى- وليدة هذا التراث في البيئة التي تقوم فيها؛ ثم إنها كذلك المرآة التي تعكس لنا مقومات ثقافة المجتمع وخصائصها العامة.
من هذا كله ينبغي أن لا نوسع الهوة التي تفصل بين اللفظين، ولا ضير إذا أطلقنا كملتي: ثقافة أو حضارة على مفاهيم واحدة، بحيث نتحرر من الخط

النظري الذي يفصل بينهما، ولا يلزم من وصفنا الحضارة بأنها أعم من الثقافة الإلحاح على إيجاد فاصل في المدلول بينهما من حيث الاستعمال؛ فذلك هو ما وصفناه بالخط النظري الذي لا ينبغي أن يقيم من حيث الإطلاق العام حاجزًا بينهما. وإن كان يُقْبَلُ -في إطار البحث في المصطلحات- الإشارة إلى ما بين هاتين الكلمتين من فروق.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

لمحات فى الثقافه الاسلاميه الثقافة والمجتمع الثقافة ومناحي الدراسة الاجتماعية: Empty الربط بين الثقافة والحضارة:

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الأربعاء 5 أبريل 2017 - 3:55

الربط بين الثقافة والحضارة:
ولعل هذا ما حدا ببعض الباحثين -بين يدي بحثه عن الإسلام والحضارة الغربية- إلى بيان المدلول الاصطلاحي لكلمة حضارة.
أ- فهي كما يقول: "يطلق الآن -اصطلاحًا- على كل ما ينشئه الإنسان في كل ما يتصل بمختلف جوانبه ونواحيه، عقلًا وخلقًا، مادةً وروحًا، دنيًا ودينًا؛ فهي -في إطلاقها وعمومها- قصة الإنسان في كل ما أنجزه على اختلاف العصور. وتقلب الأزمان، وما صورت به علائقه بالكون وما وراءه، وهي -في تخصيصها بجماعة من الجماعات أو أمة من الأمم- تراث هذه الأمة أو الجماعة على وجه الخصوص الذي يميزها عن غيرها من الجماعات والأمم. وهي بهذا المعنى الاصطلاحي نظير المدنية التي هي في أصل الاستعمال سكنى المدن، والتي تقابل الكلمة الأوربية Civilization والحضارة بهذا المعنى أعم من الثقافة التي تطلق على الجانب الروحي أو الفكري من الحضارة؛ بينما تشمل الحضارة الجانبين الروحي والمادي، أو الفكري والصناعي؛ وكأنما لوحظ فيها أن النشاط البشري في مختلف جوانبه ومواهبه يكون في أرقى حالاته في الحواضر والمدن"1.
__________
1 الدكتور محمد محمد حسين: "الإسلام والحضارة الغربية" ص8

ولسنا نرى أن الباحث هنا قد ألح على الخط النظري الفاصل بين الكلمتين، وإن كان قد أشار -في معرض تحديده للمدلول الاصطلاحي- إلى بعض الفروق، من حيث العموم والخصوص، وهذا أمر لا مندوحة عنه في إطار البحث العلمي في المصطلحات، وقد جرى على هذا عدد من الباحثين في الدراسات الحضارية. مما لا مجال هنا لاستعراض نماذج من دراستهم.
ب- لقد أسقط كثير من الباحثين -من ناحية أخرى- هذا الخط النظري الفاصل بين الحضارة والثقافة في معرض الكلام عن إحداهما من حيث الدراسة التطبيقية الهادفة، لا الدراسة النظرية في المصطلحات، وقد جاءت الأوصاف التي أطلقت على "الحضارة" لديهم صالحة لأن تصدق كذلك على الثقافة.
فقد عرف أحد الباحثين الحضارة الغربية بقوله:
"وكانت هذه الحضارة -بمعناها الواسع- مجموع عقائد ومناهج فكرية، وفلسفات ونظم سياسية واقتصادية، وعلوم طبيعية وعمرانية واجتماعية، وتجارب خاصة مرت بها الشعوب الأوربية التي تزعمت هذه الحضارة في رحلتها الطويلة، وكانت مظهر تقدم العلم البشري وعلوم الطبيعة، وعلم الآلات، والعلوم الرياضية، ومجموع نتائج جهود وعلماء وباحثين عبر القرون، فكانت مزيجًا غريبًا من أجزاء لا يكون الحكم عليها واحدا متشابهًا، وكانت مزيجًا من السليم والسقيم، والصواب والخطأ، في النتائج والأحكام"1.
جـ - وقد ألح باحث آخر كثيرًا على التمييز بين الثقافة والعلم. وحذر من الخلط الشائع في التصور والتعبير بينهما، ودعا إلى الربط الوثيق بين الثقافة
__________
1 أبو الحسن الندوي: "موقف العالم الإسلامي تجاه الحضارة الغربية" ص10
والحضارة؛ مؤكدًا على ضرورة تحديد أوضاعنا -في صدد بناء نهضتنا- بطريقين:
الأول: سلبية تفصلنا عن رواسب الماضي.
الثانية: إيجابية تصلنا بمقتضيات المستقبل.
وساق على ذلك أمثلة تؤكد التلازم بين الثقافة والحضارة؛ بل لعل التناوب في التعبير بين الكلمتين كما ورد في معرض التدليل على ضرورة تحديد أوضاع النهضة بالطريقين السلبي والإيجابي، قد جاء تأكيدًا على ما ينبغي أن نتجه إليه من الحرص على الربط في المدلول بين الثقافة والحضارة.
فهو يقول:
"ولعل هذه النظرية -أي ضرورة تحديد الأوضاع بطريقتين سلبية وإيجابية- قد لوحظ أثرها في الثقافة الغربية في عهد نهضتها؛ إذ كان "توماس الإكويني" ينفيها -ولو عن غير قصد منه- لتكون الأساس الفكري للحضارة الغربية، وما كانت ثورته ضد ابن رشد، وضد القديس أوغسطين إلا مظهرًا للتحديد السلبي، حتى يستطيع تصفية ثقافته مما كان يراه فكرة إسلامية، أو ميراثًا ميتافيزيقيا "للكنيسة البيزنطية". وأتى بعده "ديكارت" بالتحديد الإيجابي الذي رسم للثقافة الغربية طريقها الموضوعي، الذي يبنى على المنهج التجريبي؛ ذلك الطريق الذي هو في الواقع السبب المباشر لتقدم المدنية الحديثة تقدمها المادي.
والحضارة الإسلامية نفسها قامت بعملية التحديد هذه من ناحيتها السلبية والإيجابية؛ إلا أن الحضارة الإسلامية قد جاءت بهذين التحديدين مرةً واحدة، وصدرت فيها عن القرآن الكريم الذي نفى الأفكار الجاهلية البالية، ثم رسم طريق الفكرة الإسلامية الصافية، التي تخطط للمستقبل بطريقة إيجابية، وهذا العمل نفسه لازم
اليوم للنهضة الإسلامية"1.
وفي ضوء الربط الوثيق بين الثقافة والحضارة -وهو ما يدعو إليه في بحثه- يرى أن الثقافة تصبح نظرية في السلوك، أكثر من أن تكون نظرية في المعرفة؛ وبهذا الربط أيضًا يقاس الفرق الضروري بين الثقافة والعلم، وينتهي إلى ما يؤكد التلازم والربط بين الثقافة والحضارة فيقول:
"فالثقافة إذن تتعرف بصورة عملية على أنها: مجموعة من الصفات الخلقية، والقيم الاجتماعية التي يلقاها الفرد منذ ولادته كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه؛ والثقافة على هذا هي المحيط الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيته.
وهذا التعريف الشامل للثقافة هو الذي يحدد مفهومها؛ فهو المحيط الذي يعكس حضارة معينة، والذي يتحرك في نطاقه الإنسان المتحضر؛ وهكذا نرى أن هذا التعريف يضم بين دفتيه فلسفة الإنسان، وفلسفة الجماعة، أي "معطيات" الإنسان و "معطيات" المجتمع، مع أخذنا في الاعتبار ضرورة انسجام هذه المعطيات في كيان واحد، تحدثه عملية التركيب التي تجريها الشرارة الروحية، عندما يؤذن فجر إحدى الحضارات؛ ولكن لا سبيل لعودة الثقافة إلى وظيفتها الحضارية إلا بعد تنظيف الموضوع من الحشو أو الانحراف، الذي أحدثه عدم فهمنا لمفهوم "ثقافة"2.
وفي صدد التوجيه نحو حضارة إنسانية وبيان مقاييس الحضارة -وهو بحث تطبيقي هادف- يقول الباحث عن الحضارة بأنها:
"مجموع المعارف العلمية والتشاريع والنظم والعادات والآداب التي تمثل الحالة الفكرية والاقتصادية والخلقية والسياسية والفنية، وسائر مظاهر الحياة
__________
1 مالك بن نبي: "شروط النهضة" ص121
2 المرجع السابق ص125
المادية والمعنوية في مرحلة من مراحل التاريخ، وفي بقعة من بقاع الأرض سواء شملت شعبًا أم أكثر"1.
ويتضح احتواء الحضارة للجانب الثقافي لديه، وعدم إقامة أي حاجز بينهما في قوله:
"إن غاية الحضارة: الارتفاع بالحياة الإنسانية، والحياة الإنسانية معقدة كثيرة الجوانب؛ فإن فيها حياةً فكرية عقلية، وحياةً مادية عمليةً معاشية، وحياة نفسيةً خلقية، وحياةً اجتماعية، إلى جانب الحياة الفردية. والحضارة الصالحة الخيرة هي التي ترتفع بهذه الجوانب كلها وتعدل بينها؛ فلا يظلم جانب منها جانبًا آخر، ولا ينمو واحد ويضمر آخر"2.
__________
1 محمد المبارك: "الفكر الإسلامي الحديث في مواجهة الأفكار الغربية" ص28
2 المرجع السابق ص28
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى