منتديات أنوار المدينة
أهلاً وسهلااً بك زائرنا الكريم إذا كانت هذه زيارتك الأولى نرجو من حضرتك التسجيل
حتى تتمكن من استعمال العناوين الخارجية

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات أنوار المدينة
أهلاً وسهلااً بك زائرنا الكريم إذا كانت هذه زيارتك الأولى نرجو من حضرتك التسجيل
حتى تتمكن من استعمال العناوين الخارجية
منتديات أنوار المدينة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الجزء الثاني من كتاب المغازي «1» رواية يونس بن بكير عن محمد بن اسحق وغيره

اذهب الى الأسفل

الجزء الثاني من كتاب المغازي «1» رواية يونس بن بكير عن محمد بن اسحق وغيره Empty الجزء الثاني من كتاب المغازي «1» رواية يونس بن بكير عن محمد بن اسحق وغيره

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 14:39

الجزء الثاني من كتاب المغازي «1» رواية يونس بن بكير عن محمد بن اسحق وغيره
رواية الشيخ أبي الحسين أحمد بن محمد بن النقور البزاز عن أبي طاهر المخلص عن رضوان عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي عن يونس «2» . رضي الله عنهم أجمعين.
__________
(1) في ع (أي نسخة الخزانة العامة في الرباط) : الجزء الثاني من السير والمغازي للامام رئيس أهل المغازي والسير الشيخ محمد بن إسحق المطلبي، المتوفى سنة 151 هـ، وكتب السنة رقما هكذا (151) مما يدل على حداثة النسخة.
(2) في ع: عن يونس بن بكير عن محمد بن اسحق رضي الله عنهم أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم توكلت على الله

حديث بحيرا الراهب «1»
أخبرنا الشيخ أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور البزاز قراءة عليه وأنا أسمع قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص قال: قرىء على أبي الحسين رضوان بن أحمد وأنا أسمع قال: حدثنا أبو عمر أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال: حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحق قال: وكان أبو طالب هو الذي أضاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه بعد جده، فكان إليه ومعه.
ثم إن أبا طالب خرج في ركب إلى الشام تاجراً، فلما تهيأ للرحيل، وأجمع السير «2» صب «3» له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بزمام ناقته وقال: يا عم إلى من تكلني لا أب لي ولا أم؟ فرق له أبو طالب وقال: والله لأخرجن به معي ولا يفارقني ولا أفارقه أبداً؛ أو كما قال.
فخرج به معه، فلما نزل الركب بصرى من أرض الشام، وبها راهب يقال له بحيرا في صومعة له، وكان أعلم أهل النصرانية، ولم يزل في تلك الصومعة
__________
(1) في ع: بسم الله الرحمن الرّحيم- وصلى الله على سيدنا محمد وآله. وليس فيها العنوان.
(2) في الروض 1/ 205- المسير.
(3) جاء في حاشية الأصل خ هب والذي أثبته ابن هشام وشرحه السهيلى في الروض 1/ 206 هو نفس ما جاء هنا حيث قال: «الصبابه رقة الشوق» هذا وذكر السهيلى بأن البعض قد رواها «ضبث به رسول الله أي لزمه» .قط راهب إليه يصير علمهم عن كتاب فيهم «1» فيما يزعمون يتوارثونه كابرا عن كابر، فلما نزلوا ذلك العام ببحيرا وكانوا كثيرا مما يمرون به قبل ذلك لا يكلمهم ولا يعرض لهم، حتى إذا كان ذلك العام نزلوا به قريباً من صومعته، فصنع لهم طعاماً كثيراً، وذلك- فيما يزعمون- عن شيء رآه وهو في صومعته في الركب، حين أقبلوا وغماما تظله من بين القوم، ثم أقبلوا حتى نزلوا بظل شجرة قريبا منه، فنظر إلى الغمامة حتى أظلت الشجرة، وتهصرت «2» أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى «3» استظل تحتها، فلما رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع، ثم أرسل إليهم فقال: إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش، وأنا أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم، وحركم وعبدكم، فقال له رجل منهم: يا بحيرا إن لك اليوم لشأناً ما كنت تصنع هذا فيما مضى، وقد كنا نمر بك كثيرا فما [2] شأنك اليوم؟ فقال له بحيرا: صدقت قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف، وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون منه كلكم صغيركم [وكبيركم] «4» ، فاجتمعوا إليه، وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم- لحداثة سنه- في رحال القوم تحت الشجرة، فلما نظر بحيرا في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده، قال: يا معشر قريش لا يتخلف أحد منكم عن طعامي هذا، قالوا له:
يا بحيرا ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام هو أحدث القوم سنا، تخلف في رحالهم، قال: فلا تفعلوا ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم، فقال رجل مع القوم من قريش: واللات والعزى إن هذا للؤم بنا، يتخلف
__________
(1) أثبت في حاشية ع: فيها.
(2) الهصر: الجذب والامالة والكسر والدفع والادناء وعطف شيء رطب كالغصن ونحوه وكسره من غير بينونة أو عطف اي شيء.
(3) سقطت من ع.
(4) زيدت من ع.
ابن عبد الله بن عبد المطلب عن الطعام من بيننا! ثم قام إليه فاحتضنه، ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم، فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظاً شديداً، وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده في صفته، حتى إذا فرغ القوم من الطعام وتفرقوا قام بحيرا فقال له: يا غلام أسألك باللات والعزى إلا أخبرتني عما أسألك عنه، وإنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لا تسلني باللات والعزى شيئاً، فو الله ما أبغضت شيئاً قط بغضهما، فقال له بحيرا: فبالله إلا أخبرتني عما أسلك عنه، قال: سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله: من نومه، وهيئته، وأموره، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده «1» ، فلما فرغ منه أقبل على عمه أبي طالب فقال له:
ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني، قال له بحيرا: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً، قال: فإنه ابن أخي، قال: فما فعل أبوه؟
قال: مات وأمه حبلى به، قال: صدقت، ارجع بابن أخيك إلى بلده، واحذر عليه اليهود، فو الله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شراً، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن فأسرع به إلى بلاده، فخرج به عمه أبو طالب سريعاً حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته بالشام.
فزعموا فيما يتحدث «2» الناس أن زبيرا «3» وتماماً، ودريسا، وهم نفر من أهل الكتاب قد كانوا رأوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم- في ذلك السفر الذي كان
__________
(1) من اجل خاتم النبوة وصفاته انظر الروض: 1/ 206.
(2) في ع: يحدث.
(3) في الروض: 1/ 206 «زريرا» .
فيه مع عمه أبي طالب- أشياء، فأرادوه، فردهم عنه بحيرا «1» ، وذكرهم الله عز وجل، وما يجدون في الكتاب من ذكره وصفته، أنهم إن أجمعوا لما أرادوا لم يخلصوا إليه، حتى عرفوا ما قال لهم، وصدقوه بما قال، فتركوه وانصرفوا، فقال أبو طالب في ذلك من الشعر، يذكر مسيره برسول الله صلى الله عليه وسلم وما أرادوا منه- أولئك النفر «2» - وما قال لهم فيه بحيرا:
إن ابن آمنة النبي محمداً ... عندي بمثل منازل الأولاد
لما تعلق بالزمام رحمته ... والعيس قد قلصن «3» بالأزواد
فارفض من عيني دمع ذارف ... مثل الجمان مفرق الأفراد
راعيت فيه قرابة موصولة ... وحفظت فيه وصية الأجداد
وأمرته بالسير بين عمومة ... بيض الوجوه مصالت أنجاد
ساروا لأبعد طية «4» معلومة ... فلقد تباعد طية المرتاد
حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا ... لاقوا على شرك من المرصاد
حبرا فأخبرهم حديثا صادقا ... عنه ورد معاشر الحساد
قوما يهودا قد رأوا ما قد رأى ... ظل الغمام وعز ذي الأكياد
ساروا لقتل محمد فنهاهم ... عنه وأجهد أحسن الإجهاد
__________
(1) أورد السهيلي في الروض: 1/ 205 خلاصة المادة الاخبارية العربية حول شخصية بحيرا الراهب، هذا وتحوي مدينة بصرى بين خرائبها بقايا كنيسة كبيرة يعتقد الأهلون انها بقايا كنيسة بحيرا، كل هذا في حين ان غالبية علماء السيرة لهذا العصر ينفون وجود شخصية بحيرا تاريخيا، ويرون ان الاخبار حولها مخترعة، املاها مجاراة ما جاء في سير حياة الانبياء الكتابيين وغيرهم من نبوءات وبشائر.
(2) لعل عبارة اولئك النفر كانت في الاصل حاشية شارحة ثم ادمجت من قبل الرواة والنساخ في المتن، ومثل هذا يكثر وقوعه في كتب الاخبار والأدب ولعله المسؤول عن تفاوت نصوص نسخ الأصول الواحدة، كما يبدو أنه سبب تصخم المادة الاخبارية المتأخرة حول حوادث وردت في المصادر القديمة مختصرة.
(3) اي وثبن.
(4) الطية الوطن، المنزل، والثنية.
فثنى زبيراً بحيرا فانثنى ... في القوم بعد تجادل وبعاد
ونهى دريسا فانتهى عن قوله ... حبر يوافق أمره برشاد
وقال أبو طالب أيضاً:
ألم ترني من بعد هم هممته ... بفرقة «1» حر الوالدين كرام
بأحمد لما أن شددت مطيتي ... برحلي وقد «2» ودعته بسلام
بكى حزنا والعيس قد فصلت بنا ... وأخذت بالكفين فضل زمام
ذكرت أباه ثم رقرقت عبرة ... تجود من العينين ذات سجام
فقلت: تروح راشدا في عمومة ... مواسين في البأساء غير لئام
فرحنا مع العير التي راح أهلها ... شآمي الهوى والأصل غير شآمي
فلما هبطنا أرض بصرى تشرفوا ... لنا فوق دور ينظرون جسام
فجاد بحيرا عند ذلك حاشدا ... لنا بشراب طيب وطعام [4]
فقال: اجمعوا أصحابكم لطعامنا ... فقلنا جمعنا القوم غير غلام
يتيم، فقال: ادعوه إن طعامنا ... كثير، عليه اليوم غير حرام
فلما رآه مقبلا نحو داره ... يوقيه حر الشمس ظل غمام
حنا رأسه شبه السجود وضمه ... إلى نحره «3» والصدر أي ضمام
وأقبل ركب يطلبون الذي رأى ... بحيرا من الأعلام وسط خيام
فثار إليهم خشية لعرامهم ... وكانوا ذوي دهى معا وعرام
دريساً وتماما وقد كان فيهم ... زبيراً وكل القوم غير نيام
فجاءوا وقد هموا بقتل محمد ... فردهم عنه بحسن خصام
بتأويله التوراة حتى تفرقوا ... وقال لهم: ما أنتم بطغام
فذلك من أعلامه وبيانه ... وليس نهار واضح كظلام
__________
(1) في ع لفرقة.
(2) في ع لترحل اذ.
(3) في ع نجده.
وقال أبو طالب أيضاً:
بكى طرباً لما رآنا محمد ... كأن لا يراني راجعا لمعاد
فبت يجافيني تهلل دمعه ... وقربته من مضجعي ووسادي
فقلت له: قرب قعودك وارتحل ... ولا تخشى مني جفوة ببلادي
وخل زمام العيس وارتحلن بنا ... على عزمة من أمرنا ورشاد
ورح «1» رائحاً في الراشدين مشيعاً ... لذي رحم في القوم غير معاد
فرحنا مع العير التي راح ركبها ... يؤمون على غوري أرض إباد
فما رجعوا حتى رأوا من محمد ... أحاديث تجلو غم كل فؤاد
وحتى رأوا حبار كل مدينة ... سجودا له من عصبة وفراد
زبيرا وتماما وقد كان شاهداً ... دريساً وهموا كلهم بفساد
فقال لهم قولا بحيرا وأيقنوا ... له بعد تكذيب وطول بعاد
كما قال للرهط الذين تهودوا ... وجاهدهم في الله كل جهاد
فقال ولم يملك له النصح: رده ... فإن له أرصاد كل مضاد
فإني أخاف الحاسدين وإنه ... أخو الكتب مكتوب بكل مداد
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: فشب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلؤه الله ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية ومعائبها لما يريد به من كرامته ورسالته، وهو على دين قومه، حتى بلغ أن كان رجلا أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقاً، وأكرمهم مخالطة وأحسنهم جوارا، وأعظمهم خلقا، وأصدقهم حديثاً، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش [5] والأخلاق التي تدنس الرجال تنزها وتكرما، حتى ما اسمه في قومه إلا الأمين، لما جمع الله عز وجل فيه من الأمور الصالحة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما ذكر لي، يحدث عما كان يحفظه الله عز وجل به في صغره وأمر جاهليته.
__________
(1) في ع وراح.
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فحدثني والدي إسحق بن يسار عمن حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يذكر من حفظ الله عز وجل إياه: إني لمع غلمان هم أسناني قد جعلنا أزرنا على أعناقنا لحجارة ننقلها نلعب بها إذ لكمني لاكم لكمة شديدة ثم قال: أشدد عليك إزارك.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن عمرو بن ثابت عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال: حدثني أبي العباس بن عبد المطلب قال: كنا ننقل الحجارة حين بنت «1» قريش البيت، فأفردت قريش رجلين رجلين، وكان النساء ينقلن الشيد، وكان الرجال ينقلون الحجارة، فكنت أنقل أنا وابن أخي، فكنا نحمل على رقابنا وأزرنا تحت الحجارة، فإذا غشينا الناس ائتزرنا، فبينا أنا أمشي ومحمد صلى الله عليه وسلم قدامي ليس عليه شيء، إذ خر محمد فانبطح، فألقيت حجري وجئت أسعى وهو ينظر إلى السماء فوقه، فقلت:
ما شأنك؟ فقام فأخذ ازاره ونهاني أمشي عرياناً، فلبثت أكتمها الناس مخافة أن يقولوا مجنون، حتى أظهر الله عز وجل نبوته.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني محمد بن عبد الله ابن قيس بن مخرمة عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده علي ابن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يهمون به من النساء إلا ليلتين كلتاهما عصمني الله عز وجل فيهما: قلت ليلة لبعض فتيان مكة ونحن في رعاية غنم أهلنا، فقلت لصاحبي:
أتبصر لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر فيها كما يسمر الفتيان؟ فقال بلى، قال: فدخلت حتى إذا جئت أول دار من دور مكة سمعت عزفاً بالغرابيل والمزامير، فقلت: ما هذا؟ فقيل: تزوج فلان فلانة، فجلست أنظر، وضرب الله عز وجل على أذني، فو الله ما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت
__________
(1) في ع: بات.
إلى صاحبي، فقال: ما فعلت؟ فقلت: ما [6] فعلت شيئاً ثم أخبرته بالذي رأيت، ثم قلت له ليلة أخرى: أبصر لي غنمي حتى أسمر بمكة، ففعل، فدخلت، فلما جئت مكة سمعت مثل الذي سمعت تلك الليلة، فسألت فقيل:
فلان نكح فلانة فجلست أنظر، وضرب الله عز وجل على أذني، فو الله ما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي فقال: ما فعلت؟ فقلت:
لا شيء، ثم أخبرته الخبر، فو الله ما هممت ولاعدت بعدهما لشيء من ذلك حتى أكرمني الله عز وجل بنبوته.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الجزء الثاني من كتاب المغازي «1» رواية يونس بن بكير عن محمد بن اسحق وغيره Empty حديث خديجة ابنة خويلد

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 14:42

حديث خديجة ابنة خويلد
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكانت خديجة ابنة خويلد إمرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم منه، وكانت قريش قوماً تجاراً، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه، بعثت إليه، فعرضت عليه أن يخرج في مالها تاجرا إلى الشام، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها يقال له ميسرة، فقبله منها رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وخرج في مالها ذلك، ومعه غلامها ميسرة، حتى قدم الشام، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرهبان، فاطلع الراهب على ميسرة، فقال: من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة؟ فقال له ميسرة: هذا رجل من قريش من أهل الحرم، فقال له الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي.
ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها، واشترى ما أراد أن يشتري، ثم أقبل قافلاً إلى مكة ومعه ميسرة، فكان ميسرة فيما يزعمون، إذا كانت الهاجرة واشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس، وهو يسير على بعيره، فلما قدم مكة على خديجة بمالها، باعت ما جاء به، فأضعف، أو قريبا، وحدثها ميسرة عن قول الراهب، وعما كان يرى من إظلال الملكين إياه، وكانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة، مع ما أراد الله عز وجل بها من كرامته.
فلما أخبرها ميسرة عما «1» أخبرها به (7) بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم،
__________
(1) في ع: بما.
فقالت له- فيما يزعمون-: يا ابن عم أني قد رغبت فيك لقرابتك مني، وشرفك في قومك، وسطتك «1» فيهم، وأمانتك عندهم، وحسن خلقك، وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسها، وكانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبا، وأعظمهم شرفا، وأكثرهم مالاً، كل قومها قد كان حريصاً على ذلك منها لو يقدر على ذلك.
وهي خديجة ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، وأمها فاطمة ابنة زيد بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي، وأمها هالة بنت عبد مناف بن الحارث بن عبد بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي، وأمها فلانة ابنة سعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي، وأمها عاتكة ابنة عبد العزى بن قصي، وأمها ريطة ابنة كعب بن سعد ابن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي، وأمها قيلة ابنة حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي، وأمها أميمة ابنة عامر بن الحارث بن فهر، وأمها ابنة سعد بن كعب بن عمرو، من خزاعة، وأمها فلانة ابنة حرب بن الحارث بن فهر، وأمها سلمى بنت غالب بن فهر، وأمها ابنة محارب بن فهر.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: فلما قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قالت، ذكر ذلك لأعمامه، فخرج معه منهم حمزة بن عبد المطلب حتى دخل على أسد بن أسد، فخطبها إليه فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فولدت له قبل أن ينزل عليه الوحي ولده كلهم: زينب، وأم كلثوم، ورقية، وفاطمة والقاسم، والطاهر والطيب، فأما القاسم، والطاهر والطيب فهلكوا قبل الإسلام، وبالقاسم كان يكنى صلى الله عليه وسلم، فأما بناته فأدركن الإسلام، وهاجرن معه، واتبعنه، وآمن به عليه السّلام.
__________
(1) اي لعلو نسبك فيهم، انظر الروض 1/ 212- 213.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الجزء الثاني من كتاب المغازي «1» رواية يونس بن بكير عن محمد بن اسحق وغيره Empty قصة الأحبار

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 14:45

قصة الأحبار
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكانت الأحبار والرهبان أهل (Cool الكتابين هم أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه وزمانه الذي يترقب فيه من العرب، لما يجدون في كتبهم من صفاته، وما أثبت فيها عندهم من اسمه، وبما أخذ عليهم من الميثاق له في عهد أنبيائهم وكتبهم في اتباعه، فيستفتحون به على أهل الأوثان من أهل الشرك، ويخبرونهم أن نبياً مبعوثاً بدين إبراهيم اسمه أحمد، كذلك يجدونه في كتبهم وعهد أنبيائهم، يقول الله تبارك وتعالى:
«الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ» إلى قوله:
(أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) «1» وقال الله تبارك وتعالى: (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ) «2» الآية كلها، وقال (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) «3» الآية كلها، وقوله: (وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا) إلى قوله: (فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) «4» .
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكانت العرب أميين لا يدرسون كتاباً، ولا يعرفون من الرسل عهداً، ولا يعرفون جنة ولا ناراً، ولا بعثاً ولا قيامة إلا شيئاً يسمعونه من أهل الكتاب، لا يثبت في صدورهم، ولا يعملون به شيئاً من أعمالهم.
فكان فيما بلغنا من حديث الأحبار والرهبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعثه الله عز وجل بزمان.
__________
(1) الأعراف: 157.
(2) الصف 6.
(3) الفتح: 29.
(4) البقرة: 89- 90.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال حدثني أشياخ منا قالوا: لم يكن أحد من العرب أعلم بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منا، كان معنا يهود، وكانوا آهل كتاب، وكنا أصحاب وثن، فكنا إذا بلغنا منهم ما يكرهون قالوا: إن نبيا مبعوثاً الآن قد أظل زمانه نتبعه، فنقتلكم معه قتل عاد وإرم، فلما بعث الله رسوله اتبعناه وكفروا به، ففينا والله وفيهم أنزل الله عز وجل «وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَ
فَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ» «1» الآية.
في داركم فتحمونه، ثم تقذفوني فيه، ثم تطينون على، وإني أنجو من النار غداً، فقيل: يا فلان فما علامة ذلك؟ قال: نبي يبعث من ناحية هذه البلاد، وأشار بيده نحو مكة واليمنء قالوا: فمتى تراه؟ فرمى بطرفه فرآني وأنا مضطجع بفناء باب أهلي، فقال- وأنا أحدث القوم- إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه، فما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم- وإنه لحي بين أظهركم- فآمنا به، وصدقناه، وكفر به بغيا وحسدا، فقلنا له: يا فلان ألست الذي قلت ما قلت، وأخبرتنا؟ قال: ليس به.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال: هل تدري عما كان إسلام أسيد «1» وثعلبة ابني سعية، وأسد «2» بن عبيد، نفر من هذيل «3» ، لم يكونوا من بني قريظة ولا النضير، كانوا فوق ذلك؟ فقلت: لا، قال: فإنه قدم علينا رجل من الشام من يهود يقال له ابن الهيبان، فأقام عندنا، والله ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس خيرا منه، فقدم علينا قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنين، فكنا إذا قحطنا «4» ، وقل علينا المطر نقول: يابن الهيبان اخرج فاستسق لنا، فيقول لا والله حتى تقدموا أمام مخرجكم صدقة، فنقول: كم؟ فيقول: صاعاً من تمر، أو مدين من شعير، فنخرجه، ثم نخرج إلى ظاهر حرتنا، ونحن معه فيستسقي، فو الله ما يقوم من مجلسه حتى تمر الشعاب «5» ، قد فعل ذلك غير [10] مرة ولا مرتين، ولا ثلاثة، فحضرته الوفاة، فاجتمعنا إليه فقال: يا معشر يهود ما ترونه
__________
(1) - ضبط في الأصل بضم الألف، هذا وذكر السهيلي في الروض: 1/ 247 انه هكذا ورد ضبطها عن ابن إسحق في حين أن كل من يونس بن بكير والدارقطني قد ضبطاها بالفتح.
(2) - في ع: واسيد، وهو تصحيف فقد ورد في الروض: 1/ 246- 247 مثلما جاء في الأصل هنا.
(3) في الروض: 1/ 246 «هدل» وهو تصحيف.
(4) في ع: تحطنا.
(5) في الروض: 1/ 246 (حتى تمر السحابة ونسقى) .
أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع؟ قالوا: أنت أعلم، قال: فإنما أخرجني، أتوقع خروج نبي قد أظل زمانه، هذه البلاد مهاجرة، فأتبعه، فلا تسبقن إليه إذا خرج يا معشر يهود، فإنه يبعث بسفك الدماء، وسبي الذراري والنساء ممن خالفه، فلا يمنعكم ذلك منه، ثم مات؛ فلما كانت الليلة التي فتحت فيها قريظة، قال أولئك الفتية الثلاثة، وكانوا شبابا أحداثا:
يا معشر يهود والله إنه الذي كان ذكر ابن الهيبان، فقالوا: ما هو به، قالوا:
بلى والله إنه لصفته، ثم نزلوا فأسلموا، وخلوا أموالهم وأولادهم وأهاليهم.
نا أحمد: قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: كانت أموالهم في الحصن مع المشركين، فلما فتح رد ذلك عليهم.
نا أحمد: نا يونس عن قيس بن الربيع عن يونس بن أبي مسلم عن عكرمة أن ناسا من أهل الكتاب آمنوا برسلهم، وصدقوهم، وآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، فلما بعث كفروا به، فذلك قوله تبارك وتعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) «1» وكان قوم من أهل الكتاب آمنوا برسلهم وبمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، فلما بعث محمد آمنوا به فذلك قوله: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) «2» .
__________
(1) آل عمران: 106.
(2) محمد: 17.

حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال:
حدثني من شئت من رجال قومي «2» عن حسان بن ثابت قال: والله إني لغلام يفعة ابن سبع سنين أو ابن ثماني سنين أعقل كل ما سمعت إذ سمعت يهودياً وهو [96] على أطمه «3» بيثرب، يصرخ: يا معشر يهود، فلما اجتمعوا إليه قالوا:
ويلك مالك؟ قال: طلع نجم أحمد، الذي يبعث به، الليلة.
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني صالح بن إبراهيم عن محمود بن لبيد عن سلمة بن سلامة بن وقش قال: كان بين أبياتنا يهودي، فخرج على نادي قومي بني عبد الأشهل ذات غداة، فذكر البعث والقيامة، والجنة والنار، والحساب والميزان، فقال ذاك لأصحاب وثن لا يرون أن بعثاً كائن بعد الموت، وذلك قبيل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ويلك يا فلان، وهذا كائن، إن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار «4» فيها جنة ونار، يجزون من أعمالهم؟ قال:
نعم والذي يحلف به، لوددت أن حظي من تلك النار، أن توقدوا أعظم تنور
__________
(1) - البقرة: 89. ومعلوم ان عاصم بن عمر بن قتادة كان مدنيا اصله من الأنصار
(2) - في ع: قول.
(3) - الأطم: حصن مبني بحجارة، وقيل هو كل بيت مربع مسطح.
(4) في ع: ذات.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الجزء الثاني من كتاب المغازي «1» رواية يونس بن بكير عن محمد بن اسحق وغيره Empty إسلام سلمان الفارسي رحمه الله

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 14:50

إسلام سلمان الفارسي رحمه الله
نا أحمد قال: نا يونس بن بكير عن محمد بن إسحق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن عبد الله بن عباس قال: حدثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلاً من أهل فارس من أهل أصبهان من قرية يقال لها جي «1» ، وكان أبي دهقان أرضه، وكان يحبني حباً شديداً، لم يحبه شيئاً من ماله ولا ولده، فما زال به حبه إياي «2» حتى حبسني في البيت كما يحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار التي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، فكنت كذلك لا أعلم من أمر الناس شيئاً إلا ما أنا فيه حتى بنى أبي بنياناً له، وكانت له ضيعة فيها بعض العمل، فدعاني فقال: أي بني إنه قد شغلني ما ترى من بنياني عن ضيعتي هذه، ولا بد لي من اطلاعها، فانطلق إليهم فمرهم بكذا وكذا ولا تحتبس عني فإنك إن احتبست عني شغلتني عن كل شيء، فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة النصارى، فسمعت أصواتهم [11] فيها، فقلت: ما هذا؟ فقالوا: هؤلاء النصارى يصلون، فدخلت أنظر فأعجبني ما رأيت من حالهم، فو الله ما زلت جالساً عندهم حتى غربت الشمس، وبعث أبي في طلبي في كل وجه حتى جئته حين أمسيت، ولم أذهب إلى ضيعته، فقال: أي بني أين كنت، ألم أكن قلت لك؟! فقلت يا أبتاه
__________
(1) - اسم مدينة ناحية اصبهان، وكانت تدعى ايام ياقوت بشهرستان، وعرفت عند العرب وخاصة المحدثين منهم باسم المدينة واليها ينسب المديني العالم المشهور.
(2) - سقطت من ع.

مررت بأناس يقال لهم (النصارى) فأعجبني صلاتهم ودعاؤهم، فجلست أنظر كيف يفعلون، فقال: أي بني دينك ودين آبائك خير من دينهم، فقلت:
لا والله ما هو بخير من دينهم، هؤلاء قوم يعبدون الله ويدعونه ويصلون له، ونحن إنما نعبد ناراً نوقدها بأيدينا، إذا تركناها ماتت، فخافني، فجعل في رجلي حديدا وحبسني في بيت عنده، فبعثت إلى النصارى فقلت لهم: أين أهل هذا الدين الذي أراكم عليه؟ فقالوا: بالشام، فقلت: فإذا قدم عليكم من هناك أناس فآذنوني، فقالوا: نفعل، فقدم عليهم نامن من تجارهم، فبعثوا إلي: إنه قد قدم علينا تجار من تجارنا، فبعثت إليهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الخروج فآذنوني بهم، قالوا: نفعل، فلما قضوا حوائجهم، وأرادوا الرحيل بعثوا إلي بذلك، فطرحت الحديد الذي في رجلي، ولحقت بهم، فانطلقت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها، قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف صاحب الكنيسة، فجئته فقلت له: إني قد أحببت أن أكون معك في كنيستك، وأعبد الله فيها معك، وأتعلم منك الخير؟ قال:
فكن معي، فكنت معه، وكان رجل سوء، كان يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوها إليه اكتنزها ولم يعطها المساكين، فأبغضته بغضا شديدا لما رأيت من حاله، فلم ينشب أن مات، فلما جاءوا ليدفنوه، قلت لهم: إن هذا رجل سوء، كان يأمركم بالصدقة، ويرغبكم فيها، حتى إذا جمعتموها إليه اكتنزها ولم يعطها المساكين، فقالوا: وما علامة ذلك؟ فقلت: أنا أخرج لكم كنزه، فقالوا: فهاته فاخرجت لهم سبع قلال مملوءة ذهباً وورقاً «1» ، فلما راوا ذلك، قالوا: والله لا يدفن أبداً فصلبوه على خشبة ورموه بالحجارة، وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه، فلا والله يابن عباس ما رأيت رجلا قط لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه، أشد اجتهادا، ولا أزهد في الدنيا، ولا أدأب
__________
(1) اي فضة.
ليلا ولا نهاراً منه، ما أعلمني أحببت شيئاً قط قبله حبه، فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة، فقلت: يا فلان قد حضرك ما ترى من أمر الله عز وجل وإني والله ما [12] أحببت شيئاً قط حبك، فماذا تأمرني، وإلى من توصيني؟ قال:
أي بني والله ما أعلمه إلا رجلاً بالموصل، فاتيه فإنك ستجده على مثل حالي، فلما مات وغيب، لحقت بالموصل، فأتيت صاحبها، فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهاد في الدنيا، فقلت له: إن فلاناً أوصاني إليك أن آتيك، وأكون معك، قال: فأقم أي بني فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه حتى حضرته الوفاة، فقلت له: إن فلاناً أوصاني إليك، وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من؟ قال: والله ما أعلمه أي بني إلا رجلاً بنصيبين هو على مثل ما نحن عليه، فالحق به، فلما دفناه لحقت بالآخر فقلت له: يا فلان إن فلاناً أوصاني إلى فلان وفلان أوصاني إليك، قال: فأقم أي بني، فأقمت عنده على مثل حالهم حتى حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان إنه قد حضرك من أمر الله ما ترى، وقد كان فلان أوصاني إلى فلان وأوصاني فلان إلى فلان، وأوصاني فلان إليك، فإلى من؟ قال: أي بني والله ما أعلم أحدأ على مثل ما نحن عليه إلا رجلاً بعمورية من أرض الروم فاتيه فإنك ستجده على مثل ما كنا عليه، فلما واريته خرجت حتى قدمت على صاحب عمورية فوجدته على مثل حالهم، فأقمت عنده، واكتسبت حتى كانت لي غنيمة وبقرات، ثم حضرته الوفاة، فقلت: يا فلان إن فلاناً كان أوصاني إلى فلان، وفلان إلى فلان، وفلان إليك، وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصيني؟ قال: أي بني والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم، مهاجره بين حرتين إلى أرض سبخة ذات نخل، وإن فيه علامات لا تخفى، بين كتفيه خاتم النبوة «2» ، يأكل الهدية،
__________
(2) - جاء في حاشية: نا العطاردي: نا يحيى بن آدم قال: الذي يختم به هو خاتم، والنبي عليه السّلام خاتم.
ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل فإنه قد أظلك زمانه، فلما واريناه أقمت على خير، حتى مر بي رجال من تجار العرب، من كلب، فقلت لهم تحملوني معكم حتى تقدموني أرض العرب وأعطيكم غنيمتي هذه وبقراتي؟ قالوا: نعم، فأعطيتهم إياها وحملوني حتى إذا جاءوا بي وادي القرى ظلموني فباعوني عبداً من رجل من يهود بوادي القرى، فو الله لقد رأيت النخل وطمعت أن يكون البلد الذي نعت لي صاحبي، وما حقت عندي حتى قدم رجل (13) من بني قريظة من يهود وادي القرى، فابتاعني من صاحبي الذي كنت عنده، فخرج بي حتى قدم المدينة فو الله ما هو إلا أن رأيتها، فعرفت نعته، فأقمت في رقي مع صاحبي، وبعث الله عز وجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، لا يذكر لي شيء من أمره مما أنا فيه من الرق حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء «1» ، وأنا أعمل لصاحبي في نخلة له، فو الله إني لفيها إذ جاء ابن عم له، فقال: فلان، قاتل الله بني قيلة «2» ، والله إنهم الآن لفي قباء مجتمعون على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبي، فو الله ما هو إلا أن سمعتها، فأخذني العرواء- يقول الرعدة- حتى ظننت لأسقطن على صاحبي، ونزلت أقول ما هذا الخبر، ما هو؟ فرفع مولاي يده فلكمني لكمة شديدة وقال: ما لك ولهذا، أقبل قبل عملك، فقلت: لا شيء إنما سمعت خبراً، فأحببت أعلمه، فلما أمسيت وكان عندي شيء من طعام، فحملته وذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بقباء، فقلت: إني بلغني أنك رجل صالح، إن معك أصحاباً لك غرباء، وقد كان عندي شيء للصدقة فرأيتكم أحق من بهذه البلاد به، فها هو هذا فكل منه، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وقال لأصحابه: كلوا ولم يأكل، فقلت في نفسي: هذه خلة مما ووصف لي صاحبي، ثم رجعت، وتحول رسول
__________
(1) - خارج المدينة، قدمها النبي يوم الهجرة.
(2) اي الأوس والخزرج، انظر الروض: 1/ 249.
الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فجمعت شيئاً كان عندي، ثم جئته به، فقلت: إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية وكرامة ليست بالصدقة، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكل أصحابه، فقلت هذه خلتان، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتبع جنازة، وعلي شملتان لي وهو في أصحابه، فاستدرت به لأنظر إلى الخاتم في ظهره، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبر عرف أني استثبت من شيء قد وصف لي، فوضع رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه كما وصف لي صاحبي، فأكببت عليه أقبله، وأبكي، فقال: تحول يا سلمان هكذا، فتحولت، فجلست بين يديه، وأحب أن يسمع أصحابه حديثي عنه، فحدثته يابن عباس كما حدثتك، فلما فرغت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كاتب يا سلمان، فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له، وأربعين أوقية، فأعانني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخلة ثلاثين ودية (14) عشر، كل رجل منهم على قدر ما عنده، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقر لها فإذا فرغت فآذني حتى أكون أنا الذي أضعها بيدي، ففقرتها وأعانني أصحابي- يقول حفرت لها حيث توضع- «1» حتى فرغنا منها، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله قد فرغنا منها، فخرج معي حتى جاءها، فكنا نحمل إليه الودي فيضعه بيده ويسوي عليه، فو الذي بعثه بالحق ما ماتت منها ودية واحدة.
وبقيت علي الدراهم، فأتاه رجل من بعض المعادن بمثل البيضة من الذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الفارسي المسلم المكاتب؟ فدعيت له، فقال: خذ هذه يا سلمان فأد بها ما عليك، فو الذي نفس سلمان بيده لو زنت لهم منها أربعين أوقية، فأديتها إليهم، - وعتق سلمان- وكان الرق قد حبسني حتى فاتتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد، ثم عتقت فشهدت الخندق، ثم لم يفتني معه مشهد.
__________
(1) أوضح السهيلي في الروص: 1/ 250- 251، أسماء النخلة وأعمال غرسها في مختلف الأوقات، فلينظر.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال:
حدثني من سمع عمر بن عبد العزيز، وحدث هذا من حديث سلمان، فقال:
حدثت عن سلمان أن صاحب عمورية قال لسلمان، حين حضرته الوفاة: إئت غيضيتين من أرض الشام فإن رجلاً يخرج من إحداهما إلى الأخرى في كل سنة ليلة، يعترضه ذوو الأسقام، فلا يدعو لأحدبه مرض إلا شفي، فسله عن هذا الدين الذي تسلني عنه، عن الحنيفية دين إبراهيم، فخرجت حتى أقمت بها سنة، حتى خرج تلك الليلة من إحدى الغيضيتين إلى الأخرى، وإنما كان يخرج مستجيزا، فخرج وغلبني عليه الناس حتى دخل في الغيضة التي يدخل فيها حتى ما بقي إلا منكبه، فاخذت به فقلت: رحمك الله أخبرني عن الحنيفية دين إبراهيم؟ فقال: إنك لتسأل عن شيء ما يسأل عنه الناس اليوم، قد أظلك [زمان] «1» نبي يخرج عند هذا البيت، بهذا الحرم، يبعث بسفك الدم، فلما ذكر ذلك سلمان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لئن كنت صدقت يا سلمان لقد رأيت عيسى بن مريم عليه السلام.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب عن رجل من عبد القيس عن سلمان قال: لما أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الذهب فقال: اقض به عنك، فقلت يا رسول الله، وأين تقع [15] هذه مما علي؟ فقلبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على لسانه، ثم قذفها إلي، ثم قال: إنطلق بها فإن الله عز وجل سيؤدي بها عنك، فانطلقت فوزنت لهم منها حتى أوفيتهم منها أربعين أوقية.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن أبي ليلى قال: نا عتاب البكري قال: كنا نجالس أبا سعيد الخدري فيبسط له على بابه بساط ثم يجعل عليه وسادة، ويتكىء على الوسادة ونحن حوله نحدق به، فسألته عن الخاتم الذي كان بين
__________
(1) زيدت من ع.
كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان؟ قال فأشار أبو سعيد بالسبابة ووضع الإبهام على أول مفصل أسفل من ذلك. قال يونس: أخرج المفصل كله، قال: كانت بضعة ناشزة بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نا أحمد: نا يونس قال: قال ابن اسحق: وكانت قريش يعظمون الكعبة ويطوفون بها ويستغفرون عندها مع تعظيم الأوثان والشرك في ذبائحهم، ويحجون، ويقفون المواقف.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الجزء الثاني من كتاب المغازي «1» رواية يونس بن بكير عن محمد بن اسحق وغيره Empty أثر الكعبة

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 14:54

أثر الكعبة
نا أحمد: نا يونس عن سعيد بن ميسرة البكري قال: حدثني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان موضع البيت في زمن آدم شيراً «1» أو أكثر علماً، فكانت الملائكة تحج إليه قبل آدم، ثم حج آدم فاستقبلته الملائكة، فقالوا:
يا آدم من أين جئت؟ قال حججت البيت، قالوا: قد حجته الملائكة قبلك.
نا أحمد نا يونس عن ثابت بن دينار عن عطاء قال: أهبط آدم بالهند، فقال:
يا رب مالي لا أسمع صوت الملائكة كما كنت أسمعها في الجنة؟ فقال له:
بخطيئتك يا آدم، فانطلق فابن لي بيتا فتطوف به كما رأيتهم يتطوفون، فانطلق حتى أتى مكة فبنى البيت، فكان موضع قدمى آدم قرى وأنهار وعمارة، وما بين خطاه مفاوز، فحج آدم البيت من الهند أربعين سنة.
نا أحمد: نا يونس عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن مجاهد قال: لما قيل لابراهيم: «أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ» قال يا رب كيف أقول؟ قال: قل يا أيها الناس أجيبوا ربكم، فصعد الجبل فنادى أيها الناس أجيبوا ربكم، فأجابوه لبيك اللهم لبيك، فكان هذا أول التلبية.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني وهب بن سنان قال: سمعت عائذ ابن عمير الليثي يقول: لما آمر إبراهيم بدعاء الناس إلى الحج استقبل المشرق، فدعا إلى الله عز وجل فأجيب لبيك لبيك، ثم استقبل المغرب فدعا إلى الله عز وجل فأجيب: لبيك لبيك، ثم استقبل الشام فدعا إلى الله عز وجل فأجيب
__________
(1) - في حاشية الأصل وع: نشزا.
لبيك (16) لبيك، ثم استقبل اليمن فدعا إلى الله عز وجل فأجيب لبيك لبيك.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني ثقة من أهل المدينة عن عروة بن الزبير أنه قال: ما من نبي إلا وقد حج البيت، إلا ما كان من هود وصالح، ولقد حجه نوح، فلما كان من الأرض ما كان من الغرق أصاب «1» البيت ما أصاب الأرض، فكان البيت روثة حمراء، فبعث الله تعالى هوداً، فتشاغل بأمر قومه، حتى قبضه الله عز وجل إليه، فلم يججه حتى مات، ثم بعث الله تعالى صالحاً فتشاغل بأمر قومه، فلم يحجه حتى مات، فلما بوأه الله عز وجل لإبراهيم حجه، ثم لم يبق نبي إلا حجه.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق عن عطاء بن أبي رباح عن كعب الحبر قال:
شكت الكعبة إلى ربها عز وجل، وبكت إليه فقالت: أي رب، قل زواري، وجفاني الناس، فقال الله عز وجل لها: إني محدث لك إنجيلا، وجاعل لك زواراً يحنون إليك حنين الحمامة إلى بيضاتها.
نا أحمد قال: حدثني أبي قال: نا جرير بن عبد الحميد عن منصور عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو قال: خلق البيت قبل الأرض بألفي عام، ثم دحيت الأرض منه.
نا أحمد: نا يونس عن الأسباط بن نصر الهمداني عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي قال: خرج آدم من الجنة معه حجر في يده وورق في الكف الأخرى «2» ، فبث الورق بالهند فمنه ما ترون من الطيب، وأما الحجر فكان ياقوتة بيضاء يستضاء بها، فلما بنى إبراهيم البيت فبلغ موضع الحجر قال لإسماعيل: إئتني بحجر من الجبل، فقال: غير هذا، فرده مراراً لا يرضى بما يأتيه، فذهب مرة، وجاءه جبريل بالحجر من الهند الذي أخرج به آدم من الجنة فوضعه، فلما جاءه اسماعيل قال: من جاءك بهذا؟ قال: من هو أنشط منك.
__________
(1) في ع: واصاب.
(2) في ع: الآخر.
نا أحمد: نا يونس عن السري بن إسماعيل عن عامر عن عمر بن الخطاب أنه قال: الحجر الأسود من أحجار الجنة أهبط إلى الأرض وهو أشد بياضاً من الكرسف «1» ، فما اسود إلا من خطايا بني آدم، ولولا ذلك ما مسه أبكم ولا أصم ولا أعمى إلا برأ.
نا أحمد: نا يونس عن عبد الرحمن بن عبد الله عن سلمة بن كهيل عن رجل عن علي أنه قال: السكينة لها وجه كوجه الإنسان وهي في ذلك ريح هفافة.
نا أحمد: نا يونس عن إبراهيم بن اسماعيل عن يزيد الرقاشي عن ابيه عن أبي موسى الأشعري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقد مر بالصخرة من الروحاء سبعون نبياً حفاه عليهم العبأ يؤمون بيت الله العتيق منهم موسى عليه السلام.
نا أحمد: نا يونس عن [17] سعيد بن ميسرة عن أنس بن مالك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان الحجر من ياقوت الجنة فمسحه المشركون فاسود من مسحهم إياه.
نا أحمد نا يونس عن وهب بن عقبة عن عطية العوفي عن ابن عباس قال: إن الحجر الأسود من حجارة الجنة، كان أشد بياضاً من اللبن فاسواد مما مسحه بنو آدم من ذنوبهم.
نا أحمد نا يونس عن مسلمة بن عبد الله القرشي عن عبد الكريم أبي أمية قال: كان البيت ياقوتة من ياقوتات الجنة، فلما كان زمن الطوفان رفع إلى السماء الدنيا، فلو وقع الآن وقع على موضع البيت، يطوف به كل ليلة سبعون ألف ملك، واستودع جبريل أبا قبيس «2» الحجر، وهو ياقوتة بيضاء من ياقوت الجنة، فلما بنى إبراهيم البيت أتاه جبريل، فاخرج له الحجر، فوضعه في قواعد البيت؛ وهو يوم القيامة أعظم من أحد له لسان يشهد به.
نا أحمد: نا يونس عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن سعيد بن أبي
__________
(1) القطن
(2) - جبل خارج مكة.
بردة الأشعري عن عبد الله بن عمر أنه قال لأبيه أبي بردة: اتدري ما كان قومك يقولون في الجاهلية إذا طافوا بالبيت؟ قال: وما كانوا يقولون؟ قال: كانوا يقولون:
اللهم هذا واحد إن تما ... أتمه الله وقد أتما
إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما
نا أحمد نا يونس عن قيس بن الربيع عن منصور عن مجاهد قال: كان أهل الجاهلية يقولون حين يطوفون بالبيت:
إن تغفر اللهم تغفر جما ... وأي عبد لك لا ألما
نا أحمد نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه قال: لم يكن أحد يطوف بالكعبة عليه ثياب إلا الحمس، وكان بقية الناس الرجال والنساء يطوفون عراة، إلا أن تحتسب عليهم الحمس فيعطون الرجل أو المرأة الثوب يلبسه.
نا أحمد: نا يونس عن أبي معشر المديني عن محمد بن قيس قال: كان أهل الجاهلية من لم يكن من الحمس، فإن طابت نفسه أن يرمي بالثوب الذي عليه إلى الكعبة إذا طاف بالبيت أو وجد عارية من أهل مكة، طاف فيه، فإن لم تطب نفسه بالثوب الذي عليه، ولم يجد عارية من أهل مكة طاف عريانا، فقالوا:
وجدنا آباءنا عليها، والله أمرنا بها حتى بلغ «خالصة يوم القيامة» ؛ قال محمد بن قيس: هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا يشركهم فيها الكفار، فإذا كان يوم القيامة خلص بها المؤمنون.
نا أحمد: نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كانت قريش ومن يدين دينها، وهم الحمس، يقضون عشية عرفة بالمزدلفة يقولون: [18] نحن قطن البيت، وكان بقية الناس والعرب يقفون بعرفات، فأنزل الله تعالى:
«ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ» «1» فتقدموا فوقفوا مع الناس بعرفات.
__________
(1) البقرة: 199.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر عن عثمان بن أبي سليمان عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه جبير بن مطعم قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على دين قومه، وهو يقف على بعير له بعرفات، من بين قومه حتى يدفع معهم توفيقا من الله عز وجل له. «1»
نا أحمد: نا يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي اسحق عن عمرو بن ميمون عن عمر قال: كان المشركون بجمع «2» يقولون: أشرق ثبير «3» كيمانغير، قال: فكانوا لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذاك. قال زكريا: فنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تطلع الشمس.
نا أحمد: نا يونس عن يوسف بن ميمون عن الحسن قال: كان الناس في الجاهلية إذا أتوا المعرف «4» قام الرجل فوق جبل فقال: أنا فلان بن فلان، فعلت كذا، وفعل أبي كذا، وفعل جدي كذا فأنزل الله عز وجل: «فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً» «5» يقول: كما كنتم تذكرون آباءكم في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية: يا أيها الناس، إن الله قد رفع عنكم هذه النخوة والتفاخر في الآباء، فنحن ولد آدم، وخلق آدم من تراب، وقال الله عز وجل: «يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى» إلى قوله: «أَتْقاكُمْ» «6» .
نا أحمد: نا يونس عن يوسف بن ميمون التميمي عن عطاء بن أبي رباح أن إنساناً سأله عن السعي بين الصفا والمروة فقال: إن هاجر لما وضعها آبراهيم هي وابنها إسماعيل أصابها عطش شديد حتى أريت أن اسماعيل سيقتله العطش، فلما خشيت
__________
(1) انظر الروض: 1/ 229- 233، ففيه تفاصيل وشروح أوفى حول مسألة الخمس، وسترد هذه التفاصيل بعد صفحات هنا.
(2) سقطت من ع، وجمع هي المزدلفة.
(3) الجبل المشرف على مكة.
(4) مكان الوقوف بعرفة.
(5) البقرة: 200.
(6) الحجرات: 13.
ذلك منه، وضعته في موضع البيت، وانطلقت حتى أتت الصفا، فصعدت فوقه تنظر هل مات بعد أم لا، فجعلت تدعو الله تعالى له، ثم نزلت حتى أتت بطن الوادي فسعت فيه ثم خرجت تمشي حتى أتت المروة، فصعدت فوقها تنظر هل مات بعد أم لا، وكانا حجرين إلى البيت، ففعلت ذلك سبع مرات، فهذا أصل السعي بين الصفا والمروة.
نا أحمد نا يونس عن هشام بن عروة عن أبيه، في هذه الآية: «إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ» «1» [19] الآية، فقلت لعائشة: لو أن انساناً حج فلم يطف بين الصفا والمروة ما ظننت أن عليه برحاً، قالت: فاتل علي، فتلوت عليها:
«فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما» «2» فقالت: لو كان كما تقول كان: «فلا جناح عليه ألا يطوف بهما، وإنما نزلت هذه الآية في أناس من قريش كانوا يحرمون لمناة ولا يحل في دينهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما أسلموا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إنا كنا نحرم لمناة فلا يحل لنا في ديننا أن نطوف بين الصفا والمروة» فأنزل الله عز وجل الآية: «إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ» فقالت عائشة: هما من شعائر الله، فما أتم الله حج من لم يطف بهما.
نا أحمد نا يونس عن يوسف بن ميمون عن عطاء بن أبي رباح أنه سئل عن رمي الجمار فقال: إن إبراهيم أتى البيت الحرام فصلى به، ثم راح حتى أتى منى في بعض الليل فانطلق حتى أتى الشجرة فعرض له الشيطان، فرماه إبراهيم بسبعة أحجار، يكبر مع كل حجر، فذهب عنه، ثم مضى حتى أتى مكان الجمرة التي يليها عرض له الشيطان، فرماه بسبعة أحجار، يكبر «3» مع كل حجر، فذهب عنه، ثم مضى حتى أتى موضع الجمرة الثالثة عرض له الشيطان، فرماه بسبعة أحجار يكبر مع كل حجر، فذهب عنه، فلما بعث الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم اقتص ما صنع إبراهيم فصنع مثله.
__________
(1) البقرة: 158.
(2) البقرة: 158.
(3) في ع فكبر.
نا أحمد: نا يونس عن أبي بكر الهذلي قال: نا الحسن قال: كان الناس في الجاهلية إذا ذبحوا لطخوا بالدماء وجه الكعبة، وشرحوا اللحوم فوضعوها على الحجارة، وقالوا لا يحل لنا نأكل شيئاً جعلناه لله عز وجل حتى تأكله السباع والطير، فلما جاء الإسلام جاء الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: شيئاً كنا نصنعه في الجاهلية ألا نصنعه الآن، فإنما هو لله عز وجل، فأنزل الله عز وجل:
«فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا» «1» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعلوا فإن ذلك ليس لله عز وجل. قال الحسن: فلم يعزم عليهم الأكل، فإن شئت فكل وإن شئت فدع.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: سألت ابن أبي نجيح عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الزمان قد استدار حتى صار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض» فقال: كانت قريش يدخلون في كل سنة شهراً، وإنما كانوا يوافقون ذا الحجة في كل اثنتي عشرة سنة مرة، فوفق الله تعالى لرسوله [20] في حجته التي حج ذا الحجة فحج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الزمان قد استدار حتى صار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض» فقلت لابن أبي نجيح: فكيف بحجة أبي بكر وعتاب بن أسيد؟ فقال: على ما كان الناس يحجون عليه، ثم فسر ابن أبي نجيح فقال: كانوا يحجون في ذي الحجة ثم العام المقبل في المحرم ثم صفر حتى يبلغوا اثني عشر شهراً.
حدثنا أحمد قال: نا يونس عن ابن أبي ليلى وابن أبي أنيسة عن عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نزل جبريل على إبراهيم صلى الله عليهما، فراح به فصلى به الصلوات بها، قال يحيى: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء. ثم اجتمعا، فبات به حتى صلى الفجر ثم سار به يوم عرفة حتى نزل به المنزل الذي ينزل الناس، فصلى به الصلاتين- «قال
__________
(1) الحج: 36.
يحيى: جميعاً» - ثم اجتمعا، قال: فسار حتى وقف به في الموقف حتى كان كأعجل ما يصلى أحد من المسلمين صلاة المغرب، ثم أفاض حتى أتى به «جميعاً» فصلى به الصلاتين، قال يحيى: المغرب والعشاء جميعاً. قالا: ثم بات بها حتى إذا كان كأعجل ما يصلى أحد من المسلمين صلاة الفجر أفاض به حتى أتى به الجمرة فرماها، ثم ذبح وحلق تم أتى به البيت فطاف به- قال ابن أبي ليلى:
ثم رجع به إلى منى فأقام فيها تلك الأيام، ثم أوحى الله عز وجل إلى محمد صلى الله عليه وسلم أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً.
نا أحمد نا يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن أبي اسحق عن زيد بن يثيع عن علي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت «براءة» «1» ألا يطوف بالبيت عريان.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكانت قريش- لا أدري قبل بناء الكعبة أو بعده- ابتدعت رأي الحمس، رأياً رأوه وأداروه بينهم، فقالوا:
نحن بنو إبراهيم وأهل الحرم، وولاة البيت، وقاطنو مكة وسكانها، فليس لأحد من العرب مثل حقنا، ولا مثل منزلتنا، ولا يعرف له العرب مثل ما تعرف لنا، فلا تعظموا شيئاً من الحل كما تعظمون الحرم، فإنكم إن فعلتم ذلك استخفت العرب حرمتكم، وقالوا: قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم، فتركوا الوقوف على عرفة والإضافة منها، وهم يقرون ويعرفون أنها من المشاعر «2» [21] والحج ودين إبراهيم عليه السلام، فيرون «3» لسائر العرب أن يقفوا عليها وأن يفيضوا منها، إلا أنهم قالوا نحن أهل الحرم فليس ينبغي لنا أن نخرج «4» من الحرمة ولا نعظمن «5» غيرها كما يعظمها الحمس، والحمس أهل الحرم، ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكني الحل والحرم مثل الذي لهم
__________
(1) انظر سورة التوبة.
(2) في ع: الشعائر.
(3) في ع: فيأذنون.
(4) في ع: يخرج.
(5) في ع: نعظم.
بولادتهم إياهم، يحل لهم ما يحل لهم، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم، وكانت كنانة وخزاعة قد دخلوا معهم في ذلك، ثم ابتدعوا في ذلك أموراً لم تكن، فقالوا: لا ينبغي للحمس أن يأقطوا الأقط، ولا يسلوا السمن وهم حرم، ولا يدخلوا بيتاً من شعر ولا يستظلوا إلا في بيوت الأدم ما داموا حراماً، ثم رفعوا في ذلك فقالوا: لا ينبغي لأهل الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل في الحرم إذا جاءوا حجاجاً أو عماراً، ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس، فإن لم يجدوا شيئاً منها طافوا بالبيت عراة، فإن تكرم منهم متكرم من رجل أو امرأة لم يجد ثوباً من ثياب الحمس، فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحل، ألقاها إذا فرغ من طوافه، لم ينتفع بها، ولم يمسها، ولا أحد غيره أبداً، وكانت العرب تسمى تلك الثياب اللقى، فحملوا العرب على ذلك فدانت به، ووقفوا على عرفات، وأفاضوا منها، فأطافوا بالبيت عراة، وأخذوا بها شرعوا لهم من ذلك، فكان أهل الحل يأتون حجاجاً وعماراً، فإذا دخلوا الحرم وضعوا أزوادهم التي جاءوا بها، وابتاعوا من طعام الحرم والتمسوا ثياباً من ثياب الحرم إما عارية وإما بإجارة، فطافوا فيها، فإن لم يجدوا طافوا عراة، أما الرجال فيطوفون عراة، وأما النساء فتضع احداهن ثيابها كلها إلا درعاً تطرحه عليها، ثم تطوف فيه، فقالت امرأة من العرب وهي كذلك تطوف:
اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله
ومن طاف منهم في ثيابه التي جاء فيها ألقاها فلم ينتفع بها هو ولا غيره، فقال قائل من العرب يذكر شيئاً تركه لا يقر به وهو يحبه:
كفى حزناً كري عليه كأنه ... لقى بين أيدي الطائفين حريم
يقول: لا تمس. فكانوا كذلك حتى بعث الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم «1» .
__________
(1) جاء في حاشية الأصل: آخر الجزء الأول من المغازي، سمع من ... الى هنا-
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الجزء الثاني من كتاب المغازي «1» رواية يونس بن بكير عن محمد بن اسحق وغيره Empty حديث بنيان الكعبة [22]

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 14:59

حديث بنيان الكعبة [22]
حدثنا أحمد بن عبد الجبار: نا يونس بن بكير عن ابن إسحق قال: فأقامت قريش في كل قبيلة منها أشراف، فليس بينها اختلاف ولا نائرة «1» . ثم إن قريشاً أجمعوا على بنيان الكعبة، وكانوا يهمون بذلك فيهابون هدمها، وإنما كانت رضماً فوق القامة «2» ، فأرادوا رفعها وتسقيفها وذلك أن نفرا من قريش سرقوا كنز الكعبة، وكان يكون في بئر جوف الكعبة. وكان الذي وجد عنده الكنز دويل- أو دويد، شك أبو عمر- مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة، فقطعت قريش يده من بينهم، وكان ممن اتهم في ذلك الحارث بن عامر بن نوفل، وكان أخا الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف لأمه أبو وهب بن عبد المطلب، فهو الذي تزعم قريش أنهم وضعوا كنز الكعبة حين أخذوه عند دويل- أو دويد- فلما أتتهم قريش دلوهم على دويل- أو دويد- فقطعوه، ويقال: إنهم وضعوه عنده، وذكروا أن قريشاً حين استيقنوا بأن ذلك كان عند الحارث بن عامر ابن نوفل بن عبد مناف، فخرجوا به إلى كاهنة من كهان العرب، فسجعت عليه
__________
حم ... من ... الجزء الأول من الا ... وهم.... الأول. هذا وقد قام السهيلي وقبله ابن هشام بشرح بعض ما استغلق معناه من خبر الحمس، انظر الروض: 1/ 229- 233. ويمكن للباحث في التاريخ الاسلامي أن يرى في خبر الحمس قيام قريش باعادة بناء دينها بعدما تلقته من تحديات كان أبرزها الغزو الحبشي، ويمكن له أيضا أن يرى في هذه العملية حرص قريش على تسخير العقيدة في سبيل مصالحها المالية والتجارية البحتة.
(1) النائرة: الفتنة.
(2) الرضم: أن تنضد الحجارة بعضها على بعض من غير ملاط.
من كهانتها بأن لا يدخل مكة عشر سنين بما استحل من حرمة الكعبة، فزعموا أنهم أخرجوه من مكة، فكان فيما حولها عشر سنين.
وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدة لرجل من الروم فتحطمت، فأخذوا خشبها فأعدوه لسقفها، وكان بمكة رجل قبطي نجار، فتهيأ لهم في أنفسهم في بعض ما يصلحها. وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كان يطرح فيها مما يهدي لها كل يوم، فتشرق على جدار الكعبة، وكانت مما يهابون، وذلك أنهم زعموا فلما كان يتقرب من بئر الكعبة أحد إلا احزألت وكشت، وفتحت فاها فكانوا يهابونها، فبينما هي يوماً تشرق على جدار الكعبة كما كانت تصنع، بعث الله عز وجل عليها طائراً لا يدرون ما هو فاختطفها «1» من متشرقها، فذهب بها، فقالت قريش: إنا نرجو أن يكون الله عز وجل قد رضي ما أردنا، عندنا عامل رفيق، وعندنا الخشب، وقد ذهب الله تعالى بالحية، وذلك بعد الفجار بخمس عشرة سنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذاك ابن خمس وثلاثين سنة.
فلما أجمعوا أمرهم على هدمها وبنائها قام أبو وهب عامر بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم [23] فتناول من الكعبة حجراً، فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه- فيما يزعمون- فقال: يا معشر قريش لا تدخلن في بنيانها من كسبكم إلا طيبا ولا تدخلن فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة من أحد من الناس، وينحلون هذا الكلام الوليد بن المغيرة.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيح أنه حدث عن عبد الله بن صفوان بن أمية أنه رأى ابناً لجعدة بن هبيرة بن أبي وهب ابن عمرو بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم يطوف بالبيت فسأل عنه، فقيل هذا ابن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب، فقال عبد الله بن صفوان: إن جده يعني أبا وهب هو الذي أخذ من الكعبة حجراً حين أرادت قريش هدمها فوثب من
__________
(1) في الروض: 1/ 255- أن الطائر كان عقابا.
يده حتى رجع إلى موضعه، فقال عند ذلك: يا معشر قريش لا تدخلوا فيها من كسبكم إلا طيبا، لا تدخلوا مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة لأحد من الناس، وأبو وهب خال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شريفاً، وله يقول شاعر من العرب:
لو بأبي وهب أنخت مطيّتي ... لرحت وراحت رحلها غير خائب
وأبيض من فرعي لؤي بن غالب ... إذا حصلت أنسابه للذوائب
أبي لأخذ الضيم يرتاح للندى ... توسط جداه فروع الأطايب
عظيم رماد القدر يملا جفانه ... من الخبز يعلوهن مثل السبائب «1»
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم تجزأت قريش الكعبة، فكان شق الباب لبني عبد مناف، وبني زهرة، وكان مما بين الركنين الأسود والركن اليماني لبني مخزوم وتيم وقبائل من قريش ضموا إليهم، وكان ظاهرها لسهم وجمع، وكان شق الحجر، وهو الحطيم، لبني عبد الدار بن قصي، ولبني أسد ابن عبد العزى بن قصي، وبني عدي بن كعب، ثم إن الناس هابوا هدمها، وفرقوا منه، فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبوؤكم في هدمها، فأخذ المعول، فقام عليها، ثم قال: اللهم لا تردع، اللهم إنا لا نريد إلا الخير، ثم هدم من ناحية الركنين فتربص الناس تلك الليلة وقالوا: ننظر ماذا يصيبه، فإن أصيب لم نهدم منها شيئاً ورددناها كما كانت، وإن لم يصبه شيء فقد رضي الله عز وجل ما صنعنا، فأصبح غادياً يهدم وهدم الناس معه فلما انتهى الهدم إلى أس الكعبة اتبعوه حتى انتهوا إلى [24] حجارة خضر كالأسنة آخذ بعضها بعضاً.
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثت أن رجالا من قريش ممن كان يهدمها قالوا أدخل رجل بين حجرين منها العثلة ليقلع إحداهما، فلما تحرك الحجر تنقضت مكة بأسرها، فهابوا عند ذلك تحريك ذلك الأس.
__________
(1) انظر الشعر في الروض: 1/ 226 ففي الرواية بعض من الاختلاف.
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال: حدثت أنهم وجدوا في أس الكعبة أو في بعضها شيئاً من صفر «1» مثل بيض النعام مكتوب في احداهما: هذا بيت الله عز وجل الحرام رزق أهله من كذا، لا يحله أول من أهله، وفي الأخرى: براءة لبني فلان حي من العرب، من حجة لله حجوها.
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: وحدثت أن قريشاً وجدت في الركن، أو في بعض المقام كتاباً بالسريانية لم يدروا ما هو حتى قرأه عليهم رجل من يهود: «أنا الله ذو بكة خلقتها يوم خلقت السموات والأرض وصنعت الشمس والقمر، وحففتهما بسبعة أملاك حنفاء لا يزولون حتى تزول أخاشبها، «2» مبارك لأهلها في الماء واللبن» .
وحدثت أنهم وجدوا في المقام كتابا فيه: «مكة الحرام يأتيها رزقها من ثلاثة سبل، لا يحلها أول من أهلها» .
نا أحمد: نا يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي قال: حدثني من قرأ في أسفل المقام أو في تختجة «3» في سقف البيت: أنا الله ذو بكة، بنيته على وجوه سبعة أملاك حنفاء، باركت لأهله في اللحم، والماء، وجعلت رزقهم من ثلاثة سبل، ولا يستحل حرمتها أول من أهلها.
نا أحمد. نا يونس عن المنذر بن ثعلبة عن سعيد بن حرب قال: شهدت عبد الله بن الزبير وهو يقلع القواعد التي أسس إبراهيم صلى الله عليه وسلم لبناء البيت فأتوا على
__________
(1) أي من نحاس.
(2) في ابن هشام، الروض: 1/ 227- أخشباها أي جبلاها، ونص رواية ابن هشام فيه خلاف لما جاء هنا.
(3) لعلها مشتقة من لفظة تخت، وهي فارسية معربة تعني المكان الذي تحفظ فيه الثياب والأشياء، ومن العبارات الدارجة حتى الآن «تختية، وتتخيتة» وتطلق على المستودعات الصغيرة داخل البيوت والتي هي قريبة من السقف.
تربة صفراء عند الحطيم، فقال ابن الزبير: هذا قبر اسماعيل عليه السلام فواراه.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم جمعت القبائل من قريش لبنائها كل قبيل تجمع على جدتها «1» ثم بنوا حتى بلغ البناء موضع الركن فاختصموا في رفع الركن، كل قبيلة تريد أن ترفعه دون الأخرى، فقالت كل قبيلة نحن نرفعه حتى تحازبوا «2» أو تحالفوا، وأعدوا القتال، فقربت بنو عبد الدار جفنة فملؤوها دماً، ثم تحالفوا هم وبنو عدي بن كعب على الموت، فأدخلوا أيديهم في تلك الجفنة فغمسوها في الدم، فقال في ذلك عكرمة بن عامر بن هاشم [25] بن عبد مناف بن عبد الدار:
والله لا نأتي الذي قد أردتم ... ونحن جميع او نخضب بالدم
ونحن ولاة البيت لا تنكرونه ... فكيف على علم البرية نظلم
لنبغي به الحمد الذي هو نافع ... ونخشى عقاب الله في كل محرم
فكيف ترومونا وعز قناتنا ... له مكسر صلب على كل معلم
فهيهات أنى يقرب الركن سالم ... ونحن جميع عنده حين يقسم
فإما تخلونا وبيت حجابنا ... وإما تنوؤا ذلك الركن بالحرم
فأجابه وهب بن عبد مناف:
أبلغ قريشاً إذا ما جئت أكرمها ... أنّا أبينا فلا نؤتيكم غلبا
إنا أبينا إلي الغصب ظاهرة ... إنا وجدك لا نؤتيكم سلبا
نحن الكرام فلا حي يقاربنا ... نحن الملوك ونحن الأكرمون أبا
وقد أرى محدثاً في حلفنا طهرا ... كما ترى في حجاب الملك محتجبا
أبا لنا عزنا ماذا أراد بنا ... قوم أرادوا بنا في حلفهم عجبا
__________
(1) كذا في الأصل وع ولعلها مشتقة من الجد والنشاط، وفي ابن هشام، الروض: 1/ 227 «على حده» وهو أقوم.
(2) صحفت في ابن هشام، الروض: 1/ 227 الى «تحاوروا وتحالفوا» .
قوم أرادوا بنا خسفاً لنقبله ... كلا وربك لا نؤتيهم غضبا «1»
حدثنا احمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: فمكثت قريش اربع ليال، أو خمسا، بعضهم من بعض، ثم إنهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا، وتناصفوا، فزعم بعض أهل العلم والرواية أن أبا أمية، وكان كبيراً، وسيد قريش كلها، قال: يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل عليكم من باب المسجد، فلما توافقوا على ذلك، ورضوا به، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين قد رضينا بما قضى بيننا، فلما انتهى إليهم أخبروه الخبر، فقال: هلموا ثوبا، فأتوه به، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الركن فيه بيديه ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوا جميعاً، فرفعوه حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم بنى عليه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى في الجاهلية الأمين قبل أن يوحى إليه.
نا أحمد نا يونس عن ابن اسحق قال: كنت جالساً مع أبي جعفر محمد بن علي «2» فمر بنا عبد الرحمن الأعرج، مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فدعاه فجاءه [26] فقال: يا اعرج ما هذا الذي تحدث به أن عبد المطلب هو الذي وضع حجر الركن في موضعه؟ فقال: أصلحك الله حدثني من سمع عمر ابن عبد العزيز يحدث أنه حدث عن حسان بن ثابت يقول: حضرت بنيان الكعبة، فكأني أنظر إلى عبد المطلب جالساً على السور شيخ كبير قد عصب له حاجباه حتى رفع إليه الركن، فكان هو الذي وضعه بيديه، فقال: انفذ راشداً، ثم اقبل علي أبو جعفر فقال: إن هذا الشيء ما سمعنا به قط، وما وضعه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، اختلفت فيه قريش فقالوا: أول من يدخل عليكم من باب المسجد فهو بينكم، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذا
__________
(1) لم يرد هذا الشعر عند ابن هشام.
(2) محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
الأمين، فحكموه، فأمر بثوب فبسط، ثم أخذ الركن بيديه، فوضعه على الثوب، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة من الثوب بناحية، وارفعوا جميعاً، فرفعوا جميعاً، حتى إذا انتهوا به إلى موضعه أخذه رسول صلى الله عليه وسلم فوضعه في موضعه بيده ثم بنى عليه. «1»
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن خمس وثلاثين سنة، ونزل عليه الوحي بعد بناء الكعبة بخمس سنين، وهو ابن أربعين سنة، وأقام بمكة ثلاثة عشرة سنة ثم هاجر إلى المدينة.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم سقفت فكان ذلك أول ما سقفت الكعبة، فلما فرغوا من البنيان وبنوها على ما ارادوا قال الزبير «2» بن عبد المطلب فيما كان من أمر الحية التي كانت قريش تهاب بنيان الكعبة لها، فقال:
عجبت لما تصوبت العقاب ... إلى الثعبان وهي لها اضطراب
وقد كانت يكون لها كشيش ... واحياناً يكون لها وثاب
إذا قمنا إلى البنيان شدت ... تهيبنا البناء وقد تهاب
فلما أن خشينا الرجز جاءت ... عقاب قد يظل لها الضباب
فضمتها إليها ثم خلت ... لنا البنيان ليس له حجاب
فقمنا حاشدين على بناء ... لنا منه القواعد والتراب
غداة نرفع التأسيس منه ... وليس على مساوينا ثياب
__________
(1) لم أقف على هذه الرواية في مصدر آخر، ويمكن لبعض النقاد أن يأخذ بها ويفضلها على الرواية السابقة، على أساس أنه واضح أن تلك الرواية أريد بروايتها بشكل أساسي القول بأن قريشا كانت تدعو النبي قبل الاسلام بالأمين، يضاف الى هذا أنه من المنطقي أن تكون قريش قد أعادت بناء الكعبة إثر الغزو الحبشي إما لأنها تصدعت أو أن ذلك جاء ضمن اعادة بناء العقيدة القرشية كلها.
(2) يقوم البعض بضبط هذا الاسم بفتح الزاي، وهذا ما أورده الوزير المغربي في كتابه الايناس في علم الأنساب (نسخة تشستر بيتي- مصورة في مكتبتي) .
أعزّ به المليك بني لؤي ... فليس لأصله منهم ذهاب
وقد حشدت هناك بنو عدي ... ومرة قد تقدمها كلاب
فبوأنا المليك بذاك عزا ... وعند الله يلتمس الثواب «1» [27]
وقال الزبير بن عبد المطلب في ذلك أيضاً:
لقد كان في أمر العقاب عجيبة ... ومخطفها الثعبان حين تدلت
فكان مدى الأبصار آخر عهدنا ... بها بعد ما باتت هناك وطلت
إذا جاء قوم يرفعون عماده ... من البيت شدت نحوهم واحزألت
فما برحت حتى ظننا جماعة ... بأن علينا لعنة الله حلت
فقلنا جميعاً قد علمنا «2» خطية ... فعسى لنا والحلم منا أضلت
وقال الوليد بن المغيرة في بنيان الكعبة وشأن الحية:
لقد كان في الثعبان يا قوم عبرة ... ورأي لمن رام الأمور على ذعر
غداة هوى النسر المحلق «3» يرتمي ... به غير حمد منكم يا بني فهر
على حين ما ضلت حلوم سراتكم ... وخفتم بأن لا ترفعوا آخر الدهر «4»
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: وأنزل الله عز وجل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حين أحكم أمره، وشرع له سنن حجه «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ» «5» . الآية. يعني قريشاً والناس العرب في سنة الحج إلى عرفات والوقوف عليها، والإفاضة منها، وأنزل الله تعالى فيما كانوا حرموا على الناس من طعامهم ولباسهم عند البيت حين طافوا عراة وحرموا ما جاءوا به من الطعام من الحل: «يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ
__________
(1) الشعر في ابن هشام، الروض: 1/ 228- 229، مع بعض اختلاف.
(2) في حاشية ع: لعله عملنا، ولم يرد الشعر في ابن هشام.
(3) في ع: النشر الملحق، ولم يرد الشعر في ابن هشام.
(4) ليس في ابن هشام.
(5) البقرة: 199.
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ «1» » إلى آخر الآية. فوضع الله تعالى امر الخمس وما كانت قريش ابتدعت من ذلك على الناس في الأسلام حين بعث الله عز وجل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر عن عثمان بن أبي سليمان عن نافع بن جبير بن مطعم «2» عن أبيه جبير بن مطعم أنه قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على بعير له بعرفات من بين قومه حتى يدفع معهم توفيقا من الله عز وجل له.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الجزء الثاني من كتاب المغازي «1» رواية يونس بن بكير عن محمد بن اسحق وغيره Empty حديث الأحبار والرهبان والكهان عن النبي.

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 15:02

حديث الأحبار والرهبان والكهان عن النبي.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق، قال وكانت الأحبار من اليهود، والرهبان من النصارى، والكهان من العرب قد تحدثوا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه لما تقارب من زمانه. أما الأحبار من يهود، والرهبان من النصارى فيما وجدوا من صفته في كتبهم وصفة زمانه لما كان في عهد انبيائهم اليهم [28] فيه، وأما الكهان من العرب فتأتيهم به الشياطين من الجن فيما يسترقون من السمع إذ كانت وهي لا تحجب عن ذلك بالقذف بالنجوم، وكان الكاهن والكاهنة من العرب لا يقع منهما ذكر بعض امره لا تلقى العرب فيه بالاً حتى بعثه الله عز وجل، ووقعت تلك الأمور التي كانوا يذكرون، فعرفوها، فلما تقارب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحضر مبعثه حجبت الشياطين عن السمع، وحيل بيتها وبين المقاعد التي كانت تقعد لاستراق السمع فيها فرموا بالنجوم، فعرفت الجن أن ذلك لأمر حدث من الله عز وجل في العباد يقول الله تعالى لنبيه عليه السلام حين بعثه، وهو يقص عليه خبر الجن إذ حجبوا عن السمع، فعرفوا ما عرفوا وما أنكروا من ذلك حين رأوا ما رأوا: «قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ» إلى قوله: «أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً «3» .
__________
(1) الأعراف: 31- 32.
(2) سقطت «عن أبيه عن جبير بن مطعم» من ع.
(3) سورة الجن: 1- 10.
فلما سمعت الجن القول «1» عرفت انما منعت من السمع قبل ذلك له لأن لا يشاكل الوحي شيء من خبر السماء، فيلتبس على أهل الأرض ما جاءهم من الله عز وجل وقطع الشبه، فآمنوا وصدقوا [ثم] «2» «وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ.
قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً «3» » إلى آخر الآية.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الجزء الثاني من كتاب المغازي «1» رواية يونس بن بكير عن محمد بن اسحق وغيره Empty من أخبار الجن.

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 15:21

من أخبار الجن.
وكان قول الجن «أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً» «4» انه كان رجال من العرب، من قريش وغيرهم، إذا سافر الرجل فنزل ببطن واد من الأرض ليبيت به قال اني أعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة، من شر ما فيه.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني بعض أهل العلم أن امرأة من بني سهم يقال لها العيطالجه كانت كاهنة في الجاهلية جاءها صاحبها ليلة من الليالي فانقض تحتها فقال: إذن من أذن يوم عقر ونحر «5» ، فقالت قريش حين بلغها ذلك: ما يريد؟ ثم جاءها ليلة اخرى، فانقض تحتها فقال: شعوب ما لشعوب تصرع فيه كعب لجنوب، فلما بلغ ذلك قريشاً قالوا: ماذا يريد؟
إن هذا لأمر هو كائن، فانظروا ما هو، فما عرفوا حتى كانت واقعة بدر وأحد بالشعب، فعرفوا أنه كان الذي جاء به إلى صاحبته.
نا أحمد: نا الحسن عن جرير بن عبد الحميد عن منصور عن ابراهم في قوله «6» تعالى: «وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً» قال: كانوا إذا نزلوا وادياً قالوا: إنا نعوذ بسيد هذا الوادي من شر ما فيه [29] قال: فيقول الجنيون تتعوذون بنا نحن لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعا! قال: «فَزادُوهُمْ رَهَقاً» قال: فازدادوا عليهم جرأة.
__________
(1) في ع: القرآن.
(2) زيدت من ابن هشام، الروض: 1/ 235.
(3) سورة الأحقاف: 29- 30.
(4) سورة الجن: 6.
(5) في ع: وغير.
حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكان هذا الحي من الانصار يتحدثون مما كانوا يسمعون من يهود من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أول ذكر وقع بالمدينة، قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن فاطمة ام النعمان بن عمرو، اخي بني النجار- وكانت من بغايا الجاهلية- وكان لها تابع، فكانت تحدث أنه كان إذا جاءها اقتحم البيت الذي هي فيه، اقتحاماً على من فيه حتى جاءها يوماً، فوقع على الجدار ولم يصنع كما كان يصنع، فقالت له: ما لك اليوم؟ قال: بعث نبي بتحريم الزنا.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني يعقوب بن عقبة بن المغيرة بن الأخنس عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنه حدثه: إن رجلا من ثقيف يقال له عمرو بن أمية، وكان من ادهى العرب، وكان يضن برأيه على الناس؛ قال يعقوب: فلما رمي بالنجوم، كان أول حي فزع لها من الناس ثقيف، فجاءوا إلى عمرو بن أمية فقالوا له: هل علمت بهذا الحدث الذي كان؟ فقال:
وما هو؟ فقالوا: نجوم السماء يرمى بها، قال: ويحكم انظروا فإن كانت هي المعالم التي يهتدي بها في البر والبحر، وتعرف بها الأنواء من الشتاء والصيف لصلاح معايش الناس، فهو والله فناء الدنيا، وفناء هذا الخلق، وأن كان غيرها، فهو لأمر حدث أراد الله عز وجل به هذا الخلق، فانظروا ما هو؟
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني الزهري عن علي بن حسين عن ابن عباس قال: حدثني رهط من الأنصار قالوا: بينا نحن جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، إذ رأى كوكباً، فقال ما تقولون في هذا الكوكب الذي رمي به؟ فقلنا: يولد مولود، يهلك هالك، يملك ملك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ليس كذلك، ولكن الله عز وجل إذا قضى امراً في السماء سبح بذلك كله العرش فيسبح لتسبيحهم من يليهم ممن تحتهم من الملائكة، فما يزالون كذلك حتى ينتهي التسبيح إلى السماء الدنيا فيقول أهل السماء الدنيا لمن يليهم من
الملائكة مم سبحتم؟ فيقولون: ما ندري، سمعنا من فوقنا «1» من الملائكة سبح فسبحنا الله عز وجل لتسبيحهم، ولكنا نسل، فيسلون من فوقهم، فما يزالون كذلك حتى ينتهي إلى حملة العرش، فيقولون: قضى الله عز وجل كذا وكذا، فيخبرون «2» به من يليهم حتى ينتهوا إلى أهل السماء الدنيا [30] فيسترق الجن ما يقولون، فينزلون به إلى أوليائهم من الإنس فيلقونه على ألسنتهم، بتوهم منهم فيخبرون الناس، فيكون بعضه حقاً، وبعضه كذبا، فلم يزل الجن كذلك حتى رموا بهذه الشهب.
نا أحمد: نا يونس عن يونس بن عمرو عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: إن الشياطين كانوا يصعدون إلى السماء، فيستمعون الكلمة من الوحي، فيهبطون بها إلى الأرض، فيزيدون معها تسعاً، فيجد أهل الأرض تلك الكلمة حقاً والتسع باطلاً، فلم يزالوا بذلك حتى بعث الله عز وجل محمداً صلى الله عليه وسلم، فمنعوا تلك المقاعد، فذكروا ذلك لإبليس، فقال: حدث في الأرض حدث، فبعثهم، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن بين حبلي نخل، فقالوا: هذا والله الحدث، وإنهم ليرمون فإذا توارى النجم عنكم فقد أدركه لا يخطىء أبدا، ولكنه لا يقتله، يحرق وجهه وجنبه ويده.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وقد كانت خديجة بنت خويلد قد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد، وكان ابن عمها، وكان نصرانيا قد تبع الكتب، وعلم من علم الناس ما ذكر لها غلامها ميسرة من قول الراهب، وما كان يرى منه، إذ كان الملكان يظلانه، فقال ورقة: لئن كان هذا حقاً يا خديجة، إن محمدا لنبي هذه الأمة، قد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر، هذا زمانه- أو كما قال.
فجعل ورقة يستبطىء الأمر ويقول: حتى متى، فكان فيما يذكرون
__________
(1) في ع: قومنا.
(2) في ع: فتخبرون.
يقول أشعارا يستبطىء فيها خبر خديجة، ويتريث ما ذكرت له، فقال ورقة ابن نوفل:
أتبكر أم أنت العشية رائح ... وفي الصدر من اضمارك الحزن قادح
لفرقة قوم لا أحب فراقهم ... كأنك عنهم بعد يومين نازح
وأخبار صدق خبرت عن محمد ... يخبرها عنه إذا غاب ناصح
فتاك الذي وجهت يا خير حرة ... بغوري والنجدين حيث الصحاصح
إلى سوق بصرى في الركاب التي غدت ... وهن من الأحمال قعص دوالح
فخبرنا عن كل حبر بعلمه ... وللحق أبواب لهن مفاتح
بأن ابن عبد الله أحمد مرسل ... إلى كل من ضمت عليه الأباطح
وظني به أن سوف يبعث صادقا ... كما أرسل العبدان هود وصالح
وموسى وإبراهيم حتى يرى له ... بهاء ومنشور من الذكر واضح [31]
ومتبعه حياً لؤي جماعة ... شبابهم والأشيبون الجحاجح
فإن أبق حتى يدرك الناس دهره ... فإني به مستبشر الود فارح
وإلا فإني يا خديجة فاعلمي ... عن أرضك في الأرض العريضة سائح
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الجزء الثاني من كتاب المغازي «1» رواية يونس بن بكير عن محمد بن اسحق وغيره Empty خبر الحنيفية.

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 15:25

خبر الحنيفية.
حدثنا أحمد: نا يونس عن محمد بن إسحق قال: وكانت قريش حين رفعوا بنيان الكعبة وسقوفها يترافدون على كسوتها كل عام، تعظيماً لحقها، وكانوا يطوفون بها، ويستغفرون الله عندها، ويذكرونه مع تعظيم الأوثان والشرك في ذبائحهم ودينهم كله، وقد كان نفر من قريش: زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، وعثمان بن الحارث «1» بن أسد بن عبد العزى، وعبد الله بن جحش بن رئاب، وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم حليف بني أمية، حضروا قريشاً عند وثن لهم كانوا يذبحون عنده لعيد من أعيادهم، فلما اجتمعوا خلا بعض أولئك النفر إلى بعض، وقالوا:
__________
(1) كذا في الأصل، والمعروف أنه ابن الحويرث- انظر الروض: 1/ 253.

تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض، فقال قائلهم: تعلمون والله ما قومكم على شيء لقد أخطأوا دين إبراهيم عليه السلام وخالفوه، ما وثن يعبد لا يضر ولا ينفع، فابتغوا لأنفسكم، فخرجوا يطلبون ويسيرون في الأرض يلتمسون أهل الكتاب من اليهود والنصارى والملل كلها، الحنيفة دين إبراهيم عليه السلام.
فأما ورقة بن نوفل فتنصر، فاستحكم في النصرانية، واتبع الكتب من أهلها، حتى علم علماً كثيراً من أهل الكتاب.
فلم يكن فيهم أعدل أمراً، ولا أعدل شأناً من زيد بن عمرو بن نفيل، اعتزل الأوثان وفارق الأديان من اليهود والنصارى والملل كلها إلا دين إبراهيم يوحد الله عز وجل ويخلع من دونه، ولا يأكل ذبائح قومه، باداهم بالفراق لما هم فيه.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسنداً ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش والذي نفس زيد بيده ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري، ثم يقول: اللهم لو أني أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به، ولكني لا أعلمه، ثم يسجد على راحته.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني بعض آل زيد بن عمرو بن نفيل أن زيداً كان إذا دخل الكعبة قال: لبيك حقا حقا تعبداً ورقاً، عذت بما عاذ به إبراهيم، وهو قائم، إذ قال: أنفي لك عان راغم (32) مهما تجشمني فإني جاشم، البر أبغي لا الخال- يقول: لا الفخر- ليس مهجر كمن قال. «1»
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني هشام بن عروة قال: رواني
__________
(1) انظر الروض: 1/ 262 مع فوارق كبيرة.
عروة بن الزبير إن زيد بن عمرو بن نفيل قال:
أرباً واحداً أم ألف رب ... أدين إذا تقسمت الأمور
عزلت اللات والعزى جميعا ... كذلك يفعل الجلد الصبور
فلا عزى أدين ولا ابنتيها ... ولا صنمي بني عمرو أدير
ولا غنماً أدين وكان ربا لنا ... في الدهر إذ حلمي يسير
عجبت وفي الليالي معجبات ... وفي الأيام يعرفها البصير
بأن الله قد أفنى رجالاً ... كثيراً كان شأنهم الفجور
وأبقى آخرين ببر قوم ... فيربك منهم الطفل الصغير
وبينا المرء يعثر ثاب يوما ... كما يتروح الغصن النضير
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وقال زيد بن عمرو بن نفيل أيضاً:
أسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الأرض تحمل صخراً ثقالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له المزن تحمل عذباً زلالا
إذا هي سيقت إلى بلدة ... أطاعت فصبت عليها سجالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... له الريح تصرف حالا فحالا
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكان الخطاب بن نفيل قد آذى زيد ابن عمرو بن نفيل حتى خرج عنه إلى أعلى مكة، فنزل حراء، مقابل مكة، ووكل به الخطاب شباباً من شباب قريش وسفهاء من سفهائهم، فقال: لا تتركوه يدخل مكة، فكان لا يدخلها إلا سراً منهم، فإذا علموا بذلك آذنوا به الخطاب، فأخرجوه وآذوه كراهية أن يفسد عليهم دينهم، وأن يتابعه أحد منهم على فراقهم، وكان الخطاب عم زيد، وأخاه لأمه، وكان عمرو بن نفيل قد خلف على أم الخطاب بعده، فولدت له زيد بن عمرو، وكان الخطاب عمه وأخوه لأمه مع سنه، فكان يعاتبه على فراق دين قومه حتى آذاه، فقال زيد بن عمرو وهو يعظم حرمته على من استحل من قومه ما استحل:
اللهم إني محرم لا أحلة ... وإن بيتي أوسط المحلة
عند الصفا ليس بذي مظلة
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: فحدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدث عن زيد بن عمرو بن نفيل: إن كان لأول (33) من عاب علي الأوثان، ونهاني عنها، أقبلت من الطائف ومعي زيد بن حارثة حتى مررت بزيد بن عمرو وهو بأعلى مكة وكانت قريش قد شهرته بفراق دينها حتى خرج من بين أظهرهم، وكان بأعلى مكة، فجلست إليه ومعي سفرة لي فيها لحم يحملها زيد بن حارثة من ذبائحنا على أصنامنا، فقربتها له، وأنا غلام شاب، فقلت: كل من هذا الطعام أي عم، قال: فلعلها أي ابن أخي من ذبائحكم هذه التي تذبحون لأوثانكم؟
فقلت: نعم، فقال: أما إنك يا ابن أخي لو سألت بنات عبد المطلب أخبرنك أني لا آكل هذه الذبائح، فلا حاجة لي بها، ثم عاب علي الأوثان ومن يعبدها ويذبح لها، وقال: إنما هي باطل لا تضر ولا تنفع، أو كما قال.
قال؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما تحسست بوثن منها بعد ذلك على معرفة بها، ولا ذبحت لها حتى أكرمني الله عز وجل برسالته «صلى الله عليه وسلم» .
نا أحمد: نا يونس عن المسعودي عن نفيل بن هشام عن أبيه قال: مر زيد بن نفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى زيد بن حارثة، فدعواه إلى سفرة لهما، فقال زيد:
يا ابن أخي إني لا آكل ما ذبح على النصب، قال: فما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك اليوم يأكل شيئاً ذبح على النصب. «1»
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وقد كان زيد أجمع على الخروج من مكة يضرب في الأرض، يطلب الحنيفية دين إبراهيم، فكانت إمرأته صفية ابنة الحضرمي كلما أبصرته قد نهض إلى الخروج وأراده، آذنت به الخطاب بن نفيل، فخرج زيد إلى الشام يلتمس ويطلب في أهل الكتاب الأول دين إبراهيم،
__________
(1) لم أقف على هذا الخبر في مصدر آخر.
ويسأل عنه، فلم يزل في ذلك حتى أتى الموصل، أو الجزيرة كلها، ثم أقبل حتى أتى الشام، فجال فيها حتى أتى راهبا ببيعته من أرض البلقاء كان ينتهي إليه علم النصرانية، فيما يزعمون، فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم، فقال الراهب:
إنك لتسأل عن دين ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم، لقد درس علمه، وذهب من يعرفه، ولكنه قد أظلك خروج نبي يبعث بأرضك التي خرجت منها بدين إبراهيم، الحنيفية، فعليك ببلادك فإنه مبعوث الآن، هذا زمانه، وقد كان شام «1» اليهودية والنصرانية، فلم يرض شيئاً منهما فخرج سريعا- حين قال له الراهب ما قال- يريد مكة، حتى إذا كان بأرض لخم، عدوا عليه فقتلوه فقال ورقة بن نوفل، وكان قد اتبع مثل أثر زيد، ولم يفعل في ذلك (34) ما فعل، فبكاه ورقه فقال:
رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما ... تجنبت تنورا من النار حاميا
بدينك ربا ليس رب كمثله ... وتركك أوثان الطواغي كما هيا
وقد تدرك الإنسان رحمة ربه ... ولو كان تحت الأرض ستين وادياً
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، أو محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي أن عمر بن الخطاب، وسعيد ابن زيد قالا: يا رسول الله نستغفر لزيد؟ فقال: نعم، فاستغفروا له، فإنه يبعث أمة وحده.
نا أحمد: نا يونس عن المسعودي عن نفيل بن هشام عن أبيه أن جده سعيد بن زيد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه زيد بن عمرو فقال: يا رسول الله إن أبي زيد بن عمرو كان كما رأيت، وكما بلغك، فلو أدركك آمن بك، فأستغفر له؟ قال: نعم، فاستغفر له فإنه يجيء يوم القيامة أمة وحده، وكان فيما ذكروا يطلب الدين، فمات وهو في طلبه.
__________
(1) أي اختبر.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: وكان حين أراد الله عز وجل كرامة نبيه صلى الله عليه وسلم، ورحمة العباد به واتخاذ الحجة عليهم، والعرب على أديان مختلفة متفرقة، مع ما يجمعهم من تعظيم الحرمة، وحج البيت، والتمسك بما كان بين أظهرهم من آثار إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وهم يزعمون أنهم على ملته، وكانوا يحجون البيت على اختلاف من أمرهم فيه.
فكانت الحمس: قريش وكنانة، وخزاعة، ومن ولدت قريش من سائر العرب يهلون بحجهم، فمن اختلافهم أن يقولوا: لبيك، لا شريك لك إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك. فيوحد فيه بالتلبية، ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده- يقول الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم: «وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ «1» » ولا يخرجون من الحرم ولا يدفعون من المزدلفة، يقولون: نحن أهل الحرم، فلا نخرج منه، وكانوا يسكنون البيوت إذا كانوا حرماً، وكان أهل نجد من مضر يهلون إلى البيت ويقفون على عرفة.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الجزء الثاني من كتاب المغازي «1» رواية يونس بن بكير عن محمد بن اسحق وغيره Empty أول ما ابتدىء به رسول الله من النبوة.

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الإثنين 27 مارس 2017 - 15:29

أول ما ابتدىء به رسول الله من النبوة.
نا أحمد نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: أول ما ابتدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين أراد الله عز وجل كرامته ورحمة العباد به ألا يرى شيئاً إلا جاءت كفلق الصبح. (35) فمكث على ذلك ما شاء الله عز وجل أن يمكث، وحبب الله عز وجل إليه الخلوة، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده.
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي، وكان واعية، عن بعض أهل العلم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الله عز وجل كرامته، وابتدأه بالنبوة، كان لا يمر بحجر ولا شجر إلا سلم عليه وسمع منه، فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه وعن يمينه وعن شماله فلا يرى إلا الشجر وما حوله من الحجارة وهي تحييه بتحية النبوة: السلام
__________
(1) سورة يوسف: 106.

عليك، رسول الله، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى حراء في كل عام شهرا من السنة ينسك فيه، وكان من نسك في الجاهلية من قريش يطعم من جاءه من المساكين، حتى إذا انصرف من مجاورته وقضاه لم يدخل بيته حتى يطوف بالكعبة حتى إذا كان الشهر الآخر الذي أراد الله عز وجل ما أراد من كرامته من السنه التي بعثه فيها، وذلك شهر رمضان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يخرج لجواره، وخرج معه بأهله، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله عز وجل فيها برسالته، ورحم العباد به جاءه جبريل بأمر الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
جاءني وأنا نائم «1» فقال: إقرأ، فقلت: وما اقرأ «2» ؟ حتى ظننت أنه الموت، ثم كشطه عني فقال: إقرأ، فقلت وما أقرأ؟ فعاد لي بمثل ذلك ثم قال: إقرأ، فقلت: وما أقرأ؟ وما أقولها إلا تنجيا أن يعود لي بمثل الذي صنع بي فقال:
«اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ» ثم انتهى فانصرف عني، وهببت من نومي، وكأنما صور «3» في قلبي كتاب، ولم يكن في خلق الله عز وجل أحد أبغض إلي من شاعر أو مجنون، كنت لا أطيق أنظر إليهما، فقلت: إن الأبعد- يعني نفسه، صلى الله عليه وسلم- لشاعر أو مجنون، ثم قلت: لا تحدث قريش عني بهذا أبداً، لأعمدن إلى حالق من الجبل، فلأطرحن نفسي منه، فلأقتلنها، فلأستريحن، فخرجت ما أريد غير ذلك، فبينا أنا عامد لذلك سمعت منادياً ينادي من السماء يقول: يا محمد! أنت رسول الله، وأنا جبريل، فرفعت رأسي إلى السماء أنظر، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد! أنت رسول الله، وأنا جبريل، فوقفت أنظر إليه، وشغلني عن ذلك وعما أريد، فوقفت ما أقدر على أن (93) أتقدم ولا أتأخر ولا أصرف وجهي في
__________
(1) زاد الطبري: 2/ 301 في روايته عن ابن إسحق «بنمط من ديباج فيه كتاب» .
(2) زاد الطبري «فغتني حتى ... » أي عصر في عصرا شديدا.
(3) في رواية الطبري «وكأنما كتب في..» .
ناحية من السماء إلا رأيته فيها، فما زلت واقفا ما أتقدم ولا أتأخر حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي حتى بلغوا مكة ورجعوا، فلم أزل كذلك حتى كاد النهار يتحول، ثم انصرف عني، وانصرفت راجعا إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفاً إليها، فقالت: يا أبا القاسم أين كنت فو الله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا، فقلت لها: إن الأبعد لشاعر أو مجنون، فقالت: أعيذك بالله يا أبا القاسم من ذلك، ما كان الله عز وجل ليفعل بك ذلك مع ما أعلم من صدق حديثك، وعظم أمانتك، وحسن خلقك، وصلة رحمك، وما ذاك يا ابن عم، لعلك رأيت شيئاً أو سمعته؟ فأخبرتها الخبر، فقالت: أبشر يا بن عم، واثبت له، فو الذي تحلف به إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة، ثم قامت فجمعت ثيابها عليها، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل- وهو ابن عمها، وكان قد قرأ الكتب، وكان قد تنصر، وسمع التوراة والانجيل، فاخبرته الخبر، وقصت عليه ما قص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى وسمع، فقال ورقة: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة، إنه لنبي هذه الأمة، وإنه ليأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى عليه السلام، فقولي له فليثبت، ورجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ما قال لها ورقة، فسهل ذلك عليه بعض ما هو فيه من الهم بما جاءه فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره صنع كما كان يصنع، بدأ بالكعبة فطاف بها، فلقيه ورقة وهو يطوف بالكعبة، فقال: يا ابن أخ أخبرني بالذي رأيت وسمعت، فقص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم خبره، فقال ورقة: والذي نفس ورقة بيده إنه ليأتيك الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى عليه السلام، وإنك لنبي هذه الأمة، ولتؤذين، ولتكذبن، ولتقاتلن، ولتنصرن، ولئن أنا أدركت ذلك لأنصرنك نصراً يعلمه الله، ثم أدنى إليه رأسه فقبل يافوخه، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله وقد زاده الله عز وجل من قول ورقة ثباتاً، وخفف عنه بعض ما كان فيه من الهم.
نا أحمد: نا يونس عن قرة بن خالد قال: حدثني أبو رجاء العطاردي قال: أول سورة نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ» .
نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وقد قال ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي فيما كانت ذكرت (37) له خديجة من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يزعمون:
إن يك حقا يا خديجة فاعلمي ... حديثك إيانا فأحمد مرسل
وجبريل يأتيه وميكال معهما ... من الله وحي يشرح الصدر منزل
يفوز به من فاز فيها بتوبة ... ويشقى به العاتي الغوي المضلل
فريقان منهم فرقة في جنانه ... وأخرى بأحواز الجحيم تغلل
إذا ما دعوا بالويل فيها تتابعت ... مقامع في هاماتهم ثم من عل
فسبحان من تهوي الرياح بأمره ... ومن هو في الأيام ما شاء يفعل
ومن عرشه فوق السموات كلها ... وأقضاؤه في خلقه لا تبدل
وقال ورقة في ذلك أيضاً:
يا للرجال لصرف الدهر والقدر ... وما لشيء قضاه الله من غير
حتى خديجة تدعوني لأخبرها ... وما لها بخفي الغيب من خبر
جاءت لتسألني عنه لأخبرها ... أمرا أراه سيأتي الناس من أخر «1»
فخبرتني بأمر قد سمعت به ... فيما مضى من قديم الدهر والعصر
بأن أحمد يأتيه فيخبره ... جبريل أنك مبعوث إلى البشر
فقلت عل الذي ترجين ينجزه ... لك الإله فرجى الخير وانتظري
وأرسليه إلينا كي نسائله ... عن أمر ما يرى في النوم والسهر
فقال حين أتانا منطقا عجبا ... يقف منه أعالي الجلد والشعر
إني رأيت أمين الله واجهني ... في صورة أكملت في أهيب الصور
__________
(1) في حاشية ع: لعله أحد.
ثم استمر فكاد الخوف يذعرني ... مما يسلم ما حولي من الشجر
فقلت ظني وما أدري أيصدقني ... أن سوف يبعث يتلو منزل السور
وسوف أبليك إن أعلنت دعوتهم ... من الجهاد بلا من ولا كدر
حدثنا أحمد: نا يونس بن بكير عن محمد بن إسحق قال: حدثني عبد الله ابن أبي بكر عن أبي جعفر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تصيبه العين بمكة، فتسرع إليه قبل أن ينزل عليه الوحي فكانت خديجة ابنة خويلد تبعث إلى عجوز بمكة ترقيه، فلما نزل عليه القرآن فأصابه من العين نحو مما كان يصيبه، فقالت له خديجة: يا رسول الله ألا أبعث إلى تلك العجوز فترقيك؟ فقال: أما الآن فلا.
نا أحمد: نا يونس عن هشام بن عروة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من نبي إلا وقد رعى الغنم، فقيل: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا.
نا أحمد: نا يونس عن يونس بن (38) عمرو عن أبيه عن عبيدة النصري قال: تفاخر رعاء الإبل ورعاء الغنم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوطأهم رعاء الإبل غلبة، فقالوا: ما أنتم يا رعاء النقد، هل تحمون أو تصيدون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فتكلم فقال: بعث موسى عليه السلام وهو راعي غنم، وبعث داود وهو راعي غنم، وبعثت أنا، وأنا راعي غنم أهلي بأجياد، فغلبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نا أحمد: نا يونس عن عبيد بن عتيبة العيذي عن وهب بن كعب بن عبد الله بن سور الأزدي عن سلمان الفارسي أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه ليس من نبي إلا وله وصي وسبطان «1» ، فمن وصيك وسبطاك؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرجع شيئاً، فانصرف سلمان يقول: يا ويله، يا ويله كلما لقيه ناس من المسلمين قالوا: مالك سلمان الخير؟ فيقول سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن
__________
(1) في ع وشيطان، وهو تصحيف.
شيء، فلم يرد علي، فخفت أن يكون من عضب، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر قال: أدن يا سلمان، فجعل يدنو ويقول: أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فقال: سألتني عن شيء لم يأتني فيه أمر، وقد أتاني أن الله عز وجل قد بعث أربعة آلاف نبي، وكان أربعة آلاف وصي وثمانية آلاف سبط، فو الذي نفسي بيده لأنا خير النبيين، وإن وصيي لخير الوصيين، وسبطاي خير الأسباط.
آخر الجزء الثاني- يتلوه في الثالث إن شاء الله: نا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: ثم بعث الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وكافة للناس.
والحمد لله حق حمده وصلواته على محمد سيد المرسلين وعلى أله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا، وحسبنا الله ونعم الوكيل «1» .
__________
(1) يتبع هذا ورقة عليها سماعات متنوعة بعضها تم سنة ست وخمسين وأربعمائة للهجرة.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى