منتديات أنوار المدينة
أهلاً وسهلااً بك زائرنا الكريم إذا كانت هذه زيارتك الأولى نرجو من حضرتك التسجيل
حتى تتمكن من استعمال العناوين الخارجية

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات أنوار المدينة
أهلاً وسهلااً بك زائرنا الكريم إذا كانت هذه زيارتك الأولى نرجو من حضرتك التسجيل
حتى تتمكن من استعمال العناوين الخارجية
منتديات أنوار المدينة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الفصل الثاني: في الثقافة الإسلامية ركائز الثقافة الإسلامية الحقائق اليقينية الهادية ... ركائز الثقافة الإسلامية

اذهب الى الأسفل

الفصل الثاني: في الثقافة الإسلامية ركائز الثقافة الإسلامية الحقائق اليقينية الهادية ... ركائز الثقافة الإسلامية Empty الفصل الثاني: في الثقافة الإسلامية ركائز الثقافة الإسلامية الحقائق اليقينية الهادية ... ركائز الثقافة الإسلامية

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الأربعاء 5 أبريل 2017 - 4:02

الفصل الثاني: في الثقافة الإسلامية
ركائز الثقافة الإسلامية
الحقائق اليقينية الهادية
...
ركائز الثقافة الإسلامية
1- الحقائق اليقينية الهادية:
إن للإسلام مفاهيم صحيحة سليمة كاملة في كل شأن من شئون الكون والإنسان والحياة، وإذا كانت المفاهيم عن هذه الشئون لدى العقائد المحرفة، ولدى كثير من الفلاسفة والمفكرين وواضعي النظم من البشر تتسم بالغموض والتعقيد تارة، أو يجانبها الصدق والعمق تارة أخرى، أو تصدر عن الفرض والتخمين حينًا، وعلى الأساطير والأوهام حينًا آخر؛ فإنها بذلك لا ترتكز على الحقائق الناصعة الثابتة، ولا تقوم على قواعد يقينية جازمة.
أما مفاهيم الإسلام؛ فهي مبرأة من هذه الآفات كلها؛ لأنها ليست منبعثة عن نظرة بشرية محدودة، لا تستوعب ذاتها فضلًا عن أن تستوعب غيرها، وهي تُسَفِّهُ المنطق السطحي، وتهدم الظن والوهم وتعده زرايةً بالعقل، واستهانة بكرامة الإنسان. أما الأساطير التي تصدر عنها تلك العقائد والتصورات فهي -في مفاهيم الإسلام- أشلاء ممزقة ميتة لا يصدقها أو يتعلق بها من أوتي حظًا من نظر وتفكير، وهي سذاجة ضالة مردية لا تليق بحقيقة هذا الإنسان الذي حباه الله العقل، وأرشده إلى دلائل المعرفة الصحيحة، وزوده بوسائل النظر السديد. إن مفاهيم الإسلام منبثقة عن عقيدة ربانية شاملة لا ترتكز إلا على
الحقائق الجلية الثابتة، ولا تقوم إلا على اليقين الجازم، وهي متسمة بالوضوح والصدق والعمق، وتقيم -من حيث الاعتقاد والتفكير- لدى البشر جميعًا.. التصور الصحيح الدقيق المتكامل للكون والإنسان والحياة.
إن منهج الإسلام -في ارتكازه على الحقائق اليقينية الهادية- يربط الحقائق المفردة في الكون والحياة ربطًا يصلها بأجل حقيقة وأكبرها وهي العقيدة..؛ وبذلك لا يدع هذه الحقائق المبثوثة أمام العقل الإنساني والشعور والضمير، ضروبًا من المعرفة الجامدة، والمعلومات المجردة، التي لا روح فيها ولا حياة لها -كما تحاول خرافة "المنهج العلمي" أن تصنع- بل يبث منهج الإسلام في هذه المعارف والمعلومات، والحقائق الظاهرة والمضمرة حياة تفتح البصائر، وروحًا توقظ الضمائر، ويزودها بالتأثير العجيب الذي يعمق أوثق أواصر الصلة بين الحقائق الهادية، والعقول المستنيرة، والقلوب المتفتحة للإيمان والخير.
"وهذه الوصلة بين القلب البشري وإيقاعات هذا الكون الهائل الجميل.. هذه هي الوصلة التي تجعل للنظر في كتاب الكون والتعرف إليه أثرًا في القلب البشري، وقيمة في الحياة البشرية، هذه هي الوصلة التي يقيمها القرآن بين المعرفة والعلم، وبين الإنسان الذي يعرف ويعلم، وهي التي تهملها مناهج البحث التي يسمونها "علمية" في هذا الزمان؛ فتقطع ما وصل الله من وشيجة بين الناس والكون الذي يعيشون فيه. فالناس قطعة من هذا الكون لا تصح حياتهم ولا تستقيم إلا حين تنبض قلوبهم على نبض هذا الكون، وإلا حين تقوم الصلة وثيقة بين قلوبهم وإيقاعات هذا الكون الكبير"1.
وإذا كنا نلح اليوم على هذه المفاهيم الإسلامية، ونلقي المزيد من النور على حقائقها الكبرى؛ فليست الغاية من ذلك توسيع آفاق المعرفة بها فحسب، وتثقيف العقول برصيدها الفكري الضخم.
__________
1 سيد قطب: "في ظلال القرآن" ج26 ص158
إن المعرفة والثقافة وسيلتان لغاية أبعد، وهدف أكبر. وهل ثمة أجلّ وأسمى من أن تستحيل المعرفة إلى طاقة محركة، وقوة دافعة، تصبغ الواقع الإنساني في إطار الضمير والشعور والسلوك بصبغة هذه المفاهيم النقية الخيرة.. وتتمثل في حياة البشر نظامًا وخلقًا، وجهادًا وحكمًا، وقيادة صالحة، تحمل مشاعل الحق والنور لهذه الإنسانية التي وضعتها المفاهيم الضالة المنحرفة على حافة هاوية الدمار الرهيب ... ؛ فينبغي أن تنقلب هذه المفاهيم واقعًا بشريًّا حيًّا، ونماذج إنسانية فعالة حتى لا تكون كالماء المسفوح على قيعان لا تمسكه ولا تنتفع به. وقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاقة الوثيقة بين المعرفة والعمل، وضرورة توافر الأمرين معًا في هذا المثل الحي الجميل:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَثَلُ ما بعثني اللهُ به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضًا؛ فكان منها نقيةً قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادبُ أمسكت الماء؛ فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى؛ إنما هي قيعان لا تمسك ماءً ولا تنبتُ كلأً؛ فذلك مَثَلُ من فقهُ في دين الله ونَفَعهُ ما بعثني الله به فَعلِمه وعلَّمه، ومثل مَنْ لم يرفع بذلك رَأسًا، ولم يقبل هُدى الله الذي أُرسلتُ به" 1.
__________
1 رواه الشيخان
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الفصل الثاني: في الثقافة الإسلامية ركائز الثقافة الإسلامية الحقائق اليقينية الهادية ... ركائز الثقافة الإسلامية Empty 2- المنهج الإلهي الشامل:

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الأربعاء 5 أبريل 2017 - 4:05

- المنهج الإلهي الشامل:
إن الثقافة الإسلامية -في حقيقتها- هي هذه المفاهيم الحية الخيرة، المستمدة من العقيدة بمعناها الشامل وآفاقها الواسعة؛ فهي عقيدة التوحيد، ومنهج الحق، وشرعة العدل، وقيم الخير ورسالة الهدى والاستقامة، وهي
أمانة الله تبارك وتعالى، ودستوره الخالد للبشر، وسبيل السعادة الكاملة لهم في الدنيا والآخرة، وهي -بأصولها الكبرى وأهدافها المثلى- المنهج السوي القويم الذي لا تصلح الحياة الإنسانية إلا به، ولا يستقيم أمر البشر إلا بهداه، وهي حق في ذاتها ومصدرها، ووسائلها وغاياتها، عميقة في دلائلها وآثارها، متلائمة أوثق التلاؤم مع فطرة الإنسان وأشواقه وحاجاته.
وإن في حياة كل أمة مواقف حاسمة، حين تقف على مفترق طرق مختلفة، ينتهي أحدها بالأمة إلى العزة والمنعة والنصر، ويؤول بها إلى مدارج القوة والكرامة والمجد.. وتؤدي بها السبل الأخرى إلى الذل والضعف والهزيمة، وتقذف بها إلى مهاوي الضياع والتيه والدمار.. وعلى ضوء اتخاذ الموقف الملائم، وحسن الاختيار بسلوك الصراط السوي، تصنع الأمة تاريخها، وتحدد معالم مستقبلها، وتبني صروح أمجادها، أما إذا جانبت الصواب، وانحرفت عن الطريق المستقيم، واستهواها ما في الطرق الملتوية من مظاهر خادعة تميل إليها النفوس، ويغري بها حب الإنسان للدعة والراحة وخفض العيش، وعزوفه عن السير في الطرق الصعبة، واقتحام العقبات، واحتمال الأعباء؛ فإن إيثار السير في هذه السبل -على ما بها من مشوّقات- لا يصل بالأمة إلى ما ينبغي أن تطمح إليه من أهداف كبيرة، وأمجاد رفيعة، ووجود صحيح، إن لم تعرضها للانهيار والانحلال وذل الأبد وسوء المصير.
وفي المنهج الإلهي الذي يرسم للبشر خطة السير الصحيح، وسلوك السبيل الأقوم في الحياة؛ لتحقيق أسمى الغايات، وإدراك السعادة الكاملة للأفراد والجماعات بيان لهذه الحقيقة، وتصوير لما ينتظر المنحرفين عن سبيل الحق من تفرق وتمزق وهلاك محتم.
قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} 1.
__________
1 الأنعام: 152
هذا هو المنهج السوي الذي لا تعرج فيه ولا التواء؛ إنه صراط الله المستقيم الذي يجمع في إحكامٍ بالغ وتناسق رائع، بين العقيدة الحقة النيرة، والنظام الكامل للحياة الطيبة، وهو تناسق وإحكام يعمق هذه الصلة الوثيقة بين مقتضى العقيدة وطبيعة النظام؛ بحيث تقوم تشريعات النظام إيمانًا في القلب، ودفعًا في المشاعر، ويقينًا في البصائر، ويقظة في الضمائر.. قبل أن تقوم في أوضاع المجتمع وحياة الناس؛ وبهذا يمتاز المنهج الإسلامي -الذي تتحقق به هذه الصلة وهذا الانسجام بين الفكر والوجدان من جهة وشئون الحياة وأوضاعها من جهة أخرى- عن أي منهج آخر من المناهج الأرضية التي تظل مُسِفَّةً هابطةً مهما ادَّعَتْ من السمو والارتفاع، ما دامت تفقد هذه الصلة الاعتقادية، وحركتها الضخمة الواسعة في النفوس والحياة.
هنالك إذن منهج واحد، واضح مستقيم، مأمون العاقبة، مضمون السلامة نيِّر مشرق، لم تخططه في فكر الإنسان وضميره وسلوكه في الحياة فلسفة معقدة ملتوية، أو تجربة ناقصة شوهاء، أو نظرية ليس لها سند من علم ويقين، ولم تفرضه أزمة عارضة في حياة شعب، أو مرحلة عاجلة في تاريخ أمة، أو هدف موقوت لجماعة من البشر؛ فهذه كلها ليست سوى ضروب من النشاط الإنساني المحدود -فرديًا كان أو جماعيًا- لم تتحرر ولن تتحرر من الخضوع لقيود الزمان والمكان، ولم ترتفع -وليس بمقدورها أن ترتفع- عن مستوى التقاليد المألوفة، أو الأعراف الشائعة، أو التراث القومي أو التأثر بنزعة فردية، أو مشكلة اجتماعية، أو فكرة عنصرية أو غير ذلك مما ولَّدته في حياة الناس اعتبارات ضيقة، أو هزات اجتماعية، أو مراحل تاريخية.
قد يكون في شيءٍ من هذه وَهْمُ الصلاح بَعْضَ حين لبعض الناس، وفي بيئة دون أخرى؛ ولكنها لا تصلح أبدًا لكل الناس، في كل زمان ومكان وكيف تصلح لقيادة ما هي منقادة إليه، ومصفدة بأغلاله؟ كيف تصلح وهي -في أقل صورها سوءًا وأحسنها مظهرًا- ليست إلا خلاصة فكر قاصر بطبعه
ومصدره وعوامل تكوينه ومدى انطلاقه؛ فهل يسوغ في منطق طبائع الأشياء أن يهيمن نتاج فكر محدود مهما علا -وهو ظاهرة كونية مخلوقة- على الكيان البشري كله، ويرسم له خطة السير في الحياة وهو عاجز عن أن يستوعب بعض أجزاء الكون الواسع الكبير، أو يدرك أسراره العجيبة؛ فضلًا عن عجزه التام -الذي لم يبلغ به الغرور حَدَّ إنكاره- عن التأثير في سنن الكون ونظامه. ولا شك أن هذا المثل القرآني يطامن كبرياء هذا الفكر، وتعاليه الأجوف، ونزوعه إلى ممارسة ما ليس أهلًا له في تعنت وجحود، وجهالة واستكبار.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ، مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} 1.
"وإن العقيدة في نظام الإسلام -كما يتجلى ذلك في القرآن الكريم والسنة النبوية- تتصل بجميع أجزاء هذا النظام؛ فهي الأساس التي تبنى عليه نظرته أو نظامه الخلقي، وهي التي تكون الأساس الفكري لعقلية المسلم، والأساس النفسي لسلوكه، ومنها كذلك تنبثق نظرته إلى الحياة الاقتصادية، والحياة السياسية وعلى أساس فلسفتها يبنى نظامها.
وخلاصة الأمر أن مضمون العقيدة له تأثير كبير في الحياة الإسلامية؛ سواء الفردية أم الاجتماعية. ويلاحظ أنها تتخلل جميع سور القرآن بلا استثناء، وأنها تتخلل جميع أحكامه الأخلاقية والتشريعية؛ فلا تستطيع أن تعزل قواعد التنظيم الحقوقي الاجتماعي الموجودة في القرآن عن هذا العنصر الإيماني الذي يتخللها ويحيط بها. نعم إنه يمكنك أن تجرد هذه القواعد الحقوقية؛ لكنك تكون قد عطلت الجهاز المتحرك عن حركته وأفقدته روحه وحيويته، وقطعت
__________
1 الحج: 73-74
شرايينه وأعصابه، وأصبح قطعة مفصولة عن أصلها للتحليل والتشريح، لا آلة فعالة من جهاز كبير يعمل.
على أساس هذه النظرية سنضع العقيدة في موضعها من نظام الإسلام، وهي اللبنة الأساسية في بنائه، وهي التي تمد ما في أجزائه بالحياة وتحدد اتجاهاتها ومعالمها، وتتضمن العقيدة الحقائق الكبرى التي دعا القرآن إلى الإيمان بها، أو التي وجه الإنسان وأرشده إليها وهي تصور الوجود، وجود الله الخالق، ووجود الكون والإنسان. والصلة بين الله والكون والإنسان، وكذلك الحياة وما وراءها من حياة أخرى أو المصير والجزاء. والنبوة التي هي طريق معرفة هذه الحقائق الكبرى1.
ترتكز الثقافة الإسلامية بهذا على المنهج الرباني وحده وتتجلى في الاعتقاد الحق، والتصور الصحيح، وقواعد الأخلاق والسلوك، والقيم والموازين التي تسود المجتمع، ونظم السياسة والاجتماع والاقتصاد.. كما تتمثل هذه الثقافة كذلك في المعرفة بكل جوانبها، وفي قواعد العمل الفكري، والنشاط العلمي، وكل ما شرعه الله تبارك وتعالى لتنظيم الحياة البشرية؛ "فالثقافة الإسلامية شاملة لكل حقوق النشاط الفكري، والواقعي والإنساني، وفيها من القواعد والمناهج والخصائص ما يكفل نمو هذا النشاط وحيويته دائمًا"2.
__________
1 محمد المبارك: "نظام الإسلام، العقيدة والعبادة" ص28.
2 انظر في تفصيل ذلك كتاب "معالم في الطريق" تأليف: سيد قطب، فصل "التصور الإسلامي، والثقافة" ص165-182
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الفصل الثاني: في الثقافة الإسلامية ركائز الثقافة الإسلامية الحقائق اليقينية الهادية ... ركائز الثقافة الإسلامية Empty رصيد الفطرة الإنسانية الأصلية

مُساهمة من طرف شريف ابراهيم الأربعاء 5 أبريل 2017 - 4:08

رصيد الفطرة الإنسانية الأصلية
...
3- رصيد الفطرة الإنسانية الأصيلة:
وترتكز الثقافة الإسلامية على رصيد حي ضخم من الفطرة الإنسانية الأصيلة فهي بذلك تنفذ إلى أعماق النفس الإنسانية التي فطرها الله تبارك وتعالى على الخير؛ فتقيمها على قاعدة الإيمان بالله وحده، والإذعان والرجاء في فضله،

والاحتكام إليه، وبذلك ترتفع بالإنسان إلى أفق العبودية الخالصة التي تتسق مع حقيقته وكرامته، وتنقذه من مواريث الجاهلية، وأوضاعها الباطلة التي تشوه الفطرة، وتهدد الكرامة، ويفقد فيها الإنسان معنى الإنسانية الأصيل فيه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كُلُّ مولود يُولَدُ على الفطرة، فأبواه يهوّدَانِه، أو يُنَصِّرانِهِ أو يمجسانه، كما تولد بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ " 1.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل: إني خلقت عبادي حنفاء؛ فجاءتهم الشياطين فاجتالَتْهُمْ عن دينهم، وحرَّمَتْ عليهم ما أحللتُ لهم" 2.
وبهذا يتضح أن مفاهيم الإسلام -وهي ثقافته- تتفاعل في النفس الإنسانية مع الفطرة النقية التي لو تركت وأصالتها -من غير محاولة إفسادها وتشويهها- لما انحرفت عن عهد الله، أو زاغت عن هداه، أو ضلت عن سبيله، ولانطلقت في جو الحقائق الناصعة، والبراهين الناطقة، والعظات النافعة، التي تتحرر بها العقول من الأوهام والتعطل، وتطهر بها القلوب من جواذب الانحراف وضغط الأهواء.
فإذا كانت موجبات الهداية، وموحيات الإيمان، وأسباب الاستقامة ممتزجةً بكيان الإنسان منذ نشأته، وكان نور الحق مركوزًا في فطرته؛ فإن ثقافة الإسلام إنما ترتكز على هذا الرصيد الكبير النقي في إقامة الوجود الحق الكريم للإنسان، وهي تنفرد بذلك عن أي ثقافة أخرى لا تملك هذا الرصيد، فتهبط بالإنسان من الأفق الرفيع الوضيء، وينأى عن هذه الموجبات والموحيات، ويستغرق في الضلال، وينسلخ من دلائل الحق في نفسه، وفي الكون من
__________
1 رواه الشيخان
2 رواه مسلم
حوله، ويتيه في مسالك الشيطان، وهي مسالك العقيدة الباطلة والفكر المنحرف، والسلوك الفاسد.
قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا، فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ، سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} 1.
فالفطرة البشرية -كما أنشأها الله عز وجل- محكومة بذلك الناموس الذي تصرفه المشيئة الإلهية، وهو ناموس التوحيد؛ فهي تدركه بطبيعتها؛ لأنه مستقر في صميمها، وهي تتجه وفق مقتضاه، وتتصرف بما يوحي إذا عَرِيَتْ عن التشويه والخلل، ولم تفسد بفعل الأهواء العارضة؛ فإذا سيطر الهوى على الفطرة فنالها بالتشويه والإفساد؛ كان من نتيجة ذلك أن ينحرف الإنسان عن الهدى، وتستغرق نزعات الشيطان، وينسلخ من آيات الله، ويضل سواء السبيل، وينزلق إلى حضيض الضعة، ويهبط إلى عالم الحيوان.
وإن من فضل الله تبارك وتعالى على هذا الإنسان أن زوده إلى جانب هذه الفطرة الصافية النقية، بالعقل الواعي الذي من شأنه أن يميز الحق من الباطل، والطيب من الخبيث، وبالعين المبصرة التي تشهد دلائل الهدى في الكون والحياة، وبالأذن المدركة التي تسمع ما يتلى عليها من عظات وتوجيهات.. فمن سلمت فطرته، وتيقظت بصيرته، واستخدم ما أنعم الله عليه من وسائل المشاهدة،
__________
1 الأعراف: 175-178
والمعرفة، فأيقن بالحق، وعرف طريق الاستقامة ومضى فيه؛ كان من المهتدين؛ وإلا كان من الضالين الغافلين الذين ينحدرون إلى درجة السوائم، بل هم أضل سبيلًا.
قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} 1.
ذلك هو الفرق الجوهري بين ما ترتكز عليه ثقافة الإسلام من الفطرة التي تسمو بالإنسان، وتضعه على طريق الهدى والخير والاستقامة، وبين الثقافات الأخرى التي لا تقيم وزنًا لهذه الفطرة وموجباتها ومقتضاها، فتهبط بالإنسان ذلك الهبوط المزري بكرامته، المنسلخ عن الحق، المغرق في ظلمات الضلال والفساد، المتقلب في القلق والشقاء والضياع.
__________
1 الأعراف: 179.
شريف ابراهيم
شريف ابراهيم
نائب المدير العام
نائب المدير العام

عدد المساهمات : 1930
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 28/08/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى